16 - 05 - 2019, 05:26 PM | رقم المشاركة : ( 23351 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الحلقة المفقودة صليب المحبّة
غلا ظ£: ظ¢ظ£- ظ¢ظ©؛ ظ¤: ظ،- ظ¥ لو ظ،ظ£: ظ،ظ*- ظ،ظ§ يا إخوة، الموضوع الّذي طرحته الرّسالة إلى غلاطية، وكذلك إنجيل اليوم، هو موضوع الشّريعة، أو النّاموس. النّاموس كان مؤدّبنا إلى المسيح. النّاموس هو مجموعة الوصايا والأحكام، الّتي أعطاها الرّبّ الإله لموسى، كي يعطيها موسى، بدوره، للشّعب. والنّاموس كان يعبّر عن العلاقة الّتي أرادها الرّبّ الإله أن تكون له مع الشّعب العبريّ. لهذا السّبب، كان على الشّعب أن يطيع ما ورد في النّاموس، والرّبّ الإله، من جهته، أخذ على عاتقه أن يرعى شعبه في كلّ ما يحتاج إليه. الهدف من الشّريعة هو أن يدخل الإنسان في انسجام مع الله؛ إذ لم يكن هناك انسجام في العلاقة بين البشريّة والرّبّ. لهذا، البشريّة، قبل النّاموس، كانت غارقة في خطاياها. والرّبّ الإله ترك شعوب الأرض يذهب كلٌّ منها في سبيله. لكن، قبل النّاموس، كان لدى الرّبّ شهود، هنا وهناك. لذلك قيل: لم يترك الرّبّ الإله نفسَه بلا شاهد في كلّ أمّةٍ. لكنّ البشريّة، بصورة عامّة، اندفعت صوب أهوائها، وبأهوائها اندفعت صوب عبادة الأصنام. الأصنام تعبير عن أهواء الإنسان. مثلاً، يحبّ النّاس الأكل والشّرب وما إلى ذلك؛ لذلك، اخترعوا ما يُسمّى “باخوس”، إلهًا للزّراعة والخمر، ليعبدوه. عمليًّا، كانوا يعبدون أهواءهم. باخوس، وغيره ممّا كانوا يسمَّون “آلهة”، كانت تعابير عن أهواء الإنسان. كذلك، من أين خرجت الإلهة أفروديتي، أو فينوس؟ من روح الزّنى، من هوى في نفس الإنسان. جسّد الإنسان هذا الهوى، خارجيًّا، في ما أسماه “أفروديتي” أو فينوس، وعبدها باعتبار أنّها إلهة. هكذا، اندفعت البشريّة وراء أهوائها، وبأهوائِها وراء التّعبير بأصنام حجريّة، أو ما يعادلها. لكن، كما قلت، لم يترك الرّبّ الإله نفسَه بلا شاهدٍ في كلّ أمّة. لذلك، لا نستطيع، أبدًا، أن نعمّم ونقول إنّ كلّ النّاس كانوا غارقين في أهوائهم، وعبادة أصنامهم. فلمّا حان الوقت، الّذي شاءه الرّبّ في تدبيره، تمامًا، أعطى، بالشّعب العبريّ، النّاموس. الشّهود، الّذين كان قد زرعهم في كلّ الأرض، كانوا إلى مجيء الشّريعة. فلمّا كانت الشّريعة قالت: هذه خطيئة، وهذه ليست خطيئة. إذًا، الغرض الأساسيّ من النّاموس كان معرفة الخطيئة. بكلام آخر، قبل أن يكون النّاموس، لم يكن الإنسان يعرف بوضوح ما هو خطيئة وما ليس بخطيئة. والرّبّ الإله، بتعامله مع الشّعب العبريّ، كان صارمًا جدًّا. هم يريدون خيرًا وبركة. يريدون المطر في أوانه. يريدون أرضهم أن تثمر. يريدون أن يُحفَظوا من أعدائهم. يريدون أن ينتصروا عليهم. كانوا يطلبون أمورًا كهذه. والرّبّ الإله أمّن لهم كلّ ما يحتاجون إليه، في مقابل أن يسلكوا بأمانة من جهة الشّريعة. طبعًا، الوصايا العشر جزء من الشّريعة. فبالإضافة إليها، كانت هناك أحكام عديدة، كان يفترض بالشّعب العبريّ أن يسلك فيها بدقّةٍ وبأمانة. لكن، مَن يقرأ العهد القديم، يرى أنّ الشّعب، أحيانًا، لم يكن دقيقًا، بما فيه الكفاية، في حفظ أحكام الشّريعة، فكان الرّبّ الإله يؤدّب الشّعب بقضيب الأمم، أو بالحرمان، أو بغير ذلك. كان يؤدّبهم بقضيب النّاس، ليرجعوا، ويرتدّوا، ويصرخوا: “يا ربّ، سامحنا، قد خطئنا”، ويبدأوا من جديد. طبعًا، هذا المسار استغرق وقتًا طويلاً، حتّى اعتاد اليهود أن يتعاملوا مع الله، بالطّريقة الّتي يريدهم هو أن يتعاملوا معه بها. احتاجوا إلى وقت ليس بقليلٍ، أبدًا. استغرق هذا الأمر مئات وآلاف السّنوات. ثمّ في الإنجيل، اليوم، كلام على يوم السّبت: كان يسوع يعلّم في أحد المجامع، يوم السّبت. المجمع هو المكان الّذي يسمّيه اليهود، اليوم، الكنيس. المكان الذي نلتقي فيه نحن هو كنيسة. المعنى، في الأساس، واحد، هو المجمع، أو مكان الاجتماع. في المجمع كان اليهود يحتمعون، في زمن الرّبّ يسوع. وعادة الاجتماع في المجامع تكوّنت، عند اليهود، عندما كانوا مسبيّين في بلاد ما بين النهرين، في بابل. هناك، كانوا بعيدين عن الهيكل. الهيكل، عند اليهود، هو محور العبادة. فحين ابتعدوا عن الهيكل، اضطّروا أن يؤسّسوا ما يسمّى “المجامع”. أصبحوا يلتقون، كلّ نهار سبت، لأنّهم يعرفون أنّ السّبت، حسب سفر التّكوين، هو يوم الرّاحة. القصد كان أنّ الرّبّ خلق الكون في ستّة أيّام، ابتداءً من يوم الأحد (من الأحد إلى الجمعة). ثمّ، في السّبت، استكمل الرّبّ الإله الخلق. طبعًا، هذا كلام رمزيّ. لا نفهمنّ أنّ اليوم، الّذي نعدّه نحن 24 ساعة، هو نفسه اليوم الذي تكلّم عليه سفر التّكوين. لا. هذا، في كلّ حال، موضوعٌ آخر. إذًا، يوم السّبت كان اليوم الّذي استكمل فيه الرّبّ الإله خلق الكون. ثمّ، حسبما ورد في سفر التّكوين، استراح الرّبّ الإله في اليوم السّابع. ربّما، في وقت من الأوقات، كانوا يظنّون أنّ الرّبّ يرتاح كما يرتاح النّاس؛ ثمّ، بعد ذلك، مفهوم الرّاحة تغيّر. اليهود، مثلاً، كانوا يعملون ستّة أيّام، ويوم السّبت كانوا يرتاحون، لا يعملون. فلمّا طُردوا إلى بلاد ما بين النّهرين، وأسّسوا، هناك، المجامع، تركزّت نشاطات هذه المجامع في يوم السّبت. السّبت صار كأنّه العلامة الّتي تعبّر عن هويّة الشّعب العبريّ. هذا صار رمز الشّعب العبريّ. ولكن، استزاد اليهود من الأحكام الّتي فرضوها في يوم السّبت، لدرجة أنّهم منعوا الكثير من الأمور عن الإنسان بخلاف الرّوحيّة الحقّ للسّبت: مثلاً، لا حقّ له أن يشعل نارًا، يوم السّبت، ولا أن يعمل أيّ عمل. وكما ورد في إنجيل اليوم، لا يجوز أن يقوم الإنسان لا بعمليّة شفاء، ولا بمعجزة. هذا كان يُعتبر عملاً. طبعًا، كان مسموحًا للإنسان، فقط، أن يسير، على الأكثر، مسافة لا تزيد عمّا يُعرف بـ”مسافة سبت”. أي لم يكن جائزًا له أن يسير أكثر من خمسمئة متر تقريبًا، وإلاّ يكون قد كسر الحكم الخاصّ بيوم السّبت. إذًا، استزاد اليهود من الأحكام الخاصّة بيوم السّبت، وكانوا يعتبرون أنّهم، بهذه الطّريقة، يشاركون الله في راحته. بالإضافة إلى ذلك، يوم السّبت كان اليوم الّذي يسمع فيه اليهود كلمة الله. كانوا يجتمعون في المجمع، يوم السّبت، وليس كلّ يوم، ويقرأون من النّاموس والأنبياء، أي من الشّريعة والأنبياء. ما نسمّيه اليوم عهدًا قديمًا كانوا يسمّونه النّاموس والأنبياء، أي مجموع الكتب الّتي تشكّل النّاموس والأنبياء. كانوا يقرأون من هذه الكتب، وكان هناك دائمًا مَن يفسّر. أحيانًا، إذا كان هناك أشخاص بارزون، كَتَبة، مثلاً، أو بعض المعلّمين المشهود لهم، كانوا يقولون كلمة في القراءة الّتي تتلى. يفسّرون للنّاس ما يريده الله منهم. وفي المجمع، طبعًا، كان هناك خادمان: واحد يسمّونه “رئيس المجمع”، وهو الّذي يضبط الأمور فيه؛ وواحد يهتمّ بنقل المخطوطات، وينظّف، ويرتّب. إذًا، كان هناك رئيس مجمع وخادم. فلمّا عاد اليهود من السّبي، تمسّكوا بهذه العادة، لأنّها كانت راسخة في وجدانهم. ففي زمن الرّبّ يسوع، كان النّاس يصعدون إلى