منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم اليوم, 11:55 AM   رقم المشاركة : ( 215241 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,372,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يَطْلُبُ يَسُوعُ الأَمَانَةَ فِي القَلِيلِ أَيْ أَنْ يَتَرَفَّقَ الإِنْسَانُ بِالمُحْتَاجِ،
وَيُعِينُ مَنْ هُمْ فِي ضِيقَةٍ مِمَّا أُعْطِيَ لَهُ.
يَقُولُ القِدِّيسُ يُوحَنَّا الذَّهَبِيُّ الفَم:
"إِنْ خَدَمْتَ القِدِّيسِينَ (الفُقَرَاء) فَسَتُشَارِكُهُمْ مُكَافَآتهُمْ.
فَالصَّدَقَةُ هِيَ أَكْثَرُ الفُنُونِ مَهَارَةً؛
لَا تَبْنِي لَنَا بُيُوتًا مِنْ طِينٍ بَلْ تَخْزُنُ لَنَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً."
وَقَدْ كَتَبَ بُولُسُ الرَّسُولُ: "لأَنَّنَا مِنْ صَنْعِ اللهِ، خُلِقْنَا فِي المَسِيحِ
يَسُوعَ لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللهُ بِسَابِقِ إِعْدَادِهِ لِنُمَارِسَهَا"
(أفسس 2: 10).
اللهُ يُرِيدُ أَنْ نُحَوِّلَ أَمْوَالَنَا لِتُصْبِحَ رَصِيدًا سَمَاوِيًّا كَمَا أَوْصَى يَسُوعُ:
"بِيعُوا أَمْوَالَكُم وَتَصَدَّقُوا بِهَا، وَاجْعَلُوا
لَكُم أَكْيَاسًا لَا تَبْلَى، وَكَنْزًا فِي السَّمَاوَاتِ لَا يَنْفَد" (لوقا 12: 33).
 
قديم اليوم, 11:56 AM   رقم المشاركة : ( 215242 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,372,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القِدِّيسُ يُوحَنَّا الذَّهَبِيُّ الفَم

"إِنْ خَدَمْتَ القِدِّيسِينَ (الفُقَرَاء) فَسَتُشَارِكُهُمْ مُكَافَآتهُمْ.
فَالصَّدَقَةُ هِيَ أَكْثَرُ الفُنُونِ مَهَارَةً؛
لَا تَبْنِي لَنَا بُيُوتًا مِنْ طِينٍ بَلْ تَخْزُنُ لَنَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً."
 
قديم اليوم, 11:59 AM   رقم المشاركة : ( 215243 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,372,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


الإِنْسَانُ الفَطِنُ
هُوَ مَنْ يَعْتَبِرُ المَالَ وَسِيلَةً لِلْخِدْمَةِ وَلَيْسَ غَايَةً.
خَيْرُ مِثَالٍ عَلَى ذَلِكَ حَيَاةُ الأُمِّ تِرِيزَا الكَالْكُوتِيَّة،
الَّتِي جَمَعَتِ المَالَ وَالمُسَاعَدَاتِ بِحِكْمَةٍ، لا لِذَاتِهَا،
بَلْ لِخِدْمَةِ "أَفْقَرِ الفُقَرَاءِ". كَانَت تَسْتَعْمِلُ كُلَّ مَوَارِدِهَا
لِخِدْمَةِ الإِنْسَانِ، وَجَعَلَتْ مِنَ المَالِ أَدَاةَ مَحَبَّةٍ.
 
قديم اليوم, 12:00 PM   رقم المشاركة : ( 215244 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,372,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْبُدَ اللهَ حَقًّا
عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِالمَالِ كَأَنَّهُ أَمَانَةٌ مِنَ اللهِ.
يَصْرِفُهُ فِي مَكَانِهِ الصَّحِيح:
عَلَى المُحْتَاجِينَ وَالمُسْتَضْعَفِينَ وَالنَّازِحِينَ وَالمُعَذَّبِينَ.
الإِنْسَانُ لَا يَكُونُ مَالِكًا لِمَالِهِ إِلَّا حِينَ يُنْفِقُهُ.
أَمَّا مَنْ يَحْتَفِظُ بِهِ لِنَفْسِهِ، ظَانًّا أَنَّهُ ضَمَانَةٌ لِمُسْتَقْبَلِهِ،
فَهُوَ فِي الحَقِيقَةِ عَبْدٌ لِلْمَالِ.
 
قديم اليوم, 12:02 PM   رقم المشاركة : ( 215245 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,372,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يَجِدُ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ دَائِمًا أَمَامَ خِيَارٍ حَاسِمٍ:
إِمَّا عِبَادَةُ اللهِ وَالعَمَلُ فِي سَبِيلِ مَلَكُوتِهِ وَالسَّعَادَةِ الأَبَدِيَّةِ.
وَإِمَّا عِبَادَةُ المَالِ وَتَكْدِيسُ الثَّرَوَاتِ وَاتِّبَاعُ كِبْرِيَاءِ الغِنَى وَشَهَوَاتِهِ.
مَنْ يَجْعَلُ المَالَ صَنَمًا لَهُ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لِلنُّورِ.
مُنْذُ أَنْ ظَهَرَ اللهُ فِي العَالَمِ، وَالإِنْسَانُ أَمَامَ خِيَارٍ جِذْرِيٍّ.
وَالمَسِيحِيُّ يُظْهِرُ انْتِمَاءَهُ لِلهِ مِنْ خِلَالِ اسْتِعْمَالِهِ لِلْمَالِ فِي خِدْمَةِ الإِخْوَةِ.
إِذَا اسْتُعْمِلَ المَالُ لِإِسْعَافِ الإِخْوَةِ المُحْتَاجِينَ، فَإِنَّهُ يُصْبِحُ مِفْتَاحًا
لِلسَّمَاءِ. "لأَنَّ المَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثِيرًا مِنَ الخَطَايَا" (1 بطرس 4: 8).
"مَن يَرحَمِ الفَقِير يُقْرِضِ الرَّبَّ، فَهُوَ يُجَازِيهِ عَلَى صَنِيعِهِ" (أمثال 19: 17).
خلاصة القول: الأمانة في القليل تَكْمُنُ فِي اسْتِعْمَالِ المَالِ كَوَسِيلَةٍ
لِلْمَحَبَّةِ وَالخِدْمَةِ. فَالمالُ الَّذِي يُعْطَى بِسَخَاءٍ لِلْمُحْتَاجِينَ
يَصِيرُ كَنْزًا سَمَاوِيًّا وَمِفْتَاحًا لِلحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ.
 
قديم اليوم, 12:03 PM   رقم المشاركة : ( 215246 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,372,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


المَالُ خَيْرٌ لِلمَلَكُوت



"اِتَّخِذوا لَكُم أَصدِقاءَ بِالمَالِ الحَرام، حتَّى إِذا فُقِدَ قَبِلوكُم في المَساكِنِ الأَبَدِيَّة" (لوقا 16: 9). يَطْلُبُ مِنَّا المَسِيحُ أَنْ نَنْظُرَ إِلَى المَالِ بِـ نَظْرَةٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ، لَا مُقَيَّدَةٍ بِهذَا العَالَمِ. الحَيَاةُ المُسْتَقْبَلِيَّةُ هِيَ ثَمَرَةٌ وَنَتِيجَةٌ لِلحَيَاةِ الحَاضِرَةِ.



اللهُ أَعْطَانَا "المَالَ الحَرَام" أَيْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، لِنَسْتَعْمِلَهَا بِالحِكْمَةِ فَنَنَالَ "الخَيْرَ الحَقَّ" فِي المَلَكُوتِ (لو 16: 11).



يَعْتَبِرُ يَسُوعُ المَالَ خَادِمًا لِلمَحَبَّةِ. لِذَلِكَ قَالَ: "اِتَّخِذوا لَكُم أَصدِقاءَ بِالمَالِ الحَرام، حتَّى إِذا فُقِدَ قَبِلوكُم في المَساكِنِ الأَبَدِيَّة" (لو 16: 9). وَجَاءَتْ نَصِيحَتُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: "إِذا صَنَعتَ غَداءً أَو عَشاءً، فَلَا تَدْعُ أَصدِقاءَكَ وَلَا إِخوَتَكَ وَلَا أَقرِباءَكَ وَلَا الجِيرَانَ الأَغْنِيَاء … بَلِ ادْعُ الفُقَرَاءَ وَالكُسْحَانَ وَالعُرْجَانَ وَالعُمْيَان … فَتُكَافَأُ فِي قِيَامَةِ الأَبْرَار" (لو 14: 12-14). الَّذِينَ يَتَلَقَّوْنَ الصَّدَقَاتِ يُصْبِحُونَ أَصْدِقَاءَنَا، لأَنَّنَا كُنَّا رُحَمَاءَ مَعَهُم فِي وَقْتِ عَوَزِهِم."طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، فَإِنَّهُم يُرْحَمُون" (متى 5: 7).



عَرَفَ الوَكِيلُ الخَائِنُ كَيْفَ يَسْتَعْمِلُ خَيْرَاتِ هذَا العَالَمِ لِيَكْسَبَ أَصْدِقَاءَ، فَيُهَيِّئَ لِنَفْسِهِ مُسْتَقْبَلًا أَرْضِيًّا. يُعَلِّقُ القِدِّيسُ كِيرِلُّس الكَبِير: "إِنَّ السَّيِّدَ المَسِيحَ إِذْ يُقَدِّمُ لَنَا مَثَلًا لَا يَقْصِدُ بِنَا أَنْ نُطَبِّقَهُ فِي كُلِّ الجَوَانِبِ، بَلْ فِي الجَانِبِ الَّذِي أَرَادَهُ، وَهُوَ الحِكْمَةُ وَالنَّظْرَةُ المُسْتَقْبَلِيَّةُ (الأَبَدِيَّة)." فَكَمْ بِالأَحْرَى عَلَى المَسِيحِيِّ أَنْ يُهَيِّئَ مُسْتَقْبَلَهُ الأَبَدِيَّ بِمُشَارَكَتِهِ الفُقَرَاءَ فِي الصَّدَقَةِ، لِيَسْتَقْبِلُوهُ فِي مَدِينَةِ اللهِ. والفُقَرَاءُ هُم فِي مَنْزِلِهِم لَدَى اللهِ، وَهُم أَوَائِلُ المَوعُودِينَ بِالمَلَكُوتِ (مَثَلُ لَعَازَرَ وَالغَنِيِّ – لو 16: 19-31).



أَدْرَكَ الوَكِيلُ الخَائِنُ أَنَّ الثَّرْوَةَ الحَقِيقِيَّةَ هِيَ ثَرْوَةُ الإِخْوَةِ. تَوَقَّفَ عَنِ اسْتِغْلَالِ الآخَرِينَ لِكَيْ يَثْرِي، وَبَدَأَ يَسْتَعْمِلُ ثَرْوَتَهُ لِيَكْسَبَ الصَّدَاقَةَ. وبَحَثَ لَا عَنْ بَيْتِ الغِنَى، بَلْ عَنْ بَيْتِ الإِخُوَّةِ وَالمَحَبَّةِ الَّذِي يُؤَمِّنُ لَهُ السَّعَادَةَ الحَقِيقِيَّةَ.المَالُ إِذَا وُجِّهَ بِالحِكْمَةِ نَحْوَ الخَيْرِ، يَصِيرُ جِسْرًا لِلمَلَكُوتِ. فَالفُقَرَاءُ الَّذِينَ نُحْسِنُ إِلَيْهِم هُمُ الَّذِينَ سَيَسْتَقْبِلُونَنَا فِي المَسَاكِنِ الأَبَدِيَّةِ. أَمَّا الثَّرْوَةُ الحَقِيقِيَّةُ فَهِيَ ثَرْوَةُ الإِخُوَّةِ وَالمَحَبَّةِ، لا ثَرْوَةُ الأَمْوَالِ الزَّائِلَةِ.



لَيْسَتْ طَرِيقَةُ الوَكِيلِ الخَائِنِ نَمُوذَجًا لِلتَّوْبَةِ، بَلْ هِيَ مِثَالٌ لِـ الفِطْنَةِ وَالحِسَابَاتِ الحَكِيمَةِ. فَقَدِ اسْتَغَلَّ سَاعَاتِهِ الأَخِيرَةَ كَوَكِيلٍ لِيُظْهِرَ الرَّحْمَةَ لِلآخَرِينَ بِتَخْفِيفِ دُيُونِهِم. إِنَّنَا نُشِيدُ بِفِطْنَتِهِ كَمِثَالٍ لَنَا، أَبْنَاءَ النُّورِ، كَمَا يَقُولُ بُولُسُ الرَّسُولُ: "لأَنَّكُم جَمِيعًا أَبْنَاءُ النُّورِ وَأَبْنَاءُ النَّهَار" (1 تسالونيقي 5: 5؛ أفسس 5: 8). فَنَحْنُ نُدْرِكُ أَنَّ مَا نَمْلِكُهُ لَيْسَ لَنَا، كَمَا أَدْرَكَهُ الوَكِيلُ الخَائِنُ، بَلْ هُوَ لِسَيِّدٍ آخَر، وَهُوَ المَسِيحُ الرَّبّ.



المَالُ خَيْرٌ لِاكْتِسَابِ المَلَكُوتِ، وَذَلِكَ بِـ مُسَاعَدَةِ القَرِيبِ. القَرِيبُ لَيْسَ هُوَ قَرِيبُنَا بِالجَسَدِ فَقَط، بَلْ هُوَ كُلُّ إِنْسَانٍ نَلْتَقِيهِ فِي حَيَاتِنَا. القَرِيبُ لَيْسَ فَقَط مَنْ يُشَارِكُنَا الدِّينَ أَو الطَّائِفَةَ أَو الوَطَنَ أَو العِرْقَ … بَلْ هُوَ كُلُّ إِنْسَانٍ خَلَقَهُ اللهُ عَلَى صُورَتِهِ وَمِثَالِهِ. وَتَزْدَادُ القَرَابَةُ كُلَّمَا زَادَتْ حَاجَةُ هذَا الإِنْسَانِ إِلَيْنَا وَإِلَى أَمْوَالِنَا. وَقَدْ سَاوَى المَسِيحُ نَفْسَهُ بِالقَرِيبِ المُحْتَاجِ عِنْدَمَا قَالَ: "لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي، وَعَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي، وَكُنتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي، وَعُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي، وَمَرِيضًا فَعُدْتُمُونِي، وَسَجِينًا فَجِئْتُم إِلَيَّ" (متى 25: 35-36).



مَنْ يُحِبُّ اللهَ حَقًّا، عَلَيْهِ أَنْ يُحِبَّ الجَائِعَ وَاللَّاجِئَ وَالذِي بِلَا مَأْوًى، لَيْسَ بِالكَلِمَةِ وَالفِكْرِ وَحَسْب، بَلْ بِالفِعْلِ وَبِالمَالِ. وَفِي هذَا الصَّدَدِ قَالَ بُولُسُ الرَّسُولُ: "أَوْصِ الأَغْنِيَاءَ … أَنْ يَصْنَعُوا الخَيْرَ، وَأَنْ يُغْنُوا فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَأَنْ يُعْطُوا بِسَخَاءٍ، وَأَنْ يُشَارِكُوا غَيْرَهُم … لِيَكْنِزُوا لأَنْفُسِهِم لِلمُسْتَقْبَلِ ذُخْرًا ثَابِتًا، لِيَنَالُوا الحَيَاةَ الحَقِيقِيَّةَ" (1 طيموتاوس 6: 18-19).



استعمال المَالِ فِي الصَّدَقَةِ وَالإِحْسَانِ يَجْعَلُ لَنَا أَصْدِقَاءَ هُمُ الفُقَرَاء، الَّذِينَ جَاءَ المَسِيحُ مِنْ أَجْلِهِم (لو 4: 18). هؤُلَاءِ يَكُونُونَ يَوْمًا فِي "حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ" (لو 16: 21-25)، أَي فِي مَنزِلَةٍ رَفِيعَةٍ فِي السَّمَاءِ، وَيَسْتَقْبِلُونَ المُحْسِنِينَ فِي "المَظَالِّ الأَبَدِيَّةِ". يَقُولُ القِدِّيسُ مَنْصُورُ دِي بُول: "الفُقَرَاء؟ هُمُ الَّذِينَ يَفْتَحُونَ لَنَا السَّمَاءَ. فَإِنْ أَرَدْنَا بُلُوغَ السَّعَادَةِ الأَبَدِيَّةِ، عَلَيْنَا أَنْ نَحْيَا وَنَمُوتَ فِي خِدْمَةِ الفُقَرَاء." وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ أَمبرُوسِيُوس: "إِنَّ صُدُورَ الفُقَرَاءِ، وَبُيُوتَ الأَرَامِلِ، وَأَفْوَاهَ الأَطْفَالِ، هِيَ بِمَثَابَةِ الأَهْرَاءِ الَّتِي تَدُومُ إِلَى الأَبَدِ." الثَّرْوَةُ الحَقِيقِيَّةُ إذن لَيْسَتْ فِيمَا نَحْتَفِظُ بِهِ، بَلْ فِيمَا نُعْطِيهِ. المَالُ أُعْطِيَ لَنَا كَوَكَالَةٍ، وَيَنْتَظِرُ الرَّبُّ مِنَّا أَنْ نَضَعَهُ فِي خِدْمَةِ الآخَرِينَ. نَحْنُ نَنْتَمِي إِلَى الرَّبِّ، وَكُلُّ مَا نَمْلِكُهُ هُوَ لَهُ.

يَطْلُبُ يَسُوعُ الأَمَانَةَ فِي القَلِيلِ، أَيْ أَنْ يَتَرَفَّقَ الإِنْسَانُ بِالمُحْتَاجِ، وَيُعِينُ مَنْ هُمْ فِي ضِيقَةٍ مِمَّا أُعْطِيَ لَهُ. يَقُولُ القِدِّيسُ يُوحَنَّا الذَّهَبِيُّ الفَم: "إِنْ خَدَمْتَ القِدِّيسِينَ (الفُقَرَاء) فَسَتُشَارِكُهُمْ مُكَافَآتهُمْ. فَالصَّدَقَةُ هِيَ أَكْثَرُ الفُنُونِ مَهَارَةً؛ لَا تَبْنِي لَنَا بُيُوتًا مِنْ طِينٍ بَلْ تَخْزُنُ لَنَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً." وَقَدْ كَتَبَ بُولُسُ الرَّسُولُ: "لأَنَّنَا مِنْ صَنْعِ اللهِ، خُلِقْنَا فِي المَسِيحِ يَسُوعَ لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللهُ بِسَابِقِ إِعْدَادِهِ لِنُمَارِسَهَا" (أفسس 2: 10). اللهُ يُرِيدُ أَنْ نُحَوِّلَ أَمْوَالَنَا لِتُصْبِحَ رَصِيدًا سَمَاوِيًّا كَمَا أَوْصَى يَسُوعُ: "بِيعُوا أَمْوَالَكُم وَتَصَدَّقُوا بِهَا، وَاجْعَلُوا لَكُم أَكْيَاسًا لَا تَبْلَى، وَكَنْزًا فِي السَّمَاوَاتِ لَا يَنْفَد" (لوقا 12: 33).



الإِنْسَانُ الفَطِنُ هُوَ مَنْ يَعْتَبِرُ المَالَ وَسِيلَةً لِلْخِدْمَةِ وَلَيْسَ غَايَةً. خَيْرُ مِثَالٍ عَلَى ذَلِكَ حَيَاةُ الأُمِّ تِرِيزَا الكَالْكُوتِيَّة، الَّتِي جَمَعَتِ المَالَ وَالمُسَاعَدَاتِ بِحِكْمَةٍ، لا لِذَاتِهَا، بَلْ لِخِدْمَةِ "أَفْقَرِ الفُقَرَاءِ". كَانَت تَسْتَعْمِلُ كُلَّ مَوَارِدِهَا لِخِدْمَةِ الإِنْسَانِ، وَجَعَلَتْ مِنَ المَالِ أَدَاةَ مَحَبَّةٍ.



مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْبُدَ اللهَ حَقًّا، عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِالمَالِ كَأَنَّهُ أَمَانَةٌ مِنَ اللهِ. يَصْرِفُهُ فِي مَكَانِهِ الصَّحِيح: عَلَى المُحْتَاجِينَ وَالمُسْتَضْعَفِينَ وَالنَّازِحِينَ وَالمُعَذَّبِينَ. الإِنْسَانُ لَا يَكُونُ مَالِكًا لِمَالِهِ إِلَّا حِينَ يُنْفِقُهُ. أَمَّا مَنْ يَحْتَفِظُ بِهِ لِنَفْسِهِ، ظَانًّا أَنَّهُ ضَمَانَةٌ لِمُسْتَقْبَلِهِ، فَهُوَ فِي الحَقِيقَةِ عَبْدٌ لِلْمَالِ.



