منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21 - 06 - 2025, 11:30 AM   رقم المشاركة : ( 200231 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,522

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


ما هي أزمة الإيمان وما هي أسبابها المشتركة

أزمة الإيمان ، هي فترة من الشك الشديد والاستجواب والصراع الداخلي فيما يتعلق بمعتقدات المرء الدينية أو معتقداته الروحية (Leer-Salvesen ، 2019). إنه وقت يبدو فيه أن أسس إيماننا تهتز ، ونجد أنفسنا نتصارع مع عدم اليقين حول الحقائق التي كنا نعتز بها ذات مرة. يمكن أن تكون هذه التجربة مزعجة للغاية ، لأنها غالبًا ما تمس جوهر هويتنا ورؤيتنا للعالم.

أسباب هذه الأزمات متنوعة مثل الأفراد الذين يعانون منها. في كثير من الأحيان ، تنشأ من التقاء العوامل - الفكرية والعاطفية والتجريبية. تتضمن بعض المحفزات الشائعة ما يلي:

التعرض لأفكار أو معلومات جديدة تتحدى المعتقدات القديمة. قد يأتي هذا من خلال التعليم ، واللقاءات مع وجهات نظر العالم الأخرى ، أو ببساطة النضج ورؤية العالم في ضوء أكثر تعقيدًا (McKinlay ، 1996). يمكن أن يكون التنافر المعرفي بين إيمان المرء والتفاهمات الجديدة حافزًا قويًا للشك.

يمكن أن تؤدي المعاناة الشخصية أو مشاهدة معاناة الآخرين إلى أزمة إيمان (Leأ…'niewski ، 2018). عندما يواجه البعض الحقائق القاسية للألم أو الظلم أو الخسارة ، قد يكافح البعض للتوفيق بين هذه التجارب وإيمانهم بالله المحب والقوي.

المعضلات الأخلاقية أو الأخلاقية يمكن أن تعجل بأزمة. عندما يتعارض فهم المرء للصواب والخطأ مع التعاليم الدينية أو تصرفات الزعماء الدينيين ، يمكن أن يؤدي ذلك إلى استجواب قوي (Leer-Salvesen ، 2019).

التغيرات في ظروف الحياة - مثل مغادرة المنزل ، أو الدخول في مرحلة جديدة من الحياة ، أو التعرض لخسارة كبيرة - يمكن أن تهز أسس الإيمان (McKinlay ، 1996). وغالبا ما تؤدي هذه التحولات إلى إعادة تقييم معتقدات المرء وقيمه.

أخيرًا ، بالنسبة للبعض ، قد تنشأ أزمة الإيمان من الشعور بالجفاف الروحي أو الغياب المتصور لوجود الله في حياتهم. هذه التجربة من "ليلة الروح المظلمة" يمكن أن تؤدي إلى الشك والاستجواب.

من المهم أن نتذكر أن أزمة الإيمان ليست علامة على الضعف أو عدم التفاني. بدلاً من ذلك ، يمكن اعتباره جزءًا طبيعيًا من النمو والنضج الروحي. بينما نتعامل مع الأسئلة الصعبة ونواجه شكوكنا ، لدينا الفرصة للظهور بإيمان أكثر قوة ودقيقة ومتجذرة في القناعة الشخصية.

في مواجهة هذه التحديات، دعونا نتذكر كلمات القديس بولس: "نحن مبتذلون في كل شيء ، ولكن ليس سحق. حيرة، ولكن لا تدفع إلى اليأس" (2 كورنثوس 4: 8). إن أزمة الإيمان، وإن كانت مؤلمة، يمكن أن تكون بوتقة يتم من خلالها صقل علاقتنا مع الله وتعزيزها.


 
قديم 21 - 06 - 2025, 11:32 AM   رقم المشاركة : ( 200232 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,522

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


أزمة الإيمان هي فترة من الشك الشديد والاستجواب
والصراع الداخلي فيما يتعلق بمعتقدات المرء الدينية
أو معتقداته الروحية. إنه وقت يبدو فيه أن أسس إيماننا تهتز
ونجد أنفسنا نتصارع مع عدم اليقين حول الحقائق
التي كنا نعتز بها ذات مرة. يمكن أن تكون هذه التجربة مزعجة
للغاية ، لأنها غالبًا ما تمس جوهر هويتنا ورؤيتنا للعالم.
أسباب هذه الأزمات متنوعة مثل الأفراد الذين يعانون منها.
في كثير من الأحيان ، تنشأ من التقاء العوامل - الفكرية
والعاطفية والتجريبية. تتضمن بعض المحفزات الشائعة ما يلي:

التعرض لأفكار أو معلومات جديدة تتحدى المعتقدات القديمة.

قد يأتي هذا من خلال التعليم ، واللقاءات مع وجهات نظر العالم
الأخرى ، أو ببساطة النضج ورؤية العالم في ضوء أكثر تعقيدًا
(McKinlay ، 1996). يمكن أن يكون التنافر المعرفي
بين إيمان المرء والتفاهمات الجديدة حافزًا قويًا للشك.









 
قديم 21 - 06 - 2025, 11:34 AM   رقم المشاركة : ( 200233 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,522

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


أسباب الأزمات متنوعة مثل الأفراد الذين يعانون منها.
يمكن أن تؤدي المعاناة الشخصية أو مشاهدة معاناة الآخرين
إلى أزمة إيمان (Leأ…'niewski ، 2018).
عندما يواجه البعض الحقائق القاسية للألم أو الظلم أو الخسارة
قد يكافح البعض للتوفيق بين هذه التجارب وإيمانهم بالله المحب والقوي.








 
قديم 21 - 06 - 2025, 11:36 AM   رقم المشاركة : ( 200234 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,522

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


أسباب الأزمات متنوعة مثل الأفراد الذين يعانون منها.
المعضلات الأخلاقية يمكن أن تعجل بأزمة.
عندما يتعارض فهم المرء للصواب والخطأ مع التعاليم الدينية
أو تصرفات الزعماء الدينيين ، يمكن أن يؤدي
ذلك إلى استجواب قوي (Leer-Salvesen ، 2019).


التغيرات في ظروف الحياة - مثل مغادرة المنزل
أو الدخول في مرحلة جديدة من الحياة
أو التعرض لخسارة كبيرة - يمكن أن تهز أسس الإيمان (McKinlay ، 1996).
وغالبا ما تؤدي هذه التحولات إلى إعادة تقييم معتقدات المرء وقيمه.









 
قديم 21 - 06 - 2025, 11:37 AM   رقم المشاركة : ( 200235 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,522

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


أسباب الأزمات متنوعة مثل الأفراد الذين يعانون منها.
بالنسبة للبعض ، قد تنشأ أزمة الإيمان من الشعور بالجفاف
الروحي أو الغياب المتصور لوجود الله في حياتهم.
هذه التجربة من "ليلة الروح المظلمة"
يمكن أن تؤدي إلى الشك والاستجواب.










 
قديم 21 - 06 - 2025, 11:38 AM   رقم المشاركة : ( 200236 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,522

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


أسباب الأزمات متنوعة مثل الأفراد الذين يعانون منها.
من المهم أن نتذكر أن أزمة الإيمان ليست علامة على الضعف
أو عدم التفاني. بدلاً من ذلك ، يمكن اعتباره جزءًا طبيعيًا
من النمو والنضج الروحي. بينما نتعامل مع الأسئلة الصعبة
ونواجه شكوكنا ، لدينا الفرصة للظهور بإيمان
أكثر قوة ودقيقة ومتجذرة في القناعة الشخصية.
في مواجهة هذه التحديات، دعونا نتذكر كلمات القديس بولس:
"نحن مبتذلون في كل شيء ، ولكن ليس سحق. حيرة،
ولكن لا تدفع إلى اليأس" (2 كورنثوس 4: 8).
إن أزمة الإيمان، وإن كانت مؤلمة، يمكن أن تكون بوتقة
يتم من خلالها صقل علاقتنا مع الله وتعزيزها.










 
قديم 21 - 06 - 2025, 11:40 AM   رقم المشاركة : ( 200237 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,522

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


رجوع عبيد داود:

16 وَضَرَبَ يُوآبُ بِالْبُوقِ فَرَجَعَ الشَّعْبُ عَنِ اتِّبَاعِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّ يُوآبَ مَنَعَ الشَّعْبَ. 17 وَأَخَذُوا أَبْشَالُومَ وَطَرَحُوهُ فِي الْوَعْرِ فِي الْجُبِّ الْعَظِيمِ، وَأَقَامُوا عَلَيْهِ رُجْمَةً عَظِيمَةً جِدًّا مِنَ الْحِجَارَةِ. وَهَرَبَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ. 18 وَكَانَ أَبْشَالُومُ قَدْ أَخَذَ وَأَقَامَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ حَيٌّ النَّصَبَ الَّذِي فِي وَادِي الْمَلِكِ، لأَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ لِيَ ابْنٌ لأَجْلِ تَذْكِيرِ اسْمِي». وَدَعَا النَّصَبَ بِاسْمِهِ، وَهُوَ يُدْعَى «يَدَ أَبْشَالُومَ» إِلَى هذَا الْيَوْمِ.

ضرب يوآب بالبوق لينهي القتال بموت أبشالوم؛ أنه بوق كلمة الله التي ينطق بها المؤمنون كما ببوق ليعلنوا خلال الكلمة حياة الغلبة ونهاية عدو الخير.
طرح أبشالوم في أقرب جب وُجد هناك فاقدًا كرامته كابن للملك. طلب الكرامة الزمنيه وسعى إليها بكل طاقاته ففقدها في موته وحتى بعد موته، فصار عبرة لكل نفس في عقوق نحو الله أبيها. كانوا يرمونه بالحجارة وكأنهم يرجمونه بسبب عقوقه كحكم الشريعة (تث 21: 20-21). لا تزال توجد في بعض بلاد الشرق عادة أن يُلقي العابرون حجارة على مقبرة المجرمين.
مات أبشالوم بعد أسابيع من مُلكه، وقد سبق أن مات أولاده الثلاثة (2 صم 14: 27) في حياة أبيهم.. وأقيم نصب تذكاري دُعي "يد أبشالوم"، ربما لأنهم كانوا يصورون يدًا على النصب لأن اليد آلة للعمل. هذا النصب تذكار وعبرة لكل من تسول نفسه ممارسة العقوق.
 
قديم 21 - 06 - 2025, 11:42 AM   رقم المشاركة : ( 200238 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,522

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


داود يحزن على ابنه:

19 وَقَالَ أَخِيمَعَصُ بْنُ صَادُوقَ: «دَعْنِي أَجْرِ فَأُبَشِّرَ الْمَلِكَ، لأَنَّ اللهَ قَدِ انْتَقَمَ لَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ». 20 فَقَالَ لَهُ يُوآبُ: «مَا أَنْتَ صَاحِبُ بِشَارَةٍ فِي هذَا الْيَوْمِ. فِي يَوْمٍ آخَرَ تُبَشِّرُ، وَهذَا الْيَوْمَ لاَ تُبَشِّرُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ابْنَ الْمَلِكِ قَدْ مَاتَ». 21 وَقَالَ يُوآبُ لِكُوشِي: «اذْهَبْ وَأَخْبِرِ الْمَلِكَ بِمَا رَأَيْتَ». فَسَجَدَ كُوشِي لِيُوآبَ وَرَكَضَ. 22 وَعَادَ أَيْضًا أَخِيمَعَصُ بْنُ صَادُوقَ فَقَالَ لِيُوآبَ: «مَهْمَا كَانَ، فَدَعْنِي أَجْرِ أَنَا أَيْضًا وَرَاءَ كُوشِي». فَقَالَ يُوآبُ: «لِمَاذَا تَجْرِي أَنْتَ يَا ابْنِي، وَلَيْسَ لَكَ بِشَارَةٌ تُجَازَى؟» 23 قَالَ: «مَهْمَا كَانَ أَجْرِي». فَقَالَ لَهُ: «اجْرِ». فَجَرَى أَخِيمَعَصُ فِي طَرِيقِ الْغَوْرِ وَسَبَقَ كُوشِيَ. 24 وَكَانَ دَاوُدُ جَالِسًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ، وَطَلَعَ الرَّقِيبُ إِلَى سَطْحِ الْبَابِ إِلَى السُّورِ وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا بِرَجُل يَجْرِي وَحْدَهُ. 25 فَنَادَى الرَّقِيبُ وَأَخْبَرَ الْمَلِكَ. فَقَالَ الْمَلِكُ: «إِنْ كَانَ وَحْدَهُ فَفِي فَمِهِ بِشَارَةٌ». وَكَانَ يَسْعَى وَيَقْرُبُ. 26 ثُمَّ رَأَى الرَّقِيبُ رَجُلًا آخَرَ يَجْرِي، فَنَادَى الرَّقِيبُ الْبَوَّابَ وَقَالَ: «هُوَذَا رَجُلٌ يَجْرِي وَحْدَهُ». فَقَالَ الْمَلِكُ: «وَهذَا أَيْضًا مُبَشِّرٌ». 27 وَقَالَ الرَّقِيبُ: «إِنِّي أَرَى جَرْيَ الأَوَّلِ كَجَرْيِ أَخِيمَعَصَ بْنِ صَادُوقَ». فَقَالَ الْمَلِكُ: «هذَا رَجُلٌ صَالِحٌ وَيَأْتِي بِبِشَارَةٍ صَالِحَةٍ». 28 فَنَادَى أَخِيمَعَصُ وَقَالَ لِلْمَلِكِ: «السَّلاَمُ». وَسَجَدَ لِلْمَلِكِ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. وَقَالَ: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي دَفَعَ الْقَوْمَ الَّذِينَ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ». 29 فَقَالَ الْمَلِكُ: «أَسَلاَمٌ لِلْفَتَى أَبْشَالُومَ؟» فَقَالَ أَخِيمَعَصُ: «قَدْ رَأَيْتُ جُمْهُورًا عَظِيمًا عِنْدَ إِرْسَالِ يُوآبَ عَبْدَ الْمَلِكِ وَعَبْدَكَ، وَلَمْ أَعْلَمْ مَاذَا». 30 فَقَالَ الْمَلِكُ: «دُرْ وَقِفْ ههُنَا». فَدَارَ وَوَقَفَ. 31 وَإِذَا بِكُوشِي قَدْ أَتَى، وَقَالَ كُوشِي: « لِيُبَشَّرْ سَيِّدِي الْمَلِكُ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ انْتَقَمَ لَكَ الْيَوْمَ مِنْ جَمِيعِ الْقَائِمِينَ عَلَيْكَ». 32 فَقَالَ الْمَلِكُ لِكُوشِي: «أَسَلاَمٌ لِلْفَتَى أَبْشَالُومَ؟» فَقَالَ كُوشِي: «لِيَكُنْ كَالْفَتَى أَعْدَاءُ سَيِّدِي الْمَلِكِ وَجَمِيعُ الَّذِينَ قَامُوا عَلَيْكَ لِلشَّرِّ». 33 فَانْزَعَجَ الْمَلِكُ وَصَعِدَ إِلَى عِلِّيَّةِ الْبَابِ وَكَانَ يَبْكِي وَيَقُولُ وَهُوَ يَتَمَشَّى: «يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ، يَا ابْنِي، يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ! يَا لَيْتَنِي مُتُّ عِوَضًا عَنْكَ! يَا أَبْشَالُومُ ابْنِي، يَا ابْنِي».

أدرك يوآب أن الملك المتعلق بابنه أبشالوم لن يتقبل خبر النصرة بفرح بسبب موت ابنه لذلك لم يرد أن يقوم أخيمعص بن صادوق الكاهن بإبلاغ الخبر للملك، فبعث برسول آخر كوشي، ربما كان عبدًا ليوآب من بلاد كوش. نزل أخيمعص إلى الغور أي إلى وادي الأردن وسار فيه ثم صعد إلى محنايم ليبشر داود بالنصرة، أما الكوشي فأخذ طريقًا أسهل لكنه أطول.
وصل أخيمعص أولًا حيث كان داود جالسًا بين البابين: أي على السطح يربط بين باب خارجي تجاه البرية وآخر تجاه المدينة، وقد صعد الرقيب على سطح السور فوق الباب ليخبر داود بما يراه.
بشر أخيمعص داود بالنصرة، دون أن ينطق بكلمة بخصوص أبشالوم حتى جاء الكوشي، وفهم داود من حديثه أن ابنه مات فحزن جدًا، وكان يبكيه بمرارة، ولعل سر بكائه هو:
أ. مشاعر الأبوة الحانية الطبيعية. خاصة وأن داود يحمل مشاعر رقيقة للكل.
ب. كان يكِنّ لأبشالوم معزة خاصة، متوقعًا أن تنضج شخصيته مع الزمن وخلال الخبرات المستمرة.
ج. لم يكن أبشالوم مستعدًا للموت بالتوبة.
د. شعوره بخطئه في تربيته لابنه.
ه. شعر أن ما حل به هو ثمرة خطأه هو.
 
قديم 21 - 06 - 2025, 12:00 PM   رقم المشاركة : ( 200239 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,522

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


عودة داود للمُلك

عقوق أبشالوم ودخول إسرائيل في حرب مع رجال داود سبب جراحات كثيرة على مستوى بعض الشخصيات الهامة كما بين الأسباط وبعضها البعض، فقد انكشفت نية البعض كخونة لداود بينما سقط البعض في الخيانة تحت الضغط... كان أمر رجوع داود إلى المملكة يحتاج إلى حكمة في التصرف ولقاءات هامة...