الهيكل، حتّى يقدّموا تقدمات، أو ذبائح، أو حتّى يصلّوا في ساعات معيّنة. كانت عندهم بعض الصّلوات، وهي الّتي نسمّيها نحن، اليوم، السّاعة الثّالثةـ والسّادسةـ والتّاسعة. هذه أخذت من النّظام اليهوديّ. ويوم السّبت، كانوا يلتقون في المجمع. هناك كانوا يسمعون القراءات الكتابيّة، ويتعلّمون من تفسيرها. إذًا، كان الأتقياء يتردّدون، دائمًا، إلى هناك. هذا كلّه، بالنّسبة إليهم، كان جزءًا من قدسيّة يوم السّبت. وكانوا يرتاحون يوم السّبت، لأنّهم كانوا يظنّون أنّهم، بهذه الطّريقة، يحفظون الأمانة لله، الّذي ارتاح بدوره يوم السّبت. هذه المرأة، الّتي أتت إلى المجمع، أغلب الظّنّ أنّها امرأة تقيّة. وهي، في الحقيقة، رمز لكلّ الشّعب العبريّ؛ ورمز، بالأحرى، لكلّ البشريّة. كانت منحنية، منذ ثماني عشرة سنةً، وبها روح مرض. حين يقول الكتاب إنّه كان بها روح مرض، فهذا معناه أنّ كلّ ما تعاني منه كان من الشّيطان. وهذا ما أورده الرّبّ يسوع، في ما بعد، حين قال: “هذه ابنة إبراهيم، الّتي ربطها الشّيطان منذ ثماني عشرة سنةً”. البشريّة، كلّها، في الحقيقة، كانت تحت ربقة الشّيطان، إلاّ، طبعًا، الّذين كانوا يسلكون بأمانةٍ من جهة الوصيّة، من جهة الشّريعة، من جهة الأنبياء. الّذين كانوا يحفظون الأمانة كان الرّبّ الإله يعينهم. لكن، بصورةٍ عامّة، الشّيطان كان أمير هذا العالم. وأتى الرّبّ يسوع إلى هذا المجمع. وكأنّ الرّبّ يسوع، بذهابه إلى هناك، دخل إلى هذا العالم. الإشارة، بمعنى، هي إلى تجسّد ابن الله. ابن الله لم يكن قد دخل واستقرّ في العالم، بعد، إلاّ عندما تجسّد من الرّوح القدس، ومن مريم البتول. ساعتئذٍ، دخل إلى هذا العالم، بمعنى أنّه صار إنسانًا، أنّه تجسّد. فبدخول الرّبّ يسوع إلى العالم، اكتمل الدّور الّذي أدّته الشّريعة وأدّاه الأنبياء؛ لانّ الشّريعة والأنبياء، أي كلّ العهد القديم، كانوا يشيرون إلى الرّبّ يسوع، كانوا يعدّون لمجيء مسيح الرّبّ. فمسيح الرّبّ قد أتى، وأتى إلى المجمع. أتى ليجمع، إنّما ليجمع النّاس إليه، وإلى الآب السّماويّ. هنا، دخل الرّبّ يسوع في مشادّاة مع رئيس المجمع. رئيس المجمع يمثّل الفكر اليهوديّ، الّذي كان سائدًا في زمن الرّبّ يسوع. هذا الفكر كان، في الحقيقة، غريبًا عن الله. فقد بالغوا في أحكام يوم السّبت، حتّى إنّ هذا اليوم، بدل أن يكون يوم الرّاحة، بالفعل، صار يوم التّعب، يوم الضّيق، يوم الإزعاج. إذًا، دخل الرّبّ يسوع في مواجهة مع رئيس المجمع، ومن ثمّ مع الفكر اليهوديّ برمّته. وبذلك، أعطانا المعنى الحقيقيّ ليوم السّبت. كلّ المعاني، الّتي سبق أن أعطيت للسّبت، لم تتضمّن الرّاحة الحقّ؛ لأنّ هدف الشّريعة كان معرفة الخطيئة. لكنّ معرفة الخطيئة ليست مريحة أبدًا. معرفة الخطيئة تؤدّي إلى الدّينونة والموت. حين يعرف الإنسان أنّه قد أخطأ، وأنّ الخطيئة تؤدّي إلى الموت، لا يكون قد بلغ الرّاحة الحقيقيّة. لكن، كان لا بدّ، أوّلاً، من أن يعرف الإنسان ما هي الخطيئة. أمّا هنا، فالرّبّ يسوع يقدّم نفسه باعتباره هو السّبت الحقيقيّ، هو الرّاحة الحقيقيّة. البشريّة مدعوّة إليه، لترتاح. “تعالوا إليّ، يا جميع المتعبين والثّقيلي الأحمال، وأنا أريحكم“. أنا أريحكم. الرّاحة، إذًا، تأتي من الرّبّ يسوع. الرّبّ يسوع هو الرّاحة الحقّ!. هنا، كيف يُعبَّر عن هذه الرّاحة؟ يعبّر عن هذه الرّاحة بأنّ هذه المرأة، الّتي كانت منحنية وممتلئة مرضًا، أراحها الرّبّ يسوع بوضع يديه عليها؛ وفي الحال، استقامت، أي إنّها شفيت من علّتها. علّة الإنسان الأساسيّة هي الخطيئة. أتت الشّريعة وقالت: هذه خطيئة!. لكنّها لم تقل كيف تُنزَع الخطيئة؟ أتى الرّبّ يسوع، بالضّبط، ليرفع خطايا العالم. جاء ليحرّر الإنسان، ليريحه بنزع الخطيئة من العالم. لهذا، الأمر الأساسيّ، الّذي جاء الرّبّ يسوع من أجله، هو، بالضّبط، أن يستعيد خليقته من سيطرة الشّيطان عليها. هذا معبَّر عنه بالقول إنّ الرّبّ وضع يديه الإثنتين على رأس هذه المرأة المنحنية. في اللّغة العربيّة، حين يقول أحد إنّه وضع يده على أمرٍ معيّن، فهو لا يقصد أنّه وضع يده عليه، فقط. وضع اليد معناه أنّ ما أو مَن أضع يدي عليه أصير أنا سيّدًا عليه. الرّبّ الإله، بوضع يديه على هذه المرأة، وضع يده على الخليقة بأسرها. استردّها من تسلّط الشّيطان عليها. صار هو سيّدها، كما كان في البدء سيّدًا لها. إذًا، الرّبّ وضع يديه الإثنتين على المرأة، واستردّ خليقته. وفي الحال استقامت. استردّت عافيتها. عادت إلى سيّدها الأوّل!. إذًا، الرّبّ أتى ليريح النّاس بنزع الخطيئة من جهةٍ، وباستعادة خليقته إليه من جهةٍ أخرى. أضف إلى ذلك أنّه أتى ليعطي الخليقة روحه القدّوس. كيف؟ الرّاحة لا تكتمل، في الحقيقة، إلاّ بإعطاء الرّوح القدس. لفظة “راحة” تأتي من “روح”. الرّاحة من مصدر الرّوح. الرّاحة الحقيقيّة للإنسان معناها أن يسكن روح الله فيه. عندما يسكن روح الله فينا، إذ ذاك، نبلغ الرّاحة الحقّ في حياتنا. لهذا، غاية الحياة المسيحيّة أن يسكن روح الله فينا. إذ ذاك، ندخل في الرّاحة الحقّ، في الرّاحة الحقيقيّة. إذ ذاك، يكون للإنسان فرح، ولا ينزع أحدٌ فرحه منه. لهذا، ما قالته قراءة اليوم، في نهاية النّصّ، كان أنّ الجمع فرح بجميع الأمور المجيدة، الّتي كانت تصدر من يسوع. القصد هو أن يبلغ الإنسان الفرح الحقّ، الذي لا يُنزع منه. الرّبّ الإله، من البداية إلى النّهاية، يشاء أن يعطينا فرحه. لهذا، يصرخ الرّسول بولس الفرحَ، في أكثر من مكان، في رسائله، كما في الرّسالة إلى أهل فيليبّي: “افرحوا، وأقول أيضًا افرحوا.” هناك من يحاول أن يصوّر أنّ المسيحيّة هي دين الحزن. لا، المسيحيّة هي الفرح الّذي لا يُنزَع من الّذين يؤمنون بالرّبّ يسوع المسيح. حتّى الصّليب لا يشير، أبدًا، إلى الحزن، بل إلى الفرح الكبير. لهذا السّبب، في الكنيسة الأرثوذكسيّة، إذا نظر الإنسان إلى وجه المصلوب، فلا يرى، أبدًا، علامات الحزن وعلامات الموت. انتبهوا للصّليب الأرثوذكسيّ. يرى الإنسان الرّبّ يسوع مسمّرًا، لكنّ عينيه مفتوحتان. هو في سلامٍ عميق. وهذا السّلام يعكس، في الحقيقة، الفرح الّذي حقّقه الرّبّ يسوع، لمّا أعطى حياته للبشريّة باقتباله الموت على الصّليب. حين تعطي الأمّ لياليها لأولادها وتتعب، هل هذا يشير إلى الحزن؟ لا بل هذا يشير إلى الفرح، فرح الحبّ الكبير!. هذا يشير إلى العطاء العظيم!. لكن، طبعًا، في هذا العالم، لا يمكن البشريّة أن تفرح إلاّ إذا أحبّت!. ولا يمكنها أن تحبّ إلاّ إذا بذلت نفسها!. بكلام آخر، الصّليب هو الّذي يأتي بالفرح إلى كلّ العالم. لا أحد يحبّ، بمعنى الكلمة، إن لم يكن مستعدًّا لأن يتعب، ولأن يبذل نفسه لأجل الآخرين. إن لم يكن الإنسان مستعدًّا لأن يبذل حياته للرّبّ الإله، فلا يمكن، أبدًا، أن يسكن فرح الرّبّ فيه. هنا، لا بدّ لنا من أن نعاني، لا بدّ لنا من أن نتألّم، حتّى نتمكّن من أن نحبّ. ومتى أحببنا، إذ ذاك تكون لنا حياةٌ أبديّة. لذا، الصّليب، بالنّسبة إلينا، علامة الفرح، لا علامة الحزن، أبدًا. ليس الصّليب، أبدًا، علامة الاندحار، كأنّ الرّبّ خسر المعركة. الصّليب هو علامة الانتصار؛ لأنّ بقاء الرّبّ يسوع مسمّرًا على الصّليب حتّى الموت يعني أنّه أحبّ البشريّة حتّى الموت. لو كان الموضوع موضوع مواجهة بالقوّة بينه وبين اليهود، لما كان قد صُلب، ولكان قادرًا أن يطلب من أبيه السّماويّ، كما قال، إثنتي عشرة فرقةً من الجنود السّماويّة. كان قادرًا، بسهولةٍ، بكلمةٍ واحدة، أن يبيد كلّ الشّعب العبريّ وكلّ البشريّة. لكن، هو جاء ليخلّص ما قد هلك. جاء ليبذل نفسه من أجل البشريّة، ليخلّص البشريّة؛ لأنّه أحبّ البشريّة. لم يكن الرّبّ مَن اختار الصّلب. فقط قبله!. النّاس ابتعدوا عنه لدرجة أنّهم أصبحوا غرباء عنه، لدرجة أنّ مَن أتى لأجلهم اعتبروه مضرًّا لهم. لهذا، صلبوه، وهو قَبِل الصّليب. قَبِل الصّليب، لأنّه أحبّهم، ولم يشأ أن يعاملهم بالمثل. “اغفر لهم، يا أبتاه، لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون”!. لهذا، أعود فأقول: بالصّليب أتى الفرح إلى كلّ العالم. نحن أبناء الفرح. ولكن، لا نأتي الفرح بأن نصنع حفلةً، ونعزف، ونغنّي، ونرقص… هذا لا يأتي بالفرح. هذا يأتي ببعض المسرّات العابرة. لكنّ الفرح الّذي ينبع من القلب المحبّ، الفرح الّذي لا يمكن لأحد أن ينزعه منّا، الفرح الّذي نستمدده من فوق، من عند أبي الأنوار، هذا الفرح لا يمكننا أن نحصل عليه إلاّ إذا أحببنا، إلاّ إذا بذلنا أنفسنا من أجل الإخوة. لهذا، الوصيّة الوحيدة، الّتي أعطاها الرّبّ يسوع، هي: “أحبّوا بعضكم بعضًا، كما أنا أحببتكم”. نحن أبناء المحبّة. إذًا، نحن أبناء الصّليب؛ لأنّه لا يمكن الإنسان أن يحبّ ما لم يكن مستعدًّا لأن يموت من أجل الآخرين، لأن يبذل نفسه عن الآخرين. إذا لم تربِّ الأمّ أولادها بالمحبّة، إذا لم تتعب، إذا لم تُعطِ دمًا، إذا لم تُعطِ روحًا، فلا يمكنها أن تنشّئ أولادها على المحبّة. في الحرب العالميّة الأولى، قاموا باختبار. أتوا بفئتين من الأطفال. قسم وضعوه في عنبر، وأمنّوا له كلّ حاجاته. والقسم الثّاني أمّنوا له كلّ العناية الأمّهيّة: الحنان، والعطف، واللّطف، بالإضافة إلى حاجاته المادّيّة. بعد فترةٍ من الزّمن، رأوا أنّ كلّ الأطفال في العنبر الأوّل ماتوا. أمّا الأطفال الّذين كان لهم مَن يعتني بهم، مَن يحبّهم، مَن يحنّ عليهم، فقد فعاشوا كلّهم!. إذًا، الإنسان، في الحقيقة، لا يحيا إلاّ بالمحبّة. ولكي يحبّ، لا بدّ له من أن يحمل صليبه، كلّ يوم، ويتبع المعلّم؛ أي لا بدّ له من أن يسلك كما سلك المعلّم بمحبّته للبشريّة. كما سلك هو، هكذا نسلك نحن، من جهة بعضنا البعض. على هذا النّحو، نأتي إلى المحبّة، ومن ثمّ إلى الحياة، فإلى الفرح. وفرحنا يدوم إلى الأبد. آمين. الأرشمندريت توما (بيطار)، رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي ، دوما – لبنان |
||||
17 - 05 - 2019, 01:47 PM | رقم المشاركة : ( 23352 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لا تعجوا من القول بأن العالم أجمع قد اُفتدي! لأن الذي مات عن العالم لم يكن مجرد إنسان، بل هو ابن الله الوحيد. لقد استطاعت خطية إنسان واحد، وهو آدم، أن تُدخل الموت إلى العالم. فإن كان بسقطة إنسان واحد قد ملك الموت على العالم، فكيف لا تملك الحياة بالأحرى ببر إنسان واحد (رو17:5)؟ وإن كانا حينذاك قد طُردا من الفردوس بسبب شجرة أكلا منها، أليس من الأسهل أن يدخل المؤمنون الآن الفردوس بسبب شجرة يسوع؟ وإن كان الإنسان الأول، المجبول من التراب، أتى بالموت الشامل، فالذي خلقه من التراب ألا يأتي بالحياة الأبدية، إذ أنه هو نفسه الحياة؟ وإن كان فينحاس بغيرته على قتل فاعلي الإثم قد أوقف غضب الله, فيسوع لم يذبح إنساناً آخر «بل بذل نفسه فدية عن كثيرين» أفلا يصرف غضب الله عن الإنسان؟ القديس كيرلس الأورشليمي |
||||
17 - 05 - 2019, 01:55 PM | رقم المشاركة : ( 23353 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يا ربي والهي اشكرك على مراحمك لنا نحن الخطاة الضعفاء. ارجوك يارب ارحمنا وقوينا، سامحنا على بعدنا عنك . قربنا منك، وسهل الطريق امامنا لنتبعك ونسير في طريق الخير والسلام والحب والوئام. أضيء عقولنا بنورك، لكي نفهم تعاليمك الإلهية ابعث في قلوبنا محبتك لكي تظهر في كل أعمالنا، شددنا بقدرتك لكي لا يعيقنا شيء عن تتميم إرادتك، أهلنا أن نكون قدوة صالحة لنجذب الآخرين إليك. ارفع عنا كل ضعف، كل شر وخطية تفصلنا عنك يا رب . كن معنا دوماً وافتقدنا بمراحمك. لك المجد الى الأبد. امين |
||||
17 - 05 - 2019, 03:09 PM | رقم المشاركة : ( 23354 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هلمَّ ورائي فأجعلكما صيّادي الناس هل يستطيع من يتعرف إلى يسوع أن يبقى صيّاد سمك؟ ونحن المسيحيّين بعد أن التقينا وجه يسوع الفادي والمتألمّ، هل نستطيع أن نبقى في أعمالنا وكأننا لأعمالنا؟ هل يمكن لعيْن رأتْ يسوع المسيح فعلاً، أن تبقى عمياء عن رسالة ليس من رسالة أشرف منها، وعن غاية للناس لا حقيقة سواها أصدق منها؟ نحن أمام الدعوة التي وجّهها يسوع إلى تلاميذه الأربعة الأوّل. لقد سبق لهؤلاء التلاميذ أن التقوا يسوع، كما يروي لنا يوحنا الإنجيليّ (1، 35) حيث لقّب يسوعُ سمعانَ بـ”بطرس”، وهناك تعرفوا على يسوع. وقبْل هذه الدعوة الحاسمة إلى الرسوليّة بقليل دخل يسوع إلى الحياة اليوميّة لتلاميذه، وحقّق لسمعان ذلك الصيد العجائبي؛ بعد أن تعِب الليل كلّه ولم يأخذْ شيئاً إلاَّ بعد أن ألقى الشبكة على كلمة يسوع (لوقا 5، 1-11). ودعاه يسوع مذّاك ليصير صيّاداً للناس. هلمَّ ورائي فأجعلكما صيّادي الناس. المسيح يدعو: “هلمَّ ورائي”؛ والمسيحُ يغيِّر: “فأجعلكما”. المسيح يستبدل غاية العمل والمهن استبدالاً حين يعطي للصيّاد صيداً جديداً: الناس بدل الأسماك. والمسيح يؤكد أنَّ الغاية المثلى والأخيرة من كلّ مهنة، هي الناس، لأنَّه يدعو إلى الأمثل. يرسلنا الله إلى الناس، وهذا قد يقتضي حيناً أن نكون بعيدين عنهم أو أحياناً أن نتركهم، ولكنه في النهاية يرسلنا إليهم. لا يريد الربّ أن يرفعنا من العالم بل أن يحفظنا في العالم. الملح يُحفظ لكي يملِّح، والنور يُرفع لكي ينير، والمسيحيّ يرسل في العالم لكي يبشّر. إنَّ ترك الشباك والسفن ممكن حين نتبع يسوع هاجرين الأعمال في تكريس كُلِّيّ، وممكن حين نستخدم هذه كلّها في سبيله. غاية الدعوة هي الإرسال. والرسول هو المبشِّر، وامتهان الأعمال أو تركها يجب أن يكون من أجل الرسالة. المسيح يدعونا، والدعوة تتطلّب نفساً شهمة تردّ على الحبّ بالاستجابة. إنَّ الاستجابة تقلبنا، وهذا التغيير قد يدفعنا لترك المهن. ولكن يمكنه أيضاً أن يدفعنا إلى استخدامها من أجل اسم الربّ حين نريد أن نمتهنها. لنترك لسنا مضطرّين أن نهجر. المطلوب هو صيد الناس. ليس للمسيحيّ الخيار في ألاَّ يسمع الدعوة الإنجيليّة “هلمَّ ورائي”، فهذه الدعوة هي للجميع. ولكن الخيار للمسيحيّ، والخيارات عديدة، في أن يختار الشباك التي يراها مناسبة له ليصطاد بها الناسَ للمسيح، آميـن. المطران بولــــس (يازجي)، متروبوليت حلب والاسكندرون وتوابعهما |
