19 - 05 - 2020, 02:20 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شخصيات الكتاب المقدس
من فتاة يتيمة إلى ملكة عظيمة
سفر استير كل من يطالع سفر استير يلاحظ قبل كلّ شيء أن اسم "الله" غير مذكور فيه. فهو من هذه الناحية يشبه سفر نشيد الإنشاد إلى حدّ بعيد. ولكن على الرغم من ذلك يمكن القارئ أن يرى الله من خلال أسطر ذلك السفر. كما أنه يستطيع أن يرى سيادة الله وعنايته بأولاده وأن "كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده". (رومية 8: 28). 1- نشأتها ـ ولدت استير في بلاد فارس من أبوين كان قد سبيا أصلاً مع المسبيين إلى بابل. لكنها في وقت مبكّر من حياتها خسرت والديها وأصبحت يتيمة، غير أن الله دبّر أن يتبنّاها ابن عمها مردخاي الذي كان يخاف الله (3: 2). والذي يخاف الله لا خوف فيه لا خوف منه لا خوف عليه فكان لها أباً وأماً ومربياً. فترعرعت الفتاة في كنفه على محبة الله ومخافته وطاعته. ثمة كتابة على ناووس منسوبة إلى استير تشير إلى تقواها واتّكالها على الربّ ـ كتابة بشكل صلاة تقول: أحمدك يا الله لأنّك خلقتني أنا أعلم أن خطاياي تستوجب العقاب، لكنني أرجو الرحمة على يديك. لأنني حينا أدعوك تكون معي. وحضرتك القدسية تحفظني من كل الشرور. اللهمّ لا تطرحني من قدام وجهك الإلهي. فالذين تحبّهم لن يذوقوا عذابات الجحيم. قدني أيها الآب الرحيم إلى حياة الحياة حتى أمتلئ من ثمار الفردوس السماوي. استير ولأنها أحبّت الله أحبّت شعبها وأبناء جلدتها أيضاً (8: 6) "لأن الذي يحبّ الله يجب أخاه أيضاً". وهذا يتّفق مع الوصيّة العظمى التي تقول: "تحبّ الربّ إلهك من كل قلبك.. وقريبك كنفسك". ولهذا نحن لا نستغرب لماذا باركها الله وجعلها بركةً للكثيرين. 2- اسمها ـ ذكر اسمها في سفرها 58 مرة، ونظراً للدور الذي لعبته في شوشن بل في كلّ الإمبراطورية التي كانت تعتبر من أعظم الإمبراطوريات في ذلك العصر. في الواقع كان لها اسمان: هدسّة واستير. الأول هو اسمها العبراني ويعني الآس، وهو نبات جميل المنظر، عطري الرائحة، وأوراقه دائمة الاخضرار. والحق يقال أن حياة هذه الفتاة كانت كشذى الآس الفوّاح، أو على حدّ قول الرسول بولس، كانت "رائحة المسيح الذكية" تفوح منها. والثاني هو اسمها الفارسي الذي يعتقد بأن الملك أحشويرش خلعه عليها. ويعني نجم أو كوكب نسبة إلى كوكب الزهرة اللاّمع الوضاء. وبالفعل فقد لمع اسم فتاتنا استير كنجم ساطع في سماء العهد القديم. وقد استمدّت نور حياتها من مصدر كلّ نور والساكن في نور لا يدنى منه ـ الله. غير أن أحدهم يقول أن اسم استير معناه "يختفي" لأنها كانت مختفية في بيت ولي أمرها لمدة من الزمن، وأيضاً لأنها أخفت جنسيتها إلى أن سنحت لها الفرصة لإظهارها. على كل حال، يمكننا القول أن استير كانت اسماً على مسمّى على غرار إبراهيم الذي صار أباً لجمهور غفير وسارة التي صارت أميرةً ورئيسة وداود الذي صار حسب قلب الله وبطرس الذي صخرة في إيمانه وبرنابا الذي صار ابن التعزية والوعظ ويسوع الذي صار مخلّصاً لجميع الناس 3- جمالها ـ نحن نعيش اليوم في عصر يقيم للجمال وزناً كبيراً. فهناك صالونات للتجميل وهناك ملكات للجمال وهناك كعارض للجمال وهناك طبّ للتجميل وكأنّ الناس ألّهوا الجمال وعبدوه على نحو ما فعل الأقدمون حين عبدوا فينوس آلهة الحبّ والجمال. لكنّ هذا النوع من الجمال محصور في الجسم دون الروح، ولذا كان سبب شرّ ووبال على الكثيرين والكثيرات من الرجال والنساء. أما استير فكان جمالها جمال الروح أولاً ثم جمال الجسم، أي جمال القلب والقالب. كان جمالها كجمال يوسف الصدّيق. كجمال موسى الكليم كجمال داود الملك ويصحّ أن يُقال عنها ما قيل عن ماري ملكة الاسكتلنديين "إن جميع الكتّاب المعاصرين متّفقون على أنها كانت على أوفر قسط من الجمال والأناقة يمكن أن يصل إليه جسم إنسان. وما من إنسان رآها إلاّ وأثارت إعجابه وتقديره". لكنّها وضعت جمالها الطبيعي، لا الاصطناعيّ، بين يديّ الله، فكان بركةً عوض اللعنة وخيراً عوض الشرّ. نعم كانت جميلةً إنما جمالها الأعظم، على حدّ قول متى هنري، كان في حكمتها وفضيلتها. فما أحسن وما أجمل أن يضع المؤمن كلّ ما عنده بين يديّ الله وتحت تصرّفه، وهو بدوره يحوّل كلّ شيء لخيرنا الروحي والزمني والجسدي. 