منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 12 - 05 - 2014, 03:12 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,016

الروح القدس والتعزيات الإلهية
قبيل الصليب أعلن السيد المسيح لتلاميذه أنه لا يتركهم يتامى (يو 14: 18)، وإنما يرسل لهم الروح القدس المعزي (يو 14: 16، 16: 7). وقد وصف سفر الأعمال الكنيسة الأولى وسط آلامها وأتعابها كيف كانت تنمو وتتكاثر مملوءة سلامًا داخليًا وتعزيات الروح: "وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة، فكان لها سلام، وكانت تُبنَي وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر" (أع 9: 31). هكذا كانت الكنيسة كجماعة مقدسة تجد في الروح القدس سرّ سلامها وتعزيتها وشبعها الروحي الحقيقي.
* يستحيل أن ينال أحد نعمة الله ما لم يكن له الروح القدس، الذي فيه كل عطايا الله [262].
القديس ديديموس الضرير
* يسمى (الروح القدس) المعزي، لأنه يعزي ويفرح الذين في الشدائد [263].
القديس مقاريوس الكبير
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
ثمار الروح

الروح القدس في محبته اللانهائية للبشر يهب المؤمنين الشركة مع الثالوث القدوس، هذه الشركة تقوم على تمزيق الخطيئة التي تحجب بيننا وبين الله، وعوض ثمار الخطيئة ينعمون بثمار الروح. فكما اقتطف الإنسان من روح الظلمة ثمار الخطيئة، التي هي بغضة ومرارة واضطرابات وخصام وغضب وسخط وشر وجحود ونجاسة الخ. هكذا يقدم الروح القدس ثمره للمؤمن: "محبَّة فرح سلام طول أناةٍ لطف صلاح إيمان وداعة تعفُّف..." (غل 5: 22) هذه الثمار أساسية في حياة المؤمن المجاهد ليحيا بها ويشبع ويتعزّى أثناء عبوره الباب الضيق والطريق الكرب، وتنفيذه الوصايا الصعبة من صلب وإنكار ذات وعطاء واحتمال الخ. إنها ثمار داخلية يقدمها الروح القدس كغذاء مجّاني يسند النفس وينعشها خلال الطريق الوعر.
هذه التعزيات الإلهية يقدمها الروح القدس للمجاهدين العاملين، لكن لا ببرّ ذاتي، بل في اتكال وتسليم وانسحاق بين يدّي الروح الساكن فيهم والعامل بهم.
في وسط الطريق المملوء مضايقات خارجية يهبنا الروح "حبًا" لله والناس، يُقدم للنفوس المجاهدة ليجعل النير حلوًا وهيّنًا.
وفي وسط الطريق المملوء أحزانًا كثيرة، يهب الروح القدس "فرحًا" داخليًا يسند النفس ويهبها روح الشكر.
وهكذا يقدم الروح حبًا وفرحًا وسلامًا... عطايا روحية داخلية مجانية تملأ حياة المكافحين قوة روحية للعمل لحساب السيد المسيح.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
الله هو فرح النفس


كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
النفس التي خُلقت على صورة الثالوث القدوس لا تشبع إلا به ولا تفرح إلا بالوجود في أحضانه، لهذا فإن الروح القدس إذ يدخل بنا وسط آلام هذه الحياة إلى الشركة مع الله تفرح نفوسنا في الرب، ولا تستطيع أحداث الحياة أن تنزع فرحنا منا.
يوصينا الرسول بولس وهو في داخل السجن وسط آلام الجسد التي لا تطاق قائلًا: "أخيرًا يا إخوتي افرحوا في الربّ". (في 3: 1) ثم يعود فيؤكد: "افرحوا في الرب كل حينٍ وأقول أيضًا افرحوا" (في 4: 4). إنه يستحيل على الإنسان أن يفرح "كل حين"، لأنه مَنْ مِن الناس لا تمر به ضيقات وآلام وتجارب كثيرة؟! ولكن بولس المسجون يتكلم عن اختبار، إذ يكتب وهو مقيَّد اليدين، وتحت آلام جسدية كثيرة، لكنه يعيش في خبرة الفرح في الرب كل حين.
إن النفس التي تُدرك هذه الحقيقة أن فرحها لا يكمن في بركات أرضية، أو إشباع شهوات جسدية أو رغبات معنوية، ولا في ضحك أو تسلية زمنية، بل في الروح القدس نفسه، تفرح تحت كل الظروف. وقد شبّه الأب بيامون النفس المملوءة فرحًا (بالروح القدس) بالإناء الفخاري الذي به ماء يطفئ كل جمرة غضب تسقط فيه، بينما يشتعل وينكسر لو كان يحمل مادة قابلة للاشتعال.
* لقد دَعي الروح القدس الذي سيرسله بالمعزي، ملقبًا إياه هكذا بسبب عمله، لأنه ليس فقط يعطي راحة لمن يجدهم مستحقين، ويخلصهم من كل غمٍ واضطرابٍ في النفس، بل في نفس الوقت يمنحهم فرحًا أكيدًا لا ينحل. يسكن في قلوبهم فرح أبدي حيث يقطن الروح القدس.
القديس ديديموس الضرير
* من المعلوم يا إخوتي أن كلًا منا يطلب راحته وفرحه، إلا أنه لا يطلب ذلك كما يجب ولا حيثما يوجد. فالأمر يتوقف على تمييز الفرح الحقيقي من الفرح الكاذب، وبالعكس فإننا غالبًا ما نُخدع بخيالات الفرح الباطل والخير الكاذب.
فالبخيل والمتجبر والشره والشهواني، كل منهم يطلب الفرح، إلا أن هذا يصنع فرحه في جمع غنى وافر، وذاك في شرف الرتب والكرامات، وهذا في المآكل والمشارب اللذيذة، وذاك في إشباع شهواته النجسة،ليس منهم من يطلب فرحه كما يجب ولا حيثما يوجد، من ثَمَّ لا يجده أحد منهم بالرغم من أن الكل يشتهونه.
كل ما في العالم لا يقدر أن يُشبع النفس ويُخوِّل لها فرحًا حقيقيًا، فلماذا إذًا تتعب أيها الإنسان الغبي، وتطوف باطلًا في أماكن كثيرة متوقعًا أن تجد خيرات تملأ بها نفسك وتُرضي بها جسدك؟! أحبب خيرًا واحدًا يحوي جميع الخيرات، ففيه وحده تجد الكفاية.
استرح إلى الخير الواحد العظيم العام، ففيه الكفاية عن كل شيء.
وأما أنتِ يا نفسي فباركي الرب الذي يُشبع بالخيرات عمرك (مز 103: 2، 5).
القديس أغسطينوس
* من طلب فرحه في ذاته يجد حزنًا. فإن جعلت سرورك في أن تباشر هذه الوظيفة وتسكن في ذلك المكان وما يشبه ذلك، فإنه يمكن لرئيسك أن ينزع سرورك منك، وبالنتيجة لا تكون مسرورًا قط...
إن شئت أن يكون فرحك ثابتًا باقيًا، التصق بالله السرمدي، ذاك الذي لا يعتريه تغيير، بل يستمر ثابتًا على حال واحد إلى الأبد.
القديس أغسطينوس
* حينما تمتلئ النفس من ثمر الروح تتعرّى تمامًا من الكآبة والضيق والضجر، وتلبس الاتساع والسلام والفرح بالله، وتفتح في قلبها باب الحب لسائر الناس.
القديس مار اسحق السرياني
* مملكة طاهر النفس داخل قلبه، والشمس التي تشرق فيها هي نور الثالوث القدوس، وهواء نسيمها هو الروح القدس المعزي، والسكّان معه هم طبائع الأطهار الروحانيين، وحياتهم وفرحهم وبهجتهم هو المسيح ضياء الآب...
* من نظر في ذاته إلى ربنا، وامتزجت نفسه بنوره، يمتلئ قلبه بالفرح.
الشيخ الروحاني
* كما أن الأشجار إن لم تشرب من الماء لا يمكنها أن تنمو، هكذا النفس إن لم تقبل الفرح السماوي لا يمكنها أن تنمو وتصعد إلى العلاء. أما النفوس التي قبلت الروح والفرح السماوي فهي التي تستطيع الارتفاع إلى العلاء... فقد انكشفت لها أسرار ملكوت السماوات وهي بعد في هذا الجسد، ووجدت دالة قدام الله في كل شيء، وكملت لها جميع طلباتها.
* النفس دائما تتربى بهذا الفرح وتسعد به، وبه تصعد إلى السماء، فهي كالجسد لها غذاء روحي.
القديس أنطونيوس الكبير
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
السلام الفائق العقل

بالروح القدس يتمزق حجاب الآثام الذي عزلنا عن صدر الله الحنون، فنعود نتكئ عليه مطمئنين مملوءين من السلام الخفي الحقيقي. إننا بالروح القدس نسمع صوت الرب، قائلًا: "سلامًا أترك لكم. سلامي أعطيكم..." (يو 14: 27)، فيملك سلامه في قلوبنا (كو 3: 15)، فنعيش في مصالحة دائمة مع الله والناس أيضًا.
_____
الحواشي والمراجع:
[262] De Spir. Sanc. 9.
[263] عظة 1:17.
رد مع اقتباس
قديم 12 - 05 - 2014, 03:13 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,016

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي

الروح القدس والأمجاد السمائية

في ليلة آلامه قدم السيد المسيح لنا روحه القدوس كمعلم فريد، "روح الحق" الذي يرشدنا إلى جميع الحق (يو 16: 13)، يعلمنا كل شيء، ويذكرنا بكل ما قاله السيد لنا (يو 14: 26). هذا المعلم الإلهي يقدم لنا ما هو للمسيح، ويعلنه لنا وفينا، إذ يقول السيد المسيح: “لأنهُ لا يتكلم من نفسهِ بل كلّ ما يسمع يتكلَّم بهِ ويخبركم بأمورٍ آتية. ذاك يمجدني، لأنهُ يأخذ ممَّا لي ويخبركم. كلُّ ما للآب هو لي. لهذا قلت أنه يأخذ مما لي ويخبركم". (يو 16: 13-15)
إنه ليس معلمًا بشريًا يستعرض أفكارًا ومعرفة تعطي لذة لعقولنا، بل المعلم الإلهي الذي يسكن أعماق النفس في الداخل، ليعلن فيها أمجاد المسيح كخبرة حياة نعيشها ونمارسها، فيتمجد المسيح فينا، ونحن أيضًا نحمل أمجاده في داخلنا، فنتغير داخليًا من مجدٍ إلى مجدٍ، لعلنا بالروح القدس نبلغ إلى ملء قامة المسيح. هذا ما لمسه الرسول بولس حين قارن بين عمل الناموس في أيام موسى النبي وعمل الروح القدس في ظل العهد الجديد، إذ يقول: "ثم إن كانت خدمة الموت المنقوشة بأحرفٍ في حجارةٍ قد حصلت في مجدٍ حتى لم يقدر بنو إسرائيل أن ينظروا إلى وجه موسى لسبب مجد وجههِ الزائل. فكيف لا تكون بالأَولى خدمة الروح في مجدٍ؟! ولكن حتى اليوم حين يُقرأُ موسى البرقع موضوع على قلبهم،ولكن عندما يرجع إلى الرب يُرفَع البرقع. وأما الربُّ فهو الروح، وحيث روح الرب هناك حرّيَّة. ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجهٍ مكشوف كما في مِرآةٍ نتغيَّر إلى تلك الصورة عينها من مجدٍ إلى مجدٍ كما من الرب الروح" (2 كو 3: 7-8، 15-18).
في القديم إذ ارتفع موسى على جبل حوريب بقي أربعين نهارُا وأربعين ليلة لا يأكل خبزًا ولا يشرب ماء، وإذ نزل حاملًا لوحيْ الشريعة: "فنظر هارون وجميع بني إسرائيل موسى وإذا جلد وجههِ يلمع. فخافوا أن يقتربوا إليهِ". (خر 34: 28-30) أما في العهد الجديد فإن الروح القدس الذي ينزع الحرف عن موسى (الناموس)، فإنه يرتفع بنا إلى الاتحاد مع السيد المسيح نفسه، فندخل إلى حالة تغير مستمر، نتغير بقوة الروح من مجدٍ إلى مجدٍ كقول الرسول. هذا التغير غير المنقطع يبدأ بميلادنا الجديد في مياه المعمودية، ثم نوالنا الروح القدس ساكنًا فينا يعمل بغير انقطاع كل أيام غربتنا مادمنا في جهادنا نتقبل عمله فينا. إنه يدخل بنا إلى مخازن الملك العظيم يسوع المسيح، يأخذ مما له ويخبرنا، أي يهبنا قدر ما نقبل من العطية. يقدم لنا إمكانيات السيد المسيح نفسه وأمجاده فينا، فتصير نفوسنا في مجدٍ خفيٍ يُظهره يوم الرب العظيم.
عرضت لنا العظة الخامسة للقديس مقاريوس هذا العمل الإلهي للروح القدس بصورة رائعة وبأمثلة قوية. جاء فيها أن المسيحي الحقيقي إذ صارت له شركة الروح القدس، لأنه مولود من الله من فوق، قد صارت مدينته في السماوات (في 3: 20) يكشف له الروح [الخيرات الأبدية كما في مرآة". إنه يهبه سلام المسيح ومحبة الرب وشهوة السماء، وذلك خلال الآلام والعرق والتجارب والحروب الروحية الكثيرة، لكنه ينعم بهذه الأمور بنعمة الله [264].] [المسيحي الحقيقي يدخل إلى خبرة مجدٍ سماويٍ خارج عن الجسد، إذ يُجرح بجمالٍ آخر (غير جسدي) لا ينطق به [265].] [أولئك الذين تساقط عليهم ندى روح الحياة، أي ندى اللاهوت، فجرح قلوبهم بحب إلهي للمسيح الملك السماوي، وارتبطوا بذلك الجمال والمجد الفائق الوصف والحُسن عديم الفساد وغنى المسيح الملك الحقيقي الأبدي، الغنى الذي يفوق الوصف [266].]

كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
بهذا الغنى يتدرب الإنسان على الحياة الملوكية، حتى متى جاء يوم الرب العظيم يدخل الملكوت فلا يراه غريبًا عنه، إنما عاش في عربونه، وتمتع بغناه بالروح القدس وهو على الأرض.
إنه يشبِّه المسيحي بأشجار الشتاء التي تبدو في مظهرها بلا أوراق ولا ثمار، بلا جمال، تحمل علامات الجفاف والموت من خارج، لكن الداخل يحمل حياة، متى جاء الربيع أي "القيامة" انكشفت حياتها الداخلية وأمجادها وظهرت ثمارها! هكذا يقدم لنا الروح القدس أمجاد المسيح في داخلنا ولا تظهر على أجسادنا هنا، لكن في يوم الرب العظيم تنعم هذه الأجساد مع النفوس بالمجد الذي كان مخفيًا فيها، ولا يكون غريبًا عنها: [كل النفوس التي تحب الله، أعني المسيحيين الحقيقيين أول شهورهم شهر نيسان الذي هو يوم القيامة، فبفاعلية شمس البرّ (ملا 4: 3) يخرج مجد الروح القدس من الداخل فيكسو أجساد القديسين ويسترها، ذلك المجد الذي كان لهم قبلًا مخفيًا داخل نفوسهم، لأن كل ما للنفس الآن سوف يظهر بعينه في الجسد في ذلك اليوم [267].]
يقول الرسول: "وإن كنا لابسين لا نوجد عراةً". (2 كو 5: 3) فإذ نلبس الروح، ونكون هيكلًا مقدسًا له لا يترك حتى جسدنا عاريًا، بل يسكب فيه مجد المسيح يسوع القائم من الأموات، كقول الرسول: "فالذي أقام المسيح من الأموات سيُحيي أجسادكم المائتة أيضًا بروحهِ الساكن فيكم" (رو 8: 11)، "لكي تُظهَر حياة يسوع أيضًا في جسدنا المائت" (2 كو 4: 11)، "لكي يُبتلَع المائت من الحياة" (2 كو 5: 4)...
بهذا إذ يُهدم بيت خيمتنا الأرضي أي جسدنا، لا نظهر عُراة بل يكون "لنا في السماوات بناء من الله بيت غير مصنوع بيدٍ أبديّ" (2 كو 5: 1)، أي يظهر مجد السيد المسيح السماوي الذي كان مخفيًا في جسدنا الضعيف: [لنسعَ إذًا أن نقتني ذلك اللباس هنا بالإيمان والحياة الفاضلة، حتى حينما نخلع الجسد لا نوجد عراة ولا يحتاج جسدنا في ذلك اليوم إلى شيء يمجده، لأن كل واحد بقدر ما يُحسب أهلًا لشركة الروح القدس بالإيمان والاجتهاد يتمجد جسده في ذلك اليوم، لأن كل ما خزَّنته النفس في داخلها في هذه الحياة الحاضرة سوف يُعلن يومئذ، ويُكشف ظاهرًا في الجسد [268].]
[هذا المجد الذي للسيد المسيح، الذي يُلبسه الروح القدس لنفوسنا في الداخل، يصير مجدنا نحن وليس مستعارًا، لهذا نحيا في هذا العالم بالحق أغنياء في الروح، نكون كملك غني حينما يدعو الآخرين للوليمة يقدم بسخاء وبلا خوف من نفاذ كنوزه الداخلية التي له، أما الفقير الذي لا يملك شيئًا فإنه عندما يدعو الآخرين يستعير أدوات الوليمة إلى حين ثم يعود بعد الوليمة إلى فقره من جديد [269].] [لهذا يليق بنا أولًا أن نطلب من الله باجتهاد قلب وإيمان أن يهبنا أن نجد هذا الغنى في قلوبنا، أي نجد كنز المسيح الحقيقي بقوة الروح القدس وفاعليته [270].]
_____
الحواشي والمراجع:
[264] عظات القديس مقاريوس 3:5-5.
[265] المرجع السابق 5:5.
[266] عظة 6:5.
[267] عظة 8:5.
[268] عظة 8:5.
[269] عظة 5:18.
[270] عظة 6:18.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 05 - 2014, 03:14 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,016

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي

الروح القدس والمواهب الروحية

كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
الروح القدس وهو يختم النفس لتصير في ملكية الله، مقدسة له، تجاهد للشهادة له تنعم بالتعزيات الروحية كما تتمتع بالمواهب الروحية حسبما يقدم لها الروح فيما يناسب ظروف الكنيسة واحتياجاته وشخصية المؤمن ومواهبه، لكي تُضرم هذه المواهب كسرّ مجدّ لله وبنيان الكنيسة وخلاص للنفس وبركة للكثيرين.
يقول القديس بولس: "فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد... ولكنه لكل واحدٍ يُعطَى إظهار الروح للمنفعة. فإنه لواحدٍ يُعطَى بالروح كلام حكمةٍ. ولآخر كلام علمٍ بحسب الروح الواحد. ولآخر إيمان بالروح الواحد. ولآخر مواهب شفاءٍ بالروح الواحد. ولآخر عمل قوَّاتٍ ولآخر نبوَّة. ولآخر تمييز الأرواح. ولآخر أنواع أَلسِنَةٍ. ولآخر ترجمة أَلسِنَةٍ. ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينهِ قاسمًا لكل واحدٍ بمفرده كما يشاءُ". (1 كو 12: 4-11)
هذه المواهب في تعددها تعطي للكنيسة كمالًا وتنسيقًا ووحدانية، إذ يدرك كل مؤمن بالروح القدس أنه عضو للآخر، ويتكامل الكل باتحادهم معًا في الرأس، ربنا يسوع المسيح.
وقد سبق لي الحديث باختصار عن المواهب الروحية في كتاب "الحب الإلهي".
وأرجو بمشيئة الرب أن أكتب في هذا الأمر بحثًا مستقلًا بشيء من التوسع.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 05 - 2014, 03:20 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,016

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي

الاستعداد للمعمودية
طقس المعمودية

كلمة "طقس" في اليونانية لغويًا معناها "نظام" أو "ترتيب"، أما كنسيًّا فتحمل معنى روح النظام وعمقه. فحينما نقول "طقس الرهبنة" لا نقصد مجرد القوانين الرهبانية من أصوام وصلوات ومطانيات سهر وقراءات الخ.، إنما نعني شيئًا أعظم هو "الحياة الرهبانية وفكرها". وحينما نقول "طقس الملائكة" نقصد الحياة الملائكية المستنيرة بالله المتهللة والمسبحة النقية بلا دنس. والآن إذ أتحدث عن طقس المعمودية لا أريد تقديم بحث علمي عن النظام الخاص بخدمة المعمودية للموعظين والأطفال، إنما اشتاق إلى الدخول إلى روح الطقس والتعرف بالروح القدس على أسراره اللاهوتية التقوية.
في القرون الأولى كانت أغلب الكتابات المسيحية تنصب على الجانب الدفاعي وتحديد معالم الإيمان المسيحي في وجه الاتهامات التي صبّها اليهود والوثنيون ضد المسيحية، لهذا جاءت الكتابات عن الطقس شحيحة للغاية، إلا أن بعض الآباء قد سجلوا هذه الطقوس، إذ تعتبر مقال العلامة ترتليان عن المعمودية، والتقليد الرسولي للقديس هيبوليتس من أهم المصادر الأولى التي شرحت طقس المعمودية في إيجاز. كما حفظ لنا التاريخ مجموعات من المقالات والعظات التي ألقيت على طالبي العماد قبل عمادهم تحمل الكثير من المفاهيم اللاهوتية لطقس المعمودية، مثل مقالات القديس كيرلس الأورشليمي، والقديس يوحنا الذهبي الفم والأب ثيؤدور المؤبسستي (المصيصي). وقد تحدث الأخير مع طالبي العماد قائلًا: [يلزمكم الآن أن تتسلموا تعليمًا خاصًا بالطقوس التي تتم في السرّ نفسه حتى متى فهمتم سبب كل طقس تنالون معرفة ليست بقليلة [271].]
حقًا قد تختلف تفاصيل طقوس المعمودية في الكنيسة الأولى من منطقة إلى أخرى، لكنها وإن اختلفت في بعض العبارات أو بعض الترتيبات البسيطة لكنها تقدم ليتورجية واحدة بروح واحد، لها هيكل لاهوتي إيماني واحد وفكر إنجيلي واحد.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
1. زمان المعمودية

في سفر أعمال الرسل قَبِل خِصْي كنداكة المعمودية على يَديّ فيلبس الرسول وهو في طريق رحلته إلى بلده، فقد حرص الرسل في بدء الكرازة بالمسيحية أن يقدموا المعمودية للمؤمنين في أي وقت، انتهازًا لكل فرصة لخلاص المؤمنين. وما نقوله عن الخِصْي نكرره بشأن كرنيليوس وأهل بيته (أع 10: 48) وسجَّان فيلبي والذين معه (أع 16: 33) الخ.
وفي القرن الثاني إذ انتشرت المسيحية في كثير من الدول ألزمت الكنيسة طالبي العماد بالدخول في فترة إعداد طويلة بحرص شديد ومهابة، وبالتالي ظهرت أيضًا مواسم معينة لخدمة المعمودية. فيحدثنا العلامة ترتليان عن الفصح (عيد القيامة) والعنصرة (عيد البنطقستي) كموسمين للعماد المقدس: [الفصح هو الوقت الذي فيه نحتفل بآلام المسيح والذي فيه نعتمد، فإنه ليس من الخطأ أن نفسر رمزيًا الحقيقة التالية وهي أنه عندما أراد الرب أن يحفظ الفصح قال لتلميذيه: يلاقيكما إنسان حامل جرة ماء (مر 14: 13)، فمن خلال علامة الماء أظهر موضع الاحتفال بالفصح. أما الوقت الأكثر اتساعًا لممارسة الحميم فهو فصل البنطقستي (العنصرة) حيث عرفت قيامة الرب بين التلاميذ ومُنحت نعمة الروح القدس وظهر رجاء مجيء الرب. فإنه إذ عاد إلى السماء قالت الملائكة للرسل أنه سيأتي كما صعد إلى السماء، أي في وقت البنطقستي. أضف إلى هذا قول إرميا: "أَجمعهم من أقاصي الأرض في يوم العيد". هنا قصد يوم عيد الفصح وعيد البنطقستي.. ومع هذا فإن كل يوم بل وكل ساعة هي للرب. كل وقت مناسب للعماد. فإن كان هناك فارق في العيد لكن ليس الفارق في النعمة [272].]
هنا يُوضح لنا العلامة ترتليان عادة العماد المقدس في عيديّ الفصح والبنطقستي، لكن العماد في نعمته -كما يقول- لا يختلف أن يُتمم في عيد أو في غير عيد.
ويشير القديس غريغوريوس النزينزي في مقاله عن المعمودية إلى عيد الغطاس (الأبيفانيا) كموسم للعماد المقدس: [يقول البعض أنه ينتظر الغطاس، اليوم الذي اعتمد فيه المسيح وظهر للعالم، والآخر يقول أنه يهتم بالفصح أكثر من غيره من الأعياد، والثالث يقول أنه ينتظر العنصرة.]
ومن القديس جيروم يصلنا نص عام جدًا هو نبوة زكريا التي تقول: ["وستخرج مياه حيّة من أورشليم في الصيف والشتاء". وهي إشارة إلى الغطاس والفصح [273].] ولما كان هذا النص قد ترجم في السبعينية والفولجاتا إلى "الصيف والربيع" مارس الغربيون المعمودية في الفصح والعنصرة، وقلما أعطيت المعمودية في الشتاء في الغرب، ولعل رداءة الأحوال الجوية هي السبب [274].
هكذا كان الكثيرون يفضلون العماد المقدس في هذه الأعياد الثلاثة [275] كما في فترة الخمسين المقدسة [276]، غير أن بعض الكنائس مثل كنيسة تساليا كانت تعمد في عيد الفصح وحده [277]، بينما كنائس أخرى مثل أورشليم كانت تعمد في أعياد أخرى مثل تكريس كنيسة القيامة [278]، وفي الغرب كانوا يُعمدون في أعياد الميلاد والرسل والشهداء خاصة القديس يوحنا المعمدان [279].
على أي الأحوال كانت بعض البلاد مثل أورشليم وأنطاكيا وكبادوكية وإفريقيا وبلاد الغال وأسبانيا وايرلندا تتطلع إلى الغطاس كموسم مفرح للعماد، حيث يشعر المؤمنون أنهم يشاركون السيد المسيح عماده [280]. أما الموسم الأكثر شيوعًا فهو ليلة عيد الفصح، قبيل الاحتفال بقداس العيد حتى يشترك المعمدون حديثًا مع المؤمنين في ليتورجيا العيد. أما الآن في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية فقد خصص يوم الأحد السابق لعيد الشعانين للعماد ودعي بأحد التناصير. أما سرّ ارتباط القيامة بالمعمودية فهو أن عيد قيامة الرب هو محور حياة الكنيسة ومركزها. قيامة السيد هي الصخرة التي تتكئ عليها الكنيسة لتعيش مطمئنة وسط دوامة هذا العالم، لا تخاف أمواجه أو عواصفه أو شروره، بل تحيا على رجاء القيامة مرتبطة بعريسها الذي لا يموت، متبررة متقدسة فيه. هذا الرجاء وهذا التبرير وهذا التقديس لا يمكن التمتع به إلا من خلال المعمودية التي فيها ندفن مع ربنا يسوع ونقوم، أي نقبل فصحه كفصحٍ شخصيٍ لنا. وكما يقول الرسول: "أم تجهلون أننا كلَّ مَنْ اعتمد ليسوع اعتمدنا لموتهِ. فدُفِنَّا معهُ بالمعموديَّة للموت حتى كما أُقِيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدَّة الحياة" (رو 6: 3-4). خلال المعمودية نجتاز مع السيد آلامه وموته ودفنه ونختبر عمل قيامته وأمجادها وقوتها في حياتنا الداخلية (رو6: 6). من أجل هذا رتبت الكنيسة أن تقوم بعماد الكثيرين ليلة عيد الفصح أو عيد القيامة، حتى يرفع المعمدون أنظارهم إلى قيامة ربنا على الدوام ويعيشون كل بقية حياتهم ينعمون بقوتها،في نفس الوقت يرفع المؤمنون أنظارهم في تلك الليلة فيذكرون عمادهم فيلتزمون بالحياة كما يليق كأبناء لله مولودين روحيًا. في عيد القيامة تختلط الأفراح وتمتزج بين أفراح بقيامة الرب رأس الكنيسة وأفراح بقيامة جسده السري، أو بمعنى أدق قيامة بعض أعضائه، فترتج الكنيسة كلها متهللة بالمُعمدين حديثًا كأعضاء في هذا الجسد السري المقام من الأموات.
لكن ما نريد أن نؤكده أن الآباء حذروا من التأخير في نوال سرّ العماد وأوصوا بعدم الانتظار حتى لعيد من الأعياد مادام قد حان الوقت المناسب لنوال العماد:
* إن كل يوم هو يوم للرب وكل ساعة تصلح للعماد [281].
العلامة ترتليان
* لكل شيء وقت وفصل: هناك وقت للنوم ووقت للسهر، وقت للحرب وآخر للسلام، لكن لا يوجد وقت خاص للمعمودية، لأن عمر الإنسان كله للمعمودية. كل وقت هو وقت مقبول لقبول الخلاص سواء أكان بالنهار أم بالليل، كل ساعة ودقيقة ولحظة تصلح للمعمودية [282].
القديس باسيليوس الكبير
كما حذّر القديس غريغوريوس النزينزي [283] أنه يجب ألا يتأخر أحد عن المعمودية مادام مستعدًا لئلا يفاجئه الموت دون نوالها.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
2. تسجيل الأسماء


كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
يبدأ طقس عماد الموعوظين مع بدء الصوم الكبير حيث كان طالبو العماد يُسجلون أسماءهم لكي يتهيأوا له. وقد وصفت الراهبة الأسبانية اثيريا Etheria هذا الطقس كما شاهدته في أورشليم في القرن الرابع: [كان من يرغب في تقديم اسمه في عشية بداية الصوم الأربعيني يتقدم، فيقوم قس بتدوين الأسماء. وفي اليوم التالي، أي في بداية الصوم حيث تبدأ الأسابيع الثمانية وفي الكنيسة الوسطى المعروفة باسم الاستشهاد Martyrium، يجلس الأسقف على كرسي ويقود القس كل راغب في المعمودية واحدًا يلو الآخر إلى الأسقف. ويأتي الرجال مع عُرَّابهم (أشابينهم Godfathers) والنساء مع عرابهن Godmothers. عندئذ يسأل الأسقف الذين جاءوا مع طالب العماد وخصوصًا جيرانه: هل يعيش بتقوى؟ هل يكرم والديه؟ هل يسكر ويكذب؟ فإن وُجد طالب العماد بلا لوم وشهد عنه الذين قدَّموه عندئذ يُسجل الأسقف اسمه بيده، أما إذا وَجد لومًا ضده في شيء ما، فيقول له: "اذهب أَصلح حياتك وعندئذ تقدم للمعمودية [284].]
تحدث أيضًا الأب ثيؤدور المصيصي عن طقس المعمودية في أنطاكية قائلًا: [من يرغب في نوال المعمودية المقدسة يتقدم إلى كنيسة الله، فسيستقبله الإنسان المكرس لهذه الخدمة. وحسب العادة المرعيّة يجب تسجيل أسماء المتقدمين للعماد، هؤلاء الذين يُسألون عن سيرتهم وطريقة حياتهم ليُعرف إن كانت توجد فيهم المتطلبات الخاصة بالمواطنة في تلك المدينة العظيمة وإن كانوا قد جحدوا كل شرور هذا العالم وطردوها عن أذهانهم بالكلية، فيظهرون مستحقين للمواطنة في هذه المدينة وتسجيل أسمائهم فيها.. فيقف الشخص كمن هو متهم في محاكمة. هكذا يرفع يديه كمن يصلي ويخفض عينيه إلى أسفل. ولهذا السبب يلزمك يا طالب العماد أن تخلع ثوبك الخارجي ونعليك وتقف على مُسح من الصوف [285].]
هكذا يمتزج تسجيل الأسماء بنوع من الاختبار يُفحص فيه طالب العماد فحصًا دقيقًا في وجود العرَّاب أو الإشبين والجيران للتأكد من صدق نيّته وسيرته قبل تسجيل اسمه، على أن يعود الأسقف ويفحصه مرة أخرى قبيل عماده مباشرة.
أشار التقليد الكنسي للقديس هيبوليتس [286] لمثل هذا الاختبار، كما قدم لنا القديس أغسطينوس [287] مثلًا رائعًا له.
لم يكن هذا التسجيل مجرد كتابة أسماء في سجلات الكنيسة، لكنه حمل في ذهن الآباء معنى لاهوتي له أهميته الكبرى ينبع عن احساسات الكنيسة الأولى بأهمية العماد، وبالفارق الشاسع بين الإنسان الذي تثقَّل بالخطيئة والموت الروحي قبل العماد، والذي صار في حريّة مجد أولاد الله بعد العماد، فقد دَعي القديس ديونسيوس الأريوباغي في كتابه "الرئاسة الكهنوتية" سجل الكنيسة هذا "سفر الحياة"، ورأى القديس غريغوريوس النيسي في هذا العمل إصبع الله نفسه تسجل أسماءهم، إذ يقول: [أعطوني أسماءكم لكي ما أكتبها بالحبر، ولكن الرب نفسه ينقشها على ألواح لا تفسد، يكتبها بإصبعه كما سبق فكتب شريعة العبرانيين [288].]
[يا من تتقدمون للعماد، أن الذي أُوكل بهذا العمل ينقشكم بالحقيقة في كتاب الكنيسة بطريقة بها تعرفون أن أسماءكم قد نقشت من الآن في السماوات. الآن يهتم عرَّابكم (إشبينكم) بكم اهتمامًا عظيمًا ليعلمكم لأنكم غرباء عن المدينة، لكنكم قريبًا تدخلون إلى الحياة فيها وتتعودون عليها بأنفسكم [289].]
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
قائمة المرفوضين

كانت الكنيسة الأولى حازمة ومتشدّدة في الموافقة على عماد الموعوظين، فالموعوظ يدخل تحت اختبار الأسقف نفسه حتى لا يتسلل إلى العضوية الكنسية إنسان بغير هدف سليم، أو إنسان يسلك بغير لياقة، فلم تكن الكنيسة تقبل "أنصاف المسيحيين" وكما يقول جنجمان: [لم تردّ الكنيسة مجرد أنصاف مسيحيين، بل كانت تفضل أن تكون قليلة في العدد عن أن تكون غير أمينة لمبادئها، أو عن أن تخاطر بهذه المبادئ. فإنه لم يقدر كثيرون أن يحشدوا الطاقة اللازمة لأخذ مثل هذا القرار فاستبعدوا وهم في حزن. ومن جهة أخرى كان هذا التشديد نفسه في القوانين يقدم نوعًا من الجاذبية القوية لدى أصحاب الفكر الأكثر نبلًا [290].]
كانت الكنيسة تهتم أولًا بنيّة طالب العماد، فكما جاء في التقليد الكنسي للقديس هيبوليتس: [ليُمتحنوا من جهة السبب الذي لأجله جاءوا إلى الإيمان، وليشهد لهم الذين يُحضرونهم]، [ليتأكدوا من جهة صدق نيّة طالب العماد. إن كان عبدًا فليُنظر إن كان سادته يشتكون عليه]، [وإن كان متزوجًا ليُنظر إن كان يتمم مسلمات قانون السلوك المسيحي [291].]
وفي حديث القديس كيرلس الأورشليمي لطالبي العماد: [إن كنت هاهنا بجسدك دون ذهنك فلن تنتفع شيئًا، فإنه حتى سيمون الساحر جاء يومًا إلى الجرن (أع 8: 13) واعتمد دون أن يستنير. فمع أنه غطس بجسده في الماء لكن قلبه لم يستنر بالروح. نزل بجسده وصعد، وأما نفسه فلم تُدفن مع المسيح ولا قامت [292].]
في الكنيسة الأولى وُجد في ذهن الأساقفة قائمة بالمرفوضين من الدخول في صفوف الموعوظين مثل كهنة الأصنام أو حافظي الأوثان فإنهم لا يُقبلون إلا بعد تركهم عملهم هذا [293]. وأيضًا اللاعبون في المسارح لأنهم يلهَوْن بحياة الناس، والمترددون على الملاهي [294]، والجنود إذ عرفوا في ذلك الوقت بالظلم والتزامهم بالقسم بالآلهة الوثنية [295]. غير أنه يمكن قبول الجند بشرط ألا يقتلوا أحدًا ظلمًا حتى وإن أُمروا بذلك، وألا يقسموا بالأوثان [296]. وغالبًا ما كانت الكنيسة ترفض أصحاب الوظائف الحكومية الكبرى في ذلك الحين بسبب استحالة تجنبهم الاشتراك في الاحتفالات الوثنية وتقديم ذبائح للأوثان [297]، غير أن البعض قبلوا الإيمان ونالوا المعمودية المقدسة، وكانت لهم الشجاعة في رفض الاشتراك في هذه الأمور، ومنهم من استشهد. أما بالنسبة لمعلمي الفلسفة، فلم يكونوا يُمنعون، لكن كانت الكنيسة في البداية تتردد في قبولهم، إذ كان يلزمهم أن يعلنوا نقائص الآلهة لتلاميذهم [298]، وهذا أمر صعب. وفي مصر نال بعض الفلاسفة نعمة المعمودية بل وتسلموا التعليم في مدرسة السكندرية، وهم يرتدون ثوب الفلسفة مثل القديس بنتينوس.
من هذا نتلمَّس في الكنيسة الأولى حرصها الشديد أن يكون طالب العماد هو من يتقبل التعليم المسيحي، لا لمجرد الدراسة الفلسفية ولا لغرض آخر سوى التعرف على الحق وتقبله في حياته الداخلية وسلوكه.
حقًا لقد دخل البعض إلى صفوف طالبي العماد بنية شريرة، أو حبًا للاستطلاع، أو بقصد إرضاء الغير، كأن يريد أحد الوثنيين الزواج بفتاة مسيحية. هؤلاء متى اكتشفتهم الكنيسة أثناء الصوم المقدس قبل العماد أفرزتهم وحرمتهم من التمتع بسرّ المعمودية. إنها تدرس حالة كل شخص على انفراد، فإن رأت إمكانية كسبه للإيمان عالجت ضعفه وصححت مسار أعماقه الداخلية [299]، لكنها لا تهادنه ولا تعمده ما لم تتغير اتجاهاته وسيرته.
يحدث القديس كيرلس الأورشليمي طالبي العماد، قائلًا:
[هل دخلت لأن الحارس لم يمنعك... أم لأنك تجهل الزي اللائق بدخولك الوليمة؟
ألم تعلم هذا مما رأته عيناك حين دخلت ونظرت ثياب الضيوف المتألقة؟!
لكن لأنك دخلت بغير لياقة، فبغير لياقة تخرج..
اخرج الآن بلياقة، ادخل غدًا وأنت أكثر استعدادًا [300].]
[حقًا أن العريس يدعو الجميع بغير تمييز لأن نعمته غنية، وصوت الرسل يعلو صارخًا لكي يجمع الكل. لكن العريس نفسه يقوم بفرز من دخلوا معه في علاقة زوجية رمزية.
آه! ليته لا يسمع أحد ممن سُجلت أسماؤهم هذه الكلمات: يا صاحب كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس (مت 22: 12)؟! [301]]
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
3. مدة التعليم

تسجيل أسماء الموعوظين راغبي العماد في بدء الصوم الكبير واختبارهم لا يعني بدء علاقتهم بالكنيسة، فإنهم غالبًا ما يكونوا قد بقوا تحت رعاية الكنيسة مدة ثلاث سنوات [302]، ينتقلون فيها من فئة إلى أخري حتى تطمئن الكنيسة على حسن نيّتهم وجدّيتهم في طلب الخلاص، وتمسكهم بالإيمان وتُقوّى سيرتهم فينتقلون إلى آخر درجة من الموعوظين وهي "طالب العماد". هذا الانتقال يختلف من شخص إلى آخر حسب غيرته ودراسته الفردية الخاصة، قبل أن ينضم إلى صفوف الموعوظين أو أثناءها. جاء في التقليد الكنسي للقديس هيبوليتس: [إن كان إنسان ما غيورًا مثابرًا حسنًا... فليقبل، فليس الزمن هو الذي يحكم بل السلوك [303].]
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
أما درجات الموعوظين فثلاث[304]:



أ. السامعون:

هؤلاء كان يُسمح لهم بحضور الوعظ وسماع فصول الكتاب المقدس، ثم يُخرجهم الشماس [305]. هؤلاء لا يتمتعون مع الراكعين بحضور صلوات قداس الموعوظين خصوصًا أثناء وضع اليد.


ب. الراكعون:

هؤلاء يحق لهم حضور قداس الموعوظين، فيتمتعون بسماع الفصول من الكتب المقدسة والعظة ثم الصلاة الخاصة بالموعوظين [306] وهي جزء من الأواشي تصلى بعد العظة، ثم يأخذون وضع اليد للبركة وهم ركوع. إذا ارتكب الراكع جريمة أو ظل في خطيئته يصبح من السامعين، وإن بقى هكذا يطرد خارج الكنيسة.


ج. طالبو العماد:

ويُدعَوْن بالمستنيرين أو الذين سيُعمدون.
هكذا ينتقل الموعوظ من فئة إلى فئة حتى ينال المعمودية المقدسة. وقد كانت الكنيسة غير جامدة فإنها تسمح للموعوظ في أي فئة بنوال سرّ العماد متى كان في خطر الموت، كما ذكر القديس باسيليوس [307] في رسالته إلى القنصل الروماني Anneheus الذي قَبِل المسيحية عن طريق زوجته، وكان في خطر الموت فعُمّد فورًا، ويقول القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص أن الموعوظ الذي آمن بالقيامة من الموت وسكن هذا الرجاء في قلبه كان يُعمد إذا تعرض للموت لكي لا يموت رجاؤه.
على أي الأحوال كانت فترة الصوم الكبير هي الفترة التي تُعبأ فيها الطاقة لتعليم الموعوظين يوميًا، إذ تقول الراهبة اثيريا: [العادة هنا أن يأتي الذين سيتعمدون كل يوم في فترة الصوم الكبير.]
يصف القديس كيرلس الأورشليمي في فترة الصوم كيف يجتمع الرجال معًا ليقرأ أحدهم بينما يُصغي الباقون، وتجلس الحدثات معًا يُلحِّن المزامير أو يقرأن، لكن بصوت خافت فتتحرك شفاههن دون أن يسمع أحد أصواتهن. كما تجلس النساء المتزوجات معًا ويصلين، وتتحرك أيضًا شفاههن دون أن تُسمع أصواتهن، لكي يُوهب لهن صموئيل وتلد أنفسهن (العواقر) الخلاص الذي هو "الله يسمع الصلاة (صموئيل)" إذ هذا هو تفسير اسم صموئيل [308].
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
4. معلمو الموعوظين

نحن نعلم أن الكنيسة منذ نشأتها كانت منطلقة للكرازة، تنفذ كلمات الرب: "مَنْ لا يجمع معي فهو يفرّق" (مت 12: 30، لو 11: 23). فالكل يشعر بمسئوليته نحو الشهادة للسيد المسيح، إن لم يكن بالكلام فبالسيرة الصالحة، وكما يقول العلامة أوريجينوس: [كل تلميذ للمسيح هو صخرة، فيه تكتمل الكنيسة الجاري بناؤها بيد الله [309].]
ويُحمِّل القديس كيرلس الأورشليمي مسئولية تعليم الموعوظين أطفالًا كانوا أو بالغين على الآباء والأشابين (العرَّاب)، إذ يقول: [إن كان لك ابن حسب الجسد انصحه بهذا، وإن كنت قد ولدت أحدًا خلال التعليم فتعهده برعايتك [310].]
إذن كل مؤمن حقيقي يلتزم بالمساهمة في تعليم موعوظ أو أكثر، بصورة أو أخرى، فماذا نقول عن الكاهن الذي يدعوه القديس يوحنا الذهبي الفم: [أب كل البشرية]؟! لقد دخل القديس غريغوريوس العجائبي قيصرية الجديدة وبها سبعة عشرة مسيحيًا فقط، وحينما تنيح بسلام لم يكن بها سوى سبعة عشرة وثنيًا.
على أي الأحوال لم يكن يُحرم كاهن ما من خدمة الموعوظين المنظمة في الكنيسة، بل يقوم كل منهم بنصيب فيها. أما المرحلة الأخيرة من التعليم فغالبًا ما كان يقوم به الأسقف نفسه أو كاهن يثق فيه من جهة قدرته التعليمية بالنسبة لهم. وقد سجل لنا التاريخ أسماء أشخاص تخصصوا في تعليم الموعوظين مثل العلامة أوريجينوس الذي قدَّم من تلاميذه الموعوظين شهداء، وديوجرانيس الشماس بقرطاجنة.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
5. مادة التعليم

أ. تقدم دراسات خاصة للذين كانوا من أصل يهودي تختلف عمن كانوا من أصل وثني، كل فئة لها ما يناسبها حسب ثقافتها ودراساتها السابقة وبيئتها.
ب. يقوم معلم (ديدسكالوس) بالقراءة لهم من الأسفار المقدسة وبعض الكتب الكنسية الهامة. وقد أشار العلامة أوريجينوس إلى هذه الأسفار، وهي غالبًا ما تمتاز بالاهتمام بالحياة السلوكية مثل إستير ويهوديت وطوبيا والحكمة [311]، كما أشار البابا أثناسيوس الرسولي إلى ذات الأسفار مع بعض الكتب الكنسية مثل الديداكيّة [312] والراعي لهرماس.
ج. تُقدم لهم دراسات تأملية لاهوتية مبسطة تضم أهم العقائد المسيحية، ظهرت في شكل "قانون الإيمان للرسل [313]"، والذي كان أشبه بدستور للإيمان المسيحي، وقد صار نواة لقانون الإيمان الأثناسيوسي الذي وضعه مجمع نيقية المسكوني عام 325 م، وكمله مجمع القسطنطينية عام 381م. ويعتبر هذا القانون ملخصًا شاملًا يُقدم للموعوظين مع شرح له لكي يفهمونه يحفظونه.
جاء في القوانين (الدساتير) الرسولية: [على الموعوظين أن يتسلموا قبل المعمودية معرفة الله الآب والابن الوحيد والروح القدس، ونظام خلق العالم والإعلانات الإلهية، ولماذا خُلق الإنسان والعالم، ويتعلم من ناموس الطبيعة لكي يعرف الهدف الذي خُلق لأجله. ويتعلم كيف يعاقب الرب الخطاة بالماء والنار وكلّل قديسيه في كل جيل، مثل شيث وأنوش وأخنوخ ونوح وإبراهيم وملكي صادق الخ. ويتعلم تجسد المسيح وآلامه وقيامته وصعوده، وما معنى جحد الشيطان والدخول مع المسيح في عهد [314].]
ويَظهر اهتمام الكنيسة بتسليم قانون الإيمان أن الأسقف بنفسه هو الذي يقوم بهذا العمل، فقد كتب الأسقف أمبروسيوس إلى أخته مرسيلينا: [في اليوم التالي، إذ كان يوم الرب، بعد الدرس والعظة، كما خرج الموعوظين، سلمت طالبي العماد قانون الإيمان في معمودية البازليكي [315].]
كذلك يفتتح القديس أغسطينوس مقاله عن "قانون الإيمان لطالبي العماد"، قائلًا: [استلموا يا أولادي دستور الإيمان الذي يدعى قانون الإيمان... وإذ تتقبلوه اكتبوه في قلوبكم ورددوه كل يوم قبل النوم قبل الخروج. تسلّحوا بقانون إيمانكم. إنه قانون لا يكتبه الإنسان لكي يقرأه بل لكي يردده، حتى لا ينسى ما قد تسلمه بعناية. سجلوه في ذاكرتكم.]
ويقول القديس كيرلس الأورشليمي: [عندما تتعلم "الإيمان" والاعتراف به، اُطلب هذا الإيمان وحده الذي تسلمه لك الكنيسة الآن. احتفظ بهذا الذي يشيده الكتاب المقدس بقوة... لا تكتبه على ورق بل انقشه بذاكرتك على قلبك... أنني أرغب في تقديمه لك كعون يسندك كل أيام حياتك.]
وكتب الأنبا يوحنا الأورشليمي للقديس جيروم: [العادة عندنا أننا نسلم التعليم بالثالوث القدوس بصورة عامة خلال الأربعين يومًا للذين سيتعمدون.]
د. بعد تسليم قانون الإيمان وشرحه يتسلم طالبو العماد الصلاة الربانية. وكما يقول القديس أغسطينوس أنه بعدما نعرف من نؤمن به نصلي إليه، فإنه كيف نصلي لمن لا نعرفه ولا نؤمن به؟!
ه. في الفترة الأخيرة يقوم المعلمون بتحفيظهم بعض التلاوات أي الصلوات القصيرة تساعدهم في الصلاة.
و. أخيرًا في الأيام القليلة السابقة للعماد المقدس تُقدم لهم الكنيسة مائدة دسمة عن شرح طقس العماد والميرون وسرّ الأفخارستيا بطريقة مختصرة روحية.
في اختصار يمكننا تقسيم مادة التعليم السابقة إلى قسمين رئيسيين: دراسة سلوكية وعقيدية مبسطة، ثم دراسة مبسطة لشرح أسرار الكنيسة.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
6. الاستعداد بالصوم والصلاة مع السهر

في بدء العصر الرسولي كان يكفي لنوال المعمودية أن يكون طالبها متقدمًا بضمير نقي (1 بط 3: 22)، لكننا نجد في الديداكيّة التي يرجع بعض نصوصها إلى القرن الأول الميلادي يلتزم المعمد أن يصوم يومين أو يومًا قبل العماد ويشترك معه خادم المعمودية وغيرهما ممن يستطيعون [316].
جاءت كتابات الكنيسة تؤكد أن إعداد طالبي العماد لا يقف عند مجرد الاستماع إلى التعاليم وحفظ قانون الإيمان وبعض الصلوات، وإنما يليق أن يستعدوا بالصلاة والصوم مع السهر مع تقديم ثمار تليق بالتوبة.
* يجدر بالآتين إلى المعمودية أن ينشغلوا على الدوام بالصلوات والأصوام والمطانيات والأسهار، كل هذا مع الاعتراف بالخطايا السابقة [317].
العلامة ترتليان
* إذ يتقبل كثيرون هذه الأمور التي يتعلمونها والتي ننطق نحن بها، ويؤمنون أنها حق، ويَعدون أن يعيشوا حسب وصايا ديانتنا، يتعلمون أن يُصلوا ويسألوا الله لأجل غفران خطاياهم بالصلوات والأصوام، وحتى نحن نشترك معهم بالصلوات والأصوام، عندئذ نحضرهم إلى حيث يوجد الماء ويتجددون بنفس الطريقة التي نلنا نحن بها التجديد [318].
القديس يوستين
* فليصم (المتقدمون للعماد) يوم الجمعة (العظيمة) [319].
التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس
* ليصم من يتقدم للعماد قبل أن يعتمد [320].
الدساتير الرسولية
* إن اقترب يوم عرسكم أما تتركون كل شيء وتتفرغون تمامًا لإعداد الوليمة؟! لقد اقترب يوم تكريس نفوسكم لعريسها السماوي، أما تكفون عن الانشغال بالأمور الزمنية لتربحوا الروحية؟! ليتنقي ذهنكم كما بنار في وقار! لتصهر نفوسكم كالمعدن فتزول الشوائب ويبقى المعدن الخالص!
* هيئوا قلوبكم لقبول التعليم من أجل شركة الأسرار السمائية الخالدة.
صلوا بأكثر مثابرة لكي يجعلكم الله مستحقين الأسرار السمائية الخالدة. لا تنقطعوا عنها نهارًا وليلًا، بل عندما يُطرد النوم من أعينكم فلتتحرر أذهانكم للصلاة. وإن ثار فيكم أي فكر معيب حوّلوا أذهانكم إلى التأمل في الدينونة فتذكرون الخلاص. قدموا أذهانكم كلها للدراسة حتى تحتقروا الأمور الدنيئة [321].
القديس كيرلس الكبير
_____
الحواشي والمراجع:
[271] E. C. Whitacher: Documents of the Baptismal Liturgy, 1970, P 47.
[272] De Baptismo 19.
[273] تفسير نبوة زكريا 8:14.
[274] الدكتور جورج حبيب بباوي، ص 91.
[275] ST. Jerome: Epist. Ad Pammach 16; ST. Chrys: Epist. 1 ad Innocent.
[276] Apost. Const. 5:28.
[277] Socrates: H.E. 5:22.
[278] Sozomen: H.E. 2:26.
[279] D. Stone: Holy Baptism p 142.
[280] D. Stone: Holy Baptism p 142.
[281] De Baptismo 19.
[282] عظة 13 على المعمودية (مترجمة د. جورج بباوي).
[283] Orat. 11 on Baptism.
[284] Per. Eth. 45.
[285] Theodore of Mopsuestia: Hom. Cat. 12:1.
[286] Apost. Trad. Of Hipp. 20.
[287] De Catech. Rud 9; PL 40:316-7.
[288] PG 46:417 B.
[289] J. Daniélou: The Bible and The Liturgy, P 22.
[290] J. Jungmann: The Early Liturgy. 1959, P 76, 77.
[291] Dix: Apost. Trad. Of Hipp. 23, v 1-2. 4,6.
[292] Protech. 1,2.
[293] Dix: Apost. Trad. 23, v 16.
[294] Ibid 25 f, v 12, 14, 15.
[295] Tertullian. De Corona Militus.
[296] Dix 25, V 17.
[297] Ibid v 18.
[298] Ibid v 11, 13.
[299] St. Cyril Jer: Catech. 5.
[300] Ibid 3,4.
[301] Cat. Lec. 3:2.
[302] Apost. Const. 8:32.
[303] Dix 28, v 2.
[304] راجع الدكتور جورج بباوي، ص 51-52.
[305] قوانين مجمع نيقية 14.
[306] الأحكام الرسولية 6:8.
[307] Protech. 14. PG 33:356 A.
[308] Protech. 14. PG 33:356 A.
[309] G. Foster: Why the Church? P 22.
[310] Cat. Lect. 15:18.
[311] In Num., hom 27:1.
[312] قمت بترجمتها ونشرها عام 1975، 1980.
[313] قمت بترجمته ونشره والتعليق عليه مع الديداكيّة السابق الإشارة إليها.
[314] Apost. Const. 7:39.
[315] Epist 20.
[316] Didache 7:4.
[317] De Baptismo 20.
[318] Apology 1:61.
[319] Dix 32, v 5-8.
[320] Apost. Const. 7:22.
[321] Protech. 6,16.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 05 - 2014, 03:33 PM   رقم المشاركة : ( 5 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,016