||||
18 - 05 - 2019, 03:30 PM | رقم المشاركة : ( 23355 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الجمل وثقب الإبرة خلفيات الأمثال التي استعملها الرب يسوع المسيح كانت من البيئة التي بشّر بها، وكان يهدف من ذلك لأن يعرف الشعب اليهودي وكلّ من يسمعه أن المسيح أتى والخلاص مفتوح لكل المسكونة وليس لشعب دون آخر. الأمثال -------------- هناك مثل شعبي عند اليهود يقولregatorul-bogat_w1000_h750_q100 "الإنسان حتى في أحلامه لا يرى جملاً يمر في ثقب إبرة". كما هناك مقولة تُنسب إلى التلمود وتقول: --------------------------------------------------- "ثقب الإبرة ليس شديد الضيق بالنسبة لصديقين، بينما العالم كله لا يتّسع كفاية لعدوين”. وكان يوجدُ ضِمنَ أحدِ أبوابِ أورشليم بابٌ صغير يُدعى ثقب الإبرة، وكان الحرّاس يغلقون أبواب أورشليم قبل الغروب، ولا يفتحون الباب الرئيسي لأية قافلة تأتي بعد هذا الوقت، بل يفتحون الباب الصغير. ولم يكن ممكناً للجمل -لضخامة حجمه- أن يدخل من هذا الباب الصغير (ثقب الإبرة) إلاّ بعد أن يلزمه الجمّال أن يركع على ركبتيه، ويقوم بإنزال حمولته لكي يستطيع العبور عريانًا من كلّ ما كان يحمله. هذا المشهد صورة لشيء أبعد بكثير، إذ علينا أن نخلع ما نحن متمسكون به لكي نتستطيع العبور، والله يعطينا أضعاف حمولتنا من نعمه غير المحدودة والمنبثقة من محبّته اللامتناهية. من هنا المثل الذي استعمله الرّبّ يسوع المسيح يجمع أمرين: - الأمر الأوّل: ------------------ الذي يعتبر نفسه غنيًّا بممتلكاته الفانية وليس بالرّبّ، خلاصه لهو أكثر من مستحيل ولا حتى في الأحلام، وطريقه مغلق. - الأمر الثاني: ------------------- لا يقف أي عائق أمام الغني بالرّبّ ودربه دائمًا مفتوح، ويجتاز كلّ الصعوبات مهما ضاقت في وجهه. خلاصة: ------------ من كان غنيًّا بالرّبّ يسوع المسيح هو صديق الرّبّ ويتخطى المستحيلات وأمامه رحاب السماوات. ملاحظة: -------------- كان الرّبّ يسوع المسيح يستعمل الكثير من الأقاويل والعبارات ويمسحنها، ويتكلّم بلغة يفهمها الناس تجمع بين البساطة الشعبيّة والعمق اللاهوتي، وذلك من أجل تحقيق الخلاص لأنّه أتى من السماوات وتجسّد وتنازل لخلاص جميع البشر لنقتبل الإلهيات ويرفعنا إليه. تفسير لغوي: ------------------ الكلمة في النص الأصلي اليوناني هي خ؛خ¬خ¼خ·خ»خ؟خ½ من خ؛خ¬خ¼خ·خ»خ؟د‚ ويمكن أن تكون مذكّر حيوان الجمل O خ؛خ¬خ¼خ·خ»خ؟د‚ أو الأنثى H خ؛خ¬خ¼خ·خ»خ؟د‚، أمّا الحبل في اللغة اليونانيّة التي كُتبت فيها الأناجيل هو خ؛خ¬خ¼خ¹خ»خ؟د‚ ولا يكون إلّا مذكّر فقط. اللفظ مشابه إنّما الفرق في حرفي خ· للجمل و خ¹ للحبل. في اللغة العربيّة هناك فرق بالتحريك لكلمة جمل. إذ كلمة ”جُمَّل“ بضم الجيم تعني حبل السفينة والحبل الغليظ من القنب، ويقال له القلس. ويختلف المفسّرون بين ضم الجيم وتشديد الميم ووضع فتحة عليها ومنهم من يسكّنها لتخفيفها، ومنهم من فتح حرف الجيم. أمّا كلمة ”الجَمَلُ“ هي اسم الكبير من الإِبل من الفصيلة الإِبليّة، وبقي تحريك الكلمة في هذا المعنى ثابت. الجدير بالملاحظة أن في الأشوريّة والأرامية والسريانية كلمة ”جملو“ تعني حيوان الجمل كما تعني حبل السفينة. في هذا المثل الجمل كحيوان هو المقصود، أوّلًا لأنّه كان يُضرب به المثل لكبر حجمه، ثانيًّا لوجود هذا المثل شعبيًّا وكانوا يقصدون به حيوان الجمل وليس الحبل، ثالثًا هكذا أتت الكلمة في النص اليوناني الأصلي. ويلاحظ أن اليهود في السبي قبل التجسّد استعملوا كلمة فيل بدل الجمل في مثل مشابه تأثرًا بالبيئة البابليّة ومحيطها التي كانوا يعيشون فيها، وهذا يزيد تأكيدًا أن المقصود بالمثل حيوان وليس حبل السفينة. |
||||
18 - 05 - 2019, 05:23 PM | رقم المشاركة : ( 23356 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القديس مكاريوس الصربي، أسقف فلاخيا (+1546م) 18 كانون الثاني غربي (31 كانون الثاني شرقي) كان أميراً صربياً. تنازل عن حقوقه الأميرية وصار راهباً في صربيا الوسطى، في مناسيا. طرده الأتراك فالتجأ إلى رومانيا. صار رئيس أساقفة على فلاخيا. ساس رعيته بحكمة الله ودرايته. مرض مرضاً صعباً فصبر صبراً كبيراً. رقد بسلام في الرب في 18 كانون الثاني 1546م. رفاته لم تنحل وكانت مصدر البركة. ما تزال محفوظة إلى اليوم في دير أسسه في كروسيدول الصربية في أخر أيامه. |
||||
18 - 05 - 2019, 05:28 PM | رقم المشاركة : ( 23357 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أبينا الجليل في القديسين مرقص أسقف أفسس (+1444م) 19 كانون الثاني غربي (1 شباط شرقي) لمع نجم هذا القديس في وقت من أصعب الأوقات التي مرت بالإمبراطورية البيزنطية. وضعها الاقتصادي كان شقياً والغزاة الأتراك على الأبواب. كان أمام الإمبراطورية أحد خيارين: إما السقوط في أيدي الأتراك وإما الاستسلام للاتين. هؤلاء عرضوا المساعدة المالية والعسكرية في مقابل إعلان الوحدة بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية. هذا عنى، في ذلك الزمان، خضوع الأرثوذكسية للبابوية. ولد مرقص في كنف عائلة تقية في القسطنطينية حوالي العام 1392م. درس على خيرة المعلمين وكان لامعاً. أضحى، منذ سن مبكرة، أستاذاً في المدرسة البطريركية. ترك كل شيء وهو في السادسة والعشرين وترهب في دير صغير قريب من نيقوميذية. انتقل إلى دير باسم القديس جاورجيوس في القسطنطينية بعدما اشتدت وطأة الأتراك على تلك الناحية. انصرف إلى حياة الصلاة وخدمة الإخوة ودراسة آباء الكنيسة. وضع عدداً من المؤلفات العقائدية في خط القديس غريغوريوس بالاماس. كتب عن الصلاة. علمه وفضله لفتا الإمبراطور يوحنا الثامن باليولوغوس إليه. كان الإمبراطور في صدد الإعداد لمجمع كبير بشأن الوحدة مع الكنيسة اللاتينية آملاً في الحصول على دعم البابا وأمراء أوروبا بالمقابل. جُعل مرقص أسقفاً على أفسس وضُم إلى الوفد البيزنطي ممثلاً بطاركة أورشليم وأنطاكية والإسكندرية. كان في عداد الوفد البيزنطي الإمبراطور والبطريرك يوسف الثاني وخمسة وعشرون أسقفاً. أبحر الوفد إلى إيطاليا بهمة وحماس. كان يؤمل أن تتحقق الوحدة المرتجاة بسرعة. وصل أعضاء الوفد إلى فراري. تبين، شيئاً فشيئاً، أنهم أدنى إلى المساجين. ولم يسمح لهم بمغادرة المدينة. افتتحت جلسات المجمع. جدول الأعمال تضمن البنود التالية: انبثاق الروح القدس. المطهر. الخبز الفطير والتكريس بكلمات التأسيس وحدها أو باستدعاء الروح القدس. أولية البابا. عولجت، بدءاً، المسائل الأقل تعقيداً. طرح موضوع المطهر. تكلم مرقص عن الفريق الأرثوذكسي. قال: "لا شك أنه يمكن لنفوس الموتى أن تنتفع وحتى للمدانين أن يتنيحوا نسبياً بفضل صلوات الكنيسة ورأفة الله التي لا حد لها. أما فكرة العقاب قبل الدينونة الأخيرة والتطهير بالنار المحسوسة، فغريبة تماماً عن تراث