4- طاعتها ـ هنا سرّ البركة والعظمة. سئلت والدة جورج واشنطن عن سرّ عظمة وانتصارات ابنها، فأجابت: "علّمته الطاعة". لقد تعلّمت استير الطاعة: طاعة الله أولاً ثم طاعة ابن عمّها (2: 10و20). ومما لا ريب فيه أن هذه الصفة في حياة استير كانت العامل الأساسي في ارتقائها عرش الملك. ألا يذكّرنا هذا بالربّ يسوع الذي أطاع حتى الموت ومت الصليب ولذلك رفعه الله وأعطاه اسماً فوق كلّ اسم؟ ألا يذكّرنا هذا بإبراهيم الذي لما دعي أطاع طاعةً عمياء ولذلك باركه الله وجعله بركةً للشعوب. ألا يذكّرنا هذا بيوسف الذي لأجل طاعته لله وأبيه ارتفع إلى رئاسة الوزارة في مصر بعد أن دبّر أخوته مكايد لقتلة وباعوه بأقل من ثمن العبد؟ ألا يذكّرنا هذا بنوح الذي فعل كلّ ما أمره به الله؟ ألا يذكّرنا هذا بموسى الذي أطاع الله فترك مصر غير خائفٍ من غضب الملك؟ قيل لشاول الملك قديماً " الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش". فالله ينتظر منا أن نسمع منه ونخضع له ونعمل بأمره ووصاياه، لأننا في المسيح صرنا أولاد الطاعة لكي نحيا حياة الطاعة. 5- غيرتها ـ كانت فتاتنا الشجاعة ذات غيرةٍ ملتهبة واندفاع نادر. كانت تحسّ بثقل مسؤوليتها نحو شعبها وجنسها سيّما وأن شعبها كان آنذاك في خطر عظيم بسبب مؤامرة حيكت ضدّه. فعندما فكّرت بهم وبحالتهم وما ينتظرهم تحرّكت أحشاؤها في داخلها وصرخت: "كيف أستطيع أن أرى هلاك جنسي؟". (استير 8: 6). يا ليت الله يعطينا هذا النوع من المحبة الجارفة لخلاص النفوس!! لم تكتفِ استير بالتعبير عن شعورها بواسطة الكلام بل وضعت كلامها موضع التنفيذ فقامت بما يلي: أولاً، خاطرت بحياتها من أجل قضية أمتها وكانت على استعداد لأن تموت في سبيل حياة شعبها. ولا زالت كلماتها "إذا هلكتُ هلكتُ" ترنّ في آذاننا وقلوبنا. إن كلّ من ذاب قلبه محبةً للنفوس، على استعداد لأن يضحّي بنفسه من أجل الآخرين. قال بولس معبّراً عن رغبة قلبه من نحو أبناء قومه: "كنت أودّ لو أكون أنا نفسي محروماً من المسيح لأجل أخوتي أنسبائي حسب الجسد". وقال موسى مخاطباً الله من جهة شعبه "والآن أن غفرت خطيّتهم.. وإلاّ فامحُ اسمي من سفرك الذي كتبت". ثانياً، تعاونت مع ابن عمّها وجميع شعبها في شوشن على الصوم والصلاة لعلّ الله يليّن قلب الملك ويعطيها سؤلها (استير 4: 16). إن هكذا صلاة وصوماً لهما كل القوة والفاعلية عند الرب. ألم يقل سيدنا "إن اتّفق اثنان منكم على الأرض في أيّ شيء يطلبانه يكون لهما من قِبَل أبي الذي في السموات"؟ ألم يقل يعقوب أخو الربّ "طلبة البارّ تقتدر كثيراً في فعلها"؟ (يع 5: 16). استير صلّت وحصلت على ما أرادت. وكأن الله قال لها "بحسب إيمانك ليكن لكِ". وأخيراً، تذللت أمام الملك وتضرّعت إليه لكي يزيل شرّ هامان الذي دبّره ضدّ بني قومها وقد طلبت ذلك بكلّ لجاجةٍ من الملك (7: 3؛ 8: 3). فكان أن استجاب جلالته لطلبتها وأعطاها سؤلها. إن كان هذا هو شأن الملوك الأرضيين فماذا عسانا نقول عن ملك الملوك؟ ـ عن الآب السماوي الذي يعطينا كلّ ما نسأله باسم ابنه الحبيب؟ "الله الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضاً معه كلّ شيء؟". ليتنا نتمثّل باستير وبشخصيتها الفذّة وبإيمانها وجرأتها وغيرتها وطاعتها وتفانيها في سبيل الآخرين. |
||||
19 - 05 - 2020, 02:25 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شخصيات الكتاب المقدس
دانيال الذي عرف كيف يفتح ويغلق
سفر دانيال إذا أردت أن تعرف مقدار عظمة إنسان لا تسل عن ماله وثروته لا تسل عن علمه وثقافته لا تسل عن مقامه ومكانته لا تسل عن أصله ونسبته.. بل سل عن إيمانه فالرجل العظيم هو رجل الإيمان حتى ولو كان إيمانه بمقدار حبّة خردل. سرّ عظمة جورج مولر ـ الإيمان بالإيمان امتدّت يداه إلى ينابيع الغنى فارتوى وأروى سرّ عظمة مارتن لوثر ـ الإيمان بالإيمان حقق نصراً عظيماً فخلُص وخلّص سرّ عظمة إبراهيم ـ الإيمان بالإيمان تغرّب وتجرّب. وبالإيمان تبارك وبارك سرّ عظمة أخنوخ ـ الإيمان بالإيمان سار مع الله.. وأرضى الله.. فنقله الله وكذلك هو سرّ عظمة دانيال ـ التلميذ الذي كان الربّ يحبّه في العهد القديم. لذلك لا غرابة إن رأينا دانيال مع الرعيل الأول من رجال الإيمان الذين شرّفهم الوحي بتدوين أسمائهم على لائحة الشرف المعروضة في الفصل الحادي عشر من الرسالة إلى العبرانيين. فمع أنه لم يذكر باسمه، غير أنّ الوحي عناه هو بالذات حين قال: "بالإيمان سدّوا أفواه أسود.. " فهو عملاق من عمالقة الإيمان وبطل من أبطال الاتّكال وكوكب من كواكب الثقة وطود من أطواد اليقين وإليك الآن أيها القارئ مظاهر الإيمان في حياة هذا الشاب البطل. 