منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم يوم أمس, 03:33 PM   رقم المشاركة : ( 207281 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,014

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



نصيحة تساعدك على نسيان الماضي الحزين.
تذكّر الذكريات السعيدة:

بدلاً من أن تشغل تفكيرك بالذكريات الحزينة تذكّر

كم هي كثيرة اللّحظات السعيدة التي عشتها في الماضي،
سيمنحك هذا فسحة أمل بأن الأيام القادمة ستكون أفضل بإذن الله.

 
قديم يوم أمس, 03:34 PM   رقم المشاركة : ( 207282 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,014

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



نصيحة تساعدك على نسيان الماضي الحزين.
اقرأ كتب التنمية البشرية:

حاول أن تشغل نفسك بما هو مسلي ومفيد، كأن تقرأ الكتب

التي تتحدّث عن التنمية البشرية فهي تمنحك الكثير من الحكم
والعبر حول كيف تتخطى الماضي وتبدأ حياتك من جديد.
 
قديم يوم أمس, 03:34 PM   رقم المشاركة : ( 207283 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,014

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



نصيحة تساعدك على نسيان الماضي الحزين.
سافر لوحدك إلى بلد بعيد:

سافر لوحدك إلى بلد بعيد سيُساعد هذا على تجديد نشاطك

كما سيكون لديك متّسع من الوقت لإعادة ترتيب أفكارك،
والجدير بالذكر أنّ السفر يوفر فرصة قضاء أجمل
اللحظات وهذا ما يجعلك تنسى الماضي الحزين.
 
قديم يوم أمس, 03:35 PM   رقم المشاركة : ( 207284 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,014

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



نصيحة تساعدك على نسيان الماضي الحزين.
تعلّم هوايات جديدة:

بدلاً من التحسّر على ما فاتك في الماضي استغل حاضرك في تعلّم

هوايات جديدة ومثيرة كالتزلج وتسلق الجبال، ستملئ الهوايات
وقتك وستشعرك بالسعادة ولن تفكر بعد اليوم بالماضي.
 
قديم يوم أمس, 03:35 PM   رقم المشاركة : ( 207285 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,014

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



نصيحة تساعدك على نسيان الماضي الحزين.
شارك في الأنشطة المسلية:

قم بممارسة الأنشطة الي تجلب لك التسلية والمتعة كالتخييم

في الغابة، حضور الحفلات الموسيقية الراقصة، المشاركة
في المسابقات كل هذه الأمور ستجعلك بحال أفضل.
 
قديم يوم أمس, 03:39 PM   رقم المشاركة : ( 207286 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,014

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

فوائد التفاؤل على الصحة النفسية والجسدية

التفاؤل يعني الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وبقضائهِ وقدرهِ، والتفاؤل هو السلاح الأساسي الذي يستخدمه الإنسان عندما يُصاب بأي نوعٍ من التراجع النفسي، أو التراجع المعنوي، أو التراجع على مختلف الأصعدة في الحياة، فيما يلي سنتعرّف أكثر على أهميّة التفاؤل، وعلى أهم الفوائد النفسيّة والجسديّة التي يمنحُها للإنسان.

أولاً: تقوية الجهاز المناعي

أكدّت العديد من الدراسات التي أجريت أنّ الإنسان المتفائل يتمتّع بمناعةٍ مضاعفةٍ عن الإنسان المتشائم، وذلك لأنّ جسم الإنسان المتفائل يفرز بعض الأنواع من الهرمونات التي تساعد على زيادة كفاءة الجهاز المناعي لمساعدتهِ على التصدّي لمختلف الأمراض التي من الممكن أن يتعرض لها، وهذا ما يُثبت صحة النظريات التي تحدثت على أنّ أغلب مرض السرطان المتفائلين نجحوا في صراع المرض وفي الشفاء منه بشكلٍ سريعٍ وبفترةٍ قياسيّة.

ثانيّاً: يمنح الإنسان السعادة

إنّ مشاعر التفاؤل التي تملأ قلب الإنسان وعقله تمنحهُ شعوراً دائماً بالسعادة والهناء، فالإنسان المتفائل لا يكترث بسلبيات الحياة، ولا يجعلُها تؤثر على استمتاعهِ بالملذات الموجودة فيها، حيث يدفعهُ تفاؤله إلى العمل بجهدٍ وإخلاص، وإلى استغلال أوقات الفراغ لممارسة النشاطات التي تجعله يشعرُ بالسعادة والمتعة اللامتناهيّة إن كان مع عائلتهِ أو مع أصدقائهِ.
ثالثاً: المرونة في العلاقات الاجتماعيّة

ينجح الإنسان المتفائل في توسيع دائرة علاقاته الاجتماعيّة، وفي إقامة صداقات وفيّة ومتينة مع كل الأشخاص المحيطين بهِ، إن كان في العمل، أو مع جيرانهِ، وكل هذا بسبب مرونة التفكير التي يتمتعُ بها، وطريقة تعاطيه مع مختلف الأمور والقضايا في الحياة، وابتعادهِ عن كل أشكال التسلط في الرأي، أو فرض آرائهِ ومعتقداتهِ على الآخرين.

رابعاً: مواجهة المواقف الصعبة

يمدّ التفاؤل الإنسان بقوةٍ كبيرة لمواجهة كل المواقف الصعبة التي قد يمرُ بها، وكل الظروف القاسيّة والعراقيل المزعجة التي قد تعترضُ طريق عملهِ وطريق نجاحهِ وتحقيق طموحاتهِ في الحياة، لهذا فإنّ الإنسان الذي يتمتع بالتفاؤل لا يعرف الاستسلام، ولا يعرف الضعف أو الفشل في الحياة، ودائماً ما ينظر إليهِ الآخرين على أنهُ مثالٌ حي لكل إنسان ناجح في الحياة.

خامساً: الحفاظ على صحة المخ والدماغ

لقد أثبتت الدراسات العديدة بأن التفاؤل يُساعد على استرخاء دماغ الإنسان وتخليصهِ من كل الشحنات السلبيّة المتراكمة فيهِ، والتي تعيقهُ عن العمل بشكلٍ صحيح، وعن أداء مهامهِ طوال فتر العمر، لهذا فإنّ الإنسان المتفائل يتمتعُ بذاكرةٍ قويّة، وبقدرةٍ كبيرة على تذكر مختلف المعلومات والأفكار القديمة والحديثة، وبالتالي فإنّ التفاؤل يحمي الإنسان من الإصابة بمختلف أمراض الذاكرة والنسيان كمرض الزهايمر الخطير.

وأخيراً عليك عزيزي أن تجعل التفاؤل جزءاً أساسيّاً من حياتكَ الشخصيّة والعمليّة، ونقطةً أساسيّة لتنطلق من خلالها لتحقيق كل الأعمال والنجاحات في الحاضر والمستقبل.


 
قديم يوم أمس, 03:41 PM   رقم المشاركة : ( 207287 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,014

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


مَن يَخلُص وكَيفَ؟

الأحَد الواحِد والعِشرون: مَن يَخلُص وكَيفَ؟

(لوقا 13: 22-30)



النص الإنجيلي (لوقا 13: 22-30)



22 وكانَ يَمُرُّ بِالمُدُنِ والقُرى، فيُعَلِّمُ فيها، وهوَ سائِرٌ إلى أُورَشَليم. 23 فقالَ لَه رَجُل: ((يا ربّ، هلِ الَّذينَ يَخلُصونَ قَليلون؟)) 24 فقالَ لهم: اِجتَهِدوا أَن تدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق. أَقولُ لَكم إِنَّ كَثيراً مِنَ النَّاسِ سَيُحاوِلونَ الدُّخولَ فلا يَستَطيعون. 25 ((وإِذا قامَ رَبُّ البَيتِ وأَقَفَلَ الباب، فوَقَفتُم في خارِجِه وأَخَذتُم تَقرَعونَ البابَ وتقولون: يا ربُّ افتَحْ لَنا، فيُجيبُكُم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم، 26 حينَئِذٍ تَقولونَ: لَقَد أَكَلْنا وِشَرِبنْا أَمامَكَ، ولقَد عَلَّمتَ في ساحاتِنا. 27 فيَقولُ لَكم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم. إِلَيكُم عَنَّي يا فاعِلي السُّوءِ جَميعاً! 28 فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأَسنان، إِذ تَرَونَ إِبراهيمَ وإِسحقَ ويعقوبَ وجميعَ الأَنبِياءِ في مَلَكوتِ الله، وتَرَونَ أَنفُسَكُم في خارِجِه مَطرودين. 29 وسَوفَ يَأتي النَّاسُ مِنَ المَشرِقِ والمغرِب، ومِنَ الشَّمالِ والجَنوب، فيجِلسونَ على المائِدَةِ في مَلَكوتِ الله. 30 فهُناكَ آخِرونَ يَصيرونَ أَوَّلين وأَوَّلونَ يَصيرونَ آخِرين)).



المُقَدِّمَةُ


يَتَناوَلُ إِنْجِيلُ الأَحَدِ (لوقا 13: 22-30) مَوضوعَ الخَلاص، مِن خِلالِ السُّؤالِ: "هَلِ الَّذينَ يَخلُصونَ قَليلون؟" فَمَنِ الَّذي يَخلُص؟ لَكِنَّ يَسوعَ حَوَّلَ انتِباهَ سامِعيهِ، مُستَثمِرًا سُؤالَهُم الَّذي كانَ شائِعًا في العَقلِيَّةِ الرَّبَّانِيَّةِ عَن عَدَدِ الَّذينَ يَخلُصون، لِيَطرَحَ سُؤالًا أعمَق: ماذا يَجِبُ أَن نَعمَلَ كَي نَخلُص؟ وبِذلِكَ وَجَّهَهُم إلى الاِجتِهادِ لِلدُّخولِ في المَلكوتِ بِنِعمَتِهِ، عَبرَ البابِ الضَّيِّق. ولِذظ°لِكَ، يَجِبُ عَلَينا أَن نَتَّخِذَ القَرارَ المَصِيريَّ في البَحثِ عَنِ الخَلاص، قَبلَ أَن يُغلَقَ البَاب. ومِن هُنا تَكمُنُ أَهمِّيَّةُ البَحثِ في وِقائِعِ النَّصِّ الإِنجِيلِيِّ وَتَطبيقاتِهِ.


أولا: وقائع النص الإنجيلي (لوقا 13: 22-30)


22 وكانَ يَمُرُّ بِالمُدُنِ والقُرى، فيُعَلِّمُ فيها، وهوَ سائِرٌ إلى أُورَشَليم.



"المُدُنِ والقُرى": تُشيرُ إلى مَناطِق بَيريَّة وقُراها، حَيثُ كانَ التَّلاميذُ السَّبعون قد بَشَّروا مِن قَبل (لوقا 10: 1). فَيَسوعُ يُتابِعُ هُنا الرِّسالة في مَجالٍ أَوسَع، ليشملَ الحَضَرَ والبَوادِي. "سائِرٌ إلى أُورَشَليم": تُشيرُ إلى أَنَّ مَسيرَةَ يَسوعَ لَيسَت نُزهَةً عابِرَةً، بَل هِيَ مَسيرَةُ الخَلاص، وإتمامُ المَخطَّطِ الإِلَهيِّ الَّذي سَيُتَوَّجُ بِالمَوتِ على الصَّليب في المَدينَةِ المُقدَّسَة، "مِن أَجلِ الجَميع". فَهُوَ السَّفرُ إلى أُورَشَليم، حَيثُ اختارَ يَسوعُ الطَّريقَ الضَّيِّق: طَريقَ الصَّليب. "سائِرٌ" تُشيرُ إلى مَسيرَةِ يَسوع، المَسيحِ المُرسَل، المَملوءةِ نَشاطًا رَسُوليًّا؛ فَهُو يَنتَقِلُ مِن بَيتٍ إلى بَيت، ومِن قَريَةٍ إلى قَريَة، ومِن مَدينَةٍ إلى أُخرى. وقَد تَكرَّرت هظ°ذه اللَّفظة في النَّصِّ اليونانِيِّ د€خ؟دپخµل½·خ±خ½ د€خ؟خ¹خ؟ل½»خ¼خµخ½خ؟د‚ (بِمَعنى "سائِرٌ" أو "مُتَّجِهٌ") 88 مَرَّة في إِنجيلِ لوقا، دَلالَةً على أَهمِّيَّةِ مَسيرَةِ يَسوعَ نَحوَ أُورَشَليم. وهُنا نَجِدُ جُزءًا مِن هظ°ذا السَّفرِ الَّذي بَدَأَ بذكرِهِ لوقا سابِقًا (لوقا 9: 51). ويَستَفادُ مِن سِياقِ الإِنجيلِ أَنَّ يَسوعَ لَم يَتَّجِه مُباشَرَةً إلى أُورَشَليم، بَل مَرَّ أَوَّلًا في السَّامِرَة ثُمَّ عادَ إلى بَيريَّة (لوقا 9: 51-52). "أُورَشَليم": هِيَ المَدينَةُ الموصوفَةُ فِي الكِتابِ المُقَدَّسِ بِأَنَّها "قاتِلَةُ الأَنبِياءِ" . ولوقا يُكرِّرُ التَّذكيرَ بِهظ°ذِهِ الوِجهَةِ وَبِهظ°ذا المَصير، مِمَّا يُعطي إِنجيلَهُ طابعًا فِصحيًّا واضِحًا. فَالفِصحُ سَيَتِمُّ فِي أُورَشَليم، وَالشَّريعَةُ تَفرِضُ ثَلاثَ زِياراتٍ لِلهَيكَل في السَّنَة (عِيدُ الفَطير، عِيدُ الحَصاد/الأَسَابِيع، عِيدُ الأَكواخ: خُروج 23: 14-17؛ 34: 22-23؛ تثنِيَة 16: 16). وبِالتَّالي، صَعِدَ يَسوعُ إلى أُورَشَليم ثَلاثَ مَرّات. هُنا يُذكَرُ صُعودُهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَة (لوقا 13: 22)، بَعدَ أَن كانَ لوقا قَد ذَكَرَ الصُّعودَ الأَوَّل فِي السَّنَةِ الأُولى (لوقا 9: 51). وإِنَّ اليَقينَ بِالمَوتِ المُرتَقَب فِي هظ°ذا الصُّعود لَم يَمنَع يَسوعَ مِنَ الاستِمرارِ فِي رِسالَتِهِ، مُواصِلًا التَّعليمَ، والوعظَ، وَإجراءَ الشِّفاءاتِ وَالمُعجِزات، حتَّى وَهوَ يَتَّجِهُ إلى مَصيرِهِ الفِصحي.