1. يوآب يخرج داود من حزنه:

1 فَأُخْبِرَ يُوآبُ: «هُوَذَا الْمَلِكُ يَبْكِي وَيَنُوحُ عَلَى أَبْشَالُومَ». 2 فَصَارَتِ الْغَلَبَةُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مَنَاحَةً عِنْدَ جَمِيعِ الشَّعْبِ، لأَنَّ الشَّعْبَ سَمِعُوا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْمَلِكَ قَدْ تَأَسَّفَ عَلَى ابْنِهِ. 3 وَتَسَلَّلَ الشَّعْبُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ لِلدُّخُولِ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا يَتَسَلَّلُ الْقَوْمُ الْخَجِلُونَ عِنْدَمَا يَهْرُبُونَ فِي الْقِتَالِ. 4 وَسَتَرَ الْمَلِكُ وَجْهَهُ وَصَرَخَ الْمَلكُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ، يَا أَبْشَالُومُ ابْنِي، يَا ابْنِي!». 5 فَدَخَلَ يُوآبُ إِلَى الْمَلِكِ إِلَى الْبَيْتِ وَقَالَ: «قَدْ أَخْزَيْتَ الْيَوْمَ وُجُوهَ جَمِيعِ عَبِيدِكَ، مُنْقِذِي نَفْسِكَ الْيَوْمَ وَأَنْفُسِ بَنِيكَ وَبَنَاتِكَ وَأَنْفُسِ نِسَائِكَ وَأَنْفُسِ سَرَارِيِّكَ، 6 بِمَحَبَّتِكَ لِمُبْغِضِيكَ وَبُغْضِكَ لِمُحِبِّيكَ، لأَنَّكَ أَظْهَرْتَ الْيَوْمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَكَ رُؤَسَاءُ وَلاَ عَبِيدٌ، لأَنِّي عَلِمْتُ الْيَوْمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَبْشَالُومُ حَيًّا وَكُلُّنَا الْيَوْمَ مَوْتَى، لَحَسُنَ حِينَئِذٍ الأَمْرُ فِي عَيْنَيْكَ. 7 فَالآنَ قُمْ وَاخْرُجْ وَطَيِّبْ قُلُوبَ عَبِيدِكَ، لأَنِّي قَدْ أَقْسَمْتُ بِالرَّبِّ إِنَّهُ إِنْ لَمْ تَخْرُجْ لاَ يَبِيتُ أَحَدٌ مَعَكَ هذِهِ اللَّيْلَةَ، وَيَكُونُ ذلِكَ أَشَرَّ عَلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَرّ أَصَابَكَ مُنْذُ صِبَاكَ إِلَى الآنَ». 8 فَقَامَ الْمَلِكُ وَجَلَسَ فِي الْبَابِ. فَأَخْبَرُوا جَمِيعَ الشَّعْبِ قَائِلِينَ: «هُوَذَا الْمَلِكُ جَالِسٌ فِي الْبَابِ». فَأَتَى جَمِيعُ الشَّعْبِ أَمَامَ الْمَلِكِ. وَأَمَّا إِسْرَائِيلُ فَهَرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ.

اعتبر يوآب حزن داود المفرط على ابنه العاق أبشالوم إهانة للشعب الذين خاطروا بحياتهم في الحرب من أجله، وكانوا يتوقعون كلمة شكر واحتفالًا بالنصرة بفرح وبهجة. لهذا دخل يوآب إلى الملك ليتحدث معه بلكمات جارحة وفي غير لياقة قائلًا له: "قد أخزيت اليوم وجوه عبيدك منقذي نفسك اليوم وأنفس بنيك وبناتك وأنفس نسائك وأنفس سراريك بمحبتك لمبغضيك وبغضك لمحبيك، لأنك أظهرت اليوم أنه ليس لك رؤساء ولا عبيد، لأني علمت اليوم أنه لو كان أبشالوم حيًا وكلنا اليوم موتى لحسن حينئذ الأمر في عينيك".
بالغ يوآب في الحديث عندما ذكر أن داود أحب مبغضيه لأنه لو انتصر أبشالوم لقتل داود وبنيه ونساءه ورجاله خاصة الجبابرة كيوآب، لكن داود لم يبغض محبيه كما ادعى يوآب.
في جسارة طلب يوآب من الملك قائلًا: "قم واخرج وطيب قلوب عبيدك" [7]. لقد خشى أن يتركه الكل ويطلبوا ملكًا آخر لأنه فضل ابنه العاق عن كل رجاله، فيحل الشر بداود.
لسنا ننكر رقة مشاعر داود مع الجميع خاصة ابنه أبشالوم، لكن كان يليق به أن يتخطى العلاقات الشخصية والعائليه من أجل حبه ورعايته للشعب؛ حزنه الشديد على ابنه العاق حطم نفسية رجاله، لأنهم ما كانوا يتوقعون منه ذلك. على أية الأحوال، أراد الكتاب المقدس أن يبرز أنه يصعب على الإنسان التخلص من الجوانب الشخصية وأثر العلاقات الأسرية حتى بالنسبة لكبار الأنبياء والقديسين.

2. يهوذا يلتقي بداود:

9 وَكَانَ جَمِيعُ الشَّعْبِ فِي خِصَامٍ فِي جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ قَائِلِينَ: «إِنَّ الْمَلِكَ قَدْ أَنْقَذَنَا مِنْ يَدِ أَعْدَائِنَا وَهُوَ نَجَّانَا مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَالآنَ قَدْ هَرَبَ مِنَ الأَرْضِ لأَجْلِ أَبْشَالُومَ 10 وَأَبْشَالُومُ الَّذِي مَسَحْنَاهُ عَلَيْنَا قَدْ مَاتَ فِي الْحَرْبِ. فَالآنَ لِمَاذَا أَنْتُمْ سَاكِتُونَ عَنْ إِرْجَاعِ الْمَلِكِ؟» 11 وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ إِلَى صَادُوقَ وَأَبِيَاثَارَ الْكَاهِنَيْنِ قَائِلًا: «كَلِّمَا شُيُوخَ يَهُوذَا قَائِلَيْنِ: لِمَاذَا تَكُونُونَ آخِرِينَ فِي إِرْجَاعِ الْمَلِكِ إِلَى بَيْتِهِ، وَقَدْ أَتَى كَلاَمُ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَلِكِ فِي بَيْتِهِ؟ 12 أَنْتُمْ إِخْوَتِي. أَنْتُمْ عَظْمِي وَلَحْمِي. فَلِمَاذَا تَكُونُونَ آخِرِينَ فِي إِرْجَاعِ الْمَلِكِ؟ 13 وَتَقُولاَنِ لِعَمَاسَا: أَمَا أَنْتَ عَظْمِي وَلَحْمِي؟ هكَذَا يَفْعَلُ بِيَ اللهُ وَهكَذَا يَزِيدُ، إِنْ كُنْتَ لاَ تَصِيرُ رَئِيسَ جَيْشٍ عِنْدِي كُلَّ الأَيَّامِ بَدَلَ يُوآبَ». 14 فَاسْتَمَالَ بِقُلُوبِ جَمِيعِ رِجَالِ يَهُوذَا كَرَجُل وَاحِدٍ، فَأَرْسَلُوا إِلَى الْمَلِكِ قَائِلِينَ: «ارْجعْ أَنْتَ وَجَمِيعُ عَبِيدِكَ». 15 فَرَجَعَ الْمَلِكُ وَأَتَى إِلَى الأُرْدُنِّ، وَأَتَى يَهُوذَا إِلَى الْجِلْجَالِ سَائِرًا لِمُلاَقَاةِ الْمَلِكِ لِيُعَبِّرَ الْمَلِكَ الأُرْدُنَّ.

صار الموقف مربكًا فكل الأسباط تذكر دور داود منذ صباه في الدفاع عنهم أيام شاول الملك، وكيف قابل عداوة شاول بالسماحة، وأيضًا خدمته الناجحة كملك. ومع هذا إذ ثار عليه ابنه وانضم إليه كثيرون حزن على موت ابنه العاق... والآن مات أبشالوم وصاروا بلا ملك، ولا يعرفون ماذا يفعلون خاصة سبط يهوذا الذي كان يساند أبشالوم في فتنته وخشوا نقمة داود منهم.


أرسل داود الكاهنين صادوق وأبيأثار إلى يهوذا ليسرعوا إلى داود، يعلنون خضوعهم له. لكي لا يتحرجوا من الموقف ذكَّرهم داود أنهم إخوته من عظمه ولحمه كما أرسال إلى عماسا رئيس جيش أبشالوم ليعده بأن يقيمه رئيسًا على الجيش عوض يوآب لكي يكسب الشعب الذي تعلق بأبشالوم، ومن جانب آخر ربما أراد أن يستريح من يوآب الذي قتل أبنير وأبشالوم وتحدث بخشونة مع داود، لأنه يحمل ذلة على داود بخصوص قتل أوريا الحثي.
بالفعل جاء داود إلى الأردن بينما جاء رجال يهوذا إلى الجلجال (بين أريحا والأردن) لملاقاة الملك وحراسته أثناء عبوره الأردن.
كان داود حكيمًا في إرساليته هذه ليهوذا لكي يكسبهم لصفه، وإن كان هذا له أيضًا جانبه السلبي، فقد أثار هذا الموقف بقية الأسباط إذ حسبت أن يهوذا يميل إلى الانعزالية حاسبًا داود ملكه الخاص لأنه من ذات السبط.
أرسل داود الكاهنين صادوق (= صديق أو بار) وأبيأثار (= أب الثراء) لكي يجتذب بالحب سبطه إليه، وفي ملء الزمان جاءنا ابن داود بنفسه كلمة الله المتجسد ليجتذبنا إليه خلال حياته الفائقة القداسة والأبوة الإلهية الغنية في الحب ليقيمنا أعضاء جسده، عظمه ولحمه، كنيسته المقدسة.
من كان فينا كعماسا له دور قيادي شرير لحساب أبشالوم (رمز إبليس) يحوله بنعمته الإلهية ليصير قائدًا لحساب ملكوت المسيح، كما فعل مع شاول الطرسوسي الذي كان يضطهد الكنيسة فصار بنعمته رسولًا أمينًا وكارزًا بالمسيح.
كما اهتم داود الملك بيهوذا كسبط وأيضًا بعماسا كشخص هكذا يهتم السيد المسيح بكنيسته كجماعة مقدسة عروسه الواحدة دون تجاهل لكل عضو فيها. بنيان الكنيسة هو لحساب نمو كل عضو فيها، وبنيان كل عضو إنما لحساب نمو الجماعة ككل، بلا فصل بين الحياة الكنسية الجماعية والخبرة الشخصية لكل عضو فيها.

3. شمعي وصيبا يلتقيان بداود:

16 فَبَادَرَ شِمْعِي بْنُ جِيْرَا الْبَنْيَامِينِيُّ الَّذِي مِنْ بَحُورِيمَ وَنَزَلَ مَعَ رِجَالِ يَهُوذَا لِلِقَاءِ الْمَلِكِ دَاوُدَ، 17 وَمَعَهُ أَلْفُ رَجُل مِنْ بَنْيَامِينَ، وَصِيبَا غُلاَمُ بَيْتِ شَاوُلَ وَبَنُوهُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَعَبِيدُهُ الْعِشْرُونَ مَعَهُ، فَخَاضُوا الأُرْدُنَّ أَمَامَ الْمَلِكِ. 18 وَعَبَرَ الْقَارِبُ لِتَعْبِيرِ بَيْتِ الْمَلِكِ وَلِعَمَلِ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ. وَسَقَطَ شِمْعِي بْنُ جِيْرَا أَمَامَ الْمَلِكِ عِنْدَمَا عَبَرَ الأُرْدُنَّ، 19 وَقَالَ لِلْمَلِكِ: «لاَ يَحْسِبْ لِي سَيِّدِي إِثْمًا، وَلاَ تَذْكُرْ مَا افْتَرَى بِهِ عَبْدُكَ يَوْمَ خُرُوجِ سَيِّدِي الْمَلِكِ مِنْ أُورُشَلِيمَ، حَتَّى يَضَعَ الْمَلِكُ ذلِكَ فِي قَلْبِهِ، 20 لأَنَّ عَبْدَكَ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أَخْطَأْتُ، وَهأَنَذَا قَدْ جِئْتُ الْيَوْمَ أَوَّلَ كُلِّ بَيْتِ يُوسُفَ، وَنَزَلْتُ لِلِقَاءِ سَيِّدِي الْمَلِكِ». 21 فَأَجَابَ أَبِيشَايُ ابْنُ صَرُويَةَ وَقَالَ: «أَلاَ يُقْتَلُ شِمْعِي لأَجْلِ هَذَا، لأَنَّهُ سَبَّ مَسِيحَ الرَّبِّ؟» 22 فَقَالَ دَاوُدُ: «مَا لِي وَلَكُمْ يَا بَنِي صَرُويَةَ حَتَّى تَكُونُوا لِيَ الْيَوْمَ مُقَاوِمِينَ؟ آلْيَوْمَ يُقْتَلُ أَحَدٌ فِي إِسْرَائِيلَ؟ أَفَمَا عَلِمْتُ أَنِّي الْيَوْمَ مَلِكٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ؟» 23 ثُمَّ قَالَ الْمَلِكُ لِشِمْعِي: «لاَ تَمُوتُ». وَحَلَفَ لَهُ الْمَلِكُ.

أسرع شمعي وصيبا لمقابلة داود، الأول سبه عند هروبه من أورشليم (2 صم 16: 5-13)، والثاني كذب عليه حينما ادعى أن مفيبوشث يطمع في الكرسي الملكي (2 صم 16: 1-4). خرج الأول معه ألف رجل من بنيامين وجاء الثاني معه بنوه الخمسة عشر وعبيده العشرون. خاضوا الأردن ليلتقوا بالملك.
رأى أبيشاي أن الوقت مناسب للانتقام من شمعي، أما داود فحسب أن الوقت هو وقت فرح وتضميد جراحات واتساع قلب للجميع، وقت حب وسماحه وعفو!


ما أعجب شخصية داود، مع كل نجاح أو نصرة لا يطلب سلطة وإن نالها لا يسيء استغلالها، بل يحول السلطة إلى حب ورعاية.
يرى في الكرسي الملوكي مجالًا للجمع والمصالحة والاتحاد لا لإثارة تصديع وانشقاقات. بعفوه عن شمعي كسب كل سبط بنيامين بل واستراحت قلوب الأسباط الأخرى من أجل هذه الروح السمحة!
إن كان هذا بالنسبة للملك، فماذا نقول عن الأسقف أو الكاهن أو أي قائد روحي؟! الكهنوت أبوة ورعاية وليس سلطة ودكتاتورية! الكهنوت حب في المسيح وليس عجرفة وكرامة زمنية!
* إن شرف الكهنوت عظيم، ولكن إن أخطأ الكهنة فهلاكهم فظيع.
* لا يخلص الكاهن لأجل شرفه، إنما إن سلك بما يليق بشرفه.
القديس إرونيموس
4. مفيبوشث يلتقي بداود:

24 وَنَزَلَ مَفِيبُوشَثُ ابْنُ شَاوُلَ لِلِقَاءِ الْمَلِكِ، وَلَمْ يَعْتَنِ بِرِجْلَيْهِ، وَلاَ اعْتَنَى بِلِحْيَتِهِ، وَلاَ غَسَلَ ثِيَابَهُ، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي ذَهَبَ فِيهِ الْمَلِكُ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي أَتَى فِيهِ بِسَلاَمٍ. 25 فَلَمَّا جَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِلِقَاءِ الْمَلِكِ، قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «لِمَاذَا لَمْ تَذْهَبْ مَعِي يَا مَفِيبُوشَثُ؟» 26 فَقَالَ: «يَا سَيِّدِي الْمَلِكُ إِنَّ عَبْدِي قَدْ خَدَعَنِي، لأَنَّ عَبْدَكَ قَالَ: أَشُدُّ لِنَفْسِيَ الْحِمَارَ فَأَرْكَبُ عَلَيْهِ وَأَذْهَبُ مَعَ الْمَلِكِ، لأَنَّ عَبْدَكَ أَعْرَجُ. 27 وَوَشَى بِعَبْدِكَ إِلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ، وَسَيِّدِي الْمَلِكُ كَمَلاَكِ اللهِ. فَافْعَلْ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ. 28 لأَنَّ كُلَّ بَيْتِ أَبِي لَمْ يَكُنْ إِلاَّ أُنَاسًا مَوْتَى لِسَيِّدِي الْمَلِكِ، وَقَدْ جَعَلْتَ عَبْدَكَ بَيْنَ الآكِلِينَ عَلَى مَائِدَتِكَ. فَأَيُّ حَقّ لِي بَعْدُ حَتَّى أَصْرُخَ أَيْضًا إِلَى الْمَلِكِ؟» 29 فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «لِمَاذَا تَتَكَلَّمُ بَعْدُ بِأُمُورِكَ؟ قَدْ قُلْتُ إِنَّكَ أَنْتَ وَصِيبَا تَقْسِمَانِ الْحَقْلَ». 30 فَقَالَ مَفِيبُوشَثُ لِلْمَلِكِ: «فَلْيَأْخُذِ الْكُلَّ أَيْضًا بَعْدَ أَنْ جَاءَ سَيِّدِي الْمَلِكُ بِسَلاَمٍ إِلَى بَيْتِهِ».

نزل مفيبوشث من بيته في جبعة بنيامين إلى أورشليم ليلتقي بالملك داود، حيث لم يعتن برجليه ولا بلحيته منذ ترك داود الكرسي، فوجد باب الملك مفتوحًا أمامه! كان قلب داود مفتوحًا وأبواب قصره مفتوحة للجميع حتى بالنسبة لمقاوميه والمسيئين إليه. التقى بشمعي الذي سبه وصيبا الذي خدعه وها هو يلتقي بمفيبوشث الذي أوضح الأمر أمامه مؤكدًا أن صيبا خدعه إذ أخذ الحمارين وتركه وهو أعرج بلا مطية (2 صم 16: 1-4). لقد عاتبه داود عن عدم خروجه معه، لكنه ترك له المجال للدفاع دون أخذ حكم مسبق، وحينما أدرك أن صيبا قد وشى بسيده صفح عن مفيبوشث وحكم بتقسيم الحقول -ربما قصد محاصيل الحقول- بين مفيبوشث وصيبا. لم يحكم ضد صيبا ولا طرده من خدمته لأنه صنع معه معروفًا وقت شدته.
تأثر مفيبوشث من كلمات داود وحواره فأعلن اهتمامه بمجيء الملك لا برد نصف الممتلكات إليه. حسب رجوع الملك إلى أورشليم لا يقارن بأية مكاسب أخرى.
كان داود رمزًا للسيد المسيح الذي جاء إلى عالمنا خلال مزود بقر بلا أبواب ومتاريس، مفتوح للجميع لكي ندخل ونحاوره، وإذ نسمع صوته نحسب مجيئه إلى أورشليمنا الداخلية أفضل من كل بركة أو مكسب نناله! حلوله فينا أعظم من أن يقارن بأية بركة مهما كانت قيمتها! مسيحنا يسكن في قلوبنا فيشبع كل احتياجاتنا.



