منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30 - 04 - 2019, 05:19 PM   رقم المشاركة : ( 23151 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,477

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

حبيبي يسوع من اجلي انا
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

انا ماستاهلش ابداً انا الخاطئ النتن العفن انا
تركت سماك واتجسدت من اجل حبك العظيم لنا


ذهبت للموت طوعاً واخدت عقابي انا
اتسمرت على الصليب واتجلدت ومن من اجل فدائي انا
مت وقبرت وقبرك كان مكاني اللي باستحقه انا


قمت من الموت حتى تقيمني من هلاكي الابدي انا
وفتحت لي طريقاً بعد ان كان مغلوقاً للسما
وبنيت لي منزلاً في ملكوتك الابدي باسمي انا


لم يعد للموت سلطاناً بعد قيامتك يا يسوع علينا
اين شوكتك يا موت واين غلبتك يا هاوية
المسيح قام واقامني معه من هلاكي الابدي انا
 
قديم 30 - 04 - 2019, 05:23 PM   رقم المشاركة : ( 23152 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,477

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
(ملخص ما فات)

كمال الشكر في المسيح الذي فيه كل البركة في ملء كمالها السماوي
فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ انْ تُقَامَ طِلْبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ
خµل½گد‡خ±دپخ¹دƒد„خ¯خ±د‚ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ (1تيموثاوس 2: 1)، فنحن نتقدم بذبيحة ربنا يسوع الحي لله الآب بصلوات البركة رافعين لهُ – بأيادي طاهرة – الشكر: رنموا للرب باركوا اسمه بشروا من يوم إلى يوم بخلاصه (هكذا احب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به – يوحنا 1)؛ ادخلوا أبوابه بحمد، دياره بالتسبيح، احمدوه باركوا اسمه (مزمور 96:2؛ 100: 4)، فنخرج من حضرته مُحملين بالبركة كقوة نافعه صالحة لنقدمها للجميع: فالآن سبحوا بكل قلوبكم وأفواهكم وباركوا اسم الرب (سيراخ 39: 41)، لذلك في هذا الحال من جهة خبرة تذوق بركة الرب التي اغتنينا بها وحلاوة الشكر نُقدم البركة وليس اللعنة، لأن اللعنة اقتُلعت في الصليب بتقدمة ذبيحة المسيح ولم يعد لكلمة [ملعونة الأرض بسببك] أي وجود، بل صارت مباركة بسبب سفك دم حمل الله الوحيد لذلك قال الرب بفمه لنا أولاً: وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ (متى 5: 44)، وأيضاً قدم لنا الرسل التعليم حسب بشارة العهد الجديد قائلين: باركوا على الذين يضطهدونكم باركوا ولا تلعنوا؛ غير مجازين عن شر بشر أو عن شتيمة بشتيمة، بل بالعكس مباركين، عالمين انكم لهذا دُعيتم لكي ترثوا بركة خµل½گخ»خ؟خ³خ¯خ±خ½
(رومية 12: 14؛ 1بطرس 3: 9)

(يوم التذكار الحاضر)
أصنعوا هذا لذكري خ¬خ½خ¬خ¼خ½خ·دƒخ¹د‚
خ†خ½خ¬خ¼خ½خ·دƒخ¹د‚ - anamnesis

لنا أن نعرف أن الكلمة اليونانية خ¬خ½خ¬خ¼خ½خ·دƒخ¹د‚ تفيد معنى يصعب أن يوجد في أي لغة، مثل الإنجليزية أو العربية أو أي لغة أخرى، إذ أن المفردات اللغوية لهذه اللغات لا تُعطي المعنى الحقيقي الدقيق لما تعنيه الكلمة اليونانية التي ذُكرت في الأناجيل، ففي اللغة الإنجليزية على سبيل المثال هناك كلمات مثل: Memorial تذكار أو remembrance تذكار أو ذكرى، وهي تُفيد بالنسبة لنا مفهوماً (حسب المنطق العقلي) أنه أمر يدل على أنه وقع في الماضي ولم يبقى منه سوى ذكريات متعلقة بذاكرة الإنسان أو بذاكرة التاريخ، بمعنى مباشر أنه أحداث ماضية قد انتهت ولم تعد سوى مجرد ذكريات مُمكن استعادتها في ذكرها أو ممارستها كعادة الأسر التي تتذكر الماضي حينما يلتفون حول العشاء أو في أي ميعاد للاحتفال بذكرى معينة عندهم، وطبعاً نفس المعنى في اللغة العربية موجود من ناحية تذكر أحداث قديمة قد وقعت في الماضي وانتهت.

وطبعاً لشيوع هذا المعنى تُرجمت الكلمة اليونانية بكلمة (ذكرى) وأصبحت تأخذ نفس المفهوم للكلمة الإنجليزية، بل وامتد المعنى ليشمل المفاهيم الموجودة في جميع اللغات المعروفة، ولكن الكلمة اليونانية في الكتاب المقدس (خ¬خ½خ¬خ¼خ½خ·دƒخ¹د‚
) فهي على عكس هذا المعنى تماماً، إذ تعني "مُعايشة حدثٍ ما أمام الله كان قد وقع في الماضي، ولكن ما زال فعله وأثرة ممتداً في الزمان الحاضر كما هو بنفس قوته وفعله وبكل اتساعه" ولذلك فأن هذا التذكار مرتبط بنوال البركة.
ولنلخص معنى هذه الكلمة كما قصدها الله في هذه النقاط السريعة:
(أ) هذه الكلمة ليست بالمعنى الدارج المشهور للجميع، مجرد ذكرى لماضي، ولكنها في الترجمة الأصلية تُستخدم في الأعمال التي تخص الله، وتُعَّبر عن حدوث "صلة شخصية" على وجه خاص بين الإنسان والله من ناحية الشركة.

(ب) ومعناها على وجه الخصوص – كما قصد الرب منها – استعلان وظهور عمل الرب إلى أن يُستعلَّن الرب نفسه في اليوم الأخير (المجيء الثاني)


(جـ) أصنعوا هذا (
د„خ؟دچد„خ؟ د€خ؟خ¹خ*خ¹د„خµ)
ليست من الكلمات العادية التي تدخل ضمن الحديث العادي أو التعبير الشخصي، لكنها اصطلاح طقسي ليتورجي وذلك بحسب ورودها واستخدامها في الطقس القديم:
1- وتصنع
خ؛خ¬خ¹ د€خ؟خ¹خ®دƒخµخ¹د‚ لهرون وبنية هكذا بحسب كل ما أمرتك (خروج 29: 35)
2- هكذا تصنع
د€خ؟خ¹خ®دƒخµخ¹د‚ للثور الواحد (عدد 15: 11)
وبالطبع هناك آيات كثيرة جداً خاصة بالطقس الذبائحي فيها نفس اللفظة؛ ومن هنا يتبين بوضوح شديد أن كلمة {أصنعوا هذا} هي اصطلاح مستخدم في الطقس للتعبير عن (تكرار الطقس) وعن (قانونيته)، والتكرار هنا ليس بالمعنى المتكرر بمفهوم الاستقلالية أو الإعادة.
وطبعا كما قلنا في معنى الإفخارستيا إن ذبيحة المسيح واحده وقدمت مره واحده إنما في القداس نستمد نفس القوة من نفس ذات الذبيحة الواحدة الغير منقسمة أو المتغيرة كما سبق وشرحناها في الجزء السابق.


(د) لقد أصبح مفهوم [أصنعوا هذا لذكري] في الكتاب المقدس وعند آباء الكنيسة منذ القرن الأول، هوَّ أن يُقيموا هذا الطقس السري من الوليمة المسيانيه الذي يختص بالجسد المبذول والدم المسفوك للرب، حتى بواسطة هذه الذبيحة أمام الله يكون لنا هذا واسطة (لذكر) المسيح الرب لدى الآب كل حين بكونه كفارة وشفيع، إذ بهذا (الذكر) يكون لنا دالة وقبول أمام الله وصفح عن الآثام وغفران الخطايا، وهذا اعتماداً على كلام الرسول: فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضاً إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ (عبرانيين 7: 25)، فنحن نتقدم لله ببر الذبيحة الحية الحاضرة في كل حين.

(هـ) عموماً نجد أن الإفخارستيا هي أنامنسيس (
خ¬خ½خ¬خ¼خ½خ·دƒخ¹د‚) لعمل المسيح الخلاصي الحاضر الآن بكل مجده معنا في معنى قدسي سري sacramental لا يزال مستمراً وعاملاً في كل الأجيال لأنه فوق كل زمان، غير خاضع للزمن أو ممكن يبطل مع الزمان لأن عمل الله الخلاصي عمل حي، لأن هو حي في كل حين ليشفع فيهم.

(و) نجد أن كلمة تذكار، لا تختص بتذكار العشاء الأخير الذي كان مع الرسل القديسين وحسب، وإنما تعني معنى شامل متسع للغاية، يشمل كل عمل المسيح إذ هو تذكار موته وقيامته معاً، ويعتبر التذكار الليتورجي (أي سرّ الإفخارستيا) هو بصخة Pascha = فصح: إِذاً نَقُّوا مِنْكُمُ الْخَمِيرَةَ الْعَتِيقَةَ لِكَيْ تَكُونُوا عَجِيناً جَدِيداً كَمَا أَنْتُمْ فَطِيرٌ. لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً الْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا (1كورنثوس 5: 7)
والفصح لم ولن يكن تذكاراً لآلام ربنا يسوع المسيح ولا لقيامته فقط، بل للاثنين معاً في آنٍ واحد. أي تذكار حاضر: "المسيح الذي مات بل بالحري قام أيضاً" الذي "وضع حياته ليأخذها أيضاً"، الذي "مات من أجل خطايانا، وأُقيم من أجل تبريرنا"
وباختصار هو عيد الفداء الذي لنا، وعيد الفداء جديد لنا كل يوم أو بمعنى أدق نحن نحيا في التجديد، لأن ربنا يسوع مات مرة واحدة وقام، وهذا الفعل يسري لنا كقوة تمتد أثارها كل يوم وبنفس ذات القوة عينها لأنها حاضرة في الزمن وتعمل فيه بقوة، لأنه مضارع مستمر.

 
قديم 30 - 04 - 2019, 05:24 PM   رقم المشاركة : ( 23153 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,477

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
(ملخص ما فات)

كمال الشكر في المسيح الذي فيه كل البركة في ملء كمالها السماوي
فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ انْ تُقَامَ طِلْبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ
εὐχαριστίας لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ (1تيموثاوس 2: 1)، فنحن نتقدم بذبيحة ربنا يسوع الحي لله الآب بصلوات البركة رافعين لهُ – بأيادي طاهرة – الشكر: رنموا للرب باركوا اسمه بشروا من يوم إلى يوم بخلاصه (هكذا احب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به – يوحنا 1)؛ ادخلوا أبوابه بحمد، دياره بالتسبيح، احمدوه باركوا اسمه (مزمور 96:2؛ 100: 4)، فنخرج من حضرته مُحملين بالبركة كقوة نافعه صالحة لنقدمها للجميع: فالآن سبحوا بكل قلوبكم وأفواهكم وباركوا اسم الرب (سيراخ 39: 41)، لذلك في هذا الحال من جهة خبرة تذوق بركة الرب التي اغتنينا بها وحلاوة الشكر نُقدم البركة وليس اللعنة، لأن اللعنة اقتُلعت في الصليب بتقدمة ذبيحة المسيح ولم يعد لكلمة [ملعونة الأرض بسببك] أي وجود، بل صارت مباركة بسبب سفك دم حمل الله الوحيد لذلك قال الرب بفمه لنا أولاً: وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ (متى 5: 44)، وأيضاً قدم لنا الرسل التعليم حسب بشارة العهد الجديد قائلين: باركوا على الذين يضطهدونكم باركوا ولا تلعنوا؛ غير مجازين عن شر بشر أو عن شتيمة بشتيمة، بل بالعكس مباركين، عالمين انكم لهذا دُعيتم لكي ترثوا بركة εὐλογίαν
(رومية 12: 14؛ 1بطرس 3: 9)

(يوم التذكار الحاضر)
أصنعوا هذا لذكري άνάμνησις
Άνάμνησις - anamnesis

لنا أن نعرف أن الكلمة اليونانية άνάμνησις تفيد معنى يصعب أن يوجد في أي لغة، مثل الإنجليزية أو العربية أو أي لغة أخرى، إذ أن المفردات اللغوية لهذه اللغات لا تُعطي المعنى الحقيقي الدقيق لما تعنيه الكلمة اليونانية التي ذُكرت في الأناجيل، ففي اللغة الإنجليزية على سبيل المثال هناك كلمات مثل: Memorial تذكار أو remembrance تذكار أو ذكرى، وهي تُفيد بالنسبة لنا مفهوماً (حسب المنطق العقلي) أنه أمر يدل على أنه وقع في الماضي ولم يبقى منه سوى ذكريات متعلقة بذاكرة الإنسان أو بذاكرة التاريخ، بمعنى مباشر أنه أحداث ماضية قد انتهت ولم تعد سوى مجرد ذكريات مُمكن استعادتها في ذكرها أو ممارستها كعادة الأسر التي تتذكر الماضي حينما يلتفون حول العشاء أو في أي ميعاد للاحتفال بذكرى معينة عندهم، وطبعاً نفس المعنى في اللغة العربية موجود من ناحية تذكر أحداث قديمة قد وقعت في الماضي وانتهت.