يَجِدُ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ دَائِمًا أَمَامَ خِيَارٍ حَاسِمٍ: إِمَّا عِبَادَةُ اللهِ وَالعَمَلُ فِي سَبِيلِ مَلَكُوتِهِ وَالسَّعَادَةِ الأَبَدِيَّةِ. وَإِمَّا عِبَادَةُ المَالِ وَتَكْدِيسُ الثَّرَوَاتِ وَاتِّبَاعُ كِبْرِيَاءِ الغِنَى وَشَهَوَاتِهِ. مَنْ يَجْعَلُ المَالَ صَنَمًا لَهُ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لِلنُّورِ. مُنْذُ أَنْ ظَهَرَ اللهُ فِي العَالَمِ، وَالإِنْسَانُ أَمَامَ خِيَارٍ جِذْرِيٍّ. وَالمَسِيحِيُّ يُظْهِرُ انْتِمَاءَهُ لِلهِ مِنْ خِلَالِ اسْتِعْمَالِهِ لِلْمَالِ فِي خِدْمَةِ الإِخْوَةِ. إِذَا اسْتُعْمِلَ المَالُ لِإِسْعَافِ الإِخْوَةِ المُحْتَاجِينَ، فَإِنَّهُ يُصْبِحُ مِفْتَاحًا لِلسَّمَاءِ. "لأَنَّ المَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثِيرًا مِنَ الخَطَايَا" (1 بطرس 4: 8). "مَن يَرحَمِ الفَقِير يُقْرِضِ الرَّبَّ، فَهُوَ يُجَازِيهِ عَلَى صَنِيعِهِ" (أمثال 19: 17). خلاصة القول: الأمانة في القليل تَكْمُنُ فِي اسْتِعْمَالِ المَالِ كَوَسِيلَةٍ لِلْمَحَبَّةِ وَالخِدْمَةِ. فَالمالُ الَّذِي يُعْطَى بِسَخَاءٍ لِلْمُحْتَاجِينَ يَصِيرُ كَنْزًا سَمَاوِيًّا وَمِفْتَاحًا لِلحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ.
 
قديم اليوم, 12:04 PM   رقم المشاركة : ( 215247 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,372,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


الحَيَاةُ المُسْتَقْبَلِيَّةُ هِيَ ثَمَرَةٌ وَنَتِيجَةٌ لِلحَيَاةِ الحَاضِرَة.
وَالطَّرِيقَةُ الَّتِي بِهَا يَتَصَرَّفُ الإِنْسَانُ بِمُتَاعِ الدُّنْيَا تُحَدِّدُ مَصِيرَهُ فِي الحَيَاةِ الآخِرَة. لَا يَجُوزُ أَنْ نُضَيِّعَ المَوَارِدَ الَّتِي لَدَيْنَا، لأَنَّهَا مِلْكٌ لِلرَّبِّ وَلَيْسَتْ لَنَا. اِسْتِعْمَالُ المَالِ كَغَايَةٍ فِي ذَاتِهِ يُفْصِلُنَا عَنِ اللهِ وَعَنِ الإِخْوَةِ المُحْتَاجِينَ.
أَمَّا اسْتِعْمَالُهُ بِحِكْمَةٍ فَهُوَ مُفْتَاحُ السَّمَاءِ. "بِيعُوا أَمْوَالَكُم وَتَصَدَّقُوا بِهَا، وَاجْعَلُوا لَكُم أَكْيَاسًا لَا تَبْلَى، وَكَنْزًا فِي السَّمَاوَاتِ لَا يَنْفَد" (لوقا 12: 33).
الإِنْسَانُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ مَا يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَعْمَلُهُ. مَا نَكْنِزُهُ يَكْشِفُ عَنْ أَوْلَوِيَّاتِنَا الحَقِيقِيَّة. "فَحَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكُم يَكُونُ قَلْبُكُم" (لوقا 12: 34).
الخُلاصَة: المَثَلُ لَيْسَ تَشْجِيعًا عَلَى الخِيَانَةِ، بَلْ دَعْوَةً لِـ الأَمَانَةِ وَالفِطْنَةِ. فَنَحْنُ لَنَا سَيِّدٌ وَاحِدٌ هُوَ اللهُ، وَنَحْنُ وَكَلَاؤُهُ عَلَى الخَيْرَاتِ. وَمِنْ طَرِيقَةِ تَصَرُّفِنَا بِهَا يَتَحَدَّدُ مَصِيرُنَا الأَبَدِيّ.
 
قديم اليوم, 12:05 PM   رقم المشاركة : ( 215248 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,372,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


العِبْرَة مِن مَثل الوَكِيلُ الخَائِنُ



يُثِيرُ هذَا المَثَلُ غَالِبًا شَيْئًا مِنَ الاسْتِغْرَابِ، لأَنَّهُ – فِي الظَّاهِرِ – يَجْعَلُ مِنَ الوَكِيلِ الخَائِنِ قُدْوَةً يُقْتَدَى بِهَا. وَإِنْ صَحَّ أَنَّ هذَا الوَكِيلَ قُدْوَةٌ، فَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا بِسَبَبِ فِطْنَتِهِ. إِنَّ المَثَلَ يَدْعُونَا أَنْ نَعِيشَ نَحْنُ كَوُكَلَاءِ اللهِ، فَكُلُّ مَا هُوَ بَيْنَ أَيْدِينَا هُوَ عَطِيَّةٌ مِنْهُ: مَوَاهِبُنَا، قُدُرَاتُنَا، دَوَافِعُنَا، عَوَاطِفُنَا، مُمْتَلَكَاتُنَا، حَتَّى أَجْسَادُنَا وَأَوْقَاتُنَا.



اِسْتَعْمَلَ الوَكِيلُ الخَائِنُ مَا لَيْسَ لَهُ، وَمَا لَمْ يَسْتَطِعِ الاِحْتِفَاظَ بِهِ، لِيَحْصُلَ عَلَى مَا يَحْتَاجُهُ لَاحِقًا. فَصَنَعَ صَدَاقَاتٍ وَاشْتَرَى شَرَاكَاتٍ مُسْتَقْبَلِيَّةً بِمَالٍ لَيْسَ لَهُ. إِنَّ مَا يُشِيدُ بِهِ يَسُوعُ فِي هذَا الوَكِيلِ لَيْسَ خِيَانَتَهُ، بَلْ طَرِيقَتُهُ فِي مُوَاجَهَةِ مَوْقِفِهِ الجَدِيدِ بِنَظَرَةٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ.



نَحْنُ وُكَلاءُ، وَسَنُعْطِي حِسَابًا عَنْ كُلِّ كَلِمَةٍ وَكُلِّ مَا أُؤْتُمِنَّا عَلَيْهِ، لأَنَّ غَايَةَ اللهِ أَنْ نَحْمِلَ سِمَاتِهِ فِينَا، وَفِي مَقْدِّمَتِهَا "الأَمَانَة". قَدْ دُعِيَ اللهُ "الأَمِين": "هُوَ اللهُ أَمِينٌ دَعَاكُم إِلَى مُشَارَكَةِ ابْنِهِ يَسُوعَ المَسِيحِ رَبِّنَا" (1 قورنتس 1: 9). وَيُوصِينَا: "كُنْ أَمِينًا حَتَّى المَوت، فَسَأُعْطِيَكَ إِكْلِيلَ الحَيَاةِ" (رؤيا 2: 10). إِذًا: نَحْنُ أَمَامَ اللهِ وُكَلاءُ لا مَلَّاكٌ. فَكُلُّ مَا نَمْلِكُهُ – مَالًا، خَيْرَاتٍ، صِفَاتٍ، إِمْكَانَاتٍ – هُوَ لِلرَّبِّ، وَسَنُؤَدِّي عَنْهُ حِسَابًا.



الحَيَاةُ المُسْتَقْبَلِيَّةُ هِيَ ثَمَرَةٌ وَنَتِيجَةٌ لِلحَيَاةِ الحَاضِرَة. وَالطَّرِيقَةُ الَّتِي بِهَا يَتَصَرَّفُ الإِنْسَانُ بِمُتَاعِ الدُّنْيَا تُحَدِّدُ مَصِيرَهُ فِي الحَيَاةِ الآخِرَة. لَا يَجُوزُ أَنْ نُضَيِّعَ المَوَارِدَ الَّتِي لَدَيْنَا، لأَنَّهَا مِلْكٌ لِلرَّبِّ وَلَيْسَتْ لَنَا. اِسْتِعْمَالُ المَالِ كَغَايَةٍ فِي ذَاتِهِ يُفْصِلُنَا عَنِ اللهِ وَعَنِ الإِخْوَةِ المُحْتَاجِينَ. أَمَّا اسْتِعْمَالُهُ بِحِكْمَةٍ فَهُوَ مُفْتَاحُ السَّمَاءِ. "بِيعُوا أَمْوَالَكُم وَتَصَدَّقُوا بِهَا، وَاجْعَلُوا لَكُم أَكْيَاسًا لَا تَبْلَى، وَكَنْزًا فِي السَّمَاوَاتِ لَا يَنْفَد" (لوقا 12: 33). الإِنْسَانُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ مَا يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَعْمَلُهُ. مَا نَكْنِزُهُ يَكْشِفُ عَنْ أَوْلَوِيَّاتِنَا الحَقِيقِيَّة. "فَحَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكُم يَكُونُ قَلْبُكُم" (لوقا 12: 34). الخُلاصَة: المَثَلُ لَيْسَ تَشْجِيعًا عَلَى الخِيَانَةِ، بَلْ دَعْوَةً لِـ الأَمَانَةِ وَالفِطْنَةِ. فَنَحْنُ لَنَا سَيِّدٌ وَاحِدٌ هُوَ اللهُ، وَنَحْنُ وَكَلَاؤُهُ عَلَى الخَيْرَاتِ. وَمِنْ طَرِيقَةِ تَصَرُّفِنَا بِهَا يَتَحَدَّدُ مَصِيرُنَا الأَبَدِيّ.


 
قديم اليوم, 12:13 PM   رقم المشاركة : ( 215249 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,372,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


مَثَلَ الوَكِيلِ الخَائِنِ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ بَعْضَ التَّحْذِيرَاتِ
الَّتِي يَجِبُ أَخْذُهَا بِعَيْنِ الاِعْتِبَارِ:



1. لشَّرُّ لَا يَسْتَمِرُّ. فَإِنَّ عَطَايَا الرَّبِّ لَنْ تَتَبَدَّدَ، وَالخِيَانَةُ أَوِ الظُّلْمُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسُودَ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّ اللهَ هُوَ سَيِّدُ التَّارِيخِ وَمَالِكُ كُلِّ شَيْءٍ.



2. الإِدْرَاكُ أَنَّ العَطَايَا لِلْمُسَاعَدَةِ المُشْتَرَكَةِ. فَإِذَا كَانَ الوَكِيلُ الخَائِنُ قَدْ دُفِعَ مِنَ الحَاجَةِ لِيُصْبِحَ كَرِيمًا – وَإِنْ كَانَ بِشَيْءٍ مِنَ الخُبْثِ – مِنْ أَجْلِ خَلاصِ نَفْسِهِ، فَكَمْ بِالأَحْرَى عَلَى أَبْنَاءِ النُّورِ أَنْ يَتَحَرَّكُوا بِدَافِعِ الإِيمَانِ وَالمَحَبَّةِ لِيُحَقِّقُوا تَضَامُنًا وَمُشَارَكَةً حَقِيقِيَّةً بَيْنَ البَشَرِ. وَهَكَذَا يُصْبِحُ المَسِيحِيُّونَ أَبْنَاءً لِلآبِ السَّمَاوِيِّ: "فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ كَامِلٌ" (مَتَّى 5: 48).



3. الصِّرَاعُ بَيْنَ غِنَى المَالِ وَالغِنَى الحَقِيقِيّ إِنَّ الغِنَى المُقْتَنَى بِمَالِ السُّوءِ هُوَ فِي صِرَاعٍ دَائِمٍ مَعَ الغِنَى الحَقِيقِيِّ. وَعَلَى أَبْنَاءِ النُّورِ أَنْ يَتَحَرَّرُوا مِنَ الغِنَى الأَوَّلِ، رَافِضِينَ إِيَّاهُ، وَيَعْتَمِدُوا عَلَى مَبَادِئِ إِيمَانِهِم فَقَط، حَتَّى يَكُونَ اللهُ وَحْدَهُ غِنَاهُم وَكَنْزَهُم الحَقِيقِيّ.



4. التَّحْذِيرُ الأَسَاسِيّ هُوَ أَنْ نَسِيرَ فِي النُّورِ، مُتَحَرِّرِينَ مِنْ عُبُودِيَّةِ المَالِ، مُسْتَخْدِمِينَ كُلَّ عَطَايَا اللهِ لِـخِدْمَةِ الإِخْوَةِ وَبِنَاءِ المَلَكُوتِ.




 
قديم اليوم, 12:28 PM   رقم المشاركة : ( 215250 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,372,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


تفسير يسوع لمَثلُ القاضي الظَّالِم والأَرْمَلَةٌ المُلحَّة


النص الإنجيلي (لوقا 18: 1-8)


1 وضرَبَ لَهم مثَلاً في وُجوبِ المُداوَمةِ على الصَّلاة مِن غَيرِ مَلَل، 2 قال: ((كانَ في إِحدى المُدُنِ قاضٍ لا يَخافُ اللهَ ولا يَهابُ النَّاس. 3 وكانَ في تلك المَدينَةِ أَرمَلَةٌ تَأتيهِ فتَقول: أَنصِفْني من خَصْمي، 4 فأَبى علَيها ذلِكَ مُدَّةً طَويلة، ثُمَّ قالَ في نَفْسِه: أَنا لا أَخافُ اللهَ ولا أَهابُ النَّاس، 5 ولكِنَّ هذِه الأَرمَلَةٌ تُزعِجُني، فسَأُنصِفُها لِئَلاَّ تَظَلَّ تَأتي وتَصدَعَ رَأسي)). 6 ثّمَّ قالَ الرَّبّ: ((اِسمَعوا ما قالَ القاضي الظَّالِم. 7 أَفما يُنصِفُ اللهُ مُختاريهِ الَّذينَ يُنادونه نهاراً ولَيلاً وهو يَتَمهَّلُ في أَمرِهم؟ 8 أَقولُ لَكم: إِنَّه يُسرِعُ إلى إِنصافِهم. ولكِن، متى جاءَ ابنُ الإنسان، أَفَتُراه يَجِدُ الإِيمانَ على الأَرض؟))

المُقَدِّمَةُ

يَتَناوَلُ إنجيلُ هذا الأَحَدِ (لوقا 18: 1–8) مَثَلَ القاضي الظَّالِمِ والأَرمَلَةِ. ويُشابِهُ هذا المَثَلُ مَثَلَ الإلحاحِ في الصَّلاةِ (لوقا 11: 5–8)، حَيثُ نَجِدُ رَجُلًا يَأتيه صَديقٌ لَيلًا، وليسَ لَدَيهِ ما يُقَدِّمُهُ له، فيَذهَبُ إلى صَديقٍ آخَرَ ويَطلُبُ منه بإلحاحٍ خُبزًا. فَيُعطيه ما يَشاءُ، لا عن كَرَمٍ، بَل تَجاوُبًا مع إلحاحِهِ المُتواصِل.



وكذلك في مَثَلِ هذا الأَحَدِ، يُنصِفُ القاضي الظَّالِمُ أَرمَلَةً مُتَضايِقًا مِن إلحاحِها المُتَكرِّر. وهكذا يُحَثُّنا يسوعُ مِن خِلالِ هذين المَثَلَين على واجِبِ المُداوَمَةِ على الصَّلاةِ، وعَدَمِ فُتورِ الهِمَّةِ، لِلحِفاظِ على الإيمانِ، ولا سيَّما في أوقاتِ الضِّيقِ والشَّدائدِ والتَّجارِب، في انتِظارِ مَجيءِ ابنِ الإنسان، رَبِّنا يسوعَ المسيح، في آخِرِ الأَيَّامِ.



إنَّ هدفَ تَعليمِ يسوعَ في هذا المَثَلِ هو الحَثُّ على المُثابَرَةِ في الصَّلاةِ، خُصوصًا في وَقتِ المِحنَةِ والصِّراعِ، لِكَي نَعيشَ في الإيمانِ والرَّجاءِ انتِظارًا لِمَجيءِ الرَّبِّ. ومِن هُنا تَكمُنُ أَهمِّيَّةُ التَّأمُّلِ في وَقائِعِ النَّصِّ الإنجيليِّ وتَطبيقاتِهِ الحَياتيَّةِ والرُّوحيَّةِ.





أولا: وقائع النص الإنجيلي وتحليله (لوقا 18: 1-8)



1 وضرَبَ لَهم مثَلاً في وُجوبِ المُداوَمةِ على الصَّلاة مِن غَيرِ مَلَل،



تُشِيرُ عِبَارَةُ "ضَرَبَ لَهُم" إِلَى تَعْلِيمِ يَسُوعَ تَلامِيذَهُ. أَمَّا عِبَارَةُ "مَثَلًا" فَفِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ د€خ±دپخ±خ²خ؟خ»ل½µ (، وَمَعْنَاهَا "فِكْرَةُ المُقَارَنَةِ"، وَتَدُلُّ عَلَى كُلِّ قِصَّةٍ قَالَهَا يَسُوعُ إِيضَاحًا لِتَعَالِيمِهِ، تَمْشِيًا مَعَ العَقْلِيَّةِ الشَّرْقِيَّةِ الَّتِي تَمِيلُ إِلَى اسْتِعْمَالِ المَقَارَنَةِ فِي الكَلَامِ وَالتَّعْلِيمِ، وَتُحِبُّ الأَلْغَازَ لِأَنَّهَا تُثِيرُ الفُضُولَ وَتَحْمِلُ عَلَى البَحْثِ. فَالمَثَلُ هُوَ عَرْضٌ تَمْثِيلِيٌّ لِرُمُوزٍ، أَي لِصُوَرٍ مُقْتَبَسَةٍ مِنَ الحَقَائِقِ الأَرْضِيَّةِ، تُعَبِّرُ عَنِ الحَقَائِقِ الَّتِي أَوْحَى بِهَا اللهُ (كَالتَّارِيخِ المُقَدَّسِ وَالمَلَكُوتِ...)، وَهِيَ تَحْتَاجُ فِي الغَالِبِ إِلَى مَزِيدٍ مِنَ الشَّرْحِ العَمِيقِ.



تُعْتَبَرُ كَلِمَةُ "وُجُوبِ" في الأصلِ اليونانيِّ خ´خµل؟–خ½ مِنَ الكَلِمَاتِ المِفْتَاحِيَّةِ فِي لُغَةِ الإِنْجِيلِ، وَتَرِدُ مِرَارًا فِي كِتَابَاتِ الإِنْجِيلِيِّ لوقا، خَاصَّةً فِي سِيَاقِ تَحْدِيدِ مَسِيرَةِ يَسُوعَ وَتَحَقُّقِ مَشِيئَةِ الآبِ. فَهِيَ لَا تَدُلُّ عَلَى ضَرُورَةٍ خَارِجِيَّةٍ أَوْ فَرْضٍ قَسْرِيٍّ، بَلْ عَلَى حَتْمِيَّةٍ إِلَهِيَّةٍ تَنْبَعُ مِنْ مَشِيئَةِ اللهِ وَمَخَطَّطِهِ الخَلاصِيِّ. إِنَّهَا "ضَرُورَةُ الإِرَادَةِ الإِلَهِيَّةِ" الَّتِي تَقُودُ التَّارِيخَ وَالأَحْدَاثَ نَحْوَ تَتْمِيمِ الخَلاصِ. فَيَقُولُ يَسُوعُ: "يَنْبَغِي (خ´خµل؟–) لابْنِ الإِنْسَانِ أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا، وَيُرْفَضَ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الكَهَنَةِ وَالكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ" (لوقا 9: 22). هُنَا تُفْصِحُ "خ´خµل؟–" عَنْ وُجُوبٍ لاهُوتِيٍّ، لَيْسَ لِأَنَّ يَسُوعَ مَجْبُورٌ عَلَى المَوْتِ، بَلْ لأَنَّ مَحَبَّتَهُ الخَلاصِيَّةَ تَفْرِضُ عَلَيْهِ أَنْ يُتَمِّمَ إِرَادَةَ الآبِ. وَبِهَذَا المَعْنَى، عِنْدَمَا يَسْتَعْمِلُ الإِنْجِيلُ عِبَارَةَ "وُجُوبِ المُدَاوَمَةِ عَلَى الصَّلَاةِ"، فَهُوَ لَا يُقَدِّمُ تَوْصِيَةً أَخْلَاقِيَّةً فَقَط، بَلْ يُعْلِنُ ضَرُورَةً الخلاص: فَالصَّلَاةُ هِيَ جُزْءٌ مِنْ مَسِيرَةِ الخَلاصِ، وَمِنْ اتِّحَادِ الإِنْسَانِ بِمَشِيئَةِ اللهِ. فِي الوَاقِعِ، يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الصَّلَاةِ مَسْأَلَةَ حَيَاةٍ أَوْ مَوْتٍ، كَمَا جَاءَ فِي سِفْرِ الخُرُوجِ عِنْدَ مُحَارَبَةِ إِسْرَائِيلَ لِلْعَمَالِقَةِ: "كَانَ، إِذَا رَفَعَ مُوسَى يَدَه، يَغْلِبُ بَنُو إِسْرَائِيل، وَإِذَا حَطَّهَا، تَغْلِبُ العَمَالِقَةُ" (خروج 17: 11). إِذًا، فَـوُجُوبُ الصَّلَاةِ وَالاِلْتِزَامِ الإِيمَانِيِّ هُوَ مَسَارٌ مَحْتُومٌ فِي تَدْبِيرِ اللهِ، وَيَكْشِفُ أَنَّ الإِنْسَانَ يَبْلُغُ كَمَالَهُ حِينَ يُطَابِقُ حَيَاتَهُ مَعَ "الوَجَبِ الإِلَهِيِّ".