5. برزلاي يلتقي بداود:

31 وَنَزَلَ بَرْزِلاَّيُ الْجِلْعَادِيُّ مِنْ رُوجَلِيمَ وَعَبَرَ الأُرْدُنَّ مَعَ الْمَلِكِ لِيُشَيِّعَهُ عِنْدَ الأُرْدُنِّ. 32 وَكَانَ بَرْزِلاَّيُ قَدْ شَاخَ جِدًّا. كَانَ ابْنَ ثَمَانِينَ سَنَةً. وَهُوَ عَالَ الْمَلِكَ عِنْدَ إِقَامَتِهِ فِي مَحَنَايِمَ لأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا عَظِيمًا جِدًّا. 33 فَقَالَ الْمَلِكُ لِبَرْزِلاَّيَ: «اعْبُرْ أَنْتَ مَعِي وَأَنَا أَعُولُكَ مَعِي فِي أُورُشَلِيمَ». 34 فَقَالَ بَرْزِلاَّيُ لِلْمَلِكِ: «كَمْ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِي حَتَّى أَصْعَدَ مَعَ الْمَلِكِ إِلَى أُورُشَلِيمَ؟ 35 أَنَا الْيَوْمَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً. هَلْ أُمَيِّزُ بَيْنَ الطَّيِّبِ وَالرَّدِيءِ؟ وَهَلْ يَسْتَطْعِمُ عَبْدُكَ بِمَا آكُلُ وَمَا أَشْرَبُ؟ وَهَلْ أَسْمَعُ أَيْضًا أَصْوَاتَ الْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ؟ فَلِمَاذَا يَكُونُ عَبْدُكَ أَيْضًا ثِقْلًا عَلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ؟ 36 يَعْبُرُ عَبْدُكَ قَلِيلًا الأُرْدُنَّ مَعَ الْمَلِكِ. وَلِمَاذَا يُكَافِئُنِي الْمَلِكُ بِهذِهِ الْمُكَافَأَةِ؟ 37 دَعْ عَبْدَكَ يَرْجعُ فَأَمُوتَ فِي مَدِينَتِي عِنْدَ قَبْرِ أَبِي وَأُمِّي. وَهُوَذَا عَبْدُكَ كِمْهَامُ يَعْبُرُ مَعَ سَيِّدِي الْمَلِكِ، فَافْعَلْ لَهُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ». 38 فَأَجَابَ الْمَلِكُ: «إِنَّ كِمْهَامَ يَعْبُرُ مَعِي فَأَفْعَلُ لَهُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ، وَكُلُّ مَا تَتَمَنَّاهُ مِنِّي أَفْعَلُهُ لَكَ». 39 فَعَبَرَ جَمِيعُ الشَّعْبِ الأُرْدُنَّ، وَالْمَلِكُ عَبَرَ. وَقَبَّلَ الْمَلِكُ بَرْزِلاَّيَ وَبَارَكَهُ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ. 40 وَعَبَرَ الْمَلِكُ إِلَى الْجِلْجَالِ، وَعَبَرَ كِمْهَامُ مَعَهُ، وَكُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا عَبَّرُوا الْمَلِكَ، وَكَذلِكَ نِصْفُ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ.

كان برزلاي الجلعادي قد شاخ جدًا، ابن ثمانين سنة، نزل من روجليم وعبر الأردن مع الملك ليشيعه عند الأردن. طلب منه الملك أن يأتي معه إلى أورشليم ليكرمه مقابل اهتمامه بالملك عندما هرب وجاء إلى محنايم حيث قدم مع شوبي وماكير فرشًا وطسوسًا وآنية خزف وحنطة وشعيرًا ودقيقًا وفريكًا وفولًا وعدسًا وحمصًا مشويًا وعسلًا وزبدةً وضأنًا وجبن بقر (2 صم 17: 27-29).
اعتذر برزلاي لشيخوخته أنه لم يَعُد يميز بين طعام وطعام، ولا يسمع لصوت المغنين والمغنيات وإنما يستعد للرحيل لِيُدْفَن في قبر والديه. اكتفى بأن يرسل ابنه كمهام مع الملك ليفعل معه الملك ما أراد بالنسبة لأبيه برزلاي، وقد أوصى داود به سليمان (1 مل 2: 7). يبدو أنه جعله حاكمًا في بيت لحم (إر 41: 17)، ويظن البعض أن السيد المسيح ولد في منزله.
خلال اللقاءات المذكورة في هذا الأصحاح نرى في داود رمزًا للسيد المسيح الذي التقى بالفئات التالية:
أولًا: بالكنيسة ككل مرموز لها بسبط يهوذا لتنعم بالاتحاد معه كجسده الواحد، في نفس الوقت اهتم بعماسا علامة اهتمامه بكل عضو.
ثانيًا: بالنفوس الساقطة التائبة كشمعي الذي سبق فسب داود.
ثالثًا: بالنفوس التي كذبت وخدعت وها هي قادمة بالتوبة مثل صيبا.
رابعًا: بالنفوس المحطمة المظلومة مثل مفيبوشث.
خامسًا: بالنفوس التقية المنشغلة بخروجها من العالم مثل برزلاي الجلعادي.
سادسًا: بالنفوس الحديثة في الإيمان مثل كمهام بن برزلاي، ليهبها سلطانها ويحل في داخلها.



6. ثورة الأسباط على يهوذا:

41 وَإِذَا بِجَمِيعِ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ جَاءُونَ إِلَى الْمَلِكِ، وَقَالُوا لِلْمَلِكِ: «لِمَاذَا سَرِقَكَ إِخْوَتُنَا رِجَالُ يَهُوذَا وَعَبَرُوا الأُرْدُنَّ بِالْمَلِكِ وَبَيْتِهِ وَكُلِّ رِجَالِ دَاوُدَ مَعَهُ؟». 42 فَأَجَابَ كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا رِجَالَ إِسْرَائِيلَ: «لأَنَّ الْمَلِكَ قَرِيبٌ إِلَيَّ، وَلِمَاذَا تَغْتَاظُ مِنْ هذَا الأَمْرِ؟ هَلْ أَكَلْنَا شَيْئًا مِنَ الْمَلِكِ أَوْ وَهَبَنَا هِبَةً؟» 43 فَأَجَابَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ رِجَالَ يَهُوذَا وَقَالُوا: «لِي عَشَرَةُ أَسْهُمٍ فِي الْمَلِكِ، وَأَنَا أَحَقُّ مِنْكَ بِدَاوُدَ، فَلِمَاذَا اسْتَخْفَفْتَ بِي وَلَمْ يَكُنْ كَلاَمِي أَوَّلًا فِي إِرْجَاعِ مَلِكِي؟» وَكَانَ كَلاَمُ رِجَالِ يَهُوذَا أَقْسَى مِنْ كَلاَمِ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ.

أرسل الملك إلى سبط يهوذا الكاهنين صادوق وأبيأثار ليسرعوا بمقابلة الملك، وكان يهدف من ذلك استمالتهم بعدما حرضهم أبشالوم ضده. جاءوا إلى الجلجال. وجاء بنيامينيون مع شمعي، وأيضًا جاء بعض ممن يسكنون شرقي الأردن من أسباط رأوبين وجاد ومنسى، أما بقية الأسباط البعيدة في الغرب فجاءت متأخرة، وحسبت ذهاب يهوذا قبلهم دون انتظارهم إهانة واستخفافًا بهم. أجابهم سبط يهوذا إنهم لم يفعلوا هذا لمصلحة خاصة بالسبط وإنما لمجرد قربهم منه من جهة الموقع، إذ قالوا: "هل أكلنا شيئًا من الملك؟! أو وهبنا هبة؟!".


ثورة شبع بن بكري



كان لا بُد للسيف ألا يفارق مملكة داود تأديبًا له على قتل أوريا الحثي، لهذا بلا سبب حقيقي ثار شبع بن بكري البنياميني ضده وأثار إسرائيل بسرعة فائقة ليبقى رجال يهوذا وحدهم مع داود. أعلن الله يده القوية إذ تحقق الانتصار لداود بطريقة غير متوقعة ودون سفك دم، سوى قطع رأس شبع نفسه. هكذا سمح الله لداود بالتجربة للتأديب وهو الذي أوجد المنفذ أيضًا.


1. ثورة شبع بن بكري:

1 وَاتَّفَقَ هُنَاكَ رَجُلٌ لَئِيمٌ اسْمُهُ شَبَعُ بْنُ بِكْرِي رَجُلٌ بَنْيَامِينِيٌّ، فَضَرَبَ بِالْبُوقِ وَقَالَ: «لَيْسَ لَنَا قِسْمٌ فِي دَاوُدَ وَلاَ لَنَا نَصِيبٌ فِي ابْنِ يَسَّى. كُلُّ رَجُل إِلَى خَيْمَتِهِ يَا إِسْرَائِيلُ». 2 فَصَعِدَ كُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ مِنْ وَرَاءِ دَاوُدَ إِلَى وَرَاءِ شَبَعَ بْنِ بِكْرِي. وَأَمَّا رِجَالُ يَهُوذَا فَلاَزَمُوا مَلِكَهُمْ مِنَ الأُرْدُنِّ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 3 وَجَاءَ دَاوُدُ إِلَى بَيْتِهِ فِي أُورُشَلِيمَ. وَأَخَذَ الْمَلِكُ النِّسَاءَ السَّرَارِيَّ الْعَشَرَ اللَّوَاتِي تَرَكَهُنَّ لِحِفْظِ الْبَيْتِ، وَجَعَلَهُنَّ تَحْتَ حَجْزٍ، وَكَانَ يَعُولُهُنَّ وَلكِنْ لَمْ يَدْخُلْ إِلَيْهِنَّ، بَلْ كُنَّ مَحبُوسَاتٍ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهِنَّ فِي عِيشَةِ الْعُزُوبَةِ.

"شبع" كلمة عبرية تعني "سبعة" أو "قسم oath". كان شبع بنيامينيًا حسب المولد [1]، مسكنه في جبل أفرايم [21]؛ وهو وشمعي من سبط شاول. ربما كان لشبع دور ظاهر أو خفي في فتنة أبشالوم ضد داود أبيه.
نزل البنيامينيون إلى الأردن ليعبّروا داود الأردن، لكنهم غضبوا من كلام يهوذا (2 صم 19: 41-43)، ولسبب تافه ضرب شمعي بالبوق ليعود رجال إسرائيل (10 أسباط) إلى بلادهم في تمرد ضد داود، لكنهم عوض الرجوع إلى بلادهم عادوا فتجمعوا لإثارة حرب جديدة بقيادة شبع (1 مل 12: 16).
واضح أن ما يحدث ليس بالأمر الطبيعي، فالشعب يتقلب بسرعة عجيبة، كانوا قبلًا مع داود، ثم تبعوا أبشالوم ثم رجعوا إلى داود، وها هم يتركونه ليتبعوا شبع. غالبًا ما كان السواد الأعظم لا يدري السبب للالتفاف حول شخص ما ثم مفارقته... هناك يد خفية تحرك هذا كله هو "السماح الإلهي" لأجل تأديب داود.
لم يسترح داود من فتنة ابنه أبشالوم حتى قام شبع بذات الدور ليجمع عشرة أسباط حوله، وكأن الله لم يرد لداود أن يستريح من الضيق حتى تبقى الخطية التي سقط فيها مُرّة في فمه.
عاد داود مع رجال يهوذا إلى أورشليم، وأخذ السراري العشر وتركهن تحت الحجز لأنه لم يكن لائقًا أن يرجعن إليه بعدما دخل عليهن أبشالوم (2 صم 16: 22).

2. غدر يوآب بعماسا:

4 وَقَالَ الْمَلِكُ لِعَمَاسَا: «اجْمَعْ لِي رِجَالَ يَهُوذَا فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَاحْضُرْ أَنْتَ هُنَا».

طلب داود الملك من عماسا (ابن يثرا وأبيجابل أخت داود، وابن عم يوآب) أن يجمع له رجال يهوذا في ثلاثة أيام، وهي مدة غير كافية، لكن الأمر كان خطيرًا لا يحتمل أي تأخير، إذ يُريد أن يضرب شبع بن بكري بسرعة حتى لا تضيع المملكة كلها.
تجاهل داود الملك يوآب وأقام عماسا رئيسًا للجيش كله لأسباب كثيرة:
أ. اعتاد داود أن يفي بوعده مهما كانت الظروف، وقد سبق فأرسل له لكي يرجع إليه فيقيمه رئيسًا للجيش (2 صم 19: 13).
ب. إن كان شبع قد جمع الأسباط كلها عدا يهوذا، فإن تعيين عماسا رئيس جيش أبشالوم يعني في أذهان الشعب أن داود غير منحاز لسبطه، وأنه لازال يفتح يديه للجميع لكي يعمل معهم وبهم.
ج. الخلافات القديمة بين داود ويوآب التي سبق لنا الحديث عنها (راجع 2 صم 19).
تأخر عماسا عن الميعاد المحدد فطلب داود من أبيشاي أخي يوآب أن يلحق بشبع، فخرج أبيشاي ومعه أخوه يوآب ورجاله.
التقى يوآب بعماسا في عودته ومعه رجال يهوذا وبنيامين عند الصخرة العظيمة التي في جبعون. أمسك يوآب بلحية عماسا بيده اليمنى كمن يقبله - وعن عمد - أغمد سيفه الذي أمسكه بيده اليسرى ليقتل به عماسا، وتركه يتمرغ بدمه في وسط الطريق.
نادى يوآب وسط الشعب: "من سرّ بيوآب ومن هو لداود فوراء يوآب" [11]. كأنه أراد أن يؤكد لهم أن قتل عماسا بسبب خيانته لداود، وأنه هو رجل داود الأول والأمين له، بهذا الحديث اجتذب حتى رجال عماسا وراءه هو وأبيشاي لإدراك شبع، تاركين عماسا بدمه بعد نقله من الطريق العام إلى حقل وطرح ثوبه عليه حتى لا يقف أحد بجواره.
تبقى شخصية يوآب غريبة ومحيرة، فمن جانب كان صادقًا في أمانته لداود فمع اختلافه في التفكير معه لكنه لم يخنه قط ولا توانى في بذل كل طاقته لتثبيت مملكته، رافقه كل الطريق... لكنه كان متسرعًا يُريد تحقيق سلام داود بتصرفات يراها داود الملك متهورة مثل قتله أبنير وعماسا... ولعل وراء ذلك دافعًا خفيًا هو الغيرة منهما كقائدي جيش قويين، فأراد الخلاص منهما كمنافسين خطيرين على مركزه. أيضًا قتل أبشالوم متجاهلًا أوامر الملك ما دام في قتله سلام للملك والمملكة. لا يهتم بالوسيلة ما دامت تحقق الهدف فقتل أبنير وعماسا غدرًا!


3. قتل شبع بن بكري:

5 فَذَهَبَ عَمَاسَا لِيَجْمَعَ يَهُوذَا، وَلكِنَّهُ تأَخَّرَ عَنِ الْمِيقَاتِ الَّذِي عَيَّنَهُ. 6 فَقَالَ دَاوُدُ لأَبِيشَايَ: «الآنَ يُسِيءُ إِلَيْنَا شَبَعُ بْنُ بِكْرِي أَكْثَرَ مِنْ أَبْشَالُومَ. فَخُذْ أَنْتَ عَبِيدَ سَيِّدِكَ وَاتْبَعْهُ لِئَلاَّ يَجِدَ لِنَفْسِهِ مُدُنًا حَصِينَةً وَيَنْفَلِتَ مِنْ أَمَامِ أَعْيُنِنَا». 7 فَخَرَجَ وَرَاءَهُ رِجَالُ يُوآبَ: الْجَلاَّدُونَ وَالسُّعَاةُ وَجَمِيعُ الأَبْطَالِ، وَخَرَجُوا مِن أُورُشَلِيمَ لِيَتْبَعُوا شَبَعَ بْنَ بِكْرِي. 8 وَلَمَّا كَانُوا عِنْدَ الصَّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي فِي جِبْعُونَ، جَاءَ عَمَاسَا قُدَّامَهُمْ. وَكَانَ يُوآبُ مُتَنَطِّقًا عَلَى ثَوْبِهِ الَّذِي كَانَ لاَبِسَهُ، وَفَوْقَهُ مِنْطَقَةُ سَيْفٍ فِي غِمْدِهِ مَشْدُودَةٌ عَلَى حَقَوَيْهِ، فَلَمَّا خَرَجَ انْدَلَقَ السَّيْفُ. 9 فَقَالَ يُوآبُ لِعَمَاسَا: «أَسَالِمٌ أَنْتَ يَا أَخِي؟» وَأَمْسَكَتْ يَدُ يُوآبَ الْيُمْنَى بِلِحْيَةِ عَمَاسَا لِيُقَبِّلَهُ. 10 وَأَمَّا عَمَاسَا فَلَمْ يَحْتَرِزْ مِنَ السَّيْفِ الَّذِي بِيَدِ يُوآبَ، فَضَرَبَهُ بِهِ فِي بَطْنِهِ فَدَلَقَ أَمْعَاءَهُ إِلَى الأَرْضِ وَلَمْ يُثَنِّ عَلَيْهِ، فَمَاتَ. وَأَمَّا يُوآبُ وَأَبِيشَايُ أَخُوهُ فَتَبِعَا شَبَعَ بْنَ بِكْرِي. 11 وَوَقَفَ عِنْدَهُ وَاحِدٌ مِنْ غِلْمَانِ يُوآبَ، فَقَالَ: «مَنْ سُرَّ بِيُوآبَ، وَمَنْ هُوَ لِدَاوُدَ، فَوَرَاءَ يُوآبَ». 12 وَكَانَ عَمَاسَا يَتَمَرَّغُ فِي الدَّمِ فِي وَسَطِ السِّكَّةِ. وَلَمَّا رَأَى الرَّجُلُ أَنَّ كُلَّ الشَّعْبِ يَقِفُونَ، نَقَلَ عَمَاسَا مِنَ السِّكَّةِ إِلَى الْحَقْلِ وَطَرَحَ عَلَيْهِ ثَوْبًا، لَمَّا رَأَى أَنَّ كُلَّ مَنْ يَصِلُ إِلَيْهِ يَقِفُ. 13 فَلَمَّا نُقِلَ عَنِ السِّكَّةِ عَبَرَ كُلُّ إِنْسَانٍ وَرَاءَ يُوآبَ لاتِّبَاعِ شَبَعَ بْنِ بِكْرِي. 14 وَعَبَرَ فِي جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى آبَلَ وَبَيْتِ مَعْكَةَ وَجَمِيعِ الْبِيرِيِّينَ، فَاجْتَمَعُوا وَخَرَجُوا أَيْضًا وَرَاءَهُ. 15 وَجَاءُوا وَحَاصَرُوهُ فِي آبَلِ بَيْتِ مَعْكَةَ، وَأَقَامُوا مِتْرَسَةً حَوْلَ الْمَدِينَةِ فَأَقَامَتْ فِي الْحِصَارِ، وَجَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِينَ مَعَ يُوآبَ كَانُوا يُخْرِبُونَ لأَجْلِ إِسْقَاطِ السُّورِ. 16 فَنَادَتِ امْرَأَةٌ حَكِيمَةٌ مِنَ الْمَدِينَةِ: «اِسْمَعُوا. اِسْمَعُوا. قُولُوا لِيُوآبَ تَقَدَّمْ إِلَى ههُنَا فَأُكَلِّمَكَ». 17 فَتَقَدَّمَ إِلَيْهَا، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «أَأَنْتَ يُوآبُ؟» فَقَالَ: «أَنَا هُوَ». فَقَالَتْ لَهُ: «اسْمَعْ كَلاَمَ أَمَتِكَ». فَقَالَ: «أَنَا سَامِعٌ». 18 فَتَكَلَّمَتْ قَائِلَةً: «كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ أَوَّلًا قَائِلِينَ: سُؤَالًا يَسْأَلُونَ فِي آبَلَ. وَهكَذَا كَانُوا انْتَهَوْا. 19 أَنَا مُسَالِمَةٌ أَمِينَةٌ فِي إِسْرَائِيلَ. أَنْتَ طَالِبٌ أَنْ تُمِيتَ مَدِينَةً وَأُمًّا فِي إِسْرَائِيلَ. لِمَاذَا تَبْلَعُ نَصِيبَ الرَّبِّ؟» 20 فَأَجَابَ يُوآبُ وَقَالَ: «حَاشَايَ! حَاشَايَ أَنْ أَبْلَعَ وَأَنْ أُهْلِكَ. 21 الأَمْرُ لَيْسَ كَذلِكَ. لأَنَّ رَجُلًا مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ اسْمُهُ شَبَعُ بْنُ بِكْرِي رَفَعَ يَدَهُ عَلَى الْمَلِكِ دَاوُدَ. سَلِّمُوهُ وَحْدَهُ فَأَنْصَرِفَ عَنِ الْمَدِينَةِ». فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِيُوآبَ: «هُوَذَا رَأْسُهُ يُلْقَى إِلَيْكَ عَنِ السُّورِ». 22 فَأَتَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى جَمِيعِ الشَّعْبِ بِحِكْمَتِهَا فَقَطَعُوا رَأْسَ شَبَعَ بْنِ بِكْرِي وَأَلْقَوْهُ إِلَى يُوآبَ، فَضَرَبَ بِالْبُوقِ فَانْصَرَفُوا عَنِ الْمَدِينَةِ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ. وَأَمَّا يُوآبُ فَرَجَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى الْمَلِكِ.

