18 - 04 - 2013, 06:36 PM | رقم المشاركة : ( 2981 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كيف تعامل السيد المسيح مع الخوّاف؟ كيف تعامل السيد المسيح مع المختلفين معه؟ دراسة في انجيل متى }عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد{(1تي 3 : 16)، }و الكلمة صار جسدا و حل بيننا و راينا مجده مجدا كما لوحيد من الاب مملوءا نعمة و حقا{(يو 1 : 14)، وشابهنا في كل شيء}لكنه اخلى نفسه اخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس{(في 2 : 7). وتعامل وتواصل مع شخصيات عديدة، منها من كان ذا وجهة نظر مغايرة، او كان ذا قلب غير مستقيم، أو طبع شرير أو متهور او حسود أو مجرِّب ...الخ. في الواقع، كل منا، خلال احداث حياته اليومية، عاش ويعيش هذه اللقاءات مع المختلفين عنه! لنترك للمسيح نفسه فرصة تدريبنا على حسنالتعامل مع الآخر ولا سيما المختلف}قال واحد من تلاميذه يا رب علمنا{(لو 11 : 1) الحلقة السادسة(6)كيف تعامل السيد المسيح مع الخوّاف؟ مت 8: 23- 27 }23وَرَكِبَ السَّفينةَ فَتَبِعَه تَلاميذُه. 24وإِذا البَحرُ قَدِ اضطَرَبَ اضْطِراباً شَديداً حتى كادَتِ الأَمْواجُ تَغمُرُ السَّفينَة. وأَمَّا هوَ فكانَ نائماً. 25فَدنَوا مِنه وأَيقَظوهُ وقالوا لَه: يا رَبّ، نجِّنا، لَقَد هَلَكنا 26فقالَ لَهم: مالَكم خائفين، يا قَليلي الإيمان؟ ثُمَّ قامَ فَزَجَرَ الرَّياحَ والبَحر، فَحَدَثَ هُدوءٌ تامّ. 27فتَعَجَّبَ النَّاسُ وقالوا: مَن هذا حتَّى تُطيعَه الرِّياحُ والبَحر؟{.يرمز البحر الهائج إلى العالم، وترمز الأمواجوالريح العاصفة إلى المخاطروالتحديات التي تواجه الإنسان الذي يخوض البحر العالم مجتازا نحو الأبدية. ترمز السفينة بشكل عام إلى الكنيسة وبشكل خاص إلى النفسالبشرية التي تواجه مخاوفمنالداخل وصعوبات وتحديات تأتي منالخارج. أين ذهبت الثقة في الله ؟ إنه تذهب وتتلاشى متى أعتمد الإنسان على قلبه لا على قدرة الله والثقة فيه }فجاهل الإنسان الذي يعتمد على قلبه{( أمثال 28 : 26 ) أو متى أعتمد على برّه الخاص :9وضرَبَ أَيضاً هذا المَثَلَ لِقَومٍ كانوا مُتَيَقِّنينَ أّنَّهم أَبرار، ويَحتَقِرونَ سائرَ النَّاس: 10 }صَعِدَ رَجُلانِ إِلى الهَيكَلِ لِيُصَلِّيا، أَحَدُهما فِرِّيسيّ والآخَرُ جابٍ. 11فانتَصَبَ الفِرِّيسيُّ قائِماً يُصَلَّي فيَقولُ في نَفْسِه: الَّلهُمَّ، شُكراً لَكَ لِأَنِّي لَستُ كَسائِرِ النَّاسِ السَّرَّاقينَ الظَّالمِينَ الفاسقِين، ولا مِثْلَ هذا الجابي. 12إِنَّي أَصومُ مَرَّتَيْنِ في الأُسبوع، وأُؤَدِّي عُشْرَ كُلِّ ما أَقتَني. 13أَمَّا الجابي فوَقَفَ بَعيداً لا يُريدُ ولا أَن يَرَفعَ عَينَيهِ نَحوَ السَّماء، بل كانَ يَقرَعُ صَدرَه ويقول: الَّلهُمَّ ارْحَمْني أَنا الخاطئ ! 14أَقولُ لَكم إِنَّ هذا نَزَلَ إِلى بَيتِه مَبروراً وأَمَّا ذاكَ فلا. فكُلُّ مَن رَفَعَ نَفْسَه وُضِع، ومَن وَضَعَ نَفْسَهُ رُفِع{( لو 18 : 9 – 14 ) إن الثقة بالمسيح هي إعتراف بقدرته كخالق وبرحمته}6 وأَنا توكَّلتُ على رَحمَتِكَ ويَبتَهجُ قَلبي بِخَلاصِكَ.{(مز 13: 6)، و تتطلب الثقة تواضعاً ، لايتجاهل شر العالم " الأمواج والعواصف " ولا يتناسى التوبة الشخصية ( لأننا خطأه )}فطوبى لِجَميعِ الَّذينَ بِه يَعتَصِمون. {(مز 2: 12). . .. ومن هنا يتضح ان الثقة والتواضع هما وجهان لعملة واحدة، بهما يستعيد الإنسان سلطانه على الخليقة، ويرسخ إيمانه بالله لمواجهة أصعب المشكلات وأكبر التحديات وهنا نتذكر شخصية مؤمنة مثل سوسنة، دون حماية وفي خطر مميت، كان قلبهاملآن ثقة بالله }35 فرَفَعَت عَينَيها إِلى السَّماءِ وهي باكِيَة، لِأَنَّ قَلبَها كانَ مُتَّكِلاً على الرَّبّ.{(دانيال 13: 35). هل نختبر في حياتنا مثل ما اختبر المسيح في هذا الموقف ؟ كم من مرة أختبرت فيها: W شك الأحباء في حبك W عدم ثقة الأصدقاء فيك! W اقتناعهم بعدم فاعلية حضورك بينهم؟ W تجاهل الرفاق لقدراتك! W تناسي الأقرباء لك في بداية الأزمة واللجؤ إليك عند تضخمها؟ W تصديق الشخص خائف لما يشعر به ؟ W إيمان بقوة الشر W حتمية الهلاك (لقد هلكنا)؟ W إن من حولك مازالوا لم يفهموك ؟ إن كنت قد عشت هذه كلها او بعضها، كيف تصرفت إزاءهم؟ لنترك للمسيح الفرصة كي يفتح أذهاننا، ويفهمنا كيف نتعامل مع الخواف قليل الثقة؟ السيد المسيح كان نائم : علامة إطمئنان ( فمن المعروف أن الخائف لا يستطيع النوم) أندهش!! كيف لم يستيقظ المسيح وحوله كل ضجيج البحر والريح وصراخ التلاميذ؟ إنه ، له كل المجد يريد ان يعلمنا أن نعطي الفرصة للآخر لمواجهة صعوبات حياته، فبعد قليل سيواجهون البحر الأصعب ( العالم) وسيرحبون بالموت (شهداء) ، لنعط الفرصة للقريب كي يختبر قدرته على مواجهة التحديات لينو ، ايضا ليختبر إيمانه وثقته بالله!! أول ما قاله لهم المسيح له المجد}يا قليلي الإيمان{ إنه يعلمنا كيف ندخل إلى عمق المشكلة لا ظاهرها . ثم قال لماذا خفتم ؟ إن قلة الإيمان والخوف مصدره. أمام صوت الريح المخيف وهجمات الأمواج على القارب ، هربت الثقة من قلوب التلاميذ!! شل الخوف تفكيرهم ، وأضعفت قوة الشر إيمانهم!! فخافوا من المخلوقات وبينهم الخالق، قدموا قلوبهم ذبيحة للخوف ولم ينتبهوا إلى ملك السلام الذي معهم. خافوا الموت و رب الحياة بينهم! خارت عزائمهم أمام البحر وجبروته ، وباري السماء والأرض }3 إِنَّ إِلهَنا في السَّماء صَنعً كُلَّ ما شاء{( مز 115: 3 ) الذي سبق فأعطى للإنسان أن يخضع كل المخلوقات ويتسلّط عليها وبارَكَهمُ اللهُ وقالَ لهم: }اِنْموا واَكْثُروا وأمْلأُوا الأَرضَ وأَخضِعوها وَتَسَلَّطوا على أَسْماكِ البَحرِ وطُيورِ السَّماءِ وَكُلِّ حَيَوانٍ يَدِبُّ على الأَرض{.( تك1:28 ). 1. الرب يدربنا على السماح للآخر بتنمية قدرته على مواجهة الأزمات ، 2. الرب يرشدنا الى من نذهب وقت بدء العواصف وبمن نحتمي، 3. الرب يعلمنا كيف نطرد الخوف خارجا فهو سبب ضعف الإيمان، 4. الرب يحررنا من الخوف و الشر. الرب يؤكد أنه حاضر معنا دوما حتى وإن تصورناه نائما أو غائبا عنا. |
||||
18 - 04 - 2013, 06:44 PM | رقم المشاركة : ( 2982 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المتردد كيف تعامل السيد المسيح مع المختلفين معه؟ دراسة في انجيل متى }عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد{(1تي 3 : 16)، }و الكلمة صار جسدا و حل بيننا و راينا مجده مجدا كما لوحيد من الاب مملوءا نعمة و حقا. {(يو 1 : 14)، وشابهنا في كل شيء}لكنه اخلى نفسه اخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس{(في 2 : 7). وتعامل وتواصل مع شخصيات عديدة، منها من كان ذا وجهة نظر مغايرة، او كان ذا قلب غير مستقيم، أو طبع شرير أو متهور او حسود أو مجرِّب ...الخ. في الواقع، كل منا، خلال احداث حياته اليومية، عاش ويعيش هذه اللقاءات مع المختلفين عنه! لنترك للمسيح نفسه فرصة تدريبنا على حسنالتعامل مع الآخر ولا سيما المختلف}قال واحد من تلاميذه يا رب علمنا{(لو 11 : 1) المتردد }و قال له اخر من تلاميذه يا سيد ائذن لي ان امضي اولاً وادفن ابي فقال له يسوع اتبعني ودع الموتى يدفنون موتاهم {(مت 8 : 21 -22) في الحلقة الماضية، تأملنا ذلك الكاتب ( وهو من الكتبة وليس من تلاميذ المسيح) يطلب ان يتبع المعلم أينما ذهب. وبعده مباشرة يذكر لنا القديس متى أن ( أخر من تلاميذه ) يطلب الإذن من السيد المسح (معلمه):يا سيد ائذن لي ان امضي أولا (سأتركك حتى انهي مهمتي وبعدها سأعود... إليك). لم يوافقه المسيح بل طلب أن يتبعه}ان اتباع الله مجد عظيم و في قبوله لك طول ايام{(سيراخ 23 : 38) ويدع الموتى يدفنون موتاهم. لنتأمل هذا التلميذ الذي لم يذكر الإنجيلي أسمه (حتى يعطنا نحن تلاميذ المسيح الفرصة ان يضع كل منا أسمه). إنه: تلميذ : كان من تلاميذ يسوع }ليس التلميذ افضل من المعلم و لا العبد افضل من سيده{(مت 10 : 24) واثق: في المعلم يطلب منه الإذن محب : يرغب في توديع ابيه ( الميت) اجتماعي : يهتم بالأعراف والتقاليد كتابي : يتمم وصية إكرام الوالدين ويجدر السؤال هنا: ألم يكن طلب المسيح من هذا التلميذ قاسيا؟ لماذا لم يدعه يذهب؟ أليس في غيابه تقصيرا نحو إكرام اباه }اذا قبض الله نفسي فادفن جسدي واكرم والدتك جميع ايام حياتها{(طوبيا 4 : 3)وكسرا للوصية!ومخالفة لما فعله الآباء الأولين:}فاسلم اسحق روحه و مات و انضم الى قومه شيخا و شبعان اياما و دفنه عيسو و يعقوب ابناه{(تك 35 : 29)ألم يطلب يوسف الأذن من فرعون مصر أن يدفن أبيه ثم يعود ليدير شأن مصر فأذن له: }فقال فرعون اصعد و ادفن اباك كما استحلفك{(تك 50 : 6) ما الذي سيتغير؟ وما الذي سينقص إن ذهب ودفن ابيه ثم عاد ثانية؟! لماذا وصف السيد المسيح باقي القوم بالأموات؟؟ ألم يشفق المسيح ذاته على أرملة نايين ويقيم ابنها؟ }فلما اقترب الى باب المدينة اذا ميت محمول ابن وحيد لامه و هي ارملة و معها جمع كثير من المدينة فلما راها الرب تحنن عليها و قال لها لا تبكي.ثم تقدم و لمس النعش فوقف الحاملون فقال ايها الشاب لك اقول قم.فجلس الميت و ابتدا يتكلم فدفعه الى امه{( لو 7 : 12 – 15 ) ألم يهب الحياة للعازر الميت؟}كان الجمع الذي معه يشهد انه دعا لعازر من القبر واقامه من الاموات{(يو 12 : 17) ألم يتضامن مع يايرس ويقيم ابنته}و بينما هو يتكلم جاء واحد من دار رئيس المجمع قائلا له قد ماتت ابنتك لا تتعب المعلم.فسمع يسوع و اجابه قائلا لا تخف امن فقط فهي تشفى{(مت 9 : 18 )وأقامها من الموت!! لماذا إذا لم يقبل طلب هذا التلميذ المجهول الاسم؟؟ لماذا اختلف معه ؟ لنعد إلى كلمات التلميذ عينها: }و قال له اخر من تلاميذه يا سيد ائذن لي ان امضي اولاً وادفن ابي {إنه اراد ان يمضي أولاويدفن اباه !!"أولا" كلمة تعني ان هناك أولوية يبديها التلميذ عن اتباع المعلم الآن وهنا ومن ثمَّ ندرك لم أجاب المسيح بمثل هذا الجواب. فالمسيح نفسه قال لأتباعه }اطلبوا اولا ملكوت الله و بره {(مت 6 : 33)فمحبة الله ينبغي ان تكون أولا قبل كل محبة}ان كان احد ياتي الي و لا يبغض اباه و امه و امراته و اولاده واخوته و اخواته حتى نفسه ايضا فلا يقدر ان يكون لي تلميذا{(لو 14 : 26). وفي اتباع الميسح هداية وثقة وحياة. منذ قديم الزمان وللرب منهج خاص في إعداد تلاميذه }و كان الي كلام الرب قائلا.يا ابن ادم هانذا اخذ عنك شهوة عينيك بضربة فلا تنح و لا تبك و لا تنزل دموعك.تنهد ساكتا لا تعمل مناحة على اموات لف عصابتك عليك و اجعل نعليك في رجليك و لا تغط شاربيك و لا تاكل من خبز الناس{( حز 24: 15 -17) قد كان هذا التلميذ ميتا قبل لقاء المسيح }فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما اقيم المسيح من الاموات بمجد الاب هكذا نسلك نحن ايضا في جدة الحياة{(رو 6 : 4)فنال الحياة من المسيح : }و نحن اموات بالخطايا احيانا مع المسيح بالنعمة انتم مخلصون{(اف 2 : 5)وعلى التلميذ ان يكون شغوفا بمحبة المعلم مشغولا بفهم تعاليمه وتطبيقها والتبشير بها. فليس الأموات يفعلون هكذا بل الأحياء }افتح عينيك و انظر فانه ليس الاموات في الجحيم الذين اخذت ارواحهم عن احشائهم يعترفون للرب بالمجد و العدل {(با 2 : 17) |