23 فقالَ لَه رَجُل: ((يا ربّ، هلِ الَّذينَ يَخلُصونَ قَليلون؟))



"فقالَ لَه": لَيْسَتْ مَجَرَّدَ أَدَاةِ رَبْطٍ، بَلْ تَعْكِسُ مَوْقِفَ التِّلْمِيذِ أَوِ السَّائِلِ أَمَامَ يَسُوعَ، أَيْ فِعْلَ التَّوَجُّهِ الشَّخْصِيِّ إِلَى الرَّبِّ بِالسُّؤَالِ. وَيُظْهِرُ أَنَّ الْحِوَارَ لَيْسَ عَابِرًا، بَلْ هُوَ جُزْءٌ مِنَ الْمَسِيرَةِ التَّعْلِيمِيَّةِ لِيَسُوعَ، حَيْثُ يُجِيبُ عَلَى سُؤَالٍ فَرْدِيٍّ لَكِنَّهُ يَحْمِلُ طَابِعًا جَمَاعِيًّا". "رَجُل": الكَلِمَةُ المُستَخدَمَةُ فِي النَّصِّ اليونانِي هِيَ د„خ¹د‚، وَمَعناها "واحِد" أو "شَخص" رجل مجهول الهويّة. وَهُوَ يُشِيرُ إلى أَحَدِ المُجتَمِعِينَ غَيرِ التَّلامِيذ، لَكِنَّهُ تَحَدَّثَ نِيابَةً عَنِ الجَمعِ كُلِّهِ؛ وَلذظ°لِكَ جَاءَ جَوابُ يَسوعَ مُوَجَّهًا إلى الجَميع. "يَخلُصونَ": تُشيرُ إلى النَّجاةِ مِنَ العِقابِ الأَبَدِي، وَالفَوزِ بِالسَّعادَةِ الأَبَدِيَّة. فَالمَوضوعُ هُنا هُوَ الخَلاصُ الأخرون، لا مُجرَّدُ نَجاةٍ زَمنيَّة. مصدر الخلاص هو الله فقط وليس الإنسان، الإنسان مدعو ليجتهد حتى ينال ما أعده الله من أبديّة. في تبعية يسوع نجد خلاصنا الحقيقي الآتي منه وليس منا. مسيرتنا وراء المعلم هي الضامن الوحيد لخلاصنا. "يا رَبّ، هَلِ الَّذينَ يَخلُصونَ قَليلون؟": يَكشِفُ هظ°ذا السُّؤالُ الَّذي طَرَحَهُ أَحَدُ اليَهود عَنِ الِاعْتِقادِ السَّائِدِ عِندَ الرَّبّانِيِّين أَنَّ الخَلاصَ هُوَ حِكرٌ عَلى الشَّعبِ المُختار فَقَط، أَي عَلى أَبناءِ إِبراهيم، المُلتَزِمينَ بِالتَّوراةِ وَالوَعُود. كَثيرًا ما يُطرَحُ هذا التَّساؤُلُ مِمَّن يَنتابُهُمُ الشُّعورُ بِأَنَّهُم «الأَوَّلِين» (لوقا 13: 30)، في حَقيقَتِهِم هُم عَلى العَكسِ تَمامًا، إِذ إِنَّهُم في نَظَرِ اللهِ مِن «الآخِرِين» (لوقا 13: 30). فَهُم يَظُنُّونَ أَنَّ امتِيازاتِهِم الدِّينيَّةَ أَو اجتِماعِيَّتَهم تُعطيهِم مَكانَةَ السَّبْقِ في مَلكوتِ الله، غافِلِينَ عَن أَنَّ الأَولَوِيَّةَ لا تُعطى بِالحَسبِ البَشَريّ، بَل بِالإيمانِ الحَيِّ والتَّوبَةِ الصَّادِقَة. وهكَذا يُصبِحُ «الآخِرُون» الَّذينَ لَم يُحسَبوا يَومًا مِن الأَوَّلينَ في نَظَرِ البَشَر، هُم الأَوَّلُونَ في نَظَرِ الله، لأَنَّهُم سَلَكوا طَريقَ التَّواضُعِ والطَّاعةِ والهِدايَة. وَقَد ذَهَبَ بَعضُهُم إلى القَولِ بِأَنَّ "المُخلَّصين قَليلون حَتَّى مِن أَولادِ إِبراهيم"، مُستشهِدِين بِحَديثِ العَهدِ القَدِيم: إِذ لَم يَنجُ مِن جِيلِ الخُروجِ مِن مِصر سِوى اثنَين (يشوع وَكالب). وَقَد يَطرَحُ المَسِيحِيُّونَ اليَومَ سُؤالًا مُشابِهًا: هَل الَّذينَ يُخلَّصون هُم فَقَط المَسيحيُّون؟ خُصوصًا وَأَنَّ عَدَدَهُم قَد بَلَغَ نَحو 1.7 مِليار مُؤمِنٍ مِن سُكَّانِ الأَرض. يُظهِرُ هظ°ذا السُّؤالُ أَنَّ المُستَمعِينَ تَعامَلوا مَع الدِّينونَةِ كَأَنَّها عَمَليَّةُ حِسابٍ عَدَدِيٍّ، مُرَكِّزينَ على "الكَمّ" لا على "الكَيف". وَلَكِنَّ يَسوعَ لَم يُرِد أن يُغذِّيَ هظ°ذا النَّمط مِن التَّفكِير، بَل جَاءَ جَوابُهُ مُباشَرًا وَواضِحًا: إِنَّ الخَلاصَ لَيسَ مَوضُوعَ إِحصاءِ أَرقام، بَل هُوَ قَرارٌ شَخصِيٌّ وَمَسؤُولِيَّةٌ حَيَويَّة. فَهظ°ذا السُّؤالُ قَد يَحمِلُ فِي طَيَّاتِهِ رَغبَةً مُزيَّفَة: لِماذا نَتعبُ وَنجتَهِدُ، إِذا كانَ عَدَدُ المُخلَّصِين قَلِيلًا؟ وَهُنا يَكشِفُ المَسيحُ أَنَّ الخَلاصَ لا يُقاسُ بِالكَثرةِ أَوِ القِلَّة، بَل بِالاجتِهادِ وَالاِستِجابَةِ لِدَعوَةِ اللهِ إلى دُخولِ البَابِ الضَّيِّق.



24 فقالَ لهم: اِجتَهِدوا أَن تدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق.
أَقولُ لَكم إِنَّ كَثيراً مِنَ النَّاسِ سَيُحاوِلونَ الدُّخولَ فلا يَستَطيعون.