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي

مراسيم العماد المقدس
العماد في الكنيسة الأولى غني بطقسه، عميق بمفاهيمه اللاهوتية، قوي بصلواته وفاعليته، لهذا أردت أن أجمع بعض التفاصيل الخاصة به في الكنيسة الأولى سواء في الشرق أو الغرب مع الإشارة إلى الطقس القبطي الحالي الذي يحمل روح طقس الكنيسة الأولى وعمقه الروحي واللاهوتي.
وكما سبق فقلت أنه توجد بعض الاختلافات الطفيفة في ترتيب الطقس من كنيسة إلى أخرى، لهذا وضعت الهيكل العام مع الإشارة إلى الاختلافات، كما حاولت بمشيئة الله تقديم المفهوم اللاهوتي والروحي لكل طقس بفكر إنجيلي آبائي.
1. استعداد خادم السرّ. 2. فرز طالبي العماد.
3. تقبل علامة الصليب. 4. التِلاوات الخاصة بطرد الأرواح الشريرة.
5. خلع الثياب. 6. الدهن بالزيت.
7. جحد الشيطان. 8. سرّ الانفتاح.
9. الاعتراف بالإيمان. 10. تقديس المياه.
11. سكب الميرون في المياه. 12. الثلاث تغطيسات.
13. غسل القدمين. 14. الدهن بالميرون المقدس.
15. لبس الثياب البيضاء. 16. لبس الأكاليل والزنار.
17. حمل الشموع. 18. التناول من الأسرار المقدسة.
19. وصية الإشبين. 20. أكل اللبن مخلوطًا بالعسل.
21. صلاة حل الزنار.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
1. استعداد خادم السرّ

كما يستعد طالب العماد لنوال هذا السرّ بالحياة التقوية مع تعلم الإيمان السليم والصلوات والأصوام والسهر هكذا يليق بخادم السرّ. أسقفًا كان أو كاهنًا - أن يشترك مع طالب العماد في هذا الاستعداد، فيقدم الصلوات مع الأصوام [322]. وعندما يبدأ في إتمام السرّ يلزم أن يكون صائمًا، في الطقس القبطي الحالي على الأقل 9 ساعات، كما يصلي بثياب الخدمة الكهنوتية، هذا وإن كان حاليًا قد أهمل البعض هذا الأمر الأخير.
يحدث الأب ثيؤدور طالب العماد، قائلًا: [يقترب منك الكاهن ليس مرتديًا ثيابه العادية... بل يلتحف بثوب من الكتان النقي البهيّ، فإن مظهره المفرح يشير إلى فرح العالم الذي تتحرك أنت نحوه في المستقبل، واللون المضيء يشير إلى البهاء الذي يكون لك في الحياة العتيدة [323].]
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
2. فرز طالبي العماد

تحدثنا قبلًا عن اختبار طالبي العماد في بدء الصوم الكبير، وللمرة الثانية يقوم الأسقف بنفسه باختبارهم قبل العماد مباشرة. جاء في التقليد الكنسي للقديس هيبوليتس: [عندما يُختارون يفرزون حتى يتقبلوا المعمودية. تُمتحن حياتهم لمعرفة إن كانوا قد عاشوا بتقوى وهم موعوظون، وإن كانوا قد أكرموا الأرامل وافتقدوا المرضى وتمموا كل عمل صالح [324].]
ولا يقف الاختبار عند الجانب السلوكي وحده، وإنما يلزم التأكد من صدق إيمانه. وقد وصف العلامة أوريجينوس دقة الفحص الذي يليق بالكنيسة أن تقوم به من جهة الموعوظين سواء كانوا قد قبلوا الإيمان بطريقة أو بأخرى، حتى لا ينال أحد المعمودية دون التأكد من صدق نيته [325]. وقد شبه القديس كيرلس الأورشليمي طالبي العماد وهم يُفرزون بالمنضمين إلى صفوف الجندية [326]، إذ يليق فحصهم بدقة قبل دخولهم المعركة، كأعضاء في جيش المسيح الخلاصي يحاربون الشيطان.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
3. تقبل علامة الصليب

بعد فرز طالبي العماد يتقبلون البركة بوضع اليد عليهم وتقبلهم علامة الصليب.
لقد استخدم السيد المسيح يديه ليبارك الأطفال: "حينئذٍ قُدِّمَ إليهِ أولاد لكي يضع يديهٍ عليهم ويصلّي... فوضع يديهِ عليهم" (مت 19: 13، 15). وعند صعوده أخرج السيد تلاميذه إلى بيت عنيا "ورفع يديه وباركهم" (لو 24: 5)، فوضع اليدين إشارة إلى تقديم البركة. والعجيب أن السيد حين فتح عيني الأعمى "وضع يديهِ على عينيهِ" (مر 8: 25) لتستنيرا. وفي شفائه المرضى وإخراج الشياطين كان يضع يديه "على كلّ واحدٍ منهم" (لو 4: 40)... ولعله إذ كان يستخدم يديه الاثنين بالنسبة لكل واحدٍ إنما لكي يباركه ويشفيه أو يحرره من الأرواح النجسة وهو يضع يديه عليه على شكل صليب، وإلا فلماذا يستخدم يديه بالنسبة لكل واحدٍ؟!
على أي الأحوال يضع الكاهن يديه على طالب العماد لكي ما يهبه الرب بركته السماوية واستنارة لعينيه الداخليتين وشفاءً من الخطية وتحررًا من الشيطان وكل جنوده... هذا هو عمل الله في المعمودية المقدسة.
أما رشم علامة الصليب على جبهة طالب العماد فقد أشار إليها القديس أغسطينوس في كتاب "الاعترافات" عندما قُبل في الكنيسة [327]. وفي سيرة بورفيروس أسقف غزة في القرن الثالث ذكر أن الوثنيين سجدوا وطلبوا منه علامة الصليب فرشمهم [328].
ويعتبر القديس أغسطينوس هذا العمل "رشم علامة الصليب" أشبه بالحبْل بهم في أحشاء الكنيسة: [إنكم لم تولدوا بعد في المعمودية المقدسة، لكنكم بعلامة الصليب يُحمل بكم في أحشاء الكنيسة أمكم [329].] كما يقول عنهم إنهم يتباركون بعلامة الصليب والصلوات ووضع الأيدي، وأنهم وإن كانوا لم يتمتعوا بعد بجسد السيد المسيح لكنهم ينالون شيئًا مقدسًا،ولعله قصد بالشيء المقدس الخبز الذي يأكلونه، وان كان بنجهام Bingham يرى أنه ملح مقدس يتذوقه طالبو العماد كرمزٍ إلى أن المؤمنين هم ملح الأرض.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
4. التِلاوات لطرد الأرواح الشريرة:

نرى في الليتورجيات القديمة جميعها وجود خطين واضحين هما: طرد الأرواح الشريرة من طالب العماد والدخول به إلى مملكة المسيح. هذا ما نلمسه في ليتورجيات العماد القبطية والأرمينية والبيزنطية والإثيوبية وغيرها.
تروي لنا إثيريا الراهبة الأسبانية [330] أن طالب العماد كان يخضع لطقس طرد الأرواح الشريرة طوال الصوم الكبير، كما حدثنا القديس كيرلس الأورشليمي عن هذا الطقس، وكما يقول القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس: [لا تحتقروا دواء طرد الشياطين، ولا تتعبوا من طول الصلوات، لأن هذه كلها امتحان لصدق النفوس وإخلاصها في طلب المعمودية باشتياق [331].] ويقول الأب ثيؤدور المصيص: [حتى وإن كان الشيطان عنيفًا وقاسيًا يلزمه أن ينسحب من قلوبكم بكل سرعة بعد هذا النطق الرهيب واستدعاء رب الكل [332].]
وقد وصف لنا القديس يوحنا الذهبي الفم والأب ثيؤدور كيف يقف طالب العماد في خوف وخشية، إما منتصبًا باسطًا يديه أو راكعًا، وهو حافي القدمين، يقف على مسوح خشنة من الصوف كمن يصلي طالبًا من الله أن يرق لحالة العبودية التي سقط فيها تحت أسر إبليس وجنوده:
* إظهار القدمين العاريتين وبسط اليدين يشيران إلى شيء آخر بالنسبة لنا، إذ يَظهر الذين يُعانون من سبي الجسد بهذا الوضع معلنين كآبتهم على ما حلّ بهم، كما إنهم بهذا العمل الخارجي الظاهر يُذكّرون أنفسهم بحالهم السابق عندما يبدأون في التحرر من سبي إبليس ويدخلون تحت نير الصلاح [333].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* أولًا تحني ركبتيك بينما يكون بقية جسدك منتصبًا، فتكون في وضع من يصلي، باسطًا يديك نحو الله... متطلعًا نحو السماء.
بهذا الوضع تقدم الصلاة لله وتتوسل إليه أن يمنحك الخلاص من سقطتك القديمة ويهبك الشركة في الخيرات السماوية.
وأنت على هذا الوضع يقترب إليك الأشخاص المكلفون بالخدمة ويقولون لك ما قاله الملاك الذي ظهر للطوباوي كرنيليوس: "صلواتك سُمعت، وطلباتك استجيبت" (أع 10: 4) [334].
الأب ثيؤدور
* إذ لا تستطيعون بأنفسكم أن تحتجوا ضد إبليس وتحاربوه، فإن عمل الأشخاص المدعوين "طاردي الأرواح الشريرة Exorcists" أمر ضروري، فإنهم يعملون من أجل أمانكم وذلك بالعونْ الإلهي. إنهم يصلون بصوت عالِ ولمدة طويلة لكي يهلك عدوكم بحكم القاضي (الله) الذي يأمره أن ينسحب ويبتعد...
حينما تتلى الكلمات الخاصة بطرد الأرواح الشريرة قفوا بهدوء كامل كما لو كنتم بلا صوت، كمن هم في خوف ورعدة من الطاغي...
قفوا بأذرع مبسوطة كمن يصلي، وانظروا إلى أسفل... حتى تثيروا شفقة القاضي عليكم. اخلعوا ثوبكم الخارجي ونعالكم لكي تُظهروا في أنفسكم حالة العبودية القاسية التي خدمتم بها إبليس زمانًا طويلًا...
قفوا على ثياب من المسوح حتى إذ توخز أقدامكم بخشونة المسوح تتذكرون خطاياكم القديمة...
أما بالنسبة للكلمات الخاصة بطرد الأرواح الشريرة فإن لها سلطان أن تستميلكم بعد أن تقدم نفعًا عظيمًا لذهنكم فلا يبقى خاملًا وبلا عمل [335].
* حينما تذهب لتسجيل اسمك في رجاء نوال سكنى السماء والمواطنة فيها، تنال في طقس طرد الأرواح الشريرة نوعًا من الدعوى القضائية ضد الشيطان، وتتمتع بمرسوم إلهي يهبك الحرية من بعد العبودية. بهذا تتقبل كلمات قانون الإيمان والصلاة فتقيم مع الله ميثاقًا وعهدًا أمام الكهنة تتعهد فيه أن تبقى في المحبة التي للطبيعة الإلهية... وأن تعيش في هذا العالم بطريقة تتفق مع الحياة السماوية والمواطنة فيها قدر المستطاع [336].
الأب ثيؤدور
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي

هكذا يوضح الأب ثيؤدور كيف يتحرر المعمدون من سلطان إبليس ليدخلوا في ميثاق مع الله كأولاد الله متمتعين بالحرية. وقد تحدث القديس كيرلس الأورشليمي عن عطية المعمودية كتحريرٍ من سلطان إبليس -الوحش الساكن في أعماق المياه- قائلًا: [جاء في أيوب أنه كان في المياه الوحش الذي "اندفن الأردن في فمه" (أي 40: 23)، وكان يجب تحطيم رؤوسه (مز 74: 14). لهذا نزل (السيد) وربط القوي في المياه حتى ننال فيها القوة، إذ يكون لنا السلطان أن ندوس على الحيات والعقارب (لو 10: 19). كان الوحش عظيمًا ومرعبًا "لا يقدر إناء سميك أن يحتمل حرشفة واحدة من ذيله [337]" (أي 40: 26)، ثائرًا ضد كل من يلتقي به. لقد نزل "الحياة" إليه ليلتقي معه فيسد هناك فم الموت، وعندئذ نخلص نحن، قائلين: أين شوكتك يا موت؟! أين غلبتك يا قبر؟! (1 كو 10: 55). لقد نزعت شوكة الموت بالمعمودية! ها أنتم تدخلون المياه حاملين خطاياكم، وبابتهال النعمة إذ نختم نفوسكم، لا يعود يبتلعكم الوحش المرعب [338].]
في الطقس القبطي يصلي الكاهن على الزيت ليدهن طالب العماد، قائلًا: [لكي تنظر إلى جبلتك -هذا الزيت- وتجعله أن يحل أعمال الشياطين وسحرهم ورقاهم...]، وعندما يدهن قلبه ويديه وظهره يقول: [هذا الزيت يبطل كل مقاومة المضاد (الشيطان)، آمين.]
كما يصلي الكاهن على طالب العماد قائلًا: [نسأل ونطلب من صلاحك يا محب البشر لكي من قبل استدعاء اسمك القدوس تنحل كل القوات وكل الأرواح المقاومة الشريرة، امنعها وارفضها، لأنك أنت الذي دعوت عبيدك هؤلاء الداخلين من الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة، ومن الضلالة إلى معرفة الحق.]
مرة أخرى قبل التغطيس يقول الكاهن: [أنت يا رب أنقذ أيضًا جبلتك هؤلاء من عبودية العدو، اقبلهم في ملكوتك. ولتصحب حياتهم ملائكة النور ليخلصوهم من كل مؤامرة ومن المصادفة الرديئة، ومن سهمٍ طائرٍ في النهار، ومن شيطان الظهيرة، ومما يسلك في الظلمة، ومن خيال الليل. انزع من قلوبهم كل الأرواح النجسة، الروح الخبيث الذي يقلق قلوبهم، روح الضلالة وكل خبث، روح محبة الفضة وعبادة الأوثان، روح الكذب وكل نجاسة تصنع كتعليم إبليس.]
وفي صلاة تقديس المياه يقول: "من جهة هذا الماء وهذا الزيت تبطل كل القوات المضادة، والأرواح الخبيثة امنعها وأرذلها وصدها"، "أنت رضضت رؤوس التنين على المياه".
هكذا يظهر اتجاه الصلاة من أجل طرد الأرواح الشريرة خلال الدهن بالزيت وتقديس المياه باستدعاء اسم الله القدوس واضحًا.
وما نقوله عن الطقس القبطي نقوله أيضًا عن الطقس الأرمني، إذ يصلي الكاهن هكذا:
[أيها الرب الله العظيم والممجد من كل الخليقة، عبدك إذ يلتجئ إلى اسمك المخوف يحني رأسه لاسمك القدوس الذي تنحني له كل ركبة ما في السماوات وما على الأرض وما تحت الأرض، وكل لسان يعترف أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب (في 2: 10الخ). اجعله شريكًا في اسمك المخوف الذي ينزع خداعات الشياطين وعبادة الأوثان ويبددها، ويحطم كل فخاخ إبليس. أطلع أيها الرب من أجل رحمتك على هذا الإنسان، باستدعاء اسمك واهب كل غلبة، انزع عنه أفكار الأرواح الشريرة المتربصة له وكلماتها وأفعالها وكل المكائد الشريرة التي تخدع البشرية. وفي النهاية، إذ يرتعبون أمام اسمك الغالب لتحل عليهم العقوبات غير المنظورة وليهربوا بعيدًا عنه باستحلافهم به، فلا يعودوا إليه مرة أخرى. أشبعه بالنعمة الإلهية، واجعله يفرح بالدعوة الصالحة، ولتصيّره مسيحيًا. ليصير مستحقًا للعماد في الزمن المناسب، للميلاد الثاني، فإنه إذ يتقبل روحك القدوس يصير جسدًا وعضوًا في كنيستك المقدسة، ونحن إذ نتبع المسيح بطهارةٍ نسلك حياة نقية وَرِعة في هذا العالم، ونحصل على الخيرات العتيدة مع كل الذين يحبون اسمك، ممجدين ربوبية الآب غير المتغير والابن والروح القدس، الآن وكل أوان والى ابد الأبد.]
أما في الطقس البيزنطي: [فإن ليتورجية العماد تحمل ذات الاتجاه، حيث يطلب من الله أن يطرد الأرواح الشريرة، ليس فقط خلال الاستحلاف باسم الله المهوب، وإنما أيضًا بالنفخة وبرسم علامة الصليب.
تبدأ صلوات ما قبل المعمودية بثلاث استقسامات، فيها يستحلف الكاهن الشيطان أن يخرج هو وكل جنوده وأعماله ولا يعود إليه مرة أخرى، وبعد صلاة قصيرة يطلب فيها من الله أن يخلِّص خليقته من عبودية العدو، ويقبله في ملكوته السماوي، ينفخ في فم الموعوظ وفي جبهته وصدره ثلاث مرات، وهو يقول: "ليبعد عنه كل روح شرير نجس مخفي قاطن في قلبه"، وفي أثناء تقديس المياه يرشم الكاهن على الماء بإصبعه على شكل صليب ثلاث مرات، وينفخ فيه ثلاث مرات، قائلًا في كل مرة: "لتنسحق تحت علامة رسم صليبك جميع القوات المضادة.]
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
أما الاستقسامات الثلاثة في الطقس البيزنطي فهي:



الاستقسام الأول:

[يا إبليس لينتهرك الرب الذي جاء إلى العالم وسكن في الناس ليحطم اغتصابك ويخلص البشر. الذي وهو على الصليب قهر القوات المضادة إذ أظلمت الشمس وتزعزعت الأرض وتفتحت القبور وقامت أجساد القديسين. الذي حلّ الموت بالموت، وأبطل من له عزة الموت أعني أنت أيها الشيطان. أقسم عليك بالإله الذي أظهر صليب الحياة وأقام الشاروبيم والحربة اللهيبية المتغلبة لحراسته، انزجر وانصرف، لأني استحلفك بذاك الذي مشى على ظهر البحر كأنه على اليابس وانتهر عاصف الرياح... هو الآن يأمرك بنا أن تخاف وتخرج من هذا المخلوق، ولا تعد ترجع إليه ولا تختف فيه ولا تستقبله بفعل مضر لا في ليل ولا في نهار ولا في منتصف النهار ولا في ساعة من الساعات، بل انطلق إلى الجحيم المختص بك إلى اليوم المعد ليوم الدينونة العظيم.
اِرهب من الله الجالس على الشاروبيم...
اُخرج واِنصرف عن الذي خُتم واُنتخب جنديًا جديدًا للمسيح إلهنا، لأني أُقسم عليك بذاك الذي يمشي على أجنحة الرياح، الصانع ملائكته أرواحًا وخدامه لهيب نار.
اخرج وانصرف من هذا المخلوق أنت وجميع قواتك وملائكتك.]


الاستقسام الثاني:

[أُقسم عليك أيها الروح الغريب الكلي الخبث، النجس، الدنس، المرذول، بقوة يسوع المسيح الذي له السلطان على كل ما في السماء والأرض، الذي قال للشيطان الأصم الأبكم: اخرج من الإنسان ولا تعد تدخل فيه أيضًا، انصرف واعرف قوتك الباطلة التي ليس لها سلطان حتى ولا على الخنازير...]


الاستقسام الثالث:

[يا رب الصاباؤوت إله إسرائيل، الشافي كل مرض وكل استرخاء، اطلع على عبدك هذا وافحصه وامتحنه وأقصي عنه كل أعمال الشيطان، وانتهر كل الأرواح النجسة واطردها، مطهرًا عمل يديك منها، واستخدم سرعة أفعالك، واسحق الشيطان تحت قدميه سريعًا، وامنحه الظفر عليه وعلى أرواحه النجسة.]
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
5. خلع الثياب

يرى جان دانيلو أن طقس العماد حتى هذه اللحظة غالبًا ما كان يتم خارج حجرة المعمودية إذ يُعامل طالبوا العماد كغرباء عن الكنيسة، إنما يبدأون دخولهم المعمودية بخلعهم الثياب ودهنهم بالزيت كطقسين يهيئان طالبي العماد للدخول في مياه المعمودية، فيدخل في العضوية الكنسية ويلبس الثياب البيضاء كمن دخل الفردوس وصار ابنًا للملكوت [339].
لست أريد تشريح طقس العماد إلى شرائح منفصلة عن بعضها البعض، فهي تمثل وحدة واحدة متكاملة ومتلازمة، لكنني أقول بأنه مادام طالب العماد لا يزال في صفوف الموعوظين يُحسب غريبًا عن جسد المسيح، لم يتذوق بعد الحياة الفردوسية. أما وقد دخل بين صفوف طالبي العماد في طريقه نحو الجرن المقدس، فقد انفتح أمامه الفردوس الإلهي، ورأى قبر المخلص المحيي، فيشتهي الدفن معه، ليقوم ابنًا لله حيًا ومقدسًا للروح القدس.
* ها أنتم الآن في بهو القصر، ستقادون حالًا للملك [340].
* حالًا سيفتح الفردوس لكل واحد منكم [341].
القديس كيرلس الأورشليمي
* إنكم خارج الفردوس أيها الموعوظون،
إنكم تشاركون آدم أباكم الأول في نفيه،
والآن يُفتح الباب وتعودون من حيث خرجتم [342].
القديس غريغوريوس النيسي
وكما سبق أن رأينا في حديثنا عن مبنى المعمودية بكنيسة ديورا بسوريا والتي ترجع إلى القرن الثالث وجود أيقونة تمثل الراعي الصالح وقد وقف بجوار قطيعه، ومن أسفل رُسم آدم وحواء والشجرة والحية [343]، وكأن بالمعمودية دخل السيد المسيح -الراعي الصالح- بقطيعه إلى الفردوس حيث شجرة الحياة وقد حُرم منه أبوانا الأولان بسبب خداع الحية.
لنفس السبب نجد مبنى المعمودية يكون أحيانًا على شكل دائري [344]، حيث تدخل بنا إلى دائرة الأبدية والتمتع بالملكوت الإلهي الدائم، أو على شكل ثُماني الجوانب حيث يشير رقم 8 إلى الحياة الجديدة أو الحياة الفردوسية المقامة [345]، حيث قام السيد المسيح في اليوم الأول من الأسبوع (الثامن من الأسبوع السابق)، وحيث كان الختان يتم في اليوم الثامن من ميلاد الطفل علامة دخوله الحياة الجديدة.
والآن إذ نعود إلى خلع الثياب، يرى الأب ثيؤدور أن هذا العمل هو بدء الدخول إلى العماد المقدس، إذ يقول: [ها أنتم تدخلون المعمودية المقدسة، أولًا تخلعون ثيابكم [346]]، وجاء في التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس: [يخلعون ثيابهم ويُعمد الأطفال الصغار أولًا... وبعد ذلك يُعمد الرجال الناضجون، وأخيرًا النساء اللواتي يحلقن شعورهن ويخلعن حليهن [347].]
وقد حمل خلع الثياب في أذهان الآباء مفاهيم لاهوتية، فيرى الأب ثيؤدور في خلع الثياب مع وقوف طالب العماد حافي القدمين: [إظهارًا أن العبودية التي أمسكه فيها الشيطان قد قادته إلى الأسر، فيقف هكذا ليثير شفقة القاضي عليه [348].] ويرى القديس كيرلس الأورشليمي في ذلك: [صورة لخلع الإنسان القديم وأعماله [349].] كذلك يقول القديس غريغوريوس النيسي: [اخلع الإنسان القديم كثوب بال وتقبل رداء عدم الفساد الذي يقدمه لك المسيح [350].] ويقول الأب ثيؤدور: [ثوبك علامة الموت، يجب أن تخلعه لتلبس عدم الفساد بالمعمودية [351].]
إن كان العماد هو شركة في آلام السيد المسيح وموته ودفنه وقيامته، فإن خلع الثياب هو شركة معه في تعريه على الصليب من أجلنا. وكما يقول القديس كيرلس الأورشليمي: [قد خُلعت ثيابكم وصرتم عراة. في هذا تقتدون بالمسيح الذي عُري على الصليب، هذا الذي بعريه عرىّ السلاطين والقوات وغلبهم بالصليب بغير خوف (كو 2: 15). لقد ملكت القوات الشريرة على أعضائكم مرة، لهذا يلزم ألا تلبسوا هذا الثوب القديم. لست أكلمكم عن طبيعتكم الملموسة، بل عن الإنسان القديم وشهواته المخادعة [352].]
والعري أيضًا يحمل عودة إلى الإنسان الأول قبل السقوط الذي كان عاريًا ولم يخجل، وكمل يقول القديس كيرلس الأورشليمي: [يا للعجب! لقد كنتم عراة أمام أعين الكل ولا تشعرون بأي خجل، لأنكم بالحقيقة حملتم في داخلكم صورة آدم الأول الذي كان في الفردوس عريانًا ولم يشعر بخجل [353].] ويقول الأب ثيؤدور: [كان آدم عريانًا في البداية ولم يكن يخجل، هذا هو السبب الذي من أجله يجب أن تخلعوا ثيابكم [354].] ويقول القديس غريغوريوس النيسي: [إذ تخلع النفس ثوب الجلد الذي لبسته بعد السقوط تنفتح على اللوغوس بنزعها البرقع عن قلبها، أي جسدها. أقصد بالجسد الإنسان القديم الذي يليق بمن يرغبون في الاغتسال في جرن اللوغوس أن يخلعوه عنهم [355]]، بهذا نعود إلى الفردوس الأول، إلى طبيعتنا قبل السقوط حيث لا نحتاج إلى التستر بأوراق التين بل نبقى كملائكة الله، أولادًا مقدسين في الله.
* لقد طردتنا من الفردوس، وها أنت تدعونا للعودة إليه!
لقد عريتنا من أوراق التين التي هي الثياب، وها أنت تكسونا بثوب الكرامة...
لذلك عندما تنادي آدم لا يعود يخجل، ولا يختفي بين أشجار الفردوس بسبب تأنيب ضميره، إذ شفيت ثقته البنوية وجاء إلى كمال نور النهار [356].
القديس غريغوريوس النيسي
* بعد خلع ثوبكم يقودكم الكاهن إلى المياه المتدفقة.
لماذا عرايا؟ إنه يذكركم بالعري القديم، حين كنتم في الفردوس ولم تخجلوا، إذ يقول الكتاب عن آدم وحواء أنهما كانا عريانين ولا يخجلان، إلى أن لبسا ثوب الخطيئة، الثوب الثقيل المملوء عارًا.
إذًا لا تخجلوا هنا، فإن الجرن أفضل من الفردوس. هنا لا توجد حية بل يوجد المسيح الذي يعمدكم في التجديد بالماء والروح [357].
القديس يوحنا الذهبي الفم
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
6. دهن طالبي العماد بالزيت