عبر الشعب تحت قيادة يوآب وأخيه أبيشاي نحو الشمال حتى بلغ مدينة "آبل بيت معكة" (تعني "مرج بيت الظلم" أو "مرج بجوار بيت معكة"). مدينة حصينة في سبط نفتالي، عرفت بحكمة أهلها وتمسكهم بالعادات اليهودية. ربما مكانها اليوم تل آبل (أو تل القمح)، قرية في غرب الأردن على رابية تشرف على الوادي، تبعد 12 ميلًا شمال بحيرة الحولة مقابل دان. يحيط بها سهل خصيب مياهه وفيرة دُعي "آبل مايم" أو "مرج المياه" (2 أي 16: 4).

4. أقام يوآب ورجاله مترسه

(حائطًا أو ساتر تراب يحميهم) حول المدينة.

22 فَأَتَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى جَمِيعِ الشَّعْبِ بِحِكْمَتِهَا فَقَطَعُوا رَأْسَ شَبَعَ بْنِ بِكْرِي وَأَلْقَوْهُ إِلَى يُوآبَ، فَضَرَبَ بِالْبُوقِ فَانْصَرَفُوا عَنِ الْمَدِينَةِ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ. وَأَمَّا يُوآبُ فَرَجَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى الْمَلِكِ. 23 وَكَانَ يُوآبُ عَلَى جَمِيعِ جَيْشِ إِسْرَائِيلَ، وَبَنَايَا بْنُ يَهُويَادَاعَ عَلَى الْجَلاَّدِينَ وَالسُّعَاةِ، 24 وَأَدُورَامُ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَيَهُوشَافَاطُ بْنُ أَخِيلُودَ مُسَجِّلًا، 25 وَشِيوَا كَاتِبًا، وَصَادُوقُ وَأَبِيَاثَارُ كَاهِنَيْنِ، 26 وَعِيْرَا الْيَائِيرِيُّ أَيْضًا كَانَ كَاهِنًا لِدَاوُدَ.

أدرك أهل المدينة بالخطر المحدق بهم، وكانوا معروفين بالحكمة. نادت امرأة حكيمة: "اسمعوا. اسمعوا. قولوا ليوآب تقدم إلى ههنا فأكلمك" [16]. تحدثت معه قائلة: "كانوا يتكلمون أولًا قائلين: سؤالًا يسألون في آبل وهكذا كانوا انتهوا" [18]. هذا مثل مشهور عن آبل معناه أنها مدينة مشهورة بالحكمة، يلجأ إليها كثيرون يسألونها المشورة المصيبة المقنعة، فينالون إجابة قاطعة. كأنها تقول له: لماذا لم تأتِ إلينا بالتفاوض والتفاهم نحن أناس مسالمون وحكماء؟" قالت له: "لماذا تبلع نصيب الرب؟" بمعنى إنك تهاجم مدينة هي هبة قدمها الله لأهلها، وها أنت تخربها (بحسب الشريعة كان يلزمه أن يقدم السلام ويدخل في حوار قبل أن يهاجم (تث 10: 10).
أجابها يوآب: "حاشاي. حاشاي. أن أبلع وأن أهلك؛ الأمر ليس كذلك، لأن رجلًا من جبل أفرايم اسمه شبع بن بكري رفع يده على الملك داود؛ سلموه وحده فأنصرف عن المدينة (2 صم 20: 20-21). استطاعت بحكمتها أن تقنع أهل المدينة، فقُطعت رأس شبع وألقتها إلى يوآب الذي ضرب بالبوق لينصرف الجيش من محاصرة المدينة.
"شبع" يرمز للكبرياء حيث يظن الإنسان أنه في حالة استغناء، وهو المرض الذي أصاب أسقف كنيسة لاودكية فوبخه الرب قائلًا: "لأنك تقول إني أنا غني وقد استغنيت، ولا حاجة لي إلى شيء، ولست تعلم أنك أنت الشقي والبَئِس وفقير وأعمى وعريان" (رؤ 3: 17). الشعور بالشبع الذاتي وعدم الحاجة إلى الله يُحطم كل إمكانياته ليصير هكذا شقيًا وبائسًا إلخ... هذا ما فعله شبع إذ جمع الأسباط حوله ليثيرها ضد داود ويقيم مملكة مقاومة له. لكن وجدت المرأة الحكيمة التي قطعت رأسه لتلقيها خارج الأسوار فيرجع للمملكة سلامها.
إن كانت حياتك الداخلية هي مملكة الله (لو 17: 21)، فإن الكبرياء كفيل أن يُحطم كل طاقاتك من أحاسيس وعواطف ومواهب وقدرات لتعمل كلها خلالها ضد ابن داود، فتُقيم مملكة مضادة ومقاومة. نحتاج إلى الحكمة، حكمة الصليب، القادرة أن تضرب الكبرياء وتقطع رأسها لتلقي بها خارجًا عنا، فيعود سلامنا إلينا حيث يرجع ابن داود ويملك فينا.


مجاعة بسبب الجبعونيين



أخطأ شاول بمقاتلته الجبعونيين الذين سبق فحلف لهم يشوع بن نون ألا يقتلهم، وقد جنى الشعب الثمرة في أيام داود الملك إذ حدث جوع لمدة ثلاث سنوات، فلما سأل داود الرب كشف له عن السبب، ولم يكن هناك حل لذلك سوى تسليم سبعة رجال من بني شاول للجبعونيين، قاموا بصلبهم.

1. تأديب بسبب الجبعونيين:

1 وَكَانَ جُوعٌ فِي أَيَّامِ دَاوُدَ ثَلاَثَ سِنِينَ، سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ، فَطَلَبَ دَاوُدُ وَجْهَ الرَّبِّ. فَقَالَ الرَّبُّ: «هُوَ لأَجْلِ شَاوُلَ وَلأَجْلِ بَيْتِ الدِّمَاءِ، لأَنَّهُ قَتَلَ الْجِبْعُونِيِّينَ». 2 فَدَعَا الْمَلِكُ الْجِبْعُونِيِّينَ وَقَالَ لَهُمْ. وَالْجِبْعُونِيُّونَ لَيْسُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَلْ مِنْ بَقَايَا الأَمُورِيِّينَ، وَقَدْ حَلَفَ لَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَطَلَبَ شَاوُلُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ لأَجْلِ غَيْرَتِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا.

حدثت مجاعة بسبب انقطاع المطر لمدة ثلاث سنوات، فطلب داود وجه الرب. كانت الإجابة: "هو لأجل شاول ولأجل بيت الدماء لأنه قتل الجبعونيين" [1]. قتلهم عن غيرة وبجهالة لكي يستولي سبطه على مالهم دون مراعاة لقسم يشوع لهم (يش 9).


هذه المجاعة غالبًا ما حدثت بعد أحداث الأصحاح التاسع، قبل فتنة أبشالوم (2 صم 15). ربما لهذا السبب عيّر شمعي داود قائلًا له: "يا رجل الدماء" (2 صم 16: 7)، مشيرًا إلى الرجال السبعة من بني شاول الذين سلمهم داود للجبعونيين ليصلبوهم.
لم يذكر الكتاب المقدس من قبل عن قتل الجبعونيين في أيام شاول، لأن الكتاب لم يهدف إلى تسجيل تاريخ مفصل للملوك وإنما تقديم ما يمس تعليمنا وخلاصنا.
حقًا لقد أدرك داود النبي والملك أن وراء المجاعة سرًّا ، لهذا سأل الرب عن سببها، لكنه تأخر في السؤال. لو أنه سأل في بداية المجاعة، في السنة الأولى أو الثانية لعرف السبب وانتهت المجاعة سريعًا. للأسف لا نلجأ سريعًا للرب بل ننتظر حتى تفرغ كل حيلنا وحكمتنا وتبيد كل قواتنا ولا نجد حلًا. حينئذ فقط نلجأ إلى الله أبينا المهتم بنا. ما أقسى قلوبنا، فإننا ننسى الله في أفراحنا بل وحتى في ضيقاتنا حتى تخور قوتنا.
إن كان الله قد أعد شعبًا له في العهد القديم ليكون خميرة للإيمان وليهيئ العالم لقبول المسيّا المخلص، فإنه بين الحين والآخر يؤكد بطرق متنوعة انفتاح باب الإيمان أمام الأمم، وأنه ليست عند الله محاباة. لقد أخطأ شاول ملك إسرائيل في حق الجبعونيين الأمميين ومات شاول، ونسى الناس تصرفه هذا، لكن الله لم ينس. أدّب الشعب كله بالجوع مع أنه شعب الله، يعيش في أرض الموعد التي تفيض عسلًا ولبنًا وتحت حكم ملك تقي "داود النبي" وفي قمة مجده يسمح الله بالتأديب حتى يدرك الكل أن ما حدث لم يكن صدفة أو لعوامل طبيعية مجردة إنما وراءه يد الله الخفية لبنيان شعبه.
يرمز شاول إلى اليهود المتكبرين جاحدي الإيمان، ويرمز الجبعونيين -الذين من الأمم- إلى جماعة الأمم التي دخلت في ميثاق مع يشوع الحقيقي، ربنا يسوع. لقد عانت كنيسة الأمم الكثير من اليهود رافضي الإيمان، وقد سمح الله بهذا لكنه في الوقت المناسب يحرك حتى الطبيعة (الأمطار) لمساندة قطيعه الصغير بينما يخسر الجاحدون حياتهم.


2. داود يسترضي الجبعونيين:

3 قَالَ دَاوُدُ لِلْجِبْعُونِيِّينَ: «مَاذَا أَفْعَلُ لَكُمْ؟ وَبِمَاذَا أُكَفِّرُ فَتُبَارِكُوا نَصِيبَ الرَّبِّ؟» 4 فَقَالَ لَهُ الْجِبْعُونِيُّونَ: «لَيْسَ لَنَا فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ عِنْدَ شَاوُلَ وَلاَ عِنْدَ بَيْتِهِ، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُمِيتَ أَحَدًا فِي إِسْرَائِيلَ». فَقَالَ: «مَهْمَا قُلْتُمْ أَفْعَلُهُ لَكُمْ». 5 فَقَالُوا لِلْمَلِكِ: «الرَّجُلُ الَّذِي أَفْنَانَا وَالَّذِي تَآمَرَ عَلَيْنَا لِيُبِيدَنَا لِكَيْ لاَ نُقِيمَ فِي كُلِّ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ، 6 فَلْنُعْطَ سَبْعَةَ رِجَال مِنْ بَنِيهِ فَنَصْلِبَهُمْ لِلرَّبِّ فِي جِبْعَةِ شَاوُلَ مُخْتَارِ الرَّبِّ». فَقَالَ الْمَلِكُ: «أَنَا أُعْطِي». 7 وَأَشْفَقَ الْمَلِكُ عَلَى مَفِيبُوشَثَ بْنِ يُونَاثَانَ بْنِ شَاوُلَ مِنْ أَجْلِ يَمِينِ الرَّبِّ الَّتِي بَيْنَهُمَا، بَيْنَ دَاوُدَ وَيُونَاثَانَ بْنِ شَاوُلَ. 8 فَأَخَذَ الْمَلِكُ ابْنَيْ رِصْفَةَ ابْنَةِ أَيَّةَ اللَّذَيْنِ وَلَدَتْهُمَا لِشَاوُلَ: أَرْمُونِيَ وَمَفِيبُوشَثَ، وَبَنِي مِيكَالَ ابْنَةِ شَاوُلَ الْخَمْسَةَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ لِعَدْرِئِيلَ بْنِ بَرْزِلاَّيَ الْمَحُولِيِّ،

شعر داود بالحاجة إلى استرضاء الجبعونيين الأمميين حتى يستجيب الرب له فقال: "ماذا أفعل لكم؟ وبماذا أكفر فتباركوا نصيب الرب؟" [3]... يطلب داود النبي منهم أن يباركوا شعب الرب!!!
لقد عانى الجبعونيون من شاول ورجاله الكثير، إذ قتلوا منهم وطردوا البقية من موضعهم حانثين العهد المقام بين الشعبين في أيام يشوع. وقد جاءت طلبة الجبعونيين تكشف عن جوانب طيبة في حياتهم، ربما بسببها تدخل الله للدفاع عنهم، منها:
أ. لم يستغلوا الموقف لمصلحة مادية، إذ كان الملك مستعدًا أن يقدم لهم كل طلبتهم، أما هم فقالوا: "لَيْسَ لَنَا فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ عِنْدَ شَاوُلَ وَلاَ عِنْدَ بَيْتِهِ" [4]. لقد استعبدهم هذا الشعب واستعبد آباءهم ومع ذلك لم يطلبوا تعويضًا ماديًا.
ب. أنهم محبون للسلام، لا يطلبون سفك دم بريء، إذ قالوا: "وليس لنا أن نميت أحدًا في إسرائيل" [4].
ج. يطلبون تأديب بيت شاول فقط: "الرجل الذي أفنانا والذي تآمر علينا ليبيدنا لكي لا نقيم في كل تخوم إسرائيل، فلنُعطَ سبعة رجال من بنيه فنصلبهم للرب في جبعة شاول مختار الرب" [5-6].
لقد طلب داود منهم أن [يُكَفِّر] [3]، جاءت الكلمة لتعني تعويضًا عما أصابهم من ضرر، أي يقدم تغطية تقابل إصابتهم، أما هم فلم يطلبوا مالًا للتغطية ولا انتقامًا لأنفسهم، وإنما تحقيق عدالة الله. القاتل هو شاول وبيته، فمن بيته يُقدم سبعة رجال ليعلقوا على خشبة لعنة (تث 21: 23؛ غلا 3: 13)، فيرفع الله غضبه.
ويلاحظ في هذه الطلبة أنهم لم يريدوا وضع داود الملك في حرج:


أ. لم يُحددوا الرجال... فأعطوا الفرصة لداود ألا يُسلم مفيبوشث بن يوناثان من أجل أبيه والقسم الذي حلف به، حتى لا يصير داود نفسه حانثًا للقسم مع يوناثان وكاسرًا للصداقة العجيبة التي قامت بينهما.
ب. أنهم يعفون داود من قيامه بالصلب حتى لا يتحرج لأنهم من شعبه وهم أمميون.
ج. أن يتم الصلب في جبعة شاول، في مدينة مختار الرب، لكي يدرك الشعب أن ما حدث ليس عن نقمة ضد الشعب كله بل ضد شاول، وأنه مختار الرب لذا جاءت العقوبة شديدة!

3. صلب أبناء شاول:

9 وَسَلَّمَهُمْ إِلَى يَدِ الْجِبْعُونِيِّينَ، فَصَلَبُوهُمْ عَلَى الْجَبَلِ أَمَامَ الرَّبِّ. فَسَقَطَ السَّبْعَةُ مَعًا وَقُتِلُوا فِي أَيَّامِ الْحَصَادِ، فِي أَوَّلِهَا فِي ابْتِدَاءِ حَصَادِ الشَّعِيرِ. 10 فَأَخَذَتْ رِصْفَةُ ابْنَةُ أَيَّةَ مِسْحًا وَفَرَشَتْهُ لِنَفْسِهَا عَلَى الصَّخْرِ مِنِ ابْتِدَاءِ الْحَصَادِ حَتَّى انْصَبَّ الْمَاءُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَمْ تَدَعْ طُيُورَ السَّمَاءِ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ نَهَارًا، وَلاَ حَيَوَانَاتِ الْحَقْلِ لَيْلًا. 11 فَأُخْبِرَ دَاوُدُ بِمَا فَعَلَتْ رِصْفَةُ ابْنَةُ أَيَّةَ سُرِّيَّةُ شَاوُلَ. 12 فَذَهَبَ دَاوُدُ وَأَخَذَ عِظَامَ شَاوُلَ وَعِظَامَ يُونَاثَانَ ابْنِهِ مِنْ أَهْلِ يَابِيشِ جِلْعَادَ الَّذِينَ سَرِقُوهَا مِنْ شَارِعِ بَيْتِ شَانَ، حَيْثُ عَلَّقَهُمَا الْفِلِسْطِينِيُّونَ يَوْمَ ضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ شَاوُلَ فِي جِلْبُوعَ. 13 فَأَصْعَدَ مِنْ هُنَاكَ عِظَامَ شَاوُلَ وَعِظَامَ يُونَاثَانَ ابْنِهِ، وَجَمَعُوا عِظَامَ الْمَصْلُوبِينَ، 14 وَدَفَنُوا عِظَامَ شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ ابْنِهِ فِي أَرْضِ بَنْيَامِينَ فِي صَيْلَعَ، فِي قَبْرِ قَيْسَ أَبِيهِ، وَعَمِلُوا كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ الْمَلِكُ. وَبَعْدَ ذلِكَ اسْتَجَابَ اللهُ مِنْ أَجْلِ الأَرْضِ.

