28 - 03 - 2022, 05:50 PM | رقم المشاركة : ( 21 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث طول الأناة في التربية والخدمة البعض يتعب وقد ييأس، إن لم تأتِ الخدمة ثِمارها بسرعة. وقد يصفها -طالمًا- بأنها خدمة فاشلة. بينما تحتاج إلى طول بال لتنمو في هدوء.. كم من السنين قضى المسيح في خدمة التلاميذ وإعدادهم. وبعد أكثر من ثلاث سنين، أمرهم أن لا يبرحوا أورشليم حتى يلبسوا قوة من الأعالي (لو 24: 49). تأمل الشجرة كيف أنها لا تعطى ثمرًا إلا بعد سنوات: والغارس يطيل أناته عليها حتى "تُعطي ثمرها في حينه". وكل شجرة لها طبيعتها. فمنها التي تثمر بعد ثلاث سنوات، والتي تعطى ثمرًا بعد خمس سنوات أو بعد سبع. والغارس في كل ذلك الانتظار لا يقلق، بل يتدرب على طول الأناة. الطفل هو تدريب آخر في طول الأناة. المرأة تحبل، وتظل 9 أشهر في انتظار ولادة طفلها. الذي ينمو تدريجيًا في بطنها، حتى يكتمل نموه فيخرج. وقد ترك هذا الأمر تأثيره في القديس يوحنا ذهبي الفم، فقال: إن كان الجنين يأخذ فترة حتى جسديًا، فكم بالأولى الإنسان لينمو روحيًا، يحتاج إلى زمن وطول أناة. كذلك فالطفل يحتاج إلى فترة حتى يمشى وحتى يتعلم. ونحن لا نطالبه بما هو فوق مستواه، بل نطيل أناتنا عليه. ونفرح بتدرجه في القامة وفي المعرفة. أيضًا يلزم طول الأناة في الكرازة والخدمة والتعليم. وكما قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس "عِظْ بكل أناة وتعليم" (2 تي 4: 2) ذلك لأن الناس قد لا يحتملون أحيانًا الدرجات العالية في الروحيات إن كانوا لم ينضجوا بعد،وهكذا قال الرسول لأهل كورنثوس "سقيتكم لبنًا لا طعامًا لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون. بل الآن أيضًا لا تستطيعون. لأنكم بعد جسديون" (1كو 3: 2، 3). وبنفس الأسلوب وطول الأناة، رأى الآباء الرسل "ألا يثقل على الراجعين إلى الله من الأمم. بل يُرسل إليهم أن يمتنعوا عن رجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم" (أع 15: 19، 20). والسيد المسيح له المجد وبخ الكتبة والفريسيين "لأنهم يحزمون أحمالًا ثقيلة عسرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس" (مت 23: 4). لذلك فالمستويات العالية من التعليم، لا تعطى لكل أحد. وإنما التدرج أو الأناة في التعليم، هو الذي يأتي بنتيجة. وإن لم يستطع البعض أن يمارس تدريبات روحية معينة، فلا تقسوا عليهم ولا تنتهروهم بشدة، إنما اصبروا عليهم وشجعوهم وكما قال الرسول: شجعوا صغار النفوس. اسندوا الضعفاء. وتأنوا على الجميع" (1تس 5: 14). فإن خدم خادم فصلًا، ووجد تلاميذ لا يتحسنون بسرعة، فلا ييأس، ولا يتهم نفسه بأنه لا يصلح للخدمة. كما لا يتهم المخدومين بأنه لا فائدة ترجى منهم! كلا، يا أخي، ليس العيب فيك ولا فيهم. إنها طبيعة الخدمة تحتاج إلى وقت وطول بال. لذلك تأن عليهم، ولا تظن أن طباع الناس تتغير فجأة بكلمة أو بنصيحة! إن الدجاجة تلزمها فترة تحتضن فيها البيض، حتى ينضح وتخرج فراخه. والبذار لابد أن تقضى فترة في الأرض، حتى تخضر وتنمو، وتصير شجرًا وتثمر. وكل هذا يحتاج إلى طول بال وانتظار.. فانتظر إذن واصبر. فإن الكتاب يقول: "من يصبر إلى المنتهى، فهذا يخلص" (مت 10: 22). ويقول أيضًا "بصبركم تقتنون أنفسكم" (لو 21: 19) لقد قال داود النبي "انتظرت نفسي الرب، من محرس الصبح حتى الليل" (مز 130 6، 7). يقصد من البداية حتى التمام، بكل طول أناة. |
||||
28 - 03 - 2022, 05:58 PM | رقم المشاركة : ( 22 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث طول الأناة في الصلاة الإنسان الطويل الروح يصلى، ولا يقلق من جهة استجابة الله لصلاته. يكفى أن الله قد سمعها. نترك الأمر إذن لمحبته.. هو يستجيب الصلاة في الوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة، حسب حكمته وحسن تدبيره وتقديره للأوقات.. هناك أشخاص ليس لهم طول أناة في الصلاة. لا ينتظرون الرب. ومع ذلك يعاتبون الله كثيرًا. ويكادون يغلطونه أحيانًا!! ويقولون: يا رب أنت.. وأنت.. وهو يطيل أناته عليهم وعلى عتابهم.. يحتاج الأمر منهم إلى الإيمان بعمل الرب لأجلهم.. أحيانًا يتباطأ الرب في الاستجابة، أو يُخيَّل إلينا أنه تباطأ،وذلك لكي يدربنا على الصبر والإيمان. فلا يأتي إلا في الهزيع الأخير من الليل.. ولا يفتقِد العمال إلا في الساعة الحادية عشرة من النهار! (مت 20: 6، 7). كل ذلك لكي يعلمنا أن ننتظر الرب، ولكي نتدرب على طول البال، هذه الصفة التي هي من صفات الله أحيانًا يبدو الله طويل البال في حل المشاكل!! ذلك لأن صاحب المشكلة يكون قلقًا ومنزعجًا، ويريد حلها في التو واللحظة. وليس لديه طول بال ولا صبر على حل المشكلة.. بينما يكون الله قد استلم المشكلة، وبدأ فعلًا في حلها، بالأسلوب الذي يتناسب مع حكمته في التدبير.. طول بال الله، إنما يقودك إلى اللجاجة في الصلاة، وليس إلى القلق.. |
||||
28 - 03 - 2022, 06:02 PM | رقم المشاركة : ( 23 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث مضار عدم طول الأناة الإنسان الذي ليس له طول البال، يقع في القلق والضجر والانزعاج. وتتعب نفسيته ويفقد سلامه الداخلي.. يقلق بسرعة، كشخص في كل دقيقة أو لحظة ينظر إلى الساعة! * وقد يصاب الاندفاع والتسرع، مما يسبب له نتائج رديئة! * والذي ليس له صبر، ولا طول أناة، ربما في تسرعه يأخذ قرارات أو مواقف ارتجالية أو هوجائية. كالشخص الذي يرى أن الله لم يستجب صلواته، فيقسم أنه لن يدخل الكنيسة!! احتجاجًا منه على الله..! * قد يقود القلق وعدم طول البال إلى الاعتماد على الذارع البشري والحكمة البشرية الخاطئة. مثال ذلك حينما ظن أبونا إبراهيم أن الله لم يعطه نسلًا حسبما وعده، فلجأ إلى الحكمة البشرية ليتخذ هاجر زوجة له تنجب له ابنًا (تك 16: 1-4).. أو لم يجد أن نسله لم يصر مثل نجوم السماء في الكثرة، فأخذ قطورة زوجة فولدت له بنين كثيرين (تك 25: 1-4). والعجيب أن الطريق البشرية قد تأتى بنتائج سريعة، ولكنها ليست حسب مشيئة الله التي قد تتأخر ولكن في حكمة وبركة ومنفعة. طريقة الله هادئة، وتسير خطوة، حتى تصل بسلام.. * هناك أشخاص ليس لهم بال حتى في الكلام مع الناس. فيقاطعون غيرهم، ولا يستطيعون أن ينتظروا إلى أن ينتهي مخاطبهم من كلامه لكي يتابعوه بعد ذلك. * وقوم ليس لهم طول بال في حل مشاكلهم، فيلجأون إلى أهل السحر والشعوذة، لعلهم يجدون عندهم العون والحل!! ما أكثر أخطاء الذين ليس لهم أناة وطول روح.. |
||||
30 - 03 - 2022, 03:38 PM | رقم المشاركة : ( 24 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث اللطف: هكذا قال الكتاب "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام، طول أناة لطف..". وقد تحدثنا في الأبواب السابقة عن المحبة والفرح والسلام، ونود أن نحدثك الآن عن اللطف.. قال الرسول عن السيد الرب ".. أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة" (رو 2: 4). إذن من لطف الله أنه يطيل أناته علينا، لكي بلطفه وطول أناته يقتادنا إلى التوبة.. ويقول الرسول أيضا "حين ظهر لطف الله مخلصنا وإحسانه، بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تى 3: 4، 5). إذن مغفرة الله التي قدمها لنا في الفداء والمعمودية هي دليل على لطفه ورحمته وإحسانه.. اللطف هو من صفات الله في معاملته للبشر. وهو أيضًا من صفات رسله. وهكذا قال القديس بولس الرسول في خدمته للرب هو وجميع العاملين معه "في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله في صبر كثير.. في أتعاب في أسهار في أصوام، في طهارة في علم، في أناة في لطف.." (2كو 6: 4 - 6). ودعانا الآباء الرسل إلى السلوك بلطف: فقال القديس بولس الرسول "كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض" ((أف 4: 22). وقال أيضًا "البسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفًا وتواضعًا ووداعة وطوال أناة" (كو 3: 12). وهنا نلاحظ أن هذه الفضائل ترتبط ببعضها البعض: اللطف مع الوداعة والتواضع والرأفة وطول الأناة. ويقول القديس بطرس الرسول "كونوا جميعًا متحدين في الرأي، بحس واحد، ذوى محبة أخوية، مشفقين لطفاء، غير مجازين عن شر بشر، أو عن شتيمة بشتيمة، بل بالعكس مباركين" (1بط 3: 8، 9). ولعلنا هنا نسأل: ما هو اللطف وصفاته؟ وكيف يسلك اللطفاء؟ اللطف هو كل هذه الفضائل التي ذكرها الكتاب مجتمعة. وهو ثمرة طبيعية لحياة الوداعة والرقة والبشاشة والاتضاع، والبعد عن الخشونة والعنف والقسوة والتعالي. ومادام هو من ثمر الروح، إذن فهو من ثمر "الروح الوديع الهادي" (1بط 3: 4). وهكذا يكون الإنسان اللطيف هناك أشخاص -للأسف الشديد- يظنون أن الحياة الروحية هي مجرد صلاة وصوم، بينما بطريقة منفرة في معاملة الآخرين!! ولكنني أقول: إن لم تكن لطيفًا في تعاملك، فأنت شخص غير متدين على الإطلاق. ذلك لأن اللطف من ثمر الروح كما يقول الكتاب (غل 5: 23). فالذي ليس في حياته هذا الثمر -أي اللطف- لا يكون إنسانًا روحيًا، لأنه لا يسلك بطريقة روحية.. كونوا إذن "لطفاء بعضكم نحو بعض" (أف 4: 22). هذا اللطف نراه في معاملة الأب مع الابن الضال، وأخيه الضال الأكبر. الابن الضال جاء إلى أبيه يطلب منه أن يعطيه نصيبه من الميراث! فلم ينتهره الأب ولم يقل له: كيف هذا يا ابني؟! كيف ترثني وأنا حيّ؟! إنما بكل لطف وهدوء قَسم ماله وأعطاه نصيبه.. ولما أنفق هذا المال بعيشٍ مُسْرِفٍ، احتاج وجاع، وعاد إلى أبيه معترفًا بأنه أخطاء، قبله الأب بفرح، بل لما رآه من بعيد، وقبل أن يعترف "تحنن الأب، وركض ووقع على عنقه وقبله" (لو 15: 20). وألبسه الحلة الأولى، وجعل خاتِمًا في أصبعه، وذبح له العجل المسمن، وفرح برجوعه.. أي لطف هذا في معاملة. باللطف لم يكسر نفسه في رجوعه، ولم يخجله، ولم يوبخه. وأيضًا الابن الأكبر حينما غضب لإكرام أخيه العائد، ورفض أن يدخل البيت وأن يشترك في الفرح بعودة أخيه.. ولكنه تمادى واتهم الآب بالبخل وعدم العدل، وقال له "ها أنا أخدمك سنين هذا عددها، وقط لم أتجاوز وصيتك. وجديًا لم تعطني لأفرح مع أصدقائي. ولكن لما جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني، ذبحت له العجل المسمن!!". ولم يغضب الأب لهذا العتاب القاسي بكل ما فيه من أخطاء. وبكل لطف أجابه " يا ابني أنت معي في كل حين. وكل ما لي فهو لك. ولكن كان ينبغي أن نفرح ونسر، لأن أخاك هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالًا فوجد" (لو 15: 25 - 31). لم يحاسبه ولم يعاتبه على اتهاماته له ولأخيه، وإنما في لطفه، رد عليه إيجابيًا "أنت ابني" كل ما لي فهو لك"، "كان ينبغي أن نفرح.." القلب العامر باللطف لا يوبخ كثيرًا. وإن وبخ لا يستخدم كلامًا جارحًا. ولنا مثال على ذلك موقف سيدنا يسوع المسيح من تلميذه بطرس الذي أنكره ثلاث مرات، وسب ولعن، وقال عنه: لا أعرف الرجل (مت 26 - 74). فلما التقى به الرب بعد القيامة، وأراد أن يوبخه على إنكاره، لم يذكره بأنه أنكره ثلاث مرات، أنه حلف وسب ولعن وقال لا أعرف الرجل! وإنما قال له ثلاث مرات "يا سمعان بن يونا، أتحبني أكثر من هؤلاء". وفي كل مرة يجيب فيها بطرس بعبارة إني أحبك، كان يقول له "أرع غنمي" أو "ارع خرافي". وأحس بطرس بهذا التوبيخ اللطيف وحزن. وقال له "يا رب، أنت تعلم كل شيء. أنت تعرف أنى أحبك" (يو 21: 15 -17) حقًا. إن القلب العامر باللطف، يكسب الناس بلطفه. لقد استطاع الرب أن يكسب زكا العشار، والمرأة السامرية، والخاطئة المضبوطة في ذات الفعل، وتلك التي بللت قدميه بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها.. كل أولئك كسبهم باللطف. عاملهم بلطف. لم يوبخ أحدًا منهم، ولم يستخدم التوبيخ والكلام القاسي.. ما أشد قسوة بعض (المتدينين) في معاملتهم للخطاة، أو من يظنونهم خطاة..! وما أكثر ما يستخدمون من عبارات جارحة في توبيخهم! ويحسبون أن هذا غيرة مقدسة منهم وشهادة الحق! وأنهم يقودونهم بهذا إلى التوبة. ولكن السيد المسيح لم يكن هكذا، بل قيل عنه: "لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ" (مت 12: 20) (إش 42: 3). لم يذكر زكا العشار بشيء من كل أخطاء ماضية. بل وسط الزحام، وقف عنده بالذات، وناداه باسمه، ودعا نفسه أن يدخل بيته ويبيت عنده. ولما "تذمر الجميع قائلين إنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ". دافع السيد المسيح عن زكا قائلًا إنه هو أيضًا ابن لإبراهيم. وأعلن أنه " اليوم حصل خلاص لهذا البيت" (لو 19: 5 - 9). ترى لو وبخ زكا، أكان سيكسبه؟! كلا، بل باللطف قد كسبه.. فرق كبير بين القسوة التي توبخ الإنسان على خطاياه، وبين اللطف الذي يجعل الخاطئ من تلقاء ذاته يعترف بخطاياه ويتوب عنها. وهذا هو ما حدث مع زكا. لم يقل له السيد إنه خاطئ، بل قد يجعله مستحقًا أن يبيت الرب في بيته، على الرغم من سمعته الرديئة. وبهذا اللطف قال زكا "ها أنا يا رب أعطى نصف أموالى للمساكين. وإنه كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف" (لو 19: 8). وبالمثل في معاملة الرب للسامرية: لم يوبخها على خطاياها وسيرتها البطالة. ولم يلق عليها درسًا في التوبة والعفة.. إنما بكل لطف، حدثها عن الماء الحي، وعن السجود لله بالروح والحق (يو 4: 14، 23) زوجها. إنما علاقة ذلك الرجل بها، علاقة لا توصف إلا بكلمة جارحه لم يسمح الرب أن يقولها لكيلا يخدش شعورها. بل قال "حسنا قلت إنه ليس لكِ زوج. لأنه كان لكِ ذلك خمسة أزواج. والذي لكِ الآن ليس زوجك. هذا قُلْتِ بالصدق" (يو 4: 16 - 18). وهكذا جعل الاعتراف المتعب بين مديحين: سبقه بعبارة مديح هي "حسنا قلتِ" وختمه بعبارة مديح "هذا قلت بالصدق". فعلى الرغم من حياتها الخاطئة، وجد فيها شيئا يستحق المديح، فمدحها عليه. وبهذا اللطف أقتادها إلى التوبة، بل إلى الإيمان أيضًا، وإلى التبشير بهذا الإيمان.. فقالت له المرأة "يا سيد، أرى أنك نبي". وذهبت تبشر به بين شعبها قائلة "تعالوا أنظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح" (يو 4: 29).. وهكذا كسبها المسيح وكل أهل مدينتها إلى الإيمان (يو 4: 42). وبنفس اللطف عامل السيد الرب المرأة المضبوطة في ذات الفعل. كان الكتبة والفريسيون حولها كالوحوش يريدون رجمها، ويريدون منه أن يوافق على ذلك حسبما تقول الشريعة. أما هو - فبكل لطف - دافع عن هذه المرأة الذليلة الخجلى. ووبخ المطالبين برجمها قائلًا لهم "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر" (يو 8: 7). "وانحنى إلى أسفل، وكان يكتب على الأرض" ولعله كان يكتب على الأرض خطايا كل منهم. نعم، إن كانت هذه المرأة قد ضبطت في ذات الفعل، فلابد أنه كان هناك رجل يخطئ معها في ذات الفعل أيضًا. وكما قال الشاعر فؤاد بليبل عن مثل هذه المرأة: ودعوك بائعة الأثيم من الهوى كذبوا فإن الذنب المُشتري وبعد أن أنقذ السيد هذه المرأة من الذين أدانوها، ومضوا جميعًا.. قال لها "وأنا أيضًا لا أدينك. اذهبي ولا تعودي تخطئي أيضًا..ما كان ممكنا لهذه المرأة أن تجد شخصًا لطيفًا كهذا، ينقذها من الرجم، ويدين طالبي رجمها فينصرفون. ويقول لها "ولا أنا أدينك.." وبنفس اللطف عامل الخاطئة التي غسلت قدميه بدموعها. لم يقل لها كلمة واحدة جارحة، بل قال لها مغفورة لك خطاياك (لو 7: 48). وأظهر لسمعان الفريسي الذي انتقدها إنها أفضل منه، وأنها قد أحبت كثيرًا، لذلك غفر لها الكثير. وذكر لها فضائلها. وهكذا فإن الرب بلطفه قد وجد فيها أشياء يمكن امتداحها بسببها. ثم قال لها أخيرًا: "إيمانك قد خلصك. اذهبي بسلام" (لو 7: 50). حقا إن اللطف يكتشف النقط البيضاء فيمتدحها، ولا يركز على النقط السوداء . تحضرني بهذه المناسبة قصة مدير مدرسة للطيران.. كان قد أعد الطلبة للامتحان النهائي العملي للتخرج. وصعد أحد الطلبة بالطائرة، وإذا بزمامها يفلت من يده، بدأت تتأرجح في الهواء بطريقة مخيفة. وشعر قائدها بأنه قد فشل في الامتحان ولا بُد سَيُرْفَت من المدرسة، فعلى الأقل فيلنقذ نفسه من الموت. وهكذا جاهد حتى نزل بها إلى الأرض سالمًا.. واقبل إليه مدير المدرسة، وقد توقع أن يسمع منه قرار الفصل. ولكن مدير المدرسة شدَّ على يده بحرارة وهو يهنئه قائلًا "على الرغم من خطورة الموقف، فإنك نجحت في أن تنزل بالطائرة سالمًا كأمهر طيار رأيته في حياتي".. وبهذا الكلمات اللطيفة، أدخل الطمأنينة إلى نفسه. ثم قدم له بعض النصائح.. إن القلب اللطيف لا يحتقر الضعفاء، بل يسندهم. وهكذا يقول الكتاب "شجعوا صغار النفوس. اسندوا الضعفاء. وتأنوا على الجميع" (1تس 5: 14). نعم، لولا هذه المعاملة من الله لنا، لهلكنا جميعًا. إنه يقول في مسألة المديونين اللذين على أحدهما خمسمائة دينار وعلى الآخر خمسون "وإذ لم يكن لهما ما يوفيانه، سامحهما جميعًا" (لو 7: 12). إنه لم يحتقر أورشليم المدوسة بدمها، بل غسل عنها دماءها، ومسحها بالزيت، يجعل تاج جمال على رأسها، فصلحت لملكة" (خر 16: 6 – 13). بل إن الرب يعذر المخطئين -بلطفه- ويوجد لبعضهم عذرًا. التلاميذ الثلاثة الذين كانوا معه في بستان جثسيماني، ولم يستطيعوا ان يسهروا معه ساعة واحدة عذرهم قائلًا "أما الروح فنشيط. وأما الجسد فضعيف" (مت 26: 41). فعلى الرغم من نومهم، قال لهم بلطفه: أما الروح فنشيط. والتمس لهم عذرًا من جهة ضعف الجسد.. وفي (مزمور 103) يقول الكتاب عن لطف الله وتحننه "لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا". لماذا؟ "لأنه يعرف جبلتنا. يذكر أننا تراب نحن". وبنفس اللطف تصلى الكنيسة في أوشية الراقدين، تطلب لهم الرحمة "إذ لبسوا جسدًا، وسكنوا في هذا العالم.." إن الله بلطفه، يقدر ظروف الناس، وطبيعتهم الضعيفة، فيغفر.. إنهم مجرد تراب، أثارتهم الريح، فتحولوا إلى غبار في الجو. يصبر عليهم بعض الوقت، حتى تهدأ الريح، فيستقرون.. الله في لطفه، يسمح لأولاده أن يعاتبوه أو يجادلوه. وقد يشتدون في كلامهم، فلا يغضب. وإنما بكل لطف يعطيهم فرصة للتعبير عما في داخلهم بكل حرية. ما أعجب أن يقول له إبراهيم أبو الآباء -في شفاعته عن سدوم- "أَدَيَّان الأرض كلها لا يصنع عدلًا؟! حاشا لك يا رب أن تفعل هذا الأمر: أن تميت البار مع الأثيم. فيكون البار كالأثيم! حاشا لك" (تك 18: 25).. ثم يبدأ التفاوض. إن وجد في المدينة خمسون بارًا.. إن وجد 45.. إن وجد أربعون.. حتى وصل التفاهم إن وجد عشرة أبرار، لا يهلك الله المدينة من أجل العشرة (تك 18: 26 – 32).. كل هذا والرب في لطف شديد يتلقى مفاوضة إبراهيم، ويفسح له المجال إلى آخر حد، حتى توقف.. نفس اللطف في تشفع موسى إلى الله لأجل الشعب. كانوا قد عبدوا العجل الذهبي الذي صنعوه، بعد كل المعجزات التي رأوها من الرب في مصر وفي البرية.. وغضب عليهم الرب حتى أراد أن يفنيهم. وهنا تدخل موسى ليشفع فيهم. فقال للرب: لماذا يا رب يحمى غضبك على شعبك؟! لماذا يقولون أخرجهم بخبث ليقتلهم في الجبال ويفنيهم على وجه الأرض. أرجع عن حمو غضبك واندم على الشر (خر 32: 11، 12). ويسمع الرب هذا الكلام، ولا يتضايق بل يعفو.. وارميا النبي يقول: أبر أنت يا رب من أن أخاصمك. ولكنى أكلمك من جهة أحكامك. لماذا تنجح طريق الأشرار. اطمأن كل الغادرين غدرًا (أر 12: 1). لم يقل الله: من هو هذا التراب، حتى يكلمني من جهة أحكامي؟! بل كيف ينسب إلى نجاح طرق الأشرار، أو حتى السكوت على ذلك!!.. إنما استمع له في لطف وأراحه.. ظهر لطف الله أيضًا في معاملة يونان النبي. لم يرفضه بسبب عصيانه له، بل اقتاده إلى الطاعة بحكمة، وأنقذه من بطن الحوت، وأعاده إلى رسالته في إنذار نينوى. ولما تابت نينوى ولم يعاقبها الله "وَغَمَّ ذلك يونان غمًا شديدًا فاغتاظ" وطلب لنفسه الموت.. عاتبه الله بلطف قائلًا هل اغتظت بالصواب؟! (يو 4: 1، 4). واجتذبه بما حدث لليقطينة. وشرح له لماذا قبل توبة نينوى. حقا إنه بالعنف قد يخسر الشخص أحباءه، بينما باللطف يكسب أعداءه. هنا وأقول إن للطف حدودًا. فإن لم يوصل إلى هدفه تبدأ العقوبة. وهكذا يقول الرسول "هوذا لطف الله وصرامته. أما الصرامة فعلى الذين سقطوا. أما اللطف فلك، إن ثبت في اللطف. وإلا فأنت أيضًا ستقطع" (رو 11: 22). وفي هذا المجال نذكر مثل تلك الشجرة التي لم تعط ثمرًا على مدى ثلاث سنوات وهي تبطل الأرض. فلما أراد الكرام قطعها، قال صاحب الكرم في لطف "اتركها هذه السنة أيضًا، حتى أنقب حولها وأضع زبلًا. فإن صنعت ثمرًا، وإلا ففيما بعد نقطعها" (لو 13: 6 – 9). اللطف في "اتركها هذه السنة أيضًا" والصرامة هي في قوله "وإلا ففيما بعد نقطعها". |
