الفكر الآبائي حول بتولية العذراء
يُعتقَد أن القديس بطرس بابا الإسكندرية -استشهد عام 311 م.- هو أول من استخدم لقب "إيبارثينوس" أي "دائمة البتولية" للقديسة مريم[31]، قائلًا: [يسوع المسيح.. قد ولد حسب الجسد من مريم، سيدتنا القديسة المعظمة، والدة الإله (ثيؤطوكوس) الدائمة البتولية (إيبارثينوس)[32].]
في الواقع لم يكن القديس بطرس هو أول من اعتقد في دوام بتولية القديسة مريم، أي بتوليتها قبل ميلاد السيد المسيح (ante-portum) وعند ميلاده (in-portum) وبعد ميلاده (portum-post)، ففي القرن الثاني يذكر القديس إيرينيؤس ما ورد في إشعياء النبي (66: 7-8)، حيث يتنبأ عن عودة الشعب إلى أورشليم بطريقة ملحوظة خلال الأم صهيون، مفسرًا ذلك، أن النبوة تشير إلى العذراء مريم التي ولدت ابنًا ذكرًا بغير ألم المخاض (أي لم تفقد بتوليتها)، إذ يقول النبي: قبل أن يأخذها الطلق ولدت، قبل أن يأتي عليها المخاض ولدت ذكرًا. يُعَلِّق القديس إن النبي قد أعلن بهذا عن المنظورات أي ميلاد الطفل من العذراء بطريقة فريدة[33] وبهذا يؤكد القديس بتولية القديسة.
وفي مصر يقول القديس إكليمنضس إن القديسة مريم استمرت عذراء، رافضًا الادِّعاء بأنها قد صارت امرأة (أي فقدت بتوليتها) بسبب إنجابها الطفل[34]. كما يؤكد العلامة أوريجينوس دوام بتوليتها في عظاته على سفر اللاويين[35]. وفي موضع آخر يقول: [لقد تسلَّمنا تقليدًا في هذا الشأن.. أن مريم قد ذهبت (إلى الهيكل) بعدما أنجبت المُخَلِّص لتتعبَّد، ووقفت في الموضع المُخَصَّص للعذارى. حاول الذين يعرفون عنها أنها أنجبت ابنًا طردها من الموضع، لكن زكريا أجابهم أنها مستحقة المكوث في موضع العذارى، إذ لا تزل عذراء[36].]
كما يقول العلامة أوريجينوس: [يليق ألا ننسب لقب أولى العذارى، لغير مريم وحدها.]
هذا وقد استخدم البابا أثناسيوس تعبير "إيبارثينوس"[37]، كما أعلن القديس ديديموس الضرير بتوليتها أثناء ميلاد الطفل (in-portum) وبعد الميلاد (post portum) مخاطبًا إيَّاها: "الدائمة البتولية"[38].
وفي هذا المجال اقتبس بعض فقرات من أقوال الآباء في شأن دوام بتولية القديسة:
* حقًا إننا نجهل الكثير على سبيل المثال: كيف يوجد غير المحدود في الأحشاء؟
كيف يُحمَل بذاك الذي يحوي كل شيءٍ، ويُولَد من امرأة؟
كيف تلد العذراء وتستمر عذراء؟[39]
القديس يوحنا الذهبي الفم
* لم تُحَل بتولية العذراء الطاهرة خلال الميلاد غير الدنس، كما لم تقف البتولية في طريق ميلادٍ عظيمٍ كهذا[40].
القديس غريغوريوس النيسي
* السيد المسيح وحده فتح أبواب بتوليتها المغلقة، ومع هذا بقيت الأبواب مغلقة تمامًا[41].
* مع أن الباب كان مغلقًا، دخل يسوع إلى مريم، القبر الجديد المنحوت في صخر، الذي لم يرقد أحد فيه من قبله ولا بعده، إنها جنة مغلقة، ينبوع مختوم (نش 4: 12). هي الباب الشرقي الذي تحدث عنه حزقيال (44: 2)، المغلق على الدوام، المملوء نورًا.. يدخل إلى قدس الأقداس، منه يدخل ويخرج من هو على رتبة ملكي صادق. دعوهم يخبروني كيف دخل يسوع والأبواب مغلقة، وأنا أجيبهم كيف تكون القديسة مريم أمًا وعذراء بعد ميلاد ابنها، وكيف تكون أمًا بغير زواج[42].
القديس جيروم
* لو أفسد ميلاده بتوليتها، لما حسب مولودًا من عذراء، وتكون شهادة الكنيسة الجامعة بأنه وُلِد من العذراء مريم، شهادة باطلة (حاشا!)[43].
القديس أغسطينوس
* كما دخل الرب والأبواب مُغَلَّقة هكذا خرج من أحشاء البتول، فإنه بحقٍ ولدته هذه العذراء بغير ألم.. بقيت بتوليتها سالمة لم تُحل! [44]
القديس أفرآم السرياني
* ما كان الرب يسوع قد اختار أن يُولد من عذراء، لو عرف أنها ليست عفيفة فتقبل زرعًا بشريًا في ذات الموضع الذي قطن فيه جسد الرب، أي في بلاط الملك الأبدي[45].
الأسقف سيريكس (392 م.)
* يا له من سرِّ مدهشً! مريم كانت عذراء بعد زواجها، عذراء بعد الحمل، وبقيت هكذا بعد إنجاب الطفل! أخيرًا فإنه لو وجد شيء أعظم من البتولية لَقَدمهُ ابن الله لأمّه، إذ وهبها أن تفرح بكرامة البتولية الإلهية[46].
الأب زينو أسقف فيرونا (372 م.)
* (إذ قارن القديس أفرآم ميلاد الرب بقيامته، قال عن الميلاد
أراد العريس المُمجد أن يُظهر أنه ترك أوتار البتولية نائمة حتى لا تشعر بخروجه[47].
مار أفرآم السرياني
* حقًا لا تعرف الطبيعة عذراء تبقى هكذا بعد إنجاب الطفل، أما النعمة فجعلت العذراء والدة وحفظت بتوليتها.
النعمة جعلت العذراء أمًا، ولم تحل بتوليتها..
أيتها الأرض غير المفلَّحة التي ازدهرت وجاءتنا بثمر يخلصنا!
أيتها العذراء التي فاقت جنة عدن المبهجة!..
العذراء ممجدة أكثر من الفردوس، لأن الفردوس فلَّحه الله،
أما مريم فأنبتت الله نفسه حسب الجسد، إذ بإرادته شاء أن يتحد بالطبع البشري[48].
الأب ثيؤدوسيوس أسقف أنقرة (432 م.)