وطبعاً لشيوع هذا المعنى تُرجمت الكلمة اليونانية بكلمة (ذكرى) وأصبحت تأخذ نفس المفهوم للكلمة الإنجليزية، بل وامتد المعنى ليشمل المفاهيم الموجودة في جميع اللغات المعروفة، ولكن الكلمة اليونانية في الكتاب المقدس (άνάμνησις
) فهي على عكس هذا المعنى تماماً، إذ تعني "مُعايشة حدثٍ ما أمام الله كان قد وقع في الماضي، ولكن ما زال فعله وأثرة ممتداً في الزمان الحاضر كما هو بنفس قوته وفعله وبكل اتساعه" ولذلك فأن هذا التذكار مرتبط بنوال البركة.
ولنلخص معنى هذه الكلمة كما قصدها الله في هذه النقاط السريعة:
(أ) هذه الكلمة ليست بالمعنى الدارج المشهور للجميع، مجرد ذكرى لماضي، ولكنها في الترجمة الأصلية تُستخدم في الأعمال التي تخص الله، وتُعَّبر عن حدوث "صلة شخصية" على وجه خاص بين الإنسان والله من ناحية الشركة.

(ب) ومعناها على وجه الخصوص – كما قصد الرب منها – استعلان وظهور عمل الرب إلى أن يُستعلَّن الرب نفسه في اليوم الأخير (المجيء الثاني)


(جـ) أصنعوا هذا (
τούτο ποιέιτε)
ليست من الكلمات العادية التي تدخل ضمن الحديث العادي أو التعبير الشخصي، لكنها اصطلاح طقسي ليتورجي وذلك بحسب ورودها واستخدامها في الطقس القديم:
1- وتصنع
κάι ποιήσεις لهرون وبنية هكذا بحسب كل ما أمرتك (خروج 29: 35)
2- هكذا تصنع
ποιήσεις للثور الواحد (عدد 15: 11)
وبالطبع هناك آيات كثيرة جداً خاصة بالطقس الذبائحي فيها نفس اللفظة؛ ومن هنا يتبين بوضوح شديد أن كلمة {أصنعوا هذا} هي اصطلاح مستخدم في الطقس للتعبير عن (تكرار الطقس) وعن (قانونيته)، والتكرار هنا ليس بالمعنى المتكرر بمفهوم الاستقلالية أو الإعادة.
وطبعا كما قلنا في معنى الإفخارستيا إن ذبيحة المسيح واحده وقدمت مره واحده إنما في القداس نستمد نفس القوة من نفس ذات الذبيحة الواحدة الغير منقسمة أو المتغيرة كما سبق وشرحناها في الجزء السابق.


(د) لقد أصبح مفهوم [أصنعوا هذا لذكري] في الكتاب المقدس وعند آباء الكنيسة منذ القرن الأول، هوَّ أن يُقيموا هذا الطقس السري من الوليمة المسيانيه الذي يختص بالجسد المبذول والدم المسفوك للرب، حتى بواسطة هذه الذبيحة أمام الله يكون لنا هذا واسطة (لذكر) المسيح الرب لدى الآب كل حين بكونه كفارة وشفيع، إذ بهذا (الذكر) يكون لنا دالة وقبول أمام الله وصفح عن الآثام وغفران الخطايا، وهذا اعتماداً على كلام الرسول: فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضاً إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ (عبرانيين 7: 25)، فنحن نتقدم لله ببر الذبيحة الحية الحاضرة في كل حين.

(هـ) عموماً نجد أن الإفخارستيا هي أنامنسيس (
άνάμνησις) لعمل المسيح الخلاصي الحاضر الآن بكل مجده معنا في معنى قدسي سري sacramental لا يزال مستمراً وعاملاً في كل الأجيال لأنه فوق كل زمان، غير خاضع للزمن أو ممكن يبطل مع الزمان لأن عمل الله الخلاصي عمل حي، لأن هو حي في كل حين ليشفع فيهم.

(و) نجد أن كلمة تذكار، لا تختص بتذكار العشاء الأخير الذي كان مع الرسل القديسين وحسب، وإنما تعني معنى شامل متسع للغاية، يشمل كل عمل المسيح إذ هو تذكار موته وقيامته معاً، ويعتبر التذكار الليتورجي (أي سرّ الإفخارستيا) هو بصخة Pascha = فصح: إِذاً نَقُّوا مِنْكُمُ الْخَمِيرَةَ الْعَتِيقَةَ لِكَيْ تَكُونُوا عَجِيناً جَدِيداً كَمَا أَنْتُمْ فَطِيرٌ. لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً الْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا (1كورنثوس 5: 7)
والفصح لم ولن يكن تذكاراً لآلام ربنا يسوع المسيح ولا لقيامته فقط، بل للاثنين معاً في آنٍ واحد. أي تذكار حاضر: "المسيح الذي مات بل بالحري قام أيضاً" الذي "وضع حياته ليأخذها أيضاً"، الذي "مات من أجل خطايانا، وأُقيم من أجل تبريرنا"
وباختصار هو عيد الفداء الذي لنا، وعيد الفداء جديد لنا كل يوم أو بمعنى أدق نحن نحيا في التجديد، لأن ربنا يسوع مات مرة واحدة وقام، وهذا الفعل يسري لنا كقوة تمتد أثارها كل يوم وبنفس ذات القوة عينها لأنها حاضرة في الزمن وتعمل فيه بقوة، لأنه مضارع مستمر.

 
قديم 30 - 04 - 2019, 05:24 PM   رقم المشاركة : ( 23154 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,477

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

[كَأْسُ الْبَرَكَةِ (خµل½گخ»خ؟خ³خ¯خ±) الَّتِي نُبَارِكُهَا أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ (خ؛خ؟خ¹خ½د‰خ½خ¯خ±) دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ (خ؛خ؟خ¹خ½د‰خ½خ¯خ±) جَسَدِ الْمَسِيحِ (1كورنثوس 10: 16)]
الشَرِكَةَ(خ؛خ؟خ¹خ½د‰خ½خ¯خ±)
هذه الكلمة نتيجة حتمية لكلمة التدبير وهي الأساس القائم عليه جوهر حياتنا المسيحية، يعني هي ركيزة إيماننا الحي، وذلك بسبب أبناء لله في المسيح، لأنها سرّ محبة الله التي دبرها في ابنه الوحيد يسوع المسيح لكي يوحدنا به، لنكون معهُ واحد، ومن هنا نفهم المعنى الحقيقي لوحدتنا مع الله: في ذلك اليوم (حلول الروح) تعلمون إني أنا في أبي وأنتم في وأنا فيكم؛ وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً كما اننا نحن واحد (يوحنا 14: 20؛ 17: 22)

ولكي نعرف قوة أساس كلمة الشَرِكَةَ (
خ؛خ؟خ¹خ½د‰خ½خ¯خ±) لا بد من أن نشرح الأساس القائمة عليه، وهو التدبير خ؟خ¹خ؛خ؟خ½خ؟خ¼خ¹خ± Economia وهي كلمة عبرانية – يونانية، بمعنى سياسة الله وعمله وحكمته في كل أعمال الثالوث القدوس وبخاصة " التجسد الإلهي"؛ فالتدبير هو رسم إلهي مُعلن في الزمان وأساسه في الأزل. وهو تدبير ليس كتدبير البشر يتغير أو يتبدل، بل يتم كما هو حسب خطة الله الذي يشرف عليها بنفسه، والتدبير ليس نظري أو ينحصر في مجرد خطة، موضوعها مبهم وملامحها تنحصر في ذاتها، بل هو تدبير مُعطى لنا حسب النعمة، مصدره الثالوث القدوس، وليس أقنوم منفرد بذاته، لأن التدبير هنا تدبير الله الثالوث القدوس، والتدبير الإلهي تدبير فاعل عامل يوحَّد حسب الإعلان بالروح، وينزع الانقسام، لأنه شركة في الواحد الثالوث القدوس الواحد في الجوهر. وهو يُنظم حياة ومصير الخليقة الجديدة في المسيح، ويُعطي لها في الزمان الحاضر "العربون" [ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله الذي ختمنا وأعطى عربون الروح في قلوبنا؛ ولكن الذي صنعنا لهذا عينه هو الله الذي أعطانا أيضاً عربون الروح] (2كورنثوس 1: 22، 5: 5)، إلى أن يأتي الدهر الجديد الذي لا تغرب فيه شمس الحياة بالموت، بل تُشرق بنور إلهي أزلي يَهَب الاستنارة من الآب بالابن في الروح القدس.
إذن التدبير باختصار هو خطة الله للخلاص وفق مشيئته أي تدبيره الخاص وهذا المعنى يتصل بتاريخ الخلاص فهي تُعتبر السر المكتوم منذ الدهور في الله خالق الجميع بيسوع المسيح (أفسس 3: 9)، أما الآن في ملئ الزمان فقد تحقق في المسيح يسوع [إذ عرفنا بسر مشيئته، مسرته التي قصدها في نفسه لتدبير ملئ الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السماوات وما على الأرض في ذاك الذي فيه أيضاً نلنا نصيباً مُعينين سابقاً حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته، لنكون لمدح مجده نحن الذين سبق رجاؤنا في المسيح، الذي فيه أيضاً أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضاً إذ آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المُقتنى لمدح مجده] (أفسس 1: 9 – 14)
ونجد أن الله منذ البداية في الكتاب المقدس أخذ يوضح تدبيره أي خطته المتعلقة بالخلاص وأعلنها بواسطة البشر الملهمين بالروح القدس، وليس عن طريق أي شخص آخر، فاختار أنبياء نقاهم وقدسهم مهيأ أوانيهم ليحملوا إعلانه، إعلان الخلاص وتدبيره ويقوده شعبه ويسلموهم النبوة والإعلان إلى يوم تتميمه، وايضاً في العهد الجديد اختار الرسل بدورهم ليحملوا بشارة الإنجيل وإعلان الخلاص وقوة تدبيره ليحيوا به ويقدموه للكنيسة لأجل البنيان بروح النبوة: هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح ووكلاء سرائر الله؛ لي أنا أصغر جميع القديسين أُعطيت هذه النعمة أن أبشر بين الأمم بغنى المسيح الذي لا يُستقصى. وأُنير الجميع فيما هو شركة السرّ المكتوم منذ الدهور في الله خالق الجميع بيسوع المسيح (1كورنثوس 4: 1؛ أفسس 3: 8 – 9)
وذلك بالطبع لأن عمل وكيل سرائر الله متأصل في خ؟خ¹خ؛خ؟خ½خ؟خ¼خ¹خ± oikonomia التدبير الإلهي المعلن له بالسرّ بالتذوق والاختبار في أعماق قلبه الممتلئ بالإيمان الحي العامل بالمحبة وذهنه المنفتح بالروح على الله، وقد أُعطيت لوكيل سرائر الله فترة زمنية محددة ليقوم بالواجب المنوط به، على الرغم من أنه لا يعرف وقت نهايتها: فقال الرب فمن هو الوكيل الأمين الحكيم الذي يُقيمه سيده على خدمه ليُعطيهم العلوفة في حينها، طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا. بالحق أقول لكم أنه يُقيمه على جميع أمواله. ولكن أن قال ذلك العبد في قلبه سيدي يُبطئ قدومه فيبتدئ يضرب الغلمان والجواري ويأكل ويشرب ويسكر. يأتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها فيقطعه ويجعل نصيبه مع الخائنين (لوقا 12: 42 – 46)
فالوقت المعطى لخدام وكلاء سرائر الله هو هبة استؤمن عليها ويجب ان يستخدمها لاستعلان خطة الله حسب ما أعطاه الله من موهبة، لأنها مسئولية لا ينبغي إهمالها بل ينبغي أن يهتم بها اهتمام بالغ بحرص شديد وينتبه لها بكل تدقيق جالساً عند قدمي الكتاب المقدس بالصلوات والأسهار والأصوام متعلماً من الله مستلماً التعليم من القديسين كما نالوه من الله لأن خطة الله لا تتفكك ولا تنقطع من جيل، بل هي ممتدة ويزداد إعلانها كلما تقدم بنا الزمان
+ لذلك يقول أستيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيُضيء لك المسيح. فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء. مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة. من أجل ذلك لا تكونوا أغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب. ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح. مكلمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب. شاكرين كل حين على كل شيء في اسم ربنا يسوع المسيح لله والآب. خاضعين بعضكم لبعض في خوف الله (أفسس 5: 14 – 21)
+ واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر. مُصلين في ذلك لأجلنا نحن أيضاً ليفتح الرب لنا باباً للكلام لنتكلم بسرّ المسيح الذي من أجله أنا موثق أيضاً. كي أُظهره كما يجب أن أتكلم. أسلكوا بحكمة من جهة الذين هم من خارج مفتدين الوقت. ليكن كلامكم كل حين بنعمة مصلحاً بملح لتعلموا كيف يجب أن تجاوبوا كل واحد (كولوسي 4: 2 – 6)
عموماً الكلمة تُشير إلى خطة الله للخلاص والتي يشرف عليها بنفسه ويقوم بتنفيذها بدقة حسب مسرة مشيئته، وهذه الخطة وضحت في الكتاب المقدس منذ سقوط آدم في الفردوس، فكان الهدف منها هو خلاص الإنسان من ورطة السقوط المؤلمة التي تذوقها وانحصر في دائرتها المميتة باختياره الحرّ: [اختطفت لي قضية الموت – أجرة الخطية هي موت]
وكلمة التدبير في تحليل معناها اليوناني، استخدامها يُفيد معنى: [البناء الرعائي] وهي كلمة تخص الله كراعٍ يرعى شعبه بعناية فائقة ويحفظهم بشكل خاص، كما تظهر من خلال العهد القديم – كخبرة تذوقها الشعب في حياته اليومية – بأن يهوه راعي إسرائيل، ولها صداها الخاص في صلوات المزامير [الرب راعي فلا يعوزني شيء – مزمور 23: 1] ، وهذا هو الدور المسياني [دور المسيا الخاص] أي عمل ربنا يسوع المسيح كراعٍ يسعى في طلب الضال، ويحفظ الخراف [وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي – يوحنا 10: 28]