لم يذكر العلامة ترتليان شيئًا عن المسح بالزيت قبل التغطيس، لكن الشهيد يوستين [358] تحدث عنه، كما أشارت إليه قوانين القديس هيبوليتس حيث ذكرت أن أحد الكهنة يقوم بمسح طالبي العماد بعد جحدهم الشيطان وقبل تغطيسهم وإعلان الإيمان، يدهنونهم بزيت لإخراج الشياطين [359]. وقد أشارت الدساتير الرسولية إلى هذا الطقس [360].
المسح بالزيت قبل التغطيس وبعد جحد الشيطان أو قبله إنما يحمل عملين: التطعيم في الكنيسة شجرة الزيتون الدسمة عوض الزيتونة البرية، والتمتع بقوة لمحاربة الشياطين وقوات الظلمة. هذا ما أكده الآباء القديسون وأيضًا الطقس ذاته.
ففي الطقس القبطي يُدهن طالب العماد مرة قبل جحد الشيطان خلالها يؤكد الكاهن تطعيمه في الكنيسة، قائلًا: "أدهنك يا (فلان) باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد. زيت عظة (لفلان) في كنيسة الله الواحدة والوحيدة المقدسة الجامعة". ويدهن مرة أخري بعد جحد الشيطان وقبل تغطيسه، خلالها يؤكد تمتعه بقوة لمحاربة الشيطان المضاد: "أدهنك يا (فلان) بدهن الفرح، مضادًا لكل أفعال المضاد. لتغرس في شجرة الزيتون اللذيذة، في كنيسة الله المقدسة الجامعة الرسولية".
وفي خولاجي eu,ologion القديس سرابيون: [ندهن بهذا الزيت الذين يقتربون إلى الميلاد الجديد، سائلين الرب يسوع المسيح أن يهبه سلطانًا للشفاء وإعطاء قوة لجسد الذين يعتمدون ونفوسهم وأرواحهم، لتتحرر أرواحهم من كل أثر للخطيئة والشر، وتكون لهم قوة الغلبة على الأرواح المضادة.]
* عندما خلعتم ثيابكم مُسحتم بالزيت المصلى عليه من أعلى رؤوسكم إلى أقدامكم، وصرتم شركاء في الزيتونة الحقيقية التي هي يسوع المسيح. لقد قطعتم من الزيتونة البرية، وطُعّمتم في الشجرة المقدسة، وأصبحتم شركاء في دسم الزيتونة الحقيقية. بهذا يبطل كل أثر لقوة الشر... وذلك بالتوسل باسم الله كأشد اللهب قوة، تلفح الأرواح الشريرة وتطردها. هكذا أيضًا يأخذ هذا الزيت قوة بالتوسل إلى الله والصلاة، فيحرق الخطيئة وينظف آثارها، كما يطرد قوات الشرير غير المنظورة [361].
القديس كيرلس الأورشليمي
* إذ خلعت ثيابك بحق يُدهن كل جسدك بالدهن المقدس كعلامة ووسم أنك تتقبل غطاء الخلود الذي أوشكت أن تلبسه خلال المعمودية.
* العلامة التي تُوسم بها تعني أنك قد خُتمت كحمل المسيح وجندي للملك السماوي [362].
الأب ثيؤدور
* يدهن الله ملامحكم ويختم عليها بعلامة الصليب. بهذه الطريقة يكبح الله كل جنون الشرير، فلا يجسر إبليس أن يتطلع إلى منظر كهذا، إذ يصيب عينيه العمى بالتطلع إلى وجوهكم، فيكون كمن يتطلع إلى أشعة الشمس فيثب هاربًا...
المسحة هي خليط من زيت الزيتون ودهن، الدهن هو للعروس والزيت للمصارعين.
لتعرفوا مرة أخري أن الله بنفسه هو يدهنكم خلال يد الكاهن، وليس إنسان. أصغِ إلى كلمات بولس القائل: "الله هو الذي يثبتكم في المسيح، الذي مسحنا".
بعد أن يدهن كل أعضائكم بهذا الدهن تصيرون في أمانٍ وقادرين أن تفحموا الحية ولا يصيبكم ضرر [363].
* في كمال ظلمة الليل يخلع الكاهن ثوبك كمن يقودك إلى السماء عينها خلال الطقس ويدهن كل جسدك بزيت الزيتون الذي للروح لكي تكون أعضاؤك قوية لا تغلبها السهام التي يوجهها العدو ضدك. بعد هذه المسحة ينزل بك الكاهن إلى المياه المقدسة [364].
القديس يوحنا الذهبي الفم
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
7. جحد الشيطان

إذ يخلع طالب العماد ثوبه يتجه نحو الغرب، أو تقف الأم أو الأب أو الإشبين حاملًا على ذراعه الأيسر الطفل، ويبسط طالب العماد أو إشبينه يده اليمنى كأنما يحدث الشيطان معلنًا جحده له ورفضه مملكة الظلمة بجسارة وعلانية. هذا الرفض كما يقول العلامة ترتليان يتم داخل جرن المعمودية [365]، أما حسب التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس فيتم قبل دخول المياه [366]. أما مصدر هذا الطقس فكما يقول القديس باسيليوس الكبير هو التقليد، إذ يقول:
[إننا نبارك مياه المعمودية وزيت المسحة كما نبارك المُعمد نفسه أيضًا.
أي وصايا مكتوبة علمتنا أن نفعل هذا؟!
ألم نتعلم هذا من التقليد السري المقدس؟!
وأيضًا الدهن بالزيت، أي كلمة في الإنجيل علمت به؟!
أين ورد تغطيس الإنسان ثلاث مرات؟
أي كتاب جاء بكل الأمور اللازمة للعماد وجحد الشيطان وملائكته؟!
ألم يأت إلينا من التعليم السري الذي حافظ عليه آباؤنا في صمت دون أن (يكتب) كتعليمٍ عام؟!
إذن لا تبحثوا الأمر بتطفل... لأنه كيف يحق تعميم تعليم الأسرار كتابة، هذه التي لا يسمح لغير المعمدين حتى يتطلعوا عليها؟! [367]]
يعتبر هذا الأمر جزءً أساسيًا في طقس العماد، أشارت إليه كثير من كتابات الكنيسة الأولى وكشفت أيضًا عن مفهومه اللاهوتي الروحي.
* في الكنيسة تحت يد الأسقف نشهد أننا نجحد الشيطان وكل موكبه pomp وكل ملائكته [368].
العلامة ترتليان
* عندما يمسك الكاهن بمن يتقدم للعماد يأمره أن يجحد قائلًا: أجحدك أيها الشيطان وكل خدمتك وكل أعمالك [369].
التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس
وجاء في قوانين القديس هيبوليتس أن طالبي العماد يتجهون نحو الغرب ويقولون: [اجحدك أيها الشيطان وكل موكبك pomp [370].]
أما كلمة "pomp" التي يجحدها المسيحي فقد ترجمت عن اليونانية كما هي إلى اللاتينية، وهي في رأي العلامة ترتليان تشير إلى عبادة الأصنام [371]. ويرى جنجمان J. Jungmann أنها تشير إلى الموكب الخاص بأعياد الآلهة في القرون الأولى حيث كانت الأصنام تُحمل في موكب نصرة، فيظهر إبليس كغالب للعالم، وكأن الذين يعيشون في الخطيئة يسيرون في هذا الموكب كجنود له، وكأن طالب العماد يعلن تركه هذا المعسكر الشيطاني مجندًا لخدمة ملكوت الله [372].
ويترجم البعض كلمة "pomp" "بالمناظر الفخمة والمجد الزمني"، أو "المجد الباطل"، وقد شرح القديس يوحنا الذهبي الفم هذه الكلمة بقوله: [إذا قلت من كل قلبك أجحدك أيها الشيطان وكل مجدك الباطل، فإنك سوف تعطي حسابًا عن ذلك في يوم الدينونة... والأمجاد الباطلة الخاصة بالشيطان التي هي المسارح والملذات الشريرة، والتفاؤل بالأيام وبالفرص، وبالكلمات العفوية التي تقال للغير، وهي في الأصل لا تخصنا، وأيضًا التشاؤم من النذير. وإنني أسألكم ماذا يُعد في العالم فألًا؟! أحيانًا عندما يترك إنسان منزله يرى رجلًا بعين واحدة أو أعرج فيتشاءم. هذه هي أمجاد الشيطان الباطلة لأنها ألاعيبه، فإن لقاء البشر لا يجعل يومنا سيئًا، وإنما ارتكاب الخطيئة هو الذي يجعله هكذا [373].]
وأيضًا القديس كيرلس الأورشليمي يرى ذات الأمر: [مجد الشيطان هو الاشتياق للمسارح وسباق الخيل وسباق المركبات وألعاب السيرك وكل الأباطيل التي من نفس النوع. أيضًا المآدب الخاصة بأعياد الأوثان وما فيها من طعام وخبز وكل ما تدنس باستدعاء الشياطين النجسة. الأطعمة والخبز في ذاتها طاهرة لكن استدعاء الشياطين ينجسها [374].] ويقول الأب ثيؤدور: [أن حيل الشيطان هي المسرح والسيرك والألعاب الرياضية والأغاني والرقص. هذه كلها زرعها الشيطان في العالم تحت ستار اللهو، لكي يثير النفوس ويسرع بها إلى الهلاك، لذلك يليق بكل من يشترك في سرّ العهد الجديد أن يحفظ نفسه منها [375].]
لقد امتنع المسيحيون عن كل أنواع اللهو إذ قدمت في ذلك العصر تكريمًا للآلهة الوثنية، حتى الألعاب الرياضية كان أبطالها يتوجون باسم الآلهة.
أما كلمة "ملائكته"، فتعني رفضنا للشيطان وكل أتباعه:"هؤلاء الملائكة ليسوا شياطين بل أناس يخضعون للشيطان الذي يستخدمهم آلات له، إذ يجعلهم يسقطون الآخرين [376]". وقد قدم الأب ثيؤدور المصيصي قائمة بهؤلاء الملائكة ضمت الذين يستخدمون التعاليم الزمنية الخاطئة لنشر الوثنية وتغلغلها في العالم، والذين يقدمون الأشعار لحساب عبادة الأصنام، وقادة الهرطاقات أمثال ماني ومرقيون وفالنتينوس وبولس السومسطائي وأريوس وأبوليناريوس الذي أدخلوا شرورهم تحت اسم المسيح [377].
يشرح القديس كيرلس الأورشليمي هذا الطقس للمعمدين حديثًا، قائلًا: [ومع ذلك تؤمرون بالقول وذراعكم ممدود نحوه كأنه حاضر، قائلين: نجحدك أيها الشيطان. أريد أن أقول لكم إنكم تقفون ووجوهكم نحو الغرب فهذا أمر ضروري، مادام الغرب منطقة الظلام المحسوس، ومادام هو في الظلمة فتكون سيطرته على الظلمة... لقد وقف كل واحد منكم وقال: "أجحدك أيها الشيطان"، أيها الظالم القاسي الشرير. بمعنى إني لا أخاف قوتك بعد الآن، فقد قهرك المسيح، إذ شاركني في اللحم والدم. بالموت داس الموت حتى لا أكون تحت العبودية إلى الأبد. أجحدك أيتها الحية الخبيثة الماكرة. أجحدك بمؤامراتك التي تختفي تحت قناع الصداقة، إذ اخترعتِ كل مخالفة وكل عمل مارق لأبوينا الأولين. أجحدك أيها الشيطان الصانع لكل شر والمحرض عليه. وفي عبارة ثانية تقول: "وكل أعمالك"، لأن كل أعمال الشيطان هي خطيئة، يلزمنا أن ننبذها كمن يهرب من الظالم وأسلحته... ثم نقول: "وكل قوتك"، والآن فكل قوة الشيطان هي جنون المسارح وسباق الخيل والصيد وكل أمثال هذه الأمور الباطلة... بعد هذا نقول: "وكل خدماتك"، فخدمات الشيطان هي الصلاة في هياكل الأصنام وما يقدم من كرامات للأوثان التي بلا حياة... [378]]
ويرى الأب ثيؤدور المصيصي أن طالب العماد إذ يقف هكذا ليجحد الشيطان في حضرة الأسقف يكون كالمتهم الذي يعلن براءته أمام القاضي. فإن الشيطان يحاول أن يقيم الدليل ضدنا مدعيًا أنه ليس من حقنا أن نهرب من مملكته، مدعيًا أننا ملك له، ننتمي إليه لأننا نسل آدم الذي سقط تحت سلطانه. [لهذا يليق بنا أن نسرع ونقف أمام القاضي ونقيم دعوانا أنه من حقنا ألا ننتمي للشيطان بل لله الذي خلقنا منذ البداية على صورته [379].]
جحد الشيطان في نظر الأب ثيؤدور المصيصي يدخل بنا إلى الشركة مع السيد المسيح في تجربته على الجبل حين حاول الشيطان أن يضلله بحيله الخبيثة وتجاربه [380]، كما فعل مع آدم الأول حين كان في الفردوس. فإن كان قد غلبَ في الفردوس، إلا أنه صار هنا مغلوبًا من آدم الثاني، الذي حكم الوحوش وجاءت الملائكة تخدمه (مر 1: 13). ونحن أيضًا الذين غلبَنا العدو في شخص أبينا الأول ندخل مع آدم الثاني مياه المعمودية، ونتحد معه لكي نغلب ذاك الذي سبق فغلبنا، هذا الذي يشتكي ضدنا. هذا ما لمسه الرسول بولس حين تحدث عن المعمودية، إذ رأى فيها اتحادًا مع السيد المسيح، الذي حطّم بعماده شكوى الشيطان ضدنا [381]، قائلًا: "محا الصكَّ الذي علينا في الفرائض الذي كان ضدًّا لنا وقد رفعهُ من الوسط مسمّرًا إياهُ بالصليب. إذ جرَّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيهِ". (كو 2: 14-15)
لعله لهذا السبب وضعت الكنيسة إنجيل الأحد الأول من الصوم الكبير عن "تجربة السيد المسيح"، وهو أول أحد يحضره طالبو العماد في الصوم الكبير في قداس الموعوظين. إنه أول درس لهم عن المعمودية كغلبة على إبليس وتحرر من سلطانه.
ولهذا السبب أيضًا كان طالبو العماد يُمسحون بالزيت بعد جحدهم الشيطان وقبل دخولهم مياه المعمودية، كعلامة على أنهم قد مُسحوا جنودًا ومحاربين ضد عدو الخير إبليس.
إن كان الاعتراف بالإيمان كما سنرى هو دخول مع الله في ميثاق أو عهد جديد، فإنه يلزم أولًا جحد الشيطان، أي تمزيق العهد الذي أقمناه مع إبليس خلال الخطيئة.
* حينما يقودونكم إلى الداخل (في الكنيسة) يلزمكم جميعًا أن تحنوا ركبكم ولا تقفوا منتصبين. يلزم أن تبسطوا أيديكم نحو السماء وتشكروا الله على هذه العطية...
وبعد أن تحنوا ركبكم يُطلب منكم أن تنطقوا بهذه الكلمات: "أجحدك أيها الشيطان"...
ماذا حدث؟ ما هذا التغير المفاجئ الغريب؟ أنتم الذين كنتم ترتعشون بخوف، هل تثورون ضد سيدكم؟
هل تتطلعون إلى مشورته بازدراء؟
ما الذي جاء بكم إلى هذا الجنون؟ متى حلت بكم هذه الجسارة؟
تقولون: "لديَّ سيف، سيف قوي".
أي سيف هذا؟ أي حليف لكم؟ أخبروني.
تجيبون: إني أدخل في خدمتك أيها المسيح، لهذا فإني جريء وثائر. لأن لي ملجأ قويًا. هذا جعلني فوق الشيطان، أنا الذي كنت قبلًا اَرتعب منه وأخاف، لهذا لست أجحده وحده بل ومعه كل مواكبه.
* يطلب منكم الكهنة أن تقولوا: "أجحدك أيها الشيطان وكل مواكبك وكل خدمتك وكل أعمالك".
الكلمات قليلة لكنها عظيمة القوة!
الملائكة تقف بجواركم، والقوات غير المنظورة تفرح بتغييركم، ويتقبلون الكلمات من ألسنتكم ويحملونها إلى سيد كل الخليقة، لتنقش هناك في كتب السماء!
* هل رأيتم صيغة الاتفاق؟ فإنكم بعد جحد الشرير وكل ما له يطلب منكم الكاهن أن تقولوا: "أدخل في خدمتك أيها المسيح".
أترون غنى صلاحه؟! فإنه ما أن يتقبل هذه الكلمات حتى يودع فيكم مخزن جواهره هذه! إنه ينسى كل جحودكم القديم، ولا يذكركم بأفعالكم الماضية، مكتفيا بهذه الكلمات القليلة...
* إذ يعرف الكاهن أن العدو يصير بهذا ثائرًا ضدكم، يُصرّ بأسنانه، ويصبح كأسدٍ ثائرٍ، إذ يرى الذين كانوا قبلًا خاضعين لسطوته صاروا فجأة ثائرين عليه، ليس فقط يجحدونه، وإنما ينطلقون إلى جانب المسيح. عندئذ يدهنكم الكاهن على رؤوسكم ويضع عليكم العلامة (الصليب)، حتى يحوّل العدو عينيه عنكم، فلا يجسر أن يتطلع إلى وجوهكم إذ يراها تضيء مُشعَّة، فيثب هاربًا منها ويصيب العمى عينيه. لهذا فإنه منذ ذلك اليوم تقوم حرب وصراع ضده. على هذا الأساس يقودكم الكاهن إلى حلبة الصراع الروحية كمصارعين لحساب المسيح بفضل هذه المسحة [382].
القديس يوحنا الذهبي الفم
أما اتجاه طالب العماد نحو الغرب أثناء جحد الشيطان إنما تأكيد لسلطان المؤمن، أن ينظر إلى مملكة إبليس بقوة، جاحدًا إيّاه وكل موكبه وجنوده وأعماله. يقول القديس غريغوريوس النيسي: [أن الغرب هو الموضع الذي يسكنه سلطان الظلمة [383].] ويعلق القديس هيلاري أسقف بواتييه على إحدى فقرات المزمور 47 مؤكدًا أنه يشير إلى نصرة السيد المسيح على سلطان الظلمة [384]. وكأن النفس لا تعود ترهب الشيطان الظالم المملوء قسوة، لأن [المسيح حطم سلطانه وأباد الموت بموته بطريقة بها انسحب تمامًا من مملكته [385].] هذا ما يؤكده الأب ثيؤدور المصيصي قائلًا: [مادام الشيطان الذي أطعتموه مرة خلال رأس جنسكم هو علة كل الشرور التي تلحق بكم لهذا يجب أن تتعهدوا بتركه [386].]
أما بسط اليدين أو اليد أثناء جحد الشيطان فكان يستخدم قديمًا حينما يقسم الإنسان أو يجحد قسمًا. وكأن طالب العماد يجحد العهد الذي أقامه آدم مع الشيطان بسقوطه في الخطيئة [387].
ومما يجدر ملاحظته أن حربنا مع الشيطان لا تقف بجحدنا إياه وكل موكبه وجنوده وأعماله، وإنما نُمسح بالزيت المقدس لننال قوة ضده، وبعد المعمودية مباشرة نتمتع بمسحة الميرون لكي نحمل في داخلنا الروح القدس روح المسيح الغالب، يسندنا في جهادنا كل أيام غربتنا ضد الشيطان.
* إن اسم "المسيح" جاء من المسحة. كل مسيحي يقبل المسحة إنما يدل بهذا ليس فقط أنه قد صار شريكًا في الملكوت وإنما صار من المحاربين ضد الشيطان.
القديس أغسطينوس
* بعد ذلك تُمسحون على صدوركم لكي تلبسوا درع العدل، وتثبتوا ضد حيل الشيطان. وكما أن المسيح بعد المعمودية وحلول الروح القدس خرج وحارب المعاند، هكذا أنتم أيضًا بعد المعمودية المقدسة والمسحة السرية تثبتون ضد القوة المضادة، لابسين سلاح الروح القدس الكامل، وتحاربونها قائلين مع الرسول: "أستطيع كل شيءٍ في المسيح الذي يقوّيني" (في 4: 13) [388].
القديس كيرلس الأورشليمي
* النفس بطول إقامتها في نار الروح وفي النور الإلهي لا يصيبها أي أذى من الأرواح الشريرة، بل إن اقترب أحدها منها يحترق بنار الروح السماوي...
وكما إذا طار طير عاليًا لا يبالي بالصيادين والوحوش المفترسة، ولا يخافهم، لأنه في العلو في أمان من الجميع، هكذا النفس متى نالت أجنحة الروح (مز 55: 6) وطارت إلى السماوات العليا تستهزئ بمن هم تحتها لعلوها فوق الجميع.
* كل نفس لا تُصلح بالروح القدس ولا تملح بالملح السماوي، أعني قوة الله تفسد في الحال وتمتلئ برائحة الأفكار الشريرة الرديئة الكريهة، فيتحول وجه الله عن الرائحة الدنسة التي لأفكار الظلمة الخبيثة وفساد الشهوات الساكنة في هذه النفس، والدود الشرير اللعين يعني أرواح الشر وقوات الظلمة يتمشى فيها ويتحول ليجد فيها مرعى وقبولًا، فيدبّ فيها ويأكلها ويفسدها كقول المزمور: "قد أنتنت وفاحت جراحاتي" (مز 38: 5) [389].
القديس مقاريوس الكبير
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
8. سرّ الانفتاح

يروي لنا القديس أمبروسيوس طقسًا يسميه "الانفتاح" يتممه الكاهن قبيل دخول طالب العماد الجرن، فيه يلمس الكاهن أذني طالب العماد وأنفه، وقد شرح لنا بنفسه ما يعنيه هذا الطقس:
[أي سرّ للانفتاح قد تحقق عندما لمس الكاهن آذانكم وأنوفكم؟ إنه بهذا يُشار إلى ما فعله ربنا يسوع المسيح في الإنجيل حين قُدم إليه إنسان أصم وأخرس (مر 7: 32)، فقد لمس أذنيه وفمه. لمس أذنيه لأنه أصم، والفم لأنه أخرس، وقال: إفثا التي تعني بالعبرية "انفتح"... لهذا يلمس الكاهن آذانكم حتى تنفتح لسماع مقال الكاهن وحديثه [390].]
[تقول: ولماذا يلمس الأنف؟ لكي تتقبلوا رائحة الصلاح الأبدي الذكية، فتقولون ما قاله الرسول: "إننا رائحة المسيح الذكيَّة لله" (2 كو 2: 15). بهذا يكون فيكم كمال رائحة الإيمان والتكريس الذكية [391].]
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
9. الاعتراف بالإيمان