وَأَمَّا عِبَارَةُ "المُدَاوَمَةِ" فَفِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ د€ل½±خ½د„خ؟د„خµ (بَانتُوتِه)، وَمَعْنَاهَا "كُلَّ حِينٍ"، أَي فِي كُلِّ الأَوْقَاتِ وَدَائِمًا.



وَعِبَارَةُ "المُدَاوَمَةِ عَلَى الصَّلَاةِ" تُشِيرُ إِلَى عَدَمِ إِهْمَالِ الصَّلَاةِ، بَلِ المَوَاظَبَةِ عَلَيْهَا بِقَلْبٍ مُسْتَعِدٍّ لِبَرَكَةِ اللهِ وَمَعُونَتِهِ دَائِمًا، وَأَنْ يَكُونَ الإِنْسَانُ مُسْتَعِدًّا لِسُؤَالِ اللهِ عِنْدَ الحَاجَةِ، خَاصَّةً فِي أَزْمِنَةِ التَّجَارِبِ وَالشُّكُوكِ وَالِاضْطِهَادِ. وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ مُوسَى النَّبِيُّ، الَّذِي كَانَ فِي مَوْقِفِ صَلَاةٍ مُتَوَاصِلَةٍ، لِيَنْتَصِرَ شَعْبُهُ عَلَى القَائِدِ عَمَالِيقَ وَجُيُوشِهِ الفَتَّاكَةِ (خُرُوج 17: 12). وَنَادَى بِذَلِكَ بُولُسُ الرَّسُولُ أَيْضًا: "المُدَاوَمَةُ عَلَى الصَّلَاةِ" (2 تَسَالُونِيكِي 1: 11، وَرُومَة 1: 10، وَقُولُسِّي 1: 3). وَتَدُلُّ هَذِهِ العِبَارَةُ عَلَى الصَّلَاةِ الدَّائِمَةِ، بِمَعْنَى أَنْ نَضَعَ طَلِبَاتِنَا أَمَامَ اللهِ، وَنَحْيَا لَهُ يَوْمِيًّا، مُؤْمِنِينَ أَنَّهُ يَسْتَجِيبُ. وَعِنْدَمَا نَحْيَا هَكَذَا، بِالإِيمَانِ، لَنْ نَيْأَسَ أَبَدًا، لِأَنَّنَا نَحْتَاجُ فِي كُلِّ حِينٍ إِلَى اللهِ وَبَرَكَاتِهِ الجَسَدِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ. وَتُعَلِّقُ القِدِّيسَةُ تِيرِيزَا الطِّفْلِ يَسُوعَ وَالوَجْهِ الأَقْدَسِ قَائِلَةً: "الصَّلَاةُ هِيَ انْدِفَاعُ القَلْبِ، وَهِيَ نَظْرَةٌ بَسِيطَةٌ مُلْقَاةٌ نَحْوَ السَّمَاءِ، وَهِيَ صَرْخَةُ امْتِنَانٍ وَمَحَبَّةٍ وَسْطَ المِحْنَةِ كَمَا وَسْطَ الفَرَحِ؛ أَخِيرًا، هِيَ أَمْرٌ كَبِيرٌ وَخَارِقٌ يُوَسِّعُ نَفْسِي وَيَجْعَلُنِي أَتَّحِدُ مَعَ الرَّبِّ يَسُوع"(Ms C. 25) .



يَعودُ لَفْظُ "الصَّلاةِ "إلى جَذْرِه اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الصِّلَةُ، أَيِ العَلاقَةُ الَّتِي تَرْبِطُ طَرَفَيْنِ: اللهَ مِن جَانِبٍ، وَالإنسانَ مِنَ الجانِبِ الآخَرِ. فَالصَّلاةُ لَيْسَتْ مُجرَّدَ كَلِماتٍ تُرْتَجَلُ، بَلْ هِيَ شَرِكَةٌ حَيَّةٌ وَمُقَدَّسَةٌ مَعَ اللهِ، الَّذِي يُريدُ أَنْ يُصْغِيَ إِلَيْنَا وَيُحاوِرَنَا. إِنَّهُ الإِلهُ الخالِقُ الَّذِي أَوْجَدَ العالَمَ مِنَ العَدَمِ، وَيَحْفَظُهُ بِعَيْنِ عِنايَتِهِ، وَيَرْعَى خَلائِقَهُ كُلَّهَا بِحُبٍّ أَبَوِيٍّ لا يَفْتُرُ. وَهُوَ لَيْسَ عَبْدًا لِقَوانِينِ الطَّبِيعَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا، بَلْ يُسَيِّرُهَا بِمَراقَبَتِهِ الإلَهِيَّةِ وَحِكمَتِهِ السَّامِيَةِ، فَهُوَ الرَّبُّ المُسَيطِرُ عَلَى الكَوْنِ كُلِّهِ. َبِقُوَّةِ رُوحِهِ القُدُسِ، يَقْدِرُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ وَأَذْهانِهِم أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَطِيعُ الإِنْسانُ أَنْ يَفْعَلَ فِي حَمْلِ أَقْرانِهِ عَلَى العَمَلِ أَوِ التَّغَيُّرِ. فَالصَّلاةُ، فِي جَوْهَرِهَا، لِقَاءٌ شَخْصِيٌّ مَعَ اللهِ الحَيِّ، تَتَّحِدُ فِيهِ رُوحُ الإِنْسانِ بِرُوحِ اللهِ، فَتُصْبِحُ مَجْرًى لِلنِّعْمَةِ وَوَسِيلَةً لِلتَّحَوُّلِ الدَّاخِلِيِّ. فَالصَّلاةُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ كَلِمَاتٍ نُرَدِّدُهَا، بَلْ هِيَ جِهَادُ الإِيمَانِ، وَلِقَاءُ الحُبِّ بَيْنَ إِنْسَانٍ ضَعِيفٍ وإله قَوِيٍّ، يَنْحَنِي لِيَسْمَعَ أَنَّاتِ القُلُوبِ، وَيُحَوِّلَ صِرَاعَنَا مَعَهُ إِلَى بَرَكَةٍ وَحَيَاةٍ.



أَمَّا عِبَارَةُ "مَلَلٍ" فَتُشِيرُ إِلَى الضَّجَرِ وَالسَّأَمِ وَالابْتِعَادِ عَنِ الصَّلَاةِ، لِشُعُورِ الشَّخْصِ أَنَّ صَلَاتَهُ غَيْرُ مُسْتَجَابَةٍ حَالًا. وَلَكِنَّ الإِيمَانَ الحَقِيقِيَّ يَدْعُونَا إِلَى المُوَاظَبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ، لأَنَّ اللهَ يَسْتَجِيبُ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ. وَفِي هَذَا الصَّدَدِ يَقُولُ بُطْرُسُ الرَّسُولُ: "إِنَّ الرَّبَّ لا يُبْطِئُ فِي إِنْجَازِ وَعْدِهِ، كَمَا اتَّهَمَهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُ يَصْبِرُ عَلَيْكُمْ، لأَنَّهُ لا يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدٌ، بَلْ أَنْ يَبْلُغَ جَمِيعُ النَّاسِ إِلَى التَّوْبَةِ" (2 بُطْرُس 3: 9). وَيُعَلِّقُ الرَّاهِبُ يُوحَنَّا كَاسِيَان قَائِلًا: "يَكْمُنُ كَمَالُ القَلْبِ فِي المُثَابَرَةِ وَالمُوَاظَبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ بِدُونِ انْقِطَاعٍ" (المُحَاضَرَات، رَقْم 9).



أَمَّا عِبَارَةُ "مِنْ غَيْرِ مَلَلٍ"، في الأصلِ اليوناني خ¼ل½´ ل¼گخ³خ؛خ±خ؛خµل؟–خ½، فَتُؤَكِّدُ وُجُوبَ المُدَاوَمَةِ عَلَى الصَّلَاةِ، حَتَّى وَإِنْ بَدَا أَنَّ اللهَ لا يَسْتَجِيبُ حَالًا، لأَنَّهُ يَعْمَلُ بِحِكْمَتِهِ وَفِي الزَّمَانِ الَّذِي يَرَاهُ مُنَاسِبًا. وَتَدْعُونَا هذِهِ العِبَارَةُ أَيْضًا إِلَى الثَّبَاتِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى فِي أَوْقَاتِ التَّعَبِ أَوِ الجَفَافِ الرُّوحِيِّ، وَفِي لَحَظَاتِ الشَّكِّ وَالتَّسَاؤُلِ الَّتِي تَزُورُ حَيَاتَنَا الرُّوحِيَّةَ.



2 قال: كانَ في إِحدى المُدُنِ قاضٍ لا يَخافُ اللهَ ولا يَهابُ النَّاس.



تُشِيرُ عِبَارَةُ "قَاضٍ" إِلَى أَحَدِ القُضَاةِ المَحَلِّيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَجْلِسُونَ عِندَ أَبْوَابِ المَدِينَةِ، حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى: "تُقِيمُ لَكَ قُضَاةً وَكُتَّابًا فِي جَمِيعِ أَبْوَابِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، فَيَقْضُونَ لِلشَّعْبِ بِحُكْمٍ عَادِلٍ" (تَثْنِيَةُ الاِشْتِرَاعِ 16: 18). كَانَ دَوْرُهُم الفَصْلَ فِي المَنَازِعَاتِ وَإِصْدَارَ الأَحْكَامِ بِالعَدْلِ، وَلَكِنَّ القَاضِيَ فِي مَثَلِ يَسُوعَ هُنَا لَيْسَ مِنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ الشَّرِيعَةَ، بَل أَحَدُ القُضَاةِ الَّذِينَ عَيَّنَهُم هِيرُودُس أَوِ الرُّومَانُ لِحَلِّ المَنَازِعَاتِ البَسِيطَةِ. كَانَ لِمَنْزِلَةِ القَاضِي سُلْطَةٌ تُمَكِّنُهُ مِنْ عَمَلِ الخَيْرِ أَوِ الشَّرِّ، فَيَحْكُمُ بِالعَدْلِ أَوْ بِالظُّلْمِ. وَقَدْ هَاجَمَ التَّلْمُودُ القضاة بِشِدَّةٍ بِسَبَبِ جَهْلِهِمْ وَطَمَعِهِمْ، إِذْ كَانُوا يُحَرِّفُونَ أَحْكَامَهُمْ وَيُغَيِّرُونَهَا عَنْ طَرِيقِ التَّلاعُبِ بِالأَلْفَاظِ وَالحُرُوفِ. وَكَانُوا يَتَقَاضَوْنَ أُجُورًا عَالِيَةً مِنْ خِزَانَةِ الْهَيْكَلِ، مِمَّا أَوْقَعَهُمْ فِي سُوءِ السُّمْعَةِ، حَتَّى أَطْلَقَ عَلَيْهِمِ اليَهُودُ اسْمَ "قُضَاةِ السَّرِقَةِ".



أَمَّا عِبَارَةُ "لا أَخَافُ اللهَ" فَتُشِيرُ إِلَى أَحَدِ هَؤُلاءِ القُضَاةِ الفَاسِدِينَ، الَّذِي لا ضَمِيرَ لَهُ وَلا مَبَادِئَ خُلُقِيَّةَ، وَهُوَ قَاضٍ ظَالِمٌ غَيْرُ مُبَالٍ، يَفْعَلُ مَا يَحْلُو لَهُ وَفْقًا لِمَصَالِحِهِ الشَّخْصِيَّةِ، مُعْتَبِرًا نَفْسَهُ الإِلهَ وَالشَّرِيعَةَ وَالقَانُونَ. وَقَدْ دَعَتِ الشَّرِيعَةُ إِلَى أَنْ يَكُونَ القُضَاةُ: "أُنَاسًا مَهَرَةً، أَتْقِيَاءَ للهِ، أَهْلًا لِلثِّقَةِ، يَكْرَهُونَ الكَسْبَ" (خُرُوج 18: 21). لَوْ كَانَ هَذَا القَاضِي يَخَافُ اللهَ، لَمَنَعَهُ ضَمِيرُهُ مِنَ الظُّلْمِ. أَمَّا قَوْلُهُ "لا يَهَابُ النَّاسَ" فَيَدُلُّ عَلَى تَصَلُّبِهِ وَقَسَاوَةِ قَلْبِهِ؛ فَهُوَ لَا يُبَالِي بِالنَّاسِ وَلا بِاحْتِيَاجَاتِهِم، وَلَا يَهْتَمُّ بِسُمْعَتِهِ أَمَامَهُم، فَيُصْدِرُ أَحْكَامًا اسْتِبْدَادِيَّةً بَعِيدَةً عَنِ الحَقِّ وَالعَدْلِ. وَلَوْ كَانَ يَهَابُ النَّاسَ، لاجْتَهَدَ فِي أَدَاءِ وَاجِبِهِ بِإِخْلاصٍ، وَرَبِحَ مَدْحَهُم. إِنَّ فَسَادَ القَضَاءِ كَانَ آفَةً اجْتِمَاعِيَّةً نَدَّدَ بِهَا الأَنْبِيَاءُ وَالحُكَمَاءُ، كَمَا يَقُولُ الكِتَابُ: "هذَا كُلُّهُ رَأَيْتُهُ، وَوَجَّهْتُ قَلْبِي إِلَى كُلِّ عَمَلٍ يُصْنَعُ تَحْتَ الشَّمْسِ، حِينَ يَتَسَلَّطُ الإِنْسَانُ عَلَى إِنْسَانٍ لِضَرَرِهِ" (جَامِعَة 8: 9). وَلَمْ يَزَلْ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ قُضَاةٌ غَيْرُ عَادِلِينَ، وَمُرْشِدُونَ عُمْيَانٌ، وَقَادَةٌ فَاسِدُونَ، وَمُعَلِّمُونَ مُضِلُّونَ، لَا يَخَافُونَ اللهَ وَلا يَهَابُونَ النَّاسَ. إِنَّ مَهَابَةَ النَّاسِ وَمُرَاعَاةَ حُقُوقِهِم تَقْتَرِنُ بِمَخَافَةِ اللهِ. فَإِذَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا، انْتَفَى الآخَرُ.



أَمَّا عِبَارَةُ "النَّاسِ" فَفِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ ل¼„خ½خ¸دپد‰د€خ؟خ½ وَمَعْنَاهَا "الإِنْسَانُ"، أَي الكَائِنُ البَشَرِيُّ فِي عُمُومِهِ أَنَا وَأَنْتَ وَهُوَ وَهِيَ وَنَحْنُ وَهُمْ. فَإِنْ كَانَ فِي تِلْكَ المَدِينَةِ قَاضٍ ظَالِمٌ وَاحِدٌ، فَكَمْ مِنْ قُضَاةٍ طُغَاةٍ يَتَحَكَّمُونَ فِي رِقَابِ النَّاسِ وَحَيَاتِهِم فِي مُدُنِنَا وَعَالَمِنَا اليَوْمَ؟ إِنَّ مَهَابَةَ النَّاسِ وَمُرَاعَاةَ حُقُوقِهِم لا تَنْفَصِلُ عَنْ مَخَافَةِ اللهِ؛ فَإِذَا غَابَتِ الوَاحِدَةُ، غَابَتِ الأُخْرَى، وَحَلَّ مَكَانَهُمَا الفَسَادُ وَالظُّلْمُ.



3 وكانَ في تلك المَدينَةِ أَرمَلَةٌ تَأتيهِ فتَقول: أَنصِفْني من خَصْمي،



تُشِيرُ عِبَارَةُ "أَرْمَلَةٌ" إِلَى امْرَأَةٍ فَقَدَتْ زَوْجَهَا، فَبَقِيَتْ وَحِيدَةً بِلَا سَنَدٍ أَوْ حِمَايَةٍ أَوْ رِعَايَةٍ تُدَافِعُ عَنْهَا وَتَضْمَنُ حُقُوقَهَا، فَصَارَتْ عُرْضَةً لِلطَّمَعِ وَالظُّلْمِ وَالِاسْتِغْلَالِ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الْعُدْوَانِ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ تُجَسِّدُ الأَرْمَلَةُ أَضْعَفَ فِئَاتِ الْمُجْتَمَعِ، وَأَكْثَرَهَا احْتِيَاجًا إِلَى الرَّحْمَةِ وَالدِّفَاعِ، وَتَرْمُزُ إِلَى جَمِيعِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَنْسِيِّينَ الَّذِينَ تُسْلَبُ حُقُوقُهُمْ بِسُهُولَةٍ فِي هَذَا الْعَالَمِ.



وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ ضَعْفِهَا، لَمْ تَسْتَسْلِمْ، بَلْ أَلَحَّتْ الأَرْمَلَةُ عَلَى القَاضِي الظَّالِمِ إِلْحَاحًا مُتَوَاصِلًا، دُونَ أَنْ تَلْجَأَ إِلَى التَّهْدِيدِ أَوْ إِلَى وَاسِطَةٍ بَشَرِيَّةٍ. كَانَتْ تُدَافِعُ عَنْ قَضِيَّتِهَا بِنَفْسِهَا، فَهِيَ تُمَثِّلُ كُلَّ نَفْسٍ عَدِيمَةِ القُوَّةِ، لا سَنَدَ لَهَا، وَمَعَ ذَلِكَ لَهَا خَصْمٌ رَهِيبٌ يُرِيدُ أَنْ يُذِلَّ كِيَانَهَا بِسَبَبِ ضَعْفِهَا. إِنَّهَا ضَحِيَّةُ الظُّلْمِ، فَهِيَ رَمْزٌ لِكُلِّ مَنْ يُعَانِي الظُّلْمَ وَالِاضْطِهَادَ، وَصَوْتُ كُلِّ مَنْ يَتَأَلَّمُ فِي صَمْتٍ. وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يُدَافِعُ عَنْهُ أَوْ يُنْصِفُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ لا يَفْقِدُ الإِيمَانَ بِالحَقِّ وَبِعَدَالَةِ اللهِ. كَانَتِ الأَرَامِلُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ، وَفِي جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ، مَحْرُومَاتٍ مِنْ وَسَائِلِ العَوْنِ وَالدِّفَاعِ، وَأَكْثَرَ النَّاسِ تَعَرُّضًا لِلتَّجَارِبِ وَالضِّيقَاتِ وَهَضْمِ الحُقُوقِ. لِذَلِكَ أَكَّدَ أَنْبِيَاءُ العَهْدِ القَدِيمِ وَرُسُلُ العَهْدِ الجَدِيدِ عَلَى وَاجِبِ العِنَايَةِ بِهِمْ عِنَايَةً خَاصَّةً: "لا تُسِيئُوا إِلَى الأَرْمَلَةِ وَالْيَتِيمِ، فَإِنْ أَسَأْتُمْ إِلَيْهِمَا وَصَرَخَا إِلَيَّ، أَسْمَعُ صَرْخَهُمَا، فَيَحْمَى غَضَبِي عَلَيْكُمْ" (خُرُوج 22: 22–24)." أَكْرِمِ الأَرَامِلَ الَّذِينَ هُنَّ بِالْحَقِّ أَرَامِلُ" (1 تِيمُوثَاوُس 5: 3)."هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَجْرُوا الحُكْمَ وَالبِرَّ، وَأَنْقِذُوا المَسْلُوبَ مِنْ يَدِ الظَّالِمِ، وَلَا تَتَحَامَلُوا عَلَى النَّزِيلِ وَالْيَتِيمِ وَالأَرْمَلَةِ، وَلَا تُعَنِّفُوهُمْ" (إِرْمِيَا 22: 3). هَذِهِ الأَرْمَلَةُ، بِإِلْحَاحِهَا، تُجَسِّدُ قُوَّةَ الإِيمَانِ فِي ضَعْفِ الإِنْسَانِ؛ فَبِالرَّغْمِ مِنْ قِلَّةِ وُسَائِلِهَا، لَمْ تَفْقِدِ الأَمَلَ، بَلْ وُاصَلَتِ الطَّرْقَ عَلَى بَابِ العَدَالَةِ حَتَّى فُتِحَ لَهَا. فَهِيَ تُمَثِّلُ جَمِيعَ الفُقَرَاءِ وَالمَظْلُومِينَ، كُلَّ مَنْ يَحْمِلُ فِي صَمْتِهِ وُجُوعَ العَدَالَةِ وَتَطَلُّعَ الرَّجَاءِ.