||||
18 - 04 - 2013, 06:51 PM | رقم المشاركة : ( 2983 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ثلاثة أمثال عن المأدبة يبدأ إنجيل القديس لوقا بعبارة "دخل يسوع يوم السبت بيت أحد الفريسيين ليتناول الطعام (1:14) مقطعاً يتكوّن من معجزة شفاء وثلاثة أمثال وُضعت في إطار مأدبة (لو1:14-24). يتكوّن هذا المقطع، مثل باقي هذه الفصول من إنجيل القديس لوقا، من مواد مختلفة: أجزاء تنتمي إلى أحداث مختلفة جُمعت معاً كما لو كانت حدثاً واحداً.(لو 1:14-24) ينفرد إنجيل القديس لوقا برواية قبول يسوع دعوات إلى الطعام وجهها إليه فريسيون (را 36:7)؛ لأنه في الواقع لم يكن كل الفريسيين معارضين ليسوع وتعاليمه، كما قد نعتقد أحياناً. ولكن نقول إن لقاءاته معهم اتسمت في الغالب بالتوتر. ويحدث هذا أيضاً بمناسبة شفاء المصاب بالاستسقاء (را1:14-6). وجد يسوع، عندما دخل بيت أحد الفريسيين، مريضاً أمامه وكان يوم سبت. وشفاء المريض يوم السبت يُعَد كسراً لراحة السبت. فاجأ يسوع معلمي الفريسيين، بمجرد دخوله، بهذا السؤال: "أيحل الشفاء في السبت أم لا؟" (لو3:14). كان الصمت المطلق هو إجابة السؤال "فلم يجيبوا بشيء" (4:14أ). لم ينتظر يسوع ردهم زلا اهتم بصمتهم بل بادر إلى العمل "أخذ بيده وأبرأه وصرفه" (4:14ب). يقطع يسوع الصمت بسؤال ثاني، أراد أن يحرجهم به: "من منكم يقع ابنه أو ثوره في بئر فلا يخرجه منه لوقته يوم السبت؟" (لو5:14). فأعاد السؤال عاماً: هل يجوز أم لا، بل شخصياً: من منكم. إنها كلمة قوية موجهة ضد الرياء وضد صمتهم المطبق. ما الأهم: الإنسان أم الحمار؟ لا يستطيع أحد أن يتهرب من سؤال مثل هذا. فهو إما أن يستسلم ويقبل الرد البديهي، إما أن ينغلق في صمت يزداد عدوانية بقدر ما يتأكد صاحبه من أن غريمه على حق: "فلم يجدوا جواباً عن لك" (لو6:14). هذا هو الإطار العام الذي يضع فيه إنجيل القديس لوقا أمثال المأدبة الثلاثة (المدعوون الذين يتنافسون على الأماكن الأولى واختيار المدعوين وأخيراً المأدبة) ويدعونا الإنجيل أن نضع هذا الأمر نصب أعيننا ونحن نقرأ هذه الأمثال. سبق وقلنا إن سياقه يرجع إلى إنجيل القديس لوقا. لا يعني هذا أن السياق هو مجرد إطار بسيط أو خاوية لا أهمية لها قياساً بمضمون الأمثال. الإطار هو مشهد عُرس، وخلفية الأمثال الثلاثة هي المأدبة. ونقول لمزيد من الدقة إن الإطار يدعو إلى تأمل المشهد تأملاً دقيقاً. كان يسوع معلماً غير عادي، لمّاح ومبادر ولا يتوقع أحد ما يمكن أن يقوله أو يفعله. لذلك فإن دعوته تعني المخاطرة وتعريض الذات والأفكار الشخصية للملاحظة والسب.. هذا ما ستتناوله الأمثال الثلاثة. قُم إلى فوق يقطع يسوع مرة أخرى الصمت الذي لفّ المشاركين في المأدبة، ليروي مثلاً (لو7:14-11) إنه لا ينوي أن يعود مرة أخرى إلى موضوع السبت بل لكي يكشف تناقضاً دينياً آخر ويعريه أمام من يمارسونه. لاحظ يسوع أن المدعوين يتصارعون للاستيلاء على الأماكن الأولى. كل منهم مقتنه أنه يستحق مكان الشرف. وبينما يراقب يسوع المشهد يبدو أنه تذكر مقطعاً من كتاب الأمثال: "لا يفتخر أمام الملك وفي مكان العظماء لا تقف. فإنه خير أن يُقال لك: "اصعد إلى هنا" من أن تحط أمام الأمير" (أم6:25-7). يطور يسوع هذه الحكمة ويجعل منها مثلاً. بالطبع ما كان هدف يسوع الحديث عن قواعد الآداب العامة ويعلم مستمعيه التواضع وبالأحرى أن يعلمهم حيلاً دقيقة يستطيعون بها أن يصعدوا إلى أعلى وأن يحسّنوا أوضاعهم الاجتماعية. لأن هذا المثل مثل باقي أمثال يسوع كلها، يدور حول ملكوت الله. وينتقد إنجيل القديس لوقا بشدة البحث عن الأماكن الأولى: "إياكم والكتبة، فإنهم يرغبون في المشي بالجبب، ويحبون تلقي التحيات في الساحات، فصدور المجالس في المجامع، والمقاعد الأولى في المآدب" (لو46:20). كما أن خاتمة مثلنا هذا "فمن رفع نفسه وضع ومن وضع نفسه رفع" (لو11:14) ترد أيضاً في مثل الفريسي والعشار: "فكل من رفع نفسه وضع ومن وضع نفسه رفعه" (14:1). كما أن يسوع يعطي تعليقاً على هذا الأمر: "أنتم تزكون أنفسكم في نظر الناس، لكن الله عالم بما في قلوبكم، لأن الرفيع عند الناس رجس عند الله" (لو15:16). يستطيع من يقرأ المثل على ضوء هذه النصوص وهذه الخلفية أن يعرف أنه لا يوجّه ضد حب تظاهر سطحي مضحك، بل ضد ادعاء أساسي يفسد علاقة الإنسان مع الله وفي الآن ذاته علاقة الإنسان بالآخرين. إنه الادعاء المضاد المألوف: اعتبار الذات أفضل من الآخرين وأكرم وأكثر استحقاقاً منهم. يؤدي هذا الإحساس إلى الصلف والتمايز. هل كان يسوع يقاوم، بهذه الطريقة، طموحات الترقي والتقدم التراقبي، التي سادت المجتمع الديني آنذاك؟ إذا كان هذا فقط هو هدف المثل، فإنه ينحصر في المجال البشري، مبيناً كيف يضع الإنسان ذاته أمام الله وأمام الآخرين: إنه تعليم هام على أي حال، إلا أنه لا يصل إلى الأساس والعمق. إنه ليس كذلك. يوجه يسوع انتقاده الشديد لحب تظاهر الذين يبحثون عن المقاعد الأولى. سبب هذا الانتقاد الشديد أن الله لا يفعل هذا، والإنسان هو صورة الله وعليه أن يتمثّل به. إحدى نقاط الإنجيل الثابتة هي أن الله يعلن ذاته كخادم لا كسيد، كأخير وليس كأول. في هذا المجال يجب البحث عن أساس المثل وعن معناه العميق الذي ينقله من مجرد حكمة آداب المعاملة إلى الخبر السار. إن العلاقة الجديدة التي يبدأها الله مع الإنسان هو الإطار الذي ينشأ فيه كل مثل، سواء أعلن الإنجيلي عن لك أم أضمره. هذه العلاقة هي أساس فهم أي مثل وتفسيره. لا يمكن أن نفهم أسرار أي مثل بكل التفاصيل الدقيقة إذا عزلناه عن مركز الإنجيل. يطل، في هذا المثل، قلب تعليم الإنجيل من كل جانب: في المشهد الانفتاحي الذي يروي قصة شفاء يسوع مريضاً يوم السبت وكأنه يعلن بهذا أن حب الله للإنسان يتفوق على طاعة الإنسان لوصايا الله، وفي المشهد التالي، الذي يوصي فيه يسوع باستقبال الآخرين وليس الأولين لأن الله يريد ذلك. إذا صنعت غداءً بعد أن وجّه يسوع مثله التعليمي للمدعوين، يتوجه الآن بمثل لصاحب البيت (لو13:14-14) لاحظ يسوع، بالتأكيد، أن المدعوين هم من أقارب وأصدقاء وزملاء صاحب البيت الذي وجّه الدعوة: أناس ينتمون إلى طبقته الاجتماعية وإطاره الديني. لماذا يقتصر الإنسان على دعوة أصدقائه ومن هم في مستواه؟ يختلف منطق ملكوت الله تماماً عن هذا المنطق. يجب علينا، عند قراءة هذا النص، أن نقرأه على ضوء خطبة يسوع وتعليمه في عظة الجبل. يشير يسوع إلى هذا التعليم: "إن أحسنتم إلى من يحسن إليكم، فأي فضل بكم؟ لأن الخاطئين أنفسهم يفعلون ذلك. وإن أقرضتم من ترجون أن تستوفوا منه، فأي فضل لكم؟ فهناك خاطئون يقرضون خاطئين ليستوفوا مثل قرضهم" (لو33:6-34). إن نصيحة يسوع هذه هي منطقية بالنسبة لمن قبل صورة الله الجديدة التي يقدمها ولكنها تعارض جذرياً العادات المترسخة سواء كانت عادات اجتماعية أو عادات دينية. نستنتج من هذا أن الموضوع ليس هو الكرم فحسب، بل منطق الله المختلف: تضاد لاهوتي تعليمي وليس مجرد تضاد سلوكي. يعدد إنجيل القديس لوقا سلسلة من الفئات المهمشة في المجتمع والمحكوم عليهم بعدم الطهارة من المنظور الديني: الفقراء والكسحان والعرجان والعميان (لو13:14). ومن المدهش أن هذه القائمة لا تضم الخطأة، الذين يكثر ذكرهم في إنجيل القديس لوقا. لقد اتكأ يسوع في بيت لاوي مع "جماعة كثيرة من العشارين وغيرهم" (لو29:5)، كما دخل بيت زكا (را لو5:19)، كانت هذه عادته، إذ أنهم اتهموه بأنه. "رجل أكول شريب للخمر صديق للعشارين والخطأة" (لو34:7). تقودنا هذه الاعتبارات إلى القول إن النموذج هو دائماً يسوع ذاته، وقبل كل شيء حب الله الذي أظهره وشهد له. ليس هناك مهمشين أمام الله بل الجميع قريبون المقياس الذي يتم على أساسه اختيار المدعوين للمأدبة هو حب الله وليس البر والاستحقاق القديمين. يفكر كاتب الإنجيل، وهو يقدم هذا المشهد، في جماعته الكنسية وليس فقط عالم يسوع: يتمنى الإنجيلي أن تكون جماعته جماعة ترحب بالجميع ولا تستبعد أحداً. العُرس مازال يسوع في منزل الفريسي ومازال يتكلم وهو على المائدة. تنطلق تعاليم يسوع من الواقع: مثل وجهه للمدعوين عندما لاحظ كيف يتكالب الجميع على الأماكن الأولى، ومثل وجهه لمضيفه عندما لاحظ أن المدعوين من الأهل والأصدقاء وحثّه على دعوة الفقراء. والآن يصل إلى مثل الوليمة. إنه يوجه كلامه للجميع: للمدعوين وللداعي. يعلق أحد المدعوين على تعليم يسوع بقوله: "طوبى لمن يتناول الطعام في ملكوت الله" (لو15:14). إذا قارن هذا المثل في إنجيل القديس لوقا بما يقابله في إنجيل القديس متى نلاحظ عدداً من الاختلافات. يقوم بالدعوة في إنجيل القديس لوقا "رجل غني"، أما في إنجيل القديس متى ملك (را مت 12:22أ). الدعوة في إنجيل القديس لوقا هي على عشاء فاخر (را لو 16:14) أما في إنجيل القديس متى فهي على عُرس ابن الملك (را 2:22ب). لذلك فإن الاهتمام لا يوجّه إلى الشخص أو إلى العُرس بما له من رموز عديدة، إنما يوجّه ببساطة إلى رفض المدعوين وحججهم. لا يرسل الداعي عدداً كبيراً من العبيد (را مت 3:22و4) لاستعجال المدعوين إنما يرسل عبداً واحداً (را لو 17:14). يرفض جميع المدعوين، في إنجيل القديس لوقا، ولكنهم لا يبدون الضيق ولا يسيئون معاملة خادم الداعي، كما يحدث مع مرسلي الملك في إنجيل القديس متى. إنهم يعتذرون لارتباطهم بأعمال ومواعيد أخرى أهم ويعتقدون أن عذرهم مقبول. يشتعل غضب الملك على المدعوين الذين رفضوا أن يلبوا الدعوة، معتبرين أن ما قدموه من أعذار مقبول. ويرسل جنوده ليحرقوا المدينة. أما في إنجيل القديس لوقا فإن الرجل الغني يرسل خادمه ليحضر الفقراء والكسحان والعميان والعرجان الذي أتى بهم الخادم لذلك يرسله سيده مرة أخرى ليحضر من يجده لكي تمتلئ القاعة. عليه أن يرغم من يجده، مجبراً حتى أولئك الذين يرفضون. بالرغم من الفوارق العديدة بين المثل في إنجيلي القديسين متى ولوقا إلا أن هدف الإنجيلين قريب، يكاد يكون واحد. يقوم أحدهم بدعوة أبناء المدينة ويرفض المدعوون، فيغضب من دعاهم ويدعو آخرين بدلاً منهم: أغراب وفقراء. يبرر يسوع تصرفه وبالتالي خطة الله: أنتم لم تقبلوا ورفضتم وبالتالي ينتقل الخلاص إلى الخطأة والوثنيين. أين يقع هذا التضاد بين الذين يرفضون الدعوة وبين الذين يقبلونها، وهو النقطة المركزية لهذا المثل؟ هل هو في داخل إسرائيل (والآن طبعاً في داخل العالم المسيحي)؟ يبدو أن هناك تناقضاً بين الافتراضين. إنهما موقفان اصطدم بهما يسوع، وكاتب إنجيل القديس لوقا يعده: داخل إسرائيل هناك من ناحية الرؤساء وعلماء الناموس والفريسيون، ومن ناحية أخرى الشعب الجاهل والخطأة. يمتد الرفض: يرفض الشهب المختار الخلاص، بينما يقبله الوثنيون فيتحول الحكم على الرؤساء إلى حكم على إسرائيل. ينجذر المثل بدون شك في واقع تاريخي، إلا أنه يظل في ذات الوقت مفتوحاً: هذه هي طبيعة كل الأمثال الإنجيلية. ما حدث آنذاك قد يحدث الآن أيضا. قلنا أن الاهتمام يجب أن يتركز على الرفض وأسبابه. يرى جميع المدعوين أن ما لديهم من التزامات أهم من قبول الدعوة التي وجهت إليهم. إنهم يرفضون بضمير مستريح وواثق. الاهتمام بالثروات والممتلكات، والعمل، والأسرة: هل هناك شيء أهم من هذا؟ إنها اهتمامات عادية، ملموسة لا بل ضرورية. يعتذر المدعوان الأول: "قد اشتريت حقلاً..." والثاني: "اشتريت خمسة فدادين..." وهما واثقان أن من دعاهم يتفهم عذرهما. أما الثالث: "قد تزوجت" فهو لا يعتذر واثقاً أن ارتباطه أهم من تلبية الدعوة. حتى الاهتمامات الضرورية إذا أصبحت حقائق مطلقة فإنها تعوق الإنسان عن قبول الملكوت: هذا ما ينبه إليه بشدة هذا المثل: لا يجب أن يتقدم أي شيء على ملكوت الله. لذلك يصرخ عن حق أحدهم "طوبى لمن يتناول الطعام في ملكوت الله" (لو15:14). ولكنه يخطئ لأنه عدّ بسهولة شديدة ذاته والمدعوين معه وجماعته الدينية مدعوين إلى الملكوت: إنه شيء مفروغ منه! إن الجلوس على مائدة الملكوت ليس شيئاً مفروغاً منه ومضموناً لأي إنسان، ولا حتى لأولئك الذين يعتقدون أنهم يؤدون واجبهم على أكمل وجه" فإني أقول لكم: لن يذوق عشائي أحد من أولئك المدعوين" (لو24:14). ربما يكون المدعوون المشغولون بالتزامات عديدة إنه يمكنهم اللحاق بالدعوة في فرصة أخرى. ولكن السيد يجلس في الحال على مقعدهم آخرين. حتى وإن كانت الوليمة تتم في المستقبل (الوليمة المسيحانية) فإن الاختيار يتم فوراً. |
||||
18 - 04 - 2013, 06:59 PM | رقم المشاركة : ( 2984 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثل "البيتين" يرد أكبر عدد من الأمثال في إنجيل القدّيس لوقا. استقى الإنجيليّ أمثاله من إنجيل القدّيس مرقص ومن مصدر مشترك بينهما ثم أخيراً من مصدر خاص به.(لو 46:6-49) يلاحظ القارئ من أول وهلة أن أمثال إنجيل القديس لوقا تمتاز بطابع حكمي أكثر منه لاهوتيّ. إنه انطباع غير دقيق، تؤدي دراسة متأنيّة إلى تصحيحه. لا يستطيع أحد أن ينكر بعض الملامح الحكميّة في الأمثال في إنجيل القدّيس لوقا، ولكن هذه الملامح لا تكوّن خاصيتها الأساسيّة: "إن هدف المثل ليس هو توضيح حقيقة عامة أو مجرد وصف طريق وجود وحياة المسيحي. إن حياة المسيح، كما يفهمها إنجيل القدّيس لوقا، ليست نتيجة بل كشف عن جدّة يسوع. هذا هو الطابع المميّز لعدد كبير من الأمثال في إنجيل القدّيس لوقا. يعرف القديس لوقا جيداً أن الموضع الذي يتجلّى فيه حب الله في أوضح معانيه وبهائه هو الصليب. ومع ذلك لا تتعلّق الأمثال التي تبرز حب الله، بالصليب بطريقة مباشرة ولكنها تُظهره في تصرفات يسوع وتدخلاته الرحيمة وقبوله للخطأة. إنها طريقة رائعة لتناول موضوع الخلاص. وهناك مظهر آخر يتعلّق بالتلميذ عن قرب: الصلاة. يتناول إنجيل القدّيس لوقا الصلاة أكثر من باقي الأناجيل، كما يخصّص لها عدداً أكبر من الأمثال. إن هذا لا يرجع فقط لكونه يعتبرها أمراً هاماً للغاية، بل لأنه يرى فيها الموضع الذي تظهر فيه بنوع خاص جدّة الحياة المسيحية. إن أمثال إنجيل لوقا عن الصلاة هي في الواقع أمثال عن الله. كما يمكن قول نفس الشيء عن الأمثال التي تتناول استعمال الخيرات، وهي مسألة يوليها إنجيل القديس لوقا عناية خاصة. إن متطلبات الإنجيل وشروطه لهي جذرية ويجب على المؤمن أن يعيش بموجبها كل يوم. ليس هناك تعارض بين "اليومي" و "الجذري" في مفهوم إنجيل القدّيس لوقا. هناك علاقة وثيقة وتناسق رائع بينهما. يمثّل هذا التناسق إحدى نقاط رسالة يسوع المميّزة والمقلقة في آن واحد. لا يعني تجسيد الإنجيل في الواقع اليومي التنازل عن بعض القيّم والشروط، بل يعني أن يعيش المؤمن، أو أقله أن يحاول أن يعيش، جذرية المسيحية كل يوم، لا بل كل لحظة. مثل: البيتين (لو 46:6-49) يختم إنجيل القدّيس لوقا عظة يسوع في الوادي أو المكان المنبسط (را لو17:6) بمثل البيتين، وهو نفس المثل الذي يختم به إنجيل القدّيس متى عظة الجبل (مت24:17-27). هناك تشابه شديد بين المثل في الإنجيلين، وإن كان هناك اختلاف طفيف في المضمون وفي الإطار والسياق. يركّز إنجيل القدّيس لوقا أكثر من إنجيل القدّيس متى على تفاصيل بناء البيت: حَفَرَ، عَمّقَ، وضع الأساس على الصخر، بينما يكتفي إنجيل القدّيس متى بالكلام عن الرمل والصخرة. ربما يكون إنجيل القدّيس لوقا قد طوّع الصورة على أساليب بناء بيوت اليونانيين! كذلك يختلف وصف العاصفة في الإنجيلين: يقول إنجيل القدّيس متى: "نزل المطر وسالت الأودية وعصفت الرياح" (مت 25:7) بينما يتكلّم إنجيل القدّيس لوقا عن فيضان النهر من مجراه ( لو 48:6). ويتفق المثل في الإنجيلين في النقطة الأساسية، وهي ثبات الصخرة. ترد هذه الصورة مراراً عديدة في الكتاب المقدّس للإشارة إلى كلمة الله. ولكن الصخرة، في هذا المثل، تشير إلى كلمة يسوع وبالتحديد إلى العمل بكلمة يسوع. إن مجرد سماع الكلمة غير كافٍ لمواجهة الصعوبات والتبرير أمام الحكم الإلهي. يحدّد إنجيل القدّيس لوقا ملامح المسيحيّ الحقيقيّ بثلاثة أفعال: "يأتي.. يسمع.. يعمل" (لو 47:6). يعبّر الفعل الأوّل عن العزم والتصميم على اتباع يسوع. ويشير الفعل الثاني إلى قبول الكلمة عند سماعها. ولكن اللحظة الحاسمة هي الفعل الثالث: ترجمة الكلمة المسموعة إلى أعمال ملموسة. إذا غاب الفعل الثالث أصبح الفعلان الأوّلان بلا معنى. يقوم الفارق بين المسيحي الحقيقي والمسيحي اسماً في العمل. إن الأمر لا يتعلّق بالإيمان أو عدمه. فالمسيحي بالاسم يظل دوماً مؤمناً يدعو الرب ويتكلم عنه ويسمع كلمته ويصدّقها. ولكنه مسيحي غير حقيقي. إن الاستماع للكلمة وقبولها أمران هامان وحيويان، ولكنهما مثل مجرد مشروع على الورق. يتحقق المشروع فقط عندما يرى النور بالعمل. ما يجب عمله، بالتحديد، إن كان الاستماع لا يكفي؟ ماذا يعني عمل؟ يظل المثل، بدون الإجابة على هذا السؤال، مثلاً نظرياً عامّاً. إن المثل، وحده، لا يعطي إجابات محددة على هذه التساؤلات. بالتالي يجب دراسة السياق الذي يرد فيه المثل. إنه أمر لا غنى عنه: يضع الإنجيلي المثل كخاتمة لعظة يسوع. على المؤمن أن يترجم عمليّاً ما يقوله يسوع (46:6)، وكلماته (47:6) والتي يرد مضمونها الأساسيّ في (لو 26:6-38)، أي العلاقة مع الآخرين: حب الأعداء وعدم مقابلة الشر بالشر وعدم قصر الخير على الأصدقاء والأقارب.. بعبارة واحدة ترتكز وتركّز كلمات يسوع على وصية الحب، التي يتوسّع إنجيل القدّيس لوقا في شرحها. يقابل إنجيل القدّيس متى، في عظة الجبل، بين برّ الفريسيين والكهنة وبين المحبة. يكتفي القدّيس لوقا بأن يبرز وصية المحبة بلا مقارنات. هذا هو جوهر تعليم يسوع. "أحبوا أعداءكم" (لو 27:6): لا يكتفي بذكر الأعداء عامّة بل يحدّد أعداء المخاطبين. يجعل هذا الأمر الحديث عمليّاً ملموساًَ. ويحدّد القدّيس لوقا الأعداء: "الذين يبغضونكم.. لاعنيكم.. المفترين عليكم" (را، لو 27:6-28). يرى يسوع، على لسان الإنجيليّ، أنّه لا يكفي الصفح عن هؤلاء، بل يجب الإحسان إليهم، ويورد مجموعة من الأمثلة على ذلك (29:6-30) تمتاز بالحيوية والقوة: حوّل الخد الآخر... قدّم القميص.. أعط كل من يحتاج ولا تنتظر أن تسترد شيئاً مما أعطيت. كثيراً ما نلجأ إلى هذه النصوص. عند الحديث عن لاعنف الإنجيل. الأمر هنا يتعلّق بشيء أعظم وأسمى من اللاعنف: إنّه إعلان عن مفهوم برّ وعدل جديد يختلف جذريّاً عن مفهوم الإنسان عن البرّ والعدل. إنّه البر الذي ينظّم علاقتنا ويشكّل ضمائرنا. إنّه النظام الذي يجد توازنه في المساواة بين العطاء والأخذ. إن البرّ، في مفهوم يسوع، شيء مغاير وبعيد عن نظام معاملاتنا، لا بل إنه مختلف عن فكرتنا عن الله. غالباً ما تكون صورة الله في مفهومنا هي صورة حارس دقيق ومراقب متشدّد ليوازن بين العطاء والأخذ. إن مفهوم يسوع عن هذا الأمر، والذي يظهر في حياته ومعاملاته، يقلب الأمور رأساً على عقب. إن حب من يحبنا ليس علاقة بر في المسيحية (32:6-34). إنه المنطق القديم وهو نزاهة الوثنيين الخطأة. إن الخاتمة: "لا تدينوا .. لا تحكموا.. أعفوا.. أعطوا.." (37:6-38) لا تضعف من قوة أفعال الأمر السابقة ولا تعود بالحديث على نقطة البداية. إنها تريد أن تؤكّد أن البر الجديد لا يلغي روح الحقيقة القديمة. إن من يترك ذاته لها لا يخسر شيئاً، بل يكسب كل شيء، ولكن على مستوى آخر وبمنطق آخر. أمّا عن التساؤل الثاني: ماذا يعني العمل؟ فيجيب الجزء الثالث من عظة يسوع في السهل حيث تم جمع بعض التشبيهات، وأولها يسمّى "مثلاً" (لو 39:6). يبدأ هذا الجزء بنوع من المسافة: وضرب لهم مثلاً. وهو لا يقول ماذا يجب أن نعمل بل كيف يجب أن نعمل. إن ما يميّز العمل الإنجيلي هو بآن واحد المضمون والطريقة. ويولي إنجيل القدّيس لوقا هذا الأمر، أي طريقة العمل، اهتماماً خاصاً. هنـاك مثـلاً مؤمنـون عميان يريـدون أن يقودوا عميانـاً آخـرين (لو39:6-40). يقوم خطأهم، لا في تعديهم للتعليم، بل في ادعائهم أنهم يتفوقون على يسوع. على هؤلاء أن يُقرّوا أنه ليس أحد أعظم من يسوع. حتى وإن كان هؤلاء معلمين أتمّوا دراستهم وتخصّصوا وحصلوا على معرفة العلوم إلا أنه يجب عليهم أن يرددوا بأمانة تعليم يسوع. إن مصداقية الكلمة التي يعلنون لا تكمن في مقدرتهم بل في الأمانة. إن ما يهم هو العمل بكلام يسوع لا بكلامهم هم. وهناك مثل آخر هو مثل القذى والخشبة (لو 41:6-42). يقتضي العمل بكلام يسوع شجاعة الإصلاح الأخوي. يتعرّض الإنسان، في هذا المجال، إلى نوعين من الأخطار: الخطر الأول هو استعمال مكيالين ومعيارين. قد نكون مع الآخرين قاسين مدققين وأقل صبراً من الله ذاته: يمكن تفادي هذا الخطر في حالة واحدة وهي أن يبدأ الإنسان بإصلاح ذاته. عندما يكون الإنسان دقيقاً وأميناً في نقده لذاته فإنه يجد المعيار المناسب لإصلاح الآخرين. والخطر الثاني هو الرياء. هناك من يستعمل كلمة الله لإيلام الآخرين دون أن يتعرّض بأي لوم لذاته. إن خاتمة هذا التشبيه "عندئذ تبصر فتخرج القزى الذي في عين أخيك" (لو 42:6) تشير إلى أن إصلاح الذات ليس مجرد أمانة جامدة إنما أسلوب حياة. إن من يضع ذاته موضع نقد وتساؤل هو وحده القادر على أن يرى ويفهم. أمّا التشبيه الثالث وهو تشبيه الشجرة الفاسدة (لو 43:6-44) فهو يركّز على الأعمال. تبيّن الثمار نوعيّة الشجرة. تظهر طبيعة الإنسان الحقيقيّة من أعماله لا من أقواله فقط. ويتطوّر التشبيه حتى يمتزج مع المثل الذي يليه "الإنسان الطيب من الكنز الطيب في قلبه يخرج ما هو طيب والإنسان الخبيث من كنزه الخبيث يخرج ما هو خبيث" (لو 45:6). يتم الحكم على الأعمال من الباطن أي من القلب. نعرف أن القلب، في مفهوم الكتاب المقدس، هو مركز الشخصية الذي يصبغ الأفكار والكلام والأعمال بصبغته الذاتيّة الخاصة. تجتاح التوبة الإنسان في كل جوانبه وأبعاد شخصيته وحياته. هكذا يستطيع الإنسان أن يعمل أعمالاً صالحة. إن الصخرة التي تجعل البيت ثابتاً هي الممارسة النابعة من قلب نقي. |