سلم داود الملك سبعة رجال من بني شاول للجبعونيين لصلبهم لا كذبائح بل لتحقيق العدالة. هؤلاء السبعة هم أرموني ومفيبوشث لشاول من إحدى سراريه تُدعى رصفة، هذه التي بسببها ثار مفيبوشث الملك على أبنير لأنه دخل عليها وهي سرية أبيه في محاولة لاغتصاب الكرسي (2 صم 3: 7-11)، وخمسة رجال أبناء ميكال التي لم تنجب ولدًا من داود (2 صم 6: 23) بل من عدريئيل بن برزلاي المحوّلي؛ وبحسب الترجوم هؤلاء الأولاد هم لأختها الميتة ميراب وقد تبنتهم هي.
جاءت رصفة سرية شاول إلى ذلك الموضع وجلست على المسوح على الصخر، غالبًا ما نصبت خيمة مع خدمها هناك، وكانت تحرس الأجساد المصلوبة حتى لا تدع طيور السماء تنزل عليها ولا حيوانات الحقل تقترب إليها. بقيت هكذا من بدء حصاء الشعير أي شهر إبريل / مايو. لتقضي الصيف كله ويحل موعد المطر في الخريف، لترى ابنيها والخمسة رجال الآخرين يحل بهم الفساد على الخشبة يومًا بعد يوم. كانت تترجى أن يكون ابناها سبب تعزيتها في شيخوختها، لكن بسبب الخطية صارا هكذا سبب مرارة وتعب.
تأثر داود الملك جدًا بما فعلته هذه الأم العجوز، ولكي يظهر أنه لا يحمل حقدًا أو كراهية ضد بيت شاول أخذ عظام شاول ويوناثان التي دفنت خفية تحت شجرة (1 صم 31: 12-13) في يابيش جلعاد حتى لا يُنكل بها الأعداء، وقام بدفنها في قبر قيس في أرض بنيامين في صيلع (معناها "ضلع")، يبدو أنها حاليًا خربة صلاح شمال غربي أورشليم.


4. حرب مع الفلسطينيين:

15 وَكَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ بَيْنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَإِسْرَائِيلَ، فَانْحَدَرَ دَاوُدُ وَعَبِيدُهُ مَعَهُ وَحَارَبُوا الْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَأَعْيَا دَاوُدُ. 16 وَيِشْبِي بَنُوبُ الَّذِي مِنْ أَوْلاَدِ رَافَا، وَوَزْنُ رُمْحِهِ ثَلاَثُ مِئَةِ شَاقِلِ نُحَاسٍ وَقَدْ تَقَلَّدَ جَدِيدًا، افْتَكَرَ أَنْ يَقْتُلَ دَاوُدَ. 17 فَأَنْجَدَهُ أَبِيشَايُ ابْنُ صَرُويَةَ، فَضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيَّ وَقَتَلَهُ. حِينَئِذٍ حَلَفَ رِجَالُ دَاوُدَ لَهُ قَائِلِينَ: «لاَ تَخْرُجُ أَيْضًا مَعَنَا إِلَى الْحَرْبِ، وَلاَ تُطْفِئُ سِرَاجَ إِسْرَائِيلَ». 18 ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ كَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ فِي جُوبَ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. حِينَئِذٍ سَبْكَايُ الْحُوشِيُّ قَتَلَ سَافَ الَّذِي هُوَ مِنْ أَوْلاَدِ رَافَا. 19 ثُمَّ كَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ فِي جُوبَ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. فَأَلْحَانَانُ بْنُ يَعْرِي أُرَجِيمَ الْبَيْتَلَحْمِيُّ قَتَلَ جِلْيَاتَ الْجَتِّيَّ، وَكَانَتْ قَنَاةُ رُمْحِهِ كَنَوْلِ النَّسَّاجِينَ. 20 وَكَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ فِي جَتَّ، وَكَانَ رَجُلٌ طَوِيلَ الْقَامَةِ أَصَابعُ كُلّ مِنْ يَدَيْهِ سِتٌّ، وَأَصَابعُ كُلّ مِنْ رِجْلَيْهِ سِتٌّ، عَدَدُهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ، وَهُوَ أَيْضًا وُلِدَ لِرَافَا. 21 وَلَمَّا عَيَّرَ إِسْرَائِيلَ ضَرَبَهُ يُونَاثَانُ بْنُ شِمْعَى أَخِي دَاوُدَ. 22 هؤُلاَءِ الأَرْبَعَةُ وُلِدُوا لِرَافَا فِي جَتَّ وَسَقَطُوا بِيَدِ دَاوُدَ وَبِيَدِ عَبِيدِهِ.

انحدر داود من جبال يهوذا إلى سهل الفلسطينيين، حيث دارت الحرب وكاد أن يُقتل داود إذ كان قد أعيا -ولم يترك المعركة- لو لم ينقذه أبيشاي، حينئذ حلف رجال داود ألا يخرج معهم بعد إلى الحرب، فإنه إن قُتل يطفئ سراج الشعب كله.
يرى القديس يوحنا الذهبي الفمفي رجال داود الوفاء والحب لملكهم داود فأصروا على الحفاظ على حياته بعدم خروجه بعد إلى الحرب، ويود (القديس يوحنا) من شعبه أن يتسموا بذات الحب بالحفاظ على حياته الروحية بالمثابرة على الصلاة من أجله، إذ يقول: [انظروا كيف كانوا مهتمين باستبقاء حياة الشيخ. إني محتاج جدًا إلى صلواتكم. أقول ليته لا يحرمني أحد من هذا التعهد (بالصلاة عني) ومساندتي] وذلك بسبب اتضاعه الشديد.
ليتنا نحفظ رعاتنا بالصلاة من أجلهم فإنهم إن سقطوا تهلك الرعية معهم.
تكررت الحرب أيضًا في جوب حيث قتل ألحانان جليات الجتي، وهو أخو جليات الذي قتله داود (1 أي 20: 5).


نشيد النصرة



كنا نتوقع عوض النشيد المطابق تقريبًا للمزمور الثامن عشر في نهاية الحديث عن نصرات داود النبي والملك وقبل الحديث عن سقوطه في الخطية وعواقبها المريرة، إذ يذكر فيه بره وطهارة يده وحفظه طريق الرب وكماله لدى الرب، أي ما بين الأصحاح العاشر والحادي عشر. وكنا نتوقع أن يُقدم لنا هنا المزمور الحادي والخمسون (51) الخاص بالتوبة والاعتراف... لكن الوحي الإلهي أراد أن يؤكد أن حياة التسبيح والشعور بالنصرة كانت ممتدة حتى النفس الأخير بالنسبة لداود. لقد سقط لكنه بالتوبة والاعتراف مع التسليم بقى ينشد مزمور النصرة.
في تفسير القديس أغسطينوسللمزمور 18 الذي هو بعينه نشيد النصرة هنا يقول: [إن هذا المزمور يخص السيد المسيح نفسه الذي يتحدث باسمه واسم الكنيسة بكونه رأسها وهي جسده، ما يتمتع به من نصرة إنما لحسابها].
نستطيع الآن أن نقول إنه نشيد الكنيسة المنتصرة بالمسيح قائد موكبها الغالب حيث ترى في الله سرّ خلاصها ونورها وقوتها... به تجتذب الأمم إلى الإيمان ليختبروا بهجة الخلاص فيها.

1. مناسبة النشيد:

1 وَكَلَّمَ دَاوُدُ الرَّبَّ بِكَلاَمِ هذَا النَّشِيدِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنْقَذَهُ فِيهِ الرَّبُّ مِنْ أَيْدِي كُلِّ أَعْدَائِهِ وَمِنْ يَدِ شَاوُلَ،

مع كل نصرة يشعر داود النبي بمراحم الله كأنها جديدة كل صباح (مرا 3: 13)، يدرك قوة الله العجيبة العاملة في ضعفه، تهبه الحياة المقدسة، والنصرة على الشر، وتفتح قلبه للغير بالحب... لهذا يشعر أنه مدين بتقديم ذبيحة الشكر والتسبيح، كعمل طبيعي ناتج عن نفس متهللة في الداخل وجسد يهتز بكل أحاسيسه كأنه قيثارة الروح.
يبدو أن داود النبي كان يُكرر هذا النشيد مع غيره من أناشيد أو مزامير النصرة في كل غلبة، إذ قيل: "وكلم داود الرب بكلام هذا النشيد في اليوم الذي أنقذه فيه الرب من أيدي كل أعدائه ومن يد شاول فقال..." [1-2].

2. الرب صخرتي:

2 فَقَالَ: «اَلرَّبُّ صَخْرَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي، 3 إِلهُ صَخْرَتِي بِهِ أَحْتَمِي. تُرْسِي وَقَرْنُ خَلاَصِي. مَلْجَإِي وَمَنَاصِي. مُخَلِّصِي، مِنَ الظُّلْمِ تُخَلِّصُنِي. 4 أَدْعُو الرَّبَّ الْحَمِيدَ فَأَتَخَلَّصُ مِنْ أَعْدَائِي.

"الرب صخرتي وحصني ومنقذي
إلهي صخرتي به أحتمي
ترسي وقرن خلاصي.
ملجإي ومناصي، مخلصي من الظلم تخلصني
أدعو الرب الحميد فأتخلص من أعدائي" [2-4].
إن كانت الحية القديمة -إبليس- هي العدو الحقيقي الذي يود أن يفترسنا، فإن الحية لا تقدر أن تتسلق الصخرة الملساء، لهذا يقدم السيد المسيح ربنا نفسه صخرة به نرتفع فلا تقدر الحية أن تقترب إلينا. لهذا فهو "الصخرة" (1 كو 10: 4)، فيه نتحصن وبه نخلص من العدو.
إن كان شاول -كبقية الأعداء- قد بذل كل الجهد لقتل داود، فبالرغم من إمكانياته العسكرية وقدراته لم يستطع أن يلحق بداود أذى بل تحولت مقاومته إلى مجد وبنيان له... فالفضل في هذا يرجع إلى الله الصخرة والحصن والمنقذ لنفس داود.
* لقد حاصرني الأعداء، فأنت إذن حصني.
القديس جيروم
* "(أنت) المدافع عني وقرن خلاصي".
أنت المدافع عني، فإني لا أعتمد على ذاتي متعاليًا بقرن الكبرياء ضدك، وإنما أجدك قرنًا حقًا، حيث علو الخلاص الأكيد، ولكي أبلغ هذا أنت تخلصني.
القديس أغسطينوس
* أيها القائد الإلهي قوني.
أنت تحتضن وجودي برعايتك إياي رعاية كاملة دفعة واحدة، وتحتضنني على الدوام، كأنك لا تتطلع إلى آخر سواي!
تسهر عليّ، وكأنك قد نسيت الخليقة كلها.
تهبني عطاياك، وكأني وحدي موضوع حبك.
القديس أغسطينوس

3. أمواج الموت اكتنفتني:

5 لأَنَّ أَمْوَاجَ الْمَوْتِ اكْتَنَفَتْنِي. سُيُولُ الْهَلاَكِ أَفْزَعَتْنِي. 6 حِبَالُ الْهَاوِيَةِ أَحَاطَتْ بِي. شُرُكُ الْمَوْتِ أَصَابَتْنِي. 7 فِي ضِيقِي دَعَوْتُ الرَّبَّ، وَإِلَى إِلهِي صَرَخْتُ، فَسَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي، وَصُرَاخِي دَخَلَ أُذُنَيْهِ.

الله -في محبته لداود- لم ينزع عنه مقاومة الأعداء له، وإنما على العكس يسمح له فتحل به الضيقات حتى يكاد الموت يحاصره، فيتجلى الله واهب الحياة والقيامة فيه، لهذا يصرخ قائلًا:
"لأن أمواج الموت اكتنفتني،
سيول الهلاك أفزعتني
حبال الهاوية أحاطت بي
شرك الموت أصابتني.
في ضيقي دعوت الرب وإلى إلهي صرخت فسمع من هيكله صوتي وصراخي دخل أذنيه" [5-7].
يتصاغر داود جدًا أمام ما حلَّ به من ضيقات مُرّة كادت تقتله، فحسب نفسه كمن حاصرته الأمواج وحطمت طاقته، وكمن جرفته السيول لتنحدر به إلى هاوية بلا نهاية، وأحاطت به جبال شامخة أغلقت حوله طرق الخلاص، وصار كفريسة في شباك الموت... لكنه لم يكن بلا معين، إذ سمع له الله الساكن في هيكل قدسه وأمال بأذنيه إلى صراخه كصديق شخصي!
إذ يتطلع القديس أغسطينوس إلى الحرب الداخلية بين النفس وعدو الخير -إبليس- فإنه يرى الموت هنا ليس انفصال النفس عن الجسد وإنما موت النفس ذاتها. لذا تصرخ النفس إلى الله بكلمات وصرخات داخلية ليسمعها الله نفسه لا البشر، تبلغ إليه من أعماق النفس كقدس وهيكل الله.
* يسمع صوتي الخارج من قلبي حيث يسكن هو!
* صراخي الذي أنطق به لا في آذان الناس، وإنما هو صراخ داخلي أقدمه أمامه هو فيدخل إلى أذنيه.
القديس أغسطينوس

4. طأطأ السموات ونزل:

8 فَارْتَجَّتِ الأَرْضُ وَارْتَعَشَتْ. أُسُسُ السَّمَاوَاتِ ارْتَعَدَتْ وَارْتَجَّتْ، لأَنَّهُ غَضِبَ. 9 صَعِدَ دُخَانٌ مِنْ أَنْفِهِ، وَنَارٌ مِنْ فَمِهِ أَكَلَتْ. جَمْرٌ اشْتَعَلَتْ مِنْهُ. 10 طَأْطَأَ السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ، وَضَبَابٌ تَحْتَ رِجْلَيْهِ. 11 رَكِبَ عَلَى كَرُوبٍ، وَطَارَ وَرُئِيَ عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ. 12 جَعَلَ الظُّلْمَةَ حَوْلَهُ مِظَلاَّتٍ، مِيَاهًا حَاشِكَةً وَظَلاَمَ الْغَمَامِ. 13 مِنَ الشُّعَاعِ قُدَّامَهُ اشْتَعَلَتْ جَمْرُ نَارٍ. 14 أَرْعَدَ الرَّبُّ مِنَ السَّمَاوَاتِ، وَالْعَلِيُّ أَعْطَى صَوْتَهُ. 15 أَرْسَلَ سِهَامًا فَشَتَّتَهُمْ، بَرْقًا فَأَزْعَجَهُمْ. 16 فَظَهَرَتْ أَعْمَاقُ الْبَحْرِ، وَانْكَشَفَتْ أُسُسُ الْمَسْكُونَةِ مِنْ زَجْرِ الرَّبِّ، مِنْ نَسْمَةِ رِيحِ أَنْفِهِ.

مقاومة شاول وغيره من الأعداء لداود كانت مجالًا رائعًا خلاله تلَّمس داود حب الله الفائق، بل وتعرَّف على الله أكثر فأكثر. خلال الضيق يتجلى الله بحبه في حياة الإنسان ليجده الأب المحب والمخلص.
خلال مقاومة الأعداء شاهد داود بروح النبوة ما حل بالإنسان من هلاك بحسد إبليس وكيف نزل الله الكلمة ذاته من السماء ليعلن حبه الناري نحو البشر، الأمر الذي أدهش المسكونة كلها: السماء والأرض. يقول: "فارتجت الأرض وارتعشت. أسس السماوات ارتعدت وارتجت لأنه غضب" [8]. لقد غضب لما فعلته الخطية بحياة الإنسان وبطبيعته وذلك بحسد إبليس، فارتجت الأرض وارتعدت السموات أمام هذا الحب الفائق، إذ "طأطأ السماوات ونزل" [10]. يقول الرسول بولس: "عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد" (1 تي 3: 16). إنه سر فائق للعقل لم تستطع الخليقة إدراك كنهه: "ضباب تحت رجليه". الضباب يعني الغموض والعجز عن الإدراك.
محبته نار آكلة، يرى داود نارًا تخرج من فمه لتأكل ودخانًا يصعد من أنفه [9] ورآه يوحنا اللاهوتي "عيناه كلهيب نار" (رؤ 1: 14)... إنه الحب الفائق الذي يحرق عدو الخير ويحطمه، ويلهب القلب بالنار الإلهية فلا تقدر مياه العالم أن تطفئها (نش 8: 7) لذا يقول: "أكون لها سور نار من حولها" (زك 2: 5).
إنه شمس البر (مل 4: 2) يرسل شعاع روحه القدوس الناري علينا فيشعل فينا جمر نار كما حدث في يوم العنصرة (أع 2: 3).
كلماته على الصليب كالرعد والبرق أزعجت قوى إبليس (كو 2: 14)، وكالسهام قتلته، وهي بعينها لنا مصدر حياة وعلة تسبيح لا ينقطع.
يقدم لنا القديس أغسطينوستفسيرًا رمزيًا للنص الذي بين أيدينا فيرى الأرض التي ارتجت وارتعشت تمثل الخطاة الذين صاروا أرضًا فإنه إذ تمجد ابن الإنسان على الصليب يرتجون ويرتعدون.
نقول إن صليب ربنا يسوع المسيح - واهب النصرة - يهز كل كيان جسدنا بكل أحاسيسه ومشاعره لا ليحطمه بل ليقدسه كما يمس نفوسنا الداخلية مجددًا طبيعتها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). هذا ما عناه المرتل داود بالأرض (الجسد) والسماء (النفس).
ما هو الدخان الذي يصعد من أنفه والنار التي من فمه؟ يقول القديس أغسطينوس: [إنهانار المحبة ونور البر اللذان كان الخطاة محرومين منهما إذ عاشوا زمانًا طويلًا في برود وظلام، فجاء المخلص يلهب قلوبهم بحب الصالحات ويهبهم استنارة داخلية بعد أن وهبهم الحياة الجديدة.
* [طأطأ السموات ونزل]... اتضع البار ونزل إلى ضعف البشر.
"وضباب تحت رجليه"... الأشرار الذين يتلذذون بالأمور الزمنية - في ظلمة طمعهم - لا يعرفونه، فإنهم كالأرض تحت قدميه موطئ لقدميه.
[ركب على كاروب وطار ورُئي على أجنحة الريح]... تمجد فوق كل كمال المعرفة (كاروب)، لا يصل إليه أحد إلا بالحب، لأن "المحبة هي تكميل الناموس" (رو 13: 10)...
بهذه السرعة يظهر أنه غير مدرَك، فوق قوة النفوس وقدرتها، ولكنها (أي النفوس) بأجنحة (الروح) ترتفع من المخاوف الأرضية إلى هواء الحرية...
"أرسل سهامًا فشتتهم، برقًا فأزعجهم"... أرسل الإنجيليين الذين له يعبرون بأجنحة القوة، قوة من أرسلهم وليس قوتهم الذاتية... ليصيروا "رائحة حياة لحياة، و... رائحة موت لموت" (2 كو 2: 16). صنع بهم عجائب (بروق) فأزعجهم.
القديس أغسطينوس
باختصار، نشيد النصرة يدور في جوهره حول عمل الله الخلاصي: كلمة الله يطأطئ السماء بتجسده لينزل إلينا، مشرقًا كشمس البر على الجالسين في الظلمة. أمامه يرتعد كل ما هو زمني فينا لتقديس سمواتنا الداخلية (النفس) وأرضنا (الجسد)، مبددًا ظلمة الجهل التي حلت فينا. ركب على السحاب كما على كاروب وصعد ليحملنا إليه ويجلسنا معه في السمويات. أرسل تلاميذه ورسله كسهام، تنفذ كرازتهم الإنجيلية إلى القلوب، وتبرق فيها بنور المعرفة فيهتز كل شر فيها وتقوم مملكة الرب داخلها.