عموماً نجد أن التدبير الإلهي بدأ في العهد القديم وأُظهر بالأنبياء ثم اكتمل بتفاصيله في العهد الجديد بظهور الابن الوحيد، حيث تجسد ربنا يسوع المسيح إلهنا الحي، وقد أُعلن هذا التدبير بالميلاد وحياة الله الكلمة في الجسد والصليب والقيامة والصعود وحلول الروح القدس على الكنيسة وعلى كل من ينضم لها بالمعمودية ومسحة الميرون.
حسبما وُلِدَ المسيح وعاش تمارس الكنيسة حياتها وفقاً للتدبير: [فأما أنتِ يا بيت لحم أفراته وأنتِ صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنكِ يخرج لي (مدبر) الذي يكون متسلطاً (ملك – صاحب القانون او السيادة المدبر – الملك الراعي) على إسرائيل ومخارجه منذ القديم؛ وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لستِ الصغرى بين رؤساء يهوذا. لأن منكِ يخرج [يخرج لي] مُدبرّ يرعى شعبي إسرائيل] (ميخا 5: 2؛ متى 2: 6)، وطبعاً تعبير متى الرسول أساسه سفر صموئيل النبي: [وجاء جميع أسباط إسرائيل إلى داود إلى حبرون وتكلموا قائلين: هوذا عظمك ولحمك نحن. ومنذ أمس وما قبله حين كان شاول ملكاً علينا قد كنت أنت تخرج وتدخل إسرائيل، وقد قال لك الرب أنت ترعى شعبي إسرائيل وأنت تكون رئيساً على إسرائيل. وجاء جميع شيوخ إسرائيل إلى الملك إلى حبرون فقطع الملك داود معهم عهداً في حبرون أمام الرب ومسحوا داود ملكاً على إسرائيل] (2 صموئيل 5: 1 – 3)

ومن هذا التدبير الفائق تأتي الشركة، فالكنيسة تعيش التدبير كحياة ممتدة من حياة المسيح في الجسد، لأنها جسد المسيح الحي الممتد في هذا الزمن
+ فالمسيح اعتمد، لذلك نحن نعتمد
+ المسيح دُهن أو مُسح بالروح القدس، لذلك نحن نُمسح بالميرون
+ المسيح أعطى جسده ودمه لذلك يتضمن كل قداس في العالم كلمات تأسيس السرّ لأنها دعوة المسيح نفسه التي لا يُمكن أن تُستبدل بأي كلمات أخرى مهما كانت.
+ المسيح مات ولذلك نشاركه الدفن والموت في المعمودية.
+ المسيح قام ولذلك سوف نقوم في اليوم الأخير: فقال لها يسوع أنا هو (إيجو إيمي – أهيه أشير أهيه = I am) القيامة والحياة من آمن بي (believing) ولو مات فسيحيا، وكل من كان حياً وآمن بي فلن (never) يموت إلى الأبد. أتؤمنين بهذا (believe this) (يوحنا 11: 25 و26)
ويقول العالم القبطي زكريا ابن سباع (القرن 13): [إن درجات الكهنوت الثلاثة مؤسسة على حياة المسيح نفسه وهو في الجسد – أي بحسب التدبير – فهو قارئ (أغنسطس) لأنه قرأ في السفر في المجمع (يوحنا 4: 6)، وهو كذلك خادم أي شماس (ذياكون) لأنهُ خدم (لوقا 22: 27)، وكاهن (عبرانيين 7: 26 و27). فإن وُجِدَ أي شيء في الكنيسة غير مرتبط بما تم في المسيح [أي كالتدبير] نتأكد أنهُ وضع بشري لا لزوم له]

* هذه هي روح الكنيسة في تدبير الله في المسيح، إذ أن حياتها تدبير، وتدبيرها حياة معاشه في الأسرار والاجتماعات، وترفض وتقبل أي شيء فيها بحسب التدبير وليس بحسب آراء شخصية أو مفاهيم بشرية مهما كان معناها حلو أو عميق أو مدى صحتها، طالما أن جوهرها من خارج التدبير الإلهي، لذلك نحن نمارس الشركة بحسب التدبير وليس وفق هوانا الخاص.

عموماً لو نظرنا لبدء حياة الإنسان وتاريخه وعدنا لسفر التكوين، سنجده أنه يسجل لنا مشكلة الإنسان التي حدثت بالسقوط، وهي حالة كسر الشركة مع الله، وتبعها تلقائياً فقدان الوحدة بين البشر وتفتتهم وانقسامهم الذي ما زال العالم كله تحت نير هذا الانقسام المُرّ إلى اليوم، وهذا ما نجد آثاره ايضاً في الكنيسة نفسها، إذ أنها تُعاني منه بصورة انقسامات كثيرة متعددة حدثت على مر تاريخها الطويل، وذلك بسبب البعد عن الشركة، لأن الانقسام يأتي من رفض الشركة مع الله أولاً وبالتالي مع كل آخر كنتيجة، ومع كل ذلك فالله كان يشهد على مر تاريخ الخلاص كله منذ تمهيده في العهد القديم إلى إعلانه في العهد الجديد بالشركة، حتى أنه تعامل مع الأمه اليهودية وقال عنها إسرائيل ابني البكر، إذ يخاطبهم كواحد، لأنه منذ البدء خلقنا من إنسان واحد لنفهم معنى الشركة في وحدة المحبة لا عقلاً إنما على مستوى الخبرة لأننا من رأس واحد، لكي ندخل في النهاية لرأس الخليقة الحقيقي الواحد الوحيد، الذي سُمي بالبكر الحقيقي من جهة أنه رأس الخليقة الجديدة وبدئها أي هو أساسها الحي:
كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان، لأن منه وبه وله كل الأشياء؛ الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي (يوحنا 1: 3؛ رومية 11: 36؛ عبرانيين 1: 3)
فالمواظبة على الشركة هي أساس العبادة وقاعدتها: [وكانوا يواظبون على تعليم الرسل وكسر الخبز والصلوات – أعمال 2: 42]؛ لذلك فأن كل من لا يشترك في العبادة (عن قصد) مع إخوته الذين يحيون حياة الشركة فهو خارج الجسد الواحد ولم يدخل بعد في سرّ الشركة كالتدبير المُعلن من الله في شخص المسيح ابن الله الحي: [إذ عرفنا بسر مشيئته حسب مسرته التي قصدها في نفسه. لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السماوات وما على الارض في ذاك – أفسس 1: 9، 10]
وعلينا ألا نخلط بين هذه الكلمة وبين كلمات أخرى تدل على الشركة كما يعتقد البعض ويظن أن اللفظة اليوناني هنا تأتي بمعناها العام، ولكن القديس بولس الرسول يخصها ويربطها – على وجه قاطع – بعلاقة الإيمان بالمسيح الرب على نحو شخصي للغاية: [شركة ابنهشركة الروح القدس – مشاركة في الإنجيل، إنجيل الخلاص وبشارته – شركة إيمان – يمين الشركة].
وهذا كله بالطبع سنجده في رسائل القديس بولس في أفسس وكورنثوس الأولى والثانية وغلاطية، وملامح الشركة موجودة في كل الرسائل، وليس للقديس بولس وحده بل هي سمة الكتاب المقدس كله، منذ العهد القديم بالسرّ والتدرج في المفهوم، وفي العهد الجديد بحياة الشركة الواضحة، ولو عدنا لصلاة الرب نفسه في جثسيماني سنجدها واضحة جداً حينما طلب أن نكون واحد، وهذا موجود صداه في رسالة القديس يوحنا الرسول الأولى، إذ تكلم عن شركة القديسين في النور: فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً. وَهَذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ. إِنْ قُلْنَا إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ. وَلَكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ؛ ليكون الجميع واحداً كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا ليؤمن العالم إنك أرسلتني (1يوحنا 1: 2 – 7)
إذن الشركةهي علاقة بين الله والإنسان،
علاقة شركة لها خطة – تدبير – وتقوم على أساس سرّ محبة على مستوى البذل من طرف لا يخون عهده ووعده أبداً، أي الله المحبة المطلقة، لأنها طبيعته، أي جوهره، وليست مجرد صفة، وهذا هو سرّ التجسد الإلهي، عموماً النتيجة الحتمية لسرّ التجسد الإلهي حسب التدبيرحسب خطة الله – هو الحياة الأبدية، وهذا لا يتوقف على تغيير الناس، لأن الله لا يتراجع عن عهده أبداً، لأن الله ثابت في عمله ويكفينا أنه اشترك في بشريتنا واتخذ جسدنا، ليجعل كل ذي جسد يشترك معه ويكون معه واحداً، أي انه اتحد بنا اتحاد حقيقي غير قابل للانفصال بالتجسد لنصير معه واحداً باستمرار تناولنا جسده ودمه، وهذا السرّ في الشركة أبدي لن يتوقف فعله فينا أبداً شرط أن نؤمن ونتناول، ونطيع وصايا الله بالنعمة والتوبة المستمرة بلا توقف.
(بالروح نقتني صورة الله وننمو إلى مشابهته، وبالروح كما يقول معلمنا بطرس – نصير شركاء الطبيعة الإلهية، وهذه الشركة لا تعطينا ميراثاً جسدياً، بل تلك الرابطة الروحية في نعمة التبني – القديس إمبروسيوس على الروح القدس 8: 94، 95)
[كَأْسُ الْبَرَكَةِ (خµل½گخ»خ؟خ³خ¯خ±) الَّتِي نُبَارِكُهَا أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ (خ؛خ؟خ¹خ½د‰خ½خ¯خ±) دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ (خ؛خ؟خ¹خ½د‰خ½خ¯خ±) جَسَدِ الْمَسِيحِ (1كورنثوس 10: 16)]


______ يتبـــــــــــع ______
 
قديم 30 - 04 - 2019, 05:25 PM   رقم المشاركة : ( 23155 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,477

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

[كَأْسُ الْبَرَكَةِ (εὐλογία) الَّتِي نُبَارِكُهَا أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ (κοινωνία) دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ (κοινωνία) جَسَدِ الْمَسِيحِ (1كورنثوس 10: 16)]
الشَرِكَةَ(κοινωνία)
هذه الكلمة نتيجة حتمية لكلمة التدبير وهي الأساس القائم عليه جوهر حياتنا المسيحية، يعني هي ركيزة إيماننا الحي، وذلك بسبب أبناء لله في المسيح، لأنها سرّ محبة الله التي دبرها في ابنه الوحيد يسوع المسيح لكي يوحدنا به، لنكون معهُ واحد، ومن هنا نفهم المعنى الحقيقي لوحدتنا مع الله: في ذلك اليوم (حلول الروح) تعلمون إني أنا في أبي وأنتم في وأنا فيكم؛ وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً كما اننا نحن واحد (يوحنا 14: 20؛ 17: 22)