"قالَ لهم": تُشيرُ إلى أَنَّ يَسوعَ وَجَّهَ رَدَّهُ إلى الرَّجُلِ الَّذي نَطَقَ بِالسُّؤال نِيابَةً عَنِ الجَمع، وَلكِنَّ الجَوابَ جاءَ لِمَصلَحَةِ الجَميع، لِأَنَّ أَمرَ الخَلاصِ يَعنِيهِم كُلُّهُم. "اجتَهِدوا أَن تَدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق": هُوَ جَوابٌ غَيرُ مُباشِر عَنِ السُّؤالِ: "أَقَليلٌ هُمُ الَّذينَ يَخلُصون؟"، وَجَوابٌ مُباشِر عَنِ السُّؤالِ: "ماذا أَعمَلُ لِكَي أَخلُص؟". وَكَأَنَّ يَسوعَ يَقولُ: «لا يُعنيكَ أمرُ غَيرِكَ، بَلِ اطْلُبْ خَلاصَ نَفسِكَ". وَهظ°ذا الأُسلوبُ نَراهُ في أَجوبَتِهِ لِعَالِمِ الشَّريعَة (لوقا 10: 29)، وَلِبُطرُس (لوقا 12: 41)، وَلِيَهوذا غَيرِ الإِسخَريوطِي (لوقا 14: 22). يَتَجاوَزُ جَوابُ يَسوعَ حُدودَ السُّؤالِ المَطروحِ: فَالمُهِمُّ لَيْسَ مَعْرِفَةَ عَدَدِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ، سَواءٌ أَكانُوا كَثِيرِينَ أَمْ قَلِيلِينَ، بَلِ الأَهَمُّ هُوَ أَنْ نَخْلُصَ. ويُعلِّق البابا فرنسيس قائلًا: "إِنَّ الأَمرَ لَيسَ مَسأَلَةَ عَدَد، فَلَيسَ المُهِم أَن نَعرِفَ كَم يَخلُصون، بَل المُهِم أَن يَعرِفَ الجَميعُ الطَّريقَ الَّذي يُؤدِّي إلى الخَلاص". وهظ°ذا ما يُؤكِّدُهُ بولُسُ الرَّسُول: "فَإِنَّهُ تَعالى يُريدُ أَن يَخلُصَ جَميعُ النّاسِ وَيَبلُغوا إِلى مَعرِفَةِ الحَقّ" (1 طيموتاوس 2: 4. "اِجتَهِدوا": في الأصل اليوناني ل¼ˆخ³د‰خ½خ¯خ¶خµدƒخ¸خµ (معناها أن يسعوا بجدٍّ واجتهاد)، هِيَ فِعلٌ أمْر بِصِيغَةِ الجَمع، وَتَعني بَذلَ الإِنسانِ كُلَّ طاقَتِهِ، جَسَدِيًّا وَعَقلِيًّا، فِي سَبِيلِ خَلاصِهِ. المَوضُوعُ لَيسَ قَضيَّةَ تَصَرُّفٍ أَخلاقِيٍّ فَردِيٍّ فَقط، بَل هُوَ مَوضُوعٌ جَماعِيٌّ يَشمَلُ جَميعَ النّاس. إِنَّ دَعوَةَ يَسوعَ لِلاجتِهادِ بِالدُّخولِ مِنَ "البابِ الضَّيِّق" (لوقا 13: 24)، هِيَ دَعوَةٌ لِلمَوتِ عَنِ الذَّاتِ ولِلتَّصاغُرِ في التَّواضُعِ. فَالبابُ الضَّيِّقُ لَيسَ مَمرًّا خارِجِيًّا نَعبُرُهُ مَرَّةً واحِدَة، بَل هُو مَسيرةُ حَياةٍ يومِيَّةٍ، نَتَخَلَّى فيها عَن كِبريائِنا وَمَصالِحِنا الذّاتِيَّةِ لِنَتَّحِدَ بِالمَسيح. وَكَمَا تَوَجَّهَ هُوَ نَفسُهُ بِتَواضُعٍ وَطاعَةٍ إِلى أُورَشَليمَ ليَحمِلَ صَليبَهُ، كَذلِكَ يَدعُونا أَن نَحمِلَ صَليبَنا وَنَتبَعَهُ (متى 16: 24). فَالمَوتُ عَنِ الذَّاتِ هُوَ شَرطُ الدُّخولِ، وَالتَّواضُعُ هُوَ المِفتاحُ الَّذي يُمَكِّنُنا مِن قَبولِ نِعمةِ الخَلاصِ، لأَنَّ "اللهَ يُقاوِمُ المُستَكبِرينَ، أَمَّا المُتواضِعونَ فَيُعطيهِم نِعمَةً" (يعقوب 4: 6). يَسوعُ يَحثُّ الجَميعَ على الجِهاد وَالكِفاح وَالعَمَل، وَهِيَ مَتطَلَّباتُ الحَياةِ المَسِيحِيَّة، كَما قَالَ: " دامَ عَهدُ الشَّريعَةِ وَالأَنبِياءِ حَتَّى يُوحَنّا، وَمِن ذلكَ الحِينِ يُبَشَّرُ بِمَلكوتِ الله، وَكُلُّ امرِئٍ مُلزَمٌ بِدُخُولِهِ" (لوقا 16: 16). ويُعلِّق البابا غريغوريوس الكَبير: "اِجتَهِدوا، لأَنَّهُ ما لَم يُجاهِدِ الذِّهنُ بِرُجولَة، لا تَنهَزِمُ أَموَاجُ العالَم، هذِهِ الَّتي تَسحَبُ النَّفسَ إلى الأَعماق". "البابِ الضَّيِّق" تَعبِيرٌ رَمزيٌّ مُستَعارٌ مِن عُرفِ الأَعراس في ذلكَ الزَّمَن؛ فَكانَت تُقامُ لَيلًا، وَيُدعى النّاسُ لِلدُّخولِ مِن بابٍ صَغير يُغْلَقُ بَعدَ دُخولِ المَدعُوِّين. فَيَدخُلُون لِيَنعَموا بِالنُّورِ وَالأَفراح، أَمّا الَّذينَ يَتأَخَّرون فَيَبقَون فِي الظُّلمَةِ الخارِجِيَّة. وهظ°ذا التَّشبِيهُ يُحذِّرُ مِن ضَياعِ الفُرصَة. كَما تُذكِّرُنا صُورَةُ "الباب" أَيضًا بِالبَيتِ، مَكانِ الأَمان وَالمَحبَّة وَالدِّفء. وَيُعلِنُ يَسوعُ أَنَّ هُناكَ بابًا يُدخِلُنا إلى عائِلَةِ الله وَشَرِكَتِهِ. فَيَقولُ: "أَنا الباب، فمَن دَخَلَ مِنِّي يَخلُص" (يوحنا 10: 9). فَالمَسِيحُ هُوَ البابُ الحَقِيقِي، وَمَن يَدخُلُ مِنهُ يَنالُ الحَياةَ وَالخَلاص. فَالبابُ الضَّيِّقُ هو يَسوعُ نَفسُه، الَّذي يَتَوَجَّهُ مِن أَجلِنا إِلى أُورَشَليمَ لِيُعطِيَنا الخَلاصَ. وهُوَ الطَّريقُ الأَوحَدُ الَّذي نَسلُكُهُ لِنَنالَ هذا الخَلاص! وَهُوَ بابُ السَّماءِ النّازِلُ على الأَرض: "الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: ستَرَونَ السَّماءَ مُنفَتِحَةً وَمَلائِكَةَ اللهِ صاعِدِين نازِلِين فَوقَ ابنِ الإِنسان" (يوحنا 1: 51). وَهُوَ البابُ الَّذي يَقُودُ إلى المَراعِي الإِلَهِيَّة وَالخَيراتِ السَّمَاوِيَّة: "يَدخُلُ وَيَخرُجُ وَيَجِدُ مَرعًى" (يوحنا 10: 9). وَبِالتَّالِي، فَالمَسِيحُ هُوَ الوَسِيطُ الوَحِيد الَّذي عَبرَهُ يُقَدِّمُ اللهُ ذاتَهُ لِلبَشر، وَبِه يَجِدُ النّاسُ سَبِيلَهُم إلى الآب: "لَنا بِه جَميعًا سَبيلاً إلى الآبِ في رُوحٍ واحِد" (أفسس 2: 18). وَفِي العِظَةِ على الجَبَل يُشدِّدُ الرَّبُّ على ضَرورَةِ الدُّخولِ مِنَ البابِ الضَّيِّق (متى 7: 13-14)، وَذظ°لِكَ بِالاِبتِعادِ عَن شَهواتِ العالَم وَأَنانيَّتِه، وَبِقَبولِ الاِضطِهادِ مِن أَجلِ اسمِ المَسِيح. وَيُعلِّق البابا فرنسيس: "إِنَّهُ مِن خِلالِ دُخولِ بابِ يَسوع، بابِ الإِيمانِ وَالإِنجِيل، نَستَطِيعُ الخُروجَ مِنَ الأَنانيَّةِ وَالانغِلاق". "الضَّيِّق": هُو الوَصفُ الوَحِيد المُستَخدَم لِلباب في الإِنجِيل، وقد ورد في إنجيل لوقا مَرَّةً واحِدَةً. أَمّا في إِنجيل متى فَنَجِدُ التَّمييزَ بَين "الطَّريقَين": الطَّريقُ الضَّيِّق وَالطَّريقُ الرَّحب (متى 7: 13-14)، وَهُوَ صُورَةٌ مَألوفَة فِي كُتُبِ قُمران أَيضًا. البابُ الضَّيِّقُ يُلَمِّحُ إلى المَطالِبِ الجَذريَّة الَّتي وَرَدَت فِي عِظَةِ التَّطويبات (متى 5–7)، وَهُوَ بِالتَّالي طَريقُ الصَّليب. قَد طَبَّقَ الرَّبُّ يَسوعُ ذظ°لِكَ على نَفسِهِ، وَاجتازَ البابَ الضَّيِّق بِسَفرِهِ نَحو أُورَشَليم. أَمّا المُؤمِنُ فَالبابُ الضَّيِّقُ لَهُ هُوَ أَن يَسِيرَ فِي خُطاهُ، حامِلًا صَليبَه، وَمُلتَزِمًا تَعليمَهُ الجَذري فِي مَجالِ الوَصايا (متى 5: 21 وما يَليه). وَيُذَكِّرُنا "البابُ الضَّيِّق" أَيضًا بِبابِ كَنيسَةِ المِيلاد في بَيتِ لَحم، الَّذي يَضطَرُّ الدّاخِلُ إلَيهِ أَن يَنحَني تَواضُعًا. وَهظ°كَذا، فَدُخولُ مَلكوتِ الله يَتَطَلَّبُ التَّواضُعَ وَالجِهادَ وَالجِدِّيَّة. وَيُعلِّق القِدِّيس يُوحَنّا الذَّهَبِي الفَم قائلًا: " إِنَّ طَريقَ الخَلاصِ ضَيِّقٌ فِي مَدخلِهِ، وَلَكِن إِذا دَخَلتَهُ وَجَدتَ مَكانًا مُتَّسِعًا (رَاحَةً). وَعَلى العَكس، الطَّريقُ المُؤدِّي إِلى الهَلاكِ وَاسِعٌ فِي مَدخلِهِ، وَلكِنَّهُ يَصِيرُ ضَيِّقًا وَمُظلِمًا فِي نِهايَتِهِ". وَبِمَعنى آخَر، يَسوعُ نَفسُهُ هُوَ البابُ الضَّيِّق وَالطَّريقُ الوَحِيدُ لِلوُصُولِ إِلى الآب: "أَنا الطَّريقُ وَالحَقُّ وَالحَياة. لا يَمضِي أَحَدٌ إِلى الآبِ إِلاّ بِي" (يوحنا 14: 6). فَمَن دَخَلَ مِنهُ وَجَدَ الحَياةَ وَالخَلاص. ويُعزِّزُ الآب كيرلس الأورشليمي هذا البُعد قائلاً: «كما أنّ البابَ ضيّقٌ والجهادَ عظيمٌ، كذلك المجدُ عظيمٌ لا يُقاسُ بما يُحتَمَلُ الآن من آلام. فلا نَخشَ الضِّيق، بل لنقبَلْهُ بِشَغَفٍ، لأنّ الّذي يَدخُلُ ضِمنَ هذا البابِ يَجدُ الفَرَحَ الأبديّ" (التعليم المسيحي، محاضرة 5). وهَكذا يُصبِحُ البابُ الضَّيِّقُ ليسَ عَلامَةَ عَناءٍ فَقَط، بَل مَدخلًا إِلى مَجدٍ لا يُوصَف، وَطَريقًا وحيدًا لِلوُصولِ إِلى الحَياةِ الأَبَدِيَّة مَعَ المَسيح. "لا يَستَطيعون": تُشِيرُ إلى الَّذينَ يَعجِزونَ عَنِ الدُّخولِ مِنَ البابِ الضَّيِّق، لِأَنَّهُم فاتِرون وَمُتكاسِلون وَمُتأَخِّرون. فَهُم يُرِيدُونَ بابًا وَاسِعًا يُشبِعُ شَهواتِ قُلوبِهِم وَيُمتِّعُ أَجسادَهُم بِالخَيراتِ الزَّمَنيَّة. يَظهَرُونَ بِمَظهَرٍ مُتَدَيِّن، لَكِنَّ قُلوبَهُم مَليئَةٌ بِالأَنانيَّةِ وَالطَّمَع. هُم يَطلُبونَ البِرَّ بِبِرِّ أَنفُسِهِم، لا بِبِرِّ المَسِيح. وَيَأبَونَ أَن يَدخُلوا مِن بابِ التَّوبَةِ وَالإِيمَانِ وَإِنكارِ الذّات. وَبَعضُهُم يَتَأَخَّرونَ حَتَّى يُغلَقَ الباب، فَيَفقِدُونَ الفُرصَة. وَعَليهِ، فَلَيسَ كافِيًا أَن نُصغِيَ إِلى كَلِماتِ يَسوع أَو أَن نُعجَبَ بِمُعجِزاتِهِ؛ بَل مِنَ الضَّرورِيِّ أَن نَتُوبَ وَنَتَحوَّلَ عَنِ الخَطيئَة، وَنَضَعَ ثِقَتَنا الكامِلَة فِي الله الَّذي يُخَلِّصُنا. إِنَّهُ دَعوَةٌ إلى العمَل لا الكَلام: اِختِيارٌ مَصِيريّ بَين طَريقٍ وَطَريق، بَينَ تَلمِيذٍ يَكتَفِي بِإِعلانِ مَشيئَةِ الله، وَتَلمِيذٍ آخَرَ يَعملُ بِها.



25 وإِذا قامَ رَبُّ البَيتِ وأَقَفَلَ الباب، فوَقَفتُم في خارِجِه
وأَخَذتُم تَقرَعونَ البابَ وتقولون: يا ربُّ افتَحْ لَنا
فيُجيبُكُم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم،