أَمَّا عِبَارَةُ "تَأْتِيهِ" فَفِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ ل¼¤دپد‡خµد„خ؟ مَعْنَاهَا: "تَأْتِي مِرَارًا كَثِيرَةً"، وَهِيَ تُشِيرُ إِلَى الإِصْرَارِ وَالمُثَابَرَةِ فِي الطَّلَبِ. فَهِيَ تَأْتِي مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، دُونَ كَلَلٍ أَوْ مَلَلٍ، طَالِبَةً إِنْصَافَهَا، بِرَغْمِ تَجَاهُلِ القَاضِي وَعَدَمِ اسْتِجَابَتِهِ لِطَلَبِهَا. إِنَّ إِصْرَارَ الأَرْمَلَةِ عَلَى مَطَالِبَتِهَا يُجَسِّدُ صِرَاعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ مَعَ الشَّرِّ، وَسَعْيَهُ الدَّائِمَ لِلحُصُولِ عَلَى الحَقِّ. فَمَنْ طَلَبَ الحَقَّ بِإِيمَانٍ، نَالَهُ، لأَنَّ اللهَ لا يُخْذِلُ مَنْ يَطْلُبُ بِثِقَةٍ وَإِلْحَاحٍ.



أَمَّا عِبَارَةُ "أَنصِفْنِي" فَتُشِيرُ إِلَى طَلَبِ الأَرْمَلَةِ مِنَ القَاضِي أَنْ يُنصِفَهَا بِمُقْتَضَى وَظِيفَتِهِ، وَأَنْ يُزِيلَ الظُّلْمَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا مِنْ خَصْمِهَا الَّذِي اعْتَدَى عَلَيْهَا. وَلَمْ يُحَدِّدِ النَّصُّ نَوْعَ القَضِيَّةِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ الاِفْتِرَاضُ أَنَّهَا مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِمِيرَاثِ الزَّوْجِ. فَبِمُوجَبِ الشَّرِيعَةِ، لَمْ تَكُنِ الأَرْمَلَةُ تَرِثُ زَوْجَهَا، لَكِنْ كَانَ يُضْمَنُ لَهَا الحَقُّ فِي الإِعَالَةِ مِنْ مُمْتَلَكَاتِهِ طُولَ فَتْرَةِ تَرَمُّلِهَا. وَيَبْدُو أَنَّ هَذِهِ الأَرْمَلَةَ كَانَتْ تُطَالِبُ بِهَذَا الحَقِّ الَّذِي سُلِبَ مِنْهَا، فَجَاءَتْ إِلَى القَاضِي تَطْلُبُ إِسْتِيفَاءَ حَقِّهَا وَرَفْعَ الظُّلْمِ عَنْهَا. وَتَتَكَرَّرُ كَلِمَةُ "الإِنْصَافِ" فِي النَّصِّ الإِنْجِيلِيِّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ (لوقا 18: 3، 5، 7، 8)، مِمَّا يُؤَكِّدُ أَهَمِّيَّتَهَا المِحْوَرِيَّةَ. فَالأَرْمَلَةُ، ضَحِيَّةُ الظُّلْمِ، تُصِرُّ عَلَى إِحْقَاقِ حَقِّهَا بِإِلْحَاحٍ دُونَ يَأْسٍ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ قَسَاوَةِ قَلْبِ القَاضِي وَعَدَمِ إِنْسَانِيَّتِهِ. وَهَكَذَا يَضْرِبُ يَسُوعُ مَثَلًا لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَوْ خَاطِئٍ، يَدْعُوهُ إِلَى أَنْ يُلِحَّ فِي صَلَاتِهِ بِرَغْمِ شُعُورِهِ بِضَعْفِهِ، وَأَنْ يُؤْمِنَ أَنَّهُ لا قُوَّةَ لَهُ وَلا سَنَدَ سِوَى اللهِ. فَالإِيمَانُ لا يَتَجَلَّى فِي القُوَّةِ، بَلْ فِي الإِصْرَارِ عَلَى الطَّرْقِ عَلَى بَابِ اللهِ حَتَّى يُفْتَحَ.



أَمَّا عِبَارَةُ "خَصْمِي" فَتُشِيرُ إِلَى ظَالِمِهَا، ذَلِكَ الَّذِي لَا يُبَالِي بِحَالَتِهَا، بَلِ اسْتَغَلَّ غِيَابَ زَوْجِهَا لِيَهْضِمَ حَقَّهَا وَيَغْتَصِبَ رِزْقَهَا. وَيُرْمَزُ بِهَذَا الخَصْمِ، عَلَى المَعْنَى الرُّوحِيِّ، إِلَى إِبْلِيسَ وَشَهَوَاتِ الجَسَدِ وَالعَالَمِ، كَمَا يَقُولُ بُولُسُ الرَّسُولُ: "وَلَكِنِّي أَشْعُرُ فِي أَعْضَائِي بِشَرِيعَةٍ أُخْرَى، تُحَارِبُ شَرِيعَةَ عَقْلِي، وَتَجْعَلُنِي أَسِيرًا لِشَرِيعَةِ الخَطِيئَةِ، تِلْكَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي فِي أَعْضَائِي" (رُومَة 7: 23). فَكَمَا كَانَ فِي تِلْكَ المَدِينَةِ أَرْمَلَةٌ وَاحِدَةٌ لَهَا خَصْمٌ وَاحِدٌ ظَلَمَهَا وَهَضَمَ حَقَّهَا وَحَقَّ أَوْلَادِهَا الأَيْتَامِ، كَذَلِكَ فِي مُدُنِنَا وَقُرَانَا الْيَوْمَ كَمْ مِنْ أَرَامِلَ وَأَيْتَامٍ مَحْرُومِينَ مِنْ أَدْنَى مُقَوِّمَاتِ الحَيَاةِ وَالعَدَالَةِ!إِنَّ هَذِهِ الأَرْمَلَةَ تُجَسِّدُ صَوْتَ المَظْلُومِينَ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَصَبْرَ المُتَأَلِّمِينَ الَّذِينَ لا يَفْقِدُونَ الأَمَلَ فِي اللهِ، وَيُثَابِرُونَ عَلَى طَلَبِ الحَقِّ حَتَّى يَتَجَلَّى وَعْدُ اللهِ بِالْعَدْلِ وَالخَلاصِ.



4 فأَبى علَيها ذلِكَ مُدَّةً طَويلة، ثُمَّ قالَ في نَفْسِه:
أَنا لا أَخافُ اللهَ ولا أَهابُ النَّاس،



تُشِيرُ عِبَارَةُ "مُدَّةً طَوِيلَةً" إِلَى التَّأَخُّرِ وَالتَّمَهُّلِ، إِذْ كَانَ القَاضِي يُمَاطِلُ الأَرْمَلَةَ وَيُسَدُّ أُذُنَيْهِ عَنْ صُرَاخِهَا، وَيُغْلِقُ قَلْبَهُ عَنْ كُلِّ شَفَقَةٍ أَوْ تَعَاطُفٍ. لَمْ يَتَأَثَّرْ بِمَعَانَاتِهَا، وَلَمْ يَنْتَبِهْ ضَمِيرُهُ إِلَى وَاجِبِ إِنْصَافِهَا. بَلْ أَبَى أَنْ يَنْظُرَ فِي قَضِيَّتِهَا، وَتَصَامَمَ عَنْ صَوْتِ العَدَالَةِ فِي دَاخِلِهِ. وَتُصَوِّرُ هَذِهِ العِبَارَةُ الْقَسَاوَةَ البَشَرِيَّةَ الَّتِي تُؤَخِّرُ ظُهُورَ الحَقِّ، كَمَا تُظْهِرُ مِقْيَاسَ صَبْرِ الأَرْمَلَةِ وَإِصْرَارِهَا. فَإِنَّ اللهَ، عَلَى عَكْسِ هَذَا القَاضِي، لا يُمَاطِلُ فِي الإِنْصَافِ، بَلْ يَسْمَعُ أَنَّاتِ المُتَأَلِّمِينَ فِي الوَقْتِ المَنَاسِبِ وَبِحِكْمَتِهِ الإِلَهِيَّةِ.



أَمَّا عِبَارَةُ "قَالَ فِي نَفْسِهِ" فَتُشِيرُ إِلَى الحِوَارِ الدَّاخِلِيِّ الَّذِي يُعَبِّرُ بِهِ القَاضِي عَنْ فِكْرِهِ وَمَوْقِفِهِ، كَمَا فِي بَعْضِ أَمْثَالِ يَسُوعَ الأُخْرَى، مِثْلَ: مَثَلِ الغَنِيِّ الجَاهِلِ (لوقا 12: 16–20)، وَمَثَلِ الاِبْنِ الضَّالِّ (لوقا 15: 17، وَمَثَلِ الوَكِيلِ الخَائِنِ (لوقا 16: 3). فَهُنَاكَ، كَمَا هُنَا، يَسْمَحُ يَسُوعُ لِلشَّخْصِيَّةِ أَنْ تُفَكِّرَ بِنَفْسِهَا وَتُعَبِّرَ عَنْ مَوْقِفِهَا الدَّاخِلِيِّ، لِيُكْشَفَ مَا فِي القَلْبِ مِنْ نِيَّةٍ وَقَنَاعَةٍ.



أَمَّا قَوْلُهُ: "أَنَا لا أَخَافُ اللهَ وَلا أَهَابُ النَّاسَ"، فَيُشَكِّلُ تَعْرِيفًا لِذَاتِهِ بِأُسْلُوبِ المُونُولُوج، أَيْ الحِوَارِ الدَّاخِلِيِّ مَعَ نَفْسِهِ وَضَمِيرِهِ. وَيُظْهِرُ هَذَا التَّعْبِيرُ عُرْيَ القَلْبِ الأَخْلاقِيَّ وَانْعِدَامَ الوَازِعِ الدِّينِيِّ فِي نَفْسِ القَاضِي، الَّذِي يَفْتَخِرُ بِعَدَمِ مَخَافَتِهِ للهِ وَبِتَجَرُّدِهِ مِنْ الإِنْسَانِيَّةِ. وَيَرْسُمُ الإِنْجِيلُ فِي هَذِهِ العِبَارَةِ صُورَةَ الإِنْسَانِ الَّذِي يَسْقُطُ فِي غُرُورِ السُّلْطَةِ، فَيُصْبِحُ إِلَهًا لِنَفْسِهِ، وَيُقِيمُ نَفْسَهُ مِيزَانًا لِلحَقِّ وَالْعَدْلِ. لَكِنَّهُ فِي الحَقِيقَةِ مَسْجُونٌ فِي أَسْرِ أَنَانِيَّتِهِ، وَمَحْرُومٌ مِنْ نُورِ الحَقِّ الإِلَهِيِّ.



5 لكِنَّ هذِه الأَرمَلَةٌ تُزعِجُني، فسَأُنصِفُها لِئَلاَّ تَظَلَّ تَأتي وتَصدَعَ رَأسي.



تُشِيرُ عِبَارَةُ "تُزْعِجُنِي" إِلَى مُضَايَقَةِ القَاضِي وَإِقْلَاقِ رَاحَتِهِ بِطَلَبَاتِ الأَرْمَلَةِ المُتَكَرِّرَةِ. وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا القَاضِي لَيْسَ مِنَ القُضَاةِ الرَّسْمِيِّينَ الَّذِينَ كَانَ لَهُم مَوَاعِيدُ مُحَدَّدَةٌ، بَلْ مِنَ القُضَاةِ المَحَلِّيِّينَ الَّذِينَ كَانَ الإِنْسَانُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْهِم فِي أَيِّ وَقْتٍ طِوَالَ النَّهَارِ. فَالأَرْمَلَةُ كَانَتْ تُلِحُّ عَلَيْهِ دُونَ انْقِطَاعٍ، حَتَّى ضَاقَ صَدْرُهُ بِهَا. هَذَا القَاضِي الَّذِي يَبْدُو حَصِينًا لَا يُقْهَرُ، لَهُ نُقْطَةُ ضَعْفٍ خَفِيَّةٌ، وَهِيَ إِصْرَارُ هَذِهِ الأَرْمَلَةِ الَّتِي تَسْتَطِيعُ بِإِيمَانِهَا وَمُثَابَرَتِهَا أَنْ تَكْتَشِفَهَا وَتَنْتَفِعَ مِنْهَا حَتَّى تَنَالَ العَدَالَةَ الَّتِي تَسْتَحِقُّهَا. فَضَعْفُ القَاضِي أَمَامَ مُثَابَرَةِ الأَرْمَلَةِ يُجَسِّدُ قُوَّةَ الإِيمَانِ الَّذِي يَغْلِبُ كُلَّ مَا يَبْدُو غَيْرَ قَابِلٍ للغَلَبةِ.



أَمَّا عِبَارَةُ "فَسَأُنْصِفُهَا" فَتُشِيرُ إِلَى اتِّخَاذِ القَاضِي قَرَارَهُ بِإِنْصَافِ الأَرْمَلَةِ، لَكِنْ لَيْسَ بِدَافِعِ الحُبِّ لِلعَدْلِ، أَوْ وَفْقًا لِصَوْتِ ضَمِيرِهِ، أَوْ تَعَاطُفًا مَعَ ضَعْفِهَا، بَلْ رَغْبَةً فِي التَّخَلُّصِ مِنْ إِلْحَاحِهَا الَّذِي أَزْعَجَهُ وَأَقْلَقَ رَاحَتَهُ. فَقَدْ أَصَابَهُ الإِلْحَاحُ بِمَا يُشْبِهُ الصُّدَاعَ النَّفْسِيَّ، فَأَرَادَ أَنْ يَرْتَاحَ مِنْهَا، فَأَنْصَفَهَا لِغَايَةٍ أَنَانِيَّةٍ بَحْتَةٍ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ إِلْحَاحَ الأَرْمَلَةِ أَصَابَ هَدَفَهُ: فَقَدْ نَالَتْ مَا أَرَادَتْ، لأَنَّهَا أَصَرَّتْ وَصَبَرَتْ فَانْتَصَرَتْ. وَيُعَلِّقُ البَابَا فِرَنسِيس قَائِلًا: "إِنَّ سِلَاحَ الأَرْمَلَةِ الوَحِيدَ هُوَ الإِصْرَارُ عَلَى إِزْعَاجِ القَاضِي، سَائِلَةً إِيَّاهُ أَنْ يُنْصِفَهَا، وَبِهَذِهِ المُثَابَرَةِ حَقَّقَتْ مَأْرَبَهَا."إِنَّ القَاضِي يَمْلِكُ قُوَّةَ القَضَاءِ، لَكِنَّهُ لا يَمْلِكُ قُوَّةَ الحَقِّ. أَمَّا الأَرْمَلَةُ، فَقَدْ مَلَكَتْ قُوَّةَ الإِصْرَارِ وَالإِيمَانِ، فَصَبَرَتْ وَصَرَخَتْ حَتَّى نَالَتْ. وَصَدَقَ القَوْلُ المَأْثُورُ: "لَا يَضِيعُ حَقٌّ وَرَاءَهُ مُطَالِبٌ." الصَّلاةُ الحَقَّةُ هِيَ الَّتِي تَخْتَرِقُ قَلْبَ اللهِ، وَتَتَطَلَّبُ صِرَاعًا رُوحِيًّا مُقَدَّسًا مَعَهُ، وَإِصْرَارًا لا يَفْتُرُ، وَاسْتِمْرَارًا دُونَ مَلَلٍ فِي تَقْدِيمِ طَلِبَاتِنَا أَمَامَهُ.



أَمَّا عِبَارَةُ "تَصْدَعَ رَأْسِي" فَفِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ ل½‘د€د‰د€خ¹ل½±خ¶ل؟ƒ مَعْنَاهَا "تُقْمِعُنِي" أَوْ "تَضْرِبُنِي تَحْتَ العَيْنِ"، وَهِيَ كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُبَارَزَاتِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الضَّرْبِ بِقَبْضَةِ اليَدِ. وَاسْتَعْمَلَهَا بُولُسُ الرَّسُولُ فِي قَوْلِهِ" أُقَمِّعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ" (1 قُورِنْتُس 9: 27). وَالمَعْنَى فِي المَثَلِ مَجَازِيٌّ تَشْبِيهِيٌّ، كَأَنَّ القَاضِي يَقُولُ: "لِئَلَّا تَأْتِيَ إِلَيَّ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ بِتَوَسُّلاتِهَا، فَتُتْعِبَنِي كَمَنْ يُقْمَعُ." وَإِنْ كَانَ إِلْحَاحُ الأَرْمَلَةِ قَدْ أَحَنَّ قَلْبًا قَاسِيًا، فَكَمْ بِالأَوْلَى يَسْتَعْطِفُ إِلْحَاحُنَا قَلْبَ اللهِ كُلِّيَّ الحَنَانِ! إِنَّ لِسَانَ حَالِ الأَرْمَلَةِ يُرَدِّدُ كَلِمَاتِ صَاحِبِ المَزَامِيرِ: "فِي ضِيقِي الرَّبَّ دَعَوْتُ، وَإِلَى إِلَهِي صَرَخْتُ، فَسَمِعَ صَوْتِي مِنْ هَيْكَلِهِ، وَبَلَغَ صُرَاخِي إِلَى مَسَامِعِهِ" (مَزْمُور 18: 7). وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ أُوغْرِيس قَائِلًا: "إِنْ لَمْ تَنَلْ مَوْهِبَةَ الصَّلَاةِ أَوِ التَّسْبِيحِ، فَكُنْ لَجُوجًا فَتَنَلْ. لَا تَمِلْ مِنَ الاِنْتِظَارِ، وَلَا تَيْأَسْ مِنْ عَدَمِ نَوَالِكَ، لأَنَّكَ سَتَنَالُ فِيمَا بَعْدُ." إِنَّ مَحَبَّةَ اللهِ لَنَا عَمِيقَةٌ إِلَى حَدٍّ يَجْعَلُ قَلْبَهُ الإِلَهِيَّ يَنْفَتِحُ لِصَلَاتِنَا الصَّادِقَةِ، وَيَتَأَثَّرُ بِدُعَائِنَا النَّابِعِ مِنْ إِيمَانٍ حَيٍّ وَثِقَةٍ بِقُوَّتِهِ وَحُضُورِهِ.



6 ثّمَّ قالَ الرَّبّ: اِسمَعوا ما قالَ القاضي الظَّالِم.