1- دانيال صَبَر: لقد صبر صامتاً صامداً أمام الأحداث التي قُدّر له أن يجتازها. لم يتذمّر، ولم يتأفّف، ولم يشكَ بل وضع يده على فمه لأنّ الربّ قد فعل. وكان يؤمن أنّ الربّ الذي لم يتركه لن يتركه أبداً.. اختبر الذلّ بعد المجد ـ سموّ الأمير صار أسيراً ذليلاً اختبر التّعب بعد الرّاحة ـ سار مع لا يقلّ عن 1500 كيلومتراً اختبر الجوع بعد الشبع ـ عومل كأحد المسبيين الأسرى اختبر الحزن بعد الفرح ـ لقد سخروا منه وهزؤوا به اختبر الفراق وما أمرّه ـ ترك أهله وأحبّاءه ومعارفه ووطنه اختبر العداء بعد الصّداقة ـ فكم من مؤامرة حيكت ضدّه لكنّ دانيال صبر على الرّغم من هذه جميعها. لماذا؟ لأنه آمن بصحّة كلمة الله.. لأن الله قال بتشتيت شعبه إن لم يطيعوه، لأنّه أدرك أن كلّ الأشياء تعمل معاً للخير.. فلولا بابل لما عرفنا دانيال، لأنه عرف كيف يأخذ إلهه معه.. عكس الكثيرين من الشبان اليوم. 2- دانيال صمّم: لم تكن حياته على الهامش كبعض المؤمنين الذين تتقاذفهم التيارات بل كان رجل عزمٍ وتصميم. كان صاحب مبدأ وعقيدة لا يحيد عنهما. فقد صمّم أن يكون أميناً للربّ (والأمانة من الإيمان). تعهّد بذلك مرة وإلى الأبد. ولولا تصميمه هذا لانجرف مع التيار. فما أكثر المغريات في بابل لا سيّما لشاب في مقتبل العمر كدانيال.. إلاّ أنه نبذها نبذ النواة وضرب بها كلّها عرض الحائط. لم تغره بابل بأبراجها العالية، وهياكلها العظيمة، وتماثيلها الفخمة، وملاهيها ومسارحها وجنائنها المعلّقة، وأنهارها السلسبيلة. لم تغره مباهج الأمور الدنيوية بما فيها من جاه ومال وسلطان. لم تغره الأكثريّة.. بل آثر أن يكون بجانب الحقّ ولو كان مع الأقليّة. لم يغره مديح الناس.. بل كان يفضّل الموت على أن يخون الربّ. لم يغره طعام الملك ومشروبه.. لأنهما كانا ضدّ شريعة إلهه. لم يغره مسكنه الجديد ولا اسمه الجديد ولا عمله الجديد ولا لغته الجديدة. آثر الانفصال عن العالم وما فيه ليكون على اتّصال دائم بإلهه وأميناً له. وقد صمّم أن يكون أميناً أيضاً لرفاقه. كان يدرك أن الفتيان الثلاثة مرتبطون به، وأن نهجهم في الحياة سيكون على غرار نهجه سيّما وأنّه كان أكبرهم وقائدهم. لهذا اتّخذ موقفاً جازماً وحازماً إزاء الخطية والعالم. نعم لقد أظهر أمام رفاقه: شجاعةً نادرة وإيماناً رائعاً ومحبةً عظيمةً وكانت النتيجة أن رفاقه تحدّوا الملك بعد أن تحدّاهم الملك. 3- دانيال صلّى: كان يصلّي ثلاث مراتٍ يومياً سواء وُجدت أزمات أم لا.. وكان إذا صلّى يهزّ عرش الله من قوّة الإيمان. صلاة التصميم: لا شكّ أنه عندما جعل في قلبه أن لا يتنجّس بأطايب الملك.. صلّى شيئاً كهذا: "أتعهّد يا إلهي أن لا أخالف شريعتك وإرادتك ولو كلّفني ذلك حياتي". وقد نفّذ تصميمه هذا ولم يخشَ أمر الملك. صلاة طلب المعرفة: طلب من الملك وقتاً لكي يتمكّن من تعريفه السرّ. وذهب وأخبر رفاقه بالأمر. فجثا الفتيان الأربعة على ركبهم وأمسك كلّ منهم بقائمة من قوائم العرش الأربع وراحوا يهزّونه من حرارة صلواتهم، وإيمانهم بالإله القيوم. وما كان من الربّ إلاّ أن استجاب وكشف السرّ لدانيال المحبوب. صلاة لأجل أصدقائه: أصدر الملك أمره بطرح الفتيان الثلاثة في أتون النار. ومع أن دانيال كان في "باب الملك" لكنه لم يتوسّط لرفاقه عند الملك. ولماذا يذهب إلى الملك وهناك ملك الملوك؟ هم دخلوا أتون النار وهو دخل أتون الصلاة. وأستطيع أن أرى دانيال رافعاً يديه إلى السماء ويقول "يا ربّ قف إلى جانبهم ونجّهم". وإذا بالربّ ينـزل ليتمشّى بينهم وينقذهم من موتٍ أكيد". صلاة التحدّي: حاك أعداؤه مؤامرةً ضدّه لكي يقضوا عليه. وظنّوا أنهم نجحوا في خطّتهم. لكنّ دانيال الذي كان قلبه ثابتاً على الربّ، لم يعبأ بهم. فراح وفتح نوافذه وقلبه نحو أورشليم.. وصلّى.. فكان نصيبه مع الأسود. لكنّ الربّ نجّاه وأنقذ حياته. وهل نسي الربّ أمناءه؟ إن الذي يعرف كيف يفتح نوافذ الصلاة يستطيع أن يغلق أفواه الأسود. |