الكنيسة". انتقل البحث، بعد أسابيع، إلى مسألة الفيليوكوي، أي انبثاق الروح القدس من الآب والابن. مرقص كان واضحاً وحازماً. سبعة أشهر من المباحثات انقضت دون نتيجة. نقل البابا أفجانيوس الرابع المجمع إلى فلورنسا. بيصاريون، أسقف نيقية، وأيسيدوروس أسقف كييف وسواهما كانوا مع الوحدة بأي ثمن. سعوا في الكواليس إلى إقناع الفريق الأرثوذكسي بأن اللاتين ليسوا على خطأ فيما يختص بانبثاق الروح القدس. زعموا أن العقيدة هي إياها، لكن اللاتين يعبرون عنها بلغتهم وبطريقتهم الخاصة. اللاتين ضغطوا. كان الأرثوذكس في وضع صعب للغاية. لاسيما ومصير القسطنطينية والإمبراطورية البيزنطية في خطر والأتراك على الأبواب. الاستعداد لدى الأكثرين كان إلى التمييع والتساهل والتخفي وراء كلامية تترك للجميع أن يفسروا الأمور، كلاً حسب هواه وعلى طريقته. المهم أن تتحقق الوحدة ولو كلامياً. هذا كان الجو المسيطر. كل الأرثوذكس بدوا مستعدين للتنازل والرضوخ للأمر الواقع تحت ستار الوحدة إلا مرقص. ثبت على موقفه ولم يتزحزح. لسان حاله كان: "لا مسايرة في مسائل الإيمان!" قرر أن ينسحب ويتألم بصمت. أخيراً وقع الجميع مرغمين اتفاق الوحدة المزعومة كما رغب فيه اللاتين. وحده مرقص امتنع. فلما علم البابا افجانيوس بالأمر هتف: "أسقف أفسس لم يوقع، إذن لم نحقق شيئاً!" دعا مرقص إليه وأراد الحاكم عليه. تدخل الإمبراطور وعاد الوفد إلى القسطنطينية بعد سبعة عشر شهراً من الغياب. في القسطنطينية، رفض الشعب المؤمن الوحدة المزعومة. الشعب، عند الأرثوذكس، هو حافظ الإيمان. اعتبر مرقص بمثابة موسى جديد وعمود الكنيسة. خرج من صمته. كان همه أن يعيد اللحمة إلى الكنيسة الأرثوذكسية. سعى إلى ذلك بالكتابة والوعظ والصلاة والدموع. البيزنطيون الوحدويون استمروا ولو نبذهم أكثر الشعب. قال مرقص: "أنا مقتنع أني بقدر ما ابتعد عن الوحدويين بالقدر نفسه أدنو من الله وجميع قديسيه. وبقدر ما أقطع نفسي عنهم بقدر ذلك اتحد بالحقيقة". كان الصراع صعباً، أكثر السلطة الكنيسة في مواجهة أكثر الشعب المؤمن. لجأ مرقص إلى جبل آثوس. قُبض عليه في الطريق وأودع الإقامة الجبرية في جزيرة ليمنوس بأمر الإمبراطور. أطلق سراحه سنة 1442م. عاد إلى ديره ليواصل المعركة إلى آخر نفس. رقد في الرب في 23 حزيران 1444م. سلم مشعل الأرثوذكسية. قبل موته، لتلميذه جاورجيوس سكولاريوس الذي أضحى أول بطريرك على المدينة بعد سقوطها في يد الأتراك باسم جناديوس. بقي فريق الوحدويين يأمل في وصول المعونات من الغرب وأعلن الوحدة من القسطنطينية رسمياً في كانون الأول 1452م. لكن التوقعات خابت فسقطت القسطنطينية بيد الأتراك في 29أيار 1453م وسقطت معها وحدة الزيف والقهر. |
||||
18 - 05 - 2019, 05:31 PM | رقم المشاركة : ( 23358 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القديس البار مكاريوس الإسكندري 19 كانون الثاني غربي (1 شباط شرقي) هو معاصر القديس مكاريوس الكبير وسميّه. يدعى الصغير أو الإسكندري تمييزاً له عن مُدخل الرهبنة إلى بريّة الإسقيط. كان بائع حلوى وفاكهة جافة في الإسكندرية قبل انكفائه إلى برية القلالي الواقعة بين نيتريا والإسقيط. في سن الأربعين. تتلمذ للقديس أنطونيوس الكبير. قال له أنطونيوس المغبوط مباركاً: "ها أن روحي تستريح عليك. من الآن فصاعداً أنت وريث فضائلي!" كانت له بضع قلالي: في الإسقيط، في ليبيا، في القلالي، وفي جبل نيتريا. اثنتان منهما كانتا من دون نافذة. اعتاد ملازمة إحداهما في زمن الصوم الكبير في العتمة. إحدى قلاليه كانت من الضيق بحيث تعذّر عليه فيها أن يمدّ قدميه. أما الرابعة فكانت أرحب من غيرها لأنه اعتاد أن يستقبل فيها الزائرين. تقشّفه وصبره العظيم في التجارب اجتذبا إليه بنعمة الروح القدس ودفعا الإخوة في القلالي إلى اختياره كاهناً لهم ورئيساً عليهم. ورد أنه كان رئيساً لخمسة آلاف راهب. محبتّه للفضيلة كانت شديدة لدرجة أنه كان كلما سمع بعمل بهيّ تمّمه أحد سكان البريّة سعى إلى إكماله في ذاته وتخطّيه. تناهى إليه أن رهبان القديس باخوميوس لا يأكلون المطبوخ فأمضى سبع سنوات لا يأكل سوى النيئ والمبلول. وإذ صمّم على قهر سلطان النعاس، بقي في حال الوقوف عشرين يوماً، يكابد حرارة الشمس في النهار وقسوة البرد في الليل. مرة، سحق بيده بعوضة لدغته. وإذ أدرك أنه قضى على إحدى خلائق الله، حكم على نفسه بأن يتعرّى ستة أشهر في مستنقع عرضة لعقص البعوض. فلما عاد إلى قلايته كان منظره قد تشوّه حتى لم يعد ممكناً لأحد التعرّف عليه إلا من صوته. سمع بسيرة رهبان دير القديس باخوميوس الفاضلة فغيّر حلّته وتخفّى ثم خرج إليهم. طرق الباب وطلب أن يُقبل كمبتدئ. رأوه مسنّاً فصدّوه. رجاهم أن يجرّبوه فقبلوه. وقف طيلة الصوم في إحدى الزوايا يشتغل بالخوص لا يمس الطعام والشراب اللذين وضعوهما بجانبه. فتذمّر الرهبان لدى القديس باخوميوس قائلين: "من أين أتيتنا بهذه الروح النقيّة لتديننا؟!" وقد كشف الرب الإله للقديس باخوميوس أن القادم الجديد إن هو سوى مكاريوس الشهير. فأسرع إليه وضمّه وشكره لأنه لقّن رهبانه درساً في التواضع. ثم سأله الصلاة من أجلهم وصرفه. مرّة أخرى، قرّر مكاريوس أن يحفظ ذهنه في الإلهيات دونما تشويش خمسة أيام. بعد يومين قال لنفسه: "لا تنحدرنّ من السموات. عندك هنا الملائكة ورؤساء الملائكة وإله الكون. لا تنزلن إلى ما تحت السماء!" فاغتاظ الشيطان وأشعل النار في كل مكان في القلاية إلا الحصيرة التي كان القديس قائماً عليها. في اليوم الثالث نزل إلى تأمل العالم لئلا تكون للمجد الباطل سطوة عليه. بصلاته، طرد مكاريوس الأرواح الشرّيرة من عدد من الأشخاص وأبرأ المرضى. أتت إليه ضبعة، مرة، بصغيرها الأعمى فأعاد النور إليه. في اليوم التالي حملت إليه الضبعة هدية شكر، صوف الخروف. صارع إبليس إلى النهاية. لم يترك له أية فرصة عليه. أخيراً قال له: "ألك عندي شيء الآن؟ لن تجد فيّ شيء؟ انصرف عنّي!" رقد بعدما ناهز المائة. |
||||