تُشِيرُ عِبَارَةُ "الرَّبِّ" فِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ ل½پ خ؛ل½»دپخ¹خ؟د‚، وَمَعْنَاهَا السَّيِّدُ، إِلَى يَسُوعَ (لوقا 7: 13). وَيُطْلِقُ الإِنْجِيلِيُّ لُوقَا هَذَا اللَّقَبَ عَلَى يَسُوعَ نَحْوَ عِشْرِينَ مَرَّةً، لِلدَّلَالَةِ عَلَى مُلْكِهِ الخَفِيِّ وَسُلْطَانِهِ الإِلَهِيِّ. وَفِي العَهْدِ الجَدِيدِ، لَا يُطْلَقُ هَذَا الاِسْمُ عَلَى الآبِ السَّمَاوِيِّ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا عَلَى يَسُوعَ نَفْسِهِ، فَاعْتَرَفَتْ بِهِ الكَنِيسَةُ إِلَهًا وَرَبًّا. كَمَا جَاءَ فِي تَعْلِيمِ بُولُسَ الرَّسُولِ: "لَمْ يَعْرِفْ حِكْمَتَهُ أَحَدٌ مِنْ رُؤَسَاءِ هذِهِ الدُّنْيَا، وَلَوْ عَرَفُوهَا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ المَجْدِ" (1 قُورِنْتُس 2: 8). وَيُطَبِّقُ لُوقَا الإِنْجِيلِيُّ المَثَلَ فَيُقَابِلُ بَيْنَ اللهِ الرَّحِيمِ وَالقَاضِي الظَّالِمِ. وَمِنَ الوَاضِحِ أَنَّ يَسُوعَ لَا يَحُثُّ تَلَامِيذَهُ عَلَى تَقْلِيدِ الظُّلْمِ، بَلْ يُبَيِّنُ مُنْطِقَ المُفَارَقَةِ: إِذَا كَانَ القَاضِي الظَّالِمُ، بِرَغْمِ قَسَاوَتِهِ، قَدْ أَنْصَفَ الأَرْمَلَةَ لِإِلْحَاحِهَا، فَكَمْ بِالأَحْرَى اللهُ – الإِلَهُ العَادِلُ الرَّحِيمُ – يَسْتَجِيبُ لِمُخْتَارِيهِ الَّذِينَ يَصْرُخُونَ إِلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا! إِنَّ لُوقَا شَبَّهَ اللهَ بِالقَاضِي الظَّالِمِ، لَكِنَّهُ نَفَى عَنْ اللهِ الظُّلْمَ، وَأَظْهَرَ فِيهِ اسْتِعْدَادَهُ الدَّائِمَ لإِنْصَافِ المُتَأَلِّمِينَ وَمَنْحِ الرَّحْمَةِ لِمُخْتَارِيهِ. وَهَذَا التَّشْبِيهُ يُقْصَدُ بِهِ إِثَارَةُ خَيَالِ السَّامِعِينَ وَتَحْرِيكُ قُلُوبِهِمْ نَحْوَ الثِّقَةِ بِاللهِ، فَكَأَنَّ يَسُوعَ يَقُولُ لَهُمْ إِذَا كَانَ القَاضِي الظَّالِمُ، بِرَغْمِ جَفَافِ قَلْبِهِ، قَدْ أَجَابَ طَلَبَ الأَرْمَلَةِ، فَكَمْ بِالأَوْلَى اللهُ العَادِلُ الشَّفِيقُ يَسْمَعُ لِمَنْ يَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ! وَيُؤَكِّدُ المَزْمُورُ هَذِهِ الحَقِيقَةَ: "أَبُو اليَتَامَى وَمُنْصِفُ الأَرَامِلِ هُوَ اللهُ فِي مَسْكَنِ قُدْسِهِ" (مَزْمُور 68: 5). فَاللهُ يَعْنَى بِالمَظْلُومِينَ وَالأَرَامِلِ وَيَحْمِي الَّذِينَ لَا مُعِينَ لَهُمْ. وَهُوَ عَلَى نَقِيضِ القَاضِي الظَّالِمِ، يَسْمَعُ صَرَاخَ المُتَضَرِّعِينَ وَيُبَادِرُ إِلَى إِنْصَافِهِمْ بِحُبٍّ وَحَنَانٍ.



أَمَّا عِبَارَةُ "اِسْمَعُوا مَا قَالَ القَاضِي الظَّالِمُ"، فَتُشِيرُ إِلَى دَعْوَةِ يَسُوعَ لِلانْتِبَاهِ إِلَى مَا يَسْتَنْتِجُهُ مِنَ المَثَلِ. وَالأَرْجَحُ أَنَّ القَاضِي لَمْ يَنْطِقْ بِهذِهِ الكَلِمَاتِ صَرَاحَةً، بَلْ اللهُ الَّذِي يَعْلَمُ الأَفْكَارَ أَعْلَنَهَا لِيُظْهِرَ فِيهَا دَرْسًا لِلتَّعْلِيمِ وَالإِيمَانِ.



7 أَفما يُنصِفُ اللهُ مُختاريهِ الَّذينَ يُنادونه
نهاراً ولَيلاً وهو يَتَمهَّلُ في أَمرِهم؟



تُشِيرُ عِبَارَةُ "أَفَما يُنصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ" إِلَى أُسْلُوبٍ تَفْسِيرِيٍّ قِيَاسِيٍّ بِالْمُفَارَقَةِ، حَيْثُ يُشَبَّهُ اللهُ بِقَاضٍ لَيْسَ عِنْدَهُ عَدْلٌ (كَمَا فِي مَثَلِ الوَكِيلِ الظَّالِمِ، لوقا 16: 1)، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ أُسْلُوبِ "كَمْ بِالأَحْرَى" أَوْ "بِالأَوْلَى"، وَهُوَ أُسْلُوبٌ عِبْرِيٌّ شَائِعٌ فِي كِتَابَاتِ الرَّبِّيِّينَ اليَهُودِ، يُسَمُّونَهُ "مِنَ الخَفِيفِ إِلَى الثَّقِيلِ"، أَيْ الاِسْتِدْلَالُ مِنَ الأَصْغَرِ إِلَى الأَكْبَرِ. فَالمَعْنَى: إِذَا كَانَ الأَمْرُ كَذَا فِي الحَالِ الأَدْنَى، فَكَمْ بِالأَحْرَى فِي الحَالِ الأَسْمَى. وَقَدِ اسْتُخْدِمَ هَذَا الأُسْلُوبُ مِرَارًا فِي الشَّرِيعَةِ وَالأَسْفَارِ المُقَدَّسَةِ (َكْوِين 42: 8، خُرُوج 6: 9، العَدَد 12: 14). وَبِذَلِكَ يُرِيدُ يَسُوعُ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ حَاشَا للهِ أَنْ يُشْبِهَ القَاضِيَ الظَّالِمَ فِي صِفَاتِهِ وَمَبَادِئِهِ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَعْمِلُ المَقَارَنَةَ لِيُظْهِرَ تَفَاوُتَ العَدْلِ الإِلَهِيِّ عَنِ البَشَرِيِّ. فَإِنْ كَانَ ذَاكَ القَاضِي الظَّالِمُ قَدْ أَنْصَفَ الأَرْمَلَةَ بِسَبَبِ إِلْحَاحِهَا، فَكَمْ بِالأَحْرَى اللهُ العَادِلُ الرَّحِيمُ يُنْصِفُ مُؤْمِنِيهِ الَّذِينَ يَدْعُونَهُ بِإِيمَانٍ وَثِقَةٍ! بِعِبَارَةٍ أُخْرَى، إِنْ كَانَ ذَلِكَ حَالَ قَاضٍ ظَالِمٍ مَعَ أَرْمَلَةٍ ضَعِيفَةٍ، أَفَلَا يُنصِفُ اللهُ الكُلِّيَّ العَدْلِ مُخْتَارِيهِ الَّذِينَ يَصْرُخُونَ إِلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا؟ وَيَتَرَدَّدُ هَذَا المَعْنَى فِي المَزَامِيرِ: "اللَّهُمَّ أَنْصِفْنِي، وَدَافِعْ عَنْ قَضِيَّتِي مَعَ قَوْمٍ غَيْرِ أَصْفِيَاءَ، وَمِنْ صَاحِبِ الكَيْدِ وَالإِثْمِ نَجِّنِي" (مَزْمُور 43: 1). بِخِلَافِ القَاضِي البَشَرِيِّ، يُعْطِينَا الآبُ السَّمَاوِيُّ العَطَايَا الصَّالِحَةَ عَنْ طِيبَةِ قَلْبٍ، لا عَنْ ضِيقٍ أَوْ إِلْحَاحٍ. فَنَحْنُ أَبْنَاؤُهُ، وَهُوَ يَسْمَعُ لَنَا بِحُبٍّ وَيُجِيبُنَا بِمَسَرَّةٍ، كَمَا قَالَ يَسُوعُ: "فَإِذَا كُنْتُمْ أَنْتُمْ – وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ – تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا العَطَايَا الصَّالِحَةَ لأَبْنَائِكُمْ، فَكَمْ بِالأَوْلَى أَبَاكُمُ السَّمَاوِيُّ يُعْطِي الرُّوحَ القُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ" (لوقا 11: 9–11). فَالآبُ السَّمَاوِيُّ لا يَسْتَجِيبُ لِيَتَخَلَّصَ مِنَّا كَمَا فَعَلَ القَاضِي الظَّالِمُ، بَلْ يَسْتَجِيبُ لِكَيْ يَبْقَى مَعَنَا، لأَنَّهُ يَشْفِقُ عَلَى آلاَمِنَا وَيَسْمَعُ صَلَاتَنَا الَّتِي تُعَبِّرُ عَنْ حَاجَتِنَا إِلَى حُضُورِهِ الدَّائِمِ. وَهَكَذَا يَنْتَقِلُ لُوقَا الإِنْجِيلِيُّ مِنْ صُورَةِ قَاضِي الظُّلْمِ إِلَى سُلُوكِ اللهِ العَادِلِ، كَمَا فَعَلَ فِي مَثَلِ الوَكِيلِ غَيْرِ الأَمِينِ (لوقا 16: 1–13)، حَيْثُ يُبَيِّنُ التَّقَابُلَ بَيْنَ طَبِيعَةِ الإِنْسَانِ وَرَحْمَةِ اللهِ.



أَمَّا عِبَارَةُ "يُنصِفُ اللهُ"، فَلَا تَدُلُّ عَلَى مُجَرَّدِ حَلِّ المَشَاكِلِ أَوْ مُعَاقَبَةِ الأَشْرَارِ أَوْ إِعْطَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَسْتَحِقُّهُ، بَلْ تُشِيرُ إِلَى َعَمَلِ رَحْمَةٍ وَخَلاصٍ، لَا كَفِعْلِ دَيْنُونَةٍ أَوِ انْتِقَامٍ، إِذْ يَسْتَجِيبُ اللهُ لِصَرْخَةِ المُؤمِنِ الَّذِي يُثَابِرُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الإِيمَانِ، فَيَكْتَشِفُ أَنَّ إِنْصَافَ اللهِ له بَتَجْدِيد قَلْبِهِ بِالنِّعْمَةِ، لَا مُجَرَّدُ تَغْيِيرِ ظُرُوفِهِ الخَارِجِيَّةِ.



أَمَّا عِبَارَةُ "مُخْتَارِيهِ" فَتُشِيرُ إِلَى لَقَبٍ لاهُوتِيٍّ عَمِيقٍ يَدُلُّ عَلَى عِنَايَةِ اللهِ بِشَعْبِهِ، الَّذِي "اخْتَارَهُ قَبْلَ إِنْشَاءِ العَالَمِ لِيَكُونَ فِي نَظَرِهِ قِدِّيسًا بِلَا عَيْبٍ فِي المَحَبَّةِ" (أُفَسُس 1: 4). فَالِاخْتِيَارُ الإِلَهِيُّ هُوَ دَلِيلُ الحُبِّ الأَزَلِيِّ الَّذِي يَحْمِلُهُ اللهُ لِأَبْنَائِهِ.

أَمَّا عِبَارَةُ "يُنَادُونَهُ نَهَارًا وَلَيْلًا" فَتُشِيرُ إِلَى المُوَاظَبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصُّرَاخِ الدَّائِمِ نَحْوَ اللهِ. فَالصَّلَاةُ - كَمَا يَقُولُ جُبْرَان خَلِيل جُبْرَان — "نَافِذَةٌ مَفْتُوحَةٌ نَحْوَ اللهِ مِنَ الفَجْرِ إِلَى الفَجْرِ". إِنَّهَا نَفَسُ الحَيَاةِ الرُّوحِيَّةِ، وَسِرُّ الثَّبَاتِ فِي الإِيمَانِ. وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ يُوحَنَّا الذَّهَبِيُّ الفَم قَائِلًا: "إِنَّهُ تَعَالَى لَنْ يَبْخَلَ قَطُّ بِبَرَكَاتِهِ عَلَى مَنْ يُصَلِّي، لَكِنَّهُ بِرَحْمَتِهِ يَحُثُّ البَشَرَ عَلَى أَلَّا يَمَلُّوا فِي الصَّلَاةِ " يَدْعُونَا يَسُوعُ أَنْ نَحْيَا فِي مَوْقِفٍ مِنَ التَّوَقُّعِ الثَّابِتِ وَالثِّقَةِ المُسْتَمِرَّةِ، وَأَنْ نَعِيشَ بِعَوْزٍ وَاتِّكَالٍ عَلَى اللهِ، وَوُقُوفٍ دَائِمٍ أَمَامَهُ فِي إِيمَانٍ مُلِحٍّ. فَالإِلْحَاحُ الَّذِي يَطْلُبُهُ الرَّبُّ مِنَّا لَيْسَ إِعَادَةَ الطَّلَبِ بِالكَلِمَاتِ، بَلْ المُثَابَرَةَ فِي الثِّقَةِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ. وَهَذِهِ الصَّلَاةُ الدَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تُثَبِّتُنَا فِي تَجَارِبِ الحَيَاةِ وَتُبْقِينَا فِي حَالَةِ انْتِظَارٍ لِمَجِيءِ الرَّبِّ وَمَلَكُوتِ اللهِ.



أَمَّا عِبَارَةُ "يَتَمَهَّلُ فِي أَمْرِهِم؟" فَتُشِيرُ إِلَى تَأْخِيرٍ ظَاهِرٍ فِي الاِسْتِجَابَةِ، وَلَكِنَّهُ تَأْخِيرٌ نَابِعٌ مِنَ الحِكْمَةِ وَالمَحَبَّةِ، لا مِنَ الكَرَاهِيَةِ أَوِ الإِهْمَالِ. فَاللهُ لا يُمْهِلُ لِأَنَّهُ غَافِلٌ، بَلْ لِكَيْ يَبْقَى مَعَنَا وَيَسْمَعَ لَنَا، وَلِيُثْبِتَ قُلُوبَنَا فِي الإِيمَانِ وَالصَّبْرِ. وَيَنْبَغِي أَلَّا نَخْلِطَ بَيْنَ التَّأْخِيرِ وَالتَّجَاهُلِ، وَبَيْنَ الإِمْهَالِ وَالإِهْمَالِ، فَـ"اللهُ يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ". نَعَمْ! رَبُّ العَالَمِينَ لَا يُهْمِلُ أَحَدًا، وَلَا يَحْنَثُ فِي وَعْدِهِ، وَلَا يَتَخَلَّى عَنِ المَظْلُومِينَ، بَلْ هُوَ "طَوِيلُ الأَنَاةِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ لِمُحِبِّيهِ وَحَافِظِي وَصَايَاهُ" كَمَا جَاءَ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ دَانِيَال: "أَيُّهَا السَّيِّدُ الإِلَهُ العَظِيمُ الرَّهِيبُ، حَافِظُ العَهْدِ وَالرَّحْمَةِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَكَ وَيَحْفَظُونَ وَصَايَاكَ" (دَانِيَال 9: 4). وَبِخِلَافِ القَاضِي غَيْرِ الأَمِينِ، يَسْتَجِيبُ اللهُ لِأَبْنَائِهِ بِسُرْعَةٍ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِالطُّرُقِ الَّتِي نُرِيدُهَا نَحْنُ. فِي حِينِ نَنْتَظِرُ اسْتِجَابَةً مَحْدُودَةً، يُعْطِينَا اللهُ أَكْثَرَ مِمَّا طَلَبْنَا وَفَاقَ كُلَّ مَا نَظُنُّ، كَمَا جَاءَ فِي تَعْلِيمِ بُولُسَ الرَّسُولِ:"ذَاكَ الَّذِي يَسْتَطِيعُ، بِقُوَّتِهِ العَامِلَةِ فِينَا، أَنْ يَبْلُغَ مَا يَفُوقُ كَثِيرًا كُلَّ مَا نَسْأَلُهُ أَوْ نَتَصَوَّرُهُ" (أُفَسُس 3: 20). إِنَّ الإِنْسَانَ يَتَوَهَّمُ أَنَّ اللهَ مُتَمَهِّلٌ لِكَوْنِهِ يُطِيلُ أَنَاتَهُ وَصَبْرَهُ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّمَهُّلَ هُوَ فُرْصَةٌ لِلتَّوْبَةِ وَنُمُوِّ الإِيمَانِ. وَقَدْ سَأَلَ النَّبِيُّ زَكَرِيَّا بِمَسْحَةٍ مِنَ الأَلَمِ: "يَا رَبَّ القُوَّاتِ، إِلَى مَتَى لَا تَرْحَمُ أُورَشَلِيمَ وَمُدُنَ يَهُوذَا الَّتِي غَضِبْتَ عَلَيْهَا هذِهِ السَّبْعِينَ سَنَةً؟" (زَكَرِيَّا 1: 12). وَيُجِيبُ بُطْرُسُ الرَّسُولُ بِإِيمَانٍ: "إِنَّ الرَّبَّ لَا يُبْطِئُ فِي إِنْجَازِ وَعْدِهِ، كَمَا اتَّهَمَهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُ يَصْبِرُ عَلَيْكُمْ، لِأَنَّهُ لَا يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدٌ، بَلْ أَنْ يَبْلُغَ جَمِيعُ النَّاسِ إِلَى التَّوْبَةِ" (2 بُطْرُس 3: 9). إِنَّ يَسُوعَ يُنَبِّئُ هُنَا بِدَيْنُونَةٍ عَاجِلَةٍ، وَلا شَكَّ أَنَّ لُوقَا يُفَكِّرُ فِي دَيْنُونَةٍ غَيْرِ مُنْتَظَرَةٍ وَفِي مُسْتَقْبَلٍ غَيْرِ مُحَدَّدٍ (لوقا 17: 22–32).



أَمَّا عِبَارَةُ "أَمْرِهِم" فَتُشِيرُ إِلَى الْمُخْتَارِينَ أَوْ إِلَى مُضَايِقِيهِم، وَالمَعْنَى أَنَّ اللهَ — وَلَوْ كَانَ كَقَاضِي الظُّلْمِ — لَسَمِعَ الصَّلَاةَ، فَكَمْ بِالأَوْلَى وَهُوَ الإِلَهُ العَادِلُ الرَّحِيمُ يَسْمَعُ وَيَسْتَجِيبُ لِصَرَخَاتِ أَبْنَائِهِ؟ وَيُؤَكِّدُ سِفْرُ الرُّؤْيَا هَذَا البُعْدَ الرُّوحِيَّ قَائِلًا: "فَصَاحُوا بِأَعْلَى أَصْوَاتِهِمْ: حَتَّامَ، يَا أَيُّهَا السَّيِّدُ القُدُّوسُ الحَقُّ، تُؤَخِّرُ الإِنْصَافَ وَالاِنْتِقَامَ لِدِمَائِنَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ!" (رُؤْيَا 6: 10) يَدْعُونَا يَسُوعُ مِنْ خِلَالِ هذَا المَثَلِ أَنْ نَكْتَشِفَ قُدْرَةَ الإِنْصَافِ الإِلَهِيِّ، الَّذِي بِهِ يُكَلِّلُ الرَّبُّ صِرَاعَاتِنَا، وَيُرَافِقُ حَيَاتَنَا، مُعْلِنًا أَنَّهُ القَاضِيَ العَادِلَ وَالحَاكِمَ الرَّحِيمَ الَّذِي يَسْمَعُ وَيَسْتَجِيبُ فِي الزَّمَانِ المُلَائِمِ.



8 أَقولُ لَكم: إِنَّه يُسرِعُ إلى إِنصافِهم.
ولكِن، متى جاءَ ابنُ الإنسان، أَفَتُراه يَجِدُ الإِيمانَ على الأَرض؟


تُشِيرُ عِبَارَةُ "أَقولُ لَكم" إِلَى تَأكِيدٍ قَاطِعٍ يَرْفَعُ كُلَّ شَكٍّ فِيمَا يُصَرِّحُ بِهِ يَسُوعُ، فَهُوَ يُقَدِّمُ خُلَاصَةَ المَثَلِ بِكَلِمَةٍ مَملُوءَةٍ سُلْطَانًا إِلَهِيًّا.