ولكي نعرف قوة أساس كلمة الشَرِكَةَ (
κοινωνία) لا بد من أن نشرح الأساس القائمة عليه، وهو التدبير οικονομια Economia وهي كلمة عبرانية – يونانية، بمعنى سياسة الله وعمله وحكمته في كل أعمال الثالوث القدوس وبخاصة " التجسد الإلهي"؛ فالتدبير هو رسم إلهي مُعلن في الزمان وأساسه في الأزل. وهو تدبير ليس كتدبير البشر يتغير أو يتبدل، بل يتم كما هو حسب خطة الله الذي يشرف عليها بنفسه، والتدبير ليس نظري أو ينحصر في مجرد خطة، موضوعها مبهم وملامحها تنحصر في ذاتها، بل هو تدبير مُعطى لنا حسب النعمة، مصدره الثالوث القدوس، وليس أقنوم منفرد بذاته، لأن التدبير هنا تدبير الله الثالوث القدوس، والتدبير الإلهي تدبير فاعل عامل يوحَّد حسب الإعلان بالروح، وينزع الانقسام، لأنه شركة في الواحد الثالوث القدوس الواحد في الجوهر. وهو يُنظم حياة ومصير الخليقة الجديدة في المسيح، ويُعطي لها في الزمان الحاضر "العربون" [ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله الذي ختمنا وأعطى عربون الروح في قلوبنا؛ ولكن الذي صنعنا لهذا عينه هو الله الذي أعطانا أيضاً عربون الروح] (2كورنثوس 1: 22، 5: 5)، إلى أن يأتي الدهر الجديد الذي لا تغرب فيه شمس الحياة بالموت، بل تُشرق بنور إلهي أزلي يَهَب الاستنارة من الآب بالابن في الروح القدس.
إذن التدبير باختصار هو خطة الله للخلاص وفق مشيئته أي تدبيره الخاص وهذا المعنى يتصل بتاريخ الخلاص فهي تُعتبر السر المكتوم منذ الدهور في الله خالق الجميع بيسوع المسيح (أفسس 3: 9)، أما الآن في ملئ الزمان فقد تحقق في المسيح يسوع [إذ عرفنا بسر مشيئته، مسرته التي قصدها في نفسه لتدبير ملئ الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السماوات وما على الأرض في ذاك الذي فيه أيضاً نلنا نصيباً مُعينين سابقاً حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته، لنكون لمدح مجده نحن الذين سبق رجاؤنا في المسيح، الذي فيه أيضاً أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضاً إذ آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المُقتنى لمدح مجده] (أفسس 1: 9 – 14)
ونجد أن الله منذ البداية في الكتاب المقدس أخذ يوضح تدبيره أي خطته المتعلقة بالخلاص وأعلنها بواسطة البشر الملهمين بالروح القدس، وليس عن طريق أي شخص آخر، فاختار أنبياء نقاهم وقدسهم مهيأ أوانيهم ليحملوا إعلانه، إعلان الخلاص وتدبيره ويقوده شعبه ويسلموهم النبوة والإعلان إلى يوم تتميمه، وايضاً في العهد الجديد اختار الرسل بدورهم ليحملوا بشارة الإنجيل وإعلان الخلاص وقوة تدبيره ليحيوا به ويقدموه للكنيسة لأجل البنيان بروح النبوة: هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح ووكلاء سرائر الله؛ لي أنا أصغر جميع القديسين أُعطيت هذه النعمة أن أبشر بين الأمم بغنى المسيح الذي لا يُستقصى. وأُنير الجميع فيما هو شركة السرّ المكتوم منذ الدهور في الله خالق الجميع بيسوع المسيح (1كورنثوس 4: 1؛ أفسس 3: 8 – 9)
وذلك بالطبع لأن عمل وكيل سرائر الله متأصل في οικονομια oikonomia التدبير الإلهي المعلن له بالسرّ بالتذوق والاختبار في أعماق قلبه الممتلئ بالإيمان الحي العامل بالمحبة وذهنه المنفتح بالروح على الله، وقد أُعطيت لوكيل سرائر الله فترة زمنية محددة ليقوم بالواجب المنوط به، على الرغم من أنه لا يعرف وقت نهايتها: فقال الرب فمن هو الوكيل الأمين الحكيم الذي يُقيمه سيده على خدمه ليُعطيهم العلوفة في حينها، طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا. بالحق أقول لكم أنه يُقيمه على جميع أمواله. ولكن أن قال ذلك العبد في قلبه سيدي يُبطئ قدومه فيبتدئ يضرب الغلمان والجواري ويأكل ويشرب ويسكر. يأتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها فيقطعه ويجعل نصيبه مع الخائنين (لوقا 12: 42 – 46)
فالوقت المعطى لخدام وكلاء سرائر الله هو هبة استؤمن عليها ويجب ان يستخدمها لاستعلان خطة الله حسب ما أعطاه الله من موهبة، لأنها مسئولية لا ينبغي إهمالها بل ينبغي أن يهتم بها اهتمام بالغ بحرص شديد وينتبه لها بكل تدقيق جالساً عند قدمي الكتاب المقدس بالصلوات والأسهار والأصوام متعلماً من الله مستلماً التعليم من القديسين كما نالوه من الله لأن خطة الله لا تتفكك ولا تنقطع من جيل، بل هي ممتدة ويزداد إعلانها كلما تقدم بنا الزمان
+ لذلك يقول أستيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيُضيء لك المسيح. فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء. مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة. من أجل ذلك لا تكونوا أغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب. ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح. مكلمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب. شاكرين كل حين على كل شيء في اسم ربنا يسوع المسيح لله والآب. خاضعين بعضكم لبعض في خوف الله (أفسس 5: 14 – 21)
+ واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر. مُصلين في ذلك لأجلنا نحن أيضاً ليفتح الرب لنا باباً للكلام لنتكلم بسرّ المسيح الذي من أجله أنا موثق أيضاً. كي أُظهره كما يجب أن أتكلم. أسلكوا بحكمة من جهة الذين هم من خارج مفتدين الوقت. ليكن كلامكم كل حين بنعمة مصلحاً بملح لتعلموا كيف يجب أن تجاوبوا كل واحد (كولوسي 4: 2 – 6)
عموماً الكلمة تُشير إلى خطة الله للخلاص والتي يشرف عليها بنفسه ويقوم بتنفيذها بدقة حسب مسرة مشيئته، وهذه الخطة وضحت في الكتاب المقدس منذ سقوط آدم في الفردوس، فكان الهدف منها هو خلاص الإنسان من ورطة السقوط المؤلمة التي تذوقها وانحصر في دائرتها المميتة باختياره الحرّ: [اختطفت لي قضية الموت – أجرة الخطية هي موت]
وكلمة التدبير في تحليل معناها اليوناني، استخدامها يُفيد معنى: [البناء الرعائي] وهي كلمة تخص الله كراعٍ يرعى شعبه بعناية فائقة ويحفظهم بشكل خاص، كما تظهر من خلال العهد القديم – كخبرة تذوقها الشعب في حياته اليومية – بأن يهوه راعي إسرائيل، ولها صداها الخاص في صلوات المزامير [الرب راعي فلا يعوزني شيء – مزمور 23: 1] ، وهذا هو الدور المسياني [دور المسيا الخاص] أي عمل ربنا يسوع المسيح كراعٍ يسعى في طلب الضال، ويحفظ الخراف [وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي – يوحنا 10: 28]

عموماً نجد أن التدبير الإلهي بدأ في العهد القديم وأُظهر بالأنبياء ثم اكتمل بتفاصيله في العهد الجديد بظهور الابن الوحيد، حيث تجسد ربنا يسوع المسيح إلهنا الحي، وقد أُعلن هذا التدبير بالميلاد وحياة الله الكلمة في الجسد والصليب والقيامة والصعود وحلول الروح القدس على الكنيسة وعلى كل من ينضم لها بالمعمودية ومسحة الميرون.
حسبما وُلِدَ المسيح وعاش تمارس الكنيسة حياتها وفقاً للتدبير: [فأما أنتِ يا بيت لحم أفراته وأنتِ صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنكِ يخرج لي (مدبر) الذي يكون متسلطاً (ملك – صاحب القانون او السيادة المدبر – الملك الراعي) على إسرائيل ومخارجه منذ القديم؛ وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لستِ الصغرى بين رؤساء يهوذا. لأن منكِ يخرج [يخرج لي] مُدبرّ يرعى شعبي إسرائيل] (ميخا 5: 2؛ متى 2: 6)، وطبعاً تعبير متى الرسول أساسه سفر صموئيل النبي: [وجاء جميع أسباط إسرائيل إلى داود إلى حبرون وتكلموا قائلين: هوذا عظمك ولحمك نحن. ومنذ أمس وما قبله حين كان شاول ملكاً علينا قد كنت أنت تخرج وتدخل إسرائيل، وقد قال لك الرب أنت ترعى شعبي إسرائيل وأنت تكون رئيساً على إسرائيل. وجاء جميع شيوخ إسرائيل إلى الملك إلى حبرون فقطع الملك داود معهم عهداً في حبرون أمام الرب ومسحوا داود ملكاً على إسرائيل] (2 صموئيل 5: 1 – 3)

ومن هذا التدبير الفائق تأتي الشركة، فالكنيسة تعيش التدبير كحياة ممتدة من حياة المسيح في الجسد، لأنها جسد المسيح الحي الممتد في هذا الزمن
+ فالمسيح اعتمد، لذلك نحن نعتمد
+ المسيح دُهن أو مُسح بالروح القدس، لذلك نحن نُمسح بالميرون
+ المسيح أعطى جسده ودمه لذلك يتضمن كل قداس في العالم كلمات تأسيس السرّ لأنها دعوة المسيح نفسه التي لا يُمكن أن تُستبدل بأي كلمات أخرى مهما كانت.
+ المسيح مات ولذلك نشاركه الدفن والموت في المعمودية.
+ المسيح قام ولذلك سوف نقوم في اليوم الأخير: فقال لها يسوع أنا هو (إيجو إيمي – أهيه أشير أهيه = I am) القيامة والحياة من آمن بي (believing) ولو مات فسيحيا، وكل من كان حياً وآمن بي فلن (never) يموت إلى الأبد. أتؤمنين بهذا (believe this) (يوحنا 11: 25 و26)
ويقول العالم القبطي زكريا ابن سباع (القرن 13): [إن درجات الكهنوت الثلاثة مؤسسة على حياة المسيح نفسه وهو في الجسد – أي بحسب التدبير – فهو قارئ (أغنسطس) لأنه قرأ في السفر في المجمع (يوحنا 4: 6)، وهو كذلك خادم أي شماس (ذياكون) لأنهُ خدم (لوقا 22: 27)، وكاهن (عبرانيين 7: 26 و27). فإن وُجِدَ أي شيء في الكنيسة غير مرتبط بما تم في المسيح [أي كالتدبير] نتأكد أنهُ وضع بشري لا لزوم له]

* هذه هي روح الكنيسة في تدبير الله في المسيح، إذ أن حياتها تدبير، وتدبيرها حياة معاشه في الأسرار والاجتماعات، وترفض وتقبل أي شيء فيها بحسب التدبير وليس بحسب آراء شخصية أو مفاهيم بشرية مهما كان معناها حلو أو عميق أو مدى صحتها، طالما أن جوهرها من خارج التدبير الإلهي، لذلك نحن نمارس الشركة بحسب التدبير وليس وفق هوانا الخاص.

عموماً لو نظرنا لبدء حياة الإنسان وتاريخه وعدنا لسفر التكوين، سنجده أنه يسجل لنا مشكلة الإنسان التي حدثت بالسقوط، وهي حالة كسر الشركة مع الله، وتبعها تلقائياً فقدان الوحدة بين البشر وتفتتهم وانقسامهم الذي ما زال العالم كله تحت نير هذا الانقسام المُرّ إلى اليوم، وهذا ما نجد آثاره ايضاً في الكنيسة نفسها، إذ أنها تُعاني منه بصورة انقسامات كثيرة متعددة حدثت على مر تاريخها الطويل، وذلك بسبب البعد عن الشركة، لأن الانقسام يأتي من رفض الشركة مع الله أولاً وبالتالي مع كل آخر كنتيجة، ومع كل ذلك فالله كان يشهد على مر تاريخ الخلاص كله منذ تمهيده في العهد القديم إلى إعلانه في العهد الجديد بالشركة، حتى أنه تعامل مع الأمه اليهودية وقال عنها إسرائيل ابني البكر، إذ يخاطبهم كواحد، لأنه منذ البدء خلقنا من إنسان واحد لنفهم معنى الشركة في وحدة المحبة لا عقلاً إنما على مستوى الخبرة لأننا من رأس واحد، لكي ندخل في النهاية لرأس الخليقة الحقيقي الواحد الوحيد، الذي سُمي بالبكر الحقيقي من جهة أنه رأس الخليقة الجديدة وبدئها أي هو أساسها الحي:
كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان، لأن منه وبه وله كل الأشياء؛ الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي (يوحنا 1: 3؛ رومية 11: 36؛ عبرانيين 1: 3)
فالمواظبة على الشركة هي أساس العبادة وقاعدتها: [وكانوا يواظبون على تعليم الرسل وكسر الخبز والصلوات – أعمال 2: 42]؛ لذلك فأن كل من لا يشترك في العبادة (عن قصد) مع إخوته الذين يحيون حياة الشركة فهو خارج الجسد الواحد ولم يدخل بعد في سرّ الشركة كالتدبير المُعلن من الله في شخص المسيح ابن الله الحي: [إذ عرفنا بسر مشيئته حسب مسرته التي قصدها في نفسه. لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السماوات وما على الارض في ذاك – أفسس 1: 9، 10]
وعلينا ألا نخلط بين هذه الكلمة وبين كلمات أخرى تدل على الشركة كما يعتقد البعض ويظن أن اللفظة اليوناني هنا تأتي بمعناها العام، ولكن القديس بولس الرسول يخصها ويربطها – على وجه قاطع – بعلاقة الإيمان بالمسيح الرب على نحو شخصي للغاية: [شركة ابنهشركة الروح القدس – مشاركة في الإنجيل، إنجيل الخلاص وبشارته – شركة إيمان – يمين الشركة].
وهذا كله بالطبع سنجده في رسائل القديس بولس في أفسس وكورنثوس الأولى والثانية وغلاطية، وملامح الشركة موجودة في كل الرسائل، وليس للقديس بولس وحده بل هي سمة الكتاب المقدس كله، منذ العهد القديم بالسرّ والتدرج في المفهوم، وفي العهد الجديد بحياة الشركة الواضحة، ولو عدنا لصلاة الرب نفسه في جثسيماني سنجدها واضحة جداً حينما طلب أن نكون واحد، وهذا موجود صداه في رسالة القديس يوحنا الرسول الأولى، إذ تكلم عن شركة القديسين في النور: فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً. وَهَذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ. إِنْ قُلْنَا إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ. وَلَكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ؛ ليكون الجميع واحداً كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا ليؤمن العالم إنك أرسلتني (1يوحنا 1: 2 – 7)
إذن الشركةهي علاقة بين الله والإنسان،
علاقة شركة لها خطة – تدبير – وتقوم على أساس سرّ محبة على مستوى البذل من طرف لا يخون عهده ووعده أبداً، أي الله المحبة المطلقة، لأنها طبيعته، أي جوهره، وليست مجرد صفة، وهذا هو سرّ التجسد الإلهي، عموماً النتيجة الحتمية لسرّ التجسد الإلهي حسب التدبيرحسب خطة الله – هو الحياة الأبدية، وهذا لا يتوقف على تغيير الناس، لأن الله لا يتراجع عن عهده أبداً، لأن الله ثابت في عمله ويكفينا أنه اشترك في بشريتنا واتخذ جسدنا، ليجعل كل ذي جسد يشترك معه ويكون معه واحداً، أي انه اتحد بنا اتحاد حقيقي غير قابل للانفصال بالتجسد لنصير معه واحداً باستمرار تناولنا جسده ودمه، وهذا السرّ في الشركة أبدي لن يتوقف فعله فينا أبداً شرط أن نؤمن ونتناول، ونطيع وصايا الله بالنعمة والتوبة المستمرة بلا توقف.
(بالروح نقتني صورة الله وننمو إلى مشابهته، وبالروح كما يقول معلمنا بطرس – نصير شركاء الطبيعة الإلهية، وهذه الشركة لا تعطينا ميراثاً جسدياً، بل تلك الرابطة الروحية في نعمة التبني – القديس إمبروسيوس على الروح القدس 8: 94، 95)
[كَأْسُ الْبَرَكَةِ (εὐλογία) الَّتِي نُبَارِكُهَا أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ (κοινωνία) دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ (κοινωνία) جَسَدِ الْمَسِيحِ (1كورنثوس 10: 16)]


______ يتبـــــــــــع ______
 
قديم 30 - 04 - 2019, 05:34 PM   رقم المشاركة : ( 23156 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,477

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

نور القبر المقدس

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



مقدمة:

إن حدث وليتورجية نور القبر المقدس كان وما زال أحد الأحداث العظيمة في الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية الرومية، يجمع آلاف المؤمنين من العالم في أورشليم في كل سنة يوم السبت العظيم (بحسب التقويم اليولياني الشرقي)، "سبت النور".