5. تحقيق الخلاص:

17 أَرْسَلَ مِنَ الْعُلَى فَأَخَذَنِي، نَشَلَنِي مِنْ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. 18 أَنْقَذَنِي مِنْ عَدُوِّيَ الْقَوِيِّ، مِنْ مُبْغِضِيَّ لأَنَّهُمْ أَقْوَى مِنِّي. 19 أَصَابُونِي فِي يَوْمِ بَلِيَّتِي، وَكَانَ الرَّبُّ سَنَدِي. 20 أَخْرَجَنِي إِلَى الرُّحْبِ. خَلَّصَنِي لأَنَّهُ سُرَّ بِي. 21 يُكَافِئُنِي الرَّبُّ حَسَبَ بِرِّي. حَسَبَ طَهَارَةِ يَدَيَّ يَرُدُّ عَلَيَّ.

يعلن داود النبي في نشيد النصرة غاية نزول الرب من السماء أو تجسده، ألا وهي خلاص الإنسان من الضيق والارتفاع به إلى رحب السماء، إلى حضن الآب:
"أرسل من العُلَى فأخذني، نشلني من مياه كثيرة. أنقذني من عدوي القوي... أخرجني إلى الرحب" [17-20].
يرى القديس أغسطينوسأن كنيسة الأمم تتحدث هنا عن عمل الله معها، فقد دعاها العلي، المخلص السماوي، دعاها من بين مياه كثيرة إذ جمعها من بين الأمم والشعوب المتنوعة لتصير كنيسته المجيدة التي بلا عيب ولا دنس (أف 5: 27). خلصها من عدوها القوي إذ كانت ضعيفة قبل الإيمان وقد أسرها العدو القوي خاصة برباطات محبة العالم. الآن أخرجها المخلص إلى الرحب، أخرجها من ضيق الحياة الجسدانية إلى اتساع الإيمان الروحي، انطلقت إلى حرية الروح.
إن كان موسى قد انتُشل من مياه النيل حين وضعته أمه في سفط ضيق مطلي بالحمرة والقار، لتحمله ابنة فرعون إلى قصرها الرحب، فإن كنيسة العهد الجديد قد انتُشلت من مياه كثيرة، من وسط الأمم لتخلص من الضيق الداخلي وتنعم بالحياة السماوية المتسعة بعمل الروح القدس الذي حل فيها خلال المعمودية.

6. السلوك بالكمال:

22 لأَنِّي حَفِظْتُ طُرُقَ الرَّبِّ، وَلَمْ أَعْصِ إِلهِي. 23 لأَنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِهِ أَمَامِي، وَفَرَائِضُهُ لاَ أَحِيدُ عَنْهَا. 24 وَأَكُونُ كَامِلًا لَدَيْهِ، وَأَتَحَفَّظُ مِنْ إِثْمِي. 25 فَيَرُدُّ الرَّبُّ عَلَيَّ كَبِرِّي، وَكَطَهَارَتِي أَمَامَ عَيْنَيْهِ.

لا نَعجب أن نرى داود الذي عُرف باتضاعه الشديد حتى أمام شاول مطارده، فيدعو نفسه برغوثًا واحدًا وكلبًا ميتًا (1 صم 24: 14)، نراه هنا يتحدث كبار، طاهر اليدين، حافظ طريق الرب، كامل لدى الرب...
نزل كلمة الله القدوس إلى العالم، حملنا فيه، لنصير أعضاء جسده المقدس، فنقف أمام الآب أولادًا له مبررين في الدم الثمين، كمن هم بلا عيب، نحمل كمال المسيح فينا. هذا هو الخلاص، وهذه هي رسالة الصليب أن يحملنا إلى المسيح لنختفي فيه، فيستر علينا بدمه ونتبرر ونتقدس فيه وبه.
من هو هذا البار، الطاهر اليدين، الحافظ طرق الرب، الذي لم يحد عن الأحكام الإلهية والفرائض، الطاهر أمام الآب إلا الابن الذي بلا خطية وحده... فداود يتحدث بروح النبوة على لسان المخلص! الآن صار لكنيسته - بكونها جسده المقدس - أن تنطق بذات كلماته لأنها مخفية فيه.

7. كما نفعل يُفعل بنا:

26 «مَعَ الرَّحِيمِ تَكُونُ رَحِيمًا. مَعَ الرَّجُلِ الْكَامِلِ تَكُونُ كَامِلًا. 27 مَعَ الطَّاهِرِ تَكُونُ طَاهِرًا، وَمَعَ الأَعْوَجِ تَكُونُ مُلْتَوِيًا. 28 وَتُخَلِّصُ الشَّعْبَ الْبَائِسَ، وَعَيْنَاكَ عَلَى الْمُتَرَفِّعِينَ فَتَضَعُهُمْ.

إن كان الرب المخلص هو سرّ برّنا وتقديسنا، فإننا به وفيه ننال الطبيعة الجديدة المقدسة، نصير رحماء، وكاملين، وأطهارًا ومتواضعين فندخل في علاقات جديدة مع الآب، قائلين له: "مع الرحيم تكون رحيمًا، مع الرجل الكامل تكون كاملًا، مع الطاهر تكون طاهرًا ومع الأعوج تكون ملتويًا، وتخلص الشعب البائس وعيناك على المرتفعين فتضعهم" [26-28].
كأننا نقول: بك صرنا رحماء فنرحم الآخرين وأنت ترحمنا، وبك صرنا كاملين فتكون معنا كاملًا إلخ... أما عدو الخير فهو أعرج ومرتفع لذا يبدو الله معه ملتويًا ينزل به من كبرياء مجده إلى الهاوية.
يرى القديس أغسطينوسأن الله القدوس في طبيعته يكون قدوسًا مع الإنسان القديس لأنه يقدسه. بمعنى أن من يطلب الكمال يهبه الله الكمال كمالًا أما الملتوي فالله لا يؤذيه إنما تؤذيه رباطات خطاياه (أم 5: 22).

8. الله سراج النفس:

"لأَنَّكَ أَنْتَ سِرَاجِي يَا رَبُّ، وَالرَّبُّ يُضِيءُ ظُلْمَتِي" [29].

كما يقول القديس أكليمندس الاسكندري وأيضًا العلامة أوريجانوس: [إن الظلمة قد حلت بالنفس، إذ صارت في جهالة، لذا جاء الكلمة - المعلم - مشرقًا عليها بالمعرفة الروحية المخلصة، فتستنير أعماقها الداخلية].
* أيها النور غير المنظور، هب لي عينين تستطيعان معاينتك!
* أيها النور الذي يضيئ للنفس. أيها الحق البهي، أيها البهاء الحقيقي الاستضاءة، يا من تُضئ لكل إنسان آت إلى العالم، أتيت إلى العالم والعالم لم يحبك.
إلهي... بدد الظلمة الكثيفة التي تخيم في نفسي، حتى تراك عند إدراكها إياك، وتعرفك عند تقبلها لك، وتحبك عند معرفتها لك.
القديس أغسطينوس

9. الله قوة النفس وغلبتها:

30 لأَنِّي بِكَ اقْتَحَمْتُ جَيْشًا. بِإِلهِي تَسَوَّرْتُ أَسْوَارًا. 31 اَللهُ طَرِيقُهُ كَامِلٌ، وَقَوْلُ الرَّبِّ نَقِيٌّ. تُرْسٌ هُوَ لِجَمِيعِ الْمُحْتَمِينَ بِهِ. 32 لأَنَّهُ مَنْ هُوَ إِلهٌ غَيْرُ الرَّبِّ؟ وَمَنْ هُوَ صَخْرَةٌ غَيْرُ إِلهِنَا؟ 33 الإِلهُ الَّذِي يُعَزِّزُنِي بِالْقُوَّةِ، وَيُصَيِّرُ طَرِيقِي كَامِلًا. 34 الَّذِي يَجْعَلُ رِجْلَيَّ كَالإِيَّلِ، وَعَلَى مُرْتَفَعَاتِي يُقِيمُنِي 35 الَّذِي يُعَلِّمُ يَدَيَّ الْقِتَالَ، فَتُحْنَى بِذِرَاعَيَّ قَوْسٌ مِنْ نُحَاسٍ. 36 وَتَجْعَلُ لِي تُرْسَ خَلاَصِكَ، وَلُطْفُكَ يُعَظِّمُنِي. 37 تُوَسِّعُ خَطَوَاتِي تَحْتِي، فَلَمْ تَتَقَلْقَلْ كَعْبَايَ. 38 أَلْحَقُ أَعْدَائِي فَأُهْلِكُهُمْ، وَلاَ أَرْجعُ حَتَّى أُفْنِيَهُمْ. 39 أُفْنِيهِمْ وَأَسْحَقُهُمْ فَلاَ يَقُومُونَ، بَلْ يَسْقُطُونَ تَحْتَ رِجْلَيَّ. 40 «تُنَطِّقُنِي قُوَّةً لِلْقِتَالِ، وَتَصْرَعُ الْقَائِمِينَ عَلَيَّ تَحْتِي. 41 وَتُعْطِينِي أَقْفِيَةَ أَعْدَائِي وَمُبْغِضِيَّ فَأُفْنِيهِمْ. 42 يَتَطَلَّعُونَ فَلَيْسَ مُخَلِّصٌ، إِلَى الرَّبِّ فَلاَ يَسْتَجِيبُهُمْ. 43 فَأَسْحَقُهُمْ كَغُبَارِ الأَرْضِ. مِثْلَ طِينِ الأَسْوَاقِ أَدُقُّهُمْ وَأَدُوسُهُمْ.

"لأني بك اقتحمت جيشًا.
بإلهي تسورت سورًا...
ترس هو لجميع المحتمين به
الذي يجعل رجليّ كالأيل وعلى مرتفعاتي يقيمني.
الذي يعلّم يديّ القتال فتحنَى بذراعي قوس من نحاس...


تُوسع خطواتي تحتي فلم تتقلقل كعباي
ألحق أعدائي فأهلكهم..." [30-38].
إن كان العدو قد صار كجيش قوي يقاومني فأنت هو قوتي، تصير لي سور نار تحميني وترسًا لي تصد كل سهام العدو، تشدد رجلي فأصير مسرعًا كالأيل وترفعني كما على المرتفعات العالية فلا يلحق بي أذى. تشدد يديّ للقتال ضد إبليس، وتوسع خطواتي فألحق بعدوي وأفنيه بالصليب.
* آه. أسرع واجعل من نفسي مسكنًا لك، من قلبي مستقرًا...!
تعال... فإني مريض حبًا. بُعدي عنك موت لي، وذكرك يحيي نفسي...!
رائحتك تعيد لي قوتي، وذكرك يخفف آلامي، ظهورك شبع لي (مز 17: 1).
القديس أغسطينوس

10. دعوة الأمم للخلاص:

44 وَتُنْقِذُنِي مِنْ مُخَاصَمَاتِ شَعْبِي، وَتَحْفَظُنِي رَأْسًا لِلأُمَمِ. شَعْبٌ لَمْ أَعْرِفْهُ يَتَعَبَّدُ لِي. 45 بَنُو الْغُرَبَاءِ يَتَذَلَّلُونَ لِي. مِنْ سَمَاعِ الأُذُنِ يَسْمَعُونَ لِي. 46 بَنُو الْغُرَبَاءِ يَبْلَوْنَ وَيَزْحَفُونَ مِنْ حُصُونِهِمْ. 47 حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، وَمُبَارَكٌ صَخْرَتِي، وَمُرْتَفَعٌ إِلهُ صَخْرَةِ خَلاَصِي. 48 الإِلهُ الْمُنْتَقِمُ لِي، وَالْمُخْضِعُ شُعُوبًا تَحْتِي، 49 وَالَّذِي يُخْرِجُنِي مِنْ بَيْنِ أَعْدَائِي، وَيَرْفَعُنِي فَوْقَ الْقَائِمِينَ عَلَيَّ، وَيُنْقِذُنِي مِنْ رَجُلِ الظُّلْمِ. 50 لِذلِكَ أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ فِي الأُمَمِ، وَلاسْمِكَ أُرَنِّمُ. 51 بُرْجُ خَلاَصٍ لِمَلِكِهِ، وَالصَّانِعُ رَحْمَةً لِمَسِيحِهِ، لِدَاوُدَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ».

"وتنقذني من مخاصمات شعبي وتحفظني رأسًا للأمم.
شعب لم أعرفه يتعبد لي.
بنو الغرباء يتذللون لي.
من سماع الأذن يسمعون لي...
لذلك أحمدك يا رب في الأمم ولاسمك أرنم" [44-50].
يختم المرتل نشيد النصرة بدعوة الأمم للتمتع بالخلاص. هذا ما أفرح قلب داود، إن قتاله ضد إبليس لم يخلصه وحده وإنما خلص الأمم منه ليأتي إلى المسيَّا شعب لم يكن يعرفه، إذ لم يتمتع بالناموس ولم يتحدث مع الأنبياء ولا عرف المواعيد الإلهية... جاء هذا الشعب الذي من أصل وثني ليتعبد للرب وقد سمع بالأذن خلال كلمة الكرازة ولم ير بعينيه كاليهود الذين جاء المخلص من بينهم وصنع أمامهم عجائب بلا حصر وتحدث معهم فمًا لفم لكنهم خاصموه وجحدوه عوض الإيمان به.


كلمات داود الأخيرة



كان يمكن لداود النبي أن يقدم لنا الكثير في كلماته الأخيرة في كل جوانب الحياة. عاش تحت ظروف كثيرة: اختبر الغنى وذاق الفقر، تمتع بالمجد ولحقه الهوان، أحبه الكثيرون وحقد عليه البعض فصار طريدًا، سلك الحياة البارة واختبر السقوط فالتوبة والتأدب. عاش كنبي وملك وقاضٍ ورجل حرب وصاحب مزامير وكزوج وأب وكراعٍ لغنمات قليلة كما لمملكة ممتدة... لكنه اختصر الحديث الختامي جدًا، وذيّله بأسماء أبطاله الجبابرة وأعمالهم [8-39]، ولم يكن هذا بلا سبب. وإنما أراد الكتاب تأكيد أن من أهم سمات داود النبي هو تشغيله للطاقات التي بين يديه. هذا هو دور النبي وكل قائد روحي حقيقي، كما هو دور الأب والأم، حتى الشاب والطفل، يلزم أن يتدرب الكل على عدم التمركز بل على تشغيل الغير في غير انعزالية فكر أو انفرادية وأنانية!

1. داود المرنم الحلو:

1 فَهذِهِ هِيَ كَلِمَاتُ دَاوُدَ الأَخِيرَةُ: «وَحْيُ دَاوُدَ بْنِ يَسَّى، وَوَحْيُ الرَّجُلِ الْقَائِمِ فِي الْعُلاَ، مَسِيحِ إِلهِ يَعْقُوبَ، وَمُرَنِّمِ إِسْرَائِيلَ الْحُلْوِ: 2 رُوحُ الرَّبِّ تَكَلَّمَ بِي وَكَلِمَتُهُ عَلَى لِسَانِي.

"فهذه هي كلمات داود الأخيرة. وحي داود بن يسىّ ووحي الرجل القائم في العلا مسيح إله يعقوب ومرنم إسرائيل الحلو" [1].
يدعو كلماته [وَحْيًا] إذ ترنم بها بوحي الروح القدس، أُعطيت لداود بن يسى للرجل القائم في العلا مسيح إله يعقوب؛ ماذا يعني هذا؟
إنه بن يسى، لن ينسى أصله ومركزه، أصغر الأبناء، عاش راعيًا لغنم أبيه مجهولًا من الناس وغير معتبر حتى في أسرته (1 صم 16: 10-11). كان مجهولًا من الناس لكنه معروف لدى الله: "القائم في العلا"، له رسالته وعمله من قبل الرب. إنه مسيح إله يعقوب، فقد قال الرب لصموئيل: "قم امسحه لأن هذا هو" (1 صم 16: 12).
دُعي "مرنم إسرائيل الحلو"، فقد كان حلوًا في مزاميره، لأنها تسبيح وشكر وصلاة مقدمة بوحي الروح لتعيشها الكنيسة خلال العهدين القديم والجديد وتترنم بها في صلواتها. جاءت حياة داود في جملتها قيثارة روحية لعب على أوتارها روح الرب فقدم لنا فيض تسبيح يصلح أن يكون رصيدًا مفرحًا للمؤمنين، يبعث فيهم روح البهجة في الرب.
هكذا يبرز داود ثلاثة جوانب من شخصيته:
أ. أصله كابن يسى، حتى لا ينتفخ ولا يتعالى.
ب. مسحه لخدمة شعب الله "مسيح إله يعقوب"؛ إذ كان قد مسح ملكًا ونال مجدًا عظيمًا فهو من أجل شعب الله، من أجل بنيان الجماعة المقدسة، وليس للاستغلال لحساب نفسه أو بيته.
ج. له رسالة تقوية "مرنم إسرائيل الحلو"، يرتفع بالشعب إلى الحياة السماوية الدائمة التسبيح.
هذا وقد دعا الله العامل فيه والناطق به "روح الرب" إله إسرائيل، صخرة إسرائيل [2-3]، مبرزًا عمل الثالوث القدوس في حياته. الروح القدس الذي هو روح الرب الناطق في الأنبياء أوحى له بالمزامير، ليعلن له عن الآب "إله إسرائيل" بالابن "صخرة إسرائيل".
يقول القديس أثناسيوس: [لأنه من الآب نعمة واحدة تتم بالابن في الروح القدس. هناك طبيعة إلهية واحدة وإله واحد [على الكل وبالكل وفي الكل] (أف 4: 6)].

2. سلطة خلال مخافة الله:

3 قَالَ إِلهُ إِسْرَائِيلَ. إِلَيَّ تَكَلَّمَ صَخْرَةُ إِسْرَائِيلَ: إِذَا تَسَلَّطَ عَلَى النَّاسِ بَارٌّ يَتَسَلَّطُ بِخَوْفِ اللهِ، 4 وَكَنُورِ الصَّبَاحِ إِذَا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ. كَعُشْبٍ مِنَ الأَرْضِ فِي صَبَاحٍ صَحْوٍ مُضِيءٍ غِبَّ الْمَطَرِ.

