30 - 06 - 2016, 04:50 PM | رقم المشاركة : ( 21 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الاعلان والتفسير
يعتقد أوغسطين أن الأنبياء تكلَّموا على الكنيسة بشكل أوضح من كلامهم عن المسيح أي ماسّيا (في المزمور 30، 2 و ennaratio 2، مجموعة الآباء اللاتين مين 36، 244). كان هذا بمعنى من المعاني أمراً طبيعياً، لأن الكنيسة كانت موجودة بادئ ذي بدء. فإسرائيل، شعب الله المختار وشعب الميثاق، كان كنيسة أكثر منه أمَّة “كالأمم” الأخرى. في الكتاب -وفيما بعد- استعملت اللفظتان ta ethne وgentes (الأمم) لتصفا الأمميين أو الوثنيين، بخلاف الشعب الواحد (أو الأمة) الذي كان أيضاً وأساساً كنيسة الله. إن الشريعة أُعطيت لإسرائيل بوصفه كنيسة كي تشمل الحياة “الروحية” “والزمنية” للشعب، لأن الوصايا الإلهية تضبط الوجود الإنساني كله وتنظِّمه. وبذلك يكون تقسيم الحياة بين ما هو “روحي” وما هو “زمني” تقسيماً لا أساس له. كان إسرائيل جماعة مؤمنين أقامها الله، متَّحدة بالشريعة الإلهية والإيمان الحقيقي والطقوس المقدسة والسلطة الكهنوتية. هنا نجد كلّ عناصر التحديد التقليدي للكنيسة. لكنَّ التدبير القديم وجد كماله في التدبير الجديد، عندما أقام الله عهداً جديداً ورفض إسرائيل القديم لقلة إيمانه. وهذا ما جعله يخسر يوم الرب أو يوم الافتقاد. وأتت كنيسة المسيح لتكون الاستمرار الحقيقي الأوحد للعهد الذي أقامه الله قديماً. (فلنتذكر أن لفظتي “الكنيسة” و”المسيح” هما من أصل عبري. “الكنيسة” هي qahal و”المسيح” يعني Messiah). فهي إسرائيل الحقيقي بحسب الروح (Kata Pneuma). وبهذا المعنى رفض القديس يوستينوس رفضاً قاطعاً الفكرة التي تقول إن العهد القديم هو صلة الوصل بين الكنيسة والمجمع اليهودي. فالعكس هو الصحيح في نظره، ولذلك يجب أن نرفض الإدِّعاءات اليهودية من أساسها، لأن عدم إيمانهم بيسوع المسيح جعل العهد القديم لا ينتمي إليهم، وجعله ملك الكنيسة وحدها. فلا يحق لأي شخص بعد أن يدَّعي الانتماء إلى موسى أو الأنبياء، إذا لم يكن أولاً مع يسوع المسيح. فالكنيسة هي إسرائيل الجديد والوارث الأوحد للوعود القديمة. في هذا الكلام العنيف الذي صرَّح به هذا المدافع المسيحي القديم نجد مبدأً تفسيرياً ذا أهمية بالغة وهو أننا يجب أن نقرأ العهد القديم ونفسِّره بكونه كتاب الكنيسة وربما يجب أن نضيف إلى هذا فنقول أنه كتاب عن الكنيسة. |
||||
30 - 06 - 2016, 04:51 PM | رقم المشاركة : ( 22 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الاعلان والتفسير
اتُّخذ الحق بدلاً من الشريعة، لأنها وجدت فيه كمالها. ولهذا أٌبطلت الشريعة ولم يبقَ حفظها واجباً على المهتدين حديثاً. فإسرائيل الجديد كان له دستوره الخاص. وصار هذا الجزء من العهد القديم وكأنه مهجور، لأنه يرتبط أساساً بالوضع التاريخي -لكن لا بمعنى النسبية التاريخية العامة، بمقدار ما هو بمعنى التدخل الإلهي والعناية الإلهية. فالرب أوجد الوضع الافتدائي الجديد ودشَّنه، فهو أوْجَدَ وضعاً جديداً في المنظور المقدّس للخلاص. كلّ ما انتمى إلى الحالة السابقة فَقَدَ معناه، وإذا ما احتفظ بهذا المعنى فكسابق تصوّر فقط. حتى إننا لا نستثني الوصايا العشر من هذه القاعدة لأن “الوصية الجديدة” قد نسختها. والآن يجب أن نستخدم العهد القديم من خلال علاقته بالكنيسة فقط. ففي التبرير القديم اقتصرت الكنيسة على أمَّة واحدة. أمَّا في التدبير الجديد فأُبطلت الفوارق القومية وزال التفريق بين اليوناني واليهودي وصار الجميع واحداً في المسيح الواحد. وبكلام آخر، لا يجوز أن نُبعد بعض أجزاء العهد القديم التي تتعلَّق بحياة الكنيسة، ولكن لا يحق لنا في الوقت ذاته أن نجعل منها نماذج كتابية لحياة الشعوب الزمنية. فإسرائيل القديم كان كنيسة مؤقتة، لكنه لم يكن نموذجاً للأمم. طبعاً، إننا نقدر أن نتعلَّم الشيء الكثير من الكتاب المقدس عن العدالة الاجتماعية التي كانت جزءاً من رسالة الملكوت الآتي، وعن التنظيم السياسي والاجتماعي والاقتصادي عند اليهود عبر العصور. وقد تكون هذه الأمور عوناً لنا في مناقشاتنا الاجتماعية.