"وإِذا قامَ رَبُّ البَيتِ": تُشيرُ إلى أنَّ رَبَّ البَيت، أي المَسيح، يَقومُ فَيُغلِقُ البابَ بعدَ انقِضاءِ المَوعِد. وَالمَعنَى أنَّ هؤلاء قد أَخَّروا طَلبَ الدُّخولِ حتَّى فاتَ الأوان، فصارَ طَلبُهُم بَعدَ ذظ°لِكَ عَبَثًا. وهُنا التَّحذيرُ واضِح: عَلَينا أن نَجتَهِدَ في الحاضِر قَبلَ أن يُغلَقَ البابُ، لِئلّا تَفُوتَنا الفُرصَة بِسَبَبِ التَّأخُّرِ وَالتَّراخي. "رَبُّ البَيتِ": هُوَ المَسيح نَفسُه، الَّذي يَظهَرُ كَصاحِبِ بَيتٍ أَولأً لِأَهلِ بَيتِه وأَصدِقائِه في الوَقتِ المُعيَّن. أَمّا الَّذينَ لَم يَأتُوا فِي المَوعِد، فَقد فاتَهُم الدُّخول، إِذ بَعدَ إِغلاقِ الباب لا يُفتَحُ بَعدُ لِأَحَد. "أَقَفَلَ الباب": تُشيرُ إلى الرَّفض (متى 25: 10)، وَتُوحي أَيضًا بِفِكرَةِ الفَرز بَينَ الدَّاخِلينَ وَالمَرفوضين. فالبابُ لَن يَبقَى مَفتوحًا إِلى ما لا نِهايَة. فَهُناكَ نِهايَةٌ لِلحَياةِ الأَرضِيَّة، وَوَقتٌ مَقبُول لِلتَّوبَةِ وَالخَلاص، وَوَقتٌ آخَر لِلدَّينونَة. وَمَتَى أُقفِلَ بابُ التَّوبَةِ، يُفتَحُ بابُ الدَّينونَة. ويُذَكِّرُنا هظ°ذا بِشِعار شارل دي فوكو: "يجِب أَن نَعيشَ كُلَّ يَوم كَأَنَّهُ يَومُ الدِّين، كَأَنَّهُ اليَومُ الأَخِير". ويُعلِّق البابا فرنسيس: "إِنَّ هظ°ذا البابَ هُوَ الفُرصَة الَّتي لا يَجِب إِضاعَتُها. فَفي لَحظَةٍ ما يَقومُ رَبُّ البَيتِ وَيُقفِلُ الباب". يُقْفَلُ البَابُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الاِنْتِقَامِ، بَلْ فَقَطْ لِأَنَّ الخَلاصَ يُعْطَى بِالنِّعْمَةِ، وَيَسْتَقْبِلُهُ فَقَطْ مَنْ يُدْرِكُ أَنَّهُ لا يَسْتَحِقُّهُ، عَلَى مِثَالِ اللِّصِّ اليَمِينِ الَّذِي تَوَسَّلَ إِلَى يَسُوعَ: ‹الحَقَّ أَقُولُ لَكَ: سَتَكُونُ اليَوْمَ مَعِي فِي الفِرْدَوْسِ› (لوقا 23: 43). فَكُلُّ ما يُنْتَظَرُ مِنَّا، كَما فَعَلَ اللِّصُّ عَلَى الصَّلِيبِ، هُوَ الاِعْتِرافُ بِخَطايانا وَحَاجَتِنا إِلَى الخَلاصِ. "فَوَقَفتُم في خارِجِه وأَخَذتُم تَقرَعونَ البابَ وتقولون": تُصوِّرُ الانفِعالات وَالأَقوال وَالأَعمَال الَّتي يَقومُ بِها المَرفُوضون عِندَ مَجيءِ يَومِ الدِّينونَة. هُم كالعَذارى الجاهِلات الَّلواتي لَم يَحتَطْنَ بزَيتٍ كافٍ، فَأُقفِلَ البابُ في وُجوهِهِن (متى 25: 1-12). "لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم": هُوَ رَدُّ رَبِّ البَيت، أَي الرَّبُّ نَفسُه. فَهُوَ لا يَعرِفُ هظ°ؤلاء الَّذينَ ظَنّوا أَنَّهُم يَستَحِقّونَ الدُّخول، لِأَنَّهُم اكتَفَوا بِمَظهَرٍ دِينِيّ، كَما فَعَلَ الفِرِّيسِي فِي مَثَل الفِرِّيسِي وَالعَشّار (لوقا 18: 9-13). لآنَّ الخَلاصَ لا يَأتِي بِالمُستَحَقّات البَشَرِيَّة، بَل هُوَ عَطيَّة نِعمةٍ مِن صَليبِ المَسيح. فَالمَطلُوبُ هُوَ تَواضُع الإِنسان أَمامَ الله، كَمَا فَعَلَت العَذراءُ مَريم، حِينَ قَرَأت حَياتَها فِي ضَوءِ عَمَلِ الله فيها: «إِنَّهُ نَظَرَ إِلى أَمَتِهِ الوَضيعة" (لوقا 1: 48)، وَأَرجَعَت كُلَّ صَلاحٍ وَخَيرٍ إِلى رَحمةِ الله: " لِأَنَّ القَديرَ صَنَعَ إِلَيَّ أُمورًا عَظيمة" (لوقا 1: 49). إِنَّ الآبَ لا يَتَعَرَّفُ فِينا إِلَّا عَلَى مَلامِحِ ابْنِهِ الحَبِيبِ، لِأَنَّ الابْنَ هُوَ "صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ" (قولسي ظ،: ظ،ظ¥)، وَكُلُّ مَنْ يَعْتَمِدِ الْمَسِيحَ يَلْبَسْ هظ°ذِهِ الصُّورَةَ. لِذظ°لِكَ، مَا يَرَاهُ الآبُ فِي أَبْنَائِهِ هُوَ اِنْعِكَاسُ وَجْهِ الْمَسِيحِ مَطْبُوعًا فِي حَيَاتِهِمْ، لَا أَعْمَالُهُمْ وَلَا اسْتِحْقَاقَاتُهُمُ الشَّخْصِيَّةُ. فَالْمَسِيحِيُّ مَدْعُوٌّ أَنْ يَسْلُكَ ذَاتَ الطَّرِيقِ الَّذِي سَلَكَهُ يَسُوعُ: طَرِيقَ الْبَذْلِ بِالْحُبِّ، وَالتَّجَرُّدِ مِنَ الذَّاتِ، كَمَا يَقُولُ بُولُسُ الرَّسُولُ: "فَلْيَكُنْ فِيكُمْ مِنَ الأَخْلَاقِ مَا هُوَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ... أَخْلَى ذَاتَهُ آخِذًا صُورَةَ الْعَبْدِ" (فيلِبِّي 2: 5-7). القِدِّيسُ إِيرِينَاؤُس يُعَبِّرُ عَنْ ذظ°لِكَ بِالْقَوْلِ: "مَجْدُ اللهِ هُوَ الإِنْسَانُ الْحَيُّ، وَحَيَاةُ الإِنْسَانِ هِيَ فِي مُعَايَنَةِ اللهِ". أَيْ أَنَّ مَجْدَنَا يَتَحَقَّقُ فَقَطْ عِنْدَمَا تَنْعَكِسُ فِينَا مَلامِحُ الْمَسِيحِ، ابْنِ اللهِ الأَزَلِيِّ. فَالَّذينَ "وَقَفُوا خارِجَ الباب" هُم فِي الحَقيقَةِ خُطاة لَم يُحِبّوا الرَّب، بَل أَحبّوا أَنفُسَهُم وَالعالَم. وَإِذ لَم يَعرِفوا طَريقَ الرَّب فِي حَياتِهِم، لَم يَعرِفْهُم الرَّب عِندَ مَجيئِهِ. وَالمَعنَى أَنَّهُ يَحسُبُهُم غَرباءَ عَن نُورِهِ وَمَجدِهِ. وَقَد قال القِدِّيس إيرونيموس: " عِندَ الدِّينونَة لا يَعرِفُ الرَّبُّ الخاطِئَ بَلِ البارّ". وَيُضيف القِدِّيس باسيليوس الكَبير: "يَعرِفُ الرَّبُّ مَن لَهُ، أَي يَتَقَبَّلُهُم فِي شَرِكَةٍ قَوِيَّة بِسَبَبِ أَعمالِهِم الصَّالِحَة".



26 حينَئِذٍ تَقولونَ: لَقَد أَكَلْنا وِشَرِبنْا أَمامَكَ، ولقَد عَلَّمتَ في ساحاتِنا.



أَكَلْنا وِشَرِبنْا أَمامَكَ": تُشيرُ إلى الَّذينَ يَعتَقِدون أَنَّهُم يَملِكونَ امتِيازًا خاصًّا يُؤهِّلُهُم لِدُخولِ المَلكوت، إِمّا بِحُكمِ أَعمالِهِم الشَّخصيَّة، أَو بِحُكمِ قُربِهِم الظّاهِري مِنَ المَسيح. فَهُم يَظُنّون أَنَّ مُجرَّدَ التَّواجُد مَعَهُ أَوَ الأَكلِ أَمامَهُ يَكفِي لِلحُصُولِ على الخَلاص. وَلكِنَّ ذظ°لِكَ لا يَنفعُهُم، كَما حَصَلَ مَعَ الجُمُوعِ الَّتي كَانَت تُزاحِمُ يَسوع دُونَ أَن تَستَفِيدَ شَيئًا، بَينَما نالتِ المَرأَةُ المَنزوفَةُ الشِّفاء لِأَنَّها لَمَست طَرفَ ثَوبِهِ بِإِيمانٍ (لوقا 8: 43-48). هُنَا يُؤكِّد الإِنجِيلُ أَنَّهُ لا يَكفِي أَن نَعرِفَ الله أَو أَن نَكونَ قَريبِين مِنهُ ظاهِريًّا، بَل الحاجَةُ هِيَ إِلى الإِيمَانِ الحَيّ وَالعَمَل بِمَشيئَةِ الله وَالاِبتِعاد عَنِ الأَعمالِ الشِّرِّيرَة (متى 25: 41). وَقَد تَدلُّ العِبارَةُ أَيضًا عَلى الَّذينَ يَظُنّون أَنَّهُم يَخلُصون بِمُجرَّدِ تَناوُلِ جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ دُونَ إِيمانٍ صادِق وَتَوبَة حَقِيقِيَّة. "ولقَد عَلَّمتَ في ساحاتِنا": تُشيرُ إلى سَماعِ الشَّعب لِلتَّعالِيم، دُونَ أَن يُثمِرَ ذظ°لِكَ إِيمَانًا وَطاعَة. فَهُمُ الَّذينَ شاهَدوا رِسالَةَ يَسوع وَسَمِعوا كَلِماتِهِ (متى 7: 22-23)، وَلكِنَّهُم رَفَضوا أَن يَتَجاوَبوا مَعَها. مِن ناحِيَة، العِبارَةُ تُحيلُ إِلى مَوقِفِ شَعبِ العَهدِ القَدِيم الَّذي كَثُرَ فيه الأَنبِياءُ وَالأَبَراءُ، وَلكِنَّ كِبرياءَهُم مَنَعَهُم مِن قَبولِ كَلِمَةِ الله. وَمِن ناحِيَة أُخرى، هِيَ إِشارَةٌ إِلى أَنَّ تَعالِيمَ يَسوعَ صَارَت كَـ «صَرخَةٍ في وادٍ» لِأَنَّ كَثِيرين رَفَضوا أَن يُؤمِنوا وَيَسلُكوا بِالوَصايا الإِنجِيلِيَّة الَّتي تَقُودُ إِلى الخَلاص. وَمِن هُنا، فَالخَلاصُ لا يُبنى على مُجرَّدِ قُربٍ جُغرافِيٍّ أَو مُمَارَساتٍ خارِجِيَّة، بَل على الإِيمانِ الحَقِيقِي وَالطَّاعَة لِكَلِمَةِ الله.



27 فيَقولُ لَكم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم. إِلَيكُم عَنَّي يا فاعِلي السُّوءِ جَميعاً!



فيَقولُ لَكم": تُشيرُ إلى الذين تَظاهَروا على الأَرض أَنَّهُم من تَلاميذِ المسيح، وحَصَلوا على أَعظَمِ وَسائِطِ النِّعمة وأَعظَمِ اعتبارٍ عِندَ النّاس، لكنَّهُم في الحَقيقة لَم يَكونوا تَلاميذَ حَقًّا، ولا اعتَرَفَ بِهِم المسيح كَخاصَّتِه. "لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم": إِعلانٌ مِن يَسوعَ الديّان في نِهايةِ الأَزمِنة، بِأَنَّه لا يَعرِفُ الَّذينَ يَصنَعونَ الشَّرّ وَفَعلَةَ الإثم، سَواء أَكانوا يَهودًا أَو مِن نَسلِ إِبراهيم. فَالاِنتماءُ الجَسَديّ إِلى إِبراهيم لا يَكفي لِلاِنتماءِ إِلى شَعبِ الله. وكما أكَّد يسوع:" لا تُعَلِّلوا أَنفُسَكُم قائلين: إِنَّ أَبانا هوَ إِبراهيم. فَإِنِّي أَقولُ لَكُم إِنَّ اللهَ قادِرٌ على أَن يُخرِجَ مِن هذه الحِجارَةِ أَبناءً لإِبراهيم" (لوقا 3: 8). المِقياسُ الحَقيقيّ هُوَ الإيمانُ بالمسيح والشَّهادةُ له والثَّمرُ المُعلِن عن التَّوبة (لوقا 13: 25-27). "إِلَيكُم عَنِّي يا فاعِلي السُّوءِ جَميعاً": تُشيرُ إلى الَّذينَ أَخَّروا التَّوبةَ وواصَلوا الخَطيئة، فَبَقِيَت الدِّينونةُ عَليهم. يسوعُ الديّانُ يُعاقِبُ فَعَلةَ الإثم في يَومِ الدِّينونة، حَيثُ يَظهَرُ مَجدُ الله (أشعيا 2: 11) وعِقابُ الإِنسان (أشعيا 10: 3). فَمَن لَم يَدخل في مَنسوبِ الإِنجيل الجَديد ويَعيش شريعة المَحبّة، بَقِيَ أَسيرًا لشَريعَةٍ ظالِمَة وحِساباتٍ بَشَرِيّة، فَلا يَعتَرِفُ بِهِ الديّان. فَالمَسيح يَكشِفُ هُنا أَنَّ المَظهَرَ لا يُخلِّص: فَكثيرون يُظهِرون أَنَّهُم مَعَه، لَكِن لا عَلاقَة شَخصيَّة لَهُم بِهِ. الأَمرُ الحاسِم هُوَ الدِّينونة، وَالدِّينونة تَرتَبِطُ بِقُبولِنا يَسوع مُخَلِّصًا وَطاعتِنا لإِرادَتِه. فَلَيسَ الكَمالُ الظّاهِري أَمامَ النّاس هو المَطلُوب، بَل الإِيمانُ الحَيّ وَالعَمَلُ بِمَشيئَةِ الله، لأَنَّه "لا شَرِكَةَ بَينَ النّورِ وَالظُّلمَة". يَقول بولس الرَّسُول: «لأَنَّ أُجرَةَ الخَطيئَةِ هيَ المَوت، وأَمّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ الحَياةُ الأَبَدِيَّةُ في يسوعَ المسيحِ رَبِّنا" (رومة 6: 23). ويُعلِّق القدّيس كيرلس الكبير: "كَثيرون آمَنوا بالمسيح، وَكرَّموا الأَعيادَ المُقدَّسَة، وتَردَّدوا كَثيرًا على الكنائس لِسَماعِ الإِنجيل، لكنَّهُم لَم يُمارِسوا الفَضيلَة وبَقِيَت قُلوبُهُم خالِيَة مِن الثَّمرِ الرّوحِي. هَؤُلاءِ أَيضًا سَيَبكونَ بمرارة وَيَكونُ لَهُم صَريفُ الأَسنان، لأَنَّ الرَّب يَرفُضُهُم". أمّا "فاعِلي السُّوءِ جَميعًا": فَهُم لَيسُوا فَقَط الَّذين ارتَكَبوا الشَّر، بَل أَيضًا الَّذين أَغلقوا قُلُوبَهُم وَعُيونَهُم عَن إِخوَتِهِم، خاصَّة الفُقَراء وَالجِياع وَالعِطاش وَالمَرضى وَالأَسرى وَالمَنبُوذين وَالمُستَضعَفين وَالغُرَباء وَثَقيلي الأَحمال، كَما حَدَثَ مَعَ لعازر وَالغَنِيّ (لوقا 16: 19-31). وَأَكَّد يسوع ذظ°لِكَ فِي تَعليمِهِ عَنِ الدِّينونَة الأَخيرَة: «إِليكُم عَنِّي، أَيُّها المَلاعِين، إِلى النّارِ الأَبَدِيَّة… لأَنِّي جُعتُ فما أَطعَمتُموني… الحَقَّ أَقولُ لَكُم: أَيَّما مَرَّةٍ لَم تَصنَعوا ذلك لِواحِدٍ مِن هؤُلاءِ الصِّغار فَلِي لَم تَصنَعوُه" (متى 25: 41-46). ويَقول القِدّيس يوحنّا: "فِي آخِرِ الأَزمِنة، حِينَ يَقولُ هؤُلاءِ: يا رَبّ، يا رَبّ، أَما بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنا؟ وبِاسمِكَ طَرَدنا الشَّياطين؟ وبِاسمِكَ أَتَينا بِالمُعجِزات؟ سَيُجيبُهُم الرَّب: ما عَرَفتُكُم قَطّ. إِليكُم عَنِّي أَيُّها الأَثَمَة" (متى 7: 22-23) (محاضرات، 15: 6-7).