حتى النصف القرن الثالث عشر، كان العالم المسيحي بأسره يشترك في هذه العجيبة ويقبلها بصدق، وذلك رغم الإنشقاق بين الكنيسة الشرقية والغربية الذي حصل سنة 1054م[2].

وقد إستمرَّ بعد الإنشقاق قبول الكنيسة الغربية أصالة ومصداقية العجيبة، وكان ممثلوها في الشرق يشتركون بالخدمة بكل خشوع. لكن في سنة ظ،ظ¢ظ£ظ¨م، وبشكل مفاجيء، وبدون أن يقدِّم سبباً معيناً، شكَّكَ البابا غريغوريوس التاسع بمصداقية العجيبة[3] ومَنعَ الإكليريكيين اللّاتين أن يشتركوا بالخدمة. منذ ذلك الوقت إستمرت العجيبة في الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية فقط.

تاريخ تأسيس كنيسة أورشليم، أو كنيسة القيامة في أورشليم:

تأسست كنيسة أورشليم سنة ظ£ظ£م، بعد موت وقيامة الرب يسوع، وكان القديس يعقوب أخو الربّ أول أسقف عليها. بعد ثورة اليهود سنة ظ¦ظ¦م، أتى القائد تيطس على رأس ظ£ظ¦ظ*ظ*ظ* جندي ودمّر أورشليم بكاملها و ذلك سنة 70م[4]. قبل هذا التدمير بثلاث سنين (أي حوالي ظ¦ظ§م) ترك معظم المسيحيون أورشليم وتفرقوا في الجليل والمدن العشر (عبر الأردن)، خصوصاً في مدينة بيلّلا Pella التي صارت مركز كرسي أورشليم[5]، كما توجه قسمٌ منهم إلى أنطاكية.

إستمرّت أورشليم مهدَّمة حتى سنة ظ،ظ£ظ¦م، حين أعاد بناءها الأمبراطور هادريان Hadrian وأسماها أليا كابيتوليناAelia Capitolina [6]. وكان قبر المسيح مملؤٌ تراباً (مكبَّ أتربة). رغم ذلك، عرف المسيحيون مكان القبر، ولكنهم لم يستطيعوا عمل أي شيء مع السلطة الوثنية. عاد المسيحيون إلى أليا كابيتولينا Aelia Capitolina من بيلّلا Pella خصوصاً، وكان أول أسقف عليها بعد العودة الأسقف مرقص بحسب أفسافيوس القيصري (تاريخ الكنيسة).

سنة ظ£ظ،ظ£م أصدر الأمبراطور قسطنطين "مرسوم ميلان"، الذي به سمح للمسيحيين ممارسة شعائرهم الدينية. و في سنة ظ£ظ¢ظ¦م، زارت القديسة هيلانة أم قسطنطين أورشليم ، وكانت بعمر ظ§ظ¨ سنة، فقامت بأعمال الحفر (عند المكبّ) بحثاً عن قبر المسيح وخشبة الصليب، وقد اكتشفتهما. وأمر قسطنطين حينئذٍ بتدبيرٍ من أمه هيلانة أن تبني كنيسة فوق القبر وهي كنيسة القيامة المقدسة [7]Anastasis، التي حوت القبر المقدس في الداخل والجلجلة (فيها خشبة الصليب) في الخارج، وقد تمّ تكريسها في ظ،ظ£ أيلول سنة ظ£ظ£ظ¦م. ابتداءً من منتصف القرن الرابع، تأسس لهذه الكنيسة نظام رهباني يهتمّ في الخدم فيها، دعوا بال "سبوذايي" Spoudaeoi، وقد ذكرتهم إيجيريا Egeria الإسبانية في تدوينها لزيارتها إلى أورشليم سنة 385م[8]. غزاها الفرس سنة 614م وأخذوا معهم خشبة الصليب، إلى أن استعادها الأمبراطور هيراكليوس Heraclius سنة 627م. يذكر التاريخ أنه عندما وصل الأمبراطور أمام مدخل المدينة الذي يدعى الباب الذهبي Golden Gate، نزع هيراكليوس تاجه ومشى في الطريق نفسه كما مشاه يسوع نحو الجلجلة حاملاً الصليب الكريم ليدعه في كنيسة القيامة في ظ،ظ¤ أيلول سنة ظ¦ظ£ظ*م. سبع سنين بعد ذلك، أي سنة ظ¦ظ£ظ§م، احتلَّ العرب المسلمون أورشليم، وقد أصدر الخليفة عمر ابن الخطاب مرسوماً جاعلاً الكنيسة وكل كنائس أورشليم تحت سلطة "بطريرك الأمة الملوكية الرومية"، القديس صفرونيوس (بطريرك أورشليم حينذاك).

سنة ظ،ظ*98م، شنّ الغرب المسيحي الحملات الصليبية واحتلَّ أورشليم سنة 1099م، و حكموها مدّة ظ¨ظ¨ سنة، حينئذٍ أصبحت مفاتيح كنيسة القيامة مع الإفرنج Franks.

ولكن حدثان مهمّانِ حولاَّ سير الأمور، ففي سنة ظ،ظ،ظ*ظ*م، تأخّر نزول النور على القبر كثيراً حين كان يقوم اللاّتين بالخدمة. ثم في السنة التي تلتها أيّ ظ،ظ،ظ*ظ،م، لم ينزل النور البتة، فكان أن تنازل اللّاتين عن كنيسة القيامة و تمَّ تسليمها للروم مجدداً.

ظلّ الأمر كذلك قرون عديدة، وقد أصدرت الأمم المتحدة قراراً سنة ظ،ظ©ظ¥ظ*م يعطي الكنيسة للروم مع السماح لغيرهم بالصلاة فيها.

الخدمة الليتورجية لأعجوبة النور الإلهي:

لم تكن الخدمة الليتورجية لأعجوبة النور الإلهي و لطريقة إشراق النور ثابتة عبر العصور المتلاحقة. و لكن الأمر الثابت لهذه الخدمة هي صلاة خاصة للرب يسوع لإستنزال النور(وهي صلاة تشبه صلاة استدعاء الروح القدس على القرابين و الماء و الزيت في خدمنا الأسرارية المقدّسة Epiclesis).

كانت تقام الخدمة الليتورجية للنور بين القرن التاسع و القرن الخامس عشر، وذلك من خلال النصوص التي تصفها، على الشكل التالي: كانت الغرفة الداخلية للقبر مقفلة بالشمع، رمزاً على ختم القبر من قبل الحراس، وكان البطريرك الرومي الأرثوذكسي يقف خارج الباب الداخلي، وهناك كان يصلي، وكان ينزل النور من السماء (من القبة المفتوحة فوق القبر المقدس مباشرةً). ينزل النور السماوي من العُلى أبيض الّلون، لامعاً لمعاناً لا يوصف، ثم يتحول خلال دقائق إلى نور وينتشر في الكنيسة كلها. وفي الوقت ذاته يشتعل قنديل الزيت (السراج) داخل القبر، الذي كان بدوره يشعّ نوراً هائلاً. ثم يفتح الباب الداخلي للقبر فيدخل البطريرك ليشعل شمعاته من القنديل فوق القبر (الذي أُشعل من النور المقدس). فقط ابتداءً من القرن الخامس عشر، تحديداً سنة ظ،ظ¤ظ¨ظ*م خصوصاً، تغيّرت الخدمة الليتورجية فصار يدخل البطريرك الأرثوذكسي إلى الغرفة الداخلية[9].

أمّا الخدمة الليتورجية الحالية فتتمّ كالتالي: نهار السبت صباحاً، تطفيء كل قناديل الزيت داخل وخارج القبر ويختم القبر عند الساعة 12:00 ظهراً، يدخل البطريرك الرومي الأرثوذكسي إلى الكنيسة، فيبدأ زياح إبتهالي (ليتين) Litany ثلاثَ مرّات حول القبر. بعد الزياح يُفتح. ثمّ ينزع البطريرك لباسه ويبقى بالإستيخارة فقط. ثم يحمل أربعَ رزمات من ثلاثة وثلاثين (33) شمعة ويدخل القبر. يقرأ البطريرك الصلاة الخاصة داخل القبر راكعاً وضارعاً إلى الرب يسوع أن يرسل نعمته لتقديس الشعب. ما أن ينتهي حتى يظهر النور المقدس من القبر وينتشر في الكنيسة، مشعلاً قنديل الزيت الرئيسي فوق حجرة القبر. يشعل البطريرك شمعاته من القنديل ويخرج ليوزع النور إلى الشعب. لا يُطفىء هذا القنديل طوال السنة إلى السبت العظيم في السنة المقبلة.

تؤكد شهادات الحجّاج أنَّ مشاهدة النور تختلف بين مؤمنٍ و آخر، وذلك بحسب حالته الروحية، ألمّ يذكر الإنجيل المقدّس أنه حتى التلاميذ الثلاث الذين عاينوا المسيح متجليا، عاينوهُ "حسبما استطاعوا"؟

أيضاً، للنور عبر التاريخ أشكال مختلفة، أحياناً يظهر كنور أو كضوء، أو كنار أو كألسنة من نار. في أيامنا هذه، صار للكنيسة إنارة كهربائية قوية، ضؤ الكاميرات Flash يجعل من تمييز ومشاهدة النور بشكل واضح أقل من السنين الفائتة.

و هنا لا بدّ لنا أن نشدّد أن داخل كنيسة القبر المقدس قنديل زيت (سراج) لا يطفئ، يسمّى القنديل "الذي لا ينام". أُضيءَ هذا القنديل لأَّول مرةٍ سنة 326م، و ما زال مضاءً سبعة عشر قرناً، الى يومنا هذا[10]. تقدّم إيجيريا الإسبانية، التي زارت أورشليم بين 381م و 384م أقدم شهادةٍ عن سراج القبر. تصف إيجيريا "صلاة المساء" حول القبر المقدس: " وفي الساعة العاشرة (الرابعة بعد الظهر) يجري ما يسمى "ليخنيكون" و عندنا في الغرب "خدمة الإضاءة"، فيجتمع الشعب في كنيسة القيامة، و تضاء المصابيح والشموع كلّها، مما يعطي نوراً ساطعاً، ولا يؤتى بالنور من الخارج، بل من داخل المغارة (القبر)، حيث يوقد سراجٌ ليلاً و نهاراً، وبدون انقطاع، وراء الأعمدة. فينشدون المزامير النورانية (المزمور 140 "يا ربّ إليك صرختُ...") و الأنديفونات (بحسب القوانين الرسولية 7،48، هو النشيد المسائي، أي "يا نوراً بهياً لقدس مجد الآبِ...").[11]



متى ظهر النور لأوّلِ مرّة:

المرّة الأول لظهور النور كانت في القبر عند قيامة يسوع نفسه. يقول لنا الإنجيلي لوقا أن "النسوة حاملات الطيب أتين إلى القبر سحراً جداً (ظلمة)، وقد رأين الحجر مدحرجاً وشاهدن ملاكين لامعين داخل القبر..." (لوقا 24، 5-6). أما يوحنا الإنجيلي فيذكر أن بطرس ويوحنا مع مريم المجدلية أتوا إلى القبر "الأحد صباحاً باكراً وكان ما يزال ظلام ..." (يوحنا 20، 1-7). وهنا لا بدّ لنا من التعَّجب كيف استطاع بطرس ويوحنا ومريم المجدلية والنسوة الحاملات الطيب رؤية داخل القبر (مغارة) والظلام مخيمٌ في الخارج لولا النور الإلهي الصادر من القبر نفسه!

وقد أكدَّ على ذلك القديس الكبير غريغوريوس النيصصي قائلاً: "الذي كانوا مع بطرس شاهدوا وآمنوا...لأن القبر كان ممتلأً نوراً، لأنه و لو كان ليلاً فهم نظروا داخل القبر بطريقة حسّية و بطريقة روحية معاً"[12]. و يؤكدّ كذلك القديس الكبير يوحنا الدمشقي هذا الأمر قائلاً: "وصل بطرس مسرعاً الى القبر، فنظر و رأى نوراً داخل القبر فانذهل"[13].

يشدّد القديسّان أن نور القبر المقدس هو نور إلهي غير مخلوق! حتى اليوم، النور الذي يضيء قبر المسيح هو نور الألوهة غير المخلوق، الذي يضيء الكنيسة وقنديل الزيت، ثم يتحول إلى مخلوق عندما تضاء الشموع، وقد تشهد كثيرين كيف أن هذا النور يعطي سلاماً ودموعاً لا يمكن وصفهما وكيف أنه لا يحرق الوجه واليدان! يقول الدمشقي "وهذا اليوم المشرق و الممتليء نوراً، يوم الأحد المقدس، الذي فيه يشّع النور غير المخلوق من القبر، كعروس جميلة مشعّةً من جمال القيامة"[14].