||||
01 - 04 - 2022, 03:21 PM | رقم المشاركة : ( 25 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث الصلاح نتابع حديثنا عن ثمر الروح كما ورد (غل 5: 22، 23). فنتحدث عن الصلاح. ولكن كيف يمكن أن يتصف إنسان بالصلاح، بينما يقول الكتاب "ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله" (مت 19: 17)؟! المقصود طبعًا هو صلاح النسبي، ليس الصلاح المُطْلَق الذي هو من صفات الله وحده. والمقصود بالصلاح النسبي، أية نسبة لمدى عمل الروح القدس في الإنسان، ومدى استجابة الإنسان لعمل الروح وشركته مع الروح القدس. تمامًا مثلما نفسر قول الرب "كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5: 48) بأن المقصود هو الكمال المطلق هو من صفات الله وحده.. وحينما نتكلم عن الصلاح، نذكر أنه على نوعين: صلاح سلبي، وصلاح إيجابي. الصلاح السلبي هو البعد عن الخطايا، وتمثله غالبية الوصايا العشر، مثل: لا تكن لك آلهة أخرى أمامي. لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا.. لا تنطق باسم الرب إلهك باطلًا.. لا تقتل. لا تزن. لا تسرق. لا تشته مال قريبك.. أما الصلاح الإيجابي، فتمثله التطويبات في العهد الجديد: طوبى للمساكين بالروح، للودعاء، لأنقياء القلب، لصانعي السلام، للرحماء. ويمثله في العهد القديم: "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك" (تث 6: 5). وتمثله أيضًا ثمار الروح التي نتحدث عنها. والمطلوب من الإنسان أن يسلك في الأمرين معًا: البعد عن كل أنواع الخطايا من الناحية السلبية والسلوك في كل الفضائل إيجابيًا. الإنسان الذي يصل إلى كمال الصلاح، يشمئز من الخطية وينفر منها فإن قل صلاحه، يكون بينه وبين الخطية آخذ ورد. أما إن فقد صلاحه. فإنه يلتذ بالخطية ويستسلم لها، بل قد يسعى إليها. إذن لكي يحيا الإنسان في حياة الصلاح، ينبغي أن يصل إلى المرحلة التي ينفر فيها من الخطية، كما قال يوسف الصديق "كيف افعل هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله؟!" (تك 39: 9). ويعبر عن هذا أيضًا قول القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى أن المولود من الله لا يستطيع أن يخطئ (1يو 3: 9). وفعلًا، هناك أشياء لا يستطيع الإنسان الروحي أن يفعلها.. لا يستطيع أن يلفظ كلمة نابية بذيئة، لا يستطيع أن يكذب بل إنه يحتقر نفسه إن فعل ذلك. لا يستطيع أن يقوم بأي عمل غير مهذب.. وبالتالي كلما نما في الصلاح يجد أنه عمومًا لا يستطيع أن يخطئ. هناك عيب من جهة السلوك في الصلاح أن يحكم الإنسان على بعض الخطايا بأنها خطايا بسيطة!! فيتساهل معها!! الخطية هي الخطية سواء حكم عليها الشخص بأنها بسيطة أو كبيرة. وهكذا يقول الرب: من قال لأخيه يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم (مت 5: 22). هكذا في باقي خطايا اللسان، يقول "بكلامك تتبرر، وبكلامك تدان" (مت 12: 37). حقا، إنه توجد خطية أبشع من الخطية. ولكن كلًا منها تتنافى مع الصلاح. الإنسان الصالح لا يرتكب هذه ولا تلك. فالرسول يأمرنا أن نسلك بتدقيق (أف 5: 15) ما معنى أن الصلاح من ثمر الروح؟ له بلا شك معنى مزدوج. فهو من ثمر عمل الروح القدس في قلب الإنسان. ومن ثمر روح الإنسان في استجابتها لعمل الروح القدس فيها. أو هو ثمر لشركة الروح القدس، أي لمشاركة روح الإنسان لروح الله القدوس، في الرغبة وفي العمل.. ماذا إذن عن صراع الإنسان مع الخطية؟ هل نقول عن مثل هذا الإنسان إنه صالح؟ إن القديس بولس الرسول يدعو إلى هذا الصراع، ويسميه جهادًا. فيلوم العبرانيين قائلًا "لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية" (عب 12: 4). إذن فالصراع ضد الخطية أمر صالح يقود إلى الصلاح، حينما ينتصر الإنسان على الخطية، ويصل إلى محبة الخير التي لا تحتاج إلى صراع.. على أننا ينبغي أن نفرق بين نوعين من الصراع. صراع ضد خطية تحاربه من الخارج. وهذا يحدث للقديسين من حسد الشيطان وحروبه. وهو صراع لا يتنافى مع الصلاح، بل أنه يدل على صلاح الإنسان، وعدم قبوله الخطية التي تحاربه. المهم أنه لا يستسلم، بل يقاوم حتى الدم مجاهدًا ضد الخطية. النوع الثاني من الصراع أن يُصارع الإنسان ضد خطية تأتيه من داخله، من قلبه، من فكره، من مشاعره. وهذا يدل على أن الداخل لم يصل إلى النقاوة بعد. لم يصل إلى الصلاح بعد، بل يجاهد لكي يصل إليه. إنه صراع صالح، من قلب يريد أن يكون صالحًا. الخطية بشعة، الأبرار يشمئزون منها. لذلك يحترس الخاطئ من ارتكابها أمام الصالحين. بل يرتكبها في الظلام، في الخفاء. فإن كان الصالحون يشمئزون من الخطية، فكم بالأكثر الملائكة! لذلك حينما ترتكب الخطية، كأنما تطرد الملائكة من حولك، أو على الأقل الملاك الحارس، الذي "في مجلس المستهزئين لا يجلس". إنه يحاول أن يصدك عن الخطية، فإن أصررت عليها، يبتعد عنك. وحينئذ ينفرد بك عدو الخير. فإن كانت الخطية بشعة هكذا أمام الأبرار وأما الملائكة، فكم بالأكثر تكون بشعة أمام الله الكلى القداسة!! لذلك من بشاعة الخطية، إننا نرتكبها أمام الله. وهكذا يقول داود النبي في المزمور الخمسين مزمور التوبة: يقول لله "إليك وحدك أخطأت، والشر قدامك صنعت"، إذن فهي ليست فقط خطية أما الله، إنما بالأكثر خطية إلى الله.. خطية نحزن بها روح الله القدوس (أف 4: 30). ولأنها خطية ضد الله، لذلك قال يوسف الصديق "كيف افعل هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله" (تك 39: 9). إذن فالإنسان الصالح ينفر من الخطية، لأنه يوقن أنه بها يخطئ إلى الله، ويخطئ قدام الله، ويحزن روح الله.. قطعًا إن الإنسان -أثناء ارتكابه للخطية- يكون قد نسى أنه أمام الله، الذي يراه وهو يرتكب الخطية. لذلك فإن داود النبي قال للرب عن أمثال هؤلاء الخطاة "لم يجعلوا الله أمامهم" (مز 54: 3). هؤلاء صنعوا الشر أمام الله ولم يبالوا، أو أنهم لم يسبقوا أن يجعلوا الله أمامهم. أما الإنسان الصالح، فإن الله أمامه باستمرار، يخشى أن يخطئ قدامه. ما أعمق قول إيليا النبي "حي هو رب الجنود الذي أنا واقف قدامه" (1 مل 18: 15). لذلك فالذي يقول "اعترف بخطاياي أمام الله مباشرة"! قد نسى أنه ارتكب تلك الخطايا أمام الله ولم يخجل! فالأفضل له الاعتراف بها أمام الكاهن، لكي يخجل منه فلا يعود إلى ارتكابها.. هناك أناس يفقدون صلاحهم، لأنهم يستغلون طيبة الله بطريقة خاطئة. إن طيبة الله، ينبغي أن يوضع أمامها صلاح الله وقداسة الله، ودعوته لنا إلى حياة القداسة والبر. بل ينبغي أن يتذكر هؤلاء قول الرسول "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة! ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب" (رو 2: 4، 5). إن الله من أجل محبته للصلاح، وقيادتنا إلى الصلاح، وضع أمامنا إمكانيات كثيرة تقودنا إلى الصلاح منها: * أولًا خلقنا على صورته ومثاله، في البر والصلاح، والعقل والفهم والحكمة، ولما فقدنا بالخطية هذه الصورة الإلهية، قدمها لنا في شخص الرب يسوع المسيح "الذي كما سلك ذاك، ينبغي أن نسلك نحن أيضًا" (1يو 2: 6). طبعًا العمل الأساسي للتجسد الإلهي هو الفداء، ولكن من الأغراض الإضافية تقديم الصورة الإلهية والقدوة المثالية للإنسان. * أيضًا لما فسدت طبيعتنا البشرية، قدم لنا تجديدًا في المعمودية فيها يصلب الإنسان العتيق، ويقوم إنسان جديد على صورة الله، لكيما نسلك في جدة الحياة (رو 6: 4، 6). شخص جديد يخرج من جرن المعمودية مولودًا من الماء والروح. وما أجمل وأعمق قول القديس بولس الرسول في هذا "لأن جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح، قد لبستم المسيح" (غل 3: 27) أي لبستم البر الذي في المسيح. كل هذا يقدمه لنا، لكي نستطيع أن نسلك في الصلاح. * وأيضًا لنسلك في الصلاح، جعلنا هياكل لروحه القدوس: وهكذا قال الكتاب "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم" (1كو 3: 16). تنال هذا بالمسحة المقدسة في سر الميرون. فيحل روح الله في داخلك. ويكرر الرسول نفس المعنى في نفس الرسالة فيقول "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله، وأنكم لستم لأنفسكم" (1كو 6: 19). هذا الروح القدس الذي فيك "يبكتك على خطية.. ويرشدك إلى جميع الحق" (يو 16: 8، 13). ويعلمك كل شيء، ويذكرنا بكل ما قاله الرب (يو 14: 26). وهكذا يساعدك على عمل الخير، ويقودك إلى حياة الصلاح. وماذا أيضًا. * أرسل الله لك نعمته، لكي تعينك على الخير والصلاح. وهذه النعمة ضمن البركة التي تختم بها الكنيسة كل اجتماع. فنقول "محبة الله الأب ونعمة ابنه الوحيد وشركة الروح، تكون مع جميعكم" (2كو 13: 14) ونلاحظ أن كثيرًا من رسائل القديس بولس الرسول تبدأ بهذه النعمة أو تنتهي بها. فيقول "نعمة لكم وسلام من الله أبينا.." (1كو 1: 3) في بداية رسالته الأولى إلى كورنثوس. ويختمها أيضًا بعبارة "نعمة الرب يسوع المسيح معكم" (1كو 16: 23).. وهكذا في باقي الرسائل. هذه النعمة لا تقودك فقط إلى صلاح نفسك، إنما تساعد أيضًا في الخدمة لأجل صلاح الآخرين. وهكذا يقول القديس بولس الرسول "ولكن بنعمة الله، أنا ما أنا. ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة. بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي" (1كو 15: 10). فلا تنس كل هذه الإمكانيات، وتقول طريق الصلاح صعب. حقًا إن الباب الموصل إلى الملكوت هو باب ضيق (مت 7: 14) "وبضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أع 14: 22). ولكن نعمة الله قادرة أن توصلنا إلى كمال الحياة مع الله. كما قال القديس بولس الرسول إلى رعاة كنيسة أفسس "والآن استودعكم يا أخوتي لله ولكلمة نعمته القادرة أن تبنيكم وتعطيكم ميراثا مع جميع القديسين" (أع 20: 32). * الرب يسوع المسيح نفسه معنا، يعيننا في طريقه. إنه يقول "ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" (مت 28: 20). ومادام يقول "بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (يو 15: 5). إذن اطلب منه القوة لكي تكون إنسانًا صالحًا. قل له "توبني فأتوب" (أر 31: 18). ألم يقل: اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم" (مت 7: 7). * أيضًا من أجل قيادتنا إلى الصلاح، أوجد الله فينا الضمير. الضمير صوت من الله فينا: يحكم ويشرع، يوبخ ويؤنب، ويقود إلى الخير، ويمنعنا من الخطأ. وإن استنار الضمير بالروح القدس الذي فيك، فإنه يكون مرشدًا قويًا إلى الصلاح، ورادعًا عن الشر. هذا إذا أطاع الإنسان ضميره.. ومن أجل الصلاح أيضًا، أعطانا الرب الوصايا. هذه التي يقول عنها داود النبي "وصية الرب مضيئة، تنير العينين عن بعد" (مز 19) "وَتُصَيِّر الجاهل حكيمًا"، وأيضًا "سراج لرجلي كلامك، ونور لسبيلي" (مز 119: 105). فالذي يحرص على أن يسلك في طريق الصلاح، عليه أن يتمسك بكلمة الله التي تهديه. كما قال الله ليشوع بن نون "لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك. بل تلهج فيها نهارًا وليلًا، لكي تتحفظ للعمل بكل ما هو مكتوب فيه. لأنك حينئذ تصلح طريقك، وحينئذ تفلح" (يش 1: 8). وهكذا يقول الرسول "لأن كل الكتاب موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر. لكي يكون إنسان الله كاملًا، متأهبًا لكل عمل صالح" (2 تي 3: 16، 17). * ومن أجل الصلاح، أرسل لنا الله الأنبياء والرعاة والمرشدين. أرسل، أعطاهم خدمة المصالحة لكي ينادوا أن اصطلحوا مع الله (2كو 5: 18، 20). وقال لنا "أطيعوا مرشديكم واخضعوا، لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم" (عب 13: 17). وأعطانا الله الآباء الروحيين، الرعاة والكهنة كل هؤلاء لقيادتنا إلى الصلاح.. * ومن أجل أن نشتاق إلى هذا الصلاح، قدم لنا وعودًا جميلة. "مَنْ يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة"، "أن يأكل من المن المخفي"، "مَنْ يغلب فسأعطيه اسمًا جديدًا"، "ويلبس ثيابًا بيضاء، ويجلس معي في عرشي، كما غلبت أنا وجلست مع أبي في عرشه" (رؤ 2، 3). وأيضًا وعدنا بما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر" (كو 2: 9). * فإن لم ينفع معنا كل ما ذكرناه، أوجد الله العقوبة. ذلك لأن هناك نوعًا من الناس لا يقودهم إلى الصلاح، إلا الخوف. على الأقل في بداية الطريق. كما قيل "بدء الحكمة مخافة الله" (أم 9: 10). وكما قال الرسول "ارحموا البعض مميزين. وخلصوا البعض بالخوف، مختطفين من النار.." (يه 22: 23). والعقوبة موجودة من بدء خلق الإنسان، منذ خطيئة آدم وحواء (تك 3). وله أمثلة كثيرة في العهد القديم. وفي العهد الجديد أيضًا مثلما حدث في خطية حنانيا وسفيرة الذي قيل بعد معاقبتهما "فصار خوف على جميع الكنيسة وعلى جميع الذين سمعوا بذلك" (أع 5: 11). مثل معاقبة بولس الرسول لخاطئ كورنثوس (1كو 5: 5). ليس انتقامًا وإنما "لكي تخلص الروح في يوم الرب". نشكر الله أنه لم يأخذنا، ونحن في ساعة غفلة، في خطايانا. وإنما سمح أن نحيا حتى هذه اللحظة، معطيًا لنا فرصة حتى نتوب ونسلك في حياة صالحة كما ينبغي، ولا نقع تحت دينونة.. هوذا الرسول يقول "لا دينونة على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد، بل حسب الروح" (رو 8: 1). والسلوك حسب الروح هو الصلاح. أما السلوك حسب الجسد فهو الفساد. ذلك يقول الرسول أيضًا: "الذي يزرعه الإنسان، إياه يحصد أيضًا. لأن من يزرع لجسده، فمن الجسد يحصد فسادًا. ومن يزرع للروح، فمن الروح يحصد حياة أبدية" (غل 6: 7، 8). هذا هو إذن ثمر الروح: صلاح هنا. وحياة أبدية في العالم الآخر. لأن ملكوت السموات لا يدخله إلا الصالحون. أورشليم السمائية لن يدخلها دنس ولا رجس (رؤ 21: 27). |
||||
04 - 04 - 2022, 06:52 PM | رقم المشاركة : ( 26 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث الإيمان: الذي يحيا حياة روحية، لابد أن يتصف بالإيمان.. فقد ورد في الكتاب أن من ثمر الروح: الإيمان (غل 5: 23). كما ذكر الإيمان أيضًا ضمن مواهب الروح القدس (1كو 12: 9). ولسنا نقصد هنا الإيمان بمعناه السطحي أو النظري. فالإيمان بمعناه الروحي يشمل الحياة كلها، كما سنرى.. هذا هو الإيمان العملي. أما الإيمان النظري، فيشبه إيمان الشياطين، كما قيل "أنت تؤمن أن الله واحد. حسنًا تفعل. والشياطين يؤمنون ويقشعرون" (يع 2: 19). يؤمنون بوجود الله، ويقاومونه. لهذا فإنهم يقشعرون منه.. هناك إيمان في العقيدة، وإيمان في ممارسات الحياة العملية.. أشخاص يظنون أنهم مؤمنون، لمجرد أنهم يتلون قانون الإيمان في الكنيسة. وقد تكون حياتهم بعيدة كل البعد عن الإيمان!!.. إنما الإيمان الحقيقي، هو الذي يظهر واضحًا في حياتنا العملية، في ممارستنا، في علاقاتنا بالله والناس.. هذا هو الإيمان العملي.. فالإنسان يظهر إيمانه في أعماله. كما يقول الكتاب "وأنا أريك بأعمالي إيماني" (يع 2: 18). ولذلك قيل في الكتاب أكثر مرة "الإيمان بدون أعمال ميت" (يع 2: 17، 20). المطلوب إذن هو الإيمان الحي المثمر: إن كان إيمانك حيًا، فلابد أن تظهر ثماره في حياتك. "لأن كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا، تقطع وتلقى في النار" (لو 3: 9). هكذا يقول الرسول "لا الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة، بل الإيمان العامل بالمحبة" (غل 5: 6). والمحبة عبارة عن برنامج روحي طويل، يضم فضائل عديدة ذكرها في (1كو 13). فكيف يظهر الإيمان وثمره في حياتنا العملية؟ هذا موضوع طويل، يدخل في تفاصيل تفاصيل حياتنا حتى يشمل حياتنا كلها. وكيف ذلك؟ هذا ما نود الآن شرحه، سواء من جهة مشاعر قلوبنا، أو من جهة علاقاتنا مع الله والناس. ولنضرب لذلك أمثلة: * إن كنت تؤمن أن الله كل مكان ويراك ويسمعك، لا يمكن أن تخطئ. لأنك سوف تستحي وتخجل من الله الذي يراك وأنت في حالة الخطية. بل تستحي أيضًا من الملائكة الذين يرونك ومن أرواح القديسين، كما تستحي أن تفعل الخطية أمام البشر الذين يرونك على الأرض.. فعدم خجلك يدل على أن إيمانك بوجود الله ورؤيته لك أثناء الخطية، هو إيمان ضعيف، أو غير موجود.. عكس ذلك يوسف الصديق الذي رفض أن يخطئ قائلًا: كيف أفعل هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟! (تك 39:9). * أيضًا الذي يؤمن بالله ورعايته وقوته العاملة، لا يخاف فالخوف هو دليل على ضعف الإيمان.. لذلك فإن بطرس الرسول، لما خاف من الأمواج ووقع في الماء قال له الرب "يا قليل الإيمان، لماذا شككت" (مت 14: 31). وجيحزي كان خائفًا من قوات العدو المحيطة بالمدينة. أما معلمنا أليشع النبي فكان يرى أجناد الرب التي تدافع عنها، لذلك صلى من أجله قائلًا "افتح يا رب عينى الغلام فيرى.." (2 مل 6: 17). نعم، بالإيمان يرى، وليس فقط بالعيان.. فيطمئن أن الذين معنا أكثر من الذين علينا. هذا الإيمان الذي لا يخاف، قال عنه داود النبي في مزمور الراعي "إن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًا، لأنك أنت معي" (مز 22 [23]). وقال في مزمور آخر "تقدمت فرأيت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني فلا أتزعزع" (مز 16: 8). نعم، إن آمنت أن الرب معك فلن تخاف. وإن آمنت أنه أمامك في كل حين وأنه عن يمينك، فلا تتزعزع. بل تقول مع المرتل "إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي. وإن قام عليَّ قتالٌ، ففي ذلك أنا مطمئن" (مز 27: 3). إن كثيرين -لعدم إيمانهم- ليسوا فقط يخافون، بل يصل بهم القلق والاضطراب إلى حد اليأس. * أما المؤمن فإنه يثق أن قوة الله معه، ويثق بقول الكتاب: "كل شيء مستطاع للمؤمن" (مر 8: 24). حقًا إن هذه عبارة عجيبة ومعزية. أننا نؤمن أن الله هو الذي "يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر" (أي 42: 1). أما إن كل شيء مستطاع للمؤمن، فهذا أمر عميق ومذهل، يعطينا فكرة عن قوة الإيمان وفاعليته، ويذكرنا بقول القديس بولس الرسول: "استطيع كل شيء، في المسيح الذي يقويني" (في 4: 13). إذن الإيمان هو قوة. وهو يقوى الإنسان باستمرار، فلا يخاف ولا يضطرب ولا يقلق ولا ييأس. ومصدر قوته هو الله الذي يقويه. لذلك يقول المرتل في المزمور "قوتي وتسبحتي هو الرب، وقد صار لي خلاصًا" (مز 117: 14). * ولهذا فإن الإيمان يصحبه السلام أيضًا: السلام الداخلى والسلام مع الله. وهكذا يقول الرسول "إذ قد تبررنا بالإيمان، لنا سلام مع الله" (رو 5: 1). لنا سلام مع الله، إذ نؤمن أن الرب قد