10 - 10 - 2012, 09:24 AM | رقم المشاركة : ( 21 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: هل صُلب المسيح حقاً ؟؟ كتاب مكتوب - دراسة تاريخية
أما عبارة “شُبّهَ لَهُم” فلها? في نظري دلالات خطيرة تقتضي أن نتوقف عندها ونتأملها بموضوعية إذا أردنا حقاً أن ندرك مراميها في إطار عصرها الفكري والديني. ويدعونا المنطق السليم أن نعالج هذه القضية على مستويين هما: المستوى القرآني والمستوى التفسيري. عندما وردت هذه الآية كان الغرض منها?كما يبدو? الكشف عن مؤامرة اليهود وإظهار عجزهم أمام الإرادة الإلهية التي شاءت غير ما شاءوا. ودليلنا على ذلك نص قرآني آخر في سورة آل عمران 3: 54 جاء فيه “وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ” في سياق الحديث عن اليهود ومواقفهم من المسيح. وقد وقعت هذه الآية مباشرة قبل قوله: “إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ...” (سورة آل عمران 3: 55) فجاءت “إذ” هنا أداة صلة بين آيتين تنطويان على صراع غير متكافئ بين إرادة الله وإرادة أعداء المسيح? أي أعداء الله. يقول الأستاذ حداد في كتابه القيّم “القرآن والمسيحية”: فصراحة النص وقرائنه تجعله شهادة رسمية لسلطة مسيحية بأن اليهود مكروا بالمسيح فقتلوه وصلبوه فكان مكر الله بهم خيراً من مكرهم? إذ بعث عيسى حياً بعد قتله وصلبه (ص 45). لقد مكر اليهود وخططوا لإهلاك المسيح? ونجحت خطتهم إلى حين. ولكن مكر الله كان خيراً من مكرهم إذ قام المسيح حياً في اليوم الثالث? ثم بعد أربعين يوماً ارتفع إلى السماء. إذاً لم يكن مكر الله باليهود برفعه وإنقاذه من أيديهم? لأن مثل هذا التأويل يتناقض مع الحقائق التاريخية المختلفة والحجج المنطقية والبينات القرآنية التي استقينا منها أدلتنا? إنما كان ببعثه حياً. هكذا مكر الله بهم وأحبط خطتهم بعد أن ظنوا - وهذا هو المعنى الحقيقي لشُبِّه لهم - أنهم بقتل المسيح وصلبه قد تخلصوا منه نهائياً. لم تكن قيامة المسيح انتصاراً على خطة اليهود فقط بل كانت انتصاراً على الموت أيضاً. ويشير أبو موسى الحريري في كتابه “قس ونبي” إلى عقائد بعض الفرق الأبيونية الهرطوقية التي ادعت: أن المسيح يتحول برضاه من صورة إلى صورة? فقد ألقى في صلبه شبهه على سمعان? وصُلب سمعان بدلاً عنه? فيما هو ارتفع إلىالسماء حياً إلى الذي أرسله? ماكراً بجميع الذين مكروا للقبض عليه. لأنه كان غير منظور للجميع (ص 129). وهكذا يتبين لنا أن قيامة المسيح من بين الأموات في اليوم الثالث حسب ما أشار هو به عن نفسه ووفقاً لما جاء في النبوّات كانت الإحباط الحقيقي لمؤامرات اليهود وخططهم. غير أن عبارة “شُبِّه لهم” بمعنى ظنّوا أو خيِّل إليهم? تحولت عند المفسرين المسلمين إلى “شُبِّه له” وركزوا أشد التركيز على شخصية الشبيه. وهنا الفارق الكبير بين النص القرآني وتأويلات المفسرين. ولم يجد المفسرون المسلمون مصدراً يستلهمون منه تأويلاتهم التي تتفق مع عقيدتهم بشأن المسيح وصلبه إلا ما وصل إليهم من مفاهيم هراطقة الدوكيتيين والأبيونيين والغنوسيين كما رواها لهم أصحابها ممن أسلموا أو مما سمعوه من مفكريهم مباشرة? لأنه لم يكن لديهم أي شاهد تاريخي أو أثري أو ديني سواهم يعتمدون عليه في تأويل هذه الآيات. ولسنا ندَّعي هذا اعتباطاً فلدينا من المصادر الإسلامية ما يغنينا عن أي استقراء. ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك ما رواه وهب بن منبه (646-733 م) الذي اشتهر بمعرفته أخبار أهل الكتاب وعدُّ من التابعين. ولكن يبدو أن معارفه لم تتعدَّ أخبار مؤلفات الفرق الهرطوقية المسيحية? والكتب الأبوكريفية والتلمود? وأن معارفه في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد كانت معرفة سطحية. فقد اعتمد في رواياته على أخبار هذه الفرق التي هي مزيج من النص الكتابي وتأويلات مفسريهم الغنوسيين والدوكيتيين والأبيونيين. هذا الراوية أخذ عنه مؤرخو العرب كثيراً “من أحاديث الأنبياء والعباد وأحاديث بني إسرائيل”. ومن جملة ما نقل عنه الثعلبي قصة الظلمة التي أحاقت بالأرض عند صلب المسيح قال وهب: فأخذوه واستوثقوا منه? وربطوه بالحبل? وجعلوا يقودونه ويقولون: أنت كنت تحيي الموتى? وتبرئ الأكمه والأبرص أفلا تفك نفسك من هذا الحبل? ويبصقون عليه? ويلقون الشوك عليه. ثم إنهم نصبوا له خشبة ليصلبوه عليها? فلما أتوا به إلى الخشبة أظلمت الأرض وأرسل الله الملائكة فحالوا بينهم وبين عيسى وألقي شبه عيسى على الذي دلهم عليه واسمه يهوذا فصلبوه مكانه وهم يظنون أنه عيسى? وتوفَّى الله عيسى ثلاث ساعات ثم رفعه إلى السماء? فذلك قوله تعالى: “إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا...” . فلما صُلب الذي هو شبه عيسى جاءت مريم أم عيسى وامرأة كان عيسى دعا لها وأبرأها من الجنون تبكيان عند المصلوب? فأتاهما عيسى وقال: على من تبكيان? فقالتا: عليك. فقال: إن الله تعالى رفعني فلم يصبني إلا خير وإن هذا الشخص شُبّه لهم8 . |
||||
|