18 - 05 - 2019, 05:36 PM | رقم المشاركة : ( 23359 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القديس البار مكاريوس الكبير المدعو المصري (+391م) 19 كانون الثاني غربي (1 شباط شرقي) ألقابه واسمه ألقاب عديدة أسبغها المهتمّون على القديس مكاريوس. قالوا إنه "اللابس الروح" وقالوا إنه "المصباح المضيء" وقالوا إنه "الشاب الحكيم". اعتبروه بمثابة نبي ومخيف للأرواح المضلّة ورفيق للشاروبيم من البداية إلى النياحة. تسربل التواضع كالثوب وكان وجهه يلمع كالشمس أحياناً وكان رسول زمانه كبطرس وبولس. اسمه، مكاريوس، يعني المطوّب، وأصله قبطي هو مقار (بكسر الراء) ويفيد الصدق والأمانة. جعل العرب اسمه مقاره. نشأته ولد القديس مكاريوس المصري في قرية تدعى شبشير في مركز المنوفية في مصر قرابة العام 300م. دعي بالمصري لأنه من إقليم مصر الذي هو منف أو الجيزة الحالية. نشأ على التقوى واقتنى إحساساً مرهفاً بالخطيئة. يحكى عنه أنه سرق هو وبعض الصبية من وفاقه أكوازاً من التين وأكل واحداً منها. فلما عاد إلى نفسه ندم ندماً شديداً، وقيل ذكر فعلته وبكى عليها بمرارة إلى آخر حياته. عمل راعي بقر وقيل جمّالاً. استهوته الرهبنة فاعتزل في قلاّية في قريته. انصرف إلى النسك والصلاة. وإذ رغب مواطنوه في جعله كاهناً لهم فرّ إلى قرية أخرى. إلى الإسقيط فيما كان مكاريوس جاداً في سعيه الرهباني، في موطنه الجديد، إذا بتجربة تحلّ به. فتاة سقطت في زنى. فلما بان حبلّها سألوها عن الذي عرفها فقالت: المتوحّد! فخرجوا إليه واستهزأوا به ولفّوا به القرية بعدما علّقوا في عنقه قدوراً قذرة وآذان أجرار مسودّة وهم يضربونه ويقولون: هذا الراهب أفسد عفّة ابنتنا! وبعدما بالغوا في شتمه وضربه جعلوه يتعهّد بالإنفاق عليها وعلى مولودها. كل هذا وهو لا ينطق بكلمة واحدة يدافع بها عن نفسه. فلما عاد، بالجهد، إلى قلاّيته قال في سرّه: "كدّ يا مكاريوس لأنه قد صارت لك امرأة وبنون. فينبغي لك أن تعمل ليلاً نهاراً لتطعمهم وتطعم نفسك". فلما أقام ردحاً من الزمان يكد ويتعب، حان وقت وضع الفتاة فتعسّر. وبعدما مكثت معذّبة أياماً لا تلد شعرت بأن ما حدث لها كان لافترائها على المتوحّد، فاعترفت أنه بريء وأن فلاناً الرجل هو الذي خدعها. فخرج سكان القرية ليستسمحوا القدّيس. وقبل أن يصلوا إليه أطلعه خادمه على ما جرى وأن أهل القرية في طريقهم إليه. فقام لتوّه وهرب إلى برية الإسقيط، فكان أول ساكن لها. عمره، يومذاك، كان ثلاثين سنة. أب لرهبان كثيرين بنى مكاريوس لنفسه قلاّية غربي الملاّحات. هناك قسى على نفسه وعبّد الله بكل قوّته. أخذ يضفر الخوص ويعيش من عمل يديه. فلما سمع به قوم حضروا إليه فاستهوتهم عيشته وسألوه أن يكونوا معه فأذن لهم وصار لهم أباً مرشداً يلبسهم الزيّ ويرشدهم إلى طريق العبادة. لم يصر راهباً بعد سأله بعض الشيوخ مرة في جبل نيتريا أن يقول للإخوة كلمة تنفعهم فأجاب: أنا لم أصر بعد راهباً، لكني رأيت رهباناً. ثم أخبرهم أنه فيما كان يوماً في الإسقيط جاءه فكر يدعوه للذهاب إلى البرّية الداخلية. فلما ألحّ الفكر عليه مضى إلى هناك فصادف بحيرة ماء وفي وسطها جزيرة عليها وحوش وبين الوحوش رجلان عاريان فجزع منهما ظاناً أنهما روحان. فلما لاحظاه طمأناه وأخبراه عن نفسيهما. وإذ سألهما كيف يصير راهباً، أجاباه: ما لم يزهد الإنسان في كل أمور العالم فلن يستطيع أن يصير راهباً. فقال لهما: أنا إنسان ضعيف ولا أستطيع أن أكون مثلكما فأجاباه: إن لم تستطع أن تكون مثلنا فاجلس في قلاّيتك وابكِ على خطاياك! تواضعه وحدث أن كان مكاريوس، مرة، عابراً في الطريق وهو يحمل الخوص وفي يده منجل. فالتقاه الشيطان وانتزع المنجل من يده وأراد قطعه به، فلمّا يفزع، بل قال: إن كان السيّد المسيح قد أعطاك سلطاناً عليّ فها أنامستعد لأن تقتلني. فلم يستطع الشيطان أن يفعل ضدّه شيئاً، فقال له: "يا مكاريوس! أنت تطرحني أرضاً بقوة عظيمة ولا أتمكّن منك. كل ما تعمله أعمله أنا أيضاً. أنت تصوم وأنا لا آكل أبداً. أنت تسهر وأنا لا أنام أبداً. شيء واحد تغلبني به: تواضعك! من أجل هذا لا أقدر عليك". فرفع مكاريوس يديه للصلاة فتوارى الشيطان للحال. وذكروا أن تلاميذه كانوا يدنون منه بخوف لأن توقيرهم له كان كبيراً. وإذ كان يراهم على هذه الحال كان يمتنع عن محادثتهم. أما إن أتاه إنسان وكلّمه بكلام قاس أو سخر منه أو غضب عليه فإنه كان، إذ ذاك، يجد للكلام جدوى فيجيب عن كل سؤال يُوجَّه إليه. كذلك كثيراً ما كان مكاريوس يسترشد لدى من هم أصغر منه. قابل صبياً، مرة، يرعى البقر، فسأله: قل لي يا صبي ماذا أعمل، فأنا جائع؟ فقال له: كلْ! فقال: أكلت وما زلت جائعاً! فقال له: كل من جديد! فقال: أكلت وما زلت جائعاً! فأجاب الصبي: لا شك إنك حمار يا راهب لأنك تأكل كما يأكل الحمار. فانصرف مكاريوس منتفعاً. انكفاءه وتقشفه كان مكاريوس معروفاً جداً. لذلك كثيرون كانوا يقصدونه ليتبرّكوا منه. ولكي يحفظ نفسه في هدوء، حفر في قلاّيته سرداباً امتد نصف ميل هيّأ في نهايته، لنفسه، مغارة صغيرة اعتاد الخلود إليها كلّما زحمه الناس وثقّلوا عليه. ومن حبّه للصمت وحرصه عليه، قال لتلاميذه: فرّوا يا إخوة! فأجابوه: إلى أين؟ إلى أبعد من البرّية؟ فوضع يده على فمه وقال: من هذا فرّوا! وقال لهم: متى رأيتم الأشجار تُغرس بجوار الأبواب والشبّان يقيمون في الإسقيط فاحملوا أمتعتكم وارحلوا. وذكروا أن مكاريوس كان لا يمتنع عن شرب النبيذ متى قدّم له أحد الإخوة بعضاً. لكنه أخذ على عاتقه أن يصوم عن شرب الماء يوماً مقابل كل كأس خمر يشربها. فلما عرف الإخوة بقانونه امتنعوا عن تقديم النبيذ له لئلا يعذّب نفسه بالعطش. وقيل إنه بينما كان القديس سائراً في البريّة، مرة، وجد بقعة جميلة كفردوس الله وفيها ينابيع ماء ونخيل وأشجار متنوعة الأثمار. فلما أخبر تلاميذه عنها طلبوا الإقامة فيها فأجابهم: إن وجدتم لذّة وراحة في ذلك المكان وعشتم من دون تعب وضيق، فكيف تتوقّعون الراحة واللذّة من الله؟ أما نحن، معشر الرهبان، فيليق بنا أن نحتمل الآلام من أجل المسيح، في هذا الدهر، لنتمتّع بالسرور في الدهر الآتي. ولما قال هذا سكت الإخوة وامتنعوا. حكمته توّجه القديس مكاريوس، مرة، برفقة تلميذ له إلى جبل نيتريا. فلما اقتربا من أحد الأمكنة، قال لتلميذه أن يتقدّمه قليلاً. فما أن ابتعد التلميذ عن معلّمه قليلاً حتى التقى كاهناً وثنياً يحمل بعض الأخشاب، فصرخ التلميذ في وجهه قائلاً: "يا خادم الشيطان، إلى أين تجري؟ "فاغتاظ الكاهن وانهال على التلميذ بالضرب حتى كاد يقضي عليه، ثم تركه ومضى. فلمّا تقدّم قليلاً التقى مكاريوس فبادره القديس بالقول: "لتصحبك المعونة يا رجل النشاط! فتعجّب الكاهن وأتى إليه وسأله: أي شيء جميل رأيته فيّ حتى حيّيتني على هذا النحو؟ فأجابه الشيخ: "إني أرى أنك تكدّ وتتعب وإن كنت لا تدري لماذا؟ " فتأثّر الكاهن وقال للشيخ: الآن عرفت أنك رجل الله ولست كذلك الراهب الشرّير الذي لعنني فضربته ضرب الموت. فعرف الشيخ أنه تلميذه. وإذ أمسك الكاهن الوثني بقدمي مكاريوس رجاه أن يرهبنه فوعده خيراً. ثم سار الاثنان إلى حيث كان التلميذ مطروحاً مغشياً عليه فأعاناه وأتيا به إلى كنيسة الجبل. بعد ذلك أخذ القديس الكاهن الوثني وجعله راهباً. وبفضله اهتدى العديد من الوثنيّين إلى المسيح. تعليق مكاريوس كان: "الكلمات الشرّيرة المتكبّرة تحوّل الأخيار إلى أشرار، والكلام الطيّب المتواضع يحوّل الأشرار إلى أخيار". وذكروا عنه أيضاً أن أخاً يدعى ثيوبمبتوس كان مجرّباً بأفكار الزنى وكان يخجل أن يتكلّم عنها. فدرى القدّيس بأمره وجاء إليه وسأله: "هل عندك شيء تقوله يا أخي؟ كيف أحوالك؟" فأجاب الأخ: "أموري حسنة في الوقت الحاضر!" فقال الشيخ: "ها أنا قد عشت في نسك شديد سنين طويلة وصرت مكرّماً من الجميع. ومع ذلك، ورغم إني شيخ، فإن شيطان الزنى يتعبني!" فأجاب ثيوبمبتوس: "صدقني يا أبي، إنه يتعبني أنا أيضاً!" فتابع الشيخ كما لو كان متعباً من أفكار كثيرة إلى أن قاد الأخ أخيراً إلى الاعتراف بما يثقّل عليه. فأعطاه مكاريوس قانوناً فالتزمه واستراح. محبته زار مكاريوسُ أحدَ الإخوة وكان مريضاً. فسأله إذا كان بحاجة إلى شيء. فأجاب: بحاجة إلى خبز طري. فسار مكاريوس ستين ميلاً إلى الإسكندرية وأحضره له. تشبّهه بخالقه كان في بعض القلالي أخ اتُهم بالزنى فلم يستطع الإخوة أن يصبروا عليه وأدانوه. وكانوا يترصّدون خطواته. مرة، لاحظوا امرأة تدخل إليه فأوقفوا بعضاً لمراقبته ثم جاؤوا إلى القديس مكاريوس وأخبروه. فكان جوابه الفوري: "لا تصدّقوا يا إخوة. حاشا لأخينا المبارك أن يفعل هذا!" فدعوه إلى التأكد من ذلك بنفسه. فأتى إلى قلاّية الأخ كما ليسلّم عليه. فلما علم الأخ بقدومه تحيّر وارتعد وخبّأ المرأة في الصندوق. فلما دخل القديس جلس على الصندوق ودعا الإخوة إلى الدخول فدخلوا وفتّشوا فلم يجدوا أحداً ولم يجرأوا على سؤال الشيخ أن يبتعد عن الصندوق ليروا ما إذا كانت فيه. وهكذا عادوا خائبين. فلما انصرفوا أمسك القديس بيد الأخ وقال له: "احكم على نفسك، يا أخي، قبل أن يحكموا عليك لأن الحكم لله!" ثم ودّعه وخرج. فلما وجد مكاريوس نفسه وحيداً في الخارج جاءه صوت يقول له: "طوباك يا مكاريوس، رجل الروح، يا من تشبّه بخالقه، وستر العيوب مثله!" ثم أن الأخ عاد إلى نفسه وتاب عن غيِّه وصار مجاهداً وبطلاً شجاعاً. وسأله آخر، مرة، أن يقول له كلمة منفعة فأجاب: "لا تصنع شرّاً بأحد ولا تدن أحداً. احفظ هذين الأمرين فتخلص". عدم القنية اهتم مكاريوس بتدريب تلاميذه على عدم حبّ القنية. دخل، ذات مرة، بستان راهب كان يقيم بالقرب منه وأخذ يقلع البقول من الأصول. فلم يضطرب الراهب ولا حرّك ساكناً. وإذ أتى القديس على كل البقول إلا واحدة بادره الراهب ببساطة قلب: إن شئت يا أبانا فاترك هذه ليكون لنا أن نبذر منها! عندئذ علم الشيخ أن هذا الراهب خالص عند الله وليست الزراعة له قنية، فقال له: لقد استراح روح الله عليك يا ولدي! ثم التفت إلى أخ رافقه وقال له: لو حزن على النبات لبان عليه وأنا أقلعها، ولكنها كانت عنده كلا شيء. هكذا يعرف الشياطين إذا كانت محبّة القنية فينا. جزاء من يكفرون ومرة، أثناء سيره في البريّة الداخلية، صادف جمجمة إنسان فحرّكها بعصاه وبدأ يبكي متضرّعاً إلى الرب الإله أن يعرّفه بقصة صاحبها. فخرج منها صوت يقول له: أعلمك إني كنت ملكاً لهذه الأماكن، وكانت هنا مدن كثيرة، وكنا نعبد الأصنام وندعوها آلهة ونعمل لها أعياداً واحتفالات. وها أنا اليوم كما ترى! فازداد مكاريوس بكاء وسأل: وما حالكم اليوم؟ فأجاب: نحن في عذاب مرّ لأننا لم نعرف الله. لكن عذابنا أخفّ من عذاب الذين عرفوا الله و آمنوا به ثم جحدوه. أية صلاة؟ راهب اسمه بولس كان يعمل أقل ما يمكن لسدّ حاجة نفسه، وبقية وقته كان يقضيها في صلاة مستمرة. صلواته جاوزت الثلاثمائة كل يوم حسب ترتيب الصلوات آنذاك. هذا التقاه مكاريوس فوجده حزيناً فسأله عن سبب تكدّره، فأجابه: سمعت عن عذراء تتلو خمسمائة صلاة في اليوم فاحتقرت نفسي. فقال له الشيخ: لقد عشت في الحياة النسكية ستين سنة وأنا أتلو كل يوم خمسين صلاة واستقبل الإخوة الذين يأتون إليّ وأعمل ما فيه كفايتي. ولا يلومني عقلي إنني مقصِّر من جهة الله. فهل أنت الذي تصلّي كل هذه الصلوات تُدان من أفكارك؟! ربما لا تقدّم هذه الصلوات بنقاوة أو لعلّك قادر على أن تعمل أكثر ولا تعمل. أدوات الشيطان أثناء سير مكاريوس، مرة، في أقصى البريّة التقى شخصاً هرماً يحمل حملاً ثقيلاً حول جسده. وكان الحمل عبارة عن أوعية في كل منها ريشة وكان لابساً إيّاها عوضاً عن الثياب. فتعجّب مكاريوس من منظره وسأله باسم الرب أن يقول له من هو وما هذه الأدوات التي يحملها. فأجاب الهرم بغير اختياره: أنا من يقولون عنه إنّه شيطان محتال. وهذه الأوعية هي ما أجتذب الناس به إلى الخطيئة مقدِّماً لكل عضو من أعضائهم ما يناسبه من الخديعة. فإذا أردت أن أُضلّ من يقرأ نواميس الله وشرائعه أدّهنه من الوعاء الذي على رأسي. ومن أحب السهر في الصلوات والتسابيح أخذت من الوعاء الذي على حاجبيّ ولطّخت به عينيه لأجعل عليهما نعاساً ونوماً. والأوعية الموجودة على مسامعي معدّة لعصيان الأوامر. والتي عند أنفي اجتذب بها الشبّان إلى اللذّة. والتي عند فمي اجتذب بها النسّاك إلى الأطعمة أو أشدّهم إلى الوقيعة والكلام القبيح. من كان راغباً وزّعت عليه بذار أعمالي. ومن كان متّكلاً على نفسه جعلته يتعالى بالأسلحة التي في عنقي. أما التي عند صدري فمخازن أفكاري أُسكر بها الفكر وأصرف الصالحات من الأذهان. أما الموجودة عند جوفي فمملوءة من عدم الحس. أما التي تحت بطني فأسوق بها الراغبين إلى سائر ضروب الزنى والفسق واللذّات القبيحة. والتي على يديّ فمعدّة للضرب والقتل. والتي وراء ظهري مخصّصة لنصب الفخاخ للذين يقاومونني. والتي على قدميّ فللعثرات أعرقل بها طرق المستقيمين. وبعدما قال هذا صار دخاناً واختفى. حسد الشيطان جاء كاهن وثني إلى مكاريوس، يوماً، فسجد أمامه وسأله أن يعمِّده ويرهبنه. فتعجّب القديس وسأله كيف يريد أن ينضمّ إلى المسيح من دون وعظ، فأجاب: كان لنا عيد عظيم وما زلنا نصلّي إلى منتصف الليل حتى نام الناس. فجأة رأيت داخل أحد هياكل الأصنام ملكاً عظيماً جالساً وحوله كثيرون. فأقبل إليه واحد من غلمانه وأخبره أنه آت من المدينة الفلانية وقد نجح في جعل كلمة صغيرة في قلب امرأة رشقت بها امرأة أخرى فلم تحتملها فأدّى ذلك إلى شجار كبير بين الرجال أودى بحياة الكثيرين في يوم واحد. فقال الملك لأعوانه: أبعدوه عني لأنه لم يعمل شيئاً! ثم تقدّم غلام ثان وأخبر أنه آت من بلاد الهند حيث وجد داراً تحترق، فوضع في قلب أحد الأشخاص أن يتّهم آخر وشهد عليه كثيرون بالزور. فقال الملك: أبعدوه عني لأنه لم يعمل شيئاً! ثم تقدّم ثالث وأخبر كيف أنه تسبّب في حرب بحرية غرقت على أثرها عدة سفن. فقال الملك: أبعدوه عني لأنه لم يعمل شيئاً! ثم تقدّم رابع وخامس وسادس وأخبروا بما عندهم فلم يسرّ الملك بأي منهم وأمر بإبعادهم جميعاً لأنهم لم يعملوا شيئاً! أخيراً تقدّم غلام وقال إنه آت لتوّه من الإسقيط وقد قاتل راهباً واحداً أربعين سنة فصرعه لتوّه وأسقطه في الزنى. فلما سمع الملك بالخبر انتصب وقبّله ونزع التاج عن رأسه وألبسه إيّاه قائلاً: حقاً لقد قمت بعمل عظيم! وتابع كاهن الأصنام قائلاً: فلما رأيت أنا كل ذلك، وقد كنت مختبئاً في الهيكل، أدركت عظم الرهبنة فخرجت وجئت إليك. تضاهيانه في السيرة طلب مكاريوس يوماً من الرب الإله أن يدلّه على من يضاهيه في السيرة، فجاءه صوت يقول له: تضاهيك امرأتان في المدينة الفلانية. فأخذ عصاه وخرج إلى هناك. فلما وصل سأل وتقصّى عنهما، فدلّوه على بيتهما. فلما قرع الباب فتحت له إحداهما ثم سجدت إلى الأرض دون أن تعرف من يكون. ولما عرفت الثانية بقدومه جاءت هي أيضاً وسجدت. ثم قدّمتا ماء لرجليه وبسطتا له مائدة ليأكل، فلم يشأ قبل أن تخبراه عن نفسيهما قائلاً لهما إنه مرسل من الله. فارتعدتا وسقطتا على وجهيهما باكيتين. فأنهضهما، فقالتا له: ماذا تطلب منا أيها القديس ونحن