يحوّل طالب العماد وجهه من الغرب إلى الشرق، معلنًا قبوله الانتساب لمملكة النور بعد جحده مملكة الظلمة، أي قبوله السيد المسيح بعد رفضه إبليس. وكما يقول القديس أمبروسيوس: [أنكم تتجهون نحو الشرق، فإن من يجحد الشيطان يتجه نحو المسيح ويراه وجهًا لوجه [392].]
لقد نُسب للشيطان الغرب، إذ يملك في الظلمة. وكما يقول السيد المسيح نفسه: "هذه ساعتكم وسلطان الظلمة" (لو 22: 53). ويقول الرسول بولس: "فإن مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ بل مع الرؤَساءِ مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشرّ الروحيَّة في السماويَّات" (أف 6: 12)، ودُعيت جهنم الموضع الذي يستقر فيه إبليس وجنوده بالظلمة الخارجية.
وعلى العكس نُسب للسيد المسيح الشرق، إذ هو شمس البرّ الذي ينير على الجالسين في الظلمة (ملا 4: 1، مت 1: 16)، وقد دُعي الرب باللابس النور كثوبٍ (مز 104: 2)، وهو سرّ استنارتنا (مز 27: 1، 43: 3)، ودُعي أولاده "أبناء النور" (لو 16: 8)، كما دُعيت وسائط الخلاص بأسلحة النور (رو 13: 12).
أما من جهة الشرق فله مدلولاته الإيمانية العميقة التي سبق الحديث عنها بفكر إنجيلي آبائي [393]، فطالب العماد إذ ينظر إلى الشرق إنما ينظر إلى السيد المسيح نفسه الذي دُعي بالشرق (زك 6: 12) وشمس البرّ والعدل (ملا 4: 2). وبالنظر إلى الشرق نتطلع إلى الفردوس القديم الذي غرسه الله لنا في عدن نحو الشرق [394]، كما يلهب قلبنا بالشوق نحو مجيء السيد المسيح الذي صعد في المشارق ويأتي هكذا (مت 24: 27، أع 1: 11)، قائلين مع الأب ميثودسيوس من أولمبيا: [هلم نسرع جميعًا نحو الشرق، لنلتحف بالثياب البيضاء، ولنحمل مصابيحنا في أيدينا [395].]
ويلاحظ أن هذا الطقس بشقيه: التطلع إلى الغرب لجحد الشيطان ثم التطلع نحو الشرق لقبول السيد المسيح هو الخط الرئيسي الواضح في كل ليتورجيات العماد في الكنيسة الأولى.
والاعتراف بالإيمان له مفاهيمه اللاهوتية الأساسية في التمتع بالعماد المقدس.
أولًا: دُعيت المعمودية المسيحية بالمعمودية باسم الرب يسوع (أع 8: 16؛ 19: 5)، حيث يلتزم المعمَد -أو إشبينه إن كان طفلًا- بإعلان إيمانه بربنا يسوع المخلص، "لكي يقدر أن يقترب من سرّ الصليب ويدخل إلى شركة دفنه والتمتع بقوة قيامته. لهذا جاء الاعتراف بالمسيح يسوع ربنا المصلوب والقائم من بين الأموات كعنصرٍ أساسيٍ في كل "قوانين الإيمان للمعمودية" منذ نشأة الكنيسة. وكما يقول الرسول: "إن اعترفت بفمك بالربّ يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامهُ من الأموات خلصت" (رو 10: 9). واعتبر الرسول هذا الأمر هو حجر الزاوية في الإيمان المُسلم له: "فإنني سلَّمت إليكم في الأوَّل ما قبلتهُ أنا أيضًا أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب. وأنهُ دُفِن وأنهُ قام في اليوم الثالث حسب الكتب" (1 كو 15: 3).
وقد عرف الوثنيون ذلك، لهذا كان كل همهم أن يُلزموا المؤمنين أن يجحدوا مسيحهم. ففي محاكمة الشهيد بوليكاربوس طلب منه الوالي أن يلعن المسيح، فأجابه: "كيف ألعن ملكي؟" وفي خطاب بليني Pliny يقول للإمبراطور تراجان: "إني أحاول أن أجعلهم يلعنون المسيح".
ثانيًا: لما كانت المعمودية هي الباب المفتوح للدخول إلى العضوية في الجماعة المقدسة، لهذا يلزم الاعتراف بالإيمان الذي هو حجر الزاوية في بناء الجماعة المقدسة وسرّ وجودها، إذ يخاطبها الرسول قائلًا: "قبلتم المسيح يسوع الرب" (كو 2: 6)، كما يصفها هكذا: "لكي تجثو باسم يسوع كلُّ ركبةٍ مِمَّنْ في السماء ومَنْ على الأرض ومَنْ تحت الأرض، ويعترف كلُّ لسانٍ أن يسوع المسيح هو ربّ لمجد الله الآب" (في 2: 11). إنه يدخل إلى العضوية في الكنيسة التي تسلمت الإيمان وتسلمه من جيل إلى جيل.
ثالثًا: الاعتراف بالإيمان هو دخول في ميثاق إلهي أو توقيع عقد مع الله، يُسجل في سفر السماء. وفي هذا يقول الأب ثيؤدور المصيصي: [أن نقيم العقود والمواثيق مع الله ربنا بالاعتراف بالإيمان، خلال وساطة الكاهن نصير مؤهلين للدخول في بيته والتمتع برؤيته ومعرفته وسكناه وأن نُسجل في المدينة ونُحسب مواطنين فيها ونصير أصحاب ثقة عظيمة [396]]، كما يقول: [بالاعتراف بالإيمان تربط نفسك بالله بواسطة الأسقف، وتقيم ميثاقًا تتعهد فيه أن تثابر في محبة الطبيعة الإلهية [397].]
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
كيف يتم الاعتراف بالإيمان؟

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إن كان المعمدون أطفالًا أو صمًا لا يستطيعون الاستماع للتعلم يجاوب أشابينهم عنهم، هكذا يُعمدون حسب العادة [398].]
في الطقس القبطي الحالي يرد المعمد أو إشبينه بنود الإيمان علنًا وراء خادم السرّ، وذلك قبيل تغطيسه، أما في الكنيسة الأولى فكان المُعمد يُعلن إيمانه وهو واقف داخل مياه المعمودية، في شكل أسئلة يقدمها الكاهن أو الأسقف ويجيب عليها المعمد، كما ورد في قوانين القديس هيبوليتس [399].
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
بنود الاعتراف بالإيمان للمعمودية[400]

الاعتراف بالإيمان هو البذرة الأصيلة التي نشأ عنها قانون الإيمان بصورته الحالية. هذا الاعتراف وإن اختلفت صيغته وطريقة عرضه من بلد إلى آخر، لكنه ركز على الإيمان بالآب والابن والروح القدس كما شمل غالبًا الاعتراف بالكنيسة الجامعة ومغفرة الخطايا. وإنني اكتفي هنا بعرض سريع للاعتراف بالإيمان كما يظهر في بعض كتابات الآباء.
ربما لخص القديس أغناطيوس الأنطاكي الاعتراف بالإيمان بقوله: [اثبتوا إذن على تعليم الرب والرسل، لكي تنجحوا فيما تعملون بالجسد والروح في الإيمان والمحبة في الابن والآب والروح القدس [401].]
وجاء في مقدمة "شرح الإيمان الرسولي Epideixis" الذي كتبه القديس إيريناؤس لصديقه مرقيانوس:
[هنا ما يقره الإيمان بالنسبة لنا، حسب ما نقله القدماء -تلاميذ الرسل- إلينا. أول كل شيء يلزمنا أن نتذكر أننا قبلنا المعمودية لمغفرة الخطايا باسم الله الآب، وباسم يسوع المسيح ابن الله الذي تجسد ومات وقام وباسم روح الله الروح القدس... لذلك فالمعمودية التي تُجددنا تُمنح لنا بنور خلال الثالوث، وتضمن ميلادنا الثاني لله الآب خلال ابنه بواسطة الروح القدس.
الذين يتقبلون روح الله ينقادون للكلمة، أي للابن، وأما الابن فيتقبلهم ويقدمهم للآب، والآب يمنحهم عدم الفساد.
هكذا بدون الروح لا يقدر أحد أن يعاين كلمة الله، وبدون الابن لا يقدر أحد أن يقترب من الآب، لأن الابن هو معرفة الآب، ومعرفة الابن إنما تكون خلال الروح.
إنه الابن، الذي حسب مسرة الآب يوزع الروح كعطية، كما يريد الآب منه هكذا أيضًا، وللذين يريد أن يعطيهم الروح [402].]
وفي الفصل السادس من ذات المقال يقول:
[هذا هو ترتيب قاعدة إيماننا، وهو أساس البناء الثابت الذي عليه شُيّد تجديدنا: الله الآب ليس مخلوقًا ولا محسوسًا (ماديًا)، غير منظور، إله واحد، خالق كل الأشياء. هذا هو أول موضوع في إيماننا.
والموضوع الثاني هو كلمة الله، ابن الله، المسيح يسوع ربنا، الذي أُعلن للأنبياء بطريقة نبوية حسب تدبير الآب الذي به كل الأشياء خلقت، هذا الذي تجسد في آخر الأزمنة لكي يكمل ويجمع كل شيء، وصار إنسانًا وعاش مع البشر بل صار ظاهرًا ومحسوسًا لكي يبيد الموت ويُظهر الحياة ويقيم شركة بين الله والبشر.
والموضوع الثالث هو الروح القدس الذي به تنبأ البطاركة وعلموا ما يخص الله، والذي قاد الأبرار في طريق البر. هذا الذي سُكب على البشرية عي آخر الأزمنة في كل أنحاء المسكونة بطريقة جديدة لكي يجدد الإنسان [403].]
رأى القديس إيريناؤس ضرورة تحديد الإيمان في صيغة معروفة تسند القبائل إذ لم تكن بعد قد تُرجمت الأسفار المقدسة إلى لغاتهم، لكنهم قبلوا الإيمان في قلوبهم، وقد ركز على الإيمان بالآب، والابن في تجسده وموته وقيامته وصعوده ومجيئه في اليوم الأخير، والروح القدس [404].
وجاء في رسائل القديس كبريانوس: [أتؤمن بالله الآب والابن المسيح والروح القدس؟ أتؤمن بالحياة الأبدية وغفران الخطايا خلال الكنيسة المقدسة؟ أؤمن [405].]
وقد قدمت لنا قوانين القديس هيبوليتس [406] نصًا فريدًا ومطولًا عن الاعتراف بالإيمان داخل مياه المعمودية، كما قدم لنا التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس نصًا مشابهًا.
جاء في قوانين القديس هيبوليتس أن طالبي العماد يتوجهون نحو الشرق ويقولون: [أؤمن وانحني أمامك وأمام عظمتك أيها الآب والابن والروح القدس]، ثم ينزلون في المياه ويقفون فيها ووجوهم نحو الشرق. يضع كاهن آخر يده على رؤوسهم ثم يسألهم:
"أتؤمنون بالله الآب ضابط الكل؟"
يجيبون: "أؤمن"، ثم يغطسون للمرة الأولى.
وبعد الغطسة الأولى يُسألون: أتؤمن بيسوع المسيح ابن الله الذي وُلد من العذراء مريم بالروح القدس، والذي صُلب في عهد بيلاطس، والذي مات وقام في اليوم الثالث من بين الأموات، وصعد إلى السماوات وجلس عن يمين الآب، ويأتي ليدين الأحياء والأموات؟"
ويعد أن يجيبوا "أومن" يغطسون للمرة الثانية.
عندئذ يُسألون: أتؤمنون بالروح القدس؟
يجيبون: "أؤمن"، ويغطسون للمرة الثالثة والأخيرة.
وفي كل غطسة يقول الكاهن: أعمدك باسم الآب والابن والروح القدس، وبعد ذلك يُدهنون بالمسحة المقدسة التي تعرف بالميرون Chrism، ويلبسون ثيابهم ويدخلون الكنيسة، ويتقبلون وضع الأيدي من الأسقف وقبلة السلام، وعندئذ يبدأ تقديم الإفخارستيا.
أما الأسئلة كما وردت في التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس، فهي:
- أتؤمن بالله الآب ضابط الكل؟
- أتؤمن بالمسيح يسوع ابن الله الذي ولد من العذراء مريم بالروح القدس ومات وقُبر وقام حيًا من بين الأموات في اليوم الثالث، وجلس عن يمين الآب، وسيأتي ليدين الأحياء والأموات؟
- هل تؤمن بالروح القدس وبالكنيسة المقدسة وبقيامة الجسد؟
أما كيفية التغطيس فهي كما وردت في قوانين هيبوليتس تمامًا.
هنا نلاحظ أن الاعتراف بالإيمان كان يتم داخل المياه وعلى شكل أسئلة وأجوبة.
يروي لنا يوسابيوس المؤرخ أن البابا ديوناسيوس السكندري كتب في رسالته إلى أكسيتوس Xystus أسقف روما هكذا أنه كان في كنيسة الإسكندريّة رجل من أيام سلفة ياروكلاس إذ "سمع الأسئلة والأجوبة في المعمودية" اكتشف أن هناك خطأ قد حدث عندما اعتمد، إذ اعتمد لدى هراطقة [407]، كأن كنيسة الإسكندريّة كانت تعمد هكذا حيث يعلن المُعمد إيمانه في المياه خلال الأسئلة والأجوبة، حتى الهراطقة استخدموا نفس الأسلوب، لكن أسئلتهم وإجابتهم كانت مختلفة.
وفي ميلانو أيضًا كان الاعتراف بالإيمان يتم هكذا، إذ يقول القديس أمبروسيوس: [عند ذلك تُسأل: أتؤمن بالله الآب ضابط الكل؟ تقول "أومن"، عندئذ تغطس أي تدفن.
ومرة ثانية تُسأل: "أتؤمن بربنا يسوع المسيح وبصليبه؟" تقول: "أومن"، وعندئذ تغطس وهكذا تُدفن مع المسيح، لأن كل من يُدفن مع المسيح يقوم من الموت معه.
وفي المرة الثالثة تُسأل: "أتؤمن بالروح القدس؟" تقول: "أومن"، ومرة ثالثة تغطس.
وهكذا تغطس ثلاث مرات ويمحو اعترافك المثلث كل خطاياك السابقة [408].]
ويرى العلامة أوريجينوس في شرحه إنجيل يوحنا أن غياب أي بند من بنود الإيمان الأساسية هو فقدان للإيمان كله [409].
أما في الطقس القبطي الحالي، فيردد طالب العماد أو أشبينه عبارات جحد الشيطان وراء الكاهن، قائلًا:
[أجحدك أيها الشيطان، وكل أعمالك النجسة وكل جنودك الشريرة، وكل شياطينك الرديئة، وكل قوتك، وكل عبادتك المرذولة، وكل حيلك الرديئة والمضلة، وكل جيشك، وكل سلطانك، وكل بقية نفاقك. أجحدك. أجحدك. أجحدك.]
ثم ينفخ الكاهن في وجه طالب العماد وهو يقول ثلاث مرات: [أخرج أيها الروح النجس.]
بعد هذا إذ يحول وجهه نحو الشرق ويده مرفوعة إلى فوق يردد أيضًا مع الكاهن، قائلًا: [اعترف لك أيها المسيح الهي، وبكل نواميسك المخلصة، وكل خدمتك المحيية، وكل أعمالك المعطية الحياة.]
ثم يلقنه الإيمان هكذا: [أؤمن باله واحد، الله الآب ضابط الكل، وابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا، والروح القدس المحيي، وقيامة الجسد، والكنيسة الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية. آمين.]
ثم يردد ثلاث مرات: "آمنت".
يتم هذا قبل دخوله المياه.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
10. تقديس المياه

إذ تعمد السيد المسيح في نهر الأردن صار الرسل أيضًا يعمدون في الأنهار أو في مياه جارية،فيذكر العلامة ترتليان أن بطرس الرسول عمد الذين قبلوا الإيمان في نهر التيبر بروما [لأن الروح الواحد يقدس المياه في كل مكان، ويهب الروح قوة التقديس للمياه بالاستدعاء والصلاة.] إلا أن التعميد في الأماكن العامة كان يعرض المؤمنين والكهنة للكثير من المشاكل كما يعرض المقدسات لحملات التشهير من الوثنيين، لهذا اقتصر الأمر على التعميد في معموديات داخل الكنائس.
جاء في الديداكيّة -التي ترجع بعض نصوصها- إلى القرن الأول الميلادي:
[أما عن العماد، فعمدوا هكذا:
بعدما تعملون كل ما تقدم،
عمدوا باسم الآب والابن والروح القدس بماء جارٍ (حيّ).
فإذا لم يكن هناك ماء جارٍ فعمد بماء آخر.
إذا لم تستطع أن تعمد بماء بارد فعمد بماء دافئ.
إذا كنت لا تملك كليهما فاسكب الماء فوق الرأس ثلاثًا.
باسم الآب والابن والروح القدس [410].]
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
عنصر الماء

لقد أكد السيد المسيح: "إن كان أحد لا يُولَد من الماءِ والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5)، مقدمًا المياه عنصرًا أساسيًا في الميلاد الجديد بالروح القدس، لماذا؟
يربط العلامة ترتليان المياه بالخلق (تك 1: 2)، إذ كان روح الله يرف على المياه ليخلق، وقد جبل الله الإنسان من الطين (تراب مخلوط بماء)، ومن المياه خرجت الكائنات الحية، هكذا في الخلق الجديد تُستخدم المياه المقدسة.
استخدام المياه في الخلق الجديد إعلان لتقديس المادة، وليس كما كانت بعض الفلسفات القديمة تدعى بأن المادة عنصر ظلمة من خلق إله الشر. استخدام الماء إنما إعلان لنظرة الله المقدسة للمادة كما للروح، يطلب أيضًا غسل الجسد والنفس، فهو لا يحتقر المادة ولا يزدري بالجسد. حقًا ليس الماء في ذاته هو الذي يجددنا، بل الروح القدس الذي يعمل خلال المياه بتقديسها.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
تقديس المياه

جاء في التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس: [عند صياح الديك أولًا يصلون على المياه، إذ يأتون بمياه نقية وفياضة [411].] ويقول القديس باسيليوس: [الأمور التي سلمت إلينا من تقليد الرسل... أن نبارك مياه المعمودية [412].] وقد تحدث الآباء كثيرًا عن تقديس مياه المعمودية باستدعاء روح الله القدوس والصلوات ورشم علامة الصليب، كما أفاضوا في الكشف عن فاعلية هذا العمل في حياة المعمدين، تقتطف هنا بعض العبارات:
* يحصل الماء على سرّ التقديس بالابتهال لله، إذ ينزل الروح في الحال من السماء، ويستقر على المياه، ويقدسها بنفسه، وإذ تتقدس المياه تتشرب قوة التقديس [413].
العلامة ترتليان
* يلزم أولًا أن تتطهر المياه وتتقدس بواسطة الكاهن لتحل فيها قوة المعمودية لغسل خطايا الإنسان الذي ينال المعمودية، إذ يقول الرب لحزقيال النبي: "وأرشُّ عليكم ماءً طاهرًا فتُطهَّرون من كل نجاستكم ومن كل أصنامكم أطهركم. وأعطيكم قلبًا جديدًا وأجعل روحًا جديدة في داخلكم" (حز 36: 25-26) [414].
القديس كبريانوس
* لا تنظروا إلى الجرن كماء بسيط بل بالأحرى تطلَّعوا إلى النعمة الروحية التي توهب مع الماء... إذ يحمل الماء البسيط قوة جديدة للقداسة، بتكريس الروح القدس والمسيح والآب.
* عندما تنزلون في الماء لا تفكروا في المادة المجردة بل تطلَّعوا إلى الخلاص بقوة الروح القدس. فإنه بدونهما -كلاهما- لا يمكن أن تصيروا كاملين. ما أقوله هذا ليس من عندياتي، إنما هو كلام الرب يسوع صاحب السلطان في هذا الشأن. إنه يقول: "إن كان أحد لا يُولَد من الماءِ والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5). فمن يعتمد بالماء ولا يكون متأهلًا للروح (بسبب سوء نيته) لا يتقبل نعمة الكمال. وأيضًا إن كان فاضلًا في أعماله ولم يتقبل الختم بالماء فلا يدخل ملكوت السماوات. هذا القول فيه جسارة لكنه ليس مني بل أعلنه يسوع [415].
القديس كيرلس الأورشليمي
* هنا حكم المؤمن شيء وحكم غير المؤمن شيء آخر. فمن جهتي أنا عندما أسمع أن المسيح صُلب في الحال أتعجب لمحبته للبشرية، أما الذي لا يؤمن فيرى في ذلك غباوة...
غير المؤمن إذ يسمع عن الحميم يفكر فيه مجرد ماء، أما أنا فمن الجانب الآخر لا أتطلع إلى ما هو منظور فحسب وإنما أهتم بتطهير النفس بالروح القدس [416].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* انزع الكلمات (الخاصة بالتقديس) فتكون المياه مجرد مياه. أضف الكلمات إلى العنصر فيكون لك سرّ Sacramentum [417].
القديس أغسطينوس
* إنكم ترون المياه، لكن ليست كل المياه تشفي بل تلك التي تحمل نعمة المسيح. الماء هو أداة، لكن الروح القدس هو الذي يعمل. المياه لا تشفي ما لم يحل الروح عليها ليقدسها [418].
القديس أمبروسيوس
* يليق بالأسقف -حسب قانون الخدمة الكهنوتية- أن يستخدم الكلمات المعروفة، ويسأل الله أن يحل الروح القدس على المياه، ويجعلها قادرة على الميلاد المملوء رهبة [419].
القديس ثيؤدور المصيصي
* يا ملك كل الأشياء وربها، يا خالق الكون،
لقد خلصت كل طبيعة بإرسال ابنك الوحيد، يسوع المسيح،
وأعتقت خليقتك بمجيء كلمتك الفائق الوصف.
تطلع الآن من السماء وانظر إلى هذه المياه، واملأها من الروح القدس.
ليعمل فيها كلمتك الفائق الوصف، ويحوّل قوتها،
وليملأ هذه الأشياء المخلوقة من نعمتك،
حتى لا يكون السرّ الذي يتم الآن عديم الفاعلية في الذين سيولدون من جديد، بل ليملأ بنعمتك الإلهية جميع الذين سينزلون ويتعمدون [420].
خولاجي القديس صرابيون
* تطلع من السماء وقدس هذا الماء،
وامنحه نعمة وقوة،
حتى أن من يتعمد حسب وصية مسيحك يُصلب معه ويموت معه ويدفن معه ويقوم معه إلى التبني الذي له،
وذلك بأن يموت عن خطاياه ويحيا لله [421].
الدساتير الرسولية
* قدوس، قدوس أيها الرب، وقدوس في كل شيء،
الآن أيضًا يا ملكنا رب القوات ملك الجنود السمائية،
اطلع أيها الجالس على الشاروبيم،
اظهر وانظر إلى جبلتك هذه أي هذا الماء.
امنحه نعمة الأردن والقوة والعزاء السمائي.
وعند حلول روحك القدوس عليه هبه بركة الأردن. آمين.
أعطه قوة ليصير ماء محييًا. آمين.
ماء طاهرًا. آمين.
ماء يطهر الخطايا. آمين.
ماء حميم الميلاد الجديد. آمين.
ماء البنوة. آمين.
أنعم على هذا الماء لكي لا يوضع فيه، ولا ينزل مع الذي يتعمد فيه روح رديء، ولا روح نجس، ولا روح النهار، ولا روح الظهيرة، ولا روح المساء الخ.
قداس المعمودية القبطي
هكذا يظهر دور الثالوث القدوس في تقديس المياه، وإن كنت سأتحدث بمشيئة الله عن دور السيد المسيح ليس في تقديس المياه فحسب وإنما في تتميم السرّ في نهاية هذا الباب.
إن كنا قد تحدثنا عن دور استدعاء اسم الله والصلوات في تقديس المياه، فإننا لا ننسى أيضًا دور رشم علامة الصليب في ذلك الأمر، فقد أوضح القديس أغسطينوس أن علامة الصليب تُرسم على مياه المعمودية، كما على زيت المسحة وعلى الإفخارستيا [422]، كما يربط القديس أمبروسيوس بين تقديس مياه المعمودية والصليب بقوله: [إننا نقر أن الشهود ثلاثة في المعمودية: الماء والدم والروح (1 يو 5: 7) هم واحد، لأنك إذا انتزعت واحدًا منهم لما وُجد سرّ المعمودية. لأنه ما هو الماء بدون صليب المسيح؟! عنصر مادي بدون أي فعل سرّي. كما أنه لا يوجد سرّ التجديد بدون ماء، "لأنه إن كان أحد لا يُولَد من الماءِ والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5). والآن حتى الموعوظ يؤمن بصليب الرب يسوع الذي به قد خُتم هو أيضًا، ولكنه إن لم يعتمد باسم الآب والابن والروح القدس فلا يمكن أن ينال غفران الخطايا، ولا أن يحصل على عطية النعمة الروحية [423].]
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
11. سكب الميرون في المياه