|
||||
30 - 06 - 2016, 04:51 PM | رقم المشاركة : ( 23 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الاعلان والتفسير
لكن لا يجوز أن نجد في الكتاب المقدس وخاصة العهد القديم نموذجاً مثالياً ودائماً للتنظيم السياسي والاقتصادي في عصرنا هذا أو في أي عصر آخر. ولعلَّنا نتعلَّم أموراً كثيرة من التاريخ العبري، لكنها تبقى درساً تاريخياً، وليس درساً لاهوتياً، لأن الكتاب ليس مرجعاً للعلم الاجتماعي أو العلم الفلكي. فالدرس الاجتماعي الأوحد الذي نأخذه منه هو حقيقة الكنيسة التي هي جسد المسيح. لذلك لن نقول إن الاستناد إلى الكتاب في الأمور “الدنيوية” هو “شاهد كتابيّ”، لأن “الشواهد الكتابية” هي في الأمور اللاهوتية فقط. هذا لا يعني عدم وجود توجيهات وإرشادات في الكتاب، لأن بحثاً من هذا النوع لا يمكن أن يُعتبر “استعمالاً لاهوتياً للكتاب المقدس. ولعلَّ أمثولات التاريخي العبري القديم لا تفوق أمثولات الشعوب الأخرى. إذن، يجب أن نميِّز بكثير من الانتباه، الوقتي (المرتبط بحالة معيَّنة) عن الدائم في الميثاق القديم (وعلينا قبل كل شيء أن نتجاوز حدوده القومية)، وإلاَّ فإننا نقع في خطر إغفال ما هو جديد في الميثاق الجديد. وعلينا في العهد الجديد أن نميِّز بوضوح الوجهين التاريخي والنبوي، لأن موضوع الكتاب الرئيسي هو المسيح وكنيسته، وليس الأمم والمجتمعات ولا السماء والأرض. كان إسرائيل القديم رمزاً للجديد الذي هو الكنيسة الجامعة، وليس رمزاً لأي أمة معيَّنة. فشمولية الخلاص ألغت الإطار القومي لكنيسة العهد القديم. وصارت هناك بعد المسيح “أمة” واحدة، الأمة المسيحية (genus christianum) – وبتعبير قديم “أمة ثالثة” (tertium genus) – أي الكنيسة شعب الله الأوحد. وكل وصف قومي آخر لن يجد ضمانة كتابية له. فالفروقات القومية تنتمي إلى نظام الطبيعة، لكنها لا تتعلق بنظام النعمة.