إن كان داود قد تمجد ونال سلطانًا، ذلك من خلال مخافته للرب، الذي وهبه استنارة ليضيئ كشمس مشرقة في الصباح بعد فترة ظلام، وكتربة بدأت تنبت عشبًا رواه المطر الإلهي. ما فيه من قوة وعظمة وثمار إنما هو عطية شمس البر (السيد المسيح) والمطر الإلهي. (الروح القدس) التي تمتع بهما خلال مخافة الله، إذ يقول: "إذا تسلط على الناس بار يتسلط بخوف الله، وكنور الصباح إذا أشرقت الشمس، كعشب من الأرض في صباح صحو مضيئٍ غب المطر" [4].
بمعنى آخر لن يتمتع مؤمن بإشراق شمس البر فيه ولا بثمار الروح (المطر) ما لم يتمتع بمخافة الله. يحدثنا مار إسحق السرياني عن بركات مخافة الله قائلًا:
* مخافة الله هي بدء الفضيلة ويقال إنها بنت الإيمان.
* بدء حياة الإنسان الحقيقية هي مخافة الله. لكن مخافة الله لا تقبل السكنى في نفس مشتتة في أمور خارجية.
* كن حكيمًا، عندئذ ضع مخافة الله كأساس لرحلتك، ففي أيام قليلة تُحضرك إلى باب الملكوت بدون منعطفات في الطريق.
* الخوف هو العصا الأبوية التي تقود طريقنا حتى نبلغ الفردوس الروحي للصالحات.. عندما يبلغ بنا إلى هناك يتركنا الخوف ويرجع. الفردوس هو حب الله!...
* التوبة هي السفينة، الخوف هو ربانها، والحب هو الميناء الإلهي. هكذا يدخل بنا الخوف إلى سفينة التوبة، ويعبر بنا فوق بحر قاذورات هذه الحياة، ويقودنا إلى الميناء الإلهي الذي هو الحب.
مار إسحق السرياني
يميز الآباء بين الخوف النابع عن الحب، خوف البنين الذي لا يُريد أن يجرح مشاعر والديه، وخوف الأجير الذي ينبع عن تخوُّفه من فقدان المكافأة أو الأجرة، وخوف العبيد لسادتهم. باتحادنا بربنا يسوع المسيح نتمتع بخوف الابن، إذ قيل عنه إنه يحمل مخافة الله.

3. دخول في عهد أبدي:

5 أَلَيْسَ هكَذَا بَيْتِي عِنْدَ اللهِ؟ لأَنَّهُ وَضَعَ لِي عَهْدًا أَبَدِيًّا مُتْقَنًا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَمَحْفُوظًا، أَفَلاَ يُثْبِتُ كُلَّ خَلاَصِي وَكُلَّ مَسَرَّتِي؟

كان هدف رجال العهد القديم -الآباء والأنبياء- التمتع بعهد مع الله، هذا العهد كان رمزًا للعهد الأبدي الذي تحقق خلال دم المسيح، فبه تمت مصالحة أبدية بين الله والإنسان، وباستحقاقه صار الإنسان مسكنًا لله ومقدسًا له.
يقول داود في كلماته الأخيرة: "أليس هكذا بيتي عند الله لأنه وضع لي عهدًا أبديًا متقنًا في كل شيء ومحفوظًا؟! أفلا يثبت كل خلاصي وكل مسرتي؟!" [5]. يترجمها البعض: "مع أنه ليس هكذا بيتي عند الله وضع لي عهدًا أبديًا..." إذ شعر داود النبي أنه لا يستحق التمتع بهذا العهد الأبدي مع الله فإن بيته - والديه وإخوته وربما قصد أولاده بالذات - لا يسلك بمخافة الله. العهد الإلهي هو هبة إلهية مجانية!

4. هلاك بني بليعال:

"6 وَلكِنَّ بَنِي بَلِيَّعَالَ جَمِيعَهُمْ كَشَوْكٍ مَطْرُوحٍ، لأَنَّهُمْ لاَ يُؤْخَذُونَ بِيَدٍ. 7 وَالرَّجُلُ الَّذِي يَمَسُّهُمْ يَتَسَلَّحُ بِحَدِيدٍ وَعَصَا رُمْحٍ، فَيَحْتَرِقُونَ بِالنَّارِ فِي مَكَانِهِمْ" [6-7].
لقد خشى داود النبي أن يصير أحد من نسله أو ممن يخلفه على الكرسي ابنًا لبليعال، فإنه لن يشفع فيه نسبه لداود ولا مركزه كملك على شعب الله، إنما يُطرح خارجًا كالشوك لا يصلح لشيء بل يُحرق بالنار للخلاص منه. إنهم بعدل إلهي يهلكون.
ربما تحمل هذه الكلمات وصية للملوك خلفه والولاة وكل المسئولين أن يلتزموا بتأديب بني بليعال بيد من حديد وعصا كرمح...
يرى القديس جيرومأن أشرار الأرض (بني بليعال) يُقتلعون فلا يكون لهم موضع في الكنيسة مدينة الرب، فيقول: [مدينة الرب هي كنيسة القديسين، مجمع الأبرار].

5. أبطال داود الجبابرة:

8 هذِهِ أَسْمَاءُ الأَبْطَالِ الَّذِينَ لِدَاوُدَ: يُشَيْبَ بَشَّبَثُ التَّحْكَمُونِيُّ رَئِيسُ الثَّلاَثَةِ. هُوَ هَزَّ رُمْحَهُ عَلَى ثَمَانِ مِئَةٍ قَتَلَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً. 9 وَبَعْدَهُ أَلِعَازَارُ بْنُ دُودُو بْنِ أَخُوخِي، أَحَدُ الثَّلاَثَةِ الأَبْطَالِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ دَاوُدَ حِينَمَا عَيَّرُوا الْفِلِسْطِينِيِّينَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا هُنَاكَ لِلْحَرْبِ وَصَعِدَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ. 10 أَمَّا هُوَ فَأَقَامَ وَضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ حَتَّى كَلَّتْ يَدُهُ، وَلَصِقَتْ يَدُهُ بِالسَّيْفِ، وَصَنَعَ الرَّبُّ خَلاَصًا عَظِيمًا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَرَجَعَ الشَّعْبُ وَرَاءَهُ لِلنَّهْبِ فَقَطْ. 11 وَبَعْدَهُ شَمَّةُ بْنُ أَجِي الْهَرَارِيُّ. فَاجْتَمَعَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ جَيْشًا، وَكَانَتْ هُنَاكَ قِطْعَةُ حَقْل مَمْلُوءةً عَدَسًا، فَهَرَبَ الشَّعْبُ مِنْ أَمَامِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. 12 فَوَقَفَ فِي وَسَطِ الْقِطْعَةِ وَأَنْقَذَهَا، وَضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَصَنَعَ الرَّبُّ خَلاَصًا عَظِيمًا. 13 وَنَزَلَ الثَّلاَثَةُ مِنَ الثَّلاَثِينَ رَئِيسًا وَأَتَوْا فِي الْحَصَادِ إِلَى دَاوُدَ إِلَى مَغَارَةِ عَدُلاَّمَ، وَجَيْشُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ نَازِلٌ فِي وَادِي الرَّفَائِيِّينَ. 14 وَكَانَ دَاوُدُ حِينَئِذٍ فِي الْحِصْنِ، وَحَفَظَةُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ حِينَئِذٍ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. 15 فَتَأَوَّهَ دَاوُدُ وَقَالَ: «مَنْ يَسْقِينِي مَاءً مِنْ بِئْرِ بَيْتِ لَحْمٍ الَّتِي عِنْدَ الْبَابِ؟» 16 فَشَقَّ الأَبْطَالُ الثَّلاَثَةُ مَحَلَّةَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَاسْتَقَوْا مَاءً مِنْ بِئْرِ بَيْتِ لَحْمٍ الَّتِي عِنْدَ الْبَابِ، وَحَمَلُوهُ وَأَتَوْا بِهِ إِلَى دَاوُدَ، فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَشْرَبَهُ، بَلْ سَكَبَهُ لِلرَّبِّ، 17 وَقَالَ: «حَاشَا لِي يَا رَبُّ أَنْ أَفْعَلَ ذلِكَ! هذَا دَمُ الرِّجَالِ الَّذِينَ خَاطَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ». فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَشْرَبَهُ. هذَا مَا فَعَلَهُ الثَّلاَثَةُ الأَبْطَالُ. 18 وَأَبِيشَايُ أَخُو يُوآبَ ابْنِ صَرُويَةَ هُوَ رَئِيسُ ثَلاَثَةٍ. هذَا هَزَّ رُمْحَهُ عَلَى ثَلاَثِ مِئَةٍ قَتَلَهُمْ، فَكَانَ لَهُ اسْمٌ بَيْنَ الثَّلاَثَةِ. 19 أَلَمْ يُكْرَمْ عَلَى الثَّلاَثَةِ فَكَانَ لَهُمْ رَئِيسًا، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى الثَّلاَثَةِ الأُوَلِ. 20 وَبَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ، ابْنُ ذِي بَأْسٍ، كَثِيرُ الأَفْعَالِ، مِنْ قَبْصِئِيلَ، هُوَ الَّذِي ضَرَبَ أَسَدَيْ مُوآبَ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ وَضَرَبَ أَسَدًا فِي وَسَطِ جُبٍّ يَوْمَ الثَّلْجِ. 21 وَهُوَ ضَرَبَ رَجُلًا مِصْرِيًّا ذَا مَنْظَرٍ، وَكَانَ بِيَدِ الْمِصْرِيِّ رُمْحٌ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ بِعَصًا وَخَطَفَ الرُّمْحَ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّ وَقَتَلَهُ بِرُمْحِهِ. 22 هذَا مَا فَعَلَهُ بَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ، فَكَانَ لَهُ اسْمٌ بَيْنَ الثَّلاَثَةِ الأَبْطَالِ، 23 وَأُكْرِمَ عَلَى الثَّلاَثِينَ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى الثَّلاَثَةِ. فَجَعَلَهُ دَاوُدُ مِنْ أَصْحَابِ سِرِّهِ. 24 وَعَسَائِيلُ أَخُو يُوآبَ كَانَ مِنَ الثَّلاَثِينَ، وَأَلْحَانَانُ بْنُ دُودُو مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ. 25 وَشَمَّةُ الْحَرُودِيُّ، وَأَلِيقَا الْحَرُودِيُّ، 26 وَحَالَصُ الْفَلْطِيُّ، وَعِيرَا بْنُ عِقِّيشَ التَّقُوعِيُّ، 27 وَأَبِيعَزَرُ الْعَنَاثُوثِيُّ، وَمَبُونَايُ الْحُوشَاتِيُّ، 28 وَصَلْمُونُ الأَخُوخِيُّ، وَمَهْرَايُ النَّطُوفَاتِيُّ، 29 وَخَالَبُ بْنُ بَعْنَةَ النَّطُوفَاتِيُّ، وَإِتَّايُ بْنُ رِيبَايَ مِنْ جِبْعَةِ بَنِي بَنْيَامِينَ، 30 وَبَنَايَا الْفَرْعَتُونِيُّ، وَهِدَّايُ مِنْ أَوْدِيَةِ جَاعَشَ، 31 وَأَبُو عَلْبُونَ الْعَرَبَاتِيُّ، وَعَزْمُوتُ الْبَرْحُومِيُّ، 32 وَأَلْيَحْبَا الشَّعْلُبُونِيُّ، وَمِنْ بَنِي يَاشَنَ: يُونَاثَانُ. 33 وَشَمَّةُ الْهَرَارِيُّ، وَأَخِيآمُ بْنُ شَارَارَ الأَرَارِيُّ، 34 وَأَلِيفَلَطُ بْنُ أَحَسْبَايَ ابْنُ الْمَعْكِيِّ، وَأَلِيعَامُ بْنُ أَخِيتُوفَلَ الْجِيلُونِيُّ، 35 وَحَصْرَايُ الْكَرْمَلِيُّ، وَفَعْرَايُ الأَرَبِيُّ، 36 وَيَجْآلُ بْنُ نَاثَانَ مِنْ صُوبَةَ، وَبَانِي الْجَادِيُّ، 37 وَصَالَقُ الْعَمُّونِيُّ، وَنَحْرَايُ الْبَئِيرُوتِيُّ، حَامِلُ سِلاَحِ يُوآبَ بْنِ صَرُويَةَ، 38 وَعِيرَا الْيِثْرِيُّ، وَجَارَبُ الْيِثْرِيُّ، 39 وَأُورِيَّا الْحِثِّيُّ. الْجَمِيعُ سَبْعَةٌ وَثَلاَثُونَ.

إن كان داود في كثير من الأحداث يشير إلى السيد المسيح، فإن أبطاله يشيرون أيضًا إلى رجال الإيمان المنسوبين للسيد المسيح. وقد وردت أسماؤهم (تختلف من وقت إلى آخر) هنا للأسباب التالية:
أ. ذكرهم في الكتاب المقدس يعتبر أعظم مكافأة يتمتعون به، وذلك كما قال السيد المسيح عن المرأة التي سكبت الطيب على رأسه: "حينما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يُخبر أيضًا بما فعلته هذه تذكارًا لها" (مت 26: 13)، وكما قال لتلاميذه: "افرحوا بالحري أن أسماءكم كُتبت في السموات" (لو 10: 20).
من يلتصق بربنا يسوع كجندي صالح ويجاهد قانونيًا يتمتع بهذه الكرامة: تسجيل اسمه في سفر الحياة.
ب. تعتبر هذه القائمة مجدًا لداود نفسه الذي دربهم على الجهاد والغلبة... كل نصرة لنا وكل غلبة إنما هي لحساب ملكنا الحقيقي ابن داود
وكما يقول العلامة أوريجانوس: [إنه هو الذي يدعونا للجهاد وهو الذي يعمل فينا مجاهدًا، يقدم لنا الإكليل وهو الذي يتقبله فينا! وعلى العكس فإن كل فشل وتراخٍ في حياتنا يصير علَّة تجديف عليه.
ج. تعتبر مجدًا وكرامة للأبطال أنفسهم الذين جاهدوا مع داود لكي يملك ولكي يثبت ملكه؛ وفي نفس الوقت تعتبر دعوة لحث كل إنسان عبر الأجيال لحياة الجهاد حتى يملك ابن داود في القلوب، وتثبت مملكته فينا.
د. ذكر هؤلاء الأبطال لا يعني مجرد تفوقهم الحربي أو العسكري وإنما ارتبط نجاحهم العسكري وشجاعتهم بإيمانهم فلا نعجب إن رأينا يوآب - الرجل الأول والقائد لجيش داود - غير مذكور هنا، فقد خسر إكليله بسبب غدره المستمر وغيرته الشريرة وحسده، إذ قتل أبنير وغدر بعماسا وكان متجاسرًا في أحاديثه وحواره مع داود.
ويلاحظ في قائمة هؤلاء الأبطال الآتي:
أ. أنهم من أسباط وقبائل مختلفة مثل يهوذا وبنيامين وجت وعمون... هكذا يظهر عظماء رجال الإيمان من أمم كثيرة وشعوب متنوعة؛ كما يوجد بينهم رجال ونساء وأطفال وشباب وشيوخ إلخ...
ب. قُسِّم هؤلاء الأبطال إلى ثلاث درجات أو رتب:
« ثلاثة أولون: يوشيب وألعازار وشمة، وهم يشيرون إلى آباء وأنبياء وشعب العهد القديم.
« ثلاثة تالون لهم: أبيشاي وبناياهو والثالث لم يُذكر اسمه، يشيرون إلى الرسل والتلاميذ وشعب العهد الجديد.
« ثلاثون... يشيرون إلى عامة المؤمنين.


الإحصاء والوباء



في الأصحاحات [11-21] تحدث الكاتب عن سقوط داود بسبب تهاونه مع الخطية لمدة لحظات فبقى سنوات طويلة يجني ثمارها المُرّة وإن كانت هذه المرارة تحولت إلى مجده وبنيان الكثيرين خلال توبته المستمرة. الآن يُختتم السفر بخطأ خطير ارتكبه داود الملك وهو إحصاء الشعب لمعرفة عدد رجال الحرب دون استشارة الرب. فحلَّ على الشعب تأديب قاسٍ هزَّ أعماق نفس داود؛ غير أنه عرف كيف يغتصب مراحم الله.

1. إحصاء الشعب:

1 وَعَادَ فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَأَهَاجَ عَلَيْهِمْ دَاوُدَ قَائِلًا: «امْضِ وَأَحْصِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا». 2 فَقَالَ الْمَلِكُ لِيُوآبَ رَئِيسِ الْجَيْشِ الَّذِي عِنْدَهُ: «طُفْ فِي جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ وَعُدُّوا الشَّعْبَ، فَأَعْلَمَ عَدَدَ الشَّعْبِ». 3 فَقَالَ يُوآبُ لِلْمَلِكِ: «لِيَزِدِ الرَّبُّ إِلهُكَ الشَّعْبَ أَمْثَالَهُمْ مِئَةَ ضِعْفٍ، وَعَيْنَا سَيِّدِي الْمَلِكِ نَاظِرَتَانِ. وَلكِنْ لِمَاذَا يُسَرُّ سَيِّدِي الْمَلِكُ بِهذَا الأَمْرِ؟» 4 فَاشْتَدَّ كَلاَمُ الْمَلِكِ عَلَى يُوآبَ وَعَلَى رُؤَسَاءِ الْجَيْشِ، فَخَرَجَ يُوآبُ وَرُؤَسَاءُ الْجَيْشِ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ لِيَعُدُّوا الْشَعْبَ، أَيْ إِسْرَائِيلَ. 5 فَعَبَرُوا الأُرْدُنَّ وَنَزَلُوا فِي عَرُوعِيرَ عَنْ يَمِينِ الْمَدِينَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ وَادِي جَادَ وَتُجَاهَ يَعْزِيرَ. 6 وَأَتَوْا إِلَى جِلْعَادَ وَإِلَى أَرْضِ تَحْتِيمَ إِلَى حُدْشِي، ثُمَّ أَتَوْا إِلَى دَانِ يَعَنَ، وَاسْتَدَارُوا إِلَى صِيْدُونَ. 7 ثُمَّ أَتَوْا إِلَى حِصْنِ صُورٍ وَجَمِيعِ مُدُنِ الْحِوِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى جَنُوبِيِّ يَهُوذَا، إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ. 8 وَطَافُوا كُلَّ الأَرْضِ، وَجَاءُوا فِي نِهَايَةِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا إِلَى أُورُشَلِيمَ. 9 فَدَفَعَ يُوآبُ جُمْلَةَ عَدَدِ الشَّعْبِ إِلَى الْمَلِكِ، فَكَانَ إِسْرَائِيلُ ثَمَانَ مِئَةِ أَلْفِ رَجُل ذِي بَأْسٍ مُسْتَلِّ السَّيْفِ، وَرِجَالُ يَهُوذَا خَمْسَ مِئَةِ أَلْفِ رَجُل.

غضب الرب على داود ليس لأجل قيامه بالإحصاء في حد ذاته، فقد سبق أن أحصاهم موسى ثلاث مرات أو أكثر (خر 38: 26؛ عد 1: 2-3؛ عد 26)، إلهنا إله نظام لا تشويش. إنما غضب الرب للأسباب التالية أو بعضها:
أ. لم يستشر الرب كعادته.
ب. بدأ داود يعتمد على عدد رجاله وإمكانياته مع أنه لو تطلع إلى حياته كلها منذ صبوته لوجد نفسه قد انطلق من رعاية الغنيمات القليلة التي لأبيه إلى استلام المملكة كلها بقوة إلهية، وليس بذراعه أو ذراع بشر. وفي مواقف كثيرة سواء لمقاومة الأعداء له أو المنشقين عليه كان الله يتدخل من حيث لا يدري أحد. وقد عبَّر داود النبي كثيرًا عن هذه الخبرة الطويلة.