يُعلن اليوم الأسقف في بداية خدمة الهجمة في قداس عيد القيامة المقدسة "هلمّوا خذوا نوراً من النور الذي لا يعروه مساءٌ، ومجّدوا المسيح الناهض من بين الأموات" في تأكيد واضح أن النور هو نورٌ غير مخلوق، نور الألوهة المنبعثة من القبر.



بين القيامة وتأسيس كنيسة القيامة:

لا يوجد شهادات كتابية، بين حدث القيامة وفترة بناء كنيسة القيامة في أورشليم، لتُخبرنا عن ظهور النور المقدس نهار السبت العظيم عند القبر. ما نعرفه أن القبر كان لفترة طويلة مكبّ أتربة. ولكن الحفريات في منطقة أورشليم أوجدت قناديل من طين Ceramic تعود إلى القرون الأولى، قرب مكان القبر مكتوب عليها "نور المسيح يضيء للجميع" (التعبير ذاته يعلنه الأسقف في قداس السابق تقديسه حتى اليوم). وقد وجدتها الباحثة الألمانية جودي ماغنيس Jodi Magness سنة ظ،ظ©ظ¨ظ¨م[15]. وقد أشارت ماغنيس أنه كان على الأغلب يسطع نورٌ من الردميات فوق القبر، فيضيء قناديل المسيحيين في أورشليم! وقد أكدّ على ذلك العالم الفرنسي شارل كليرمون Charles Clermont قبلها في القرن التاسع عشر.



الشهادات عن ظهور النور عبر التاريخ بعد تأسيس كنيسة القيامة:

علينا انّ نؤكد أن انبعاث النور من القبر، الذي ابتدأ مع قيامة الربّ يسوع، يستمرّ الى يومنا هذا من دون انقطاع، و قد شهد لذلك عبر العصور كثير من المؤرخين و المؤمنين. نذكر، فيما يلي، مختارات من الشهادات القيمّة.

أول شهادةٍ تاريخية للنور المقدس تعود للقديس غريغوريوس المنير (ظ¢ظ¥ظ§-ظ£ظ£ظ،م) الذي بشّر الشعب الأرمني وجعله مسيحياً. يذكر واضع سيرته حرفياً "وضع القديس غريغوريوس قنديلاً فوق قبر (حجر القبر الذي سجى عليه الربّ يسوع) المسيح، وتضرع إلى الربّ بصلوات، فاستضاء المكان بنور غير مادي"[16]، وقد تمّ ذلك قبل رقاد القديس بقليل أي حوالي ظ£ظ¢ظ© أو ظ£ظ£ظ*م.

الشهادة الثانية هي للقديس ثيوذوروس الساباوي (من دير مار سابا)، وتعود لسنة ظ¨ظ£ظ¦م. ولد القديس ثيوذوروس في مدينة حمص وصار راهباً في دير مار سابا. وقد دوّن رهبان الدير سيرة حياته بعد رقاده بقليل "حياة القديس ثيوذوروس الراهاوي" (لأنه صار مطران الرها Edessa في آخر حياته). في سيرته مكتوب "في يوم السبت العظيم، بعد إضاءة القناديل من النور السماوي ...".[17]

تؤكد هاتان الشهادتان المسيحييتان أن النور هو سماوي، نور إلهي، غير مادي، أي غير مخلوق، نور المسيح.

الشهادة الثالثة تعود للفيلسوف العربي الجاحظ سنة ظ¨ظ¤ظ¨م. يكتب الجاحظ "إن رهبان كنيسة القيامة في أورشليم يؤكدون أن قناديل الزيت تضاء بدون نار في إحدى احتفالاتهم"[18].

يؤكد أيضاً الحارث أسقف قيصرية وفي رسالة إلى أمير دمشق العربي سنة 920م، أن عجيبة تحصل كل سنة يوم القيامة، "فيأتي أمير أورشليم (المسلم) ويختم القبر ويبقى بقربه ثم يرتّل المسيحيون في الكنيسة "يا رب ارحم" ثم يأتي نور بسرعة فائقة ويضيء القنديل"[19].

يذكر المؤرخ العربي المسعودي سنة ظ©ظ¤ظ*م قائلاً "في كنيسة القيامة ببيت المقدس، وفي هذا العيد تجتمع النصارى من سائر الأرض وتنزل عندهم النار من السماء فتسرح هنالك الشمع ويجتمع فيه من المسلمين خلقٌ عظيم للنظر إلى هذا العيد ويقلع فيه ورق الزيتون... ولهذه النار سرٌّ عظيم..."[20].

يكتب إبن القصّ العربي سنة ظ©ظ¤ظ*م "فإذا كان فصح النصارى وهو يوم السبت الكبير و في ذلك يوم يخرج الناس من موضع القبر إلى الصخرة وحول الصخرة درابزنيات يتطلعون إلى موضع القبر يبتهلون كلهم ويتضرعون إلى الله تعالى من وقت الأولى إلى المغرب ويحضر الأمير وإمام المسجد. ويغلق السلطان الباب الذي على القبر ويقعد على الباب فهم على هذا حتى يرون نوراً كنارٍ بيضاء تخرج من جوف القبر. فيفتح السلطان الباب عن القبر ويدخل إليها وفي يده شمعة فيشعلها من ذلك النور فيخرجها والشمعة تشتعل ويدفعها إلى الأمام فيأتي الإمام بتلك الشمعة فيشعل قناديل المسجد. فإذا تداولت تلك الشمعة ثلاث أياد إحترقت بعد ذلك وصارت ناراً..."[21].

الفيلسوف والعالم الفارسي المسلم ابن البيروني يذكر إستشهاداً سنة ظ،ظ*ظ*ظ*م مشابهاً لإبن القصّ، ولكن يذكر تفصيلاً مهماً وهو أن بعض السلاطين المشككين وضعوا نحاساً بدل الفتيل في القنديل لئلاَّ يضاء القنديل ولكن ما حدث أن النحاس إتقدَ وإستضاءَ القنديل من النور عبر النحاس وأنار البطريرك والشعب والشمعات. وتفصيل آخر يذكره البيروني أن النور هو أبيض صافي[22].

سنة ظ،ظ*ظ*ظ©م، وكان الخليفة الفاطمي الحكيم حاكماً في مصر، أمر هذا الخليفة أن تهدم كنيسة القيامة في أورشليم. لماذا؟ لأنه عرف أن مسيحيين كثر من بلاد مصر وسورية وفلسطين يحجون كل سنة إلى كنيسة القبر ليعاينوا ويتباركوا من النور المقدس، وقد تزايد عددهم، فخاف أن يمتدّ هذا التزايد ويطال مسلمين، لذلك أمر بهدمها[23]. وقد صار ذلك سنة ظ،ظ*ظ*ظ©م. عندما علم البطريرك بذلك أخفى كل كنوز الكنيسة قبل عملية الهدم. و لم يهدم الخليفة الحكيم كنيسة القيامة فقط بل كلّ كنائس أورشليم. بعد موته استطاع أمبراطور الروم رومانوس أرغيروس الثالث أن يتفاوض مع ابن الحكيم، الخليفة علي الزهير. وقد ابتدأ عمل الترميم والبناء سنة ظ،ظ*ظ£ظ¨م ودام ظ،ظ،سنة وانتهى سنة ظ،ظ*ظ¤ظ¨م، في زمن الأمبراطور قسطنطين التاسع مونوماخوس. وهنا السؤال، هل توقف انبعاث النور من القبر في فترة دمار الكنيسة؟ كلاّ! يخبرنا الراهب الفرنسي ريشارد المغبوط سنة ظ،ظ*ظ¢ظ§م أنه "في تلك السنة، وبينما كانت الكنيسة خراباً، تجمع المسيحيون فوق الركام وقد استطاعوا تجميع حجارة ليبنوا كنيسة القبر الصغيرة بدون سقف وحولهم المسلمين يرشقونهم بالحجارة وقد تجمع حولهم أيضاً جيش أورشليم المسلم حتى إذا لم تحصل عجيبة النور عندهم أمر بذبح كلّ المسيحيين! ولكن من خلال الركام، برز النور في كل مكان (السماء والقبر) وأشعل القناديل (كما العادة لرتبة النور)، حتى أن أصاب المسلمين هرعٌ وخوفٌ ولم يلمسوا شعرة من رؤوس المسيحيين"[24].

شخص آخر يخبرنا عن هذه الفترة هو أودولريخ Odolric أسقف أورليان Orléans، فرنسي وقد زار أورشليم بين ظ،ظ*ظ¢ظ¥م ظ،ظ*ظ¢ظ¨م. يطلعنا هذا الأسقف أن النور كان ينبعث من القبر وهو مدمّر![25]

ننتقل الآن إلى الأعجوبة خلال فترة الصليبيين[26]. نعرف أن البابا أوربان الثاني قد Urban II أعلن سنة ظ،ظ*ظ©ظ¥م بدء الحملات الصليبية (الحملة الاولى)، و كانت إحدى أهداف هذه الحملات استعادة خشبة الصليب الموجودة داخل كنيسة القيامة. مشدداً أن واجبه الحفاظ على كنيسة القبر المقدس التي يحصل فيها إنبعاث النور كل سبت عظيم! وقد احتل الصليبيين أورشليم سنة ظ،ظ*ظ©ظ©م. وجعلوا من أرنولف شوك Arnulf Choques أوّل أسقف لاتيني على المدينة وقد هرب الأسقف الرومي إلى قبرص. ثم أتى بعده Dainbert أسقفاً الذي كان مطران بيزا (إيطاليا). سنة ظ،ظ،ظ*ظ*م دخل الأسقف دامبرت القبر وصلى كالعادة ولكن لم يأتِ النور إلاّ عندما غادر المكان، أي السبت ليلاً؛ فأحسّ اللاتين أنهم يجب أن يتوبوا على كل الجرائم التي إقترفوها في حملتهم الصليبية. السنة ظ،ظ،ظ*ظ،م، دخل أيضاً دامبرت القبر وركع وصلى وبكى ولكن هذه السنة لم يأتِ النور إطلاقاً؛ فقرر أن يستلم الروم كنيسة القيامة من جديد؛ فكان أن استلم رئيس دير مار سابا مفاتيح الكنيسة (بدل البطريرك المنفي إلى قبرص). ويوم أحد الفصح لهذه السنة، بينما كان رئيس دير مار سابا يخدم، انبعث النور من القبر (بدل يوم سبت النور). ومنذ ذلك الوقت صارت الكنيسة للروم الأرثوذكس مجدداً. أخبرنا بكل ذلك المؤرخ الفرنسي فولشر Fulcher في كتابه عن تاريخ الحملات الصليبية. أكدّ على ذلك أيضاً أخبار مؤرخ آخر لاتيني بارتلوف Bartlof ومؤرخ آخر إيطالي كافارو Caffaro، ومؤرخ آخر ألماني إيكيهارد Ekkehard، وراهب ألماني وليام مالسبريWilliam Malmesbury، ومؤرخ أرمني وهو متّى الراهاوي، ومؤرخ فرنسي آخر جيبارت Guilbert. ثمّ زار القبر بعد هذه الفترة مباشرةً، بين سنة 1106 و 1107م، كاهن راهب روسي اسمه دانيال، رئيس دير تسرنيغوف Tsernigov قرب كييف، وقد أقيل الأسقف دامبرت وكان بالدوين الأول Baldwin I حاكم أورشليم والأسقف أفرمار Evermar آنذاك. يشير دانيال أن اللاتين كانوا متفرجين هذه المرّة ولم يترأسوا الخدم، بل انتظروا النور من القناديل المضاءة من نور القبر مثل كل الشعب، الذي أسلمه إياه رئيس دير مار سابا! يشير دانيال إلى تفصيلين مهمين لم يذكرهما أحد من قبل:

أولاً: لم تكن قبة الكنيسة فوق القبر مغلقة بل مفتوحة لكون لم يكتمل ترميمها بعد! وقد لاحظ هذا الكاهن الراهب أنه في الوقت الذي سبق ظهور النور، شاهد غيمة بيضاء فوق القبة صغيرة وعندما ظهر النور، هبط مطر خفيف من الغيمة المضيئة!

ثانياً: عند ظهور النور، أحسّ أن النور أتى من كل مكان: من القبر، فوهة القبة، الكنيسة كلّها وليس من مكان معين. والنور كان مضيئاً بشكل لم يره من قبل وأبيض ساطع[27].

تستمّر الشهادات الكتابية القديمة مع: ظ،) المؤرخ الالماني البرت آشين Albert of Aachen، سنة ظ،ظ،ظ،ظ©م. ظ¢) بطرس المغبوط سنة ظ،ظ،ظ§ظ¤م، ظ£) المخطوط رقم ظ§ظ© الموجود في مكتبة تورينو الذي يعود إلى سنة ظ،ظ،ظ¤ظ©م، ظ¤) الراهب الإيسلاندي نقولاس برغسون Bergsson سنة ظ،ظ،ظ¥ظ¤م، ظ¥) الأسقف الألماني ثيوذوريخوس سنة ظ،ظ،ظ§ظ،م، ظ¦) و المؤرخ الفارسي علي الحراث سنة ظ،ظ،ظ§ظ£م[28].