|
||||
30 - 06 - 2016, 04:52 PM | رقم المشاركة : ( 24 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الاعلان والتفسير
الكتاب المقدس كامل وتام، لكنَّ التاريخ المقدس لم يكتمل بعد. فقانون الكتاب يحوي سفر الرؤيا النبوي، وهذا دليل على أن هناك ملكوتاً سيأتي واكتمالاً سيتحقَّق. ففي العهد الجديد إذاً نبوءات، كما في العهد القديم، بل إن كيان الكنيسة كلَّه نبوي بمعنى من المعاني، لكنَّ للمستقبل معنى مختلفاً “بعد مولد المسيح” (post Christum natum). إن التوتر بين الحاضر والمستقبل يأخذ في كنيسة المسيح معنى وصفة غير اللذين اتخذهما في التدبير القديم لأن المسيح لا ينتمي إلى المستقبل فقط، بل إلى الماضي أيضاً وبالتالي إلى الحاضر. هذا المنظور الانقضائي له أهمية بالغة لفهم الكتاب بشكل صحيح. بل يجب أن نفحص كل “مبادئ” التفسير و”قوانيه” من خلا هذا المنظور. لكن علينا أن نتجنَّب خطرين كبيرين: أولاً: إننا لا نقدر أن نقول بوجود تشابه دقيق بين العهدين، لأن “الوضع الميثاقي” الجديد يختلف جذرياً عن القديم، فصلة الواحد بالآخر كصلة “الصورة” بـ “الحقيقة”. والفكرة التي تسود الشرح الكتابي عند الآباء تدور حول كون كلمة الله تكشف عن نفسها باستمرار وبمختلف الوسائل في العهد القديم بمجمله. لكن يجب ألاَّ نضع هذه الظهورات الإلهية (theophanies) على مستوى تجسد الكلمة وحجمه، خوفاً من أن يتحوَّل حدث الخلاص العظيم إلى ظل استعاري. “فالرمز” ليس سوى “ظل” أو صورة. ففي العهد الجديد نجد الفعل نفسه، لأنه أكثر من “صورة” عن الملكوت الآتي. فهو في جوهره حقل للإنجازات الإلهية. |
||||
30 - 06 - 2016, 04:52 PM | رقم المشاركة : ( 25 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الاعلان والتفسير
ثانياً: من السابق لأوانه أن نتحدَّث عن “الانقضائية المحقَّقة” (realized eschatology). فالانقضاء (eschaton) لم يأت بعد والتاريخ المقدَّس لم ينته إلى الآن. لذلك نفضِّل عبارة “الانقضائية المدشَّنة” (inaugurated eschatology)، لأنها تصف بكل دقة تحليل الكتاب المقدس، ألا وهو أن الحدث الحاسم في الإعلان الإلهي وقع في الماضي. “الحاسم” (أو “الجديد”) قد دخل التاريخ، وإن كانت المرحلة الأخيرة لم تحدث. في العهد الجديد ما عدنا في عالم الرموز، بل في عالم الحقيقة، ولكن تحت علامة الصليب. الملكوت دُشِّن، لكنه لم يتحقق كلياً. إن قانون الكتاب الثابت نفسه يرمز إلى إنجاز. فالكتاب المقدس أُغلق، لأن كلمة الله تجسَّد، وأصبح مرجعنا شخصاً حيّاً وليس كتاباً. مع هذا يحتفظ الكتاب المقدس بسلطانه ليس فقط كمصنَّف عن الأحداث الماضية، بل كمؤلف نبوي مليء بالإشارات إلى المستقبل والنهاية. ما زال تاريخ الفداء مستمراً حتى يومنا الحاضر، لأنه تاريخ الكنيسة التي هي جسد المسيح. والروح-المعزِّي يقيم فيها دائماً. لكننا لا نقدر أن نجد منهجاً كاملاً للإيمان المسيحي، لأن الكنيسة مازالت في محجتها. أمَّا الكتاب فقد احتفظت به الكنيسة كمصنَّف تاريخي يذكِّر المؤمنين بطبيعة الإعلان الإلهي الفاعل “مرَّات كثيرة وبمختلف الوسائل” (عبر 1: 1). كُتب هذا المقال عام 1951 الأب جورج فلوروفسكي من كتاب :الكتاب المقدس والكنيسة والتقليد |
||||
30 - 06 - 2016, 05:31 PM | رقم المشاركة : ( 26 ) | ||||
..::| الإدارة العامة |::..
|
رد: الاعلان والتفسير
ميرسي على مشاركتك الجميلة مارى
|
||||
01 - 07 - 2016, 02:25 PM | رقم المشاركة : ( 27 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الاعلان والتفسير
شكرا على المرور
|
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الخدمة في ثلاث كلمات والتفسير في سفر الأعمال |
مزمور 53 - الإطار العام والتفسير |
مزمور 53 - الإطار العام والتفسير |
جورج هيغل والتفسير الديالكتيكي الثلاثي |
مامعنى ان البشر ابناء لله والتفسير |