كتاب تأملات في سفر يونان النبي - البابا شنودة الثالث
16- لا مانع من استخدام العقوبة
أن الله الحنون لا مانع عنده من استخدام طرق العقوبة والتخويف،أن كانت نافعة لخلاص الإنسان.
وفى سفر يونان نجد ثلاثة أمثلة وهى:
1 – مثال تهديد من بعيد :
مثلما حدث مع أهل نينوى.. مجرد إنذار.
سأحرق المدينة بعد أربعين يوما.." بعد أربعين يوما تنقلب نينوى "...
تهديد، مع إعطاء فرصة، وفرصة طويلة…
ولم تنقلب المدينة، لأنها خافت من الغضب الآتي ومن العقوبة المنتظرة فتابت.
2- مثال أخر أشد وهو لطمة من الخارج:
مثلما حدث مع بحارة السفينة وركابها، ومنهم يونان.
هنا لم يكن الأمر مجرد تهديد وأنما بدأ التنفيذ العملي إلى حد ما.
أوامر أصدرها الله إلى الزاوبع أن تلطم السفينة حتى تكاد تغرق.
ولكن نلاحظ أن الله وضع للأمواج حدودا في الضرب:
اضربوا السفينة من الخارج، ولكن لا تدخلي أيتها المياه إلى داخلها.
اضربي السفينة، زعزعي السفينة، ولكن لا تمسى أحدا من ركابها بسوء…..
نلاحظ هنا أن الضربة سببت بعض الخسائر، إذ أضطر الناس أن
" يطرحوا الأمتعة التي في السفينة إلى البحر، ليخففوا عنها "….
هذان مثالان من عقوبة الله.
أما الثالث فأشد منهما:
3- في النوع الثالث، دخلت العقوبة في جدية خطيرة…
صدر الأمر إلى الحوت أن يبتلع يونان، نظر إلى ذاته، فوجد نفسه في بطن الحوت....
هذه هي الطرق الثلاث في العقوبة، والله يريدكم أن تصلوا إليه بأية طريقة تروقكم أو تناسبكم…
لو أدى الأمر، لا مانع لدى الله من أن يبتهج الزوابع ضد سفينة حياتكم، ويضطركم أن تلقوا بعض المهمات العالمية خارج السفينة.
من الجائز أن تكون سفينة حياتكم محملة بالبر الذاتي، أو محملة بالعناد، أو بمحبة العالم.
وعندما تهزها الموجة تتزعزع.
خففوا سفينتكم أيها الأخوة.
ربما سمح الله أن يضرب السفينة لكي نلقى منها حقيبة البر الذاتي، وزكيبة الشهوات، ومقطف العناد...
ارموا كل ما يعطلكم، ولا تبقوا داخلكم سوى محبة الله…..
المرجع: موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت
أن لم تصلح معك هذه الطريقة، ربما يرسل لك الرب حوتا ليبتلعك!
وأنت تصرخ إلى الله وتقول :
أنا يا رب لا أحتمل الحوت ولا الزوابع.
أقل شئ يوصلني إليك.
لتكن يدك علي، يدك لا عصاك…
الناس يختلفون في مدى حساسيتهم وفي مدى استجابتهم لصوت الله.
منهم
من يشير إليه الله من بعيد، مجرد إشارة فيحن ويستجيب.
منهم من أصابته أقل إصابة أو أقل لطمة، يتذكر خطاياه ويتوب، ويرجع إلى الله قبل أن يتطور الأمر إلى أسوأ.
ومن الناس نوع لا يأتي ألا بالعنف وبالضربة الشديدة...
فلا تلجئوا الله إلى استخدام الطرق العنيفة لاجتذابكم.
أن استخدم الله معكم العنف، فأعلموا أن ذلك هو لمقابلة العنف الذى فيكم،
العنف الذى في قساوة قلوبكم وعدم استجابتها لحنوا الله…
أن أهل نينوى الذين خافوا من بعيد، لم يستخدم الله معهم العنف.
وأهل السفينة الذين استطاعت مجرد الأمواج أن تغير قلبهم، لم يسمح الله مطلقا بإغراق سفينتهم.
أما يونان الشديد العنف، فلم تكن تصلح له هذه اللمسات البسيطة.
لقد كانت الأمواج تضرب السفينة، والسفينة تكاد تنكسر، والأمتعة يلقيها البحارة في البحر. وفي أثناء كل ذلك كان يونان قد "اضطجع ونام نوما ثقيلا "!!