||||
18 - 04 - 2013, 07:02 PM | رقم المشاركة : ( 2985 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثلا: وليمة الملك (مت22: 1-14) من المفيد أن نعيد قراءة المثل مراراً، مسترشدين بالحركة الداخلية التي تقوده، وواعين بالتساؤلات التي أثارها المثل في سامعيه آنذاك. إن مثل الوليمة مليء بالمفاجآت والتقلبات. الرواية دعا أحد الملوك رعاياه لحضور وليمة أقامها بمناسبة عُرس ابنه. إنها صور كتابية معروفة: ينتمي العُرس والوليمة إلى رموز ملكوت الله، ذاك الملكوت الذي بشّر به الأنبياء والذي ينتظره كل يهودي تقي بفارغ الصبر. تتم الدعوة على مرحلتين وبالتالي هناك إصرار عليها. ويتوقع القارئ أن يهرول المدعوون لتلبية الدعوة. ولكن المدعوين يرفضون الدعوة في كلتا الحالتين: إنها المفاجأة الأولى. إن رفضهم لا مبرر له، إذ أن دعوة الملك هي أمنية غالية، وهي حلم كل يهودي، هي شيء هام جداً. لا يبالي المدعوون بدعوة الملك ويفضّلون عليها أشياء أخرى. لا بل يرى البعض في هذه الدعوة ما يثيرهم ضدها: فيضربون عبيد الملك ويقتلونهم . مَن هم هؤلاء المواطنون؟ أثار رفض المدعوين لتلبية الدعوة غضب الملك وتصرّف بصرامة لا يلومه عليها أحد. ولكن الملك، بعد أن انتقم من الرافضين، لا يستسلم: إنها مسألة أخرى غير متوقعة. إنه يرسل عبيده مرة أخرى ليدخلوا كل من يجدونه أشراراً وصالحين. إنه لم يطبق على المدعوين الجدد أي مقياس أو شرط. إن ما يهم هو أن تمتلئ ردهة العُرس. وهكذا حقق الملك هدفه. كان من الممكن أن تنتهي القصة عند هذا الحد. ولكنها تستمر، مقدمة مفاجئة أخرى: دخل الملك إلى الردهة فوجد أن أحد المدعوين لا يلبس ثياباً تليق بعُرس ابن الملك، فيعنّفه ويعاقبه. إنها نهاية غير متوقعة ونهاية سيئة لقصة فاشلة! لا يقع الرفض من المدعوين الأولين فقط فينالون عقابهم، بل يقع أيضاً على بعض المدعوين في الدفعة الثانية: قد يثير هؤلاء أيضاً غضب الملك وقد يقع عليهم عقابه. شخصيات المثل ويمكن استعراض المثل بطريقة أخرى: عن طريق شخصياته وأعمالهم. يدور المثل كله حول بعض الصور المركزية: الملك، الوليمة، العُرس والدعوة. ولكن الصورة المسيطرة هي صورة الملك. كما تُنسب إليه أهم الأعمال والمواقف، دور الآخرين هو تنفيذ أوامره ومبادراته بكل عناية. ولا ترد في المثل كلمات مباشرة إلا كلمات الملك، بينما يتحرك الآخرون بصمت: الابن، العبيد، المدعوون في الدفعة الأولى، والمدعوون في الدفعة الثانية، والرجل الذي ليس عليه ثياب العُرس. وتقود دراسة الأفعال إلى نفس النتيجة. تعبّر أفعال الملك عن مبادرة تجاه العبيد (يقول ويرسل) والمدعوين (يأتي ويدعو). أمّا أفعال العبيد فتعبر كلها عن تنفيذ (ذهبوا، خرجوا، جمعوا) وبالتالي نقول إن بطل القصة هو الملك، ويتم التركيز كله عليه وعلى أعماله. ويمكن أن نلاحظ أن "شخصية هامة تقوم بعمل يبدو أولياً أصلياً في مرحلة حاسمة قياساً بكل الأعمال التي نقابلها في التاريخ وتنتظر مبادرته، على تنوعها، وتخضع كل الردود للفحص". يتم عمل الملك على ثلاثة مراحل: يبادر الملك وتفشل المبادرة، ثم يتغلّب الملك على الفشل. ويتم التغلّب على الفشل باستبدال (يدخل آخرون بدلاً من المدعوين الأولين) يصاحبه فرز وانتقاء (حتى الذين قبلوا، في مرحلة لاحقة الدعوة، يخضعون للفحص). الظروف التاريخية هنا يبدو أنه قد تم توضيح هدف المثل الرئيسي، ولكن ظاهرياً فقط! يرتكز المثل كله على نقطة تضاد: مدعوون يرفضون الدعوة، مدعوون يلبون الدعوة. مَن هم المدعوون في الحالتين؟ ما هي الخلفية التاريخية وراء صور وأبطال المثل؟ لدينا اقتراحان: الاقتراح الأول: يروي يسوع هذا المثل رداً على الشكوك التي أثارتها مخالطته للخطأة والعشارين لدى الفريسيين والمكتفين بذواتهم. لا يعي الفريسيون أهمية دعوة الله، التي وجهها إليهم يسوع، ولذلك لم يلبوا الدعوة. عندئذ يقبل الله، بدلاً منهم، العشارين والخطأة والزناة والوثنيين. إن التضاد بين مدعوين يرفضون تلبية الدعوة ومدعوين يلبونها ينطبق على كل تاريخ بني إسرائيل: من ناحية هناك الشعب، الناس البسطاء والخطأة الذين يستقبلون ويقبلون يسوع؛ ومن ناحية أخرى هناك السلطات والمعلمون الذين يرفضونه. يتفق هذا الاقتراح مع ظروف حياة يسوع، لأنه كان يتعامل مع الخطأة والعشارين. إن هذا الاعتراض ليس قوياً، كما يبدو لأنه ليس من الضروري أن يتناول المثل حقيقة ما بكل تفاصيلها، فمعارضو يسوع يرفضونه ليس بسبب صداقته مع الخطأة فقط بل أيضاً لأن طريقة إعلانه الخبر السار لا تتفق مع توقعاتهم. الاقتراح الثاني: يتناول المثل واقعاً تاريخياً لاحقاً أي بعد القيامة. يشرح المثل واقعاً تاريخياً غير متوقع، أثار، بالتأكيد، دهشة المسيحيين الأوائل: يرفض بنو إسرائيل الخبر السار بينما يستقبله الوثنيون. إن التضاد لا يقوم في داخل فئات شعب بني إسرائيل بل بين بني إسرائيل والشعوب الأخرى. يميل بعض المفسرين إلى الاقتراح الأول بينما يحبّذ آخرون الاقتراح الثاني. ونتساءل لماذا لا نحتفظ بالاقتراحين معاً؟ وليس من الضرورة أن نختار اقتراحاً ونرفض الآخر إذ يمكن الجمع بينهما. ففي الاقتراحين يوجه الله نفس الدعوة والتي يرفضها البعض وبوعي. إذا صادق يسوع الخطأة والعشارين، إلا أنه لا يهمل توجيه الدعوة للصديقين، ولكن رفض هؤلاء تلبية هذه الدعوة. وإذا كان الملكوت قد نقل من بني إسرائيل إلى الأمم، فذلك لم يتم لأن الله أهمل شعبه، بل لأن الشعب هو الذي رفض إلهه. إن الله لم يتصرف بعشوائية بل بحكمة: هذا هو جوهر الرسالة التي نقلها المثل ونقلتها الجماعة الكنسية. لم تتغير الرسالة بل الشعب. إن الرفض الثاني هو توسّع في الرفض الأول. إن نقل المثل وتطبيقه على مرحلة تاريخية لاحقة استوجب بعض التغييرات وكلها طفيفة. فمثلاً عبارة "أهلك هؤلاء القتلة وحرق مدينتهم" (7:22) أضيفت على الأرجح على ضوء حصار الرومانيين لأورشليم وهدمهم وحرقهم إياها. لكن لا هذا التعديل ولا التعديلات الأخرى غيّرت مضمون المثل وهدفه الأساسي. التفسير: الدعوة والدينونة الخلاصة هي أن المثل يقوم بشرح حدثين تاريخيين شرحاً لاهوتياً: الحدثان هما رفضُ السلطات اليهودية ليسوع، ورفضُ الشعب اليهودي لرسالة المسيحية. ولكن المثل لا يقف عند هذين الحدثين. إنه تنبيه أن الساعة قد أتت وكل شيء مُعدّ. تجتاح المثل نبرة استعجال: لا مجال للتشتت والتردد تجاه دعوة الإنجيل ولا يوجد ما هو أهم من تلبيتها. تفسير حدث ودعوة لأخذ قرار: المثل هو أيضاً إعلان دينونة الله. إنها دينونة قاسية لا يفلت منها أحد: لا تخص الدينونة فقط مدعوي الدفعة الأولى، بل تمتد إلى مدعوي الدفعة الثانية أيضاً، الذين قد يعتقدون أنهم بتلبيتهم للدعوة أصبحوا في مأمن من الدينونة. تطال دينونة الله كل إنسان ودائماً لا مجال للأوهام. الجميع مدعوون ولكن ليس الجميع مختارين. إن دخول الردهة ليس ضماناً: يجب أن يظل المرء ساهراً وفي موقف طاعة دائمة. لقد طالت الدينونة على بني إسرائيل وتطال أيضاً المسيحيين. هذا ما تعنيه ثياب العُرس. |
||||
18 - 04 - 2013, 07:03 PM | رقم المشاركة : ( 2986 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثل الوكيل الأمين (مت 45:24-51) ينقسم خطاب إنجيل القديس متى الإسكاتولوجي (مت 24-25) إلى جزئين: الأول (4:24-35) يتناول التعاليم الإسكاتولوجية بحصر المعنى والتي استقاها الإنجيلي من التقليد المرقسي، والثاني (36:24-46:25) يتناول النتائج المترتبة على ذلك، عن طريق تطوير مضمون إنجيل القديس مرقس، بهذا الصدد. يبدو اهتمام إنجيل متى الكبير بتحديد معنى السهر وطريقته، ويلجأ لكي يحقق هذا الهدف، إلى ثلاثة أمثال: الوكيل الأمين (مت 45:24-51)، مثل العذارى الحكيمات والعذارى الجاهلات (مت 1:25-13) ثم مثل الوزنات (مت14:25-30). يبدأ مثلُ الوكيل بحرف "ف" مما يجبرنا على ربط المثل بما يسبقه مباشرة أي تشبيه رب البيت واللص (مت 42:24-44). كما أن تأكيد الرب بأن السيد "يأتي في يوم لا يتوقعه وساعة لا يعلمها" (مت 50:24)، يشير إلى أن المثل مرتبط بالتأمل الممتد من (مت 26:24 حتى 13:25). وموضوع هذا التأمل هو أن الرب يأتي فجأة بلا إعلان مسبق في ساعة لا يعلمها أحد (26:24و 42و 44و 50؛ 13:25). يؤكد مثل الوكيل الأمين هذه الحقيقة الهامة. تتعرّض قصة الوكيل وسيده لمشهدين متناقضين، كما هو الحال في أمثال عديدة. يوحي إسهاب الرواية في المشهد الثاني بالبحث عن معنى المثل فيه، وليس في المشهد الأول. يهدف المشهد الأول إلى إبراز الثاني، الذي ينعكس فيه الموقف الذي يهم المعلم. بدأ التراخي يضرب بجذوره في الجماعة. لقد أدى تأخّر مجيء الرب الثاني إلى تكاسل العديدين: "إن سيدي يبطئ" (48:24)، قال العبد في قلبه واستغل هذا أسوأ استغلال. إن مرور الزمن وتأخّر السيد هما حقيقة واقعية وأمر لا يُنكر. ولم يخطئ العبد في هذا، إنما أخطأ في النتيجة التي وصل إليها. هنا يقوم هدف المثل: النتيجة التي يجب استخلاصها من تأخر السيد هي عكس النتيجة التي توصل إليها العبد تماماً. إن المثل لم يلجأ لعبدين ليكوّن منهما مشهدين متناقضين، أحدهما إيجابي والآخر سلبي، وهو في الواقع أسهل. إنه لجأ إلى شخص واحد أمامه اختياران متناقضان. وهذا اختيار ذكي للغاية: لا ينتمي بالضرورة الخير والشر، الحكمة والحماقة، الصراحة والرياء إلى أشخاص مختلفة متعددة ولكنها تمثّل خيارات أمام نفس الشخص في مواقف عديدة. قد تقود ملاحظة تأخّر عودة السيد إلى استنتاج خاطئ تماماً، إذا أغفلنا أن عودته، في كل الأحوال، تكون في وقت غير متوقع، وبلا إنذار سابق كما يكون مجيء اللص ليلاً (را 43:24). يبدو أن السيد يتأخر، ولكنه قد يعود في أية لحظة. سواء كان هناك تأخير أم لا، يظل الموقف المسئول هو السهر الدائم. إن تأخّر عودة السيد لا تقلل من ضرورة السهر، إنها تجعله يطول. وإذا استغنينا عن الحديث الرمزي نقول إن الوقت يضيق بالنسبة للمسيحي، لا لكونه قصيراً بل لأنه طال أم قصُر، هو وقت تتم فيه اختيارات حاسمة. يدين المثل الاسترخاء وينبّه على أهمية السهر ويشير إلى نتيجتين خطيرتين: إساءة معاملة الأصحاب وحياة الترف والخلاعة. وكان الإنجيلي قد أعطى مثلاً عن أحد أشكال التراخي الأكثر انتشاراً مثل نوح وأبناء جيله (مت 24: 37-39). إن عكس السهر لا يقوم فقط في التسلّط على الآخرين واستغلالهم وفي حياة اللذة، إنما يقوم أيضاً في الغفلة والحياة بلا اهتمام ولا تفكير في أي أمر غيرها. كان الناس أيام نوح يحيون ويتزوجون ويأكلون ويشربون دون أن يدروا أن الطوفان قريب: الانشغال بأشياء عديدة، حتى وإن كانت الأشياء مجردة أو مشروعة، يؤدي إلى الغفلة والسهو وعدم السهر، مما يشغل عن مجيء الرب وعن الدينونة التي تتم في التاريخ والحياة. سبق وقلنا إن المشهد الأول هو إبراز المشهد الثاني والإعداد له. ونضيف الآن للمشهد الأول دوراً إيجابياً آخر إذ يظهر معنى السهر. إن السهر الحقيقي هو عدم التسلّط والعدل وتدبير شئون المنزل بحكمة: "لتعطيهم طعامهم في أوانه" (مز104 [103]:27). إن التذكّر بما يقوم به الله من توزيع الخيرات لهو أمر هام جداً. يريد السيد في مثل البواب الساهر (مر 33:13-36) أن يجده ساهراً مستيقظاً. أما هنا فيريد السيد أن يجد الوكيل عاملاً مشغولاً. يوجّه مثل الوكيل، مثل باقي الأمثال، إلى الجميع. تخص الجوانبُ السلبية والجوانب الإيجابية، التي يتناولها، كل إنسان. ولكن لا ننسَ أنه يتكلم عن "وكيل"، وبالتالي نقول إن المثل موجّه بنوع خاص إلى المسئولين والخدام. |
