غاية كنيستنا في الخارج
يليق بنا ونحن في بدء عهدنا بالهجرة أن ندرس وننتفع بخبرة الكنائس الأخرى التي سبقتنا في هذا المضمار، خاصة الكنائس الأرثوذكسية مثل الكنيسة الروسية في أمريكا واليونانية والأرمنية والسريانية.. ننتفع بالجوانب الطيبة المقدسة وأيضا بنقط الضعف التي تعرضوا لها.
هذا ويليق بنا بين الحين والآخر أن تقام حلقات دراسية من الكهنة والخدام والعلمانيين خاصة الشباب لمراجعة دور الكنيسة القبطية في الخارج حتى لا يحدث انحراف أو تجاهل لجانب علي حساب الآخر.
يمكننا حصر دور الكنيسة الرئيسي في الشهادة لعريسها بإيمانها الأرثوذكسي الحي، وحياتها الإنجيلية التقوية، وحملها صليب عريسها بفرح، لتكون رسالة المسيح المقروءة من جميع الناس والإنجيل العملي الشاهد للحق.
خلال هذا الهدف يمكننا تأكيد النقاط التالية:
1 - ليس غاية كنائسنا المباراة في إنشاء كاتدرائيات ضخمة.. فالغرب يضم كاتدرائيات لا تقدر بثمن.. وإنما الاهتمام بالنفوس، الحجارة الحية، التي بها يبنى هيكل الرب. كل نفس -لشيخ أو طفل- ثمينة للغاية في عيني الكنيسة الأم، للأسف ما أسهل أن تنفق مئات الألوف من الدولارات وربما الملايين علي المباني الكنسية وملحقاتها بينما الحاجة الآن إلي البناء الفكري الجاد، خاصة بالنسبة للشباب والأطفال.
2- نحن في حاجة إلي حركة ترجمة سريعة لكل تراثنا القبطي المسيحي إلي اللغات الأوروبية بأسلوب حديث وطباعة لائقة.. مع دراسة وعرض وتحليل أيضا. كما نحتاج إلى الكتابة إلي أبنائنا بالمهجر بفكر أرثوذكسي مع ثقافة تناسبهم، حتى لا يشعروا بالتمزيق والصراع بين حياة يعيشونها وتقاليد يسمعون عنها! بمعني آخر ليتنا نقدم تقاليدنا لا كقطع أثرية قديمة ثمينة، وإنما كخبرة حياة معاشة يمكن التمتع بها وتذوقها.
3- معالجة اختلاف الثقافات والفكر والمدارس في المهجر.. يلزم تأكيد أن اختلافات الثقافات يغني ويروي وليس يحطم ويمزق. فالقبطي بحياته في بلد غربي يحمل من الغرب ما لبنيانه ويمارس ما للشرق ما لشبعه الداخلي؛ يعيش في الغرب ويمارس روحانية الشرق دون تعارض أو صراع.
4- دراسة المشكلات التي تواجه الشباب خاصة ما يراه الأقباط كنوع من الإباحية، مثل مشكلة الصداقات المشتركة وحفلات الرقص، الخ.. هنا يلزم دراسة هذه الأمور بحكمة، فقد رأينا بعض الأطفال نتيجة ضغط الوالدين بطريقة غير حكيمة أن يقولوا "نحن لسنا مصريين".. وكأن كل ما فعله الآباء هو بث روح الكراهية للتقاليد المصرية عند أطفالهم. إننا في حاجة إلي تأكيد شخصية أطفالنا وشبابنا ليدركوا أنهم قبل أن يكونوا هكذا أو غير ذلك فهم مسيحيون، يلزمهم أن يمارسوا مسيحيتهم أينما وجدوا، بروح البذل والطهارة في كامل حريتهم.
5-الحاجة إلى دراسة الزوجات الأجنبيات.. فإن تجاهلهن، بممارسة العبادة بغير لغة البلد ينفرهن من الكنيسة، ولا يمكن لهن أن يربين أولادهن في حضن الكنيسة، مع أن بعض هؤلاء الأجنبيات بحبهن العميق للكنيسة يستطعن الشهادة للحياة الأرثوذكسية.
6- نشأ في بعض البلاد صراع بين الأقباط بخصوص لغة العبادة، الأمر الذي لا أريد الخوض فيه، إنما أريد توضيح النقاط التالية:
أ] إن كل شاب نفقده بسبب عدم اشتراكه في العبادة الكنسية إنما نفقده نهائيا هو ونسله من بعده.. فالكنيسة يجب أن تحرض علي كل طفل وشاب ليحمل شهادة معه.
ب] لا يستطيع الشاب أن يشترك في عبادة لا يفهم لغتها.
ج] حسن أن نعلم أولادنا اللغة القبطيّة وأيضا العربية.. ليكن هذا في دروس مستقلة لكن ليس علي حساب شركتهم فكريا وروحيا في العبادة.
د] إن كان بعض الكبار في السن يشعرون بضيق للصلاة بالإنجليزية، فهذا أحد ثمار هجرته التي قبلها بمحض إرادته.. لست أظن أنه يطلب أن يتمتع بالعبادة بلغته التي يفهمها علي حساب خلاص أولاده.. لذا يليق بنا نحن الذين تدربنا علي الصلاة بلغة عربية أن نقبل بفرح من أجل أولادنا الصلاة بالانجليزية.
هـ] لتكن لنا نظرة واسعة مستقبلية، فإنه إن كان الجيل الحاضر يقبل الشركة في العبادة بغير اللغة التي يمارسها وذلك تحت الضغط فيستحيل أن يقبل الجيل المقبل ذلك. لذا وجب علي الكنيسة التي تنظر إلي المستقبل البعيد أن تسرع بخطواتها نحو كسب هذه الأجيال.
7- أود أن أختم حديثي أن كنيسة المهجر بإبراز ضرورة الشهادة للحياة الكنسية المتكاملة، فقد اهتمت بعض الكنائس بممارسة الطقس لكن دون تقديم كلمة الله الحية، فالإنجيل هو صلب أرثوذكسيتنا، وكلمة الله يلزم ألا تفارقنا.