ج. ربما قصد داود بهذا الإحصاء إثارة حروب جديدة لتوسيع مملكته وازدياد مجده.
د. لعله أراد تسخير الشعب بوضع جزية مالية ثقيلة لحسابه الخاص أو حساب الخزانة وليس لحساب خيمة الاجتماع.
ه. يبدو أن الدافع الرئيسي هو الإعلان عن عظمته وقدراته وإمكانياته، كما كان يفعل ملوك الأمم حوله ليرعب الأمم المجاورة، وقد شاركه الشعب هذه الروح، لذلك كانت الخطية على الجميع وليس على داود وحده. لقد حاول داود في حبه أن ينسبها لنفسه ولبيت أبيه لكي يُصب التأديب كله عليه دون الشعب!
و. كان الشعب محتاجًا إلى تأديب، فالله يسمح أحيانًا بخطأ الراعي لتأديب الرعية، لأنها مستحقة للتأديب، إذ يقول الكتاب: "وعاد فحمي غضب الرب على إسرائيل فأهاج عليهم داود قائلًا امض وأحص ...".
ز. يرى البعض أن خطأ داود ينصب في إصداره أمرًا ليوآب أن يحصي الشعب بما في ذلك هم أقل من 20 عامًا ما دامت هيئتهم وطاقاتهم تناسب الحرب؛ هذا التصرف ضد الشريعة والناموس (1 أي 27: 23-24).
ح. كما انصب الخطأ على عدم طلب نصف الشاقل الذي كان يجب دفعه للخيمة متى أُحصى الشعب كفدية عن نفوسهم (خر 30: 12).
لقد أدرك يوآب خطأ داود فحاول تنبيهه إلى ذلك لكن داود أصر. قال له يوآب: "ليزد الرب إلهك الشعب أمثالهم مئة ضعف وعينا سيدي الملك ناظرتان. ولكن لماذا يُسر سيدي الملك بهذا الأمر؟" [3]؛ فاشتد كلام الملك على يوآب وعلى رؤساء الجيش، فخضعوا لأمره.

2. إدراك داود للخطأ:

10 وَضَرَبَ دَاوُدَ قَلْبُهُ بَعْدَمَا عَدَّ الشَّعْبَ. فَقَالَ دَاوُدُ لِلرَّبِّ: «لَقَدْ أَخْطَأْتُ جِدًّا فِي مَا فَعَلْتُ، وَالآنَ يَا رَبُّ أَزِلْ إِثْمَ عَبْدِكَ لأَنِّي انْحَمَقْتُ جِدًّا».

لعل من أجمل سِمات داود النبي والملك أنه متى أدرك خطأه فلا يُغطي عليه، ولا يقدم لله مبررات، إنما في بساطة قلب مع صراحة وفي رجاء يعترف حالًا دون أي تردد. "فقال داود للرب: لقد أخطأت جدًا في ما فعلت، والآن يا رب أزل إثم عبدك لأني انحمقت جدًا" [10]. هذا هو القلب النقي الذي لا يحتمل أي غبار، إنما في الحال يصرخ معترفًا بخطيته.

3. جاد يستعرض التأديبات:

11 وَلَمَّا قَامَ دَاوُدُ صَبَاحًا، كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى جَادٍ النَّبِيِّ رَائِي دَاوُدَ قَائِلًا: 12 «اِذْهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: ثَلاَثَةً أَنَا عَارِضٌ عَلَيْكَ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَاحِدًا مِنْهَا فَأَفْعَلَهُ بِكَ». 13 فَأَتَى جَادُ إِلَى دَاوُدَ وَأَخبَرهُ وَقَالَ لَهُ: «أَتَأْتِي عَلَيْكَ سَبْعُ سِنِي جُوعٍ فِي أَرْضِكَ، أَمْ تَهْرُبُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ أَمَامَ أَعْدَائِكَ وَهُمْ يَتْبَعُونَكَ، أَمْ يَكُونُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَبَأٌ فِي أَرْضِكَ؟ فَالآنَ اعْرِفْ وَانْظُرْ مَاذَا أَرُدُّ جَوَابًا عَلَى مُرْسِلِي». 14 فَقَالَ دَاوُدُ لِجَادٍ: «قَدْ ضَاقَ بِيَ الأَمْرُ جِدًّا. فَلْنَسْقُطْ فِي يَدِ الرَّبِّ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ كَثِيرَةٌ وَلاَ أَسْقُطْ فِي يَدِ إِنْسَانٍ».

دفع يوآب جملة عدد الشعب إلى الملك [9]، وعوض أن يفكر داود في الرقم وغايته من التعرف عليه إذا بقلبه يضربه في داخله [10]، وبقى الليل كله في مرارة يترقب ثمار الخطأ الذي ارتكبه.
في الصباح جاءه جاد النبي يعرض عليه حق اختيار العصا التي يُضرب بها من قبل الله للتأديب: [سبع سنوات جوع، هروب ثلاثة شهور أمام أعدائه وهم يتبعونه، ثلاثة أيام وباء في أرضه].
عندما ترك الرب لداود النبي أمر اختيار التأديب الذي يسقط تحته ضاقت نفسه، ولكنه قال: لقد "ضاق بي الأمر جدًا، فلنسقط في يد الرب لأن مراحمه كثيرة ولا أسقط في يد إنسان" [14]. فجعل الرب وباء في إسرائيل من الصباح إلى المساء، فمات من الشعب من دان إلى بئر سبع 70000 رجل. بسط الملاك يده ليهلك أورشليم، لكن الرب ندم وقال للملاك "كفى الآن رد يدك".
يرى البعض أن الملاك كان على ذات جبل المريا الذي قدم فيه إبراهيم وإسحق ذبيحة... وكأن توقف الهلاك كان من خلال ذبيحة الابن الحبيب!

4. حلول الوباء:

15 فَجَعَلَ الرَّبُّ وَبَأً فِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمِيعَادِ، فَمَاتَ مِنَ الشَّعْبِ مِنْ دَانٍ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ سَبْعُونَ أَلْفَ رَجُل. 16 وَبَسَطَ الْمَلاَكُ يَدَهُ عَلَى أُورُشَلِيمَ لِيُهْلِكَهَا، فَنَدِمَ الرَّبُّ عَنِ الشَّرِّ، وَقَالَ لِلْمَلاَكِ الْمُهْلِكِ الشَّعْبَ: «كَفَى! الآنَ رُدَّ يَدَكَ». وَكَانَ مَلاَكُ الرَّبِّ عِنْدَ بَيْدَرِ أَرُونَةَ الْيَبُوسِيِّ. 17 فَكَلَّمَ دَاوُدُ الرَّبَّ عِنْدَمَا رَأَى الْمَلاَكَ الضَّارِبَ الشَّعْبَ وَقَالَ: «هَا أَنَا أَخْطَأْتُ، وَأَنَا أَذْنَبْتُ، وَأَمَّا هؤُلاَءِ الْخِرَافُ فَمَاذَا فَعَلُوا؟ فَلْتَكُنْ يَدُكَ عَلَيَّ وَعَلَى بَيْتِ أَبِي».

وسط التأديب القاسي المرّ كشف الكتاب المقدس عن حب داود الفائق لشعبه، فإنه إذ رأى شعبه تحت الضيق صرخ طالبًا أن تحل الضيقة به وببيت أبيه لا بالشعب. إنه مستعد كسيده (رب المجد يسوع) أن يتقدم الرعية ليحتمل المخاطر عنهم، لا أن يختبئ في وسطهم طالبًا عنايتهم به.
* في اختيار العقوبات لم يختر المجاعة ولا الهروب أمام الأعداء بل الوباء المرسل من قبل الله؛ لقد ترجى أن يكون الجميع في سلام ويحتمل هو العقوبة دون غيره. وإذ لم يحدث هذا ناح وقال: "لتكن يدك عليّ"، وإن كان هذا لا يكفي "وعلى بيت أبي". يقول أيضًا: "أنا الراعي أخطأت" (الترجمة السبعينية). كأنه يقول: حتى إن كانوا هم قد أخطأوا فأنا هو الشخص الذي يجب أن يحتمل العقوبة لأنني لم أُصلحهم. إنها خطيتي أنا أيضًا لذا أستوجب العقوبة. ولكي يزيد من جريمته استخدم لقب "الراعي"... عظيمة هي قوة الاعتراف.
* يقول: "أنا الراعي أخطأت". لقد أذنبت، أما هذا القطيع فماذا فعل؟ لتكن يدك عليّ وعلى بيت أبي.
إبراهيم (أيضًا) لم يطلب ما لنفعه الخاص بل ما هو لنفع الكثيرين، لهذا عرض نفسه للمخاطر، وسأل الله من أجل الذين لا ينتمون له (أهل سدوم وعمورة).
* ليتنا نطلب العقوبة لأنفسنا متى أخطأنا ضد ذاك الذي ينبغي ألا نخطئ في حقه... إن كنا نحب المسيح كما ينبغي يلزمنا أن نُعاقب أنفسنا عندما نخطئ.
القديس يوحنا الذهبي الفم



5. إرسال جاد لداود:

18 فَجَاءَ جَادُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: «اصْعَدْ وَأَقِمْ لِلرَّبِّ مَذْبَحًا فِي بَيْدَرِ أَرُونَةَ الْيَبُوسِيِّ». 19 فَصَعِدَ دَاوُدُ حَسَبَ كَلاَمِ جَادَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ. 20 فَتَطَلَّعَ أَرُونَةُ وَرَأَى الْمَلِكَ وَعَبِيدَهُ يُقْبِلُونَ إِلَيْهِ، فَخَرَجَ أَرُونَةُ وَسَجَدَ لِلْمَلِكِ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. 21 وَقَالَ أَرُونَةُ: «لِمَاذَا جَاءَ سَيِّدِي الْمَلِكُ إِلَى عَبْدِهِ؟» فَقَالَ دَاوُدُ: «لأَشْتَرِيَ مِنْكَ الْبَيْدَرَ لِكَيْ أَبْنِيَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ فَتَكُفَّ الضَّرْبَةُ عَنِ الشَّعْبِ». 22 فَقَالَ أَرُونَةُ لِدَاوُدَ: «فَلْيَأْخُذْهُ سَيِّدِي الْمَلِكُ وَيُصْعِدْ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ. اُنْظُرْ. اَلْبَقَرُ لِلْمُحْرَقَةِ، وَالنَّوَارِجُ وَأَدَوَاتُ الْبَقَرِ حَطَبًا». 23 اَلْكُلُّ دَفَعَهُ أَرُونَةُ الْمَالِكُ إِلَى الْمَلِكِ. وَقَالَ أَرُونَةُ لِلْمَلِكِ: «الرَّبُّ إِلهُكَ يَرْضَى عَنْكَ». 24 فَقَالَ الْمَلِكُ لأَرُونَةَ: «لاَ، بَلْ أَشْتَرِي مِنْكَ بِثَمَنٍ، وَلاَ أُصْعِدُ لِلرَّبِّ إِلهِي مُحْرَقَاتٍ مَجَّانِيَّةً». فَاشْتَرَى دَاوُدُ الْبَيْدَرَ وَالْبَقَرَ بِخَمْسِينَ شَاقِلًا مِنَ الْفِضَّةِ. 25 وَبَنَى دَاوُدُ هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ، وَاسْتَجَابَ الرَّبُّ مِنْ أَجْلِ الأَرْضِ، فَكَفَّتِ الضَّرْبَةُ عَنْ إِسْرَائِيلَ.

سمع الله لصرخات داود المملوءة حبًا تجاه شعب الله واستجاب له، فقد أرسل إليه جاد النبي ليقيم مذبحًا في الموضع الذي ظهر له فيه الملاك، في بيدر أرونة اليبوسي، مؤكدًا له الآتي:
أ. قد تم التصالح بين الله وداود، لأن إقامة مذبح وتقديم ذبيحة وقبولها من جانب الله يعني تحقيق المصالحة.
ب. أن المصالحة تتم خلال الذبيحة، رمز ذبيحة المسيح الكفارية.
رأى أرونة وهو رجل أجنبي يبوسي الملاك، ثم عاد فرأى الملك قادمًا فارتبك جدًا وتحير، لذا سجد أمام داود الملك على وجهه إلى الأرض، وسأله عن سر مجيئه. طلب منه أن يشتري منه البيدر ليقيم المذبح فيه فتكف الضربة عن الشعب. أراد أرونة أن يقدم البيدر مجانًا لبناء المذبح وبقره محرقات ونوارجه وأدوات البقر حطبًا للمحرقات؛ لكن داود رفض أن يقدم تقدمات مجانية للرب وأصر أن يدفع الثمن 50 شاقلًا من الفضة.
رقم 50 يشير إلى الحرية التي يتمتع بها الإنسان داخليًا بالروح (اليوبيل، عيد العنصرة)، هكذا يرتبط المذبح والذبيحة بعمل الروح القدس واهب الحرية. على ذات الموضع أقيم فيما بعد هيكل سليمان.
كان أرونة أمميًا، لكنه تمتع برؤية الملاك، اتسم بالاتضاع والحب مع البذل والعطاء، لذا أقيم الهيكل في أرضه... ليت إنساننا الداخلي يكون كأرونة فيقيم الرب هيكله فينا.






 
قديم 21 - 06 - 2025, 12:03 PM   رقم المشاركة : ( 200240 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,522

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


عودة داود للمُلك

عقوق أبشالوم ودخول إسرائيل في حرب مع رجال داود سبب جراحات كثيرة على مستوى بعض الشخصيات الهامة كما بين الأسباط وبعضها البعض، فقد انكشفت نية البعض كخونة لداود بينما سقط البعض في الخيانة تحت الضغط... كان أمر رجوع داود إلى المملكة يحتاج إلى حكمة في التصرف ولقاءات هامة...

يوآب يخرج داود من حزنه:

1 فَأُخْبِرَ يُوآبُ: «هُوَذَا الْمَلِكُ يَبْكِي وَيَنُوحُ عَلَى أَبْشَالُومَ». 2 فَصَارَتِ الْغَلَبَةُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مَنَاحَةً عِنْدَ جَمِيعِ الشَّعْبِ، لأَنَّ الشَّعْبَ سَمِعُوا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْمَلِكَ قَدْ تَأَسَّفَ عَلَى ابْنِهِ. 3 وَتَسَلَّلَ الشَّعْبُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ لِلدُّخُولِ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا يَتَسَلَّلُ الْقَوْمُ الْخَجِلُونَ عِنْدَمَا يَهْرُبُونَ فِي الْقِتَالِ. 4 وَسَتَرَ الْمَلِكُ وَجْهَهُ وَصَرَخَ الْمَلكُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ، يَا أَبْشَالُومُ ابْنِي، يَا ابْنِي!». 5 فَدَخَلَ يُوآبُ إِلَى الْمَلِكِ إِلَى الْبَيْتِ وَقَالَ: «قَدْ أَخْزَيْتَ الْيَوْمَ وُجُوهَ جَمِيعِ عَبِيدِكَ، مُنْقِذِي نَفْسِكَ الْيَوْمَ وَأَنْفُسِ بَنِيكَ وَبَنَاتِكَ وَأَنْفُسِ نِسَائِكَ وَأَنْفُسِ سَرَارِيِّكَ، 6 بِمَحَبَّتِكَ لِمُبْغِضِيكَ وَبُغْضِكَ لِمُحِبِّيكَ، لأَنَّكَ أَظْهَرْتَ الْيَوْمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَكَ رُؤَسَاءُ وَلاَ عَبِيدٌ، لأَنِّي عَلِمْتُ الْيَوْمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَبْشَالُومُ حَيًّا وَكُلُّنَا الْيَوْمَ مَوْتَى، لَحَسُنَ حِينَئِذٍ الأَمْرُ فِي عَيْنَيْكَ. 7 فَالآنَ قُمْ وَاخْرُجْ وَطَيِّبْ قُلُوبَ عَبِيدِكَ، لأَنِّي قَدْ أَقْسَمْتُ بِالرَّبِّ إِنَّهُ إِنْ لَمْ تَخْرُجْ لاَ يَبِيتُ أَحَدٌ مَعَكَ هذِهِ اللَّيْلَةَ، وَيَكُونُ ذلِكَ أَشَرَّ عَلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَرّ أَصَابَكَ مُنْذُ صِبَاكَ إِلَى الآنَ». 8 فَقَامَ الْمَلِكُ وَجَلَسَ فِي الْبَابِ. فَأَخْبَرُوا جَمِيعَ الشَّعْبِ قَائِلِينَ: «هُوَذَا الْمَلِكُ جَالِسٌ فِي الْبَابِ». فَأَتَى جَمِيعُ الشَّعْبِ أَمَامَ الْمَلِكِ. وَأَمَّا إِسْرَائِيلُ فَهَرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ.

اعتبر يوآب حزن داود المفرط على ابنه العاق أبشالوم إهانة للشعب الذين خاطروا بحياتهم في الحرب من أجله، وكانوا يتوقعون كلمة شكر واحتفالًا بالنصرة بفرح وبهجة. لهذا دخل يوآب إلى الملك ليتحدث معه بلكمات جارحة وفي غير لياقة قائلًا له: "قد أخزيت اليوم وجوه عبيدك منقذي نفسك اليوم وأنفس بنيك وبناتك وأنفس نسائك وأنفس سراريك بمحبتك لمبغضيك وبغضك لمحبيك، لأنك أظهرت اليوم أنه ليس لك رؤساء ولا عبيد، لأني علمت اليوم أنه لو كان أبشالوم حيًا وكلنا اليوم موتى لحسن حينئذ الأمر في عينيك".
بالغ يوآب في الحديث عندما ذكر أن داود أحب مبغضيه لأنه لو انتصر أبشالوم لقتل داود وبنيه ونساءه ورجاله خاصة الجبابرة كيوآب، لكن داود لم يبغض محبيه كما ادعى يوآب.
في جسارة طلب يوآب من الملك قائلًا: "قم واخرج وطيب قلوب عبيدك" [7]. لقد خشى أن يتركه الكل ويطلبوا ملكًا آخر لأنه فضل ابنه العاق عن كل رجاله، فيحل الشر بداود.
لسنا ننكر رقة مشاعر داود مع الجميع خاصة ابنه أبشالوم، لكن كان يليق به أن يتخطى العلاقات الشخصية والعائليه من أجل حبه ورعايته للشعب؛ حزنه الشديد على ابنه العاق حطم نفسية رجاله، لأنهم ما كانوا يتوقعون منه ذلك. على أية الأحوال، أراد الكتاب المقدس أن يبرز أنه يصعب على الإنسان التخلص من الجوانب الشخصية وأثر العلاقات الأسرية حتى بالنسبة لكبار الأنبياء والقديسين.
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 10:20 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025