28 فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأَسنان، إِذ تَرَونَ إبراهيم وإِسحقَ ويعقوبَ
وجميعَ الأَنبِياءِ في مَلَكوتِ الله، وتَرَونَ أَنفُسَكُم في خارِجِه مَطرودين.



"هُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأَسنان": تُشيرُ إلى قِيامَةِ الأَجساد في يَومِ الدِّينونَة، إِذ تُشارِكُ الأَجسادُ الأَنفُسَ في الجَزاء. فَإِن كانَ هُناكَ بُكاءٌ لِلعُيون، وَصَريفٌ لِلأَسنان، فَبِالحَقِّ سَتَقومُ الأَجسادُ لِتَشارِكَ فِي العَذابِ أَو فِي المَجْد. وَيُرادُ بِهظ°ذا التَّعبِير صُورَةٌ مُرعِبَة لِلحالَة الأَبَدِيَّة لِلمُبعَدين عَن وَجهِ الرَّب، حيثُ يَسودُ الحَزنُ واليَأس. "تَرَونَ أَنفُسَكُم في خارِجِه مَطرودين": تُشيرُ إلى أَنَّ حضنَ الآباء إبراهيم وَإِسحق وَيَعقوب سَيَنفتِحُ لِيستَقبِلَ المؤمنينَ الآتِين مِنَ الأُمَم، بَينَما يُحرَمُ مِنهُ أَولادُهُم حَسَبَ الجَسَد، أَي اليَهود الَّذين رَفَضوا الإِيمان بالمَسيح. هُم يُطرَحون في الظُّلمَةِ الخارِجِيَّة، لأَنَّ مَن يَرفُضُ النُّورَ الإِلَهيّ يَجِدُ نَفسَهُ خارِجَه، فيَصيرُ النُّورُ خَلفَهُ وَيُحاطُ هو بالظَّلام. "مَلَكوتِ الله": يُصوَّر كَـ وَليمَةٍ مَسِيحانِيَّة، كَما جَاءَ في نُبوءَة أَشعيا: «يَصنَعُ الرَّبُّ لِجَميعِ الشُّعوبِ عَلَى هذَا الجَبَلِ وَلِيمَةَ سَمانٍ" (أشعيا 25: 6). وَيَتَّضِحُ هظ°ذا أَيضًا مِن كَلِماتِ يَسوع لِتَلامِيذِه: "اشتَهَيتُ شَهوَةً شَديدَة أَن آكُلَ هذَا الفِصحَ مَعَكُم قَبلَ أَن أَتَألَّم. فَإِنِّي أَقولُ لَكُم: لا آكُلُهُ بَعدَ اليَومِ حتَّى يَتِمَّ في مَلَكوتِ الله" (لوقا 22: 16). الَّذينَ يَلبّونَ دَعوَةَ يَسوعَ يَدخُلونَ إلى هذِهِ الوَليمَة، أَمّا الَّذينَ يَرفُضونَ فَيُبعَدونَ عَنها. يَوجِّه متى الإِنجِيلِي هظ°ذا الإِنذار مُباشَرَةً إلى الشَّعبِ اليَهودِي: "وَأَمّا بَنو المَلكوت فَيُلقَونَ في الظُّلْمَةِ البَرّانِيَّة، هُناكَ يَكونُ البُكاءُ وَصَريفُ الأَسنان" (متى 8: 12). أَمّا لوقا الإنجيلي فَيَقصِدُ بِخُصوصِيَّةٍ سامِعِي يَسوعَ الَّذينَ رَفَضوا أَن يُؤمِنوا، فَحُرِموا مِن هذِهِ المَائدة. وهظ°نا نَفهَمُ أَنَّ الدِّينونَةَ لَيسَت فَقَط مُستَقبَلاً بَعيدًا، بَل هِيَ تَبدأُ مُنذُ الآن. فَأَعمالُنا وَأَقوالُنا وَمَواقِفُنا اليَوم هِيَ الَّتي تُحدِّدُ مَصيرَنا الأَبَدِي: إِمّا دُخول في نُورِ المَلكوت، أَو طَرح في الظُّلمة الخارِجِيَّة.



29 وسَوفَ يَأتي النَّاسُ مِنَ المَشرِقِ والمغرِب،
ومِنَ الشَّمالِ والجَنوب، فيجِلسونَ على المائِدَةِ في مَلَكوتِ الله.



"وسَوفَ يَأتي النَّاسُ مِنَ المَشرِقِ والمَغرِب، ومِنَ الشَّمالِ والجَنوب": تُشيرُ إلى نُبوءةٍ عن دَعوَةِ الأُمَم الوثَنِيَّة، الَّذين سَيُقبَلونَ مِن كُلِّ أَركانِ العالَم لِيَجلِسوا فِي مَلكوتِ الله، أَي مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، لِأَنَّ أَيَّ نُقْطَةِ اِنْطِلاقٍ صَالِحَةٌ لِلسَّيْرِ نَحْوَ البَابِ الَّذِي يَفْتَحُ إِلَى وَلِيمَةِ المَلَكُوتِ. فَهُوَ يَجمَعُهُم مِن الرياح الأَربَعِ ، كَما قالَ أَشعيا: "لا تَخَفْ فَإِنِّي مَعَكَ. سَآتي بِنَسلِكَ مِنَ المَشرِقِ وأَجمَعُكَ مِنَ المَغرِب. أَقولُ لِلشَّمالِ: هاتِ. ولِلجَنوبِ: لا تَمنَعْ. هَلُمَّ بِبَنِيَّ مِن بَعيدٍ، وبِبَناتي مِن أَقاصي الأَرض" (أشعيا 43: 5-6). مِن هُنا نَفهَم أَنَّ السَّماء لَيسَت حَكرًا على أَبناءِ إِبراهيمَ حَسَبَ الجَسَد، بَل هِيَ مُعَدَّةٌ لِكُلِّ البَشَر، فَمَلكوتُ الله عالَمِيٌّ وَمَفتُوحٌ لِجَميعِ الأُمَم.خُصوصًا الَّذِينَ يَأْتُونَ إِلَيْهِ كَفُقَرَاءَ. "مِنَ المَشرِقِ والمَغرِب": تُشيرُ إلى كُلِّ مَمالِكِ الأَرض. فَالدَّعوَةُ عامَّة، وَالخَلاصُ لا يَنحَصِرُ في إِسرائيل. يَسوعُ دَعا الأُمَمَ إِلى الكَنيسَة، وَأَشرَكَهُم مَعَ الآباءِ وَالأَنبِياءِ فِي مَلكوتِ الله. وَالمَغزَى أَنَّ عَدَدَ الَّذينَ يَخلُصونَ هُوَ كَثِير، لا مِنَ اليَهودِ فَقَط، بَل مِنَ الأُمَم أَيضًا. لأَنَّ الرَّبَّ هُوَ رَبُّ جَمِيعِ البَشَر دُونَ استِثناء. كَما تَنَبَّأَ أَشعيا: "أَمَّا أَنا، فَنَظَرًا إِلى أَعمالِهِم وَأَفكارِهِم، قَد حانَ أَن أَجمَعَ جَميعَ الأُمَم وَالأَلسِنَة. فَتَأتي وَتَرى مَجدي" (أشعيا 66: 18). "فيَجلِسونَ على المائِدَةِ في مَلَكوتِ الله": صُورَةٌ لِـ الوَليمَةِ المَسِيحانِيَّة الَّتي تَجمَعُ الأُمَمَ مِن كُلِّ لُغَةٍ وَشَعبٍ لِيُكشَفَ مَجدُ الله. كَما جَاءَ فِي أَشعيا: "ويَأتونَ بِجَميعِ إِخوَتِكُم مِن جَميعِ الأُمَمِ تَقدِمَةً لِلرَّب" (أشعيا 66: 20). هِيَ مَائِدَةُ المَلكوت الَّتي سَبَقَ يَسوعُ أَن تَكلَّمَ عَنها مَعَ تَلامِيذِهِ: "اِشتَهَيتُ شَهوَةً شَديدَة أَن آكُلَ هذَا الفِصحَ مَعَكُم قَبلَ أَن أَتَألَّم، فَإِنِّي أَقولُ لَكُم: لا آكُلُهُ بَعدَ اليَومِ حتَّى يَتِمَّ في مَلكوتِ الله" (لوقا 22: 16). وَفِي خُطَّةِ الله، أُعلِنَ المَلكوت أَوَّلًا لِليَهود، ثُمَّ بَعدَ ذظ°لِكَ للأُمَم (رومة 1: 16). وَهُمُ الَّذينَ أَتَوا مِن أَقطارِ الأَرضِ الأَربَع لِيُشكِّلوا شَعبَ اللهِ الجَديد (أشعيا 43: 5-6).



30 فهُناكَ آخِرونَ يَصيرونَ أَوَّلين وأَوَّلونَ يَصيرونَ آخِرين.