||||
20 - 05 - 2020, 07:03 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شخصيات الكتاب المقدس
يونان الذي كانت ساقاه أسرع من عقله
سفر يونان اختلفت الآراء بخصوص هرب يونان من وجه الربّ عندما دُعي ليُنادي على نينوى. فمنهم من قال أنه كان جباناً خاف من قساوة الشعب المرسل إليه. فمنهم من قال أنه كان شجاعاً خاطر بنفسه لأجل سلامة أمّته. ومنهم من قال أنه كان يهودياً متعصّباً لم يشأ أن يتعامل مع الوثنيين عبدَة داجون. قد لا نستطيع أن نجزم في السبب الحقيقي لفراره، لكننا نستطيع أن نؤكّد أنه كان في هربه عامداً متعمّداً: فالربّ أمره أن يذهب شرقاً أما هو فذهب غرباً. والربّ أمره أن يذهب براً أما هو فذهب بحراً. والربّ أمره أن يذهب إلى نينوى أما هو فذهب إلى ترشيش. والربّ أمره أن يذهب قريباً أما هو فذهب بعيداً. فماذا كانت النتيجة؟ وما حدث بعد ذلك؟ أولاً: بالنسبة لنفسه: 1- هبوط. وكان هبوطه على نوعين: هبوطاً روحياً. وقد ظهر هبوطه الروحيّ هذا أولاً بعصيانه الله. فالله قال له "قم اذهب.." (يونان 1:1) "فقام يونان..." ولكن بكلّ أسف لا لكي يذهب حسب أمر الربّ بل "قام يونان ليهرب.." (يونان 1: 3). ما أقبح هذه الخطية وما أمرّ نتائجها! أبونا آدم سقط فيها فجلب على نفسه وغيره الويلات. وأخونا يونان سقط فيها وجلب على نفسه وغيره الويلات. وكم من مؤمن يسقط فيها ويجلب على نفسه وغيره الويلات. فحذار يا أولاد الله! ثم ظهر هبوطه أيضاً في عدم إيمانه. فأين الإيمان في هرب يونان؟! "فقام يونان ليهرب.. من وجه الربّ". فهل الله موجود في جتّ حافر فقط؟ (ملوك الثاني 14: 25) أو هل الله موجود في فلسطين فقط؟ أو هل الله موجود في البرّ دون البحر؟ يظهر أن يونان نسي أو تناسى أن الله يملأ السموات والأرض. ويظهر أن يونان نسي أو تناسى المزمور 139: 7-10 الذي يقول: " أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب؟ إن صعدت إلى السموات فأنتَ هناك وإن فرشت في الهاوية فها أنتَ أن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر فهناك أيضاً تهديني يدك وتمسكني يمينك". فهرب إنسان من وجه أي إنسان ممكن وهرب إنسان من وجه أي جيش ممكن وهرب إنسان من وجه أية حكومة ممكن أما هرب إنسان من وجه الله ـ غير ممكن ومستحيل. وظهر هبوطه أيضاً في نومه في جوف السفينة. أوَلم يكن لك برهان للا شعور واللامسؤولية؟ أوَلم يكن ذلك محاولةً لإسكات صوت الله في قلبه وضميره؟ وهل هناك حالة انحطاط روحيّ أدنى من الحالة التي وصل إليها يونان؟ نام.. وجاء الأشرار ليوقظوه (1: 6) يا للعار! هبوطاً جغرافياً. وكان هبوطه هذا تدريجياً على فرار هبوطه الروحيّ الداخليّ. فنـزل من جت حافر إلى يافا (1: 3) ونـزل من يافا إلى السفينة (1: 3) ومن يعزم على الهرب من الربّ يوفر له الشيطان جميع وسائل النقل. ونـزل من السفينة إلى جوف السفينة (1: 5) ونـزل من جوف السفينة إلى جوف الحوت (1: 17) ونـزل وهو في جوف الحوت إلى جوف البحر (2: 3) ونـزل من جوف البحر إلى أسافل الجبال (2: 6) 2- قنوط. الهبوط ولّد فيه الفشل واليأس والقنوط. فالله غير راضٍ عنه والناس غير راضين عنه ولا هو راضٍ عن نفسه وهذه أصعب حالةٍ يمكن أن يصل إليها إنسان. لذلك عندما سأله البحارة عمّا ينبغي أن يفعلوه به شعر أنه صار "خَرْج كَبْ في البحر" فقال لهم: "خذوني واطرحوني في البحر...." (1: 12) بعبارة أخرى شعر، كما صرّح فيما بعد، أن موته خير من حياته (4: 3و8) وهكذا تمّ فيه قول الشاعر اللبناني: والذي لا خير منه يرتجى إن عاش أو مات على حدّ سوى ثانياً ـ بالنسبة للآخرين: 1- خسارة. كان ملاحو السفينة من الفينيقيين الذين عُرفوا منذ القديم بكونهم تجاراً وبحارةً ماهرين. فلا غرابة إذاً إن كانت السفينة مملوءةً بالشحنات والأمتعة الثمينة. فلمّا حدث النوء العظيم ـ غير الاعتيادي ـ على إثر عاصفة مجنونة خاف جبابرة البحر وهرعوا إلى شحناتهم يطرحونها بما فيها إلى البحر غير آسفين عليها لعلّهم ينجون. لكنّ مجهوداتهم بائت بالفشل، وكانت خسارتهم فادحة جداً. كلّ هذا كان بسبب إنسانٍ يغطّ في نوم عميق اسمه يونان (1: 12). 