||||
18 - 04 - 2013, 07:07 PM | رقم المشاركة : ( 2987 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عمّال وأجرتهم إن مثل عمال الكرمة الذين كلّفهم السيد بالعمل فيها في ساعات مختلفة ثم ساواهم جميعاً في الأجر يثير الكثير من الصعوبات. هل يُعقل أن يمثّل الله بهذا السيد الذي يتصرّف بطريقة عفوية عشوائية مساوياً مَن عمل ساعة واحدة بمن عمل اليوم كله؟ من الواضح أن المثل لا يهدف التوقّف على علاقات العمل وعلى أسس العدل ومبادئه التي تحكم العمل. يدور المثل في إطار العلاقات الدينية والاجتماعية. إنه يتكلّم عن عدل الله لا عدل البشر. بالرغم من وضوح هذا الآخر إلا أن المشكلة تظل قائمة. هل يتصرّف الله حتى في العلاقات الدينية، مثل ذلك السيد؟(مت19: 30-16:20) »كثير من الأولين يصيرون آخرين والآخرين أولين« نعود إلى المثل. يكتري صاحب كرم عمالاً بالأجر اليومي. اكترى عمالاً في الساعة الأولى واتفق معهم على أجر يومي قدره دينار: إنه أجر عادل. وحتى هنا تسير الأمور سيراً عادياً بلا مشاكل إنه مشهد يتكرر يومياً، في المواسم، في قرى فلسطين وقرانا في مصر. ويكتري السيد عمالاً آخرين في ساعات مختلفة، وبعضهم قبل غروب الشمس بساعة. وهنا العجب، لأنه أمر غير مألوف. يبدأ القارئ والمستمع في التساؤل. لا يبرم السيد مع العمال الجدد أي اتفاق على الأجر بل يكتفي بالقول: »سأعطيكم ما كان عدلاً« (مت4:20). ولا يقول حتى هذا لعمال الساعة الأخيرة! يتساءل المستمع / القارئ بفضول: كيف يعامل السيد هؤلاء العمال؟ وأي أجر سوف يعطيهم؟ وعندما يبدأ السيد بمحاسبة الأخيرين معطياً لهم قدر ما اتفق عليه مع الأولين، يزداد فضول المستمع/ القارئ وينقلب السؤال رأساً على عقب: كيف يعامل السيد الأولين؟ أي أجر سوف يعطيهم؟ والرد على السؤال غير متوقع، غريب ومثير للدهشة: يعطي السيد الجميع أجراً مساوياً. ويحتج عمال الساعة الأولى ويعتبرون تصرّف السيد ظلماً صارخاً، ويشاركهم في هذا الرأي المستمع القارئ: لا تساوى ساعة عمل واحدة أجر يوم عمل كامل! يقدّم المثل في هذه النقطة: ظلم السيد! يتضامن المستمع/ القارئ مع عمال الساعة الأولى في احتجاجهم ويتوحّد معهم وينتظر تفسيراً. بالفعل يتوسّع السيد في هذه النقطة مفيضاً في شرح تصرفّه وتبريره. إن طول الحوار وجديته يثبتان-إن الأمر مازال يحتاج إلى إثبات. إن هذه النقطة هي مركز المثل والتي يجب إيلاؤها كل الاهتمام. لقد ابتعد تفسير المثل- بالأخص من منظور وعظي تعليمي عن المركز متجهاً إلى نقاط هامشية. وإليكم بعض الأمثلة. يرى بعض المفسرين القدماء أن مركز المثل هو الدعوة: الله يدعو في كل ساعة متى شاء وكيف شاء. قد تكون لحظة الدعوة مبكرة أو متأخرة وهذا لا يهم. المهم هو أن يكون المرء مستعداً ويتجاوب مع الدعوة متى وصلت ويتشبث بالفرصة عندما تُتاح له. ويرى آخرون، استناداً على بعض مخطوطات إنجيل القديس متى التي تضيف في نهاية المثل عبارة: المدعوون كثيرون والمختارون قليلون، إن هدف المثل هو الدينونة ويستطيع الإنسان، بالرغم من دعوة الله له من الساعة الأولى، والذي عمل النهار كله في الكرم، أن يرفض. قد يفقد الإنسان ملكوت الله في اللحظة الأخيرة، بعد أن يكون قد عمل النهار كله، فقد يسمع الأمر: »خذ ما لك وانصرف« (مت14:20). ويركّز آخرون، ومنهم إنجيل القديس متى ذاته، على ترتيب المحاسبة، حيث يبدأ بحساب الآخرين ثم الأولين. وأكّد الإنجيلي على ذلك بالعبارتين اللتين تسبقان المثل وتختمانه: »وكثير من الأولين يصيرون آخرين ومن الآخرين أولين« (مت30:19)، »فهكذا يصير الآخرون أولين والأولون آخرين« (مت16:20). يقلب الملكوت المناصب والمقاييس التي وضعها الإنسان ورسخها. فقياس الله يختلف عن قياس البشر: إنه يفضّل الفقراء على الأغنياء والخطأة التائبين على الأبرار والمتواضعين على الحكماء. وتؤكد نصوص عديدة في الإنجيل على هذا الأمر »الحق أقول لكم: إن العشارين والبغايا يتقدمونكم إلى ملكوت الله« (مت31:21). ويركّز آخرون على الحوار الذي دار بين رب الكرم والعمال: »لماذا قمتم ههنا طوال النهار بطالين: قالوا له: لم يستأجرنا أحد« (مت6:20-7). هل هي حجة؟ هل يختلف تصرّف الله عن تصورنا لأنه يعرف ما في قلب الإنسان؟ إن الله يعاملهم معاملة عمال الساعة الأولى لأنه لا ذنب لهم أن يعملوا آخر ساعة. يستحق حوار السيد مع عمال الساعة الأخيرة اهتماماً خاصاً والله يعرف فعلاً ما في قلب الإنسان. لكن يجب أن نلاحظ أن السيد عندما يبرر تصرفه في نهاية المثل لا يذكر هذا الأمر إطلاقاً. كما أن تفسير المثل بهذه الطريقة يفقده قوته: إن عدل الله يصبح مثل عدل البشر. صحيح أنه أقوى وأعمق وأكثر عدلاً ولكنه ليس جديداً! يهدف المثل إلى إعلان أن عدل الله وعلمه أكثر عمقاً ولكن الأكثر من ذلك أنهما أكثر جدّة. إن طرق التفسير التي أوردناها بالرغم من تنوعها واختلافها، تشترك في محاولة التغلّب على الدهشة والحيرة اللتين يثيرهما المثل. عندما أعدنا رواية المثل بيّنا أن مركزه بعيد عن تبرير هذه الحيرة. هناك شيء صحيح في كل تفسير من التفسيرات السابقة ولكنه جانبي وهامشي. لا يركّز المثل لا على الدعوة في كل ساعات النهار ولا على الدينونة والرفض الذي قد يقع حتى على عمال الساعة الأولى ولا على أن الأولين يصيرون آخرين والآخرين أولين ولا على الحقيقة الواقعة أن الله يعرف ما في قلب الإنسان معرفة عميقة وجيدة. إن المثل يركّز على أن الآخرين حصلوا على نفس الأجر الذي حصل عليه الأولون. إن من يريد أن يفهم المثل عليه أن يواجه هذه المفارقة. أم عينك حسود هل يريد يسوع أن يعلمنا من خلال حصول الآخرين على نفس أجر الأولين أن ما يبدو لنا ظلماً هو عدل في عيني الله، لأنه يسمو على المقاييس البشرية ولأنه حر في تصرفاته لدرجة أنه يقلب مقاييسنا البشرية؟ يختلف عدل الله، بكل تأكيد، عن عدلنا نحن ولكن ليس هذا ما يريد أن يركّز المثل عليه. إن عدل الله هو نابع من طبيعة الله وله مقاييسه الخاصة. لا نستطيع أن نضيف شيئاً آخر. صحيح أن الله حرّ ولكن حريته ليست حرية عشوائية. لقد واجه اعتراض العمال بقوله: »ألا يجوز لي أن أتصرّف بما لي كما أشاء؟« (مت 15:20). ورد الله هذا يختلف تماماً عمّا نعنيه نحن بقولنا: »أفعل ما بدا وما حلا لي« يؤكد هذا أن السيد لم يرفض بتسلّط احتجاج عمال الساعات الأولى، بل حاورهم وشرح لهم وحاول أن يفهمهم أن احتجاجهم لا أساس له ولا مبرر. إن تصرّف السيد بهذه الطريقة لا يعني أنه يتجاهل تعب من عمل أكثر من غيره أو أنّه لا تعنيه كثرة عمل البعض، إنما يعني أنه يحب أيضاً الأخيرين وليس فقط الأولين. إنه يريد أن يكون الجميع أولين: »ساويتهم بنا« (مت12:20). »إن الله لا يخرق العدل بل يتخطى النسب«. الله متسامٍ لا لأنه ضد العدل بل لأن جودته وحبه وتسامحه تفوق العدل. إن مجال عمل الله هو اتساع جودته، لا ضيق الحق والفروق. يريد الله أن يقابل الإنسان، أي إنسان وكل إنسان: باراً كان أم خاطئاً. إن مجانية الله لا تناقض الحق بل توسعه. وعندما يدخل الإنسان هذا المجال فإنه عندئذ فقط يستطيع أن يقول إنه يعرف، بطريقة ما، الله. يوجّه الله للعامل المتذمّر سؤالاً عميقاً يصل إلى أساس المشكلة: »أم عينك حسود لأني كريم؟« (مت15:20). إنه سؤال عادل. لا يتذمّر عمّال الساعة الأولى لأن السيد اقتطع جزءً من أجرهم، بل لأنه أعطى الآخرين أجراً مساوياً لهم! لا يعبّر احتجاجهم عن الغيرة على العدالة بل عن غيرة وحسد. إن حريّة تصرّف السيد وجدّته ومفارقته لا تنبع من عشوائية وتخبّط؛ بل تتحرّك في اتجاه منطقي متسق وثابت: مجال المجانية اللامتناهية. إن إله يسوع المسيح ليس إلهاً ظالماً إنما هو إله لا يدع شيئاً من النسبية ...... وتبدو النسب للإنسان قانوناً مقدساً لا يمسّ كان هذا رأي مستمعي يسوع وهو أيضا رأينا نحن اليوم. من المؤكد أن »للنسب« حقيقتها ولكنها ليست تلك الحقيقة القادرة على أن تساعدنا على الانفتاح على سرّ يسوع المسيح. اتضح الآن مركز المثل: إن ما يكشف سرّ الله ويعلنه ليس هو العمل/ الجزاء بل هو المجانية. إن المثل يكشف لنا عن الله ولكنه في نفس الوقت تنبيه قوي لكل إنسان: إن أردت أن تكتشف سرّ الله فتخلّص من معايير النسب الجامدة. يصير الآخِرون أولين والأولون آخِرين لاحظنا أن إنجيل القديس متى يجمع بين المثل والقول الحكمي »كثير من الأولين يصيرون آخرين ومن الآخرين أولين« (مت30:19). إنه يكرّر هذا في بداية المثل وفي خاتمته، مع تغيير طفيف. ويعبّر هذا القول الحكمي، بما فيه من تناقض صارخ عن اختلاف تصرّف الله عن تصرّف البشر. ساهم التناقض الحاد في القول الحكمي في إبعاد القرار عن معنى المثل العميق. إن السيد، في المثل، باستثناء أنه بدأ بمحاسبة الآخرين قبل الأولين لا يحدث أي انقلاب: إنه يرفع الآخرين ولكنه لا يحط الأولين. إن سياق هذا القول الحكمي، كما يتضح هذا أيضاً في نشيد مريم العذراء: »حط الأقوياء عن العروش ورفع الوضعاء، أشبع الجياع من الخيرات والأغنياء صرفهم فارغين« (لو 52:1-53)، هو سياق مختلف تماماً. إنه ليس رصداً للواقع بقدر ما هو أمنية ورغبة وصلاة وحلم الفقراء والمضطهدين والمتألمين والمهمشين. أراد إنجيل القديس متى بهذه القراءة أن يقي القرّاء من مغبة سوء الفهم لا يهم الله أن يعمل الإنسان قليلاً أو كثيراً، أن يكون خاطئاً أو باراً. إن تخطّى حدود النسب، كما فعل المثل، له أخطاره الكثيرة. يحتفظ تفسير إنجيل القديس متى لهذا المثل بدور النسب وهذا صحيح إلا أنه يحمل بالتأكيد بعض المخاطر. يعتقد الإنسان أن النسب قانوناً لا يُمَس. إن للنسب، بالتأكيد، جانب صحيح ولكنها لا تفتح الطريق على سرّ الله. إنها حقيقة ولكنها ليست جِدّة. لا يجب أن ننسى هذا. إذا نسبنا هذا لتشوهت صورة وأصالة الإله الذي بشّر به يسوع المسيح، هذا الإله الذي لم نصنعه نحن والذي يأتي تجاهنا ويقابلنا. إن النسب هي مثل حجر من أحجار البناء ولكنها ليست حجر الزاوية. هناك خطر أن تأخذ هذه النسب مكانة هامة، تقودنا إلى خلق إله على صورتنا! مثل للخطأة أم للأبرار؟ يمكن تطبيق هذا المثل سواء على الخطأة أو على الأبرار ولكن من زاويتين مختلفتين: الزاوية الأولى: يعلن للخطأة بشرى أنهم ليسوا آخِرين، والزاوية الثانية يحذّر الأبرار من الانغلاق في حدود عدالتهم الضيقة. يحذّر هذا المثل الأقوياء من بطش قوتهم والضعفاء من وهن ضعفهم. يدعو المثل الجميع، أبراراً وخطأة، إلى التوبة. تنبع التوبة والرجوع عن الخطيئة من الاكتشاف المذهل لوجود عفو مجاني وصفح لا يخضع لمنطق بشري. تنبع توبة البار من لقاء غير متوقع مع الله يجعله يتجاوز ضيق أفق »العدل« ليدخل في أفق المجانية المتسع واللامحدود. إن التوبة في الحالتين كلتيهما: الأبرار والخطأة، هي انفتاح على المجانية. ولكن، إحقاقاً للحق، تكون أحياناً توبة البار أصعب بكثير من توبة الخاطئ. يبدو أن المثل موجّه أساساً إلى الأبرار. غالباً وهم الذين يحتجون ويطالبون بالفرق: »هؤلاء الذين أتوا آخراً لم يعملوا غير ساعة واحدة، فساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار وحرّه الشديد« (مت12:20). إن العالم مليء بالأشخاص، أقصد المؤمنين، الذين يصرخون مطالبين بالعدالة لا لأنهم مظلومون، بل لأنهم يرون تزايد ضيق الفرق بينهم وبين الآخرين. لا يعرف هؤلاء المؤمنون شيئاً عن الإله الحقيقي. كما أن تبرير السيد المسهب والمطوّل موجّه إلى الأبرار لكي يدفعهم للتفكير ويقنعهم أن رغبتهم في العدل خارجها مطالبة بالعدل وباطنها حسد. إن الحسد هو إحساس يظل متربصاً إذا ظلّ البار مقتنعاً في داخله أنه يتمّ الحصول والوصول إلى الإنجيل بمجهوده الفردي وليس كهبة من الله. |