"فهُناكَ آخِرونَ يَصيرونَ أَوَّلين": تُشيرُ إلى الأُمَمِ الوثَنِيَّة الَّذينَ دُعُوا في آخِرِ الوَقت، وَلَكِنَّهُم لَبَّوا الدَّعوَةَ قَبلَ اليَهودِ الَّذينَ كانوا أَوَّلَ المَدعُوِّين إلى مَلكوتِ الله. وَقَد أَكَّدَ بولُسُ الرَّسُول هظ°ذا المَنطِق بقَولِهِ: «إِنِّي لا أَستَحيِي بِالبِشارَة، فَهِيَ قُدرَةُ الله لِخَلاصِ كُلِّ مُؤمِن، لِليَهودِيِّ أَوَّلًا ثُمَّ لِليونانِيّ" (رومة 1: 16). فَالكَثِيرونَ مِمَّن عَرَفوا الرَّبَّ ظاهِرًا وَشَارَكوا في احتِفالاتٍ بِاسمِهِ، لَم يَدخُلوا فِي فَرحِهِ الحَقيقِي. وَعَلى العَكس، هُناكَ آخَرون لَم يَعرِفوهُ مِن قَبل، وَلكِنَّهُم عَرَفوا كَيفَ يَعيشونَ الإِيمَانَ بِمِلئِهِ فَدَخَلوا إلى مَلكوتِهِ. "الأَوَّلُونَ" الحَقيقيُّونَ لَيْسُوا مَنْ يَتَّكِئُونَ عَلَى مَجْدِ المَاضِي أَوِ الاِنْتِمَاءِ الظَّاهِرِيِّ، بَلِ الَّذِينَ يَسْلُكُونَ فِي طَرِيقِ التَّوْبَةِ وَالإِيمَانِ الحَيِّ. وَالعَكْسُ صَحِيحٌ: فَمَنْ ظَنَّ نَفْسَهُ فِي المُقَدِّمَةِ قَدْ يَجِدْ نَفْسَهُ فِي المُؤَخَّرَةِ، لِأَنَّ اللهَ "يَنْظُرُ إِلَى القُلُوبِ" (1 صَمُوئِيلَ 16: 7). "وأَوَّلونَ يَصيرونَ آخِرين": تُشيرُ إلى اليَهود، شَعبِ اللهِ الأَوَّل، الَّذين وُجِّهَت إِلَيهِم كَلِمَةُ الله أَوَّلًا (أَعمال 13: 26)، وَلكِنَّهُم رَفَضوا المَسيح وَاعتمَدوا عَلى بِرِّ أَنفُسِهِم، فَفقَدوا مَكانَهُم على المائِدَةِ السَّماوِيَّة. وَبِذظ°لِكَ تَتَحقَّق كَلِماتُ أَشعيا: " إِنَّكَ أَنتَ أَبُونَا، فَإِبراهيمُ لا يَعرِفُنا وَإِسرائيلُ لا يَعتَرِفُ بِنا. أَنتَ يا رَبّ أَبونَا، وَفادِينا مُنذُ الأَزلِ هُوَ اسمُكَ" (أشعيا 63: 16). وَهظ°كذا يَصيرُ الآخِرونَ (الأُمَم الوثَنِيَّة) أَوَّلين، وَالأَوَّلونَ (شَعبُ اليَهود) آخِرين. فَالأَوَّلون الحَقيقِيُّون هُمُ الَّذينَ يَدخُلونَ مِنَ البابِ الضَّيِّق، وَيَقبَلونَ المَسيح بِالإِيمَان وَالمَحبَّة. وَبِاختِصار، تُشَدِّدُ هظ°ذِهِ الآيَةُ على أَنَّ مَلكوتَ الله يَنقُلُ المَوازِين: فَما يَبدُو فَوزًا لِلعالَم قَد يَصِيرُ خُسرانًا عِندَ الله، وَما يَبدو ضَعفًا وَتَأَخُّرًا قَد يَصِيرُ قُوَّةً وَسَبقًا فِي المَلكوت. هِيَ قاعِدَةٌ لاهُوتِيَّة تُظهِرُ حُبَّ الله الشُّمُولي وَمَخطَّطَه الحُرّ الَّذي يُريدُ أَن يَمنَحَ الخَلاص حَتّى لِلأُمَم. وهكذا يُختَم المقطع الإنجيلي (لوقا 13: 22-30) بإنذارٍ واضح ودعوةٍ مُلحَّة: أن نَختار الآن الدخول من الباب الضيق، بالإيمان الحيّ والعمل بمشيئة الله، لأن باب النعمة سيُغلق ويبدأ وقت الدينونة. يُوَجِّهُ يَسوعُ كَلامَهُ لِمَنْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنْفُسَهُمْ فِي مَوقِعِ الأَسْبَقِيَّةِ الرُّوحِيَّةِ، أَيْ الشَّعْبِ المُخْتارِ وَالفَرِّيسِيِّينَ وَالكَتَبَةِ الَّذِينَ اعْتَبَرُوا أَنَّ امْتِيَازاتِهِمُ الدِّينِيَّةَ تَضَعُهُمْ تِلْقَائِيًّا فِي الصُّفُوفِ الأُولَى فِي مَلَكُوتِ اللهِ. غَيْرَ أَنَّ الحَقِيقَةَ مُغايِرَةٌ: فَالأُمَمُ وَالَّذِينَ لَمْ يُعْتَبَرُوا يَوْمًا مِنْ "الأَوَّلِينَ" فِي نَظَرِ البَشَرِ، صَارُوا هُمْ "الأَوَّلِينَ" فِي عَيْنَيِ اللهِ بِالإِيمَانِ وَالاِهْتِداءِ.





ثانِيًا: تَطبيق النَّص الإِنجِيلِي (لوقا 13: 22-30)



انطلاقا مِن تَحليل وقائع النَّص الإنجيلي (لوقا 13: 22-30)، نستنتج أنَّه يَتَمحْور حول َمَوضوع الخَلاص وَطُرقِه. ومِن هنا نَتساءل مَا هو مَفهوم الخَلاص في المسيح؟ وما هي طُرق الخَلاص؟



1) مَفهوم الخَلاص في المَسيح يَسوع



الخَلاص هُو كَلِمَةٌ أَسَاسِيَّة في مَصطَلَحاتِ الكِتابِ المُقَدَّس، وَيُعبَّرُ عَنهُ في اليونانِيَّة بِلفظَة: دƒل؟´خ¶د‰ أَي "أَن يُخلِّص" أو "يُنقِذ"، وَمَعنَاهُ أَن يُنتَشَلَ الإِنسانُ مِن خَطَرٍ كادَ يُهلِكُه، لِيَنالَ النَّصرَ أَو الحَياةَ أَو السَّلام.



في العَهدِ القَدِيم:

الخَلاص هُو هِبَةٌ مِن الله المُخلِّص:
«أَنتَ يا اللهُ مَلكِي مِن القِدَم، صانِعُ الخَلاصِ في وَسطِ الأَرض (مزمور 44: 4). يَصِفُهُ الكِتابُ كَسَلام (أشعيا 52: 7)، كَسَعادَة، كَتَطهير (حزقيال 36: 29)، وَكَتحرير (إِرميا 31: 7). هذِهِ النُّبُوءَات كَانَت تَمهيدًا مُباشِرًا لِظُهورِ المَسيح.



في العَهدِ الجَدِيد:

ظهَرُ يَسوعُ كَمُخلِّصِنا:
" وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخلِّصٌ في مَدينَةِ داوُد، وَهوَ المَسيحُ الرَّبّ" (لوقا 2: 11). وَاسمه يَكشِفُ هُويَّتَه: «تَلِدُ ابنًا، فَتُسمِّيهِ يسوع، لأَنَّهُ هُوَ الَّذي يُخلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم" (متى 1: 21). سِمعانُ الشَّيخ أَعلَنَ أنَّ الخَلاص يَشمَلُ الشُّعوبَ كافَّة: «فَقَد رَأَت عَينايَ خَلاصَكَ الَّذي أَعددتَهُ في سَبيلِ الشُّعوبِ كُلِّها" (لوقا 2: 30-31). وَكرازَةُ يُوحَنَّا المَعمَدان مَهَّدَت لِسبُلِ الرَّب: " كُلُّ بَشَرٍ سَيَرى خَلاصَ الله" (لوقا 3: 6). وفي بِشارَةِ الرُّسُل: الخَلاص هُو لِكُلِّ مُؤمِن: "فَإِنِّي لا أَستَحيِي بِالبِشارَة، فَهي قُدرَةُ الله لِخَلاصِ كُلِّ مُؤمِن، لِليَهودِيِّ أَوَّلًا ثُمَّ لِليونانِيّ" (رومة 1: 16). وَغايَةُ الله: «إِنَّهُ يُريدُ أَن يَخلُصَ جَميعُ النّاسِ وَيَبلُغوا إِلى مَعرِفَةِ الحَقّ» (1 طيموتاوس 2: 4). وَهُوَ الَّذي أَرسَلَ ابنَه مُخلِّصًا لِلعالَم (1 يوحنا 4: 14).



2) أَبعادُ الخَلاص



- الخَلاص الجَسَدِي: يَسوع يُخلِّصُ الأَجساد: يَشفي المَرضى (المَنزوفة: لوقا 8: 48، ذُو اليَدِ الشَّلَّاء: مرقس 3: 4)، يَطردُ الشَّياطين (مرقس 5: 23)، وَيُهدِّئُ العاصِفَة (متى 8: 26). وَشَرطُهُ الوَحِيد: الإِيمان بِهِ.



- الخَلاص الرُّوحِي: هُوَ الغايَة الأَسَاسِيَّة لِمَجيءِ يَسوع:" لِأَنَّ ابنَ الإِنسانِ جاءَ لِيَبحَثَ عَنِ الهالِكِ وَيُخلِّصَه"(لوقا 19: 10). هُوَ غُفرانُ الخَطايا (المَرأَةُ الخاطِئَة: لوقا 7: 48-50، زكّا العَشّار: لوقا 19: 9). وَهُوَ النِّعمَة الَّتي ظَهَرَت لِخَلاصِ الجَميع (طيطس 2: 11).



- الخَلاص الأَبَدِي: تَحقَّقَ بِمَوتِ المَسيح وَقِيامَتِهِ: " صارَ لِجَميعِ الَّذينَ يُطيعونَهُ سَبَبَ خَلاصٍ أَبَدِي" (عبرانيين 5: 9). وَهُوَ الحاضِر في كُلِّ زَمَن: "ها هُوَ الآنَ وَقتُ الرِّضى، ها هُوَ الآنَ يَومُ الخَلاص" (2 قورنتس 6: 2).



3) شُموليَّة الخَلاص



الخَلاص لَم يُعطَ لِليَهود فَقَط، بَل للأُمَم أَيضًا: " جَعَلتُكَ نورًا لِلأُمَم لِتَحمِلَ الخَلاصَ إِلى أَقصى الأَرض" (أعمال 13: 47). وَلا يوجَدُ اسْمٌ آخَر نَنالُ بِه الخَلاص سِوى اسمِ يَسوع: "ما مِنِ اسمٍ آخَرَ تَحتَ السَّماءِ أُطلِقَ على النّاسِ نَنالُ بِه الخَلاص" (أعمال 4: 12). إذن، مَفهومُ الخَلاص في المَسيح يَسوع يَتَخطّى الخَلاصَ الزَّمني لِيَشمَلَ الخَلاص الرُّوحي وَالأَبَدِي. وَهُوَ عَطيَّةُ نِعمَةٍ إِلهيَّة، تُقبَلُ بِالإِيمَان، وَتَتَطلَّبُ ثِمارَ التَّوبَة وَالحَياة الجَدِيدَة فِي المَسيح.



ما هِيَ طُرُقُ الخَلاصِ الَّتي يُقَدِّمُها لَنا يَسوعُ المَسيحُ في إِنجيلِ اليَوم؟ لَم يَكتَفِ الإِنجيلُ أَن يُعلِنَ بِأَنَّ يَسوعَ هُوَ المُخَلِّصُ، بَل كَشَفَ طُرُقَ الخَلاص. وخِلالَ صُعودِهِ مِنَ الجَليلِ إِلى مَدينَةِ أُورَشَليمَ، سَأَلَهُ رَجُلٌ عَلى الطَّريقِ: «يا رَبّ، هَلِ الَّذينَ يَخلُصونَ قَليلون؟» (لوقا ظ،ظ£: ظ¢ظ£). فَلَم يُجِبْ عَلى سُؤالِهِ، إِذ لَم يَهتَمَّ بِعَدَدِ الَّذينَ يَخلُصونَ، بَلِ اهتَمَّ بِسُبُلِ الخَلاصِ وَكَيْفِيَّةِ خَلاصِ النّاس، حَيثُ أَوصى سامِعيهِ أَن يَطلُبوا الخَلاصَ مِن خِلالِ دُخولِهِم مِنَ البَابِ الضَّيِّق، مُحَدِّدًا ثَلاثَةَ سُبُلٍ لِلخَلاص، وَهِيَ: الاِهتِداء، وَالإِيمان، وَالاِحتِياط.



السَّبيلُ الأوَّل: الاِهْتِداءُ



يُعْلِنُ الإِنْجِيلُ أَنَّ السَّبِيلَ الأوَّلَ لِلْخَلاصِ هُوَ الاِهْتِداءُ: "اِجْتَهِدوا أَن تَدْخُلوا مِنَ البَابِ الضَّيِّق" (لوقا 13: 24).



والفِعْلُ المُسْتَخْدَمُ فِي اللُّغَةِ اليُونانِيَّة هُوَ ل¼€خ³د‰خ½خ¯خ¶خ؟خ¼خ±خ¹ ، وَمَعناهُ: يُجَاهِدُ، يُصارِعُ، يُحَارِبُ. وَهُوَ نَفْسُ الجِذْرِ الَّذِي يَسْتَخْدِمُهُ لُوقا فِي مَشهَدِ بُسْتانِ الزَّيْتُون: "وَإِذْ كانَ في جِهادٍ (ل¼€خ³د‰خ½خ¯خ±)، كانَ يُصَلِّي بأَلَحاحٍ" (لوقا 22: 44). هُنَاكَ، دَخَلَ يَسُوعُ صِرَاعًا دَاخِلِيًّا عَميقًا لِيَبقَى أَمِينًا لِمَشيئَةِ الآبِ، وَلِيُتَمِّمَ الخَلاصَ بِبَذْلِ ذَاتِهِ حَتَّى المَوْتِ.



إِذَنْ، يَدْخُلُ إِلَى المَلَكُوتِ مَنْ يَبْذُلُ جُهْدًا وَيَسِيرُ فِي طَرِيقِ الطَّاعَةِ وَالتَّبَعِيَةِ لِلْمَسِيحِ، لَا مَنْ يَتَّكِلُ عَلَى نَسَبٍ دِينِيٍّ أَوِ انْتِمَاءٍ شَعْبِيٍّ. فَالخَلاصُ هُوَ أوَّلًا وَقَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ قَرَارٌ شَخْصِيٌّ يَقُومُ عَلَى الاِهْتِداءِ وَاتِّبَاعِ يَسُوعَ: «مَن أَرادَ أَن يَتْبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِهِ، وَيَحْمِلْ صَليبَهُ كُلَّ يَومٍ وَيَتْبَعْني» (لوقا 9: 23).