حمل كل خطايانا على الصليب، وأننا "متبررون الآن بدمه"، "وقد صولحنا مع الله بموت ابنه" (رو 5: 9، 10). لأن "الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم" (2كو 5: 19). * وبهذا الإيمان وهذا السلام، يكون لنا الفرح. لذلك فالمؤمنون دائمًا فرحون، فرحون لأنهم يؤمنون برعاية الرب لهم، ولأنهم يؤمنون أن هذا الله الذي يرعاهم هو قادر على كل شيء، وأنه أب حنون: في احتياجهم يعطى، وفي توبتهم يغفر، وفي حمايتهم يقدر ويخلص.. حتى إن أصابتهم ضيقة، وبدأ من الخارج أنهم في كرب، يقولون مع الرسول "كحزانى ونحن دائمًا فرحون" (2كو 6: 10). وهكذا يقول الرسول لهؤلاء المؤمنين "افرحوا في الرب كل حين، أقول أيضًا افرحوا" (في 4: 4). ألا يبدو أن ثمار الروح مترابطة، الفرح والسلام والإيمان.. * إن الإيمان ضد الشك. فالمؤمن لا يشك. والشك يدل على ضعف الإيمان. والرب قد ربط بين الأمرين حينما قال للقديس بطرس "يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟!" (مت 14: 31). ما أكثر ما يقع البعض في الشك، لضعف إيمانهم!! قد يصلون، ويخيل إليهم أن الله لم يستجب صلاتهم، أو تباطأ في الاستجابة.. فيشكون. وقد يدركهم الشك في محبة الله وفي رحمته، إن وقعوا في ضيقة، أو في مرض أو في مشكلة أو مات أحد الذين يحبونه! وقد يقع إنسان في شك من جهة العقيدة، إن قرأ كتابًا أو مقالًا ضد الإيمان، وكان هو ضعيفًا في إيمانه! لذلك فالإيمان الحقيقي، هو إيمان ثابت لا يتزعزع. إيمان في كل وقت، وكل حين، مهما كانت الظروف، ومهما صادقة الضيقات أو المتاعب.. أنظروا ماذا يقول الرسول المختبر: "كونوا راسخين غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين، عالمين أن تعبكم ليس باطلًا في الرب" (1كو 15: 58). فلنتذكر هذه العبارة ونضعها أمامنا باستمرار: كونوا راسخين غير متزعزعين.. لا نؤمن فقط بالله، إنما بعمل الله فينا ومعنا. نؤمن أن الله دائمًا يعمل. وأنه يعمل معنا كأفراد وجماعات. يعمل الكنيسة ومع المجتمع ومع العالم كله. ويعمل لخيرنا. وفي ذلك نؤمن بيد الله في الأحداث. وأن "كل الأشياء تعمل معًا للخير، للذين يحبون الله" (رو 8: 28). وهذا الإيمان يمنحنا سلامًا واطمئنانًا. ومع ذلك، فالإيمان على درجات. ليست درجة الإيمان واحدة عند كل الناس. ولا درجة الإيمان واحدة عند نفس الشخص في كافة مراحل حياته فقد يقوى حينًا، ويضعف في حين آخر. وإيمان المبتدئين غير إيمان الكاملين. إن أب الرجل المصروع من الشيطان، لما سأله الرب عن إيمانه أجاب: "أؤمن يا سيد، أعِن عدم إيماني" (مر 9: 24). وهناك إيمان قوي يصنع المعجزات. وإيمان كامل قال عنه الرسول: إن كان لك كل لإيمان حتى تنقل الجبال.. (1كو 13: 2).. على أن الإيمان كأية فضيلة يمكن أن ينمو وأن يقوى.. إن بطرس الرسول الذي ضعف إيمانه أمام جارية أثناء محاكمة المسيح (مت 26: 70). عاد فقوى إيمانه بعد حلول الروح القدس. وقال بكل شجاعة "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 29). لقد عرف الرسول الإيمان بأنه الثقة بما يرجى، والإيقان بأمور لا ترى" (عب 11: 1). فنحن نؤمن بوجود الله، والله لا يرى ونؤمن أيضًا بوجود الأرواح وكلها كائنات لا ترى بعيوننا المجردة. وهذا هو الفرق بين الإيمان والعيان.. كذلك نحن نؤمن بالنعم غير المنظورة التي ننالها من خلال أسرار الكنيسة المقدسة، وكلها أمور لا ترى. ومع ذلك نحن نوقن بذلك كل الإيقان. على أن للإيمان علامات تظهره وتدل عليه. فالمؤمن إنسان بعيد عن الكبرياء والتعالي. الآن الذي بوجود الله، لا يستطيع أن يسلك في كبرياء أمام الله، بل يدرك يقينًا أنه مجرد تراب ورماد (تك 18: 27). ومن هنا كان خشوع المؤمن في صلاته. وكذلك ما في الصلاة من ركوع وسجود، وما يسميه القديسون "الزِّي الحسن في الصلاة" حيث يقف وكأنه أمام عمود من نار. وهكذا نقول في القداس الإلهي "قفوا بخوف أمام الله، وأنصتوا لسماع الإنجيل المقدس"، "اسجدوا لله بخوف ورعدة".. أما الذي يقف متخاذلًا متكاسلًا في صلاته، يلتفت أثناءها هنا وهناك، أو يسرح في أمور عديدة، فهذا يدل على أنه غير مؤمن أنه واقف أمام الله.. كذلك هناك فرق بين صلاة بإيمان، وصلاة بغير إيمان. المؤمن يثق تمامًا أن صلاته قد وصلت إلى الله، وأن الله قد سمعها وأنه سوف يستجيب. ويؤمن أن الله لابد سيعمل. وهكذا نرى أن داود النبي تبدأ بعض مزاميره بالطلب، بينما تنتهي بعبارات الاستجابة. فنراه مثلًا يختم المزمور السادس بعبارات يقول فيها "ابعدوا عنى يا جميع فاعلي الإثم. لأن الرب قد سمع صوتي بكائي. الرب سمع تضرعي. الرب لصلاتي قبل" (مز 6) نقط أخرى نقولها في علامات الإيمان ودلالاته: أنت تؤمن أن الله هو الحق، كما يقول "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6). فهل تؤمن بالحق ما دُمت تؤمن بالله؟ إن كنت تؤمن بالحق، لأنك تؤمن بالله الذي هو الحق، فهل تسلك في الحق، وهل تدافع عن الحق. إن السلوك في الباطل هو لون من ضعف الإيمان بالله لأن البعد عن الحق هو البعد عن الله. كذلك الذي يؤمن بأن الله هو النور (يو 8: 13). فهل تؤمن بالنور، أم تسلك في الظلمة؟! كيف في الظلمة بينما أنت تؤمن بالنور؟! والرب يقول "أنا هو نور العالم. من يتبعني، فلا يسلك في الظلمة" (يو 8: 13). كذلك إن كنت تؤمن بالأبدية، فلابد أن تستعد لها. وما دمت تستعد، فلا يمكن أن تشتهى الأمور التي في هذا العالم، لأن "محبة العالم عداوة لله" كما يقول الكتاب (يع 4: 4). "أن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الآب" (1يو 2: 15). إذن فالذي يسلك في محبة العالم وشهواته، ليس هو مؤمناَ بالحقيقة. وإلا كان متناقضًا مع نفسه. كذلك إن كنت تؤمن بأن جسدك هو هيكل الله، فهل من المعقول أن تنجسه وتدنسه؟! يقول الرسول "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم. إن كان أحد يفسد هيكل الله، فسيفسده الله، لأن هيكل الله مقدس، الذي هو أنتم" (1كو 3: 16، 17) ويقول أيضًا "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله، وأنكم لستم لأنفسكم" (1كو 6: 19). إذن فالذي يفسد جسده، لا يؤمن أن جسده هو هيكل الله. ولا يؤمن أن الروح القدس ساكن فيه. وبنفس المنطق مَنْ يفسد جسد مؤمنة هي أيضًا هيكل للروح القدس. من هنا نرى أن كلمة الإيمان لها معنى كبير واسع، يشمل الحياة كلها. لهذا يقول الرسول: "اختبروا أنفسكم هل أنت في الإيمان. امتحنوا أنفسكم" (2كو 13: 5). ومن الوسائل التي يختبر بها الإيمان الضيقة: فهناك أشخاص يضعف إيمانهم أو يضيع في الضيقة. بينما غيرهم يثبتون في الإيمان على الرغم من الضيقات. مثال ذلك القديسون الشهداء والمعترفون الذين تعرضوا لكل ألوان التعذيب ولكنهم ثبتوا في إيمانهم، وتعرضوا للإيذاء وللتهديد وظلوا ثابتين في إيمانهم. وكما يُخْتَبَر الإيمان في الضيقة، كذلك يُخْتَبَر بالشكوك. فالذين وضعوا أرجلهم في البحر الأحمر وعبروا، ما كان عندهم شك، بينما المياه والأمواج كانت تحيطهم من الجانبين (خر 14). الإيمان القوي ينتصر على كل الشكوك التي تحاربه. وهكذا فإن الكنيسة القوية اجتازت فترات الهرطقات الشديدة خلال القرنين الرابع والخامس للميلاد. فحرمت الهرطقات وخرجت منها بإيمان سليم. نرجو من الرب أن يثبتنا في الإيمان الذي ينبع من أرواح قوية، تنتصر في كل حروب الإيمان. |
||||
05 - 04 - 2022, 11:27 AM | رقم المشاركة : ( 27 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث تطويب الوداعة * ما أجمل الوداعة. إنها من ثمار الروح (غل 5: 23). وقد جعلها الرب في مقدمة التطويبات، فقال: "طوبى للودعاء، لأنهم يرثون الأرض" (مت 5: 5). وقد فسر بعض الآباء عبارة "يرثون الأرض" هنا، بأن المقصود بها أرض الأحياء، كما ورد في المزمور "وأنا أؤمن أن أعاين خيرات الرب في أرض الأحياء" (مز 27: 13).. كما أنه يمكن أن يضاف إلى ذلك أرضنا الحالية. لأن الشخص الوديع يكون غالبًا محبوبًا من الجميع على هذه الأرض أيضًا. فيكسب الأرض هنا، وأرض الأحياء هناك. * ومن أهمية الوداعة، أن الرب دعانا أن نتعلمها منه، فقال: "تعلموا منى، لأني وديع ومتواضع القلب" (مت 11: 29). كان يمكن أن يدعونا لأن نتعلم منه الكرازة والتعليم والخدمة، والحب، والرحمة، والحكمة في التصرف.. بل كل فضيلة كمال، إذ تتمثَّل فيه كل الكمالات والفضائل. ولكنه ركز على الوداعة والتواضع، وقال لمن يتعلمونها "فتجدون راحة لنفوسكم". ألا يدل هذا على أهمية خاصة للوداعة في حياة الناس..؟ ومن أهمية الوداعة، أن الكنيسة تضعها أمامنا في بدء صلوات النهار. فتضع أمامنا في بدء صلوات باكر، في مقدمتها قبل المزامير، جزءًا من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل أفسس، يقول فيها "أطلب إليكم أنا الأسير في الرب، أن تسلكوا كما يليق بالدعوة التي دُعيتم إليها: بكل تواضع القلب والوداعة وطول الأناة محتملين بعضكم بعضًا بالمحبة.." (أف 4: 1، 2). إذن هي في مقدمة السلوك الروحي المسيحي، ومن النصين السابقين نرى ارتباط الوداعة بالتواضع. * وقد اهتم الآباء الرسل بالحديث عن الوداعة في المعاملات: فقال القديس بولس الرسول "أيها الأخوة، إن انسبق إنسان فأخذ في زلة، فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة، ناظرًا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضًا.." (غل 6: 1) وقال القديس يعقوب الرسول "من هو حكيم وعالم بينكم، فلير أعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة.." (يع 3: 13). وشرح كيف أن هذه الوداعة الحكيمة تكون بعيدة عن التحريف والتشويش، وعن الغيرة المرة وكل أمر رديء. والقديس بطرس الرسول عندما تحدث عن الزينة، ذكر "زينة الروح الوديع الذي هو قدام الله كثير الثمن" (1بط 3: 4). وقال القديس بطرس أيضًا "مستعدين في كل حين، لإجابة كل من يسألكم عن سر الرجاء الذي فيكم، بوداعة وخوف" (1بط 3: 15) * وقد كانت الوداعة هي سمة المسيحيين منذ البدء. حتى أنه كما قيل عن تاريخ الكنيسة في العصر الرسولي في القرن الأول: إنه حينما كان أحد الوثنيين يقابل زميلًا له، ويجده وديعًا بشوشًا هادئًا، يقول له "لعلك قابلت مسيحيًا في الطريق". ويقصد بذلك إن لقاءه مع أحد المسيحيين في وداعته، كان بالتأثير يطبع الوداعة على وجهه. * ولعل من أهمية الوداعة، مدح الكتاب للودعاء: حيث يقال في المزامير "يسمع الودعاء فيفرحون" (مز 34: 2). وأيضًا "أما الودعاء فيرثون الأرض، ويتلذذون في كثرة السلامة" (مز 37:11). وقد قيل كذلك "الرب يرفع الودعاء، ويذل الخطاة إلى الأرض" (مز 147: 6) "يدرب الودعاء في الحق، ويعلم الودعاء طرقه" (مز25: 9). إن عرفنا كل هذا المديح للوداعة والودعاء، فليتنا نتأمل معًا: ما هي الوداعة؟؟ وما هي صفات الشخص الوديع |