||||
18 - 04 - 2013, 07:20 PM | رقم المشاركة : ( 2988 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثل "الأطفال لا يلعبون" هناك تطابق شبه حرفي بين هذا المثل في إنجيل القديس لوقا ومثيله في إنجيل القديس متى والذي سبق وتناولناه في العدد الثاني لمجلة صديق الكاهن لعام 2000: يبدو أن يسوع ينطلق من حكمة: "يقولون زمرنا لكم فلم ترقصوا؛ ندبنا لكم فلم تبكوا" (لو 32:7) وبنى حول هذه الحكمة مشهداً يصعب تحديد طريقة حدوثه: هل تعرض مجموعة من الأطفال على مجموعة أخرى لعبة وعكسها ويرفض هؤلاء عرض زملائهم في الحالتين؟ أم هل تعرض المجموعة الأولى على الثانية لعبة فترفض الثانية، ثم تعرض الثانية بدورها لعبة فترفض الأولى، كرد فعل صبياني على الرفض السابق للمجموعة الثانية ؟(لو 31:7-35) في الحالة الأولى تكون مجموعة مستعدة، للعب والثانية غير مستعدة، وفي الحالة الثانية، وهي تنطبق أكثر على النص اليوناني؛ ترفض المجموعتان كلتاهما اللعب، بل جميع أنواع اللعب. ولكن الفرق بين الحالتين ليس فرقاً كبيراً أو جوهرياً. ففي كلتا الحالتين يرفض الأطفال دوماً اللعبة وعكسها، بذلك يعلنون عزوفهم عن اللعب والأسباب التي يتعللون بها: إنها لعبة مرحة جداً أو أنها لعبة كئيبة جداً هي مجرد حجج وهذا ما يريد أن يشير إليه يسوع. "هذا الجيل"– عندما ترد هذه العبارة على لسان يسوع- تكون دائماً ذات معنى سلبي. يرفض هذا الجيل كل دعوة إلهية، أياً كانت هذه الدعوة: يرفضون يوحنا المعمدان لأنه متقشف جداً، ويرفضون يسوع لأنه يأكل ويشرب. لا يريد يسوع، بهذا المثل، أن يركّز الانتباه على الرفض، بل يريد أن يبرز دوافعه الحقيقية وهي عدم الاستعداد. ومع ذلك يظل هناك أناس منفتحون للفهم والقبول. والمقصود بالحكمة هنا خطة الله التي أعلنها ويعلنها مرسَلوه، والمرسل في هذا النص هو يسوع. أمّا الذين يرفضون خطة الله فهم هذا الجيل أي علماء الشريعة والفريسيين (30:7) أمّا عامة الشعب والعشارون فهم "أبناء الحكمة" لأنهم يعترفون ببر الله (29:7). مثل المديونين: رد يسوع على سمعان الفريسي(لو 36:7-50) يرد هذا المثل في سياق حوار حيث حل يسوع ضيفاً على أحد الفريسيين، وكان يسوع يتعامل مع كل الفئات سواء مع الفقراء أو الخاطئين، المحافظين والأغنياء. وكان الاعتقاد السائد آنذاك أن استضافة أحد المعلمين (الربيين) عند مروره عملاً محموداً من الناس ومقبولاً لدى الله. لذلك لم يدع هذا الفريسيّ الغني هذه المناسبة تضيع منه. وكان دخول امرأة، غير مدعوة، إلى مكان الغذاء ليس بالأمر غير المعتاد: كان الجيران يدخلون لإشباع الفضول؛ فالباب كان يظل دائماً مفتوحاً. وهناك سبب آخر يدعو لترك الأبواب مفتوحة: وعي الفريسيين وإدراكهم مسؤوليتهم في تهذيب الشعب وتعليمه، وبذلك كان عليهم إتاحة الفرصة للشعب لكي يرى ويتعلم من المثل الصالح: مثل الفريسي الذي يمجد الله بإكرامه أحد المعلمين. وكانت هذه المرأة، وهي خاطئة مشهورة في المدينة، لم تكتفِ بالنظر لإشباع الفضول، بل جلست عند قدمي يسوع وغسلتهما بدموعها وسكبت عليهما الطيب. ويظهر من باقي ملابسات المثل أن عملها هذا كان تعبيراً عن توبتها الصادقة وعن حبها الكبير وعرفانها بالجميل. شخصيات المثل ثلاث: يسوع والمرأة والفريسي. ويجب النظر إليها معاً: يجب النظر إلى تسامح يسوع مع المرأة الخاطئة مقروناً برد فعل الفريسي. تسمح هذه النظرة باكتشاف مدى تباين العقليتين والمنطق: عقلية الفريسي ومنطقه وعقلية يسوع الناصري ومنطقه. هذه هي النقطة الأساسية التي يدعو المثل إلى اعتبارها والتأمل فيها. وقبل أن نخوض في شرح المثل يجدر بنا أن نعطي بعض الملاحظات حول رواية المثل: إنها رواية حية دقيقة البنيان غنية التفاصيل. في مشهد الافتتاح يقدم لوقا الإنجيلي شخصيات المثل: "دعاه أحد الفريسيين... (دعا يسوع) وإذا بامرأة" (لو 36:7-37). تشير كلمة "إذا" إلى شيء أو شخص يريد الراوي أن يجذب انتباه القارئ عليه. ويصف الإنجيلي بعناية فائقة حركات المرأة وتصرفاتها: ترد بعض الأفعال في الماضي التام وهي أعمال سريعة دقيقة ويرد بعضها في الماضي المستمر الذي يشير إلى تكرار الفعل وطول مدته: جعلت تقبل قدميه... (جعلت) تمسحهما... جعلت تقبل قدميه... جعلت تدهنهما بالطيب. إن هذا المشهد، وهو المشهد الأول، صامت، لا أحد يتكلم فيه: يراقب كل من الفريسي ويسوع المرأة جامدين صامتين. ولكن نظرة كل منهما تختلف عن نظرة الآخر، كما يختلف أيضاً حكم كل منهما. ويعلن يسوع صراحة فيما بعد رأيه للفريسي. يكوّن الفريسي رأيه في يسوع وفي المرأة ويكتمه في ذاته ولا يعلنه. يخمّن يسوع ما يفكر عنه الفريسي "فأجابه" (40:7): التفت إلى المرأة وقال لسمعان (44:7). أن يتحدث المرء إلى إنسان ناظراً إلى إنسان آخر لهو غريب، ولكنه معبّر جداً. يكلم يسوع سمعان الفريسي ناظراً إلى المرأة، لأن حديثه يخصهما معاً (سمعان والمرأة)، ولأن يسوع يريد أن يلتفت سمعان أيضاً إلى المرأة: الموضوع الأساسي هو هذه المرأة وكيفية النظر إليها أي الحكم عليها. وفي آخر المثل هَمهَم جلساؤه ولم يعلنوا رأيهم صراحة فتجاهلهم يسوع معلناً رأيه: "إيمانك خلصك، فاذهبي بسلام" (50:7). تصرفات متناقضة للمرأة الخاطئة والفريسي حيال يسوع تصرفات متناقضة. يعلن يسوع ذاته هذا التناقض: "أترى هذه المرأة؟ إني دخلت بيتك فما سكبت على قدمي ماء، أما هي فبالدموع بلت قدمي وبشعرها مسحتهما. أنت ما قبلتني قبلة، وأما هي فلم تكف مذ دخلت عن تقبيل قدميّ. أنت ما دهنت رأسي بزيت معطر، أما هي فبالطيب دهنت قدمي" (44:7-46). كما تختلف نظرة سمعان الفريسي إلى المرأة (إنه يرى فقط أنها خاطئة) عن نظرة يسوع لها (إذ يرى عرفانها بالجميل وحبها). بذلك يسيء الفريسي الظن بيسوع أيضاً: إذا كان نبياً عظيماً، كما يقولون، فكيف لم يعرف من هي هذه؟ لماذا تركها تقترب منه وتلمسه؟ هناك إذاً تضاد جذري حاد بين الشخصيات: من ناحية سمعان الفريسي وفي النقيض الآخر يسوع والمرأة؛ أياً كانت زاوية نظر الشخصيات الثلاثة والعلاقات بينهم. ما سبب عمى هذا الفريسي؟ إنه يرى في المرأة الخطيئة ولا يرى العرفان بالجميل والحب، ولم يدرك معنى سماح يسوع لها بالاقتراب منه ولمسه. لماذا؟ هناك أسباب عديدة، أولها لاهوتي: يعتقد الفريسي أن رجل الله لا يجب أن يتنجس بلمس الخطأة، لا بل عليه أن يتحاشى هؤلاء وأن يميز بدقة بين الصديقين المحافظين والخطأة المخالفين، بين المؤمنين والوثنيين: "لو كان هذا الرجل نبياً، لعلم من هي المرأة التي تلمسه"(39:7). أمّا رأي يسوع فهو مختلف تماماً: إنه يعرف أن الله آب يحب كل أولاده الخطأة منهم والصديقين وأنه لا يستبعد الخطأة بل يبحث عنهم. يعرف يسوع أن الله لا يتمجد بالابتعاد عن الخطأة بل بالابتعاد عن الخطيئة، إنه لا يتمجد بالحكم عليهم وإدانتهم، بل بالبحث عنهم وقبولهم والصفح عنهم (را لو15). إن الاختلاف لا بل التناقض بين يسوع الفريسي هو تناقض لاهوتي إذ يتعلق بنظر كل منهما إلى الله! ثاني الأسباب أنثربولوجي: ويمتد الاختلاف والتناقض إلى نظر كل منهما إلى الإنسان. تتأثر نظرة الفريسي إلى المرأة بفكرته المسبقة عنها أنها خاطئة وبالتالي يفسّر عملها، وهو عمل فريد ومحدد على ضوء حكمه المسبق، ووحّد بين المرأة وحالها، بين الخطأ والخطيئة: إنها خاطئة وغير قادرة، إلا على الخطيئة ويجب الشك في كل ما تقوم به وتعمله؛ أمّا يسوع، فهو ينظر نظرة الله. يعرف أيضاً يسوع أنها خاطئة ولكن هذا لا يمنعه من فهم أن عملها هذا ناتج عن حبها. إنه حرّ غير مقيّد بأحكام مسبقة لذلك يدرك فرادة عملها وحقيقة وصدق دوافعها: إنها ليست قادرة فقط على الخطأ بل هي قادرة على الحب: "إن خطاياها الكثيرة غُفرت لها لأنها أظهرت حباً كثيراً" (47:7). ثالث الأسباب هو شخصي: غُفرت خطايا المرأة فحصلت على الخلاص. لقد أُسقِط عنها دينها الباهظ. كان للقاء يسوع، بالنسبة لها، معناه العميق: معنى التحرير والخلاص، معنى الصفح غير المنتظر أو المرجو، معنى الكرامة التي عادت إليها. هذه هي أسباب حماسها وفرحها وعرفانها بالجميل. أمّا الفريسي فيظل منغلقاً على بره الذاتي غير واعٍ بما عليه من دين، كبر هذا أم صغر، فهو لا يشعر بأنه مدين ليسوع بأي شيء. وربما يشعر نحوه بالتقدير فقط وليس بعرفان جميل أو دهشة أو فرح. وحده الذي يشعر بأنه نال الصفح وأنه موضوع حب الله المجاني ويختبر هذا، يفهم معنى زيارة يسوع ويعيه. الحوار إنهما وجهتا نظر مختلفتان. بدلاً من أن ينهر يسوع عمى الفريسي قائلاً: الويل لكم أيها الفريسيون العميان، يحاول أن يدعو سمعان للتفكير عن طريق مثل ضربه له. لقد عفا أحد الأثرياء عن مدينين له: أحدهما مدين بالكثير جداً والآخر مدين بأقل كثيراً من زميله. مَن منهما يكون أشد تقديراً وحباً لصاحب الدين؟ ويحسن سمعان الإجابة، مؤكداً أن ذا الدين الأكبر يكون أكثر حباً وامتناناً. لقد دخل سمعان الفريسي طرفاً في هذه اللعبة وتورط: الآن يستطيع أن يتعمّق في الفكرة التي طرحها على يسوع، إذا كان له عينان للنظر وأذنان للسمع. الآن يستطيع أن يعيد النظر في رأيه في المرأة الخاطئة وفي يسوع وفي الله. الصفح والحب يلاحظ القارئ المدقق تعارضاً بين الخاتمة التي يستنتجها يسوع من المثل، من جهة: "إن خطاياها الكثيرة غفرت لها لأنها أظهرت حباً كثيراً" (47:7)، وخط سير الرواية في مجملها من جهة أخرى. فكان من المتوقع مثلاً قلب ترتيب العبارات: لأنه غفر لها الكثير فهي أحبت كثيراً. يبدو أن إنجيل القديس لوقا عدّل هدف المثل. كما أن التعارض بين جزئي العدد 47:7 مثير جداً: ففي الجزء الأول يسبق الحب الصفح وفي الثاني هو نتيجة له "أمّا الذي يغفر له القليل فإنه يظهر حباً قليلاً" (47:7ب). إن هذا الاختلاف الذي أشرنا إليه هو نتيجة تاريخ تحرير المثل، وعلينا أن نجد له تفسيراً، انطلاقاً من هدف المثل: علاقة الله بالإنسان والإنسان بالله. لهذه العلاقة وجهان صحيحان وحاضران في تعليم الإنجيل. الوجه الأول وهو الذي يحتل المكانة الأولى في مثلنا هذا هو: يسبق صفح الله حبنا له وهو سببه ودافعه ومعياره. وأمّا الوجه الثاني: حبنا لله هو علامة على أننا قبلنا صفح الله وفهمناه ووعيناه، وبالتالي فإن صفحه وصل إلينا. ربما يبدو لنا أن هذين الجانبين متعارضان ولكنهما في الواقع، متداخلان. يحدد حبه لنا وحبنا له ويظهر حبنا لله إذا كنا نحن نشعر بحبه لنا. |