خاطئتان؟! وبعدما ألحّ متضرّعاً إليهما ألاّ تحرماه من خبرهما لمنفعة نفسه، أجابتا: إننا غريبتان في الجنس إحدانا عن الأخرى. تزوّجنا أخوين حسب الجسد ولما طلبنا منهما أن نمضي ونسكن في بيت للعذارى لنخدم الله بالصلاة والصوم أبيا. فجعلنا على نفسينا قانوناً أن تسلك إحدانا مع الأخرى بكمال المحبّة الإلهية. وها نحن نحفظ نفسينا بصوم دائم إلى المساء وصلاة مستمرة. وقد أنجبت كل منا ولداً. فمتى نظرت إحدانا ابن أختها يبكي أخذته وأرضعته كما لو كان ابنها. أما رجلانا فراعيا غنم وماعز لا يعودان إلينا إلا عند المساء فنقبلهما كأخوين قدّيسين. ونحن مسكينتان بائستان، وهما دائبان على الصدقة ورحمة الغرباء. ولم نسمح لنفسينا أن تخرج من فم الواحدة منا كلمة عالمية بطّالة. فلما سمع مكاريوس ما قالتاه خرج يقرع صدره ويلطم وجهه قائلاً: ويلي، ويلي! ولا مثل هاتين المرأتين لي محبة لقريبي". صانع المعجزات ينسب إلى القدّيس مكاريوس عدد من المعجزات بينها هذه: نزل القديس مرة إلى الحصاد ومعه بعض الإخوة. وكانت هناك امرأة تلتقط خلف الحصّادين ولا تكفّ عن البكاء. فسأل من تكون وما سبب بكائها، فعلم أن رجلها حفظ وديعة لإنسان مقتدر، ثم مات فجأة والمرأة لا تعلم من موضع الوديعة شيئاً. فلما حانت استراحة الحصّادين، دعا القدّيس المرأة وقال لها: هيّا، أريني قبر زوجك! فذهبت به إلى المقبرة. فلما وصلوها صلّى مع الإخوة ثم نادى الميت قائلاً: يا فلان! أين تركت الوديعة التي عندك؟ فخرج من المقبرة صوت قال له: إنها في بيتي تحت رجل السرير. فقال له القديس: عد إلى رقادك! فتعجّب الإخوة! فقال القديس: ليس من أجلي كان هذا الأمر، لأني لست شيئاً، بل من أجل الأرملة واليتامى. فلما سمعت المرأة بموضع الوديعة انطلقت وأخرجتها من مكانها وأعطتها لصاحبها. وكل الذين سمعوا بما جرى سبّحوا الله. كهنوته سيم مكاريوس في حياته كاهناً. هذا أمر مؤكّد. متى كان ذلك، ليس ثابتاً. المخطوطات القديمة كالقبطية والعربية تقول إنه لما كان عائشاً في قلاّيته بريف مصر، جاء أهل القرية واختطفوه ورسموه قساً. ولما لم يجد نفسه أهلاً لهذه الوظيفة الشريفة هرب إلى قرية بعيدة حيث كان يتردّد عليه رجل بار ويأخذ منه شغل يديه ويسدّ احتياجاته. أما سوزومينوس المؤرّخ فيقول إنه صار كاهناً في سن الأربعين، في نهاية اعتكافه الأول الذي دام عشر سنوات. مكاريوس وأنطونيوس يستفاد من الأبحاث أن مكاريوس وأنطونيوس التقيا مرتين. المرة الأولى في بداية نسك مكاريوس والثانية بعدما تقدّم فيه. وقد ورد أن قدّيسنا كشف فكره لأنطونيوس كابن لأبيه وإن أنطونيوس قبّل رأسه وقال له: يا ابني مقاره، إنك عتيد أن تصير مغبوطاً كاسمك! وقد وعظه وأيّده بكلام كثير وعرّفه بقتالات العدو. ولما طلب منه مقاره أن يقيم عنده أطلقه قائلاً: كل واحد منا يلزم الموضع الذي دعاه الرب إليه! هذا في الزيارة الأولى. أما الزيارة الثانية فتمّت بعد ذلك بزمان طويل وكان الدافع إليها ازدياد حروب العدو على مكاريوس وحاجته إلى النصح بشأن الرعاية وقيادة النفوس وغير ذلك. كذلك ورد أن أنطونيوس سلّم مكاريوس، أثناء زيارته الثانية، عصاه العتيقة تعبيراً عن تسليمه أمانة التدبير الرهباني له من بعده. خطابه الأخير ونياحه قبل نياحة مكاريوس بزمن قصير خاطب رهبان جبل نتريا مودِّعاً فقال لهم: "يا أولادي الأحباء... كثيرة هي أمجاد القدّيسين... وسبيلنا أن نعرف تدبيرهم وعملهم... فلقد اقتنوا المسكنة وتواضع النفس وانسحاق القلب والجهاد في الصلاة ومحبة كل الناس وخوف الله... أما الجسد فرفضوا جميع شهواته... فرّوا من الخطيئة واصبروا إلى الموت في حفظ وصايا الرب. لا تقبلوا كسر أية وصية مهما كانت صغيرة، لأن كسر أية وصية، صغيرة كانت أم كبيرة، يغضب الله... لا يكون فيكم من يذكر الشر لأخيه... فإن القلب الذي يتفكّر بالشر والبغضة لا يمكن أن يكون مسكناً لله... اقتنوا الحب بعضكم لبعض لتقتنوا لأنفسكم كل تدبير الفضائل الأخرى في رهبنتكم. ... النفس التي لا تقبل الوقيعة ولا تفكّر في السوء على أحد ولا تميل إلى حب الدرهم ولا تميل إلى شهوات العالم تستضيء كالشمس... أفعال السوء مدخل للعدو... والواجب أن نحفظ أنفسنا جداً لئلا نصيرآنية للشيطان... ليحرص كل واحد منكم على أن يمدح أخاه في غيبته حتى إذا سمع أخوه بذلك عنه ازداد في محبّته... متى كان قلب الإنسان غير نقي ونيّته غير صافية فلا بد أن قلب أخيه يحسّ بذلك... مهما حاول أن يتجمَّل بلسانه من نحوه. في قلب الإنسان سر إلهي. فإن حدث أن سمع أحد كلاماً صدر من أخيه عنه فلا يخبئه في قلبه ويحقد عليه ويحاسنه بلسانه وقلبه غير نقي. فهذه الحال تولّد البغضة المرّة والمقت وهي تغضب الله... كل من يسمع التأديب ولا يقبله ولا يعمل به فهو خاسر نفسه... أوصيكم أن تبالغوا في خدمة القدّيسين والمرضى وادفعوا لهم قدر قوّتكم من عمل أيديكم... كل تعب يتعبه الواحد منا سوف يُستعلن له وقت خروج نفسه من الجسد... أحبّوا التعب... طوبى لمن يبقى في تعبه فرِح القلب لأن التعب هو باب الفردوس المفتوح. أما الذي يطيع ضعف الجسد فإنه يصبح غريباً عن الخيرات المعدّة للمجاهدين ويتولاّه الندم في القيامة حين يبقى بعيداً لا يملك إلا الحزن والكآبة التي لا تنفع! ... كل من يلازم فضيلة واحدة ويفرِّط بأخرى يشبه إنساناً أخذ إناء وملأه زيتاً وأهمل فيه ثقباً. ثم ركب وسافر فما وصل إلى نهاية سعيه إلاّ والإناء فارغ مما فيه... الوصايا كالسلسلة متى انفكت منها عروة تفلت بأكملها... سيأتي وقت تُسألون فيه عن ثمر كلامي وتُعطُون جواباً عما سمعتموه مني. فلا تجعلوا كلامي لكم سبب دينونة لأني إنما كلّمتكم لخلاصكم وصحّة نفسكم... أفزع إلى الله لكي لا تُصطادوا بفخ الغفلة ولا تعتد قلوبكم التهاون... ما دمتم في الجسد فأمسكوا التوبة ولا تدعوها تفلت منكم لأن من فارقها فارقته الرحمة وملكوت السموات... ... لنجتهد متشبّهين بالصالحين لئلا نندم عندما نجدهم في النهاية في مجد عظيم... طوبى للذين يعملون بكل قوّتهم. اجعلوا أنفسكم غرباء عن هذا العالم لتصيروا أهلاً للخيرات الأبدية... إن صوم الأربعين هو الخميرة للسنة كلها فيجب أن نتمّمه باحتراس لأن الخميرة إذا فسُدت أفسدت العجين كله... تيقّظوا بالروح وامتلئوا بالإيمان حتى تمضوا إلى الرب بدالة وتنالوا الإكليل الذي لا يبلى... هذا وتنيّح القديس مكاريوس في سن التسعين، وقيل في السابعة والتسعين. وقد حضرت إذ ذاك الملائكة والقديسون لمرافقته فهتف بصوت خافت على قدر ما بقي فيه من قوة: "يا سيدي يسوع المسيح، حبيب نفسي، اقبل روحي إليك!" وأسلم الروح. |
||||
18 - 05 - 2019, 05:47 PM | رقم المشاركة : ( 23360 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القديس البار مكاريوس الكهفي الشمّاس 19 كانون الثاني غربي (1 شباط شرقي) مرض طفلاً فنذره ذووه لله إن استعاد صحته . تماثل للشفاء و صار راهباً . امتاز بتواضعه و و داعته . منّ عليه الرب الإله بموهبة صنع العجائب . ما زالت رفاته في مغارة القديس ثيودوسيوس في كييف |
||||