نتوقف سنة ظ،ظ،ظ¨ظ§م عندما إستعاد صلاح الدين أورشليم من الصليبين، لم يسمح بهدم الكنيسة أو تحويلها إلى جامع. وقد أصدر مرسوماً يمنع بهدم الكنيسة وتحويلها إلى جامع وقد احترم المسلمون قراره إلى هذا اليوم، وقد شدّد أن الكنيسة للروم الأرثوذكس وطلب من البطريرك الرومي العودة إلى أورشليم. ويذكر بهذا الخصوص المؤرخ ريشارد (مؤرخ الحملات الصليبية) أنه في ظ¤ نيسان سنة ظ،ظ،ظ©ظ¢م، يوم سبت النور، أتى صلاح الدين مع قواده إلى كنيسة القيامة ليعاين قضية النور المقدس. وأمام أعينهم أُضيءَ المكان بالنور واشتعلت القناديل. فابتدأ المسيحيون بتعظيم الله "أيُّ إله عظيم مثل إلهنا..." وترتيل "يا رب ارحم"، بينما بهر المسلمون من الأمر بعجبٍ كبير. فأثار الشك صلاح الدين فأمر بأن يطفىء القنديل الرئيسي ولكن أضيء مجدداً من النور الإلهي. فأعاد صلاح الدين الكرة ثلاث مرات وفي كل مرّة كان نور القبر يضيئه مجدداً. وقد تعجّب صلاح الدين لهذا الأمر فأحس بعدم إيمانه وقال أن "هذا إشارة أنه إمّا سيموت قريباً أو سيخسر هذه المدينة". وبالفعل فقد توفي في موسم صوم ظ،ظ،ظ©ظ£م أي بعد سنة[29].

تستمرّ الشهادات الكثيرة عن نور القبر المقدس بين سنة 1270 و 1560م، و لكن نتوقف فقط عند حادثة ظ،ظ¥ظ§ظ©م الشهيرة. في يوم سبت النور سنة ظ،ظ¥ظ§ظ©م - وقد كانت أورشليم حينها تحت نير العثمانين - منع حاكم أورشليم التركي البطريرك الرومي من دخول كنيسة القيامة؛ ربما يكون البطريرك حينئذٍ صفرونيوس الرابع (أيام السلطان مراد الثالث). فوقف البطريرك صفرونيوس خارجاً جهة شمال باب مدخل الكنيسة قرب عامود. ولكن لم يأتِ النور إلى القبر، وعندما حلّ الليل، أتى نور من السماء إلى خارج الكنيسة، إلى العامود الذي بقرب البطريرك وقسم العامود جاعلاً فيه فجوة كبيرة (لا تزال حتى الآن شاهدة) ثم من العامود انتشر النور إلى داخل الكنيسة وأضاء القناديل داخل القبر. أشعل البطريرك مباشرة شمعاته و وُزِّعَ النور على المؤمنين. ففتح الأتراك أبواب الكنيسة ودخل الجميع مرتلين وشاكرين الله. وهناك عدة إستشهادات كتابية عن هذا الحدث نذكر منهم Proskynitaria of Jerusalem و Proskynitaria الكاهن حنانيا[30].

ولكن نلفت النظر أن عالِمان معاصران درسا هذا العامود: -1 الأستاذ إفجيني موروزوف Evgeny Morozov عالم الشقوق والكسور Fracture mechanics سنة ظ¢ظ*ظ*ظ§م، و ظ¢- الأستاذ جورج ببادوبولوس George Papadopoulos سنة ظ¢ظ*ظ،ظ*م، وقد توصلا كليهما (رغم أنهما قاما ببحثان منفصلان) أن الشقّ في العامود ناتج من ضغط وشحن كهربائي كبير جداً مصحوب بقوة أو ضغط ناتج من زلزال أو هزّة أرضية قوية. ولكن من أين أتى الشحن الكهربائي سنة ظ،ظ¥ظ§ظ©م؟ والتاريخ لا يذكر مطلقاً حدوث أيّ زلزال في ذلك الوقت! ثم لا يمكن أن يكون الشحن الكهربائي والزلزال قد حصلا في الوقت نفسه وفي مكان محدد فقط! لذلك استنتج العالمان أن الشقّ في العامود لا يمكن وصفه علمياً ويبقى عمل خارج حدود العِلم[31]!

هناك أيضاً شهاداتٌ معاصرة تعود للقرن التاسع عشر والعشرين ولكن لن نذكرها لكثرتها[32].

نتوقف أخيراً عند حدث علمي رافق ظهور النور بين ظ¢ظ*ظ*ظ¥م و ظ¢ظ*ظ*ظ¨م وهو ظهور دائرة ضوئية حول الشمس مشرقة بيضاء، تظهر الساعة الثامنة صباحاً وتختفي عند إشراق النور الإلهي، نور القبر المقدس في يوم السبت العظيم. واستطاع العلماء وحتى الناس رؤية هذه الدائرة بالعين المجردة ولم يجد لها تفسيراً مطلقاً[33].

ثم سنة ظ¢ظ*ظ*ظ¨م ، أتى العالم الروسي أندريه فلكوف Andrey Volkov إلى كنيسة القيامة مع آلات لرصد الموجات الكهربمغناطسية وقد وزعّها في داخل الكنيسة. وقد توصل إلى أن خلال ظهور النور المقدس هناك رصد لشحنات كهربائية هائلة ولكن لا تحرق! ثم لاحظ وجود هواء – أثير - موجود فقط في الفضاء. وقد أشار أن ما يحصل بعجيبة النور لا يفسّر علمياً لأنه يفوق العِلم[34]!

الخلاصة والخاتمة:

مررنا على شهود كثر للنور الإلهي المقدس للقبر، الذي هو "ينبوع قيامتنا وأجمل من خدر ملوكي وأبهى من الفردوس..." كما نرتّل في الكنيسة. الكل يشهد أن النور بدء يوم القيامة ويستمرّ حتى اليوم ويحصل مع بطريرك الروم الأرثوذكس فقط! ورغم كل التشكيك بأمره فالنور ينبعث من القبر ويملأ كنيسة القيامة كل سبت نور عظيم.

حتى عِلمياً ليس له تفسير سوى أنه يفوق الطبيعة! هذا النور هو نور إلهي، غير مخلوق، نور قوة إلهية. هو نفسه النور الذي كشفه المسيح حين التجلي على جبل ثابور، نور "لامع أبيض اللون، ساطع، لا يحرق"... كما كان المسيح "ثيابه بيضاء لامعة"، حين التجلي، لذلك نظّم القديس يوحنا الدمشقي[35] قانون القيامة مركزاً على أن ليلة القيامة هي ليلة منيرة، مضيئة والقبر مصدر النور، أي المسيح الناهض من القبر! "ما أعجب هذه الليلة الخلاصية المتلألئة وأجلَّ نورها، إذ هي المشرقة في نهار القيامة المجيد...".

نختم بشهادةٍ للأمبراطور يوحنا كانتاكوزانيس يعود لسنة ظ،ظ£ظ¦ظ*م، وقد زار القبر المقدس وشهد لإنبعاث النور، قائلاً: "كما أن في الأردن، عندما اعتمد المسيح، أتى صوت من السماء قائلاً "هذا ابني الحبيب"، كذلك يأتي هذا النور من السماوات، شاهداً في العالم، للمؤمنين وغير المؤمنين سواء، أن المسيح وكلمة الله هو الإله الحقيقي، إلهٌ حقّ وإنسانٌ حقّ"[36].

لذلك يدعونا الدمشقي "أن ننقّي حواسنا حتى نعاين المسيح ساطعاً كالبرق بنور القيامة الذي لا يُدنى منه...". فهذا النور هو النور الذي دافع عنه أباءَنا القديسين، خصوصاً القديس غريغوريوس بالاماس، مشدّداً أنه نور الثالوث القدوس غير المخلوق، وهو نور القديسين الذي يشعّ فيهم خلال حياتهم على الأرض، و يشعّ في رفاتهم بعد رقادهم، و الذي سيشعّ فيه كل البشر (والخليقة أيضاً) يوم المجيء الثاني والقيامة الأخيرة. هذا النور يرسله الله لنا في كلّ سنة الى قبر المسيح المقدس، شهادةً لقيامته المقدسة، التي بها خلّص البشر من سلطة الشيطان، ومن الموت وفساده.

لقد برهنّا في هذه المقالة أنّ حدث انبعاث النور من القبر المقدسّ هو ضمن التقليد الأرثوذكسي، وليس حدثاً قائماً بذاته منفصل عن تقليد الكنيسة. فرتبة نور القبر المقدسّ عبر العصور قد دخلت في صلب الِّليتورجية الأرثوذكسية الشرقية من جهّة، أمّا لاهوته فهو محور اللّاهوت الأرثوذكسي بامتياز من جهّة أخرى.

فهل نؤمن به إيماناً مستقيماً لكي نتلألأ به؟






[1] المرجع الرئيسي للشهادات التاريخية: H. Sarlikidis, The Holy Fire, Elaia Editions, Athens, 2011 مع تحديد رقم الصفحة، ولكنّ نذكر المرجع الأصلي (c. ref.) ، لكي يتمّكن القارئ من العودة إليه إن رغب بذلك.

[2] Ibid. p. 17

[3] Ibid. p.97, c. ref. B.Ward, Miracles and the Medieval Mind, London, 1987

[4] Ibid. p. 21, c. ref. Tactitus, Histories, 5.13, the Loeb classical Library, Cambridge, Mass. 1981

[5] Ibid. p. 22, c. ref. C. Papadopoulos, History Of the Church of Jerusalem, Jerusalem, 1910, p. 42

[6]Ibid. p. 26, c. ref. Eusebius, History of Church, 4.6

[7] بشكل باسيليك

[8] Ibid. p. 42, c. ref. Egeria’s Travels 47:3, trans. J.Wilkinson, Warminster, 1999

[9] Ibid. pp. 34 - 38

[10] عملياً، يطفئ نور القنديل كل سبت عظيم قبل البدء برتبة نور القبر المقدسّ، ثم يضاء تلقائياً من نور القبر الإلهي غير المخلوق عندما يشعّ من القبر

[11] Ibid p. 42, c. ref. Egeria’s Travels 47:3; trans. J. Wilkinson, Warminster, 1999

[12] Ibid. p. 44, c. ref. Gregory of Nyssa, On the Resurrection of Our Lord Jesus Christ, ed. J.P. Migne, Patrologia Graeca (PG), 46.636

[13] Ibid. p. 44, يوحنا الدمشقي، كتاب المعّزي

[14] Ibid. p. 45, c. ref. John of Damascus, Oration On the Holy Saturday, ed. J.P. Migne, PG 96, p. 628

[15] Ibid. p. 46, c. ref. J. Magness, “Illuminating Byzantine Jerusalem, Oil Lamps Shed Light On Early Christian Worship”, Biblical Archeological Review, 24102 (March/April 1998), pp. 40-47

[16] Ibid. p. 50, c. ref. Kiriakos Ganjakets’i’s, History of the Armenians, 11.2, ed. and trans. R. Bedrosian, NY 1986

[17] Ibid. p. 52, c. ref. مخطوطاتIviron Codex 381 (in Russian), MS Sinai 544 (in Greek), Sinai Arabic MS 538 (in Arabic)

[18] Ibid. p. 54, c. ref. مخطوطCodex Paris Arab. 5866 (fol 237)

[19] Ibid. p. 57, c. ref. مخطوطMS Mattei 303, fols. 98v – 99r; Library of the Moscow Patriarchate

[20]Ibid. p. 58, c. ref. مخطوط MS Paris supl. Arabe 1483

[21]Ibid. p. 60, c. ref. مخطوطMS Ahmad Taymur 103 (c. 1389), National Library of Egypt

[22] Ibid. p. 78, c. ref. I.J. Karchkovsky, “Le ‘feu beni’, d’apres le recit d’Al Biruni et d’autres ecrivains musulmans du X au XIII siecles », Proches Orient Chretien 19 (1999)

[23] Ibid. p. 82, c. ref. Ibn Al-Qalanisi, History of Damscus, ed. H.F. Amedroz, Beirut 1908

[24] Ibid. p. 91, c. ref. مخطوطMS Phillips 1870, fols 87r, 87v (Berlin)

[25] Ibid. p. 92, c. ref. مخطوط Codex Paris lat. 10912, 11th c.

[26] Ibid. p. 102, c. ref. S. Runciman, A History of the Crusades, Cambridge 1951-4, vol. 3

[27] Ibid p. 106, c. ref. C.W. Wilson, The Pilgrimage of the Russian Abbot Daniel in the Holy Land 1106-1107, London 1888

[28] Ibid. pp. 155-165, مراجع عدّة

[29] Ibid. p. 173, c. ref. T. Gale, vol. II, Itinerary of Richard I, Oxford 1687

[30] Ibid. p. 207, c. ref. Proskynitarion of Jerusalem and the Other Holy Places, 1608-1637, ed. A. Papadopoulos - Kerameus

[31] Ibid. pp. 211-216

[32] Ibid. pp. 217-241

[33] Ibid. p. 148

[34] Ibid. pp. 150-154

[35] من المؤكد أنّ القديس كان شاهداً لأعجوبة نورالقبر المقدّس بما أنه كان راهباً في دير القديس سابا القريب

[36] Ibid. p. 186, c. ref. John VI Kantakouzanos, Third Apology, ed. J.P. Migne, PG 154
 
قديم 30 - 04 - 2019, 05:48 PM   رقم المشاركة : ( 23157 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,477

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

جبران خليل جبران يتحدث عن المصلوب

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تحتفل الكنيسة القبطية اليوم بالجمعة العظيمة، و تتذكر رحلة يسوع المصلوب إلى الصليب، ولم يتوقف المسيحيين فقط عند هذه المشاهد بل كتب الكثير من المؤرخين والأدباء عن المسيح المصلوب، ومن أشهر من كتبوا هو جبران خليل جبران الذي كتب تلك الكلمات في عام ظ،ظ©ظ¢ظ*:

اليوم تقود الذكرى أرواح المسيحيين من جميع أقطار العالم إلى جوار أورشليم، فيقفون هناك صفوفاً صفوفاً قارعين صدورهم، محدقين إلى شبح مكلل بالأشواك، باسط ذراعيه أمام اللانهاية، ناظر من وراء حجاب الموت إلى أعماق الحياة.