||||
18 - 04 - 2013, 07:32 PM | رقم المشاركة : ( 2989 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثلا: الابنين (مت21: 28-32) والكرامون القتلة (مت 33:21-45) إن مثل الابنين هو أول ثلاثة أمثال متتالية تحاول شرح مسألة رفض الإنجيل من جهة من كان عليهم قبوله قبل غيرهم. كيف يجب شرح هذا الأمر؟ تقوم الأمثال على خلفية الدهشة البالغة لرفض مزدوج: رفض اليهود الممارسون المتدينون وممثلو وعلماء الشريعة يسوع، بينما قبله الشعب؛ ورفض اليهود بشارة الإنجيل بينما قبلها الوثنيون. وتتداخل، في هذه الأمثال، فترتان زمنيتان مختلفتان: فترة ترجع إلى زمن يسوع المسيح، والفترة الأخرى تعود إلى زمن الكنيسة الأولى. وجدير بالذكر أن هذا الأمر يتكرر في معظم الأمثال. إنه تداخل في محله حيث أن المنطق الذي يسود الفترتين هو ذاته. يمتاز كلام يسوع (مت28:21-32) بالحبكة الروائية: يروي المثل ويدفع السامعين دفعاً إلى إصدار حكم ثم يطبق هذا الحكم على من أصدروه. يتكوَّن المثل من لوحتين متناقضتين تماماً: رفض يتحوّل إلى قبول، وقبول يتحوّل إلى رفض. يخاطب يسوع في هذا المثل، كبار الكهنة والشيوخ »ودخل الهيكل، فدنا إليه عظماء الكهنة وشيوخ الشعب« (مت 23:21) الذين كانوا يسألونه عن السلطان الذي به يعمل ويعلِّم. إنه سؤال استفزازي وربما يكون مصطنعاً، لأن هؤلاء كوّنوا رأيهم الثابت فيه. هذا هو الموقف الذي يصر عليه إنجيل القديس متى: حكم الكهنة والشيوخ المسبّق على يسوع. ولكن ما هو سبب ودافع هذا السؤال؟ هل أراد الإنجيلي أن يخبر مستمعيه وقرائه بما حدث ليسوع أم أنه أراد أن يحثهم إلى التحقق من إيمانهم؟ إن الدافع ليس هو مجرد إعطاء الخبر: تتصف الأناجيل بقيمة تاريخية عالية ولكنها لا تهدف إلى مجرد الإخبار عن الماضي بل بالأكثر إلى تغذية الإيمان. كما أن الإنجيلي يدأب على إظهار المقاومة ليسوع ورسالته، سواء أكانت هذه من الفريسيين أو من السلطات أو من غيرها. يتكرّر المشهد مع اختلاف أبطاله والمضمون هو: المؤمن "الشكّاك" إن ما حدث في زمن يسوع قد يحدث الآن، في أيامنا، هذه هي رسالة الإنجيل وبالتالي قد يتحوّل رفضنا إلى قبول أو قبولنا إلى رفض لذات الأسباب. للمثل إذاً وجهان. على أيهما يجب التركيز؟ إذا توجّه المثل إلى الصدِّيقين الأبرار فإنه ينبههم أن قبولهم قد يتحوّل في أيّة لحظة إلى رفض، أما إذا توجّه إلى الخطأة فإنه يطمئنهم أن فرصهم مازالت قائمة: يمكن يتحوّل رفضهم إلى قبول. يبدو أننا أمام مثل حلزوني! يصدق هذا في حالة واحدة وهي قراءة المثل وحده، دون وضعه في سياقه. أمّا إذا قرأنا المثل وفسّرناه في السياق الذي أراده له الإنجيلي لأصبحت توجهاته (المثل) متعددة: يتوجّه المثل إلى الصدِّيقين لكي يحدثهم عن الخطأة ويقول لهم إنهم أفضل منكم! ويتضح ذلك من عبارة: »ولكنه ندم بعد ذلك فذهب« (مت29:21). يعني الفعل اليوناني المستعمل ميتامولوماني للإحساس بالندم إعادة التفكير. ويمكن استنتاج تعليم أولي من فارق تصرّف الأخوين: لا قيمة للأقوال بل للأعمال. وليس هذا الأمر بجديد على إنجيل القديس متى. لقد تناوله بتوسّع في ختام حديث يسوع على الجبل وبالتحديد في (21:7-27). ولكن تقليص المثل على هذا التعليم هو شيء غير كامل لأن يسوع يختم المثل قائلاً: »الحق أقول لكم إن العشارين والبغايا يتقدمونكم إلى ملكوت الله« (مت 31:21ب). إنها كلمات قاطعة وشديدة ترجع إلى يسوع المسيح نفسه. إن هذه الكلمات لا تعني أن كل الخطأة سيدخلون ملكوت السموات ولا تعني أنه لن يدخله أي فريسيّ. لا تعبّر هذه الكلمات عن مبدأ ثابت أو حقيقة عامة بل تصوّر واقعاً محدداً عاشه يوحنا المعمدان ويسوع المسيح. كانت خبرة فريدة ولكنها غير مقصورة على مكان واحد وزمن بعينه: قد تتكرّر هذه الخبرة في أي مكان وأي زمان. لذلك يذكّر إنجيل القديس متى الجماعة بهذه الخبرة. يوحنا المعمدان ويسوع المسيح بعد أن روى يسوع المثل وطبّقه على مستمعيه يروي ما حدث ليوحنا المعمدان: »فقد جاءكم يوحنا سالكاً طريق البر فلم تؤمنوا به. وأمّا العشارون والبغايا فآمنوا به«(مت32:21). وعندما يتكلم يسوع عن يوحنا المعمدان فإنه يتكلم عن ذاته. فيوحنا المعمدان هو مجرد مثل، لقد قابل يسوع أناساً أبراراً ومواظبين على الصلاة وبالتالي مؤمنين في نظر الجميع، ولكنهم رفضوه. بينما قابل أناساً خطأة في نظر الآخرين ولكنهم قبلوه، هناك العديد من الأمثلة التي توردها الأناجيل. حتى يبدو أنها الخط الرئيسي له: لاوي جابي الضرائب، زكا، المرأة الزانية، اللص اليمين، ومن الجانب الآخر الفريسيون والكهنة، والشاب الغني. قلنا إن يسوع، عندما يتكلم عن يوحنا المعمدان فإنه يتكلم عن ذاته. ولكننا الآن نصحح ونقول إنه يتكلم عن الله. إن الآب في المثل هو بدون شك، تصوير لله. يوحنا المعمدان، يسوع المسيح، الآب: تكرر تصرّف هؤلاء تجاه يوحنا المعمدان مع يسوع المسيح، والتصرف مع يسوع المسيح هو مرآة صادقة تعكس تصرف الإنسان تجاه الله. إن رفض يسوع المسيح هو رفض لله. ويتحوّل كلام يسوع، في النهاية إلى صيغة المخاطب للجمع، وبذلك يتوجّه بالحديث إلى كل المستمعين: »وأنتم رأيتم ذلك، فلم تندموا آخر الأمر فتؤمنوا به« (مت 32:21ب). إن التناقض هنا ليس تناقضاً بين الأخوين، بل بين الأخ الذي »ندم بعد ذلك فذهب« وبين مستمعي يسوع. الذين ولا حتى »آخر الأمر« ندموا. ويقول يسوع »وأنتم رأيتم« ولكنه لا يحدد ماذا رأى هؤلاء. ولم يؤمنوا إنه لا يعلن صراحة ما يعنيه وهو بشارة وحياة يوحنا المعمدان ويسوع نفسه. كانت لديهم كل الفرص لإعادة التفكير وتغيير الحياة، ولكن هذا، للأسف، لم يتم! مثل الكرامون القتلة(مت 33:21-45) إن مثل الكرامين القتلة في إنجيل القديس متى قريب جداً منه في إنجيل القديس مرقس، لذلك نكتفي بما يضيفه إنجيل القديس متى من تعليم. إن أهم ما يميّز المثل في إنجيل القديس متى هو موقعه: يضع إنجيل القديس متى هذا المثل بين مثل الابنين (28:21-32) ومثل وليمة الملك (1:22-14) وبذلك يجعل منه مركزاً لحديث طويل عن رفض الملكوت والدينونة الناتجة عن ذلك. إن رفض الإنسان ليسوع هو قمة موقف هذا الإنسان، وهو أمر واضح وموقف مبدئي وليس مجرد حدث عارض. لقد سبق هذا الرفض، رفض تعليم الأنبياء ورفض رسالة يوحنا المعمدان ويليه رفض بشارة الكنيسة. تتعرّض أعمال الله كلها لهذا المصير. يستلهم إنجيل القديس متى هذا المثل، كما فعل إنجيل القديس مرقس، من نشيد الكرم (أش5)، ولكن المثل يبتعد فجأة عن خط أشعيا النبي. إن أعمال الله، وكذلك أعمال الإنسان، فريدة وليست نسخة مكررة من أعمال تمت في الماضي. انتظر رب الكرم في نبوة أشعيا عنباً جيداً ولكن الكرم أثمر حصرماً برياً. لا يدور موضوع هذا المثل في الأناجيل حول نوعيّة العنب إن كانت جيدة أم رديئة إنما يدور حول رفض حقوق رب الكرم. لا يريد الكرام الاعتراف برب الكرم سيداً له. إنهم يتصرفون كما لو كان الكرم ملكاً لهم هم وبالفعل كان رفض الأنبياء ومن بعدهم رفض يسوع المسيح ليس مجرد خطيئة عادية بل خطيئة من يقيم نفسه رباً وبدلاً من أن يصغي لله الذي يتكلم بفم الأنبياء يغتصب لنفسه حق الحكم والدينونة، وهو خاص بالله وحده. إنهم يقيمون أنفسهم قضاة حتى على الكلمة الإلهية ذاتها. هذا الموقف هو سبب رفض الأنبياء. ويزداد هذا الأمر وضوحاً تجاه الابن: "هوذا الوارث هلم نقتله ونأخذ ميراثه" (مت 38:21). هناك، إذاً، دافع آخر لقتل الابن: كونه الابن. ربما تندهش أمام قسوة هؤلاء الكرامين: ضرب، قتل، رجم... كل أنواع العنف!. ولكن أشد أنواع العنف وأقساها يقع على الابن: »فأمسكوه وألقوه في خارج الكرم وقتلوه« (مت 39:21). ونلاحظ فرقاً بين إنجيلي القديسين مرقس ومتى: فالأول يقول إنهم قتلوه أولاً ثم ألقوه خارج الكرم (مر 8:12) بينما يقلب الثاني الترتيب أي »أخرجوه خارج الكرم وقتلوه«. إن قلب الترتيب هذا لا يرجع إلى محض الصدفة: إنه مقصود إذ يوحي به الكاتب لقرائه صورة جميلة: »أخرج اللاعن إلى خارج المخيم، وليضع كل من سمعه أيديهم على رأسه، ولترجمه كل الجماعة« (أح 14:24؛ عد 35:15-36، تث24:22). إن القتل بعد الجر خارج المخيم أو المدينة هو مصير اللاعن والزاني. لقد تمّ سحب إسطفانوس خارج المدينة ثم تمّ رجمه (رسل 58:7). وهذا هو نفس مصير يسوع كما يرد في الرسالة إلى العبرانيين »لذلك تألم يسوع أيضاً في خارج الباب ليقدّس الشعب بذات دمه« (عب 12:13). يبدأ المثل في إنجيل القديس متى بفعل أمر: »اسمعوا« وينتهي بسؤال: »فماذا يفعل رب الكرم بأولئك الكرامين عد عودته؟« (41:21) يطرح يسوع السؤال في إنجيل القديس مرقس، ويعطي هو نفسه الإجابة عليه. أما في إنجيل القديس متى فيطرح يسوع السؤال ويجيب معارضوه. يبدو السؤال ساخراً ولكنه في محله. يعطي معارضو يسوع رداً صحيحاً إلا أنهم يعجزون عن استخلاص النتائج المترتبة على ذلك. لا بل إن الحقيقة التي يعلنها يسوع والتي لا يستطيعون إنكارها تزيد من إثارتهم وثورتهم لسببين: لأنها حقيقة ولأنها تمسهم هم مباشرة. وتتعلق عبارات يسوع الأخيرة (مت 42:21-44)، التي يختلف فيها إنجيل القديس متى عن إنجيل القديس مرقس، بالدينونة. إنها دينونة متعددة الوجوه. إن الحجر الذي رذله البناءون، أي الرؤساء، معتبرينه غير صالح هو الحجر الذي اختاره الله ليكون حجر زاوية. ليست هناك طريقة أكثر وضوحاً ومباشرة لفضح ادعاءات هؤلاء الرؤساء الذين أعطوا أنفسهم الحق في الحكم على يسوع ورسالته ورفضهما أكثر من هذه الطريقة الساخرة. لا يتوقف الأمر هنا بل سيكونون شهود عمل إلهي يقلب كل معارضهم رأساً على عقب. سيُنـزع منهم ملكوت الله ويُعطى للأمم وهي التي تستثمره أفضل منهم. يرد الفعلان في المبني للمجهول. وكما هو معروف فإن نائب فاعل المبني للمجهول الإلهي هو الله نفسه: فهو الذي ينزع وهو الذي يعطي. هنا أيضاً تستثر سخرية رقيقة: يمنح الله الملكوت إلى الأمم، الذين يدينونهم هم رؤساء الشعب بشدة ويعتبرونهم خارجين مبعدين عنه. الله هو الصخرة المخلِّصة ولكنه قد يكون هو أيضاً الصخرة التي تسقط على الإنسان وتحطمه: »فيكون لكم قدساً وحجر صدم وحجر عثار لبيتي إسرائيل وفخاً وشبكة لساكني أورشليم« (أش14:8). ينطبق هذا على المسيح: إنه المخلص وفي نفس الوقت الديّان، جاء لكي يخلص وسيأتي ليدين. الحجر الذي يهشم من يقع عليه هو صورة رمزية للدينونة الأخيرة: ولكن التهديد هنا ليس موجهاً فقط لرؤساء الكهنة والفريسيين بل للجميع بما فيهم نحن المسيحيين. |