انه نوع لا تنفعه العقوبة الخفيفة….
في النوم الخفيف يمكن أن ترتب على الكتف أو تلمس الوجه فيصحو النائم.
أما من نام نوما ثقيلا، فيحتاج إلى هزة عنيفة لتوقظه….
أخاف أن يكون قلوبكم من هذا النوع الثقيل….
الله يريد أن يوصلكم إليه فيا ليتكم تستجيبون إلى طرقه الهينة اللينة اللطيفة ولا تلجئوه إلى العنف…
لعل بعضكم يعجب
كيف تتفق الطرق العنيفة مع الله ووداعته؟
والجواب بسيط.
أن الله يهمه مصيرك الأبدي، أكثر بكثير من حياتك على الأرض.
وفي سبيل خلاصك، هو مستعد أن يعمل أي عمل ألهي مهما كان عنيفا، لكي يرجعك إليه.
ونلاحظ أن عنف الله ممزوج بالرحمة والحنو، لأنه مجرد وسيله.
فعندما أرسل الزوابع والأمواج إلى السفينة، لم يسمح أن تمس أحد داخلها.
ولما أرسل حوتا ليبتلع يونان،لم يسمح للحوت أن يضره.
هو يضرب أحيانا، ولكن على قدر احتمال الإنسان، وعلى قدر ما توصل إليه الضربة…..
يبقى بعد كل هذا سؤال هام وهو:
ما هي الطريقة التى تصلح لك، فيستخدمها الله لخلاصك؟
كن صريحا مع نفسك ومع الله.
أن كنت لا تأتي آلا بضربة شديدة تصيبك، قل له
" اضرب يا رب كما تشاء، ولا تشفق...المهم أن أصل إليك "..
وأن كانت التجارب والضيقات هي التي تقربك إلى الله قل له هكذا
" أعترف لك يا رب أنني أن عشت في راحة، أنساك واتركك. وأن أحاطت بي الضيقات، أعيد صلتي بك…
يكفى أن تسمح لي برئيس متعب، أو بمشكلة في البيت، أو بمرض، لكي تجدني تحت قدميك. وتجد قلبي معك".
كن صريحا يا أخي مع الله، وتقبل كل تدابيره بفرح وشكر. ولكن أحترس من أن تقودك طرق الله إلى العكس…
كانسان يرسل الله له ضيقة نافعة لخلاص نفسه، فيتخذها لهلاكه.
يرسل الله له حوتا ليبتلعه، فبدلا من أن يصلى في جوف الحوت كما فعل يونان، يتذمر ويضجر ويجدف على الله..
مثل كثيرين نراهم كثير الشكوى من الله :
لماذا فعل الله بي هكذا؟
لماذا يضطهدني ولماذا ينساني؟!.
مساكين هؤلاء أن عصا الله التي يريد بها هدايتهم، يتخذونها للتذمر،
ومعالجة الله لهم يقابلونها بالشكوى…
أن أيمانهم ضعيف في عمل الله معهم وفي الثقة بحكمته…
على أية حالات أن الله لا يتضايق من التفاهم معه.
نحن الآن نتذكر صوم نينوى،
ونعتبره صوم التوبة.
فليتنا نتوب بأية طريقة،
سواء طريقة أهل نينوى،
أو طريقة ركاب السفينة
أو طريقة يونان.
ليتنا نتضرع إلى الله ونقول له
" خسارة يا رب تعبك معنا هذه السنين كلها،أن ضاع بلا فائدة".
اكمل عملك معنا،" ولا تضيع الطبخة من أجل مليم فلفل ".
لقد تعبت في خلقنا وفي رعايتنا وفي فدائنا.
فلا يضيع خلاصنا من أجل هذه التوبة،
اكمل عملك،
ليس فقط بمليم فلفل،
بل حتى بمليم شطه…
نريد أن يكون هناك فرح في السماء بتوبتنا، ولا نعطل أفراح السماء!
أخذنا الآن درسين في معاملات الله :
الأول أنه يبحث بنفسه عن الإنسان، والثاني انه مستعد من أجل خلاص الإنسان أن يستخدم العنف والعقوبة..
فما هو الدرس الثالث؟
أننا نتعلم من هذا السفر أيضا،
أن الله مستعد أن يرجع عن تهديده.