في نهاية الصلوات الخاصة بتقديس المياه يسكب الكاهن الميرون ثلاث مرات على مثال الصليب ليقدس الماء وهو يقول:
"باسم الآب والابن والروح القدس.
مبارك الله الآب ضابط الكل. آمين".
"مبارك ابنه الوحيد يسوع المسيح. آمين".
"مبارك الروح القدس الباراقليط. آمين".
ثم يحرك المياه وهو يقول بعض الفقرات من المزامير:
"صوت الرب على المياه. إله المجد أرعد..
الرب على المياه الكثيرة. الليلويا.
صوت الرب بالقوَّة. صوت الرب بعظيم الجلال. الليلويا". (مز 29: 3-4)
"تعالوا إليه لتستنيروا ولا تخزى وجوهكم.
تعالوا يا أبنائي واسمعوني لأعلمكم مخافة الرب. الليلويا". (مز 31: 5)
"جزنا في النار والماءِ ثم أخرجتنا إلى الراحة. الليلويا". (مز 66: 12)
"انضح عليَّ بزوفاك فأطهر وأغسلني أكثر من الثلج. اصرف وجهك عن خطاياي وامح كل آثامي. الليلويا".
قلبًا نقيًّا اخلق فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدّده في أحشائي. الليلويا" (مز 50: 7، 9، 10)
"الرب اختار صهيون ورضيها مسكنًا لهُ. الليلويا" (مز 132: 13).
إنه اختيار دقيق وعجيب يحمل في قوةٍ سرّ عمل الروح القدس في حياة المعتمد في هذه المياه التي تتقدس بالروح. لقد حملت المياه صوت الرب الذي يرعد في حياة الإنسان، محطمًا الشر ليقيم مملكته فيه من جديد. وفي المياه ينال المؤمن سرّ الاستنارة فلا يخزى وجهه بعد، ويصير ابنًا لله يسمع لوصاياه ويحمل مخافته لأبيه السماوي. يدخل المؤمن المياه فيجتاز نار الروح والمياه المقدسة ليعبر إلى راحة الفردوس الجديد. في هذه المياه يغتسل داخليًا فيصير نقيًا ويحمل القلب الجديد والروح الجديد. وفي هذه المياه يعلن الله اختياره للكنيسة "صهيون" ويقبل المؤمن عضوًا حيًا فيها.
حقًا إنه نص فريد يدخل بنا إلى كل أسرار المعمودية خلال المزامير بقوة وبساطة!
أما عادة سكب الميرون في مياه المعمودية بجوار مسح المُعمد به فهي عادة قديمة. يقول Stone أنها وجدت في مصر قبل نهاية القرن الخامس على الأكثر، كما وجدت في الغرب في القرن السادس [424].
وجاء في القديس ديونسيوس الأريوباغي: [يأتي (الأسقف) إلى أم التبني (الجرن) ويقدس المياه فيها بابتهالات مقدسة، ويكمل ذلك بسكب الميرون كلّي القدس فيها ثلاث مرات [425].]
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
12. الثلاث تغطيسات

يتم العماد في داخل المياه المقدسة بالتغطيس ثلاث مرات. أما عادة التغطيس -دون الرش- فقد بدأت بالسيد المسيح نفسه الذي نزل نهر الأردن وصعد منه كقول الكتاب: "فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماءِ" (مت 3: 16)، وقد مارست الكنيسة في الشرق والغرب العماد بالتغطيس، وقد بقيت الكنيسة الشرقية هكذا، أما الغربية فحتى أيام الأب توما الأكويني كانت تمارسه بالتغطيس.
يقول F. Cuttaz الكاثوليكي: [يلزم اعتبار عماد المسيح في نهر الأردن بواسطة القديس يوحنا المعمدان مثالًا ونموذجًا للعماد المسيحي الذي أراد المسيح تأسيسه. لقد نزل مخلصنا في النهر، إذ يقول عنه الإنجيل: "صعد للوقت من الماءِ" (مت 3: 16)، ونقرأ في سفر الأعمال (8: 38-39) عن عماد خصي كنداكة الملكة: "فنزل كلاهما إلى الماء فيلبس والخصي فعمده، ولما صعدا من الماء خطف روح الرب فيلبس... (وجاء في هرماس) نزل الموعوظون في الماء أمواتًا وصعدوا منها أحياء [426]. العماد نزول مع السيد المسيح إلى القبر ودفن معه ثم صعود معه خلال قيامته. هذا النزول والصعود لا يتحقق برش بعض نقاط من الماء على الإنسان بل بتغطيسه في المياه [427].]
لقد دُعيت المعمودية "صبغة" لأن الكلمة اليونانية "Baptizen" تعني صبغة، والصبغ يتم بتغطيس الشيء تمامًا في مادة الصبغ.
هذا والمعمودية في الحقيقة هي "تجديد"، يتم بالتعري الكامل عن الإنسان القديم وأعماله، لهذا تمارس المعمودية بالتغطيس حيث يتعرى الإنسان لكي يلبس الإنسان الجديد: [تصبحون عراة مثل آدم في الفردوس، مع الفرق أن آدم أخطأ، أما في المعمودية فيتعرى الإنسان لكي يتحرر من الخطيئة. آدم فقد مجده، أما من يأتي إلى المعمودية فيخلع الإنسان العتيق بسهوله كما يخلع ملابسه [428].]
والتغطيس أيضًا ضروري، لأن المعمودية هي دفن مع السيد المسيح (رو 6: 4، كو 2: 12).
بالتغطيس يُغمر الإنسان بالمياه من كل جانب، هكذا يحيط الروح بنفسه من كل جانب بطريقة فائقة!
وإن عدنا حتى إلى رموز العهد القديم الخاصة بالمعمودية مثل عبور البحر الاحمر ونهر الأردن كان الشعب يدخل إلى القاع، وفي قصة الطوفان كان الفلك مغمورًا بالمياه.
ولا تزال المعموديات القديمة في الشرق والغرب تشهد عن العماد بالتغطيس، إذ كانت متسعة، بعضها توجد به سلالم ناحية الشرق والغرب حيث ينزل طالب العماد على إحداها ومتمم السرّ على الأخرى ليضع يده على رأسه أثناء العماد بالتغطيس.
في الطقس القبطي يتم التغطيس ثلاث مرات، في المرة الأولى يضع الكاهن يده على المعمد ليقول: "أعمدك يا... باسم الآب"، والثانية باسم الابن، والثالثة باسم الروح القدس. في كل مرة ينفخ الكاهن في وجهه.
والتغطيس ثلاث مرات إنما إعلان عن العماد باسم الثالوث القدوس، كما تشير إلى الدفن مع السيد المسيح ثلاثة أيام ليحمل المعمد قوة القيامة مع السيد المسيح (كو 2: 12) [429].
* نحن نغطس ثلاث مرات [430].
* نحن لا نغطس مرة واحد بل ثلاث مرات عندما نذكر اسم كل أقنوم من أقانيم الثالوث [431].
العلامة ترتليان
* إننا نغطس للآب لنتقدس، ونغطس للابن بذات الهدف، كما نغطس للروح القدس لكي نصير إلى ما هو عليه وما يدعونا إليه [432].
* نحن نُدفن في الماء كما دفن المسيح في القبر، وعندما نغطس ثلاث مرات نعبر بذلك عن قبولنا لنعمة القيامة التي ظهرت بعد ثلاثة أيام [433].
القديس غريغوريوس النيسي
* تتم كل غطسة عند ذكر كل أقنوم من أقانيم الثالوث [434].
القديس ديوناسيوس الأريوباغي
* في كل مرة يقول: أعمدك باسم الآب والابن والروح القدس [435].
قوانين القديس هيبوليتس
* بعد القيامة أرسل الرب تلاميذه وأوصاهم وعلمهم كيف يعمدون، قائلًا: كل سلطان أعطي لي في السماء وعلى الأرض، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.لذلك اذهبوا وعلموا كل الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. لقد جعل الثالوث معروفًا خلال السرّ بواسطة الأمم الذين يعتمدون [436].
القديس كبريانوس
* بثلاث غطسات ودعاء مساوٍ لها في العدد يتم سرّ المعمودية العظيم، لكي يتصور رسم الموت وتستنير نفوس المعمدين بتسليم معرفة الله [437].
القديس باسيليوس الكبير
* يوجد سران في طريقة التعميد: الغطسات الثلاث هم رمز للإيمان بالثالوث القدوس الذي باسمه نعتمد، وكذلك رمز للدفن مع الرب ولقيامته في اليوم الثالث، لأننا ندفن مع المسيح في المعمودية ونقوم معه بالإيمان.
القديس أغسطينوس
* إننا نغطس ثلاث مرات، لكن سرّ الثالوث واحد، لأننا لا نعتمد بأسماء ثلاثة آلهة بل باسم الإله الواحد، ورغم أننا نغطس ثلاث مرات تحت الماء إلا أننا نؤمن بمعمودية واحدة [438].
القديس جيروم
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
13. غسل القدمين

يروي لنا القديس أمبروسيوس عن عادة كانت متبعة في ميلانو دون غيرها، وهي أن الأسقف أو الكاهن الذي يقوم بالعماد يتمنطق بعد أن يتمم العماد ويغسل قدميْ المُعمد [439]. وهي عادة غريبة لأن المعمد قد خرج من الجرن طاهرًا ولا حاجة له إلى غسل قدميه في ذلك الوقت. ربما يريد الكاهن أن يُعلن للمعمد أن الكنيسة تبقى تغسل قدميه خلال وجوده في العالم حتى بعد نواله المعمودية المقدسة.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
14. الدهن بالميرون المقدس

ذكر القديس كيرلس الأورشليمي مقالًا كاملًا بخصوص "المسحة [440]" بزيت الميرون، يتم بعد العماد مباشرة كعمل سرّي مقدس. وقد سبق لنا الحديث عن هذا السرّ وفاعليته فينا. وإننا نكتفي هنا ببعض عبارات للآباء:
* إننا نُدعى مسيحيين لأننا ندهن بمسحة الله [441].
القديس ثيؤفيلس الأنطاكي
* ينبغي على من اعتمد أن يُمسح أيضًا لكي يصير بواسطة المسحة ممسوحًا لله ويأخذ نعمة المسيح [442].
الشهيد كبريانوس
يدهن الكاهن كل أعضاء الجسم إعلانًا عن تقديس كل الجسد والنفس بسكنى الروح القدس داخلنا، وذلك بعد أن يصلي قائلًا:
"أيها القادر وحده، صانع جميع العجائب، الذي لا يعسر عليك شيء، لكن إرادتك وقوتك فاعلة في كل شيء.
أنعم بالروح القدس عند نضح الميرون المقدس.
ليكن خاتمًا محييًا،
وثباتًا لعبيدك،
بابنك الوحيد يسوع المسيح ربنا، هذا الذي من قبله يليق بك المجد"...
وبعد أن يرشم 36 رشمًا من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين، يضع الكاهن يده عليه ويقول:
"تكون مباركًا ببركة السمائيين، وبركة الملائكة. يباركك الرب يسوع المسيح، وباسمه".
ثم ينفخ في وجه وهو يقول:
"اقبل الروح القدس، وكن إناء طاهرًا من قبل ربنا يسوع المسيح ربنا، هذا الذي له المجد مع أبيه الصالح والروح القدس".
هنا نلاحظ في الطقس القبطي تستخدم المسحة بالميرون المقدس مع وضع اليد للبركة والنفخة في وجه المُعمد.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
15. لبس الثياب البيضاء

دعا القديس كيرلس الأورشليمي جرن المعمودية "حجال العريس الداخلي"، في داخلها يناجي السيد المسيح النفس البشرية، قائلًا: "بسطتُ ذيلي عليكِ، وسترتُ عورتكِ وحلفت لكِ ودخلت معكِ في عهدٍ... فحمَّمتكِ بالماءِ، وغسلت عنكِ دماءَكِ، ومسحتكِ بالزيت. وألبستكِ مطرَّزةً، ونعلتكِ بالتُّخَس، وأزَّرتُكِ بالكتان، وكسوتكِ بزًّا... وجَمُلْتِ جدًا جدًّا، فصلحتِ لمملكةٍ. وخرج لكِ اسم في الأمم لجمالكِ، لأنهُ كان كاملًا ببهائي الذي جعلتهُ عليكِ" (حز 16: 8، 14). لقد خطبها لنفسه عروسًا بعد أن غسلها وألبسها وزيَّنها بجماله فتصير ملكة، تحمل بهاء الملك في داخلها. لهذا إذ تخرج من المياه تلبس الثياب البيضاء البهية، التي هي الحلة الأولى التي قدمها الأب لابنه الراجع إليه (لو 15: 22)، لا بمعنى أنه توجد حلة ثانية وثالثة، لكنها دُعيت بالحلة الأولى من أجل بهائها وجمالها ومقامها وقيمتها، إذ هي لباس العُرس الأبدي، بدونها يُطرد المدعوون فلا يتمتعوا بشركة عرس ابن الملك (مت 22: 13).
يشير الثوب الأبيض إلى انعكاسات إشراقات المجد الإلهي على الإنسان، إذ في تجلي الرب "صارت ثيابه بيضاء كالنور"، وفي السماء يلبس الأربعة وعشرون قسيسًا غير المتجسدين ثيابًا بيضاء (رؤ 4: 4)، وهكذا جموع الغالبين متسربلون بالثياب البيض (رؤ 7: 13)، كما أعطى للشهداء ثيابًا بيضاء (رؤ 6: 11)، وقد أشار الرب إلى ملاك كنيسة اللاودكيين أي أسقفها أن يتوب ويشتري لنفسه ثيابًا بيضاء (رؤ 3: 18).
اللون الأبيض هو لون الحق الطبيعي كما يقول القديس إكليمنضس [443]، يشير إلى الحق كما إلى الطهارة والنقاوة والغلبة والنصرة [444].
* عندما تخرج من الماء ترتدي ثوبًا كله بهاءً.
* بعد نوال نعمة المعمودية وارتداء الثوب الأبيض المضيء يقترب إليك الكاهن ويرشمك على جبهتك، قائلًا: "فلان يُرشم باسم الآب والابن والروح القدس" [445].
الأب ثيؤدور المصيصي
* بعد ذلك أعطيت لكم ملابس بيضاء علامة أنكم قد خلعتم ثوب الخطايا ولبستم ثوب الطهارة والبراءة، الذي تحدث عنه النبي قائلًا: "تنضح عليَّ بزوفاك فأطهر، وتغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (مز 51: 9). لأن من يعتمد يصير طاهرًا حسب الناموس والإنجيل كليهما. حسب الناموس لأن موسى رش دم الحمل بباقة من الزوفا (خر 12: 22)، وحسب الإنجيل، لأن ثياب المسيح كانت بيضاء كالثلج عندما أظهر مجد قيامته في الإنجيل. إذن فذاك الذي يُغفر إثمه يبيض أكثر من الثلج، لهذا قال الله بإشعياء: "إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضُّ كالثلج" (إش1: 18) [446].
القديس أمبروسيوس
* ترقص الملائكة حولكم، قائلة: "مَن هذه الطالعة من البرية مستندة على حبيبها؟!" (نش 8: 5) [447].
القديس كيرلس الأورشليمي
* فجرت (المعمودية) ماء الحياة من بيت الآب للعالم.
يا جميع العطاش اشربوا الرجاء من ينبوعها.
من هذه التي جمعت شعوب الأرض وألبستهم ثياب المجد؟!
* من هذه المزينة التي تنسج لباس النور الحيّ داخل المياه لكل القادمين إليها؟!
من سيدة المجد هذه الممتلئة مجدًا، ها كل الخليقة تسرع إليها بالفرح.
* المعمودية هي حلة المجد المعطاة لآدم، تلك التي سرقتها منه الحية بين الشجر.
* تعالي (أيتها النفس) والبسي الجلالة، وافتني النور بالمياه الطاهر..
تعالى، انزلي، والبسي الثياب التي نسجها اللاهوت، واصعدي وأرينا جمالكِ الخالد، لنفرح معكِ.
* لبستِ الملون كعظيم الأحبار في بيت التطهير.
النار والروح ينسجان لك الثوب الذي كله نور.
يا ابنة الشعوب المخطوبة للنور في داخل المياه! [448]
مار يعقوب السروجي
في الطقس البيزنطي إذ يُلبس الكاهن المُعمد ثوبه الأبيض يقول: "يُلبس عبد الله (فلان) سربال البرّ، بسم الآب والابن والروح القدس"، ويرتل المرنمون، قائلين: "امنحني سربالًا منيرًا، يا من ترتدي النور مثل الثوب، أيها المسيح إلهنا الجزيل الرحمة [449]".
أما في الطقس القبطي فيبدأ الكاهن يُلبس المُعمد ثوبه ويقول: "لباس الحياة الأبدية غير الفاسد. آمين".
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
16. لبس الأكاليل والزنار

لقد أُهمل هذا الطقس حاليًا، لكنه لازال مطبوعًا في الكتب الحديثة الخاصة بطقس العماد. ولم يبق سوى شد وسط المُعمد بزنار.
يقوم الكاهن بالصلاة على الأكاليل قبل أن يتوج بها رأس المُعمد، قائلًا:
"أيها الرب ضابط الكل أبو ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، الذي كلل رسله القديسين الأطهار وأنبياءه وشهداءه الذين أرضوه بأكاليل غير مضمحلة،
أنت الآن أيضًا بارك هذه الأكاليل التي هيأناها لنلبسها لعبيدك الذي اتحدوا بالعماد المقدس،
لكي تكون لهم أكاليل مجد وكرامة. آمين.
أكاليل بركة ومجد. آمين.
أكاليل فضيلة وبرّ. آمين.
أكاليل حكمة وفهم. آمين.
قوهم لكي يكملوا وصاياك وأوامرك ويفوزوا بخيرات ملكوت السماوات بالمسيح يسوع ربنا، هذا الذي من قبله المجد..."
وإذ يضع الكاهن الأكاليل على رأس المُعمد بعد أن يشد وسطه بالزنار يقول:
ضع أيها السيد الرب الإله على عبيدك أكاليل من السماء. آمين.
أكاليل مجد. آمين.
أكاليل إيمان غير مغلوب ولا مقاوم. آمين.
أكاليل ثبات. آمين.
أكاليل عدل. آمين.
امنح عبيدك ليكونوا مملوءين من نعمة روحك القدوس،
بالرأفات ومحبة البشر اللواتي لابنك الوحيد يسوع المسيح..."
هنا نتوقف قليلًا لنرى الطقس يقترب تمامًا من طقس سرّ الزواج، كما يًشد وسط العريس بزنار هكذا أيضًا من نال المعمودية، وكما يكلل العروسان يكلل الذين ينالون هذا السرّ وبصلوات على الأكاليل تكاد تكون واحدة. وكأن الكنيسة ترى في سرّيْ العماد والميرون دخول إلى العرس السماوي، فيُشد وسط العريس بالزنار علامة اتحاده الخفي بالعريس وبالكنيسة كعضو حيّ فيها، ويُتوج بالإكليل مع عروسه لأنهما قد صارا عروس الملك الحقيقي!
ما أحوجنا أن نعود من جديد إلى هذا الطقس ليمارس بدقة ومهابة، حتى نتعرف على سرّ عمل الله فينا ومحبته اللانهائية!
إن الإكليل الذي يقدمه لنا الله هو روحه القدوس الناري الذي يهبنا الشركة مع عريسنا، ويقدم لنا سرّ الغلبة والنصرة ضد الخطية، أي يقدم لنا إكليل الحياة الزوجية الروحية وإكليل النصرة.
* لقد اشترك (التلاميذ) لا في النار التي للاحتراق، بل النار المخلصة، النار التي تحرق الخطيئة وتهب النفس أمانًا. هذه تحل عليكم الآن وتنزع عنكم خطاياكم، وتحرقها كالشوك فتضيء نفوسكم الثمينة وتنالون نعمة... لقد استقرت على الرسل مثل ألسنة نارية لتتوجهم بأكاليل روحية جديدة فوق رؤوسهم [450].
القديس كيرلس الأورشليمي
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
17. حمل الشموع

بعد إتمام سرّي العماد والميرون، ويلبس المعمدون الجدد الثياب البيضاء، ويتوجون بالأكاليل بعد أن يُشد وسطهم بالزنار، يحملون المشاعل. في هذه اللحظات تدوي في الكنيسة تسابيح الفرح والتهليل. غالبًا ما ينشدون المزمور القائل: "الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء..." إذ هو مزمور الأسرار الإلهية كما سبق أن رأينا.
يقول القديس كيرلس الأورشليمي [451] أن السماء ذاتها تتهلل، ويردد الملائكة القول: "طوبى للذي غُفِر إثمهُ وسًتِرَت خطيتهُ" (مز 32: 1). وفي طقس الكنيسة ينشد الشعب: "مستحق (أكسيوس)، مستحق، مستحق".
ثم يدخل الكل إلى صفوف المؤمنين، فتمتلئ الكنيسة بهم، ويشترك الكل في فرحتهم بقيامة السيد المسيح التي وهبت البشرية قوة القيامة.
يا لها من فرحة الشعب كله! يرون بأعينهم كنيسة المسيح التي لا تشيخ، بل ككرمةٍ مخصبة دائمة الأثمار. يرون الثياب البيضاء، فيذكر كل منهم ثوبه المقدس الذي تسلمه يوم عماده، عربونًا للثوب السماوي. وإذ يتطلعون إلى الشموع أو المشاعل ترتفع أنظارهم إلى النور الحقيقي، متذكرين أنهم أبناء نور لا تليق بهم أعمال الظلمة.
لقد وصف لنا الآباء كيف كان الليل يختفي بظلامه أمام كثرة المشاعل والشموع حتى متى أشرقت شمس النهار لا يميز من بداخل الكنيسة الليل من النهار، إذ تكون الكنيسة أشبه بسماء منيرة.
* في هذا الليل اللامع يختلط لهب المشاعل بأشعة شمس الصباح فتخلق نهارًا مستمرًا واحدًا بغير انقسام لا يفصله وجود ظلام [452].
القديس غريغوريوس النيسي
* إنها تحمل معنى سريًا عن عملية الإنارة، حيث تدخل النفوس اللامعة البتولية لتقابل العريس بمصابيح الإيمان المتلألئة نورًا [453].
القديس غريغوريوس النزينزي
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
18. التناول من الأسرار الإلهية

إن كان التناول من الأسرار المقدسة ليس جزءً من طقس المعمودية لكنه عمل متلازم، فإن الإنسان الذي ينال الميلاد الجديد يدخل إلى مائدة أبيه لكي يأكل ويشرب، فينمو على الدوام في المسيح يسوع ربنا.
* حالًا بعد صعودهم من المياه يقودهم إلى المائدة المملوءة رهبة، المحملة ببركات لا حصر لها، ليتناولوا جسد السيد المسيح ودمه، ويصيروا مسكنًا للروح القدس، إذ يلبسون المسيح نفسه يصيرون كملائكة على الأرض أينما ذهبوا، مضيئين ببهاء أشعة الشمس [454].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* بعد قبولكم الميلاد السرائري بهذه الكيفية خلال العماد تقتربون من الطعام الخالد... [455]
الأب ثيؤدور المصيصي
* غنية هي هذه الحلي، لهذا يسرع المغتسلون نحو مذبح المسيح! [456]
القديس أمبروسيوس
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
19. وصية الإشبين

إذ تمتع المُعمد بالعضوية في جسد السيد المسيح الأقدس صار ابنا لله والكنيسة، هيكلًا مقدسًا للروح القدس، له حق الشركة في العبادة الكنسية. لهذا تسلمه الكنيسة -إن كان طفلًا- في يديْ الإشبين أو الإشبينة ليلتزم أو تلتزم بتقديم اللبن الإيماني غير الغاش، وتوصيه الكنيسة بذلك.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
20. أكل اللبن مخلوطًا بالعسل

ذكر بنجهام [457] أن الذين ينالون سرّ العماد في الكنيسة الأولى يُقدم لهم خليطًا من اللبن والعسل. وقد ذكر العلامة ترتليان [458] هذه العادة وأيضًا التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس. ولعل أكلهم اللبن يحمل رمزًا للبن النقي غير الفاسد الذي تقدمه الكنيسة لأولادها خلال إيمانه وطقوس عبادتها غذاءً لنفوسهم. والعسل يشير إلى وصايا السيد المسيح التي تصير عذبة في فم أولاده، إذ هي أحلى من العسل وقطر الشهد.
كما أن أكل اللبن المخلوط بالعسل يشير إلى الدخول إلى أرض الموعد الحقيقية الروحية التي تفيض لبنًا وعسلًا (خر 3: 8).
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
21. صلاة حل الزنار