||||
18 - 04 - 2013, 07:40 PM | رقم المشاركة : ( 2990 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كرم السيد وقساوة العبد (مت 18: 21-35) يضمن إنجيل القديس متى حديثه عن الكنيسة هذا المثل أيضاً. إنه يريد أن يوضّح، عن طريق المثل أي بطريقة مقنعة توجيه السيد المسيح: »لا أقول لك سبع مرات، بل سبعين مرة سبع مرات« (مت22:18). إنها قاعدة تصرف لا منطقية، تقتضي أن يتفوق الإنسان على الحدود العامة المعقولة. لهذا يلجأ يسوع المسيح إلى المثل. يشير وضع المثل في إطار الحديث عن الكنيسة، أو بالأحرى الحياة داخل الكنيسة أي بين أعضائها، أنه موجّه إلى جماعة المؤمنين. لا يهدف المثل إلى تحديد قواعد سلوك للعالم، بل إلى وضع قواعد خاصة بالكنيسة. تتكون رواية المثل من ثلاثة مشاهد: المشهد الأول يسلّط الأضواء على السيد الكريم وعبد من عبيده، بينما يجمع الثاني بين العبد وزميل آخر له، ويعود المشهد الثالث ليقدم مرة أخرى السيد والعبد الأول. واضح أنه هناك تناقض بين المشهد الأول والثاني وانقلاب جذري بين الأول والثالث، فالمشهد الأول هو المقدمة التي تسمح بفهم المشهد الثاني فهماً صحيحاً. والمشهد الثاني هو المبرر للانقلاب الجذري الذي يتم في المشهد الثالث. إذا غضينا النظر عن المشاهد الثلاثة والعلاقة التي تربطها ببعضها نقول إن القصة تتناول التناقض بين تصرّف الله تعالى ومعاملته للبشر من ناحية وبين تصرّف البشر ومعاملتهم بعضهم لبعض من ناحية أخرى. ويلجأ الإنجيلي إلى أسلوب روائي بسيط للغاية وبه يستطيع، ليس في هذا المثل فقط إنما في باقي الأمثال، أن يعبّر عن أفكار وأشياء كثيرة بوسائل قليلة وبسيطة. وسبب لجوء الأمثال بكثرة إلى التضاد هو أن الإنجيل يحمل تعليماً جديداً. تخرق هذه الجدّة مسار الأشياء المعتاد والمتوقع. يخالف الإنجيل العادة والمعتاد. هناك تناقض شديد بين عالم الله وعالمنا. عالمنا هذا هو من خلق الله ولكنا- نحن البشر شوهناه. يدعو المثل إلى اختيار أحد العالمين. يتعلق الاختيار بوجهة النظر وطريقتها. المشهد الأول: عالم الله نسبة تبدّد الأشياء في المشهد الأول (مت 23:18-27) غريبة للغاية. أن حجم دين العبد كبير جداً. وإذا تخطّت هذه النسبة في رواية المثل كل المقاييس والتصورات، إلا أنها ليست كذلك في الواقع الذي تشير إليه؛ يتكلم المثل عن علاقة سيد بعبد أمّا المقصود من وراء ذلك فهو علاقة الله والإنسان وما هو غير معقول أو منطقي في عالم البشر، فإنه ليس كذلك فيما يخص الله. تخطى كرم وتسامح السيد كل ما لم يكن العبد يجرؤ على انتظاره. كل ما كان يطلبه ويتوقعه هو إرجاء ميعاد سداد الدين فإذ السيد يسامحه بكل الدين! يتخطى رد واستجابة الله كل حدود طلب وصلاة الإنسان؛ أي أنه يتخطى »العدل«. لا يتعرّض المثل لأي من صفات العبد: إن كان أميناً، نشيطاً، ماهراً في عمله أو أدى خدمات جليلة لسيده. كل ما يذكره المثل هو سجود العبد وتوسّله. سجد سجود من يعرف حالته وضعفه وضعف موقفه ولجأ إلى كرم سيده. توسل إليه كما يتوسل إنسان أمام إله وطلب معونته. لا يهدف الإسهاب في وصف توسل العبد إلى إظهار قوة الصلاة بل يهدف إلى التنبيه على مجانية ترك الدين. كان دافع السيد إلى ترك الدين كرمه وسعة صدره وشفقته. مقياس الصفح والعفو هو كرم السيد، لا استحقاقات العبد. قلنا إن كل شيء غير عادي في المشهد. ولكن هل يوجد ما هو »عادي«في علاقة الله بالإنسان؟ إذا اعتبرنا تعامل الله مع البشر من وجهة نظرنا البشرية المحدودة لاكتشفنا أن هناك مبالغة كبيرة في كرمه وحبه وتسامحه إن هذه المبالغة هي دليل على الحقيقة والصحة لأنه إن غابت لأصبحت تصرفات الله ومعاملته للبشر مثل تصرفات هؤلاء وتعاملاتهم مع غيرهم. إن هذا البعد »غير العادي« هو عنصر تستعمله الأمثال لجذب الانتباه لاختلاف عالم الله وتميزه. ويصبح واجب المستمع أن يعي أنه بهذه الطريقة يخرج ولو لحظة من خبرته الإنسانية ومن المعتاد لكي يكتشف حقيقةً ومعياراً مختلفين. المشهد الثاني: عالم البشر ينقلنا المشهد الثاني إلى عالم البشر حيث لا تقوم العلاقة بين عبد وسيده، أي الإنسان والله، إنما بين الإنسان وأخيه الإنسان. إذا قرأ أحد هذا المشهد بدون أن يقرأ الأول لأيّد تصرّف العبد إذ يجب رد الدين لصاحبه. ربما أخطأ العبد في طريقة تصرّفه مع زميله إلا أنه من حيث المبدأ محق في مطالبته بحقه أي بسداد دينه. هكذا يفكر من لم يقرأ المشهد الأول. ينقلب الأمر رأساً على عقب إذا اعتبرنا تصرّف هذا العبد على ضوء المشهد الأول: لقد تُرك له أولاً كل الدين الذي عليه وهو دين تفوق قيمته قيمة الدين الذي له آلاف المرات. كيف لا يترك لزميله قيمةً هكذا زهيدة، وقد تُرك له هو دين باهظ؟ إنه أمر لا يُعقل! الآن يصبح ما كان من قبل عادياً، أي تسديد العبد دينه لزميله، أمراً غير مفهوم ولا معقول ولا مقبول ولا عادل. يهدف المثل أن يكون المشهد الأول كمقدمة تغيّر وتقلب كل المفاهيم. هنا وفي هذا الأمر يقوم قلب الموازين رأساً على عقب: اعتبار الأمور انطلاقاً من مقدمة أي من »الخبر السار« وهو غفران وعفو الله اللا متناهي. الأمر المتوقع هو أن يعفو هذا العبد، الذي سامحه سيد بدينه الباهظ، وهو سعيد بهذا العفو، عن زميله ويسامحه بدينه البسيط. لم يقدر العبد الأول ما تم معه ولم يجدده عفو سيده ولم يفتح كرم سيده قلبه ونفسه لكرم مماثل مع زميله. لم يفهم أن من يقبل أن يُعفي عنه ويسامح يعني أن يعفو هو بدوره ويسامح ويعني دخوله في دائرة جديدة من العلاقات ومنطق جديد: دائرة ومنطق الكرم والعفو والتسامح. لم تعد قواعد »اللازم« و »الواجب« القديمة تصلح لهذا النوع من العلاقات. إذ نسينا أنه سامحنا أولاً وأحبنا مجاناً فإننا لن نفهم شيئاً عن الغفران والتسامح: لا غفران الله لنا ولا غفراننا نحن للقريب. بذلك نتحوّل إلى مدافعين مستمعين للعدل الجامد لدرجة أننا نحاول فرضه على ذاته، بدلاً من أن نبشّر بوجه الله يسوع الجديد نبشّر بصورة الله جامدة قاسية حرفية صورة رسمها البشر له ورسموها على شاكلتهم هم. المشهد الثالث: تحقيق العدل ينقلب موقف وتصرّف السيد، في المشهد الثالث، رأساً على عقب: تحل الصرامة والقسوة محل الرحمة. يرجع سبب هذا التحوّل إلى العبد الذي لم يتصرّف مثل سيده: »أفما كان يجب عليك أنت أيضاً أن ترحم صاحبك كما رحمتك أنا؟« (مت 33:18). لم يغير كرم السيد شيئاً في عقل ومنطق وتصرّف العبد. وكأن كرم السيد كرم مهدور. تنتهي القصة (مت 34:18) كما بدأت (مت 25:18): »غضب مولاه فدفعه إلى الجلادين حتى يؤدي كل دينه«. إذا كانت هذه هي نهاية المثل لأمكنّا أن نسميه: »قصة فشل، يعكس فشل كرم السيد فشل كرم الله. لا يترك الإنسان ذاته لله ليجدده. لا تنتهي الأمور عند هذا الحد، إذ يصدر القديس متى في نهاية المثل تأكيداً يبدو وكأنه تراجع للخلف، »فهكذا يفعل بكم أبي السماوي، إن لم يغفر كل واحد منكم لأخيه من صميم قلبه«(مت 35:18) يصبح صفح الإنسان عن أخيه الإنسان شرطاً لحصوله على صفح الله. لم يقدّر إن رحمة الله اللامتناهية هي التي تسيّر الأمور، إنما صفح الإنسان بذلك تصبح المقدمة المشهد الأول) مشروطة وموجهة من الحدث (المشهد الثاني) لقد انقلبت الآية. قد يعتقد البعض أنها تعدّلت وعاد الكلام إلى المنطق العادي والمعقول. إن المثل بصورته هذه لا يشمل أي شيء غير عادي أو متسامي عن تفكير وتقدير البشر. إن سبب غفراننا ليس هو الغفران الذي نلناه، بل الخوف ألا يُغفر لنا؟ هل هي عودة إلى »العادي«؟ إنها، بكيفية ما، فعلاً لذلك. ولا عجب في ذلك إذ أن الإنسان، حتى الإنسان المؤمن، يجد صعوبة شديدة للتغيير. ويجب التسليم بأن التغيير صعب جداً ويحتاج لوقت طويل حتى يزيح أفكاراً وعادات قديمة ويحل محلها. ويصدق هذا بنوع خاص إذا كان »الجديد« هو تعليم لاهوتي عميق وجوهري ويتطلب قلب موازين الإنسان عن الله وعن الكون والآخرين رأساً على عقب. وهذا هو بالفعل ما يهدف إليه هذا المثل. يجب أن نسلّم أن الجديد الذي يحمله الإنجيل، مثل المجانية ولا نهائية رحمة الله كما يقدمها هذا المثل، قد لا تغطي أحياناً كل المتطلبات المشروعة غير المحددة وإن كانت بديهية. إن محاولة إنكار هذه المتطلبات أو حتى تجاهلها يعني تعريض مصداقية الإنجيل وجدّته للشكوك. يشعر راوي أو كاتب مثل كرم السيد وقساوة العبد بهذا الخطر ولذلك يضيف وخاصة في نهاية المثل العلاج الذي يراه مناسباً. لا نقصد أنه يصحح أو يحد جدة الإنجيل ولكنه يحيطها باعتبارات أخرى لا يجب أن تغيب. ونذكر أنه لا يشرح مثل- سواء المثل الذي نتناوله أو أي مثل آخر- انطلاقاً من خاتمة، بل العكس.يكون تعليم المثل الأساسي أن صفح الله المجاني يسبق كل شيء وهو بلا حدود أو مقاييس. يوضّح هذا المثل هذه الحقيقة: الصفح الأخوي هو نتيجة الصفح الإلهي لأن الأخير هو الدافع والمعيار للأول: »كما رحمتك أنا«. بعدما ثبّت الإنجيلي هذه الجدّة يُفسح المجال لبعض التوضيحات والتجديدات ولكن ما هي هذه التوضيحات والتجديدات؟ نذكر بعضها على سبيل المثال. أن رحمة الله، لأنها رحمة الله، لا يمكن أن تفهم على أنها »لامبالاة« لا يمكن اعتبار احتفاظ الإنسان بصفح الله له لذاته أو مده على الآخرين كأنه نفس الشيء. إن كان كذلك فإنه يصبح لا مبالاة تجاه مسؤولية الإنسان وحريته، لا بل يتحوّل الأمر إلى استهتار وعدم احترام. لا يتوقف فكر الإنجيلي، الذي ختم المثل بتوضيح أهمية الصفح الأخوي القصوى، لا يتوقف عند هذا الحد. إن الصفح الأخوي ليس هو سبب علاقة الله بالإنسان وفي المكانة الثانية علاقة الإنسان بأخيه الإنسان: ولا يتعرّض بأية كلمة عن علاقة الإنسان بالله. إن سبب هذا الصمت هو اعتبار أن علاقة الإنسان بالله جزء لا يتجزأ من علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وبالتالي لا حاجة لحديث مخصص للعلاقة بالله. تنطبق هذه الحقيقة على الإنسان أكثر من انطباقها على الله. إن صفح الله حقيقة واقعية وحبه للإنسان يسبق حب الإنسان له. الخلاصة أن الله لا يغيّر تصرفه ولا موقفه (يدين أولاً ثم يعاقب) حتى وإن بدا هذا الأمر لأول وهلة في المثل. كيف يمكن الكلام عن الله؟ إن الصفح الأخوي ليس هو شرط حقيقة صفح الله، كما لو كان صفح الله مثل تحقيق هذا الشرط، مشروطاً، أي أنه وعد أكثر منه حقيقة. تكمن الحقيقة كلها أو عدمها في الإنسان: إنها حرية الإنسان هي التي تتقبل أو ترفض، تقدم أو تمنع تحقيق صفح الله. لا يهدف المثل إلى تحديد قاعدة عامة. إنه يوضّح كيف يتعامل الله مع الإنسان ولا يوضّح كيف يتعامل الإنسان مع الله. حب الله ممتد ومنطقه، أي منطق حب الله، هو منطق المجانية وليس التبادلية. هذا هو جوهر الأمر. لا يؤكد المثل أن الصفح اللامتناهي يجب أن يكون قانون الحياة مع الآخرين. ولكنه يؤكد أن الله على استعداد أن يغفر ويصفح دائماً وبلا حدود. وبالتالي يجب على التلميذ أن يعطي الأولوية وأن يبشر بالصفح لا بالعدل الجامد. أولاً وبطريقة مباشرة في الجماعة الكنسية ثم في العالم أجمع. |
||||