ولكن لا تسدل ستائر الليل على مسارح هذا النهار حتى يعود المسيحيون فيضطجعوا جماعاتٍ جماعاتٍ في ظلال النسيان بين لحف الجهالة والخمول.

وفي مثل هذا اليوم من كل سنة يترك الفلاسفة كهوفهم المظلمة والمفكرون صوامعهم الباردة والشعراء أوديتهم الخيالية، ويقفون جميعهم على جبل عال، صامتين متهيبين مصغين إلى صوت فتىً يقول لقاتليه: «يا أبتاه، اغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون»… ولكن لا تكتنف السكينة أصوات النور حتى يعود الفلاسفة والمفكرون والشعراء فيكفنوا أرواحهم بصفحات الكتب البالية.

إن النساء المشغولات ببهجة الحياة، المشغوفات بالحلي والحلل، يخرجن اليوم من منازلهن ليشاهدن المرأة الحزينة الواقفة أمام الصليب وقوف الشجرة اللينة أمام عواصف الشتاء، ويقتربن منها ليسمعن أنينها العميق وغصاتها الأليمة.

أما الفتيان والصبايا الراكضون مع تيار الأيام إلى حيث لا يدرون، فيقفون اليوم هنيهة، ويلتفتون إلى الوراء ليروا الصبية المجدلية تغسل بدموعها قطرات الدماء عن قدمي رجل منتصب بين الأرض والسماء. و لكن عندما تمل عيونهم النظر إلى هذا المشهد يتحولون مسرعين ضاحكين.

في مثل هذا اليوم من كل سنة تستيقظ الإنسانية بيقظة الربيع، وتقف باكية لأوجاع الناصري، ثم تطبق أجفانها وتنام نوماً عميقاً أما الربيع فيظل مستيقظاً مبتسماً سائراً حتى يصير صيفاً مذهب الملابس معطر الأذيال.

الإنسانية امرأة يلذ لها البكاء والنحيب على أبطال الأجيال ولو كانت الإنسانية رجلاً، لفرحت بمجدهم وعظمتهم.

الإنسانية طفلة تقف متأوهةً بجانب الطائر الذبيح. ولكنها تخشى الوقوف أمام العاصفة الهائلة التي تهصر بمسيرها الأغصان اليابسة، وتجرف بعزمها الأقذار المنتنة.

الإنسانية ترى يسوع الناصري مولوداً كالفقراء، عائشاً كالمساكين، مهاناً كالضعفاء، مصلوباً كالمجرمين. فتبكيه وترثيه وتندبه وهذا كل ما تفعله لتكريمه.

منذ تسعة عشر جيلاً والبشر يعبدون الضعف بشخص يسوع، ويسوع كان قوياً ولكنهم لا يفهمون معنى القوة الحقيقية.

ما عاش يسوع مسكيناً خائفاً، ولم يمت شاكياً متوجعاً بل عاش ثائراً، وصلب متمرداً، ومات جباراً…

لم يكن يسوع طائراً مكسور الجناحين بل كان عاصفةً هوجاء تكسر بهبوبها جميع الأجنحة المعوجة.

لم يجئ يسوع من وراء الشفق الأزرق ليجعل الألم رمزاً للحياة، بل جاء ليجعل الحياة رمزاً للحق والحرية.

لم يخف يسوع مضطهديه، ولم يخش أعداءه، ولم يتوجع أمام قاتليه بل كان حراً على رؤوس الأشهاد، جريئاً أمام الظلم والاستبداد؛ يرى البثور الكريهة فيبضعها، ويسمع الشر متكلماً فيخرسه، ويلتقي الرياء فيصرعه.

لم يهبط يسوع من دائرة النور الأعلى ليهدم المنازل ويبني من حجارتها الأديرة والصوامع، ويستهوي الرجال الأشداء ليقودهم قسوساً ورهباناً.. بل جاء ليبث في فضاء هذا العالم روحاً جديدةً قويةً؛ تقوض قوائم العروش المرفوعة على الجماجم، وتهدم القصور المتعالية فوق القبور، وتسحق الأصنام المنصوبة على أجساد الضعفاء المساكين.

لم يجئ يسوع ليعلم الناس بناء الكنائس الشاهقة والمعابد الضخمة في جوار الأكواخ الحقيرة والمنازل الباردة المظلمة.. بل جاء ليجعل قلب الإنسان هيكلاً، ونفسه مذبحاً، وعقله كاهناً.

هذا ما صنعه يسوع الناصري، وهذه هي المبادئ التي صلب لأجلها مختاراً ولو عقل البشر لوقفوا اليوم فرحين متهللين منشدين أهازيج الغلبة والانتصار.

وأنت أيها الجبار المصلوب، الناظر من أعالي الجلجلة إلى مواكب الأجيال، السامع ضجيج الأمم، الفاهم أحلام الأبدية، أنت على خشبة الصليب المضرجة بالدماء أكثر جلالاً ومهابةً من ألف ملك على ألف عرش في ألف مملكة.. بل أنت بين النزع والموت أشد هولاً وبطشاً من ألف قائدٍ في ألف جيش في ألف معركة.

أنت بكآبتك أشد فرحاً من الربيع بأزهاره.. أنت بأوجاعك أهدأ بالاً من الملائكة بسمائها.. وأنت بين الجلادين أكثر حرية من نور الشمس.

إن إكليل الشوك على رأسك هو أجل وأجمل من تاج بهرام.. و المسمار في كفك أسمى وأفخم من صولجان المشتري.. وقطرات الدماء على قدميك أسنى لمعاناً من قلائد عشتروت.

فسامح هؤلاء الضعفاء الذين ينوحون عليك لأنهم لا يدرون كيف ينوحون على نفوسهم، واغفر لهم لأنهم لا يعلمون أنك صرعت الموت بالموت ووهبت الحياة لمن في القبور.

 
قديم 01 - 05 - 2019, 03:03 PM   رقم المشاركة : ( 23158 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,477

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

قديسون أقاموا الموتى

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تؤمن الكنيسة الكاثوليكيّة ان قيامة يسوع تُنذر بما سيحصل في نهاية الأزمنة عندما سيقوم الناس أجمعين من بين الأموات. لكن، وحتى خلال فترة حياة يسوع، سمح اللّه بقيامة البعض من القبور والعيش لفترة أطول على الأرض.


وفي أعمال الرسل، ماتت امرأة اسمها طابيثة في مدينة يافا. كان مسيحيو المدينة يعرفون ان القديس بطرس في مكان قريب فطلبوه. كان الجميع يندب موتها لكن عندما وصل بطرس طلب من الجميع الانتظار خارج المنزل.

“أخرج بطرس الناس كلهم، وجثا وصلى ثم التفت إلى الجثمان وقال: ((طابيثة، قومي! )) ففتحت عينيها، فأبصرت بطرس، فجلست. فمد إليها يده وأنهضها ثم دعا القديسين والأرامل فأراهم إياها حية. فانتشر الخبر في يافا كلها، فآمن بالرب خلق كثير. “ (أعمال الرسل ظ©، ظ¤ظ* – ظ¤ظ¢)


كانت قيامة طابيثة من الموت هديّة عجائبيّة قدمها اللّه وسمحت للكثيرين بالإيمان بقوة يسوع المسيح.
ولم تكن هذه المرّة الأخيرة التي طلب فيها قديس قوة اللّه لإقامة انسان من الموت.

فبحسب القديس إيريناوس في بداية القرن الثاني، “أُقيم بعض الموتى واستمروا بالعيش بيننا لسنوات عديدة.” وأضاف متحدثاً عن السحرة الذين يدعون خطأً قدرتهم على إقامة الموتى”بعيدون هم عن إقامة الموتى، كما أقامهم الرب وكما فعل الرسل بالصلاة وكما فعلت الكنيسة التي توسلت من خلال الصوم والصلاة فعادت روح الرجل الميت اليه.”

وهناك شهادات أخرى تتحدث عن حالات إقامة أشخاص من الموت في القرنَين الرابع والخامس كتبها مؤرخون من تلك الحقبة.

على سبيل المثال، التقى القديس مكاريوس وهو راهب قديس يعيش في صحراء مصر برجل لم يؤمن بقيامة المسيح. ومن أجل اقناعه، طلب الراهب من اللّه القوة لإقامة رجل من الموت. وانتشر خبر هذه الأعجوبة في صحراء مصر كلّها.

إن القيامة من الموت، هديّة تُقدم بفعل قوة اللّه لغاية معينة عن طريق أداة متواضعة. أراد اللّه أن يذكر شعبه ان قيامة المسيح لم تكن “صدفة” بل حدث حقيقي سيختبره الناس في نهاية الأزمنة.

 
قديم 01 - 05 - 2019, 03:06 PM   رقم المشاركة : ( 23159 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,477

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ماذا ينفع مال الخيانة؟
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

‎أمام محبة الرب لنا الذي روى قلوبنا بدمه ماذا ينفع مال الخيانة؟
كم من الوقت تدوم؟ هل يمكن لأي رشوة مهما بلغت أن تحجب نور المسيح القائم والمنتصر على كل الأنانيات؟
أي قوة في العالم تستطيع إيقاف تمتمات أم تصلي أمام المصلوب من أجل شفاء ابنها المريض؟
ماذات نفع كل الحيل والحجج الواهية والخدع الخبيثة أمام رجلٍ خاشع عابد يضيء شمعة في مزارٍ بعيدٍ من أجل انطلاقة جديدة في الحياة ؟
‎هل يباع الحب بالفضة أو يشترى بالذهب؟
قد تحجب الغيوم نور الشمس لحينٍ لكنها لا تستطيع حجبها في كل الأحيان.
هكذا فإن حب الرب لنا لا يمكن حجبه ولو بمال الدنيا.
 
قديم 01 - 05 - 2019, 03:08 PM   رقم المشاركة : ( 23160 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,477

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

«لَقَدْ رَأَيْتُ الرَّبّ!…»


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


إنجيل القدّيس يوحنّا ظ¢ظ / ظ،ظ، – ظ،ظ¨
كانَت مَرْيَمُ المَجْدَلِيِّةُ وَاقِفَةً في خَارِجِ القَبْرِ تَبْكِي. وفِيمَا هِيَ تَبْكِي، ظ±نْحَنَتْ إِلى القَبْر، فَشَاهَدَتْ مَلاكَيْنِ في ثِيَابٍ بَيْضَاءَ جَالِسَينِ حَيْثُ كَانَ قَدْ وُضِعَ جَسَدُ يَسُوع، أَحَدَهُمَا عِنْدَ الرَّأْس، والآخَرَ عِنْدَ القَدَمَين. فَقَالَ لَهَا المَلاكَان: «يَا ظ±مْرَأَة، لِمَاذَا تَبْكِين؟». قَالَتْ لَهُمَا: «أَخَذُوا رَبِّي، ولا أَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوه!». قَالَتْ هذَا وظ±لتَفَتَتْ إِلى الوَرَاء، فَشَاهَدَتْ يَسُوعَ واقِفًا ومَا عَلِمَتْ أَنَّهُ يَسُوع. قَالَ لَهَا يَسُوع: «يَا ظ±مْرَأَة، لِمَاذَا تَبْكِين، مَنْ تَطْلُبِين؟». وظَنَّتْ أَنَّهُ البُسْتَانِيّ. فَقَالَتْ لَهُ: «يَا سَيِّد، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ أَخَذْتَهُ، فَقُلْ لي أَيْنَ وَضَعْتَهُ، وأَنَا آخُذُهُ». قَالَ لَهَا يَسُوع: «مَرْيَم!». فَظ±لتَفَتَتْ وقَالَتْ لَهُ بِظ±لعِبْرِيَّة: «رَابُّونِي!»، أَي «يَا مُعَلِّم!». قَالَ لَهَا يَسُوع: «لا تُمْسِكِي بِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلى الآب، بَلِ ظ±ذْهَبِي إِلى إِخْوَتِي وقُولِي لَهُم: «إِنِّي صَاعِدٌ إِلى أَبِي وأَبِيكُم، إِلهِي وإِلهِكُم».
فَجَاءَتْ مَرْيَمُ المَجْدَلِيَّةُ تُبَشِّرُ التَّلامِيذ: «لَقَدْ رَأَيْتُ الرَّبّ!»، وأَخْبَرَتْهُم بِمَا قَالَ لَهَا.
التأمل: « لَقَدْ رَأَيْتُ الرَّبّ!»
أبدع الفنان الدانماركي ” والدسن ” تمثالاً للمسيح وهو جاثي في بستان الزيتون ووجهه لأسفل.. وأراد أن يأخذ رأي صديقه في التمثال.. فتمعن صديقه في التمثال و أخيراً قال له : يوجد شئ واحد .. لا أستطيع أن أرى وجهه!!!…
فأجابه الفنان: وهذا هو هدفي من التمثال.. فمن يريد أن يرى وجه الرب.. عليه أن يجثو على ركبتيه ..
مريم المجدلية لم تستطع رؤية الرب في البداية، رغم أنها شاهدته وجهاً لوجه، لكن لم تستطع معرفته، لأنها لم تسمح له أن يخرق كيانها كما يفعل الكثير من البشر.

لكن مريم المجدلية ألحت في سؤالها وبحثها وطلبها المساعدة من يسوع لتجد يسوع معتمدة على قدرته وليس قدرتها ، على نعمته هو وقوته هو وليس على علمها وخبرتها وحواسها..

الرب يريد اللقاء بك، لانك عزيز جداً على قلبه، يريدك أن تلمس وجوده في وجودك وحياته في حياتك ، ينتظر منك انحناءة بسيطة كي يظهر لك وجهه الجميل وحضوره الطيب في حياتك.

 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 04:12 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025