في الطقس القبطي غالبًا ما يقوم الكاهن بنفسه بمساعدة المُعمد في ارتداء الثوب الأبيض، كما يربط زنارًا حول صدره، ويضع على رأسه إكليلًا [459]. الثوب الأبيض يشير إلى الطبيعة الجديدة التي وُهبت له تحمل نقاوة ملائكية، والزنار يشير إلى ارتباط المعمد بالكنيسة كعضوٍ حيٍّ فيها، والإكليل علامة الغلبة والنصرة على الشيطان والتمتع بالأمجاد الإلهية.
وفي طقس الكنيسة الأولى، إذ يتناول المعمدون حديثًا -غالبًا في عيد الفصح المجيد- يبقون إلى اليوم الثامن في محيط الكنيسة بملابسهم البيضاء، وكأنه أسبوع الفرح بميلادهم الروحي الجديد، يسمى "أسبوع الثياب البيضاء".
هذا الطقس لم يتوقف في الكنيسة القبطية في بعض بلاد الصعيد، وإن كان قد أُهمل تمامًا في البلاد الكبرى خاصة في الوجه البحري. وقد احتفظت المخطوطات القديمة وكتب الطقس الحديثة بطقس يمارس في اليوم الثامن من العماد المقدس، حيث تصلي ليتورجية تسمى "حل الزنار". في هذه الليتورجية تقدم الكنيسة ذبيحة شكر لله الذي وهب المعمد هذه النعمة العظيمة، وتطلب له ثباتًا ونموًا في النعم الإلهية. بعد الصلوات والتسابيح يستحم المعمد في المياه المُصلى عليها، وفيها يُغسل ثوبه الأبيض والزنار الذي كان مربوطًا به، ثم تلقى المياه في بحر أو نهر أو حقل طاهر.
اجتذبني هذا الطقس الجميل والبسيط في نفس الوقت، ورأيت أن أقدم مقارنة بينه وبين "طقس الحميم" في اليوم الثامن من ميلاد الطفل جسديًا، الذي وإن كنا نمارسه أحيانًا، لكن القراءات الواردة في الكتب الطقسية الحديثة تختلف عما وردت ببعض المخطوطات. وفي مقارنتي سأعتمد على مخطوط بدير القديس أنبا أنطونيوس (طقس 7)، نُسخ في 13 توت عام 1372ش (1655م) نقلًا عن مخطوط بمكتبة كنيسة العذراء حارة زويلة تاريخه سنة 1096ش (1379م).
أ. في اليوم الثامن من ميلاد الطفل جسديًا تقدم الكنيسة ليتورجية "حميم الطفل"، فيه تشكر الله من أجل المولود الجديد ويشترك الكاهن مع الوالدين في تسمية الطفل. وكأن الكنيسة تمارس أمومتها في حياة الإنسان منذ نعومة أظفاره حتى قبل نواله سرّ المعمودية، تشكر الله من أجل خلقته وتهتم حتى باختيار الاسم اللائق به. وفي اليوم الثامن من عماده تقدم ذبيحة شكر لله من أجل ميلاده الروحي، ومن أجل دخوله في العضوية الكنسية بكونه قد صار ابنًا لله وعضوًا في جسد السيد المسيح السري.
ب. في الطقس الأول يُقرأ البولس بعد صلاة الشكر دون الصلاة بمزمور التوبة (مز 50 "51")، أما في الطقس الثاني فيصلى هذا المزمور. ففي صلاة الحميم تقدم الكنيسة الليتورجية كذبيحة تسبيح وفرح بميلاده تنتظر دخوله إلى مياه المعمودية، أما في ليتورجية حل الزنار، فانه إذ دخل مياه المعمودية ونال الثوب الأبيض الداخلي يلتزم أن يحافظ على هذه النقاوة خلال أعمال التوبة غير المنقطعة.
ج. في ليتورجية الحميم تقرأ كلمات الرسول بولس عن ختان الجسد (في 1:3-9) الذي كان يتم في اليوم الثامن في العهد القديم، موضحًا إنه يليق بنا ألا نتكل على الجسد وبرّ الناموس بل على الإيمان بالمسيح يسوع برّنا الحقيقي. فإن كنا قد ولدنا حسب الجسد لكننا في حاجة إلى ولادة روحية جديدة لكي "نعبد الله بالروح ونفتخر في المسيح يسوع ولا نتكل على الجسد". أما في الطقس الثاني فتُقرأ كلمات الرسول عن تمتع الشعب بعبور البحر الاحمر تحت السحابة وتناولهم طعامًا واحدًا روحيًا وشرابًا من الصخرة التي هي المسيح (1 كو 10: 1-4). وكأن الكنيسة تعلن للمعمد أنه قد نال ما كان رجال العهد القديم يتمتعون بظلاله خلال الرموز. إنه لم يدخل البحر الاحمر، وإنما دخل المياه المقدسة الشافية، ولم يتحرر من عبودية فرعون، بل من سلطان إبليس، ولم يدخل تحت سحابة بل سكن الروح القدس فيه، ولم يأكل منًا، بل تمتع بالمسيح يسوع نفسه المن السماوي!
د. في الطقس الأول تطلب الكنيسة من الوالدين أن يسبحا الله على عطيته لهما ويقدما النذور الروحية والمحرقات والصلوات التي تسند طفلهما حتى ينمو في النعمة والقامة: "اذبح لله ذبيحة التسبيح، وأُوفِ للعلي نذورك. ادخل إلى بيتك بالمحرقات، واُقدم لك الصلوات التي نطقت بها شفتاي". وفي الطقس الثاني يطوبّ المزمور المُعمد من أجل عطية المغفرة التي نالها فيحافظ عليها: "طوباهم الذين غفرت لهم آثامهم، والذين سُترت خطاياهم. طوبى للرجل الذي لم يحسب له الرب خطيئة ولا وجد في فمه غش".
ه. في طقس الحميم يُقرأ فصل الإنجيل الخاص بختان السيد المسيح ودخوله الهيكل محمولًا على يديّ سمعان الشيخ، إذ انفتحت عيناه وأدرك الخلاص الذي قدمه الله لجميع الأمم (لو 2: 21-35). وكأن الكنيسة تؤكد للوالدين ضرورة ختان طفلهما روحيًا في المسيح يسوع، لكي يصير محمولًا على الأذرع الإلهية يتمتع بالسكنى في هيكل الرب، ويكون سرّ بركة للكثيرين. أما في طقس حل الزنار فيقرأ الإنجيل الخاص بمعمودية يوحنا (مت 3: 1-6) الذي هيّأ الطريق بالتوبة للرب، لكي يبقى المُعمد في حالة توبة مستمرة لكي لا يفقد ثمرة المعمودية.
و. في صلاة الحميم يطلب الكاهن من الله أن يبارك الطفل، وأن يهيئه للعماد المقدس:
[نسأل ونتضرع إلى صلاحك عن عبدك (فلان بن فلان).
باركه بكل البركات السمائية، وبارك أيضًا ميلاده،
وليطل عمره كنعمتك، حتى ينمو ويكثر ثلاثين وستين ومائة،
وليفرح به أبواه ويسرا بميلاده مثل زكريا وأليصابات اللذين وهبت لهما يوحنا النبي.
وفي الزمن المحدَّد فليستحق حميم الميلاد الجديد لغفران خطاياه.
أعده هيكلًا لروحك القدوس...]
أما في صلاة حّل الزنار فيشكر الله من أجل سرّ الاستنارة الذي ناله المُعمد، طالبًا أن يحفظه إلى الانقضاء في الإيمان المستقيم، ويؤهله للحياة الأبدية وملكوت السماوات بالمسيح يسوع ربنا:
[أيها السيد الرب إلهنا، مانح السلام والبركة...
الذي باركنا وقدسنا وأضاء علينا بنور لاهوته،
الذي جعل عبيده مستحقين أن ينالوا النور الذي من فوق، غير الموصوف، الذي لمسيحك يسوع مخلصنا.
أنر عليهم بنور البركة، طهرهم، باركهم.
جدّدهم بنعمتك من جهة المعمودية التي نالوها بقوة روحك القدوس المحيي...
باركهم ببركتك،
ثبتهم في إيمانك الأرثوذكسي إلى الانقضاء.
ائت بهم إلى حد القامة والبلوغ.
وليكونوا محروسين بين ملائكة صالحين إلى الانقضاء.
املأهم من المعرفة ومن كل فهم...
اجعلهم مستحقين الحياة الأبدية وملكوت السماوات بالمسيح يسوع ربنا..."
ز. في طقس الحميم يُرنم المزموران 148-149، ويشترك الطقسان في الصلاة الربانية وقراءة التحليل ورشم المياه ثم الترنم بالمزمور 150 والختام بالبركة بعد حميم الطفل أو المعمد.
أما في الكنيسة الأرثوذكسية البيزنطية فيقدم في اليوم الثامن من العماد طقس بسيط جدًا في ختامه يحل الكاهن الزنار والثوب الأبيض ويربط أطرافهما ويبلهما بماء نقي ويرش المُعمد وهو يقول:
[قد تبررت، قد استنرت، قد تقدست، قد اغتسلت، باسم ربنا يسوع المسيح وبروح إلهنا.]
ثم يتناول اسفنجة جديدة ويغمسها بالماء ويمسح بها أعضاء المعمد الممسوحة بالميرون المقدس ويقول: [قد اصطبغت، قد استنرت، قد تميزت، قد تقدست، قد اغتسلت، باسم الآب والابن والروح القدس. آمين [460].]
_____
الحواشي والمراجع:
[322] Didache 7:4.

[323] Whitacker: Documents of the Baptismal Liturgy, P 47, 48.

[324] Dix 30.

[325] Contra Celsus 3:51.

[326] Cot. Lect. 1:3; 3:3; 4:36; 21:24.

[327] Confes. 1:11.

[328] الدكتور جورج حبيب، ص 49.

[329] De Symbole Sermon De Catechumens.

[330] De Peccotorum merelties 2:42.

[331] عظة المعمودية (15).

[332] Whitaker, P 38.

[333] Whitaker, P 39.

[334] Ibid P 47.

[335] Ibid P 46.

[336] Ibid P 46, 47.

[337] الترجمة السبعينية عوض أي 7:41.

[338] Cat. Lect. 3:11,12.

[339] J. Daniélou: The Bible and the Liturgy, P 35, 36.

[340] PG 33:333 A.

[341] PG 33:357 A.

[342] PG 46:416 C.

[343] للمؤلف: الكنيسة بيت الله، 1979، ص 410.

[344] المرجع السابق ص 407.

[345] المرجع السابق ص 406.

[346] Hom. Cat. 14:1.

[347] Dix 33 v 1-5a.

[348] PG 46:420 C.

[349] PG 33:1077 A.

[350] PG 46:420 C.

[351] Hom. Cat. 14:8.

[352] PG 33:1077 B, Myst. Hom 2:2.

[353] PG 33:1080 A.

[354] Hom. Cat. 14:8.

[355] PG 44:1003 D.

[356] PG 46:600.

[357] Whitaker, P 37, 38.

[358] Responsiones de Orthodoxos.

[359] Can 119:106-148.

[360] Apost. Const. 7:34.

[361] Myst. Hom 2:3.

[362] Whitaker, P 47,48.

[363] Ibid, P 37.

[364] Ibid, p 40.

[365] The Chaplet 3; The Shows 4.

[366] E. C. Whitaker, P x111.

[367] St. Basil: The Holy Spirit 27.

[368] Chaplet 3.

[369] Dix 34. V 9.

[370] Can 119:106-148.

[371] De Corona 13.

[372] The Early Litturgy, P 80.

[373] To The Catach. Hom 2.

[374] Cat. Lect. 1:4.

[375] Hom. Cat. 1:12.

[376] Theodore of Mops: Hom. Cat. 13:7.

[377] Ibid 13:8.

[378] Myst. Hom. 1:4-8.

[379] Hom. Cat. 12:19.

[380] Ibid 12:22.

[381] J. H. Crehan: Early Christian Baptism and the Creed, London 1948, P 209-219.

[382] Whitacker, P 37,39-40.

[383] PG 44:984 A.

[384] PL 9:446 B.

[385] St. Cyril. Jer: PG 33:1069 A.

[386] Hom. Cat. 13:5.

[387] F. J. Doelger: Die Sonne der Gerechtligkeit und die Schwarz, P 118-9.

[388] Myst. Hom 3:4.

[389] عظة 6:30، 5:1.

[390] De Sacramentis 1:2.

[391] Ibid 1:3.

[392] J. Daniélou: The Bible and the Liturgy, P 31.

[393] المؤلف: الكنيسة بيت الله، 1979، ص 71-80.

[394] St. Basil: De Spir. Sanct. 27.

[395] Mart. Polyc. 9:3.

[396] Whitacker, P 46.

[397] Cat. Hom 13:1.

[398] شرح مز 14.

[399] Canon of Hip., can 19:106-148.

[400] سبق أن قدمت مقارنة بين قوانين الإيمان المستنبطة من إيريناؤس وترتليان وكبريانوس ونوفيتوس وأوريجينوس ولوقيانوس ويوسابيوس وكيرلس الأورشليمي وقانون الإيمان النيقوي - القسطنطيني (راجع كتابنا قانون الإيمان للرسل ص 16-19 الموجود هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت).

[401] Epis. ad Mag. 6.

[402] Epideixis (Presenting of the Apostolic Preaching) 3;7.

[403] Epid. 6.

[404] Adv. Haer. 3:4.

[405] Epist. 69:7.

[406] Canon 19:106-148.

[407] H. E. 7:9.

[408] PL 16:423.

[409] In Ioan. Evang. 32:16.

[410] الديداكيّة 1:7-3.

[411] Dix 33, v 1-5.

[412] De Spiritu Scanto 27:16.

[413] De Baptismo 4.

[414] Epist. 70:1.

[415] Cat. Lect. 3:3,4.

[416] In Ep. 1 Cor., hom 1:7.

[417] In Io. Tract 80:3.

[418] De Sacr. 1:15.

[419] Hom. Cat. 14:9.

[420] Euchology of Serapion 19:1, 2.

[421] Apost. Const. 7:43.

[422] In Ioa. Evang. Tract. 118:5.

[423] الأسرار: فصل 2.

[424] D. Stone: Holy Baptism, P 169.

[425] Ecc. Heir. 27.

[426] The Shepherd: Ench. Patr. 92.

[427] Francoise Cuttaz: Divine Birth, 1962, p. 6 (n).

[428] St. Chrys: In Col., hom. 6.

[429] في حالة المرض الشديد يجوز العماد بالرش أو سكب الماء على رأس المريض ثلاث مرات.

[430] De Coron. Mil. 3.

[431] ضد براكسيان 26.

[432] In Bapt. Christii.

[433] In Bapt. Christii.

[434] Ecc. Hier. 2:251.

[435] Canon 19:133.

[436] Epis. 73:5.

[437] On the Holy Spirit 15.

[438] تفسير رسالة أفسس 4:2..

[439] De Sacr. 3:5; De Myst. 31,32.

[440] Myst. Hom. 3:1.

[441] Ad. Antolycum 1.

[442] Epis. 70:2; 73:9.

[443] Clem. Alex: Instructor.

[444] للمؤلف: سفر الرؤيا، طبعة 1969، ص 99، 100.

[445] Whitaker, P 49,50.

[446] الأسرار: 7.

[447] Cat. Lect. 3:16.

[448] ميمر عن المعمودية المقدسة.

[449] روفائيل أسقف بروكلين (للروم الأرثوذكس): الافخولوجي الكبير، نيويورك 1913، ص 346.

[450] Cat. Lect. 17:15.

[451] مقال 1.

[452] Oratin On Resur.

[453] Orat. On Bapt.

[454] Whitaker, P 41.

[455] Ibid, P 50.

[456] De Myst. 43.

[457] Bingham: Antiq. 12:4, 5, 6.

[458] The Chaplet 3.

[459] للأسف اختفى طقس وضع الإكليل على رأس المعمد، بالرغم من وجوده مطبوعًا حتى في الكتب الحديثة، مما يدل أنه كان يمارس في مصر إلى وقت قريب.

[460] روفائيل أسقف بروكلين: الافخولوجي الكبير، نيويورك 1913، ص 349-351.

  رد مع اقتباس
قديم 12 - 05 - 2014, 04:05 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,016

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي

من له حق التعميد؟
في الوصية الوداعية سلم السيد المسيح حق التعميد وديعة في يدي رسله القدسيين، قائلًا: "اذهبوا تلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 19). وتسلم الأساقفة هذا العمل الرسولي، فكان للأسقف وحده حق التعميد، لكن بانتشار المسيحية أعطى للقسوس هذا الحق معهم، بل يبدو أنه في بعض الحالات الطارئة سمح في بدء الكرازة للشمامسة أن يعمدوا حيث لا يوجد قسوس [461]. أما أفراد الشعب فليس لهم الحق في التعميد اللهم إلا إذ لم يوجد قط من يعمد وكان طالب العماد في خطر الموت، كما حدث في أيام البابا بطرس السكندري حيث جاءت سيدة هاربة من الشام لتعمد طفليها من وراء رجلها الوثني، وإذ هاج البحر وشعرت بالخطر يحدق بولديها جرحت ثديها ورشمتهما بدمها بعلامة الصليب بعد أن غطستهما في البحر باسم الثالوث القدوس واعتبر عمادها قانونيًا [462]. ولما حاول البابا تغطيسهما دون أن يعلم بالقصة صارت مياه المعمودية كالحجر.
كان لهذا الحدث آثره في الكنيسة شرقًا وغربًا، إذ ذاع الخبر وأدرك الكل أن لا إعادة للمعمودية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كشفت عن مراحم الله واهتمامه بخلاصنا فسمح بالعماد -في الظروف القهرية- أن يتم على يد سيدة بلا صلوات تقديس!
والتاريخ الكنسي حافل بمثل هذه القصة وإن كان بصور أخرى فيروي لنا تاوقيموس ما رآه بعينيه أثناء استشهاد القديسة مارينا ابنة داسيوس رئيس كهنة الأوثان بإنطاكية كيف اشتهت العماد المقدس، مع أن الاستشهاد هو معمودية بالدم، لكن الرب حقق شهوة قلبها، ففي أواخر تعذيبها جاءوا بإناء ضخم وربطوا يديها ورجليها وألقاها الجند فيه لتغرق، لكن القديسة رفعت عينيها نحو السماء، وسألت من الرب أن يحسب لها هذا الماء معمودية مقدسة، فنزلت حمامة من السماء على المياه، وكانت تحمل إكليلًا من الذهب، وانحلت رباطات القديسة. عندئذ غطست برأسها في المياه ثلاث مرات باسم الآب والابن والروح القدس، وكانت تسبح الله فرحة متهللة من أجل صبغة المعمودية. فسمع جموع الوثنيين المحيطين تسبحتها فألقوا بأنفسهم في المياه باسم إلهها واستشهدوا [463].
هذه القصة لها أهميتها من حيث الكشف عن مدى شوق المؤمنين للمعمودية المقدسة حتى في لحظات الاستشهاد!
أما بالنسبة لمن له حق التعميد ففي الظروف العادية، يقول القديس أغناطيوس الأنطاكي تلميذ القديس يوحنا الحبيب بعدم قانونية العماد بدون أسقف [464]. وجاء في الدساتير الرسولية أن للأسقف والكاهن وحدهما حق التعميد [465].
* كقاعدة يستلزم أن تجرى المعمودية بواسطة الأسقف فقط والكاهن، أو شماس مبعوث من قبله (عند الضرورة القصوى في التبشير في مناطق نائية)، وفي الحالات القهرية يُخول للعلماني أن يجريها [466].
العلامة ترتليان

كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
* يجب الخضوع للكهنة الذين أُقيموا في الكنيسة متسلسلين بحسب الخلافة من الرسل، الذين أخذوا المواهب الحقيقية بمسرة الآب مع الخلافة الأسقفية. وأما الباقون الذين لم ينالوا الكهنوت بخلافة رسولية فيجتمعون خارج الكنيسة حيثما اتفق [467].
القديس إيريناؤس
وفي القرن الثالث ثارت مشكلة قانونية عماد المنشقين والهراطقة، وقد أدت هذه المشكلة إلى صراعات مُرّة في البلد الواحد. فقد تزعم القديس كبريانوس عدم قانونية عماد الهراطقة والمنشقين باعتبارهم خارج الكنيسة، وعمادهم باطل. لهذا حين يعود أحد المعمدين من أيديهم ينال المعمودية المقدسة من يدّ الكنيسة، ليس كإعادة للمعمودية، وإنما يكون ما قد تم على يديْ الهراطقة والمنشقين باطلًا. ورأى أساقفة آخرون أن العماد صحيح مادام يتم بكلمات إيمانية قانونية، لكن صاحبها لا يتمتع بالنعمة الكامنة فيها إلا بعودته إلى جسد الكنيسة الواحد.
لقد سبق أن تعرضت لهذا الأمر في شيء من الإيجاز في كتابنا "البابا بطرس خاتم الشهداء" والذي سنضعه لاحقًا هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
الله متمم السرّ

يرى كثير من الآباء أن دخول السيد المسيح مياه الأردن قدس الأنهار والمياه ليتمتع فيها المؤمنون به بسرّ العماد المقدس. وقد دخل السيد بنفسه لكي يكون هو الكاهن الخفي الذي يتمم هذا السرّ في حياة مؤمنيه.
* نؤمن نحن المؤمنون بالأشياء التي لا تستطيع عيوننا الجسدية أن تعاينها... لهذا أوجد الله لنا نوعين من الأعين: أعين جسدية وأعين الإيمان... الأعين الجسدية تعاين الكاهن كمن هو من فوق يضع يمينه على الرأس ويلمسها، والأعين الروحية ترى رئيس الكهنة الأعظم يبسط يديه غير المنظورة ليلمس رأسه. الذي يعمد هو ابن الله الوحيد الجنس وليس بإنسان (الكاهن)!
* ما حدث في حالة جسد سيدنا إنما يتم معنا نحن أيضًا. إن كان يوحنا قد ظهر ممسكًا بالرأس، فان الكلمة الإلهي هو الذي قاد الجسد إلى مجاري نهر الأردن وعمد،لقد تعمد جسد سيدنا بواسطة الكلمة، وبصوت الآب القائل: هذا هو ابني الحبيب، وإعلان الروح القدس الذي حلّ عليه. هذا أيضًا ما يحدث في حال جسدنا إذ يقوم العماد باسم الآب والابن والروح القدس. لهذا اخبرنا يوحنا المعمدان أن الله هو الذي يعمدنا وليس بإنسان: "يأتي بعدي من هو أقوى مني الذي لستُ أهلًا أن انحني وأحلَّ سيور حذائه. أنا عمَّدتكم بالماء، وأما هو فسيعمدّكم بالروح القدس ونار" (مت 3: 11، مر 1: 7).
* لماذا أقول ينبغي ألا تهتم بالأمور المنظورة بل ليكن لك عينا الروح؟! أقول هذا لكي إذا ما رأيت جرن المعمودية ويدّ الكاهن تلمس رأسك لا تفكر في الماء مجردًا، ولا أن يدّ الأسقف فوق رأسك، فإنه ليس إنسان هو الذي يفعل ذلك بل نعمة الروح هي التي تقدس طبيعة المياه وتلمس رأسك مع يد الكاهن. ألم أكن محقًا في قولي أنك محتاج إلى عيني الإيمان؟!
* الذي يتمم هذه الأمور الآب والابن والروح القدس، الثالوث غير المنقسم. الإيمان بالثالوث هو الذي يهب نعمة غفران الخطايا. هذا الاعتراف هو الذي يمنح عطية التبني [468].
القديس يوحنا الذهبي الفم
_____
الحواشي والمراجع:
[461] راجع القديس كيرلس الأورشليمي مقال 35:17.
[462] للمؤلف: البابا بطرس خاتم الشهداء.
[463] ميمر القديسة مارينا. مخطوط 92 دير الأنبا أنطونيوس بتاريخ 1488 ش.
[464] Ad Smyrn, 8.
[465] Apost. Const. 3:20; 7:40, 8:28.
[466] De Baptismo 17.
[467] Adv. Haer. 4:26.
[468] Whitaker, P 35,36, 38, 41.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 05 - 2014, 04:09 PM   رقم المشاركة : ( 7 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,016

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي

الحياة الكنسية والروح القدس
الحياة الكنيسة في حقيقتها هي حياة الشركة مع الله خلال الاتحاد مع السيد المسيح بواسطة روحه القدوس. بمعنى آخر هي عمل الروح القدس الناري في الإنسانية المتجددة لكي تدخل إلى كمال المجد بالمسيح يسوع ربنا. هذا الروح الناري لا يعرف الخمول ولا الاستكانة، لكنه هو الروح الدائم العمل، ينمو بالكنيسة من كل جوانب حياتها، لكي تصل إلى ملء قامة عريسها.
الروح القدس واهب الشركة مع الله ومانح الحياة الجديدة في المسيح يسوع يعمل في الحياة الكنسية لتكون دائمًا متجددة على المستوى العام، أي على مستوى الكنيسة الجامعة كما على مستوى كنيسة البيت وعلى مستوى كل نفسٍ منا، يعمل دائما في حياة الكنيسة الكرازية والتعليمية والتعبدية لتحيا الكنيسة في نمو دائم بغير انقطاع.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
التجديد في المفهوم الأرثوذكسي

حينما نتحدث عن الحياة الكنسية المتجددة في أي جانب من الجوانب نود أن نوضح النقاط التالية:
1. يوجد تكامل بين التجديد الجماعي والتجديد المستمر في حياة الأعضاء، فالحياة الكنسية إنما هي حياة العروس ككل دون تجاهل أو ابتلاع لحياة كل عضو فيها. كل نموٍ في حياة الجماعة يستلزم النمو في حياة الأعضاء، لكن ليس بفكرٍ انعزالي منفرد إنما من خلال الجماعة.
إن رجعنا إلى العهدين القديم والجديد نجد حركة الله نحو البشرية حركة جماعية، إذ يريد أن يقيم له عروسًا واحدة من كل الأمم والشعوب والألسنة. حينما تحدث مع أنبيائه في العهد القديم عن العهد الجديد الذي يقيمه مع البشرية غالبًا ما كان يعلن غايته بقوله: "وتكونون لي شعبًا وأنا أكون لكم إلهًا" (حز 36: 28، إر 31: 33).
جاء الكتاب المقدس يعلن حركة خلاص جماعية، فلا نجد في التاريخ الكنسي -خاصة في الشرق- من يتحدث عن نفسه بانفراد. وعندما اضطر الرسول بولس أن يتحدث عن نفسه قال: "اعرف إنسانًا في المسيح" (2 كو 12: 2) دون أن يذكر اسمه. ليس من القديسين من تحدث عن نفسه إلا النادر جدًا. فهم يتحدثون عن إنجيل الكنيسة الجامعة، وإن كان من خلال خبرتهم الشخصية كأعضاء في هذه الكنيسة. المؤمن يعيش الحياة الإنجيلية كحياة خاصة ملتصقًا بمخلصه، دون اعتزال للكنيسة.
هناك فارق بين العلاقة الشخصية السرية بين النفس والمسيح والعلاقة الفردية الانعزالية. الأولى علاقة خاصة حية يؤكدها روح الجماعة ويغذيها ويثبتها وينميها، أما الثانية فهي تدفع إلى الانحراف وتحطم الجماعة. الأولى تتكامل مع الحياة الجماعية وتسند أحدهما الأخرى، فالمؤمن -حتى وإن كان راهبًا متوحدًا- يستطيع في خلوته أن يصلي باسم الجماعة كلها بقلبٍ متسعٍ بالحب، يحمل لا الكنيسة كلها بل والخليقة جميعها في قلبه ليقدمها لله. انه يتألم مع كل متألم، يضعف مع كل من يضعف، ويفرح لنمو كل عضو. العابد الحقيقي يتلامس مع مخلصه بطريقة سرية خفية، ولا تقف الجماعة عائقًا له بل سندًا ومعينًا، يتفاعل معها وهي معه.
إن أصحاب الفكر الفردي يرون في التجديد لقاء الإنسان مع مخلصه في لحظة معينة فينعم بالخلاص والتجديد، ويدخل إلى حالة من الثبوت بمعنى أنه يصير ابنًا لله يستحيل أن يسقط بعدها.
هذا الفكر وإن كان قد قًصد به فتح باب الإيمان السري والعلاقة الخاصة بين النفس ومخلصها مع إعطاء ثقة ورجاء في المخلص كحافظ لها من الخطية، لكنها تحمل تطرفين خطيرين. الأول هو الاتجاه الانعزالي عن الحياة الكنسية الجماعية، الأمر الذي يفقد الإنسان تواضعه وانسحاقه، والثاني هو حرمان الإنسان من بركة الجهاد والحذر.
إن ما يدعونه تجديدًا إنما تسمّيه الكنيسة بالتوبة، التي هي بحق "معمودية ثانية" خلالها ينعم الإنسان بنعمة عمل الروح القدس فيه. إنما يلزم للمؤمن في توبته وهو في علاقة سرية مع مخلصه أن يدخل إلى حياة الشركة مع الله خلال الكنيسة التي تسنده في توبته المستمرة ويعمل هو أيضًا فيها! هذا من جانب ومن جانب آخر فإن توبته هذه الشاملة تفتح له باب التوبة اليومية المستمرة من أجل كل ضعف يلحق به، مشتهيًا بالروح القدس أن ينطلق من مجد إلى مجد إلى أن يبلغ ملء قامة المسيح.
تحمل هذه النظرة اعتدالًا دون تطرف، فنحن ننمي علاقتنا الشخصية مع مخلصنا في نفس الوقت الذي فيه ننمو في حياتنا الكنسية، التي في جوهرها هي حياة شركة مع الله في ابنه بواسطة الروح القدس، فتتفاعل العلاقة الشخصية مع الحياة الجماعية بغير تطرفٍ.
2. إن كان الكثيرون لا يقبلون تعبير "التجديد الكنسي" كما يعنيه التعبير الإنجليزي Church Renewal إنما لأنه يُفهم بأنه ثورة على كل ما هو قديم وقبول كل ما هو جديد. لكننا ككنيسة أرثوذكسية تقليدية نعتز بالقديم ليس من أجل قدمه، ولا نتقبله بطريق جامدة متحجرة. وقد سبق لي في كتابنا "التقليد والأرثوذكسية" -والذي سنضعه هنا لاحقًا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت- أن أوضحت كيف يتكئ الجديد على القديم، فيبقى القديم حيًا بروحه، ويكون للجديد أصالة وقوة!
الكنيسة التي قبلت الروح القدس إنما قبلته حيًا فيها يعمل عبر كل الأجيال دون توقف، يعطيها حياة نامية دائمة التجديد دون أن تفقد نغمها الإنجيلي الكنسي الآبائي. إنجيلها لا يَقدَم، وإيمانها لا ينحرف وتقليدها روحي حيّ... وفي نفس الوقت دائمة النمو.
لست أريد الدخول في تفاصيل لكنني أود أن أوضح أن إيمان الكنيسة لم يتغير عبر الأجيال، لكنه قُدم في القرن الأول بطريقة تناسب العصر، وحينما ظهرت الهرطقات التزمت الكنيسة أن تعرض إيمانها غير المتغير بطريقة تحفظ حياة أولادها من الهراطقة وتواجه هؤلاء الهراطقة... وهكذا في كل عصر تقدم الكنيسة كنوز إيمانها بالثوب الذي يناسب احتياجات الناس.

كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
لهذا حينما تحدث المتنيح نيافة الأنبا يؤانس مطران الغربية عن "التجديد الكنسي" في الجمعية العمومية لمجلس كنائس الشرق الأوسط، وإن كان قد رفض التعبير في ذاته لكنه نادى أن التجديد الحالي هو عودة إلى الكنيسة الأولى قبل الانقسام، عودة لا في الشكل، وإنما في الروح والفكر والحياة، فتتقبل إنجيلها كما فهمته وعاشته وفسرته في الشرق والغرب قبل الانقسام، وتمارس عبادتها بروحها الخشوعي التقوى، وتسلك بروحها النسكي الأخروي، وتنعم بسماتها ككنيسة منفتحة على العالم تكرز خلال الحب الصادق. بهذا نستطيع أن نقول مع إرميا النبي: "جدّد أيامنا كالقديم" (مرا 5: 21) ومع عروس النشيد: "عند أبوابنا كل النفائس من جديدة وقديمة ذخرتها لك يا حبيبي" (نش 7: 13)، ونفهم الكلمات الإنجيلية: "كل كاتبٍ متعلم في ملكوت السماوات يشبه رجلًا ربَّ بيتٍ يُخرِج من كنزهِ جُدُدًا وعُتَقاءَ" (مت 13: 52)، "ليس أحد إذا شرب العتيق يريد للوقت الجديد لأنهُ يقول العتيق أطيب" (لو 5: 39).
نحن لا نقبل القديم جامدًا ولا لمجرد قدمه، كما ينبغي ألا يُرفض لأجل قدمه، إذ يسيء البعض تفسير عبارة الرسول: "أنسي ما هو وراء وامتد إلى ما هو قدام". وكأنما يريدون أن يرفضوا حياة الكنيسة الأولى وخبرتها في المسيح يسوع لتتقبل ما هو جديد. كلمات الرسول تخص أعمال الإنسان القديم ينساها ولا يرتبك بها منشغلًا بعمل الله الجديد في حياته متطلعًا برجاء نحو جعالة الله العليا. وكأفراد يلزمنا أيضًا أن ننسى ما لنا من جهاد ماضي في حياتنا حتى لا نسقط في البرّ الذاتي لنتقبل عونًا جديدًا في جهادنا الحاضر من أجل الحياة الأبدية.
أما كلمات الرسول: "فإذ قال جديدًا عتَّق الأوَّل، وأما ما عتَق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال" (عب 8: 13) ينصب على حرفية الناموس والعبادة اليهودية، فقد دخلنا إلى العهد الجديد بالروح الذي يبني عوض الحرف القاتل (رو 7: 6)، قبل الناموس والتراث اليهودي أيضًا لكن لا في الحرف المميت بل خلال الروح المحيي المجدد! مثلنا في ذلك الكتاب المقدس فهو قديم جديد، قديم في استلامنا له، جديد في كل يوم في خبرتنا معه وفاعليته التي لا تشيخ ولا تقدم.
في اختصار نقول إننا لا نقطع تاريخ الخلاص بل ولا نجزئه بين ماضي وحاضر ومستقبل. لكننا إذ نتقبل عمل الروح القدس الناري الذي يعمل عبر الأجيال ولا نجمده، إنما نرى أنفسنا وقد ارتفعنا فوق حدود الزمن، فالماضي كما الحاضر والمستقبل إنما يمثل حياة فعّالة في الكنيسة. الماضي مفرح بعمل الله المستمر في كنيسته، وممتد في الحاضر، والمستقبل مبهج للنفس من أجل رجائها في الله، وليس ببعيد عنها أو مغلق مجهول. هكذا تحيا الكنيسة بماضٍ ليس ميتًا، وحاضرٍ قويٍ، ومستقبل مكشوف. إن تجاهلنا الماضي إنما نبتر الكنيسة عن أصالتها في الروح. وإن تجاهلنا الحاضر المعاصر إنما نحكم على الكنيسة بالجمود، وإن غفلنا المستقبل سقطنا في اليأس!
3. إن كان التجديد لا يعني الانحلال بتجاهله للماضي، بل النمو المستمر مستندًا على الماضي بروح الله الحيّ، فإنه أيضًا يليق بنا ألا نقبل التجديد بروح التطرف. وكما يلزم أن ينمو الإنسان في كل نواحي حياته: جسديًا وفكريًا ونفسانيًا وروحيًا واجتماعيًا، فيصير ناجحًا وحيًا كإنسان متكامل. هكذا يليق بالأكثر النمو في الحياة الكنسية يلزم أن يتحقق على الدوام في كل جوانبها معًا بطريقة متكاملة دون تطرف.
نذكر على سبيل المثال حينما تطرفت كنيسة الغرب في العصور الوسطى في علاقتها بالعالم فدخلت في السياسة وزاحمت السياسيين في كرامتهم الزمنية، وظنت أنه بهذا تستطيع أن تخدم العالم،انحرفت الكنيسة عن نسكها التقوى وإنجيلها الروحي وعبادتها بالروح، وتحول الكهنوت إلى سلطة بدلًا من الأبوة، وانقلبت الحياة الروحية إلى مجموعة من القوانين الجامدة وحُرم الشعب من قراءة الكتاب المقدس، وصارت العبادة أشبه بشكل رسمي تُمارس بغير فهمٍ ولا روحٍ. وهكذا حدث شرخ بين الكهنوت والليتورجيا الكنسية وبين الحياة الروحية.
هذا التطرف ولَّد تطرفًا جديدًا إذ ظهرت اتجاهات جديدة تسمى:
[ضد الكهنوت anti-clerical
وضد الرؤساء anti-hierarchical
وضد الأسرار anti-sacramental
وضد الليتورجيا anti-liturgical]
انتهى الأمر بظهور الحركة اللوثرية تبغي الإصلاح، فهاجمت الكهنوت والقوانين الكنسية والتراث الكنسي والعبادة الليتورجية السرائرية. فولّد التطرف تطرفًا آخر، إذ حسبوا أنه لا روحانية إلا خلال الحياة الإيمانية الفردية [469]...
نعطى أيضًا مثلًا آخر: بظهور الحركات البروتستانتية صار التركيز حول الإيمان بالمسيح المخلص مع تجاهل كبير لعمل الروح القدس.. وكان ثمر هذا في نهاية القرن التاسع عشر ومع بداية القرن العشرين بدأت تظهر الحركات الخمسينية التي تركز على الروح القدس بطريقة متطرفة.
إنني لا أريد الدخول في تفاصيل هذا التاريخ فهو ليس مجالنا الآن، لكن ما أريد تأكيده أن النمو الكنسي في حياة الجماعة كما في حياة كل عضو فيها يلزم أن يكون متكاملًا، ننمو في دراسة الكتاب المقدس والتعرف على أسراره دون تجاهل للتقليد، ونحيا بالروح الجماعية دون إنكار للحياة الشخصية السرية، نمارس الحياة النسكية دون أن نزدري بحياتنا في المجتمع، نمارس التوبة بدموع مع ارتوائنا بالفرح الروحي، نحب التعليم كما العبادة، نقبل تجديد طبيعتنا في المعمودية دون تكاسل في التمتع بتجديد الذهن المستمر بالروح القدس.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
الحياة الجديدة

لا يقف عمل الله في حياتنا عند المعمودية والميرون، إنما هما بدء انطلاق حياتنا الجديدة التي صارت لنا في المسيح يسوع بالروح القدس. لقد دَعي القديس إكليمنضس السكندري السيد المسيح بالمربي إذ يتعهد حياتنا ويلاطفنا بروحه القدوس حتى نصير على مثاله، نحمل سماته فينا.
عمل الكنيسة هو الكشف عن الإمكانيات الإلهية التي وُهبت للمؤمنين في المعمودية، فتدفع بأولادها بين يدّيْ الروح القدس الناري الذي يجدد أذهانهم بغير انقطاع.
وكما يقول الرسول: "لا تشاكلوا هذا الدهر. بل تغيَّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المَرضيَّة الكاملة" (رو 12: 2). وأيضًا: "تجدَّدوا بروح ذهنكم" (4: 23)، وأيضًا: "إن كان إنساننا الخارج يفنى، فالداخل يتجدَّد يومًا فيومًا" (2 كو 4: 16)، "إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعمالهِ ولبستم الجديد الذي يتجدَّد للمعرفة حسب صورة خالقهِ" (كو 3: 9-10).
خلعنا الإنسان القديم بأعماله ونوالنا الإنسان الجديد هو ميلاد جديد، بدء انطلاقة "للتجديد للمعرفة"، أي للنمو بغير انقطاع، وهذه هي علامة الحياة.
هذا ما يؤكده الكتاب المقدس: "وأما منتظرو الرب فيجدَّدون قوةً. يُرفعون أجنحةً كالنسور. يركضون ولا يتعبون، يمشون ولا يعيون" (إش 40: 31).
"الذي يُشبع بالخير عمركِ، فيتجدد مثل النسر شبابكِ" (مز 103: 5).
"لأن مراحمه لا تزول. هي جديدة في كل صباح" (مرا 3: 22-23).
هذه هي احساسات المسيحي الدائمة، يرى مراحم الله جديدة بالنسبة له كل صباح، فيشتهي أن يرد الحب بالحب، وكأنه في كل يوم يبدأ لقاءً جديدًا مع الله، إذ يقول في صلاة باكر: "لنبدأ بدأ حسنًا". والعجيب أن القديس أغناطيوس الأنطاكي إذ كان في طريقه إلى روما للاستشهاد يقول: [إني ابتدئ أن أكون مسيحيًا!] هذا هو عمل الروح القدس في حياة المؤمنين، يجعلنا نشعر في كل لحظة كأنها بداية الحياة مع الله، وذلك كالأم في حبها لرضيعها الوحيد تتطلع إلى وجهه دائما كما لو كانت تراه لأول مرة.
لعله لهذا السبب أقام اليهود "عيد التجديد" الذي حضره السيد المسيح في أورشليم (يو 10: 22)، وفي الطقس السرياني يحتفلون بالأحد الثاني من الصوم الكبير كأحد "تجديد الكنيسة" لكي يراجع الكهنة والشعب حياتهم في بدء الصوم، وكأنهم ينطلقون إلى علاقة جديدة مع الله.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
وصية جديدة

في حديث السيد المسيح الوداعي مع تلاميذه قبل آلامه يقول: "وصيَّة جديدة أنا أعطيكم أن تحبُّوا بعضكم بعضًا. كما أحببتكم أنا تحبُّون أنتم أيضًا بعضكم بعضًا. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حبُّ بعض لبعض" (يو 13: 34).
وصية الحب في الواقع قديمة (1 يو 2: 7)، لكنها أيضًا جديدة ومتجددة فينا. هي قديمة كوصية قدمها الناموس الطبيعي وأعلنتها الشريعة الموسوية، لكن السيد المسيح قدمها جديدة وأعطاها سمة الجدّة، فقد قدم نفسه إلينا لندخل به إلى الحب الإلهي، فصرنا نحمل طبيعة الحب التي لا تشيخ. لم تعد فقط مراحم الله جديدة كل صباح بل صارت حياتنا نحن أيضًا في المسيح يسوع بالروح القدس تستطعم الوصايا الإلهية جديدة على الدوام.
ما أقوله عن الوصايا الإلهية أقوله عن المواهب الروحية، فالروح القدس إذ يعمل فينا يُنمي مواهبه في داخلنا فتصير جديدة على الدوام.
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
التجديد حالة تجلٍ مستمر

في حادثة التجلّي كما وردت في إنجيل معلمنا مرقس ذكرت الكلمة "ميتافورسز"، أو تجلٍ، بمعنى انتقال من الشكل البشري المنظور إلى الشكل النوراني. هذا التجلي لا يعني أن السيد المسيح قد نال شيئًا جديدًا، إنما الابن الوحيد هو دائمًا وأبدًا في نور لا يدني منه. جاء إخلاؤه كعملية إخفاء لنوره غير المدرك عن أعيننا. وجاء التجلي انفتاحًا لأعين التلاميذ ليروا قبسًا من النور الإلهي قدر ما يستطيعون. يقول الأب غريغوريوس بالاماس: [لم تتغير هيئة المسيح على الجبل، لكنه كان مقيمًا دائمًا في النور الأبهى، محجوبًا عن أعين الرسل، فأدركوا في التجلي ما كان محجوبًا عنهم.] والكنيسة كجسد السيد المسيح الممجد، تجديدها إنما يعني تجلي السيد المسيح الساكن فيها.
خلال هذا التجلي تنمو الكنيسة الجامعة كما ينمو الأعضاء، إذ ينطلق المؤمنون من انحصارهم في الزمن إلى الدخول قي الحياة الأبدية الممجدة، ليعيشوا بفكرٍ سمائيٍ أخرويٍ، دون تجاهل للواقع البشري الزمني. الزمن بالنسبة للكنيسة ولكل مؤمن فيها، إنما يتحرك بنا نحو الحياة الانقضائية، أي نحو الحياة الأبدية، ولا معنى للزمن خارج الانقضاء أو الأبدية. بهذا ترتكز الكنيسة على مجيء السيد المسيح الأول (تجسده) وتنعم بتجليه من يومٍ إلى يومٍ منتظرة مجيئه الأخير. بهذا نفهم كلمات السيد المسيح: "ملكوت الله داخلكم" وبهذا نرى "الروح والعروس يقولان تعالَ" (رؤ 22: 17).
بهذا يكون تجديد الكنيسة -إن صح هذا التعبير- ليس قبولًا لنظمٍ جديدةٍ أو تدابيرٍ جديدةٍ، إنما في جوهره هو تجلٍ مستمر للسيد المسيح في حياتها لكي يظهر فيها ببهائه الأبدي، معلنًا طبيعته في حياتها. يظهر هذا التجلي خلال تعميق علاقة المؤمنين بالسيد المسيح واختفائهم فيه، فيشهدون له في الداخل والخارج، مجتذبين أعضاء جدد للتمتع بخلاص السيد المسيح. وكما يقول الأب مكسيموس المعترف عن الكنيسة أنها [المعمل الذي فيه يتحوَّل الإنسان ليُحوِّل العالم.] وكأن مسيرة الكنيسة في الواقع هي مسيرة العالم كله بالروح القدس لتحقيق مقاصد الله لخلاص البشرية.
بهذا تقف الكنيسة النامية خادمة للعالم، وليس كعالم آخر مستقل عنه ومنافس له، إنما بالحب تحتضنه وتغسل قدميه. إنها تعمد حضارته وفنونه وعلمه، فلا تحتقر خبرته بل تبارك وتسند كل عمل بناء فيتناغم العمل الحضاري مع العمل الكنسي الحي.
_____
الحواشي والمراجع:
[469] للاستزادة راجع كتابنا: المسيح في سرّ الافخارستيا الكتاب الثالث.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 05 - 2014, 04:10 PM   رقم المشاركة : ( 8 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,016

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي

لماذا حلّ الروح القدس على السيد المسيح عند عماده؟

كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
1. لماذا حلّ الروح القدس على السيد المسيح عند عماده؟
الروح القدس هو الذي شكَّل ناسوت السيد المسيح منذ لحظة البشارة بالتجسد الإلهي. ولما كان لاهوت السيد لم يفارق ناسوته، لهذا لم يكن قط في معزل عن الروح القدس، ولا في حاجة إلى تجديد الروح له، لأنه لم يسقط قط في خطية ولا كان للإنسان القديم موضع فيه. إنما طلب السيد أن يعتمد "لكي يكمل كل برّ"، أي يقدم لنا برًا جديدًا نحمله فينا خلال جسده المقدس. حلول الروح القدس عليه في الحقيقة كان لأجل الإنسانية التي تتقدس فيه، فتقبل روحه القدوس.
في هذا يقول القديس غريغوريوس النيسي: [اليوم اعتمد (يسوع) من يوحنا لكي يُطهر الذي تدنس، ولكي يجعل الروح ينحدر من فوق، فيرفع الإنسان إلى السماء، ويقيم الساقط الذي انحدر وصار في عارٍ. لقد أصلح المسيح كل الشرور، فأخذ البشرية الكاملة لكي يخلص البشرية، ولكي يصبح مثالًا لكل واحدٍ منا. لذلك فهو يقدس باكورة وثمار كل عمل يقوم به لكي يترك لعبيده غيرة حسنة بلا شك في اقتفاء أثره [470].]
يذكر لنا لوقا الإنجيلي عن السيد المسيح: "أما الصبيُّ فكان ينمو ويتقوَّى بالروح" (لو 1: 8)، "وأما يسوع فكان يتقدَّم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (لو 2: 52). لقد كان التجسد حقيقة واقعة، والإخلاء حقًا واقعًا وليس مظهرًا أو خيالًا كما ظنت بعض الهرطقات الغنوسية. لهذا أخلى الابن ذاته عن أمجاده دخل في حياتنا البشرية حاملًا ناسوتًا حقيقيًا يتقبل النمو في الروح والسند الروحي والنعمة، بجانب التقدم في الحكمة والقامة، ليس كمن هو في نقص يحتاج إلى مزيد، وإنما كممثلٍ حقيقيٍ لنا، يتقبل النمو المستمر لحسابنا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.بهذا قدم لنا السيد نفسه طريقًا حقيقيًا خلاله نتسلم العطايا الإلهية لخلاصنا ونمونا المستمر.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 05 - 2014, 04:11 PM   رقم المشاركة : ( 9 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,016

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي

ما هو الفارق بين معمودية يوحنا المعمدان والمعمودية المسيحية؟

2. ما هو الفارق بين معمودية يوحنا المعمدان والمعمودية المسيحية؟
عرف اليهود أنواعًا من المعموديات منها معمودية المتهودين الدخلاء Prosolytes. كان متى قَبِل وثني اليهودية يعتمد هو وأولاده بطقس يهودي معروف باسم "معمودية الدخلاء". في هذا الطقس يعلنون أنهم قد كرسوا حياتهم لحساب إسرائيل مع التزامهم بالوصايا والنواميس الإلهية. أما معمودية يوحنا فقد جاءت رمزًا للمعمودية المسيحية، يقبلونها للتوبة، تستمد قوتها في الغفران والتمتع بالخلاص من خلال المرموز إليه، وذلك كما حَملت الحية النحاسية قوة الشفاء خلال الصليب الذي ترمز إليه، وكما وهب عبور البحر الاحمر خلاصًا للشعب خلال المرموز إليه "المعمودية".
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
معمودية يوحنا كانت عاجزة عن أن تهب البنوة لله، الأمر الذي انفردت به المعمودية المسيحية لدخول السيد المسيح "الابن الوحيد" إليها.
يقول العلامة ترتليان [471] أن المعمودية التي أعلنها يوحنا أثارت سؤالًا في ذلك الحين هل هي من السماء أم من عند الناس؟ (مت 21: 25؛ مر 11: 30؛ لو 20: 4). ويجيب العلامة ترتليان أنها بلا شك إلهية، لأن يوحنا تمم ما قد أُمر به من الله، لكنها بشرية في نفس الوقت، لأنها كانت للتوبة لا تهب الروح القدس ولا غفران الخطايا (أع 19: 1-7). كانت معمودية أشبه بطالبة للمغفرة والتقديس إذ تهيئ الطريق للتبعية للسيد المسيح. معموديته كانت إعدادًا للطريق، فقد شهد يوحنا بنفسه أن معموديته لا تقدم ما هو سماوي، قائلًا: "الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع، والذي من الأرض هو أرضيّ من الأرض يتكلَّم. الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع" (يو 3: 31). لقد قال: "أنا أعمدّكم بماءٍ للتوبة. ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني... هو سيعمدّكم بالروح القدس ونارٍ" (مت 3: 11). هكذا إذ لم تكن في معموديته عطية الروح، بالتالي لم يكن لها غفران الخطايا.
يتساءل القديس يوحنا الذهبي الفم [472]: لماذا يقول لوقا: [فجاء إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا مع أنها لم تكن تغفر الخطايا؟ يجيب بأنه وإن كانت معمودية يوحنا لم تقدم هذه العطية أي مغفرة الخطايا لكنها قدمتها خلال المعمودية التي جاءت بعدها، حيث فيها نُدفن مع المسيح، ويُصلب إنساننا العتيق، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.لقد عُرف اليهود في ذلك الوقت بعدم شعورهم بالخطايا، فجاء يوحنا المعمدان ليدخل بهم إلى الإحساس بالخطايا، وبهذا هيأهم للإيمان بالذي يأتي بعده فينالوا غفران الخطايا.]
ويرى القديس كيرلس الأورشليمي [473] أن معمودية يوحنا تغفر الخطايا وتخلص من العقاب الأبدي (ربما من أجل ما حملته من رمز لمعمودية السيد المسيح) إذ يقول: [كان هذا الرجل يعمد في الأردن فخرجت كل أورشليم" (مت 3: 5)، لتتمتع بباكورات العماد، إذ يوهب لأورشليم امتياز في كل عمل صالح. تعلموا يا سكان أورشليم كيف كان يُعمد الخارجين إليه، المعترفين بخطاياهم (مت 3: 6). لقد كانوا يكشفون له جراحاتهم، وهو يقدم لهم بعد ذلك العلاج، فيخلص الذين يؤمنون من النار الأبدية. وإن أردت فحص هذه النقطة، أي أن عماد يوحنا يخلصهم من التهديد بالنار اسمع ما يقوله: "يا أولاد الأفاعي مَنْ أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي" (مت 7:3).]
_____
الحواشي والمراجع:
[470] De Bapt. Christii.
[471] De Baptismo 10.
[472] In Matt. Hom 10:2.
[473] Cat. Lect. 3:7.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 05 - 2014, 04:12 PM   رقم المشاركة : ( 10 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,016

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي

متى بدأت المعمودية المسيحية؟

3. متى بدأت المعمودية المسيحية؟
يرى بعض الآباء أن دخول السيد المسيح إلى مياه الأردن قد فتح لنا باب المعمودية وقدم لنا تقديسًا لها، واهبًا إيانا إمكانياتها فيه. يقول القديس أغناطيوس الأنطاكي: [وُلدَ واعتمدَ لكي يطهر المياه بآلامه [474]]، ويقول العلامة ترتليان: [اعتمد المسيح أعني طهر الماء بعماده [475]]، كما يقول القديس كيرلس الأورشليمي: [قدس المسيح المعمودية بعماده هو نفسه [476].]

كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
ويرى البعض أن عماد المسيح وإن كان قد فتح الباب، لكن العمل قد اكتمل باصطباغه على الصليب ودخوله إلى الموت وقيامته. فالمعمودية صبغة آلام وشركة دفن وتمتع بقوة قيامة السيد، هي فصح معه، لهذا يرون أن المعمودية قد انطلقت في حياتنا بعد قيامته. لهذا فإن العلامة ترتليان [477] نفسه الذي رأى أن المعمودية المسيحية قد تقدست بعماد السيد، في مقال آخر يرى أن معمودية التلاميذ قبل الصلب والقيامة لم تكن تختلف كثيرًا عن معمودية يوحنا المعمدان، وشاركه في هذا الرأي القديس يوحنا الذهبي الفم [478]، لأن السيد المسيح لم يكن بعد قد ذُبح لأجلنا كفصحٍ لنا، ولا أعطيت لنا إمكانية الميلاد الجديد. إلا أن القديس أغسطينوس يرى أن معمودية التلاميذ قبل الصلب معمودية مسيحية [479]، لأنها تمت بعد عماد السيد، غير أنه ليس بالرأي السائد.
_____
الحواشي والمراجع:
[474] Ad Eph. 18.
[475] Adv. Jud. 8.
[476] Cat. Lect. 3:11.
[477] De Bap. 11.
[478] In Ioan. Ev., hom 29:1.
[479] In Ioan. Ev., tract 15:3; Epis 44:10; 265:15.
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
🕊الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر
كتاب دعوني أنمو القمص تادرس يعقوب ملطي
عيد حلول الروح القدس والتلاميذ - القمص تادرس يعقوب ملطي
الروح القدس الناري - القمص تادرس يعقوب ملطي
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي


الساعة الآن 04:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024