أبعادُ الاِهْتِداءِ في الكِتَابِ المُقَدَّسِ

- البَحْثُ عَنِ الرَّبِّ: "اُطْلُبوني فَتَحْيَوا" (عاموس 5: 4).

- طَلَبُ وَجْهِ الله: "سَأَرجِعونَ إِلى مَوضِعِي حتّى يُكَفِّروا" (هوشع 5: 15).

- التَّوَاضُعُ أَمَامَ الله: "أَلَمْ تَرَ كَيفَ اتَّضَعَ أَخْآبُ أَمامِي؟" (1 ملوك 21: 29).

- تَوْطِينُ القَلْبِ فِي الرَّبِّ: "أَعِدّوا قُلوبَكم لِلرَّبِّ" (1 صموئيل 7: 3).



الاِهْتِداءُ، إِذَنْ، هُوَ تَغْيِيرُ الذَّاتِ بِالتَّوْبَةِ وَالنَّدَامَةِ، وَتَحْوِيلُ الوَجْهَةِ مِنِ الشَّرِّ نَحْوَ الله. وَهُوَ جِهَادٌ دَاخِلِيٌّ ضِدَّ الخَطِيئَةِ السَّاكِنَةِ فِي الإِنْسَانِ: " فإِذا كُنتُ أَفعَلُ ما لا أُريد، فلَستُ أَنا أَفعَلُ ذلِك، بلِ الخَطيئَةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ" (رومة 7: 20). ويتطلب الجِهَادُ الدُّخُولِ مِنَ البَابِ الضَّيِّقِ. الخَلاصُ يَتَطَلَّبُ مُجَاهَدَةً وَاحْتِمَالَ آلامٍ وَضِيقَاتٍ:



- "مَلَكوتُ السَّمواتِ يُؤخَذُ بِالجِهادِ، وَالمُجاهِدونَ يَختَطِفونَه" (متى 11: 12).

- "اِفرَحوا بِقَدْرِ ما تُشارِكونَ المسيحَ في آلامِه" (1 بطرس 4: 13).

- "اِعمَلوا لِخَلاصِكم بِخَوفٍ وَرِعدَةٍ" (فيلبي 2: 12).



ثِمَارُ الاِهْتِداءِ



- نُمُوٌّ فِي الفَضَائِلِ وَالحَيَاةِ البَاطِنَةِ: "لِنَنمو بِها مِن أَجْلِ الخَلاص" (1 بطرس 2: 2).

- لُبْسُ سِلَاحِ النُّورِ: "لابِسينَ دِرْعَ الإِيمانِ وَالمَحبَّةِ وَخُوذَةَ رَجاءِ الخَلاص" (1 تسالونيقي 5: 8).

- عَيشُ التَّطْوِيبَاتِ: الفَقرُ الرُّوحِيّ، الوَدَاعَةُ، الرَّحْمَةُ، الطَّهَارَةُ، صُنْعُ السَّلامِ، وَاحْتِمَالُ الاِضْطِهَادِ مِن أَجْلِ المَسِيحِ (متى 5: 1-11).



الاِهْتِداءُ هُوَ دُخُولٌ فِي جِهَادٍ رُوحِيٍّ مُتَوَاصِلٍ ضِدَّ الخَطِيئَةِ وَالأَهْوَاءِ وَالإِغْرَاءَاتِ، وَهُوَ سَعْيٌ لِتَطْهِيرِ القَلْبِ لِيَصِيرَ مَسْكَنًا لِله: " قَلْبًا نَقِيًّا اِخلُقْ فِيَّ يَا اللهُ" (مزمور 50: 12). ويعلق القِدِّيس مُبَارَك: "إِذَا بَدَا لَكَ أَنَّ شَيْئًا فِيهِ قَسْوَةٌ وَهُوَ مَطْلُوبٌ لِسَبَبٍ صَالِحٍ، فَلَا تَهْرُبْ مُرْتَعِبًا، بَلِ اثْبُتْ فِي طَرِيقِ الخَلاصِ، فَإِنَّهُ لَا يُدْخَلُ إِلَيهِ إِلَّا مِنَ البَابِ الضَّيِّقِ". والقِدِّيس مَقَارِيُوس يقول: "مَن يُرِد أَن يَصِيرَ مَسْكَنًا لِلرَّبِّ يَسُوعَ وَأَن يَمْتَلِئَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، يَجِب أَن يُجَاهِدَ كَمَا قَالَ الرَّبُّ: مَلَكوتُ السَّمواتِ يُؤخَذُ بِالجِهاد" (عِظَة 19).



السَّبيلُ الثَّاني: الإيمانُ



1. الإيمان وإلغاء الامتياز العِرقي:


السَّبيلُ الثَّاني لِلْخَلاصِ هُوَ الإيمانُ. وكانَ اليَهودُ يَظُنُّون – وَهُمُ القَليلونَ بالنِّسْبَةِ إِلى الأُمَمِ الوَثَنِيَّةِ – أَنَّهُم مُخَلَّصون، كَونُهُم أَبناءَ إِبراهيم، وعِندَهُم شَريعَةُ موسى، ولَهُمُ المَواعيدُ. لِذظ°لِكَ كانوا يَعتَقِدون أَنَّ الانتماءَ إِلى إِبراهيمَ يَكفي لِلْخَلاصِ. فَسَأَلَهُ أَحَدُهُم لِيَتَأَكَّدَ: “يا رَبّ، هَلِ الَّذينَ يَخلُصونَ قَليلون؟" (لوقا 13: 23). لكن يوحنَّا المَعمَدانُ وبَّخَهُم قائِلًا: "وَلا يَخطُرْ لَكم أَن تُعَلِّلوا النَّفْسَ فَتَقولوا: إِنَّ أَبانَا هُوَ إِبراهيم. فَإِنِّي أَقولُ لَكم: إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَن يُخرِجَ مِن هظ°ذِهِ الحِجارَةِ (×گض·×‘×*ض´×™×ں) أَبناءً (בض¼×*ض´×™×ں) لإِبراهيم" (متى 3: 9).



2. الباب الضيّق والإيمان بيسوع:

أوضَحَ يَسوعُ أَنَّ الانتماءَ إِلى إِبراهيمَ لَيسَ سَبيلًا لِلْخَلاصِ، بَلِ الاجتِهادُ بِالدُّخولِ مِنَ البابِ الضَّيِّقِ (لوقا 13: 24)، أَيِ الدُّخولُ بابَ الإيمانِ بِهِ. وكما يُؤكِّدُ بُولُسُ الرَّسول: "بِه نَجرُؤُ، إِذا آمَنَّا بِهِ، عَلى التَّقَرُّبِ إِلى اللهِ مُطمَئِنِّين" (أفسس 3: 12). ويَعلِّقُ القِدِّيس كِيرِلُّس الكَبير: "مَن يُريدُ أَن يَدخُلَ البابَ الضَّيِّقَ، يَلزَمهُ بالضَّرورَةِ أَن يَكونَ لَهُ أَوَّلًا الإيمانُ المُستَقيمُ غَيرُ الفاسِد".



3. الإيمان والمعمودية

يُعلِّمُ يَسوعُ أَنَّ سَبيلَ الخَلاصِ هُوَ الإيمانُ بِهِ: " فمَن آمَنَ واعتَمَدَ يَخلُص، ومَن لَم يُؤمِنْ يُحكَمْ عَلَيه" (مرقس 16: 16). وكذظ°لِكَ يَقولُ بُطرُسُ الرَّسول: "نَحنُ نُؤمِنُ أَنَّنا بِنِعمَةِ الرَّبِّ يَسوعَ نَنالُ الخَلاصَ كَما يَنالُ الخَلاصَ هؤُلاءِ الوَثَنِيُّونَ أَيضًا" (أعمال 15: 11). ويَصرِّحُ أَيضًا: “سَفينَةُ نُوحٍ هِيَ رَمزٌ لِلمَعمودِيَّةِ الَّتي تُنَجِّيكُمُ الآنَ أَنتُم أَيضًا، إِذ لَيسَ المُرادُ بِها إِزالَةَ أَقذارِ الجَسَد، بَل مُعاهَدَةُ اللهِ بِضَميرٍ صالِح، بِفَضلِ قِيامَةِ يَسوعَ المَسيح" (1 بطرس 3: 21).



4. النِّعمة والرّحمة أساس الخلاص

اللهُ يُخلِّصُ بِالرَّحمَةِ فَقَط (2 طيموتاوس 1: 9)، وبِالنِّعمةِ (أفسس 2: 5، 8)، مُنحًا الرُّوحَ القُدُس (2 تسالونيقي 2: 13). فاليَهودُ والأُمَمُ في وَضعٍ واحِد، لا يَخلُصونَ أَنفُسَهم، بَل نِعمَةُ المَسيحِ تَفعَلُ ذظ°لِكَ.



5. الإيمان والاختيار الحرّ

دُخولُ بابِ الإيمانِ يَتَطَلَّبُ اختِيارًا حُرًّا. فالنَّاسُ مَدعوونَ أَن يَختاروا: الإيمانَ بيسوعَ أَو رَفضَهُ. وبِهظ°ذا يُحدِّدونَ مَصيرَهُم: خَلاصًا أَو هَلاكًا. "فإِنَّنا عِندَ اللهِ رائِحَةُ المَسيحِ الطَّيِّبَةُ بَينَ الَّذينَ يَسلُكونَ طَريقَ الخَلاصِ وطَريقَ الهَلاك، الحَياةِ أَوِ المَوت" (2 قورنتس 2: 15). أَمَّا الَّذينَ يُؤمِنونَ ويَشهَدونَ بِإيمانِهِم فَيَخلُصونَ:
"فإِذا شَهِدتَ بِفَمِكَ أَنَّ يَسوعَ رَبّ، وآمَنتَ بِقَلبِكَ أَنَّ اللهَ أَقامَهُ مِن بَينِ الأَموات، نِلتَ الخَلاص" (رومة 10: 9).



6. الإيمان والأعمال

الإيمانُ لا يَقومُ عَلى الكَلامِ فَحَسْب، بَل عَلى الأَعمالِ أَيضًا. قالَ يَسوعُ: "لَيسَ كُلُّ مَن يَقولُ لي: يا رَبّ، يا رَبّ، يَدخُلُ مَلكوتَ السَّماوات، بَل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّماوات" (متى 7: 21). ويُعلِّقُ البابا فرنسيس: "أَنَّنا وُلِدنا في بِيئَةٍ مَسيحيَّة لا يَعني أَنَّنا حَصَلنا عَلى كَرتِ العُبورِ إِلى مَلكوتِ الله. بَل عَلَينا العَمَلُ بِجِدٍّ لِنَحصُلَ عَلى هظ°ذِهِ النِّعمَة. نَحنُ لَسنا مَسيحيِّينَ بِالعَلامَةِ، بَل مَسيحيُّونَ حَقيقيُّونَ في القَلبِ".



7. المثابرة والثبات حتى النهاية


الخَلاصُ لا يُعطى آليًّا. المَعمودِيَّةُ والقُربانُ لا يَكفيانِ إِذا لَم يُغَيِّرا القُلوبَ. ولذظ°لِكَ يَقولُ يَسوعُ: الَّذي يَثبُتُ إِلى النِّهايَةِ فذاكَ الَّذي يَخلُص (متى 24: 13).



8. الباب الضيّق هو الصليب

نَستَنتِجُ مِمَّا سَبَق أَنَّ الإيمانَ بيسوعَ هُوَ الطَّريقُ الوَحيدُ لِلْخَلاصِ: "أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة. لا يَمْضي أَحَدٌ إِلى الآبِ إِلَّا بي" (يوحنا 14: 6). أَمَّا البابُ الضَّيِّقُ فَهُوَ طَريقُ الصَّليبِ: "مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَليَزهَدْ في نَفسِهِ ويَحمِلْ صَليبَهُ كُلَّ يَومٍ ويَتبَعْني. فإِنَّ مَن أَرادَ أَن يُخَلِّصَ حَياتَهُ يَفقِدْها، وأَمَّا مَن يَفقِدُ حَياتَهُ في سَبيلي فإِنَّهُ يُخَلِّصُها" (لوقا 9: 23-24). وبِهظ°ذا يُريدُ يَسوعُ أَن يَحمِلَ الجَميعُ فيهِ ومَعَهُ صَليبَهُم، لِيَنالوا مَلكوتَهُ عَبرَ الدُّخولِ مِنَ البابِ الضَّيِّق، مُنطَلِقينَ مِن أُورَشَليمَ الأَرضِيَّةِ إِلى أُورَشَليمَ السَّماوِيَّةِ لِيُعايِنوا سَلامَهُ الحَقيقيَّ.