2- خطر. إنه لمن المحزن حقاً أن يصبح المؤمن خطراً لا خيراً. فوجود يونان كان بليّةً عليهم (1: 7) ووجود يونان كان مصيبةً عليهم (1: 8) فالسفينة كادت تنكسر والركّاب كادوا يموتون والملاّحون كادوا يهلكون أضف إلى ذلك أنه، بهربه وإهماله، عرّض نينوى للانقلاب وأهلها للعقاب. ومن يدري؟ ربّما كان ذلك قصده أي أن يتخلّص من نينوى التي كانت شوكةً في جسد إسرائيل وخطراً عليها. ولكن شكراً لله لأنه لا يسر بموت الخاطي بل أن يرجع الخاطي عن طريقه ويحيا. ثالثاً ـ بالنسبة لله: 1- نوء عظيم. وهل يسكت الله عن المؤمن النائم؟ وعن المؤمن الفاتر؟ وعن المؤمن الهارب؟ كلا، وألف كلا. بل سيهزّه هزّاً عنيفاً … وسيزداد الهزّ عنفاً إلى أن يستفيق من سباته ويرجع إلى نفسه. هذا ما فعله الربّ بيونان: أرسل ريحاً عظيمة ونوءاً عظيماً (1: 4 و 11 و13). وهزّ لا السفينة فقط بل يونان وقلب يونان وكيان يونان. إن كنت أيّها القارئ في حالة أشبه بحالة يونان اسمع ما تقوله كلمة الربّ: "إنّها ساعة لنستيقظ من النوم..". 2- حوت عظيم. لا أريد أن أتعرّض الآن إلى الناحية التي ترينا يونان في جوف الحوت 3 أيام و3 ليالي كصورة عن بقاء المسيح في جوف الأرض مدة مماثلة. بل أريد أن أنظر إليها من ناحية أخرى وهي أن الله أعدّ حوتاً عظيماً ليبتلع يونان وليُريه أنه ـ أي الله قادر أن يستغني عنه وعن خدماته لو أراد ذلك. فالخدمة امتياز بل شرف من الله لكلّ خادم مدعو منه، لأنّ الله لا يقبل أياً كان أن يكون خادماً له. فالذي يرفض هذا الامتياز سيرفضه الله من الخدمة لا من الخلاص. ألم يقل بولس: "أقمعُ جسدي واستعبده حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضاً". والحقّ يقال أن كثيرين ممن لم يقدّروا هذا الامتياز استغنى الله عن خدماتهم. لكن شكراً للربّ. فمع أنه كان باستطاعته أن يرفض يونان نهائياً لكنه أعطاه.. 3- فرصةً عظيمة: "ثمّ صار قول إلى يونان ثانيةً قائلاً: "قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة..". لكن متى؟ عندما اعترف للربّ (2: 7و8) عندما تاب للربّ (2: 9) عندما سلّم للربّ (2: 9) أخي المؤمن! كلّ ما كُتب كُتب لأجل تعليمنا.. (رومية 15: 4) وكل ما أصابهم هو لإنذارنا.. (كورنثوس الأولى 10: 11) فاتّعظ واعتبر لئلاّ تقع في ما أنت بغنى عنه. |
||||
23 - 05 - 2020, 06:19 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شخصيات الكتاب المقدس
السيد الخادم (يسوع)
إن من يريد أن يكتب عن يسوع ـ ولو عن ناحية واحدة من نواحي حياته الفريدة ـ وجب أن تكون ريشته مغموسة بخيال الشاعر وإلهامه بأجيج النبيّ وغيرته بعبقرية الفنان وإبداعه بوقار القديس وطهارته وأنّى لي هذه كلّها وأنا لست شاعراً ولا نبيّاً ولا فناناً..! ولو توفّرت هذه كلّها، هل أستطيع أنا المحدود أن أفي اللاّمحدود حقّه من الوصف والتحليل؟ إن كنت أحاول ذلك فأنا أحاول المستحيل. هل يستطيع العقل ـ مهما نبغ ـ أن يستوعب العلم كلّه؟ هل يستطيع الصدر ـ مهما اتّسع ـ أن يستنشق الهواء كلّه؟ هل تستطيع الحياة ـ مهما تنوّعت ـ أن تمتصّ النور كلّه؟ فأنا منذ الآن مقرٌّ بعجزي وتقصيري. لو كان يسوع كإبراهيم لهان الأمر ـ لكنّ يسوع أعظم من إبراهيم … إبراهيم أبو المؤمنين أما يسوع فهو ربّ المؤمنين. لو كان يسوع كيعقوب لسهل الوصف ـ لكنّ يسوع أعظم من يعقوب (بالإذن من السامرية) … يعقوب هو إسرائيل أما يسوع فهو إيل لو كان يسوع كيونان لباشرت بالتحليل ـ لكنّ يسوع أعظم من يونان … يونان هو مرسَل أما يسوع فهو مرسِل لو كان يسوع كموسى لبادرت إلى الكتابة ـ لكنّ يسوع أعظم من موسى … موسى هو خادم الناموس أما يسوع فهو ربّ النعمة لو كان يسوع كسليمان لما ترددت لحظةً ـ لكنّ يسوع أعظم من سليمان … سليمان هو الحكيم أما يسوع فهو الحكمة لو كان يسوع كالهيكل لما ارتبكت أو حرت ـ لكنّ يسوع أعظم من الهيكل … الهيكل معبد أما يسوع فهو معبود لو كان يسوع كالأنبياء لما توانيت لحظة ـ لكنّ يسوع أعظم من الأنبياء إذ "له يشهد جميع الأنبياء" لكنّ يسوع هو … يسوع هو شمس مشرقة لا تعرف غروباً هو كوكب وضّاء لا يعرف أفولاً فمن أين أبدأ وأين أنتهي؟ لا أدري ـ لكنّي سأحاول، لعلّي في ما أكتب أستطيع أن ألمس الأهداب القدسيّة. وسنحصر اهتمامنا هذه المرة بالخدمة السيّديّة. فمع أنّه إله الآلهة.. ومعلّم المعلّمين.. وسيّد الأسياد.. وملك الملوك.. وربّ الأرباب.. وشخصيّة الشخصيات.. إلاّ أنه كان خادماً. وكانت خدمته قائمة على أركان ثلاثة. 1- هدفه: لم يكن يسوع في خدمته يخبط خبط عشواء بل كان له هدف يعمل في سبيله. وهنا سرّ النجاح. فحيث لا هدف لا نتيجة والعكس بالعكس. فلمّا أطلق يسوع سهام خدمته ـ الواحد بعد الآخر ـ لم تخطئ قيد شعرة بل سارت نحو هدفها وانغرزت في قلبه. وهدفه هذا كان مثلوثاً. (1) أن يخدم العقل ـ بتعاليمه وعظاته الخالدة. فالعلم غذاء العقل على طبق المنطق. نعم هو لم يكتب لكنّه تكلّم وعلّم. وأنّى للدهور أن تأتي بمثله. هو الذي اندهشت الجموع من تعليمه. هو الذي لم يتكلّم إنسان مثله قط! هو الذي قيل عنه أيّ إنسان هذا؟ هو الذي تكلّم فأسكت.. أفصح فأدهش. هل من عظةٍ أعظم من عظته على الجبل؟ هل من صلاةٍ أعمق من صلاته الربّانية؟ هل من قاعدةٍ أسمى من قاعدته الذهبيّة؟ فيسوع عرف أنّ الطريق إلى القلب تبدأ بالعقل؟ لذلك أخذ يعلّم ويعظ في كلّ مناسبة سانحة. علّم في المجامع والشوارع.. في البرّ والبحر.. في السهل والجبل.. في الصباح والمساء.. علّم الكبار والصغار.. الرّجال والنساء.. الفقراء والأغنياء.. المتعلّمين والأميين.. (2) أن يخدم الجسد ـ بأعماله الرحيمة الخيّرة. أليس هو الذي كان يجول وصنع خيراً.. ومن أجدر منه بذلك؟ ألم يكن المحبة مجسّمة؟ ألم يكن الرحمة مجسّدة؟ فكم من فقير أنجد! وكم من جائع أشبع! وكم من ميت أقام! ألوف تشهد على ما أقول: بارتيماس... لعاز.. قائد المئة.. البرص.. نازفة الدم.. الخمسة آلاف.. قانا الجليل.. نايين.. وكثيرون وغيرهم. كان يسوع يقدّر الجسد حقّ قدره. ولو أنهي يأتي في المرتبة الثانية بعد النفس، غير أنّه يجب ألاّ يُهمل ويُحتقر. فالجسد يمكن أن يُحوّل من كتلة نجاسة إلى هيكل مقدّس. (3) أن يخدم النفس ـ بنعمته المخلِّصة. "النعمة والحقّ بيسوع المسيح صارا". هذه هي ذروة هدف يسوع ـ خلاص النفس البشرية وفكّ أسرها وتحطيم أغلالها. "لأنّ ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلّص ما قد هلك". وبالفعل كان يسوع رابح نفوس عظيماً. ذات صباح خلّص الزانية وذات مساء خلّص بطرس وذات نهار خلّص السامرية وذات ليل خلّص نيقوديموس وذات ساعة خلّص زكّا وذات لحظة خلّص اللّص يسوع هو المخلّص الوحيد "وليس بأحدٍ غيره الخلاص". لم نسمع قطّ إنساناً يقول أنّ نبياً أو ملكاً أو كاهناً خلّصه، ولكن ما أكثر ما سمعنا إنساناً يقول أنّ يسوع خلّصه. كان في حركةٍ مستمرّة وجهدٍ متواصل وخدمةٍ متفانية، فلا كسل، ولا ملل، ولا فشل، بل عمل في عمل. لم يدخل قريةً إلاّ وأجرى فيها تغييراً لم يدخل بيتاً إلاّ وأجرى فيه انقلاباً لم يدخل قلباً إلاّ وأجرى فيه تجديداً 2- أسلوبه: يمكننا أن نلخّص أسلوب يسوع بثلاث كلمات: (1) بساطة (2) عمق (3) سلطان في ما يتعلّق بالبساطة فقد استخدم يسوع أبسط الأشياء ليُعلّم. لكنّه، كما قال أحدهم في تأبين الشاعر جولد سمث "ما لمس شيئاً إلاّ وزاده رونقاً". تكلّم عن الزارع والتاجر.. عن الملح والنور.. عن الزنابق والطيور.. عن الدرهم والخروف.. عن الخميرة والخردل.. كلّها أشياء معروفة ومألوفة. وقد استعملها يسوع خصيصاً تجنّباً لكلّ تعقيد أو سوء فهم. فما أبسط كلماته وما أعمق ما ترمي إليه إيضاحاته!! ففي حديثه عن الزارع علّم عن كلمة الله وفي حديثه عن الخروف الضالّ علّم عن محبة الله وفي حديثه عن الزنابق والطيور علّم عن عناية الله وفي حديثه عن الخميرة والخردل علّم عن ملكوت الله هل من حقائق أعمق من هذه.. وأسمى وأهم؟ أما سلطانه فقد شهد له به أعداؤه ـ والفضل ما شهدت به الأعداء. فهو صاحب السلطان الذي دُفع إليه كلّ سلطان ممن في السماء وعلى الأرض. أظهر سلطانه: على الإنسان والحيوان والنبات على العالم الطبيعي والروحي والأدبي وعلى الأحياء والأموات قال للأمواج المزبدة أن تهدأ فهدأت قال للأعاصير الصاخبة أن تسكت فسكتت قال للتينة المورقة أن تيبس فيبست قال للديك أن يصيح فصاح قال للسمكة أن تحضر فحضرت قال للموتى أن يقوموا فقاموا قال للمرضى أن يشفوا فشفوا قال للأرواح أن تخرج فخرجت قال للخطايا أن تُغفر فغُفِرت نعم، كان يسوع يفعل كلّ شيء "بسلطان وليس كالكتبة" 3- شخصه: كنّا نحتاج إلى مجلّدات لنكتب عن شخصه المنقطع النظير، لكننا نكتفي هنا بالنذر اليسير فنتكلّم عن صفتين لا غير. (1) عصمته (2) قدوته - كانت حياته خلواً من الخطية والخطأ. كان والخطية على طرفي نقيض. والفرق بينهما هو كالفرق بين النور والظلمة بين الخير والشرّ بين الحقّ والباطل بين النعيم والجحيم كانت حياته أكثر صفاءً من البلور وأكثر بياضاً من الثلج وأكثر نقاءً من النقاوة. وما أكثر الذين اعترفوا ويعترفون بذلك من أعداء وأصدقاء.. من رسل وأنبياء.. من قديسين وأتقياء.. فإذا كان على فم شاهدين أو ثلاثة تقوم كلّ كلمة، فما عسانا نقول عن يسوع الذي يربو عدد شهوده على الألوف الملايين!؟ يهوذا شهد لبراءته وقال: سلّمت دماً بريئاً زوجة بيلاطس شهدت لبرّه وقال: إيّاك ولك البارّ اللّص شهد لقداسته وقال: لم يفعل شيئاً في غير محلّه أشعياء شهد لعصمته وقال: لم يعمل ظلماً ولم يكن في فمه غشّ بطرس شهد لطهارته وقال: حمل بلا عيب ولا دنس بولس شهد لكماله وقال: لم يعرف خطية كلّ الآباء والأنبياء عثروا وسقطوا كلّ الرسل والأتقياء زلّوا وأخطأوا نوح سكر.. إبراهيم كذب.. يعقوب احتال.. موسى قتل.. شمشون اشتهى.. داود زنى.. سليمان عبد الأصنام.. بطرس أنكر سيّده.. توما شكّ في القيامة.. يوحنّا أراد الانتقام.. أما يسوع فمن يستطيع أن يبكته على خطية؟ إنه كمال الكمال، وطهارة الطهارة، وقداسة القداسة. - وقد كان يسوع قدوةً ومثالاً من حيث أنّ حياته كانت منسجمةً مع "حكياته". لم يفه بكلمة ولم يعلّم شيئاً إلاّ وطبّقه على حياته. ولشدّة ما كان يكره رياء المرائين الذين كانوا يعلّمون شيئاً ويعيشون شيئاً آخر. فقد وبّخهم مراراً وتكراراً. أما هو فكان واحداً في القلب والقالب في الباطن والظاهر في الداخل والخارج علّم عن القداسة فعاش حياة القداسة والكمال علّم عن المحبّة فأحبّ أعداءه وصلّى لأجلهم علّم عن التواضع فغسل أرجل تلاميذه علّم عن الغفران فغفر لقاتليه وصالبيه هل هذا يُقال له إنسان يا قوم؟ هل هو مجرّد نبيّ أو رسول؟ كلاّ وألف كلاّ. فمع أنّه خدمني، وما زال.. إلاّ أنّه ربّي وإلهي. |
||||
26 - 05 - 2020, 08:15 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شخصيات الكتاب المقدس
المرأة الفينيقية التي بيّضت وجه لبنان
مر 7: 24-30 حين نفكّر بيسوع المسيح نرجع بأفكارنا إلى فلسطين. ففي فلسطين وُلد المسح وفي فلسطين عاش المسيح وفي فلسطين خدم المسيح وفي فلسطين صُلب المسيح وفي فلسطين مات المسيح وفي فلسطين قام المسيح غير أنّ المسيح لم ينسَ لبنان، بل شمله بعطفه ولطفه، بحنانه واهتمامه: جاء إلى تخوم صور وصيدا (لبنان الجنوبي) فرأى شيئاً: أثلج صدره وأبهج قلبه وأثار دهشته وإعجابه. رأى إيماناً عظيماً. ولا شيء يثير إعجاب يسوع وتقديره وفرحه أكثر من الإيمان العظيم. هل تعرف أيها القارئ العزيز أين رأى يسوع هذا الإيمان؟ رآه في امرأة وثنية فينيقية. فمع أنها بسيطة في مظهرها أمية في علمها ضعيفة في قوتها فقيرة في عيشتها لكنّها كانت عظيمة.. في إيمانها. وهنا سرّ العظمة الحقيقية. فإذا أردتَ أن تعرف مقدار عظمة إنسان: لا تسل عن جماله وأناقته لا تسل عن اسمه وسمعته لا تسل عن علمه وثقافته لا تسل عن أصله ونسبته لا تسل عن لونه وبشرته لا تسل عن ماله وثروته لا تسل عن لسانه ولغته لا تسل عن نفوذه وقوّته لا تسل عن أخلاقه وصفاته لا تسل عن بلاغته وفصاحته لا تسل عن ميوله واتجاهاته لا تسل عن برامجه ومشاريعه لا تسل عن عمره وفتوّته لا تسل عن آرائه وفلسفاته لا تسل عن إحساناته وحسناته لا تسل عن أعماله وإنجازاته لا تسل عن مؤيديه وشعبيته لا تسل عن سياساته واجتماعياته لا تسل عن سفراته ورحلاته لا تسل عن مقامه ومكانته بل سَلْ عن شيء واحد وحيد. سلْ عن إيمانه. فالرجل العظيم هو رجل الإيمان، حتى ولو كان إيمانه بمقدار حبّة خردل. هذه المرأة كانت من هذه العيّنة ومن هذا الطراز ـ من ذوي الإيمان العظيم. ورجائي أن تكون أنت كذلك. وإليك الآن نوعية هذا الإيمان: كان إيمانها عظيماً أولاًـ لأنها آمنت بيسوع المسيح، والإيمان هو تسليم واستسلام للمسيح، كما يستسلم المريض للطبيب. فهو ليس