أَمَّا عِبَارَةُ "يُسْرِعُ إِلَى إِنْصَافِهِم" فَتُشِيرُ إِلَى تَدَخُّلِ اللهِ الفَعَّالِ فِي حَيَاةِ مُخْتَارِيهِ لِمَنْحِهِمُ الخَلاصَ وَالعَدْلَ. فَاللهُ لَا يُهِمِلُ ضَعِيفًا، وَلَا يَتَخَلَّى عَن مَظْلُومٍ. وَالدَّيْنُونَةُ فِي نَظَرِ المَسِيحِ عَاجِلَةٌ وَحَاضِرَةٌ، كَمَا قَالَ:"الحَقَّ أَقُولُ لَكُم، إِنَّ فِي جُمْلَةِ الحَاضِرِينَ ههُنَا مَنْ لا يَذُوقُونَ المَوْتَ حَتَّى يُشَاهِدُوا مَلَكُوتَ اللهِ آتِيًا بِقُوَّةٍ" (مَرْقُس 9: 1).وَلَكِنَّ لُوقَا الإِنْجِيلِيَّ يَتَحَدَّثُ عَن دَيْنُونَةٍ غَيْرِ مُنْتَظَرَةٍ وَفِي زَمَنٍ غَيْرِ مُحَدَّدٍ، إِذْ يَتَدَخَّلُ اللهُ فِي وَقْتِهِ وَطَرِيقَتِهِ لِيُنْصِفَ مُخْتَارِيهِ، كَمَا فَعَلَ فِي تَمَهُّلِهِ عَلَى عَائِلَةِ لِعَازَرَ فِي بَيْتِ عَنْيَا (يُوحَنَّا 11: 6)، أَوْ فِي تَرْكِهِ تَلَامِيذَهُ فِي عاصفة البَحْرِ حَتَّى جَاءَهُم فِي الهَزِيعِ الرَّابِعِ (مَتَّى 14: 24–25). فَـ:السُّرْعَةُ" الَّتِي يَتَحَدَّثُ عَنْهَا الإِنْجِيلُ لَا تَعْنِي "فَوْرًا" بِالـمَعْنَى الزَّمَنِيِّ البَشَرِيِّ، بَلْ تُشِيرُ إِلَى تَحَقُّقِ مَشِيئَةِ اللهِ فِي الوَقْتِ الـمُنَاسِبِ، لأَنَّ الوَقْتَ عِندَ اللهِ هُوَ وَقْتُ الإِيمَانِ الصَّامِتِ وَالـمُثَابِرِ، الإِيمَانِ الَّذِي يَتَذَكَّرُ اللهَ وَيَعْرِفُ كَيْفَ يَصْبِرُ، مُتَيَقِّنًا أَنَّ الإِنْصَافَ الإِلَهِيَّ يَأْتِي حِينَمَا يَكُونُ القَلْبُ مُسْتَعِدًّا لِنِعْمَةِ الخَلاصِ.



أَمَّا عِبَارَةُ "مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ" فَتُشِيرُ إِلَى مَجِيءِ المَسِيحِ لِلدَّيْنُونَةِ، حَيْثُ يُعَاقَبُ الأَشْرَارُ وَيُكَلَّلُ الأَبْرَارُ. وَغَالِبًا مَا تَرِدُ هذِهِ العِبَارَةُ فِي الإِنْجِيلِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَجِيئِهِ الأَخِيرِ لِدَيْنُونَةِ العَالَمِ


"ابْنُ الإِنْسَانِ" وفِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ،ل½پ د…ل¼±ل½¸د‚ د„خ؟ل؟¦ ل¼€خ½خ¸دپدژد€خ؟د… تُرْجِمَتِ مِنَ العِبْرِيَّةِ בض¶ض¼×ںض¾×گض¸×“ض¸×‌، وَمَعْنَاهَا ابْنُ آدَمَ. وَتَرِدُ فِي سِفْرِ دَانِيَال إِشَارَةٌ إِلَى "شَخْصٍ شَبِيهٍ بِابْنِ الإِنْسَانِ" أُعْطِيَ سُلْطَانًا أَبَدِيًّا وَمَلَكُوتًا لَا يَنْقَرِضُ (دَانِيَال 7: 13). وَفِي سِفْرِ الرُّؤْيَا تَدُلُّ هذِهِ العِبَارَةُ عَلَى المَسِيحِ القَائِمِ مِنَ الأَمْوَاتِ وَالمُمَجَّدِ (رُؤْيَا 1: 13؛ 14: 14). وَقَدِ اسْتُخْدِمَتْ العِبَارَةُ نَفْسُهَا فِي سِفْرِ أَخْنُوخَ غَيْرِ القَانُونِيِّ، فَأَشَارَتْ إِلَى المَسِيَّا الَّذِي يَأْتِي فِي يَوْمِ القَضَاءِ (فُصُول 46، 48، 62، 63، 69، 70، 71). وَفِي الأَنَاجِيلِ الأَرْبَعَةِ، اسْتَعْمَلَ يَسُوعُ لَقَبَ "ابْنِ الإِنْسَانِ" عَنْ نَفْسِهِ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ مَرَّةً، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَأْسُ الجِنْسِ البَشَرِيِّ وَمُمَثِّلُهُ (مَرْقُس 2: 28)، وَعَلَى أَنَّهُ المَسِيحُ المُمَجَّدُ فِي مَجِيئِهِ الثَّانِي (مَتَّى 26: 64؛ مَرْقُس 14: 62) وَفِي دَيْنُونَتِهِ لِلْبَشَرِ كَافَّةً (مَتَّى 19: 28). وَرُبَّمَا أَكْثَرَ يَسُوعُ مِنِ اسْتِعْمَالِ هذَا اللَّقَبِ لأَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ إِظْهَارِ مَسِيحِيَّتِهِ وَإِظْهَارِ تَوَاضُعِهِ الإِنْسَانِيِّ، فَهُوَ المَسِيحُ الإِلَهُ الإِنْسَانُ، الإِلَهُ الَّذِي تَجَسَّدَ وَتَوَاضَعَ لِيَخْلُصَ البَشَرَ. وَمِمَّا يُلْفِتُ النَّظَرَ أَنَّ هذَا اللَّقَبَ لَمْ يُسْتَعْمَلْ عَنِ المَسِيحِ بَعْدَ القِيَامَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي كَلِمَاتِ اسْتِفَانُوسَ الشَّهِيدِ: "هَا أَنَا أَرَى السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً، وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ" (أَعْمَال الرُّسُل 7: 56).


أَمَّا عِبَارَةُ "أَفَتُرَاهُ يَجِدُ الإِيمَانَ عَلَى الأَرْضِ؟"، فَتُشِيرُ إِلَى أَنَّ يَسُوعَ يُوَجِّهُ الاِهْتِمَامَ فِي خِتَامِ المَثَلِ إِلَى الإِيمَانِ، بَدَلًا مِنَ الصَّلَاةِ الَّتِي طَرَحَهَا فِي المَقْدِمَةِ. فَالإِيمَانُ الحَيُّ الفَعَّالُ هُوَ ذَاكَ الَّذِي يُتَرْجِمُ نَفْسَهُ بِالصَّلَاةِ وَالثِّقَةِ وَالإِلْحَاحِ. إِنَّهُ الإِيمَانُ الَّذِي يَجْعَلُ شَعْبَ اللهِ يُصَلُّونَ كُلَّ حِينٍ وَلا يَمَلُّونَ، وَالإِيمَانُ الَّذِي يَنْتَظِرُ بِرَجَاءٍ ثَابِتٍ عِنَايَةَ اللهِ الأَبَوِيَّةَ، وُاثِقًا أَنَّ اللهَ يَتَدَخَّلُ فِي زَمَانِهِ لِيُنصِفَ مُخْتَارِ. ويُلْمِحُ يَسُوعَ أَيْضًا إِلَى الاِرْتِدَادِ عَنِ الإِيمَانِ فِي نِهَايَةِ الأَزْمِنَةِ، كَمَا قَالَ بُولُسُ الرَّسُولُ:"لَا يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ بِشَكْلٍ مِنَ الأَشْكَالِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ ذَلِكَ ارْتِدَادٌ عَنِ الدِّينِ، وَأَنْ يَظْهَرَ رَجُلُ الإِلْحَادِ ابْنُ الهَلَاكِ" (2 تَسَالُونِيكِي 2: 3). وَيُضِيفُ مَتَّى الإِنْجِيلِيُّ فِي الوَصْفِ نَفْسِهِ: "يَزْدَادُ الإِثْمُ، فَتَفْتُرُ المَحَبَّةُ فِي أَكْثَرِ النَّاسِ" (مَتَّى 24: 12). وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ قِبْرِيَانُسُ أُسْقُفُ قُرْطَاجَةَ قَائِلًا: "كَانَ يَفَكِّرُ فِي زَمَانِنَا الحَاضِرِ، وَهَا نَحْنُ نَرَى هذِهِ النُّبُوءَةَ تَتَحَقَّقُ: مَخَافَةُ اللهِ، وَشَرِيعَةُ العَدَالَةِ، وَالمَحَبَّةُ، وَأَعْمَالُ الرَّحْمَةِ... لَمْ تَعُدْ هذِهِ القِيَمُ مَوْضُوعَ إِيمَانٍ". (عن الوَحْدَة، 26–27). هَكَذَا يُحَذِّرُنَا السَّيِّدُ المَسِيحُ مِنَ بُرُودِ الإِيمَانِ وَخُمُودِ الصَّلَاةِ، وَيَدْعُونَا إِلَى الصَّلَاةِ الدَّائِمَةِ بِغَيْرِ مَلَلٍ، النَّابِعَةِ مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ مُسْتَجِيبِ الصَّلَوَاتِ. فَفِي آخِرِ الأَزْمِنَةِ يَجْحَدُ الكَثِيرُونَ الإِيمَانَ، وَتَبْرُدُ المَحَبَّةُ، وَتَتَوَقَّفُ الصَّلَاةُ، فَيَفْقِدُ الإِنْسَانُ صِلَتَهُ وَصَدَاقَتَهُ مَعَ اللهِ. فَإِنْ بَطَلَ الإِيمَانُ، بَطَلَتِ الصَّلَاةُ، لأَنَّهُ "كَيْفَ يَدْعُونَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ؟" (رُومَة 10: 14). وَيُعَلِّقُ البَابَا فِرَنسِيس قَائِلًا: "عَبْرَ هذَا السُّؤَالِ قَدْ تَمَّ تَحْذِيرُنَا جَمِيعًا: لَا يَنْبَغِي أَنْ نَتَوَقَّفَ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى وَإِنْ بَدَتْ غَيْرَ مُسْتَجَابَةٍ. فَالصَّلَاةُ هِيَ الَّتِي تَحْفَظُ الإِيمَانَ، وَبِدُونِهَا يَتَزَعْزَعُ إِيمَانُنَا!" (مُقَابَلَةٌ عَامَّة – 25 أَيَّار 2016). وَيَخْتِمُ القِدِّيسُ أُوغُسْطِينُوس تَأَمُّلَهُ قَائِلًا: "إِنَّ الإِيمَانَ سَيَكُونُ نَادِرًا عَلَى الأَرْضِ، وَلَكِنَّ الصَّلَاةَ تُبْقِينَا فِي الإِيمَانِ، وَتُثَبِّتُ عَلاقَتَنَا بِاللهِ، وَتُقَوِّينَا فِي التَّجَارِبِ وَالأَلَمِ وَالشَّكِّ، لأَنَّ الإِيمَانَ بِإِنْصَافِ اللهِ لَنَا يَتَحَقَّقُ فِي الصَّلَاةِ.". وَلِذَلِكَ يُوصِي بُولُسُ الرَّسُولُ قَائِلًا:"كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَنَالُ الخَلاصَ" (رُومَة 10: 13).


ثانِيًا: تَطْبِيقُ النَّصِّ الإِنْجِيلِيِّ (لوقا 18: 1–8)


اِنْطِلاقًا مِنَ تحليل وَقائِعِ النَّصِّ الإِنْجِيلِيِّ، نَسْتَنْتِجُ أَنَّ النَّصَّ يَتَمَحْوَرُ حَوْلَ وُجُوبِ الْمُداوَمَةِ عَلَى الصَّلاةِ بِلا مَلَلٍ حِفاظًا عَلَى الإِيمانِ وَاسْتِعْدادًا لِلمَجيءِ الثّانِي لِلسَّيِّدِ المَسِيح.


1. الْمُداوَمَةُ عَلَى الصَّلاةِ اسْتِعْدادًا لِلمَجيءِ الثّانِي لِلسَّيِّدِ المَسِيح


بَعْدَ أَنْ أَعْطَى السَّيِّدُ عَلاماتِ مَجِيئِهِ الثّانِي، وَتَنَبَّأَ عَنْ ضِيقٍ شَديدٍ يُصاحِبُ تِلْكَ الأَيَّام، حَثَّ الْمُؤْمِنينَ عَلَى الْمُداوَمَةِ عَلَى الصَّلاةِ دُونَ كَلَلٍ أَوْ مَلَلٍ اسْتِعْدادًا لِهذَا الْمَجِيءِ. يُعَلِّقُ الأَبُ ثِيوفْلاكْتِيُوس قائلًا:" إِذْ تَحَدَّثَ رَبُّنَا عَنِ الْمَتاعِبِ وَالْمَخاطِرِ الَّتِي سَتَحُلُّ، أَضافَ الْعِلاجَ فِي الْحالِ، أَيِ الصَّلاةَ الدّائِمَةَ بِغَيْرَةٍ. وَإِنَّ الْمُداوَمَةَ عَلَى الصَّلاةِ تَتَطَلَّبُ اللَّجاجَةَ فِي الصَّلاةِ، أَيِ الصَّلاةَ لَيْلًا وَنَهارًا".


أ) الإِلْحاحُ فِي الصَّلاةِ (لوقا 18: 5)


يُوصِي يَسُوعُ بِوُجُوبِ الْمُثابَرَةِ عَلَى الصَّلاةِ، مُقَدِّمًا دَليلًا مِنْ مَثَلِ الْقاضِي الظّالِمِ وَالأَرْمَلَةِ.فَإِنْ كانَ الْقاضِي الظّالِمُ قَدْ أَنْصَفَ أَرْمَلَةً ضَعيفَةً لا حَوْلَ لَها وَلا سَنَدَ، بِسَبَبِ تَوَسُّلِها الْمُسْتَمِرِّ، كَما جاءَ فِي قَوْلِهِ: "هذِهِ الأَرْمَلَةُ تُزْعِجُنِي، فَسَأُنْصِفُها لِئَلّا تَظَلَّ تَأْتِي وَتَصْدَعَ رَأْسِي" (لوقا 18: 5)، فَكَمْ بِالأَحْرَى يَسْتَجيبُ اللهُ الْقُدّوسُ لِمُخْتارِيهِ الصّارِخينَ إِلَيْهِ لَيْلًا وَنَهارًا طَلَبًا لِلإِنْصاف!


إِنْ كانَ صُراخُ الأَرْمَلَةِ الْمَظْلُومَةِ قَدْ غَلَبَ الْقاضِيَ الَّذِي لا يَخافُ اللهَ وَلا يَهابُ النّاسَ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ ذاكَ الإِلهُ الْمُحِبُّ، الَّذِي يُحِبُّ الرَّحْمَةَ وَيَكْرَهُ الظُّلْمَ، يَقْبَلُ الْمُتَضَرِّعينَ إِلَيْهِ؟ وَفِي هذَا الصَّدَدِ يَقُولُ سِفْرُ يَشُوعَ بْنِ سِيراخ: "الرَّبُّ لا يُحابِي الْوُجُوهَ عَلَى حِسابِ الْفَقير، بَلْ يَسْتَجيبُ صَلاةَ الْمَظْلُوم. لا يُهْمِلُ تَضَرُّعَ الْيَتيمِ وَلا تَضَرُّعَ الأَرْمَلَةِ إِذا سَكَبَتْ شَكْواها. أَلَيْسَتْ دُموعُ الأَرْمَلَةِ تَسيلُ عَلَى خَدَّيْها وَصُراخُها عَلَى الَّذِي أَسالَها؟" (يَشُوعُ بْنُ سِيراخ 35: 13–16). إِنَّ الْقاضِيَ الَّذِي بِلَا قَلْبٍ قَدِ انْتَهَى بِهِ الأَمْرُ إِلَى الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ لِلأَرْمَلَةِ اللَّجُوجَةِ، فَمَا أَوْلَى اللهَ الآبَ الْمُحِبَّ لِلبَشَرِ أَنْ يُنْصِفَ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ! وَيَقُولُ الْبابا فِرَنْسيس: "إِنَّ قُوَّةَ الإِنْسانِ هِيَ فِي الصَّلاةِ، وَإِنَّما صَلاةُ الإِنْسانِ الْمُتَواضِعِ هِيَ ضَعْفُ اللهِ. لا يَضْعُفُ الرَّبُّ إِلّا أَمامَ ذلِكَ: إِنَّهُ ضَعيفٌ أَمامَ صَلاةِ شَعْبِهِ" (عِظَة 16/11/2013). فَما هِيَ قُوَّةُ الإِنْسانِ؟ إِنَّها قُوَّةُ الأَرْمَلَةِ الَّتِي كَانَتْ تَتَضَرَّعُ إِلَى اللهِ، وَتَسْأَلُهُ أَنْ يُخَلِّصَها مِنْ أَلَمِها وَمَشاكِلِها وَخَطاياها.


ب) رُوحُ الْمُثابَرَةِ فِي الصَّلاةِ


يُعَلِّمُنا السَّيِّدُ المَسِيحُ فِي هذَا الْمَثَلِ ضَرورَةَ الثَّباتِ فِي الصَّلاةِ عَلَى مِثالِ الأَرْمَلَةِ الَّتِي غَلَبَتِ الْقاضِيَ بِـلَجاجَتِها. لِذَلِكَ يَقُولُ الرَّبُّ:" اِسأَلوا تُعطَوا، اُطلُبوا تَجِدوا، اِقرَعوا يُفْتَحْ لَكُم. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسأَلُ يَنالُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقرَعُ يُفْتَحُ لَهُ" (لوقا 11: 9–10).وَيُؤَكِّدُ الْقِدِّيسُ يُوحَنّا الذَّهَبِيُّ الْفَمِ قائلًا: " ذَاكَ الَّذِي فَداكَ يُظْهِرُ لَكَ مَا يُريدُهُ مِنْكَ أَنْ تَفْعَلَهُ؛ إِنَّهُ يُريدُكَ فِي صَلاةٍ دائِمَةٍ" كَمَا يُوصِي الرَّسُولُ بُولُس قائلًا:" لا تَكُفُّوا عَنِ الصَّلاةِ" (1 تِسالونيقِي 5: 17)، وَيُضِيفُ: "صَلُّوا فِي الرُّوحِ" (أَفَسُس 6: 18)، أَي أَنْ لا تَكُونَ الصَّلاةُ فَقَطْ بِالْكَلِماتِ، بَلْ بِالْقَلْبِ وَالْعَقْلِ، لأَنَّ جَوْهَرَ الصَّلاةِ هُوَ رَفْعُ الْقَلْبِ وَالْفِكْرِ نَحْوَ اللهِ. وَيُجيبُ الْقِدِّيسُ باسيليوس الْكَبِيرُ عَنِ السُّؤالِ: كَيْفَ اسْتَطاعَ الرُّسُلُ أَنْ يُصَلُّوا بِلا انْقِطاعٍ؟ فَيَقُولُ: "كانوا فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُونَهُ يُفَكِّرُونَ فِي اللهِ، عائشينَ فِي تَكْريسٍ دائِمٍ لَهُ. تِلْكَ كانَتْ صَلاتُهُمُ الَّتِي بِلا انْقِطاعٍ". وَيُؤَكِّدُ بُولُس الرَّسُولُ:"رُوحَ اللهِ حالٌّ فِيكُمْ وَيَشْفَعُ لَنا بِأَنّاتٍ لا تُوصَفُ"(رُومَة 8: 9، 26).



ج) ثِقَةُ الإِيمانِ فِي الصَّلاةِ


إِيمَانُنَا بِالرَّبِّ أَبِينَا هُوَ أَسَاسُ عَلاَقَتِنَا بِهِ، وَهُوَ جَوْهَرُ الاسْتِمْرَارِ فِي صِلَتِنَا مَعَهُ. فَالإِيمَانُ هُوَ النَّبْضُ الَّذِي يُحْيِي الصَّلاةَ، وَهُوَ الجِسْرُ الَّذِي يَرْبِطُ الأَرْضَ بِالسَّمَاءِ. بِالإِيمَانِ نَثْبُتُ فِي المَحَبَّةِ، وَبِالمَحَبَّةِ نَسِيرُ فِي النُّورِ،
فَنَبْقَى فِي شَرِكَةٍ دَائِمَةٍ مَعَ الآبِ، الَّذِي يَدْعُونَا كُلَّ يَوْمٍ لِنَسْكُنَ فِي حَضْرَتِهِ.


قالَ يَسُوعُ أَيْضًا: "مَنْ يَسْأَلُ يَنالُ" (لوقا 11: 9). إِنَّ الْمُتَسَوِّلَ يَعْرِفُ أَنَّ لَجاجَتَهُ تَنْتَصِرُ فِي النِّهايَةِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الْمُؤْمِنُ الْمُثابِرُ فِي صَلاتِهِ أَمامَ اللهِ! وَيَقُولُ الْقِدِّيسُ أَوغُسْطينُوس: "صَلُّوا كَما لَوْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَعْتَمِدُ عَلَى اللهِ، وَاعْمَلُوا كَما لَوْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَعْتَمِدُ عَلَيْكُمْ". إِذا كانَ الآبُ السَّماوِيُّ هُوَ الَّذِي يُعْطِي دَائِمًا، فَالإِنْسانُ هُوَ الَّذِي يَتَقَبَّلُ دَائِمًا. هذِهِ هِيَ مَعْنَى اللَّجاجَةِ فِي الصَّلاةِ: لَيْسَ تِكْرارًا آليًّا لِلْكَلِماتِ، بَلْ وُقوفٌ دائِمٌ أَمامَ اللهِ بِثِقَةٍ عَميقَةٍ وَمُلِحَّةٍ.