||||
05 - 04 - 2022, 11:35 AM | رقم المشاركة : ( 28 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث صفات الوديع الإنسان الوديع هو الإنسان الطيب المسالم. وكثير من الناس يستخدمون صفة (الطيب) بدلًا من صفة (الوديع). وهو بهذا يكون إنسانًا هادئًا بعيدًا عن العنف. هو إنسان هادئ في كل شيء. الوديع هادئ في طبعه، هادئ الأعصاب، هادئ الألفاظ، هادئ الملامح،، هادئ الحركات. الهدوء يشمله كله داخليًا وخارجيًا. فهو هادئ في قلبه ومشاعره، وهو هادئ في تعامله مع الآخرين.. هو إنسان حليم. كما قيل عن موسى النبي "وكان الرجل موسى حليمًا جدًا، أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عد 12: 3). وهدوء الوديع يكون في صوته أيضًا. فهو يبعد عن الصوت العالي، وعن الصوت الحاد. لا يكون شديد الألفاظ ولا شديد اللهجة. وقد قيل عن إلهنا الوديع، حينما قابل إيليا النبي، أثناء هرب إيليا من الملكة الظالمة إيزابل: هبت عاصفة شديدة، ولم يكن الرب في العاصفة. ثم زلزلة، ولم يكن الرب في الزلزلة. ثم نار، ولم يكن الرب في النار. ثم إذا "صوت منخفض خفيف" (1 مل 19: 11-13)، وكان الرب يتكلم. فقال له "مالك ههنا يا إيليًا؟" هذا الصوت المنخفض الخفيف هو بعض ما يتصف به الوديع. * ولذلك قيل عن السيد المسيح في وداعته: "لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ، وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ" (مت 12: 19، 20). هكذا يكون الوديع، بعيدًا عن الصخب والضوضاء. لا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته.. حينما يتكلم يتصف كلامه بالهدوء واللطف، كأنما قد اختار كل ألفاظه، بكل دماثة وأدب. لا يجرح بها شعور أحد، مهما كانت صفته. حتى إن كان أمام "فتيلة مدخنة" لا يطفئها.. ربما تمر عليها ريح فتشعلها.. يعمل كل ذلك: لا عن ضعف، وإنما عن لطف. يذكرني هذا بقصيدة أنشدتها في الأرشيدياكون حبيب جرجس، في يوم الأربعين لوفاته سنة 1951 قلت فيها: يا قويا ليس في طبعه عنف.:. ووديعًا ليس في ذاته ضعف يا حكيمًا أدب الناس وفي.:. زجره حب، وفي صوته عطف لك أسلوب نزيه طاهر.:. ولسان أبيض الألفاظ عف لم تنل بالذم مخلوقًا ولم.:. تذكر السوء إذا ما حل وصف إنما بالحب والتشجيع قد.:. تصلح الأعوج، والأكدر يصفو الإنسان الوديع بعيد عن العنف وعن الغضب. هو إنسان هادئ، لا يثور ولا يثار. لا يغضب بسرعة ولا ببطء. ولا ينفعل الانفعالات الشديدة، ولا تغلبه النرفزة (العصبية)، لأنه باستمرار هادئ، في أعصابه وفي ملامحه، التي تتصف بالطيبة والبشاشة. إنه لا ينتقم لنفسه. ولا يحل مشاكله بالعنف. بل إن أساء أحد إليه، يقابل ذلك بالاحتمال والصبر. انظروا كيف قيل عن السيد المسيح أثناء محاكمته وقيادته للصلب: كشاة تساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها. فلم يفتح فاه" (أش 53: 7). وكما قال بولس الرسول عن نفسه وعن زملائه في الخدمة: نشتم فنبارك. نضطهد فنحتمل. يفترى علينا فنعظ" (1كو 4: 12، 13). الإنسان الوديع لا يقيم نفسه رقيبًا على الناس. لا يقيم نفسه قاضيًا، ولا يتدخل في أعمال غيره. لا يعطى نفسه سلطة مراقبة الآخرين والحكم على أعمالهم. لا يدين أحدًا، ولا يحكم على أحد. وإن اضطرته الضرورة إلى الحكم، لا يقسو في أحكامه. وقد يغلبه الحياء، فلا يرفع بصره ليملأ عينيه من وجه إنسان. لا يفحص ملامح شخص، ليحكم منها على مشاعره ماذا تكون.. أو ما مدى صدقه في كلامه. إن حورب بذلك يقول لنفسه "وأنا مالي. خليني في حالي". هو بطبيعته الوديعة لا يميل إلى فحص أعمال الناس. وإن تدخل في الإصلاح بهدوء ووداعة ورقة. حسبما قال الرسول ".. أصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا" (غل 6: 1). * وهكذا فعل السيد المسيح في وداعته مع المرأة السامرية (يو 4). لم يجرح شعورها بكلمة واحدة، ولم يبكتها. بل اجتذبها إلى الاعتراف في وداعة ولطف. ووجد فيها شيئًا يمتدحه "حسنًا قلت إنه ليس لك زوج.. هذا قلت بالصدق" (يو 4:17: 18). وبهذه الوداعة أمكنه أن يجتذبها إلى التوبة، وإلى الإيمان أنه المسيح، وتبشير أهل مدينتها بذلك" (يو 4: 29). وفي وداعة أيضًا تصرف مع المرأة الخاطئة المضبوطة في ذات الفعل. لم يبكتها. بل أنقذها من الذين أرادوا رجمها. فلما انصرفوا قال لها "أين هم أولئك المشتكون عليك؟ أما دانك أحد؟.. ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضًا" (يو 8: 10، 11). * وبنفس الوداعة عاتب بعد القيامة تلميذه بطرس. ذلك الذي أنكره ثلاث مرات، وحلف ولعن وقال لا أعرف الرجل (مت 26: 74).. فقال له الرب ثلاث مرات: أتحبني أكثر من هؤلاء؟.. ومعها ثلاث مرات ثبته في عمل الرعاية، بقوله له: ارع غنمي.. أرع خرافي" (يو 21: 15 –17). وبنفس الوداعة، قابل نيقوديموس ليلًا. ولم يوبخه على "خوفه من اليهود".. بل أتاه ليلًا حتى لا ينكشف أمره لهم.. وبهذه الوداعة التي تنازل بها إلى ضعفه.. اقتاده فيما بعد إلى أن يجاهر بالاشتراك في تكفين المسيح بعد صلبه. الإنسان الوديع سهل التعامل مع الناس. يستطيع كل شخص أن يأخذ معه ويعطي. إنه سهل في نقاشه وحواره. لا يحتد ولا يشتد. ولا يستاء من عبارة معينة يقولها محاوره. فيشعر المتناقش معه براحة مهما كان معارضًا له. يعرف أنه سوف لا يغضب عليه، وسوف لا يحاسبه على ما يقول. ولعل أفضل الأمثلة على ذلك: حوار الرب -في وداعته- مع إبراهيم، ومع موسى: * من فرط وداعته استطاع أبونا إبراهيم أن يناقشه في موضوع حرق سدوم، ويقول له "أديان الأرض كلها لا يصنع عدلًا؟ أتهلك البار مع الأثيم؟ عسى أن يكون في المدينة خمسون بارًا.. حاشًا لك أن تفعل مثل هذا الأمر: أن تميت البار مع الأثيم، فيكون البار كالأثيم حاشا لك" (تك 18: 23 – 25). ويصبر الرب على هذه العبارات، ولا يعاتبه. بل يقول له في وداعته "إن وجدت في سدوم خمسين بارًا، فإني أصفح عن المكان كله من أجلهم". ويستمر معه في الحوار حتى يصل العدد إلى عشرة. * وبنفس الوداعة، لما عبد الشعب العجل الذهبي وأراد الله أن يفنيهم، سمح لموسى أن يقول له: أرجع يا رب عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك.. لماذا يقولون أخرجهم بخبث (من أرض مصر) ليفنيهم في الجبال ويهلكهم؟" (خر 32: 11، 12). سمح الله لموسى أن يتكلم هكذا. وفي وداعة استجاب لطلبته ولم يفنهم. مَنْ منا يحتمل من أحد خدامه أن يقول له: ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر؟ ولكنه الله الوديع.. الإنسان الوديع حليم، واسع الصدر، طويل البال. كما وُصِفَ بذلك موسى النبي (عد 12: 3). حتى أنه حينما تَقَوَّلَت عليه أخته مريم ووبَّخها الله وعاتبها، تشفَّع فيها موسى وهو في موقف المُسَاء إليه منها "وصرخ إلى الرب قائلًا: اللهم اشفها" (عد 12: 13). ومن الأمثلة الجميلة أيضًا أن ما قيل عن سليمان الحكيم أن الرب منحه رحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر (1 مل 4: 29). والوديع إنسان بشوش، لا يعبس في وجه أحد. له ابتسامه حلوة محببة إلى الناس، وملامح سمحة مريحة لكل من يتأملها. لا تسمح له طبيعته الهادئة أن يزجر أو يوبخ أو يحتد ويشتد. أو أن يغير صوته في زجر إنسان. ومهما عومل، لا يتذمر ولا يتضجر ولا يشكو. بل غالبًا ما يتلمس العذر لغيره، يبرر في ذهن مسلكه، ولا يظن فيه سوءًا، وكأن شيئًا لم يحدث. فلا يتحدث عن إساءة الناس إليه. ولا يحزن بسبب ذلك في قلبه. فإن تأثر لذلك أو غضب، سرعان ما يزول ذلك، ولا يتحول حزنه أو غضبه إلى حقد.. بل سرعان ما يصفو.. الوديع يتميز بأنه بطئ الغضب. كما قال معلمنا الرسول "ليكن كل إنسان مسرعًا إلى الاستماع، مبطئًا في التكلم، مبطئًا في الغضب. لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله" (يع 1: 19). وما أكثر ما قيل عن إلهنا الوديع إنه "بطيء الغضب" (يون 4: 2)، وإنه "طويل الروح، وكثير الرحمة، (مز 103: 8). كذلك فإن الوديع، لا يغضب لأي سبب. إذا غضب الوديع، فاعرف أنه لا بُد من أمر خطير دعاه إلى ذلك. وغالبًا ما يكون غضبه لأجل الرب، ليس لأجل نفسه، أو بسبب كرامته أو حقوقه كما يفعل غير الودعاء. وإذا انفعل لا يشتعِل. والوديع إنسان مسالم، لا ينتقم لنفسه. لا يقاوم الشر، كما أمر الرب (مت 5: 39). أي لا يقابل الشر بمثله، وإنما هو كثير الاحتمال. لا يدافع عن نفسه، بل غالبًا ما يدافع عنه غيره موبخين من يسئ إليه بقولهم "ألم تجد سوى هذا الإنسان الطيب لتسئ إليه"؟! الإنسان الوديع لا يؤذى أحدًا، ويحتمل الأذى من المخطئين. وله سلام في داخله، فلا ينزعج ولا يضطرب. كل المشاكل الخارجية لا تعكر صفوه الداخلى، قال مارإسحق: "سهل عليك أن تحرك جبلًا من موضعه. وليس سهلًا عليك أن تثير إنسانًا وديعًا". وهو لا يصطنع الهدوء. إنما كما خارجه، هكذا داخله أيضًا. إنه كصخرة أو جندل في نهر. مهما صدمت الأمواج تلك الصخرة، تبقى كما هي لا تتزعزع. كثيرًا ما نرى الودعاء يصبرون ولا يدافعون عن حقوقهم. ومن أمثله ذلك داود النبي، الذي قيل عنه في المزمور "اذكر يا رب داود وكل دعته" (مز 132: 1).. لقد مسحه صموئيل النبي ملكًا (1صم 16: 13). ثم ذهب إلى الرامة، ولم يسلمه من الملك شيئًا! وبقى داود ملكًا بلا مملكة، وعاد يرعى الغنيمات القليلات في البرية. ثم اختير ليخدم الملك شاول الذي كان عليه روح نجس: يعزف له على العود لكي يهدأ.. ثم حسده شاول واضطهده اضطهادًا شديدًا. وكان يطارده من برية إلى أخرى لكي يقتله. كل ذلك وداود الوديع صابر ويحتمل. ولم يطالب خلال ذلك بحقوقه كملك ممسوح. ولم يتذمر. ولم يقل يومًا لصموئيل النبي: أين تلك المسحة التي مسحتني بها؟ وأين الملك الذي أعطيتني إياه.. وبقى على هذه الحال حوالي 15 سنة، حتى مات شاول. الوديع بعيد عن المجادلة والمحارنة. كما قال الكتاب "افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مُجادلة" (في 2: 14). يقصد بالمجادلة هنا: (المقاوحة في الكلام) أو المحارنة.. ذلك لأن الوديع لا يجاهد لكي يقيم كلمته، ولكن ينتصر في المناقشات. إنما يبدى رأيه ويثبته، وليقبله من يشاء متى يشاء، دون أن يدخل في صراع جدلي أو في حرب كلامية. فهذا ضد هدوئه. الوديع لا يوجد في تفكير خبث ولا دهاء ولا تعقيد. لا يقول شيئًا، وفي نيته شيء آخر. بل الذي في قلبه، على لسانه. وما يقوله لسانه، إنما يعبر عن حقيقة ما في قلبه. ليس عنده التواء. ولا يدبر خططًا في الخفاء. هو إنسان واضح، يتميز بالصراحة. يمكن لمن يتعامل معه أن يطمئن إليه. إنه بسيط لا حويط، ولا غويط.. إنه يمر على الحياة، كما يمر النسيم الهادئ على السطح الماء. لا يحدث في الأرض عاصفة ولا زوبعة، ولا يحدث في البحر أمواجًا ولا دوامات. ولا يحب أن يحيا في جو فيه زوابع ودومات. إن كل ذلك لا يتفق مع طبعه، ولا مع هدوئه، ولا مع لطفه. ولا مع أسلوبه في الحياة. لذلك فإن كل من يعاشره، يلتذ بعشرته. فهو طيب هادئ لا تصطدم بأحد، ولا يزاحم غيره في طريق الحياة. وإن صادف مشاكل، فإنه يمررها، ولا يدعها تمرره. هناك نوعان من الودعاء. أحدهما ولد هكذا. والثاني اكتسب الوداعة بجهاد وتداريب، وبعمل النعمة فيه. من النوع الأول، القديس بولس البسيط. ومن النوع الثاني: القديس موسى الأسود، الذي كان في بدء حياته قاسيًا وعنيفًا، بل قاتلًا أيضًا. وعندما أتى إلى الدير للتوبة، حافة الرهبان أولًا. ولكنه بدأ يدرب نفسه، حتى تحول إلى إنسان وديع طيب، محب للأخوة، خدومًا ومضيافًا. وصار مرشدًا لكثيرين. على أنه في حديثنا عن الوداعة، لا يفوتنا أن ننسى ما يعطلها. أحيانًا تقف ضدها الرئاسة والسلطة. فما أن يصير البعض رئيسًا، ويمارس الأمر والنهي، والتحقيق والمعاقبة، ومراقبة الآخرين وتصريف أمورهم. حتى يفقد وداعته، ويرى في الحزم والعزم والحسم، ما يبرر له العنف أحيانًا، ويفقده وداعته وبساطته. ولكن مغبوط هو الذي يحتفظ بالوداعة فيما يمارس عمل السلطة. كذلك مَنْ يكون عمله هو حِفْظ النظام. وقد يجد نفسه في بعض الأوقات أمام جماعة من المشاغبين، أو من الذين تمنعهم كبرياؤهم من الخضوع لأي نظام. كيف يسلك مع هؤلاء؟.. طبعًا هناك من يحفظ النظام في رِقَّة ولطف. وهناك من يستخدم العنف في حفظه. |
||||
17 - 04 - 2022, 07:49 AM | رقم المشاركة : ( 29 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
الوداعة هى الطيبة واللطف والهدوء ولكن المشكلة هى أن البعض قد يفهم الوداعة فهما خاطئاً وكأن الوديع يبقى بلا شخصية ولا فاعلية، وكأنه جثة هامدة لا تتحرك" بل قد يصبح مثل هذا الوديع هزأة يلهو بها الناس" ويتحول هذا ( الوديع )إلى إنسان خامل، لا يتدخل في شيء كلا، فهذا فهم خاطيء للوداعة، لا يتفق مع تعليم الكتاب، ولا مع سير الآباء والانبياء... حقاً إن الانسان الوديع هو شخص طيب وهادىء. ولكن هذه هى أنصاف الحقائق النصف الاخر من الحقيقة أن الوداعة لا تتعارض مع الشهامة والشجاعة والنخوة. وإنما لكل شىء تحت السموات وقت (جا 1:3 نعم، هكذا قال الكتاب وقال أيضاً. للغرس وقت، ولقلع المغروس وقت.. للسكوت وقت، وللتكلم وقت.." المهم أن يعرف الوديع كيف يتصرف ومتى؟ لقد سئل القديس الأنبا أنطونيوس عن أهم الفضائل: هل هى الصلاة.. الصوم، الصمت.. ألخ . فأجاب عن أهم فضيلة هى الأفراز. أى الحكمة فى التصرف. أو تمييز ما ينبغى أن يفعل فالطيبة هى الطبع السائد عند الوديع، ولكن عندما يدعوه الموقف إلى الشهامة أو الشجاعة أو الشهادة للحق. فلا يجوز له أن يمتنع عن ذلك بحجة التمسك بالوداعة لأنه لو فعل ذلك وامتنع عن التحرك نحو الموقف الشجاع لاتكون وداعته وداعة حقيقية، إنما تصير رخاوة فى الطبع وعدم فهم للوداعة . وعدم فهم للروحانية بصفة عامة فالروحانية ليست تمسكا بفضيلة واحدة تلغى معها باقى الفضائل. إنما الروحانية هى كل الفضائل معاً متجانسة ومتعاونة فى جو من التكامل وأمامنا مثلنا الأعلى السيد المسيح له المجد كان وديعا ومتواضع القلب (مت 29:11) قصبة مرضوضة لايقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفىء(مت 20:12).. ومع ذلك فإنه لما رأى اليهود قد دنسوا الهيكل وهم يبيعون فيه ويشترون.. أخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون فى الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسى باعة الحمام. وقال لهم مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص.(مت 21:12،13) (يو14:2-16) أكان ممكنا للسيد المسيح ? بأسم الوداعة ? أن يتركهم يجعلون بيت الاب بيت تجارة أم أنه مزج الوداعة بالغيرة المقدسة كما فعل؟ فتذكر تلاميذه أنه مكتوب غيرة بيتك أكلتنى(يو2:16،17)0 وكما قام المسيح الوديع بتطهير الهيكل هكذا وبخ الكتبة والفريسيين.. حقا لكل أمر تحت السموات وقت.. للهدوء وقت.. وللغيرة وقت.. للسكوت وقت.. وللتعليم وقت. وقد كان الكتبة والفريسيون يضلون الناس بتعليمهم الخاطىء. فكان على المعلم الأعظم أن يكشفهم للناس ولا يبقيهم جالسين على كرسى موسى فى المجتمع المسيحى الجديد. فقال لهم ويل أيها الكتبة والفريسيون المراءون لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون.(مت 13:23)0 هل كان ممكنا باسم الوداعة أن يتركهم يغلقون أبواب الملكوت.؟ الوداعة فضيلة عظيمة ولكننا نراها هنا ترتبط بالغيرة المقدسة وترتبط بالشهادة للحق. ومثالنا هو المسيح نفسه قول الله على لسان أرميا النبى فى العهد القديم طوفوا فى شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا فى ساحاتها: هل تجدون انساناً أو يوجد عامل بالعدل طالب الحق، فأصفح عنها.(أر 5:1) وقال الرب لتلاميذه،.. تكونوا لى شهودا، (اع 1:8) فهل الوداعة تمنع الشهادة للحق؟! حاشا. أمامنا بولس الرسول كمثال: نرى ذلك فى موقفه من القديس بطرس لما سلك فى الأكل مع الأمم مسلكا رآه بولس الرسول مسلكا ريائيا.. فقال القديس بولس فىذلك، قاومته مواجهة لأنه كان ملوماً..وقلت لبطرس قدام الجميع: إن كنت وأنت يهودى تعيش أممياً لا يهوديا. فلماذا تلزم الامم أن يتهودوا؟!(غل11:2-14)0 فعل هذا بولس الوديع الذى فى توبيخه لأهل كورنثوس قال لهم أطلب اليكم ? بوداعة المسيح وحلمه- أنا نفسى بولس الذى هو فى الحضرة ذليل بينكم وأما فى الغيبة فمتجاسر عليكم.(2كو1:10). هذا الوديع الذى يقف أمام أبنائه الروحيين كذليل فى حضرتهم معتبرا توبيخة لهم تجاسرا عليهم!!..هذا نفسه يرى وقت الضرورة أن يوبخ بطرس الرسول الذى هو أقدم منه فى الرسولية وأكبر منه سناً ولكنه هنا يمزج الوداعة بالشهادة للحق ففضيلة الوداعة لا يجوز لها أن تعطل الفضائل الاخرى، أمامنا مثل آخر هو إبرام (ابراهيم) أبو الآباء فى مزج الوداعة بالشهامة والنخوة لاشك أن أبا الآباء إبراهيم كان وديعا هذا الذى سجد لبنى حث حينما أخذ منهم أرضاً ليدفن فيها سارة. مع إنهم كانوا يبجلونه قائلين. أنت يا سيدى رئيس من الله بيننا فى أفضل قبورنا أدفن ميتك.(تك23:6،7). ومع ذلك سجد لهم إبراهيم الوديع هذا لما أخبروه بسبى لوط ضمن سبى سادوم فى حرب أربعة ملوك ضد خمسة، يقول الكتاب فلما سمع ابرام أن أخاه (لوط) قد سبى، جر غلمانه المتمرنين ولدان بيته ثلاثمائة وثمانية عشر: وتبعهم إلى دان... وكسرهم وتبعهم إلى حوبة.. واسترجع كل الأملاك. واسترجع لوط اخاه أيضاً واملاكه والنساء أيضاً والشعب.(تك14:14-16). أكانت شهامة ابراهيم ونخوته. ضد وداعته وطيبته؟! حاشا أمامنا مثل آخر فى امتزاج الوداعة بالشجاعة والقوة وهو الصبى داود، فى محاربته لجليات الجبار لاشك أن داود كان وديعا، يقول عنه المزمور..أذكر يا رب داود وكل دعته.(مز 1:132)... داود راعى الغنم الهادىء صاحب المزمار. الذى يحسن الضرب على العود (اصم16:16-22). داود المنظر، الأشقر مع حلاوة العينيين (اصم16:22). داود هذا لما ذهب إلى ميدان الحرب يتفقد سلامة إخوته، وسمع جليات الجبار يغير الجيش كله ويتحداه .والكل ساكت وخائف.. تملكته الغيرة المقدسة. وبكل شجاعة وقوة وإيمان قال، لا يسقط قلب أحد بسببه.(اصم17:31). وتطوع أن يذهب ليحاربه وتقدم نحوه وقال له اليوم حبسك الرب فى يدى..(اصم17:46) هنا الوداعة ممزوجة بالقوة والشجاعة والإيمان.. وعلى الرغم من قوة داود وشجاعته فلم تفارقه وداعته بل قال لشاول الملك فيما بعد لما طارده، وراء من خرج ملك اسرائيل؟ وراء من أنت مطارد؟ وراء كلب ميت! وراء برغوث واحد!! (اصم24:14)0 نضرب مثلا آخر للإنسان الوديع الذى يغضب غضبة مقدسة للرب وينهر ويوبخ... هو موسى النبى لا يستطيع أحد أن ينكر وداعة موسى النبى. هذا الذى قال عنه الكتاب وكان الرجل موسى حليماً جداً أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض(عد 12:3) فماذا فعل موسى الوديع لما نزل من الجبل ووجد الشعب فى رقص وغناء حول العجل الذهبى الذى صنعوه وعبدوه؟ يقول الكتاب، فحمى غضب موسى وطرح اللوحين (لوحى الشريعة) من يديه وكسرهما فى أسفل الجبل. ثم أخذ العجل الذى صنعوه واحرقه بالنار، وطحنه حتى صار ناعما، وذراه على وجه الماء..(خر 32:19،20). ووبخ موسى هارون أخاه رئيس الكهنة، حتى ارتبك أمامه هارون وخاف. وقال له لا يحم غضب سيدى. أنت تعرف الشعب أنه شر وقال فى خوفه وارتباكه عن الذهب الذى جمعه من الناس، طرحته فى النار فخرج هذا العجل!!(خر 32:22،24)0 إذن الوداعة لا تمنع قوة الشخصية ولا قوة التأثير، كان السيد المسيح وديعاً وفى نفس الوقت كان قوى الشخصية وكان قوياً فى تأثيره على غيره ولكننى أريد هنا أن أضرب مثلاً فى مستوى البشر وهو القديس بولس الرسول، بولس الذى شرحنا من قبل وداعته يقول سفر أعمال الرسل عن القديس بولس وهو أسير: وبينما كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون. إرتعب فيلكس (الوالى). وأجاب أما الآن فأذهب ومتى حصلت على وقت استدعيك،(أع24:24،25)0 ولما وقف بولس الرسول- وهو أسير أيضاً- أمام اغريباس الملك قال له أيضاً بعد أن ترافع أمامه أتؤمن أيها الملك اغريباس بالأنبياء؟ أنا أعلم إنك تؤمن ، فقال أغريباس لبولس: بقليل تقنعنى أن أصير مسيحياً(أع 26:27،28). وحينئذ فى قوة وعزة أجاب القديس بولس كنت أصلى إلى الله أنه بقليل وبكثير- ليس أنت فقط ? بل أيضاً جميع الذين يسمعوننى اليوم يصيرون هكذا كما أنا ماخلا هذه القيود (أع 26:29).. أترى تتعارص الوداعة مع هذه القوة؟! كلا بلا شك ووقت الضرورة، لاتتنافى الوداعة مع الدفاع عن الحق ويتضح هذا الامر من قصة بولس الرسول مع الأمير كلوديوس ليسياس. لما أمر أن يفحصوه بضربات ليعلم لاى سبب كان اليهود يصرخون عليه. يقول الكتاب مدوه بالسياط، قال بولس لقائد المئة الواقف أيجوز لكم أن تجلدوا رجلاً رومانياً غير مقضى عليه؟! وإذ سمع القائد هذا أخبر الامين، الذى جاء واستخبر من بولس عن الأمر وحينئذ تنحى عنه الذين كانوا مزمعين أن يجلدوه واختشى الأمير لما علم إنه رومانى(اع 22:24-29) ما كان القديس بولس الرسول يهرب من الجلد فهو الذى قال "من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة ألا واحدة (2كو11:24). لكنه هنا دافع عن حق معين واظهر للأمير خطأ كان مزمعاً أن يقع فيه وما كان هذا يتنافى مع وداعة القديس بولس وبنفس الوضع لما اراد فستوس الوالى أن يسلمه لليهود ليحاكم أمامهم وبهذا يقدم منه (أى جميلا) لهم فقال له بولس فى حزم- مدافعا عن حقه- أنا واقف لدى كرسى ولاية قيصر حيث ينبغى أن أحاكم أنا، لم أظلم اليهود بشىء.. فليس أ حد يستطيع أن يسلمنى لهم. إلى قيصر أنا رافع دعواى فأجابه الوالى. إلى قيصر رفعت دعواك إلى قيصر تذهب.(أع 25:9-12)0 لم يكم القديس بولس خائفا من اليهود ولكنه- فى حكمة- طلب هذا ليذهب إلى رومية ? حيث يوجد قيصر ? ويبشر هناك لأن الرب كان قد تراءى له قبل ذلك وقال له ثق يابولس لأنك كما شهدت بما لى فى أورشليم هكذا ينبغى أن تشهد فى رومية أيضاً(أع 23:11). وهكذا دافع عن حقه فى وداعة وحكمة ودون أن يخطىء فى شىء بل تكلم كلاماً قانونياً الوداعة لا تمنع من أن تنبه خاطئاً لكى تنقذه من خطأ أو من خطر كما قال يهوذا الرسول غير الاسخريوطى خلصوا البعض بالخوف، مختطفين من النار(يه23)0 هل إن رأيت صديقاً أو قريباً على وشك أن يتزوج زواجاً غير قانونى من قرابة ممنوعة أو بعد طلاق غير كنسى أو بتغيير المذهب والملة أو إنه مزعم أن يتزوج زواجاً مدنيا أو عرفياً... أو ماشاكل ذلك .. هل تمتنع باسم الوداعة عن تنبيهه إلى أن ما ينوى عمله هو وضع خاطىء؟! كلا بل إن من واجبك أن تنصحه.. ولكن بإسلوب هادىء تنبهه ولكن فى غير كبرياء وفى غير تجريح أما أن تسكت فإن سكوتك سيكون هو الوضع الخاطىء ليست الوداعة أن تعيش كجثة هامدة فى المجتمع بل تتحرك وتكون لك شخصيتك، إنما فى أسلوب وديع... ولو بكلمة واحدة كقول المعمدان لا يحل لك (مت 4:14)0 أمامنا أيضا مثال القديس بولس الرسول اسهروا متذكرين إنى ثلاث سنين ليلاً ونهاراً لم افتر عن أن انذر بدموع كل واحد،(اع 31:20) .. وداعته لم تمنعه من أن ينذر كل واحد، لكن أيلوبه الوديع، هو أنه كان ينذر بدموع حتى إن اضطر أن يقول كلمة شديدة لقد اعتاد الناس على عدم سماع كلمة شديدة من إنسان وديع فإن سمعوه يوما يقول كلمة شديدة سيدركون داخل انفسهم أنه لابد أن سببا شديداً قد ألجأه إلى هذا. ويكون للكلمة وقعها وتأثيرها فى أنفسهم هل تظنون أن الوديع قد أعفى من قول الرب لتلاميذه "أو تكونون لى شهوداً(أع 1:8). كلا بلا شك فحينما يلزم الأمر أن يشهد للحق لابد أن يفعل ذلك هل إذا أتيحت فرصة له لكى ينقذ شخصاً معتدى عليه ألا يفعل ذلك بأسم الوداعة؟ هل من المعقول أن يقول وما شأنى بذلك؟! أو يقول وأنا مالى خلينى فى حالى!! أم فى شهامة ينقذه وبإسلوب وديع؟! كما انقذ السيد المسيح من الرجم المرأة المضبوطة فى ذات الفعل وقال للراغبين فى رجمها من كان منكم بلا خطية فليرمها بأول حجر(يو7:8). وفعل ذلك بوداعة دون أن يعلن خطاياهم. بل كان يكتب على الأرض لعل البعض يسأل هنا : هل يمكن للوديع أن يدين أحد؟ وهل هناك أمثلة فى الكتاب لذلك؟ أمامنا السيد المسيح(الوديع المتواضع القلب) {مت 29:11} هذا الذى كان يقول لم يرسل الاب ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص العالم(يو3:17). وقد قال اليهود أنتم حسب الجسد تدينون أما أنا فلست ادين أحد (يو8:15) . ومع ذلك أكمل بعدها ، وأن كنت أنا أدين فدينونتى حق ، يسوع المسيح هذا الذى قال للمرأة المضبوطة فى ذات الفعل ولا أنا أدينك (يو8:11). هو فى مناسبات عديدة، أدان كثيرين.. مثلما أدان الكتبة والفريسيين (مت 23). وأدان كهنة اليهود(مت 21:13) قائلاً لهم، أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تصنع اثماره، وادان تلميذه بطرس لما أ خطأ وقال له من جهة الصليب حاشاك يارب (مت 16:23) كذلك فإن القديس بولس الرسول قال لتلميذه تيموثاوس، الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع لكى يكون عند الباقين خوف (اتى5:20), فإن قلت هذا هو المسيح يدين وذاك رسول وذاك أسقف أقول هناك مواقف يجد فيها الوديع نفسه مضطرا لآن يتكلم ولا يستطيع أن يصمت مثلما فعل اليهو فى قصة أيوب الصديق واصحابه كان هو الرابع من أصحاب أيوب وقد ظل صامتاً طوال 28 اصحاحا من النقاش بين أيوب الصديق وأصحابه الثلاثة إلى أن صمت هؤلاء إذ وجدوا أيوب باراً فى عينى نفسه (أى 32:1) وحينئذ يقول الكتاب، فحمى غضب اليهو بن برخئيل البوزى من عشيرة رام على أيوب حمى غضبه لأنه حسب نفسه أبر من الله وعلى اصحابه الثلاثة حمى غضبه لأنهم لم يجدوا كلاماً واستذنبوا أيوب.(أى32:2،3). كان اليهو انسانا وديعا ظل صامتاً مدة طويلة فى نقاش بين اشخاص، أكثر منه أياماً ولكنه أخيراً لم يستطيع أن يصمت ورأى أنه لابد من كلمة حق ينبغى أن تقال فقال لهم أنا صغير فى الأيام وأنتم شيوخ لأجل ذلك خفت وخشيت أن أبدى لكم رأيى قلت الأيام تتكلم وكثرة السنين تظهر حكمة ولما لم يجد فيهم حكمة تكلم ووبخ أيوب . وكانت كلمة الله على فمه وهو الوحيد ألذى لم يجادله أيوب (أى32إلى37)0 هناك أشخاص من حقهم ? بل من واجبهم- أن يدينوا ولا تتعارض ادانتهم مع الوداعة مثل الوالدين، والآب الروحى والمدرس بالنسبة إلى التلاميذ، والرئيس بالنسبة لأى مرؤوسيه.. إن عالى الكاهن أدانه الله لأنه لم يحسن تربية أولاده ويدينهم(أصم3)0 هوذا الكتاب يقول لا تخالطوا الزناه،(اكو6:9). فهل تقول أنا لا أدين هؤلاء، إن عدم مخالطتهم وعدم مخالطة مجموعات أخرى من الخطاة (كو6:11). تحمل ضمنا ادانتهم كذلك بالنسبة إلى المنحرفين فى التعليم الدينى يقول الرسول إن كان أحد يأتيكم ولا يجىء بهذا التعليم فلا تقبلوه فى البيت ولا تقولوا له سلام لان من يسلم عليه يشترك فى أعماله الشريرة (2يو10،11). فهل باسم الوداعة تقبل هؤلاء؟ قال الرسول خطايا بعض الناس واضحة تتقدم إلى القضاء (اتى5:24). أنت لا تدينهم. وأنت بكل وداعة تبتعد عنهم فقال لهم " ويل أيها الكتبة والفريسيون المراؤن لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس. فلا تدخلون أنتم، ولا تدعون الداخلين يدخلون.(مت 23:13) |
||||
24 - 05 - 2022, 12:15 PM | رقم المشاركة : ( 30 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث عفة القلب وعفة الفكر هذه العفة الداخلية، يبنى عليها كل تعفف من الخارج. وفي هذا قال الكتاب "فوق كل تحفظ احفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة" (أم 4: 23). عفة القلب هي عفة المشاعر والعواطف والأحاسيس، وعفة المقاصد والنيات والرغبات.. ومن عِفة القلب تصدر عفة الفكر، وعفة اللسان، كما تصدر أيضًا عفة الحواس. فكلها خارجة من مصدر واحد. لذلك إن وجدت فكرك قد بدأ يسير في مجرى غير عفيف، أسرع وقاومه، وأوقفه قبل أن يتطور إلى أجهزتك الآخرى. وهكذا يعبر الفكر عن ذاته، عن طريق اللسان أو الحواس أو العمل. عفة الفكر والقلب تتعلق أيضًا بعفة العقل الباطن. فالعقل الباطن يعمل عن طريق المخزون فيه من أفكار، ومن رغبات وصور ومشاعر.. فإن كان المخزون في العقل الباطن غير عفيف، حينئذ يظهر ذلك في أحلام غير عفيفة، وفي ظنون وأفكار من نفس النوع. مثلمًا قيل في سفر التكوين عن الشجر الذي ينتج بذرًا كجنسه (تك 1: 11، 12). فليحرص كل إنسان إذن على عفة قلبه وفكره، بما يدخل فيهما من روحيات، ومن محبة للخير وللعفة، حتى يصبحان مصدرًا لكل من عفة اللسان، وعفة الحواس وعفة الجسد |
||||
|