السَّبيلُ الثَّالث: الاِحتياطُ



1. الباب المغلق والتحذير الإلهي

يُحَدِّدُ يسوعُ سَبيلاً ثالِثًا لِدُخولِ البابِ الضَّيِّق، وَهوَ الاِحتياطُ: "إِذا قامَ رَبُّ البَيتِ وأَقَفَلَ الباب، فَوَقَفتُم في خارِجِه وأَخَذتُم تَقرَعونَ البابَ وتَقولون: يا رَبُّ، اِفتَحْ لَنا. فيُجيبُكُم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم (لوقا 13: 25). وهذا ما يُشبِه مَثَلَ العَذارى الحَكيماتِ والجَاهِلاتِ: "بَينَما هُنَّ ذاهِباتٍ لِيَشتَرينَ، وَصَلَ العَريس. فَدخَلَت مَعَهُ المُستَعِدَّاتُ إِلى رَدهَةِ العُرس، وأُغلِقَ الباب" (متى 25: 10). مَن لا يَحتاطُ في وَقتِهِ، يَجِدُ البابَ مُغلَقًا في وَجهِهِ.



2. معنى الاحتياط المسيحي

يَقولُ الفيلسوفُ الفرنسي أوغست كونت: " اِعرِفْ كَي تَحتاط، واحتاط كَي تَصِلَ إِلى الهَدَف". فالمَعرِفَةُ الحَقيقيَّةُ تُقودُ إِلى الاِحتياط، والاِحتياطُ يَحفَظُنا في طَريقِ الخَلاصِ. الاِحتياطُ يَعني أَن نَعيَ أَنَّ الوَقتَ مَحدود، وأنَّ البابَ سَيُغلَقُ. فَكُلُّ مَن يُؤَجِّلُ التَّوبَةَ إِلى آخِرِ لحظاتِ حَياتِهِ، يُخاطِرُ أَن يَأتي المِيعادُ قَبلَ أن يُحقِّقَ ما يُريدُه.



3. الاحتياط والتوبة

الاِحتياطُ يَتَطَلَّبُ التَّوبَةَ الفَوريَّة: "إِن لَم تَتوبوا، تَهلِكوا بِأَجمَعِكُم مِثلَهُم" (لوقا 13: 3). ويُعلِّقُ البابا فرنسيس:
"إِنَّ بابَ يسوعَ ضَيِّقٌ، لَيسَ لِأَنَّهُ غُرفَةُ تَعذيبٍ، كَلا، بَل لِأَنَّهُ يَطلُبُ مِنَّا أَن نَفتَحَ لَهُ قُلوبَنا، وأن نَعتَرِفَ بِخَطايانا الَّتي تَحتاجُ إِلى خَلاصِهِ ومَغفِرَتِهِ ومَحبَّتِهِ ورَحمَتِهِ".



4. النعمة والمجاهدة

الخَلاصُ هِبَةٌ مَجَّانِيَّةٌ مِنَ اللهِ، لكن يَسوعَ يَضعُ شَرطًا: التَّوبَةُ والرُّجوعُ إِلى اللهِ. هظ°ذا صَعبٌ لِأَنَّهُ يُخالفُ مَيلَ طَبيعتِنا السَّاقِطَة. فَكُلُّ إِنسانٍ يُريدُ أَن يَدخُلَ المَلكوتَ، ولَكِن قَليلونَ يَقبَلونَ شُروطَ اللهِ. يُؤكِّدُ بُولُسُ الرَّسول:
"وإِنَّكُم لَعالِمونَ بِأَيِّ وَقتٍ نَحنُ: قد حانَت ساعَةُ تَنَبُّهِكُم مِنَ النَّوم، فَإِنَّ الخَلاصَ أَقرَبُ إِلَينا الآنَ مِنهُ يَومَ آمَنَّا" (رومة 13: 11).



5. الباب الضيّق والرجاء

البابُ في بَداغŒتِه ضَيِّقٌ وصَعبٌ، حتّى تَساءَلَ التَّلاميذ: "مَن تُراهُ يَقدِرُ أَن يَخلُص؟" (متى 19: 25). لَكِنَّ إِشَعيا

يُشَجِّعُنا:"قَوُّوا الأَيدِيَ المُستَرخِيَة، وشَدِّدوا الرُّكَبَ الواهِنة" (أشعيا 35: 3). وقالَ يَسوعُ: "إِنَّ نِيري لَطيفٌ وحِملي خَفيف" (متى 11: 30). ويُعلِّقُ القدِّيس يوحنّا الذَّهَبيُّ الفَم: "إِنَّ طَريقَ الخَلاصِ ضَيِّقٌ بِسَبَبِ التَّجارِبِ في مَدخلِهِ، ولَكِن إِذ تَدخُلُهُ تَجِدُ مَكانًا مُتَّسِعًا (راحةً)، عَلى عَكسِ الطَّريقِ المُؤَدِّي إِلى الهَلاك".



6. زمن النعمة وزمن الدينونة

الاِحتياطُ مَطلوبٌ لِأَنَّ البابَ لَن يَبقى مَفتوحًا إِلى الأَبَد. فَزَمَنُ النِّعمَةِ هُوَ الحاضِر، أَي مُدَّةُ حَياةِ الإِنسانِ عَلى الأَرض. وعِندَ المَوتِ، يُغلَقُ بابُ التَّوبَةِ ويَبدأُ زَمَنُ العَدلِ والدَّينونَة: "فَأَغلِقَ الباب. وبَعدَ ذظ°لِكَ جاءَت سائِرُ العَذارى وقالوا: يا رَبُّ، يا رَبُّ، اِفتَحْ لَنا. فأَجابَ: الحَقَّ أَقولُ لَكُنَّ: إِنِّي لا أَعرِفُكُنَّ" (متى 25: 10-11).



مِن كُلِّ ما سَبَق نَستَنتِجُ أَنَّ وَقتَ الخَلاصِ يَنتهي بِالدَّينونَة. وكَثيرونَ سيَجِدونَ أَنفُسَهم خارِجَ المَلكوتِ لِأَنَّهُم لَم يَحتاطوا في وَقتِهِم. لِنَستَجِب الآنَ لِدَعوَةِ المَسيحِ: " تَعالَوا، يا مَن بارَكَهُم أَبي، فارِثوا المَلكوتَ المُعَدَّ لَكُم مُنذُ إِنشاءِ العالَم" (متى 25: 34). ويُحَذِّرُنا القدِّيس أوغسطينوس: "لا نُقَلِّدِ الأَكثَريَّةَ المُستَهانَةَ بِدُخولِ البابِ الضَّيِّق، لِكَي لا نَفقِدَ دِفءَ بَيتِ الله".





الخُلاصة



يُعلِّمُنا يسوعُ، مِن خِلالِ الإِنجيل، أَنَّ مَلكوتَ اللهِ مَفتوحٌ لِلجَميع: "وسَوفَ يَأتي النَّاسُ مِنَ المَشرِقِ والمغرِب، ومِنَ الشَّمالِ والجَنوب، فيَجلِسونَ على المائِدَةِ في مَلكوتِ الله" (لوقا 13: 29). ولكِن مِن جِهَةٍ أُخرى، المَعرِفَةُ وَحدَها لا تَكفي لِدُخولِ مَلكوتِ الله، كَما فَعَلَ الَّذينَ يَصرُخون: "لَقَد أَكَلْنا وشَرِبْنا أَمامَكَ، ولَقَد عَلَّمتَ في ساحاتِنا" (لوقا 13: 26). فَقَد قالَ يَسوعُ: لَيسَ كُلُّ مَن يَقولُ لي: يا رَبّ، يا رَبّ، يَدخُلُ مَلكوتَ السَّماوات، بَل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّماوات" (متى 7: 21). إِذًا يَجِبُ أَن يَقتَرِنَ القَولُ بِالعَمَل، وأَن يُحَرِّكَ الإِيمانُ الكِيان، وأَن تُرافِقَ الصَّلاةُ أَعمالَ المَحبَّةِ والرَّحمَة.



لقد جاءَ يَسوعُ إِلى العالَم مُخَلِّصًا لِجَميعِ البَشرِ بِلا استِثناء. بَدأ بِشارةَ الخَلاصِ مَعَ اليَهود، ثُمَّ انتَقَلَ إِلى الأُمَم، وأَوجَّهَ إِلَينا دَعوَةً مُلِحَّةً لِنَقبَلَ الخَلاصَ وَنَدخُلَ المَلكوت. وقد حَدَّدَ لَنا ثلاثَ سُبُلٍ لِدُخولِ البابِ الضَّيِّقِ المُؤَدِّي إِلى الخَلاص، وَهي: الاِهتِداء، الإِيمان، الاِحتياط.



ومِن هُنا، يَجِبُ عَلَينا أَلّا نَكونَ مِن صَفِّ "الأَيدِي المُستَرخِيَةِ والرُّكَبِ المُلتَوِيَة" (العبرانيّين 12: 12؛ أَشعيا 35: 3)، بَل أَن نَسعى جادِّينَ لِلدُّخولِ مِنَ البابِ الضَّيِّق. فَمَن سَلَكَ فيهِ نالَ الخَلاص، ويَسمَعُ صَوتَ سَيِّدِهِ يَقولُ: "أَحسَنتَ، أَيُّها الخادِمُ الصَّالِحُ الأَمين! كُنتَ أَمينًا عَلى القَليل، فسأُقيمُكَ عَلى الكَثير. أُدخُلْ نَعيمَ سَيِّدِكَ" (متى 25: 21). هكذا تَتَكامَل السُّبُل الثلاثة (الاِهتداء – الإِيمان – الاِحتياط) في مَسيرَةٍ وَاحِدة تُقودُ المُؤمِنَ مِن بابِ الضَّيقِ إِلى فَرحِ المَلكوت.



دُعاء



أيُّها الآبُ السَّماويّ، نَطلُبُ إِلَيكَ بِاسمِ يَسوعَ ابنِكَ أَن تُساعِدَنا لِنَدخُلَ مِنَ البابِ الضَّيِّق، بابِ الاِجتِهادِ والإِيمانِ، والاِلتِزامِ الشَّخصيِّ مَعَ الرَّبّ، فَنَبلُغَ طَريقَ الخَلاص، "لِتَكونَ لَهُ الحَياةُ الأَبديَّةُ كُلُّ مَن يُؤمِن" (يوحنّا 3: 15). أَعطِنا، يا رَبّ، أَن نَجتَهِدَ لَيلًا نَهارًا لِنَدخُلَ مِنَ "البابِ الضَّيِّق". بالمسيحِ رَبِّنا. آمين.
 
قديم يوم أمس, 03:42 PM   رقم المشاركة : ( 207288 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,014

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أهم الفوائد النفسيّة والجسديّة التي يمنحُها للإنسان.

تقوية الجهاز المناعي

أكدّت العديد من الدراسات التي أجريت أنّ الإنسان المتفائل يتمتّع
بمناعةٍ مضاعفةٍ عن الإنسان المتشائم، وذلك لأنّ جسم الإنسان
المتفائل يفرز بعض الأنواع من الهرمونات التي تساعد على زيادة
كفاءة الجهاز المناعي لمساعدتهِ على التصدّي لمختلف الأمراض
التي من الممكن أن يتعرض لها، وهذا ما يُثبت صحة النظريات
التي تحدثت على أنّ أغلب مرض السرطان المتفائلين نجحوا
في صراع المرض وفي الشفاء منه بشكلٍ سريعٍ وبفترةٍ قياسيّة.
 
قديم يوم أمس, 03:43 PM   رقم المشاركة : ( 207289 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,014

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أهم الفوائد النفسيّة والجسديّة التي يمنحُها للإنسان.
يمنح الإنسان السعادة

إنّ مشاعر التفاؤل التي تملأ قلب الإنسان وعقله تمنحهُ شعوراً
دائماً بالسعادة والهناء، فالإنسان المتفائل لا يكترث بسلبيات الحياة،
ولا يجعلُها تؤثر على استمتاعهِ بالملذات الموجودة فيها،
حيث يدفعهُ تفاؤله إلى العمل بجهدٍ وإخلاص، وإلى استغلال أوقات
الفراغ لممارسة النشاطات التي تجعله يشعرُ بالسعادة
والمتعة اللامتناهيّة إن كان مع عائلتهِ أو مع أصدقائهِ.
 
قديم يوم أمس, 03:43 PM   رقم المشاركة : ( 207290 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,014

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أهم الفوائد النفسيّة والجسديّة التي يمنحُها للإنسان.
المرونة في العلاقات الاجتماعيّة

ينجح الإنسان المتفائل في توسيع دائرة علاقاته الاجتماعيّة،
وفي إقامة صداقات وفيّة ومتينة مع كل الأشخاص المحيطين بهِ،
إن كان في العمل، أو مع جيرانهِ، وكل هذا بسبب مرونة التفكير
التي يتمتعُ بها، وطريقة تعاطيه مع مختلف الأمور والقضايا
في الحياة، وابتعادهِ عن كل أشكال التسلط في الرأي،
أو فرض آرائهِ ومعتقداتهِ على الآخرين.
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 08:28 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025