الْخُلاصَةُ الإِيمانُ الْحَقيقيُّ يُتَرْجَمُ مِنْ خِلالِ حَياةِ الصَّلاةِ الدّائِمَةِ. عَلَّمَنا الْمُخَلِّصُ أَنْ نُداوِمَ عَلَى الصَّلاةِ كَمِثْلِ الأَرْمَلَةِ الَّتِي غَلَبَتِ الْقاضِيَ الظّالِمَ بِلَجاجَتِها. وَالإِلْحاحُ فِي الصَّلاةِ يُعِينُنا عَلَى أَنْ نُدْرِكَ عَمَلَ اللهِ عِنْدَما نَراهُ، فَنَصْرُخُ إِلَيْهِ "لَيْلًا وَنَهارًا" وَيَقُولُ الْقِدِّيسُ يُوحَنّا الذَّهَبِيُّ الْفَمِ: "تَأَكَّدْ أَنَّكَ لا تَحُدُّ صَلاتَكَ بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْيَوْمِ. اتَّجِهْ إِلَى الصَّلاةِ فِي أَيِّ وَقْتٍ". هكَذا يَعيشُ الْمَسِيحِيُّ فِي اللهِ دَوْمًا بِفِكْرِهِ وَمَشاعِرِهِ، فَيَتَحَقَّقُ قَوْلُ الرَّسُولِ بُولُس: "وَعَلَى الصَّلاةِ مُواظِبينَ" (رُومَة 12: 12). فَهَلْ إِيمَانُنَا بِالرَّبِّ هُوَ السَّبَبُ الَّذِي يُبْقِينَا فِي تَوَاصُلٍ دَائِمٍ مَعَهُ، وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي صَلَاتَنَا المَرْفُوعَةَ إِلَيْهِ، فَتَسْتَمِرُّ دُونَ مَلَلٍ أَوْ فُتُورٍ، حَتَّى فِي وَسَطِ التَّجَارِبِ وَالضِّيقاتِ؟ إِنَّهُ الإِيمَانُ الَّذِي يَجْعَلُنَا نُصِرُّ عَلَى الصَّلاةِ، وَنَرَى فِي الصَّمْتِ الإِلَهِيِّ دَعْوَةً لِمَزِيدٍ مِنَ الثِّقَةِ، وَفِي التَّجَارِبِ فُرْصَةً لِلتَّعَمُّقِ فِي مَحَبَّتِهِ.



د) الصَّلاةُ لَيْلَ نَهارٍ بِلَا مَلَلٍ (لوقا 18: 7)


قالَ السَّيِّدُ المَسِيحُ: "أَفَما يُنصِفُ اللهُ مُختاريهِ الَّذينَ يُنادونَهُ نَهارًا وَلَيْلًا، وَهُوَ يَتَمَهَّلُ فِي أَمرِهِم؟" السُّؤالُ: كَيْفَ تَكونُ الْمُداوَمَةُ عَلَى الصَّلاةِ لَيْلَ نَهارٍ بِلَا مَلَلٍ اسْتِعْدادًا لِمَجِيءِ الرَّبِّ؟ إِنَّ الصَّلاةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ عَمَلٍ لِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَحَسْب، إِنَّمَا هِيَ حالَةٌ دائِمَةٌ لِلرُّوحِ. وَيُخْبِرُنا الرَّسُولُ بُولُس قائلًا: "أَقيموا كُلَّ حينٍ أَنْواعَ الصَّلاةِ وَالدُّعاءِ فِي الرُّوحِ" (أَفَسُس 6: 18)، أَي أَنَّ الصَّلاةَ لا تَكونُ فَقَطْ فِي الْخارِجِ بِالشِّفاهِ وَالْكَلِماتِ الْمَسْمُوعَةِ، بَلْ فِي الدّاخِلِ أَيْضًا، فَهِيَ عَمَلُ الْعَقْلِ وَالْقَلْبِ. بِهذَا يَكُونُ جَوْهَرُ الصَّلاةِ هُوَ رَفْعُ الْعَقْلِ وَالْقَلْبِ نَحْوَ اللهِ. وَمِنْ هُنا جاءَتْ تَوْصِيَةُ الرَّسُولِ بُولُس:"كُونوا فِي الرَّجاءِ فَرِحينَ، وَفِي الشِّدَّةِ صابِرينَ، وَعَلَى الصَّلاةِ مُواظِبينَ" (رُومَة 12: 12)، وَكَذلِكَ يُوصِي الرَّسُولُ عَدَمَ الْفُتورِ قائلًا:"لا تَفْتُرْ هِمَّتُكُم" (2 تِسالونيقِي 3: 11).


الصَّلاةُ هِيَ الَّتِي تُعْطِينا تَعْزِيَةً وَقْتَ الضِّيقِ، وَتُعْطِينا ثَباتًا وَقْتَ الْفَرَحِ، حَتَّى لا نَنْجَرِفَ وَراءَ أَهْوائِنا وَنَنْسَى اللهَ. وَهذَا الاِتِّصالُ الدّائِمُ بِالرَّبِّ يَحْمِينا مِنْ كُلِّ مَحاوَلاتِ إِبْليسَ ضِدَّنا؛ فَإِنَّ إِبْليسَ إِذا وَجَدَ إِنْسانًا فِي حالَةِ صَلاةٍ دَائِمَةٍ لا يَسْتَطيعُ أَنْ يَصْنَعَ مَعَهُ شَيْئًا. لِذَا نَجِدُ أَنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ يَحُثُّنا دَوْمًا عَلَى أَنْ نَطْلُبَ مِنْهُ بِحَزْمٍ وَمِنْ دُونِ مَلَلٍ، كَما قالَ: "اِسأَلوا تُعطَوا، اُطلُبوا تَجِدوا، اِقرَعوا يُفْتَحْ لَكُم" (لوقا 11: 9)، وَتَابَعَ قائلًا: "فَإِذا كُنتُم أَنْتُمُ الأَشرارَ تَعْرِفونَ أَنْ تُعْطُوا الْعَطايا الصَّالِحَةَ لِأَبْنائِكُم، فَما أَوْلَى أَباكُمُ السَّماوِيَّ بِأَنْ يَهَبَ الرُّوحَ الْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ" (لوقا 11: 13). وَيَطْلُبُ يَسُوعُ أَنْ نُصِرَّ عَلَى قَرْعِ الْبابِ بِاسْتِمْرارٍ، لأَنَّهُ وَعَدَ بِأَنْ يُعْطِيَ لِلَّذِينَ يَطْلُبُونَ وَيُصِرُّونَ وَيَقْرَعُونَ الْبابَ، وَلَيْسَ لِلَّذِينَ لا يَطْلُبُونَ. هُوَ يُريدُ أَنْ يُعْطِيَنا الْحَياةَ الأَبَدِيَّةَ عَبْرَ صَلاتِنا وَمُناجاتِنا وَمَحَبَّتِنا لَهُ.


يَحُثُّ يَسُوعُ عَلَى الصَّلاةِ مِنْ غَيْرِ مَلَلٍ. جَميعُنا نَخْتَبِرُ لَحَظاتِ تَعَبٍ وَإِحْباطٍ، لا سِيَّما عِنْدَما تَبْدو صَلاتُنا غَيْرَ فَعّالَةٍ، لَكِنَّ يَسُوعَ يُؤَكِّدُ لَنا أَنَّهُ –عَلَى عَكْسِ الْقاضِي الْمُنافِقِ – يُسْرِعُ اللهُ إِلَى إِنْصافِ أَبْنائِهِ، حَتّى وَإِنْ كانَ ذلِكَ لا يَتِمُّ فِي الأَوْقاتِ وَالأُسْلوبِ الَّذِي نُريدُهُ. وَيَتَّضِحُ مِنْ هذَا كُلِّهِ أَنَّ الصَّلاةَ الدّائِمَةَ لَيْسَتْ أَمْرًا عارِضًا، بَلْ إِنَّها سِمَةٌ أَساسِيَّةٌ لِلرُّوحِ الْمَسِيحِيَّةِ، حَيْثُ إِنَّ حَياةَ الْمَسِيحِيِّ – بِحَسَبِ الرَّسُولِ – "مُحْتَجِبَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ" (قُولُسِّي 3: 3). إِنَّهُ واجِبٌ عَلَى الْمَسِيحِيِّ أَنْ يَعيشَ فِي اللهِ عَلَى الدَّوامِ بِكُلِّ فِكْرِهِ وَمَشاعِرِهِ، وَأَنْ يَحْيا فِي مَوْقِفٍ مِنَ الْعَوَزِ وَالإِلْحاحِ كَمِثْلِ الأَرْمَلَةِ، وَإِذْ يَفْعَلُ ذلِكَ إِنَّما يُصَلِّي بِلا انْقِطاعٍ!



يُعَلِّمُنا الرَّسُولُ بُولُس أَيْضًا أَنَّ كُلَّ مَسِيحِيٍّ يُصَلِّي بِلا انْقِطاعٍ، إِذْ يَقُولُ: «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَأَنَّ رُوحَ اللهِ حالٌّ فِيكُمْ؟» (1 قُورِنْتُس 3: 16). فَهذَا الرُّوحُ دَائِمًا حالٌّ فِيهِ، وَيَشْفَعُ فِيهِ، مُصَلِّيًا فِي دَاخِلِهِ "بِأَنّاتٍ لا تُوصَفُ" (رُومَة 8: 26)، وَهكَذَا يُعَلِّمُهُ كَيْفَ يُصَلِّي بِلا انْقِطاعٍ. وَيُوضِحُ الْقِدِّيسُ بَاسِيلْيُوس الْكَبِيرُ كَيْفَ اسْتَطاعَ الرُّسُلُ أَنْ يُصَلّوا بِلا انْقِطاعٍ قائلًا:"إِنَّهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، كَانُوا يُفَكِّرُونَ فِي اللهِ، عائشِينَ فِي تَكْرِيسٍ دائِمٍ لِلهِ، وَفِي هذِهِ الْحالَةِ الرُّوحِيَّةِ كانَتْ صَلاتُهُم بِلا انْقِطاعٍ".



إِنَّ اللهَ يُريدُ مِنَّا الصَّلاةَ، لا كَتَأْدِيَةِ وَاجِبٍ فَحَسْب، بَلْ كَـجِهادٍ مُتَواصِلٍ. أَلَمْ يَقُلِ الْمَسِيحُ:" فَمُنْذُ أَيَّامِ يُوحَنّا الْمَعْمَدانِ إِلَى الْيَوْمِ مَلَكُوتُ السَّماواتِ يُؤْخَذُ بِالْجِهادِ، وَالْمُجاهِدُونَ يَخْتَطِفُونَهُ" (مَتّى 11: 12). وَكانَتْ صَلاةُ مُوسى النَّبِيِّ عَلَى قِمَّةِ الْجَبَلِ، عِنْدَما حارَبَ بَنُو إِسْرائيلَ الْعَمالِقَ فِي رَفيدِيم، مِثالًا فِي الثَّباتِ عَلَى الصَّلاةِ. فَبِصَلاتِهِ أَصْبَحَ الشَّفِيعَ لِشَعْبِهِ؛ فَكانَ شَعْبُهُ يَغْلِبُ عِنْدَما يَرْفَعُ مُوسى ذِراعَيْهِ إِلَى الصَّلاةِ، وَهكَذَا تَمَكَّنَ الشَّعْبُ مِنَ النَّصْرِ، لا بِقُوَّةِ السِّلاحِ، بَلْ بِقُوَّةِ الصَّلاةِ، قُوَّةِ الأَيْدِي الْمَفْتُوحَةِ (الْخُرُوج 17: 8–13). أَنْ نُصَلِّيَ، يَعْنِي أَنْ نَعيشَ بِأَيْدٍ مَفْتُوحَةٍ صَارِخِينَ إِلَى اللهِ: "حَياتُنا لَيْسَتْ مِلْكَنَا، إِنَّهَا بَيْنَ يَدَيْكَ". أَنْ نُصَلِّيَ يَعْنِي: أَنْ نَعيشَ مَوْقِفَ الاسْتِسْلامِ بَيْنَ يَدَيْ اللهِ، أَنْ نَفْتَحَ أَيْدِينا لِنَدَعَهُ هُوَ يُخاضُ الْمَعْرَكَةَ بَدَلًا مِنْ أَنْ نَسْتَعْمِلَ أَسْلِحَتَنا الْخاصَّةَ.


تَنْمو شَخْصِيَّتُنا وَإِيمانُنا وَرَجاؤُنا مِنْ إِلْحاحِنا فِي الصَّلاةِ، كَما جاءَ فِي تَعْليمِ الرَّسُولِ بُولُس: "لِذلِكَ نُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ دائِمًا، عَسى أَنْ يَجْعَلَكُمْ إِلهُنا أَهْلًا لِدَعْوَتِهِ، وَأَنْ يُتِمَّ بِقُدْرَتِهِ كُلَّ رَغْبَةٍ فِي الصَّلاحِ وَكُلَّ نَشاطِ إِيمانٍ" (2 تِسالونيقِي 1: 11). إِنَّ الْمُثابَرَةَ وَالإِلْحاحَ فِي الصَّلاةِ تَصْنَعانِ الْكَثيرَ مِنْ أَجْلِ تَغْيِيرِ عُقُولِنا وَتَجْدِيدِ قُلُوبِنا فَمِنَ الْمُفِيدِ أَنْ نُصَلِّيَ كَما لَوْ أَنَّ الاسْتِجابَةَ تَعْتَمِدُ عَلَى صَلاتِنا، وَإِنْ كُنّا وَاثِقينَ أَنَّ الاسْتِجابَةَ تَعْتَمِدُ عَلَى اللهِ.


2. المُداوَمَةُ عَلَى الصَّلَاةِ لِلحِفَاظِ عَلَى الإِيمَانِ يَومَ المَجِيءِ الثَّانِي لِلمَسِيحِ (لوقا 18: 8)


وَعَدَ اللهُ أَنْ يُنصِفَ مُخْتَارِيهِ، وَهُم يَنْتَظِرُونَ مَجِيءَ ابْنِهِ يَسُوعَ المَسِيحِ: "أَقُولُ لَكُم: إِنَّهُ يُسْرِعُ إِلَى إِنْصَافِهِم" (لوقا 18: 8). وَيَتَسَاءَلُ صَاحِبُ المَزَامِيرِ: "أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَى الجِبَالِ، مِنْ أَيْنَ تَأْتِي نُصْرَتِي؟ نُصْرَتِي مِنْ عِندِ الرَّبِّ، صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض" (مزمور 121: 1-2). وَيُذَكِّرُنَا هذَا المَزْمُورُ بِمَا فَعَلَهُ مُوسَى فِي رَفِيدِيم، حِينَ طَلَبَ مِنْ يَشُوعَ وَالشَّعْبِ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى قِمَّةِ الجَبَلِ، حَيْثُ كَانَ رَافِعًا يَدَيْهِ فِي شَفَاعَةٍ دَائِمَةٍ مِنْ أَجْلِهِم، وَهُم يُحَارِبُونَ العَمَالِقَةَ، أعدائهم، الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ عَرْقَلَةَ مَسِيرَةِ شَعْبِ اللهِ نَحْوَ أَرْضِ المِيعَادِ. وَهُنَا يَظْهَرُ دَوْرُ مُوسَى الجَوْهَرِيِّ، إِذْ يَسْتَمِدُّ قُوَّتَهُ مِنِ اتِّحَادِهِ بِاللَّهِ وَاتِّكَالِهِ الكَامِلِ عَلَيْهِ.


مِنَ الوَهْمِ أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّنَا نَتَغَلَّبُ عَلَى أَعْدَائِنَا بِقُوَّتِنَا الذَّاتِيَّةِ، فَمُوسَى يَرْمُزُ إِلَى يَسُوعَ الَّذِي صَعِدَ إِلَى جَبَلِ الجُلْجُثَةِ، وَمَدَّ يَدَيْهِ عَلَى الصَّلِيبِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لِيَتَوَسَّطَ عَنَّا نَحْنُ البَشَرَ ضِدَّ العَدُوِّ الأَكْبَرِ، أَيْ الخَطِيئَةِ وَالمَوْتِ (راجع 1 قورنتس 15: 26). فَلْنَرْفَعْ أَعْيُنَنَا نَحْوَ الجِبَالِ، نَحْوَ الجُلْجُثَّةِ، كَمَا فَعَلَ شَعْبُ العَهْدِ القَدِيمِ وَالأَرْمَلَةُ الفَقِيرَةُ، مُقَدِّمِينَ شَكْوَانَا إِلَى اللهِ الَّذِي يَسْمَعُ وَيُنْصِفُ فِي زَمَانِهِ.


"وَلَكِنْ، مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ، أَفَتُرَاهُ يَجِدُ الإِيمَانَ عَلَى الأَرْض؟" (لوقا 18: 8). قَدْ يَتَأَخَّرُ مَجِيئُهُ، وَيَبْقَى المُؤْمِنُونَ فِي انْتِظَارٍ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ أسْئلة مُؤْلِمَةً: "حَتَّامَ، يَا أَيُّهَا السَّيِّدُ القُدُّوسُ الحَقّ، تُؤَخِّرُ الإِنْصَاف؟" (رؤيا 6: 10). هَلْ نَثْبُتُ حَتَّى النِّهَايَةِ؟ أَلَنْ نَتَفَتَّتَ أَمَامَ الشَّكِّ وَالمَآسِي؟ إِنَّ تَجْرِبَةَ التَّخَلِّي عَنِ الإِيمَانِ تَشْمَلُ كُلَّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَالمُخْتَارُونَ أَنْفُسُهُمْ يُجَرَّبُونَ فِيهَا. ضَمَانُهُمُ الوَحِيدُ هُوَ المُثَابَرَةُ عَلَى الصَّلَاةِ. فَاللهُ لا يَتْرُكُنَا مَا لَمْ نَتْرُكْهُ نَحْنُ. "فَلَا تَفْتُرُ هِمَّتُنَا" (2 قورنتس 4: 1).


الإِيمَانُ، إِذًا، هُوَ مَسِيرَةُ جِهَادٍ دَائِمٍ وَمُسْتَمِرٍّ. فَإِذَا كَانَ الإِيمَانُ ضَرُورِيًّا لِطَلَبَاتِنَا، فَهُوَ أَيْضًا ضَرُورِيٌّ لِنَسْمَعَ جَوَابَ اللهِ. إِنْ لَمْ يَتَدَخَّلِ اللهُ فَوْرًا لِإِنْقَاذِ مُخْتَارِيهِ، فَلأَنَّهُ مُتَمَهِّلٌ عَلَى ظَالِمِيهِم، كَمَا قَالَ الرَّبُّ: "أَفَمَا يُنصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ الَّذِينَ يُنَادُونَهُ نَهَارًا وَلَيْلًا، وَهُوَ يَتَمَهَّلُ فِي أَمْرِهِم؟". إِنْ كَانَ القَاضِي الظَّالِمُ قَدِ اسْتَجَابَ لِلأَرْمَلَةِ الفَقِيرَةِ مِنْ فَرْطِ إِلْحَاحِهَا، فَكَمْ بِالأَحْرَى اللهُ الأَبُ الصَّالِحُ الَّذِي يَدْعُونَهُ أَبْنَاؤُهُ نَهَارًا وَلَيْلًا؟ إِنَّهُ يَسْتَجِيبُ فِي الوَقْتِ الَّذِي يَرَاهُ مُنَاسِبًا، وَيَتْرُكُنَا أَحْيَانًا لِنَتَنَقَّى كَالذَّهَبِ فِي البُوتَقَةِ. "عُدُّوا طُولَ أَنَاةِ رَبِّنَا وَسِيلَةً لِخَلاصِكُمْ" (2 بطرس 3: 15). كُلَّمَا أَطَلْنَا الصَّلَاةَ، نَقَفْنَا أَمَامَ اللهِ وَقْتًا أَطْوَلَ، فَيُصْلِحُ دَاخِلَنَا وَيَشْفِينَا. فَإِذَا كَانَ أَشَرُّ القُضَاةِ قَدِ اسْتَسْلَمَ أَمَامَ إِلْحَاحِ الأَرْمَلَةِ، أَفَلَا يُعْطِي اللهُ الآبُ أَبْنَاءَهُ كُلَّ مَا يَحْتَاجُونَ؟ وَيَقُولُ أَفْرَامُ السُّرْيَانِيُّ:"إِنَّ الصَّلَاةَ المُسْتَمِرَّةَ تُحَوِّلُ الظُّلْمَ وَالشَّرَّ إِلَى رَحْمَةٍ". وَيُعَلِّقُ البَابَا فِرَنسِيس قَائِلًا: "إِنَّ اللهَ، مَحَبَّةً بِنَا، قَدْ يَسْمَحُ لَنَا أَنْ نَمْرَّ فِي دُرُوبٍ صَعْبَةٍ وَنُجَرَّبَ بِآلاَمٍ وَأَشْوَاكٍ، وَلَكِنَّهُ لا يَتْرُكُنَا أَبَدًا، بَلْ يَكُونُ مَعَنَا دَائِمًا، قَرِيبًا مِنَّا وَفِينَا. هذِهِ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ رَجَاءٍ، بَلْ يَقِينٌ: اللهُ مَعِي" (مقابلة مع المؤمنين، 16 تشرين الأوّل 2019).


"مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ، أَفَتُرَاهُ يَجِدُ الإِيمَانَ عَلَى الأَرْضِ؟" (لوقا 18: 8). الإِيمَانُ المَقْصُودُ هُنَا هُوَ إِيمَانُ المُثَابَرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّبَاتِ عَلَيْهَا، إِيمَانُ الوَلاءِ لِلمَسِيحِ وَانْتِظَارُ مَجِيئِهِ. لِذَلِكَ يُوصِينَا الرَّبُّ أَنْ نُصَلِّيَ دَائِمًا بِإِيمَانٍ، لأَنَّ فِي الدَّاخِلِ شَهَوَاتٍ وَخَطَايَا، وَفِي الخَارِجِ أَعْدَاءٌ وَشَيَاطِينٌ. وَيُحَذِّرُنَا يَسُوعُ مِنْ أَنَّ مَحَبَّةَ كَثِيرِينَ سَتَبْرُدُ فِي نِهَايَةِ الأَزْمِنَةِ، وَيَكَادُ الإِيمَانُ يَخْتَفِي. "لا يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ، فَلا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ارْتِدَادٌ عَنِ الإِيمَانِ..." (2 تسالونيقي 2: 3)."يَزْدَادُ الإِثْمُ، فَتَفْتُرُ المَحَبَّةُ فِي أَكْثَرِ النَّاسِ" (متى 24: 12). سَتَتَكَاثَرُ تَيَّارَاتُ الكُفْرِ وَالإِلْحَادِ، وَتَزِيدُ المِحَنُ وَالمَصَائِبُ، وَيَضْعُفُ الإِيمَانُ، لِذَا يَجِبُ أَنْ نُضَاعِفَ الصَّلَاةَ. "فَلْيَطْلُبْهَا بِإِيمَانٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْتَابَ" (يعقوب 1: 6). فَحِينَ يَسْقُطُ الإِيمَانُ، تَبْطُلُ الصَّلَاةُ، لأَنَّهُ مَنْ يُصَلِّي لِمَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ؟ لذَلِكَ قَالَ الرَّسُولُ بُولُس: "كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَنَالُ الخَلاص" (رومة 10: 13). "كَيْفَ يَدْعُونَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ؟" (رومة 10: 14). وَيَقُولُ القِدِّيسُ أُوغُسطِينُوس:"حَتَّى نُصَلِّي، يَجِبُ أَنْ نُؤْمِنَ، وَلِكَيْلَا يَضْعُفَ الإِيمَانُ، يَجِبُ أَنْ نُصَلِّي". فَالإِيمَانُ يُغَذِّي الصَّلَاةَ، وَالصَّلَاةُ تُقَوِّي الإِيمَانَ. وَحَيْثُ يَكُونُ الإِيمَانُ مُعَرَّضًا لِلضَّعْفِ، يَجِبُ أَنْ نُصَلِّيَ بِلا مَلَلٍ كَمَا أَوْصَى يَسُوعُ: "قُومُوا فَصَلُّوا لِئَلَّا تَقَعُوا فِي التَّجْرِبَة" (لوقا 22: 46).


إِنَّ التَّجْرِبَةَ تَشْتَدُّ بِضَعْفِ الإِيمَانِ، وَتَزُولُ بِنُمُوِّهِ. قَالَ يَسُوعُ لِبُطْرُسَ:"إِنَّ الشَّيْطَانَ طَلَبَكُمْ لِيُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ، وَلَكِنِّي دَعَوْتُ لَكَ أَلَّا تَفْقِدَ إِيمَانَكَ" (لوقا 22: 31-32). فَإِنْ كَانَ المَسِيحُ نَفْسُهُ يُصَلِّي لِيَحْمِيَ إِيمَانَنَا، أَفَلَا نُصَلِّي نَحْنُ أَيْضًا؟ "إِسْأَلُوا تَنَالُوا" (يوحنا 16: 24). إِذًا، الإِيمَانُ هُوَ تَسْلِيمٌ وَثِقَةٌ مُطْلَقَةٌ، وَالطَّرِيقُ الوَحِيدُ إِلَى اللهِ. "آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ تَنَلِ الخَلاصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ" (أعمال 16: 31). فَالقُوَّةُ لَيْسَتْ فِي إِيمَانِنَا، بَلْ فِي صِحَّةِ الخَبَرِ الَّذِي نُصَدِّقُهُ. وَالسُّؤَالُ يَبْقَى مَطْرُوحًا: هَلْ سَيَجِدُ ابْنُ الإِنْسَانِ، مَتَى جَاءَ، هذَا الإِيمَانَ؟ هَلْ سَيَجِدُ أُنَاسًا يُصَلُّونَ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَيَنْتَظِرُونَ بِرَجَاءٍ وَثِقَةٍ فِي عِنَايَةِ الآبِ الأَبَوِيَّةِ؟ فِي نِهَايَةِ الأَمْرِ، سَتُظْهِرُ دَيْنُونَةُ الرَّبِّ الأَخِيرَةُ أَنَّ عَدْلَ اللهِ يَنْتَصِرُ عَلَى كُلِّ ظُلْمٍ، وَأَنَّ مَحَبَّتَهُ أَقْوَى مِنَ المَوْتِ (نشيد الأناشيد 8: 6). "أُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ الرِّجَالُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، رَافِعِينَ أَيْدِيًا طَاهِرَةً، مِنْ غَيْرِ غَضَبٍ وَلا خِصَامٍ" (1 طيموتاوس 2: 8).


3. العِبْرَةُ


لَيْسَتِ العِبْرَةُ مِنْ مَثَلِ القَاضِي الظَّالِمِ فِي المُدَاوَمَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فَحَسْب، بَلْ فِي اليَقِينِ بِالِاسْتِجَابَةِ أَيْضًا.
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الظَّالِمُ، الفَاقِدُ لِلضَّمِيرِ، قَدِ اسْتَجَابَ لِطَلَبِ الأَرْمَلَةِ بِإِلْحَاحِهَا، فَكَمْ بِالأَحْرَى اللهُ الَّذِي هُوَ آبٌ صَالِحٌ وَعَادِلٌ، يُنصِفُ مُخْتَارِيهِ الَّذِينَ يُنَادُونَهُ نَهَارًا وَلَيْلًا، وَيُسْرِعُ إِلَى إِنْصَافِهِم (لوقا 18: 7–8).
إِنَّ اللهَ يَسْتَجِيبُ لِكُلِّ مَنْ يَلْتَجِئُ إِلَيْهِ فِي فَقْرِهِ وَتَوَسُّلِهِ، وَلَكِنْ فِي الزَّمَانِ الَّذِي يَرَاهُ صَالِحًا لِخَلاصِنَا.


لِذَلِكَ يَحُثُّ يَسُوعُ عَلَى الصَّلَاةِ "مِنْ غَيْرِ مَلَلٍ"، عَلَى خُطَاهِ هُوَ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي دَائِمًا، لَيْلًا وَنَهَارًا، عَلَى شَوَاطِئِ البُحَيْرَةِ، وَفِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. فَلْنُصَلِّ بِلَا مَلَلٍ لِنَحْفَظَ الإِيمَانَ حَيًّا عِنْدَ عَوْدَةِ الرَّبِّ.
قَدْ يُمْهِلُ اللهُ وَلَكِنَّهُ لا يُهْمِلُ، قَدْ يَمْتَحِنُ إِيمَانَنَا، وَلَكِنَّهُ فِي النِّهَايَةِ يَسْتَجِيبُ لَنَا، لأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُمَحِّصَنَا كَمَا يُمَحَّصُ الذَّهَبُ فِي البُوتَقَةِ وَالنَّارِ. هذَا هُوَ مَعْنَى الإِيمَانِ: الثِّقَةُ وَالتَّصْدِيقُ وَالاِسْتِسْلَامُ لإِرَادَةِ اللهِ القَدِيرَةِ وَالمُحِبَّةِ.


فَإِنْ كَانَتِ الأَرْمَلَةُ قَدْ أَخْضَعَتِ القَاضِي غَيْرَ الأَمِينِ بِطَلَبَاتِهَا المُسْتَمِرَّةِ، فَكَمْ بِالأَحْرَى اللهُ الأَبُ الصَّالِحُ وَالعَادِلُ، الَّذِي لا يُرْسِلُ أَحَدًا خَائِبًا مِنْ أَمَامِهِ، بَلْ يُسْرِعُ إِلَى إِنْصَافِ أَبْنَائِهِ الَّذِينَ يَدْعُونَهُ بِإِيمَانٍ وَثِقَةٍ. فَإِذَا شَعَرْنَا بِالظُّلْمِ أَوْ بِثِقَلِ الأَيَّامِ، فَلْنَرْفَعْ صَلاَتَنَا الآنَ، وَلْنَبْدَأْ مِنْ جَدِيدٍ، وَلْنُلْقِ جَمِيعَ هُمُومِنَا وَآلاَمِنَا وَإِخْفَاقَاتِنَا عَلَى الرَّبِّ، لأَنَّهُ لا شَيْءَ يَعْسُرُ عَلَيْهِ: لا خَطِيئَةٌ شَائِنَةٌ، وَلا فَشَلٌ فِي العَمَلِ أَوِ العَائِلَةِ، وَلا جِرَاحُ شَبَابٍ تُعْجِزُ نِعْمَتَهُ. "فَإِذَا كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟" (رومة 8: 31). فَلا نَنْقَطِعْ عَنِ الصَّلَاةِ، حَتَّى وَإِنْ بَدَتْ غَيْرَ مُسْتَجَابَةٍ، لأَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ مِفْتَاحُ الإِيمَانِ، وَبِدُونِهَا يُصْبِحُ الإِيمَانُ عُرْضَةً لِلتَّشَكُّكِ وَالخُمُولِ. فَلْنَطْلُبْ مِنَ الرَّبِّ إِيمَانًا يُصْبِحُ صَلاةً دَائِمَةً، وَصَلاةً تُغَذِّي الإِيمَانَ، كَصَلاةِ الأَرْمَلَةِ الَّتِي لَمْ تَمَلَّ، بَلْ وَاصَلَتْ بِإِصْرَارٍ، حَتَّى نَالَتْ الإِنْصَافَ. إِيمَانًا يَتَغَذَّى مِنَ التَّوْقِ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ، وَيَبْقَى مُشْتَعِلًا بِرَجَاءِ لِقَائِهِ وَالثِّقَةِ بِمَحَبَّتِهِ الأَبَوِيَّةِ.


الخلاصة:


بَعْدَ أَنْ تَحَدَّثَ الرَّبُّ مَعَ تَلامِيذِهِ عَنْ مَجِيئِهِ الثَّانِي، أَرَادَ أَنْ يُوَجِّهَ أَنْظَارَهُم إِلَى مَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلُوهُ فِي زَمَنِ الاِنْتِظَارِ. فَضَرَبَ لَهُم مَثَلَ الأَرْمَلَةِ وَالقَاضِي الظَّالِمِ، لِيَحُثَّهُم عَلَى الصَّلَاةِ الدَّائِمَةِ، وَلِكَيْ لا يَمَلُّوا، بَلْ يُوَاظِبُوا عَلَيْهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَظَرْفٍ.



إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَيْسَ كَالْقَاضِي الظَّالِمِ الَّذِي يَتَأَخَّرُ عَنِ الإِنْصَافِ، بَلْ هُوَ أَبٌ مُحِبٌّ وَرَؤُوفٌ، وَإِنْ تَمَهَّلَ عَلَيْنَا، فَلِحِكْمَةٍ يَعْرِفُهَا وَحْدَهُ، وَلِوَقْتٍ يُنَاسِبُ خَلاصَنَا. فَعَلَيْنَا أَنْ نَنْتَظِرَهُ بِصَبْرٍ وَإِيمَانٍ، وَاثِقِينَ أَنَّهُ سَيَسْتَجِيبُ، لأَنَّهُ إِلَهٌ حَنُونٌ يَرْعَى أَبْنَاءَهُ، وَيُلَبِّي حَاجَاتِهِم بِحُبٍّ وَعِنَايَةٍ. وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لاِسْتِجَابَةِ طَلَبَاتِنَا شَرْطَيْنِ أَسَاسِيَّيْنِ: الإِلْحَاحُ فِي الطَّلَبِ. الثِّقَةُ البَنَوِيَّةُ بِهِ تَعَالَى."اِسْأَلُوا تُعْطَوْا، اُطْلُبُوا تَجِدُوا، اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَنَالُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ" (متى 7: 7–8).



يَدْعُونَا يَسُوعُ إِذًا إِلَى الِالْتِزَامِ بِالصَّلَاةِ وَالإِيمَانِ، وَإِلَى عَدَمِ الِاتِّكَالِ عَلَى ذَوَاتِنَا، بَلْ عَلَى نِعْمَتِهِ. وَأَيُّ تَشْجِيعٍ أَعْظَمُ عَلَى الصَّلَاةِ مِنْ هذَا المَثَلِ؟ فَإِنَّ القَاضِي الظَّالِمَ، وَهُوَ الَّذِي لا يَخَافُ اللهَ وَلا يَهَابُ إِنْسَانًا، أَصْغَى إِلَى الأَرْمَلَةِ بِلَجَاجَتِهَا وَإِلْحَاحِهَا، مَغْلُوبًا بِصَبْرِهَا وَإِصْرَارِهَا. فَإِنْ كَانَ ذَاكَ القَاضِي الَّذِي يَكْرَهُ أَنْ يُسْأَلَ قَدْ سَمِعَ طَلِبَتَهَا، فَكَمْ بِالأَحْرَى اللهُ الَّذِي يَحُثُّنَا نَحْنُ أَنْ نَسْأَلَهُ قَائِلًا: "اِسْأَلُوا تَنَالُوا"(يوحنا 16: 24). إِنَّهُ شَفِيعُنَا وَكَفَّارَتُنَا وَمُعَزِّينَا، وَاهِبُ كُلِّ مَا نَحْتَاجُهُ فِي حَيَاتِنَا. فَبِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالثَّبَاتِ فِي الإِيمَانِ، سَيَجِدُ ابْنُ الإِنْسَانِ عِنْدَ مَجِيئِهِ الإِيمَانَ عَلَى الأَرْضِ، حِينَ يَظْهَرُ فِي جَلالِ العِزَّةِ وَالبَهَاءِ فِي انْقِضَاءِ الأَيَّامِ.



الأَرْمَلَةُ في المثل تَحْمِلُ صُورَةَ الْمُؤْمِنِ الحَقِيقِيِّ، الَّذِي لا يَتَوَقَّفُ عَنِ الصُّرَاخِ إِلَى اللهِ، وَبِدُونِ مَلَلٍ يَرْفَعُ طَلَبَهُ بِإِيمَانٍ وَثِقَةٍ. لِذَلِكَ يُسْتَجَابُ لَهَا، بَلْ تَخْتَرِقُ قَلْبَ قَاضِي مَدِينَتِهَا بِمُثَابَرَتِهَا وَإِلْحَاحِهَا. وَهَكَذَا صَلاتُنَا الْمُسْتَمِرَّةُ، إِذَا نَبَعَتْ مِنْ إِيمَانٍ صَادِقٍ، تَسْتَطِيعُ أَنْ تَخْتَرِقَ قَلْبَ اللهِ أَبِينَا، فَيَسْمَعُ أَنَّاتِنَا، وَيَمْسَحُ دُمُوعَنَا، وَيُحَوِّلُ صِرَاخَنَا إِلَى بَرَكَةٍ وَسَلاَمٍ وَحَيَاةٍ جَدِيدَةٍ.



يُرِيدُ يَسُوعُ أَنْ يُعَلِّمَنَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ فَرْضًا زَمَنِيًّا، بَلْ نَفَسًا دَائِمًا لِلرُّوحِ. فَهِيَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ كَلِمَاتٍ نُرَدِّدُهَا، بَلْ هِيَ عَلاَقَةُ ثِقَةٍ وَحُبٍّ وَاعْتِمَادٍ عَلَى اللهِ فِي كُلِّ ظُرُوفِ الحَيَاةِ. كَمْ مِنْ مَرَّةٍ نَظُنُّ أَنَّ اللهَ لا يَسْمَعُ صَلَوَاتِنَا، فَنَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَنَسْتَسْلِمُ لِلْفُتُورِ وَالإِحْبَاطِ! وَلَكِنَّ المَثَلَ يُذَكِّرُنَا أَنَّ اللهَ يَسْمَعُ فِي الصَّمْتِ وَيَعْمَلُ فِي الخَفَاءِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ جَوَابُهُ فَهُوَ لِيُعَمِّقَ فِينَا الإِيمَانَ وَالصَّبْرَ وَالثِّقَةَ.



لِنَصِلِّ كَمَا صَلَّى يَسُوعُ: فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فِي الأَفْرَاحِ وَالأَحْزَانِ، فِي ضِيقِ الحَيَاةِ وَفِي هُدُوءِ السَّكِينَةِ. لِنَصِلِّ حِينَ يَبْدُو اللهُ بَعِيدًا، لأَنَّهُ فِي الحَقِيقَةِ أَقْرَبُ إِلَيْنَا مِنْ أَنْفَاسِنَا. كُلُّ صَلَاةٍ صَادِقَةٍ هِيَ بِذْرَةُ إِيمَانٍ، وَكُلُّ إِيمَانٍ صَادِقٍ يُزْهِرُ ثِمَارَ الصَّبْرِ وَالرَّجَاءِ. فَلْنَكُنْ مِثْلَ الأَرْمَلَةِ الَّتِي لَمْ تَمَلَّ وَلَمْ تَفْتُرْ، بَلْ وَاصَلَتْ الطَّرْقَ عَلَى بَابِ اللهِ بِإِلْحَاحٍ وَإِيمَانٍ. إِنَّ اللهَ لا يُرِيدُ صَلَاةً سَرِيعَةً، بَلْ قَلْبًا مُثَابِرًا يَنْتَظِرُ بِرَجَاءٍ وَيَثِقُ بِأَنَّ المَحَبَّةَ الإِلَهِيَّةَ لا تَخِيبُ أَبَدًا. "اِثْبُتُوا فِي الصَّلَاةِ، سَاهِرِينَ فِيهَا بِالشُّكْرِ" (كولسّي 4: 2). فَتَجْرِبَةُ الصَّلَاةِ تُخْبِرُنَا أَنَّنَا فِي اللهِ نَجِدُ سَنَدَنَا الحَقِيقِيَّ، وَفِيهِ نَلْتَقِي بِـ قَاضِينَا العَادِلِ، الَّذِي لا يَتَأَخَّرُ عَنِ الإِنْصَافِ، بَلْ يَعْرِفُ مَوَاقِيتَ رَحْمَتِهِ، فَيُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا عَلَى قَدْرِ الإِيمَانِ وَالثِّقَةِ بِهِ.


الدُّعَاء

أَيُّهَا المَسِيحُ، إِلَهُنَا وَمُخَلِّصُنَا،
نَرْفَعُ أَيْدِيَنَا نَحْوَكَ، فَقَوِّ إِيمَانَنَا لِنُوَاجِهَ الضِّيقَاتِ وَالصُّعُوبَاتِ،
وَأَنْصِفْنَا نَحْنُ الصَّارِخِينَ إِلَيْكَ لَيْلًا وَنَهَارًا،
بِإِيمَانٍ صَادِقٍ وَبِدُونِ مَلَلٍ.
أَنْتَ يَا رَبُّ مَصْدَرُ المَحَبَّةِ، وَمِنْكَ كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ،
وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ.
فَأَعِنَّا لِنَنْمُوَ فِي خِدْمَةِ الخَيْرِ، وَلْنَقْهَرِ الشَّرَّ الَّذِي يُهَدِّدُ العَالَمَ.
لِنَتَقَدَّمْ نَحْوَ عَرْشِكَ الإِلَهِيِّ بِثِقَةٍ وَإِيمَانٍ وَرَجَاءٍ،
فَاسْتَجِبْ لَنَا يَا رَبُّ، وَأَظْهِرْ مَجْدَكَ فِي حَيَاتِنَا.
آمِين.
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 06:09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025