مجرّد تصديق عقليّ ولا عقائد موروثة عن الآباء والأجداد بل: اقتناع شخصيّ وتسليم طوعيّ واختبار داخليّ وهكذا كان إيمان هذه المرأة: سمعت عنه آمنت به وذهبت إليه سمعت أنه صانع الآيات ومؤتي الأعاجيب: يشفي المرضى ويخرج الأرواح بكلمة. وآمنت أنه يقدر أن يمنح الصحّة والشفاء لابنتها التي كسرت قلبها. فقصدته وأخبرته عن حاجتها قائلةً: "ارحمني يا سيّد يا ابن داود. ابنتي مجنونة جداً". وهكذا نفضت عنها غبار عبادة الأصنام. هذه هي خطوات الإيمان في كلّ عصر وآن. وليس ثمّة طريقة أخرى في الكتاب المقدّس. وكان إيمانها عظيماً ثانياً ـ لأنها آمنت الإيمان الذي صمد في وجه الامتحان. يدّعي الكثيرون من الناس أنّ لهم إيماناً وأنّ إيمانهم عظيم. ولكن ما أن يتعرّض إيمانهم لامتحانٍ قاسٍ حتى يتداعى وينهار فوراً. الإيمان الذي نقصده هنا هو أشبه بالذهب مع أنّه أثمن من الذهب. فهو لا يُعرف إلاّ بالمحكّ الذي وحده يحكم بصحّته أو عدمها. وهكذا كان الحال مع هذه المرأة. فقد تعرّض إيمانها لامتحان صعب من المسيح وتلاميذه. صرخت إلى يسوع فلم يجبها بكلمة. ولكثرة لجاجتها انـزعج التلاميذ منها وطلبوا إلى المسيح أن يصرفها. وفوق هذا أخذ يسوع يوجّه إليها كلماتٍ محرجة صعبة بقصد امتحانها. قال لها: "لم أرسل إلاّ إلى خراف بيت إسرائيل الضالّة" لكنّها جاءت وسجدت له قائلةً: "يا سيّدي أعنّي". فقال لها: "ليس حسناً أن يُؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب". فقالت: "نعم يا سيّد. والكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها"، أي "أنا أرضى أن أكون ككلب، لأنّ الكلب يُصيبه شيء من الخبز المتساقط عن المائدة" فهي لم تيأس ولم تفشل ولم تتراجع. بل على العكس صمدت في وجه الامتحان وبقيت تطلب من الربّ الرحمة والعون. وهذا ما أثار دهشة المسيح. يا للإيمان العظيم يا للجوهرة النفيسة يا للنرجسة الفوّاحة ويا للزنبقة البيضاء، تنبت في أرضٍ مليئة بالأتربة والأشواك والأوحال. إن هذه المرأة تخجلني وتجعلني أضع رأسي في التراب وأقول: يا ربّ زدْ إيماني. وكان إيمانها عظيماً أخيراً ـ لأنها آمنت الإيمان الذي ينال. فالإيمان الذي لا ينال شيئاً ليس إيماناً بل ليس شيئاً. ألا يقول الكتاب عن أبطال الإيمان أنهم "قهروا ممالك، صنعوا برّاً نالوا مواعيد.. " (عبرانيين 11: 33). هابيل نال رضى الله. أخنوخ نال عدم موت. نوح نال البرّ الذي بحسب الإيمان. سارة نالت قدرة على إنشاء نسل. موسى نال دعوةً من الله للخدمة. إبراهيم نال الميراث الذي وعده به الله. راحاب نالت نجاة هي ومن لها، وهذه الفينيقية أيضاً: نالت مديحاً من المسيح: "يا امرأة عظيمٌ إيمانك". نالت شفاءً لابنتها: "ليكن لكِ كما تريدين". ونالت حياةً لنفسها.. وكلّ مَن يُؤمن ينل ولا يخرج فارغاً من عند الربّ. أخي القارئ! هذه امرأةٌ فينيقية لبنانية أُعجب المسيح بإيمانها جداً. وهو يقول لنا اليوم: أيُها اللبنانيون كونوا كهذه اللبنانية أيها الشرقيّون كونوا كهذه الشرقيّة ليكن لكم إيمانٌ عظيم كإيمانها وليكن لكم كما تريدون.. |
||||
04 - 06 - 2020, 07:07 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شخصيات الكتاب المقدس
يوحنّا المعمدان
آثر أن يكون بلا رأس على أن يكون بلا ضمير مت 3 وما بعده لم يقم نبيّ بعد ملاخي إلى أن جاء يوحنّا المعمدان. وبمجيئه أُسدل الستار على حوادث العهد القديم ليرفع ستار آخر يكشف لنا عن حوادث جليلة في تاريخ العهد الجديد. فكان كالجسر الذي يُعبر عليه من ضفة العهد الأول إلى الضفة المقابلة من العهد الثاني. يوحنا هذا هو الذي ذكره يوسيفوس المؤرّخ باسم "المعمدان". جاء كسفير وكفاتح طريق أمام المسيح. فكما كان يسير "القوّاص" قديماً في طليعة موكب الملك، هكذا سار يوحنا معلناً قدوم ملك الملوك. قال فيه أشعياء: "صوت صارخ في البرية. أعدّوا طريق الربّ. قوّموا في القفر سبيلاً لإلهنا". وقال ملاخي: "ها أنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الربّ ـ اليوم العظيم والمخوف". وقال فيه المسيح نفسه، له المجد: "الحقّ أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان. ماذا خرجتم لتنظروا. أنبيّاً؟ نعم أقول لكم وأفضل من نبي". إنّ حياة يوحنا مملوءةٌ بالدروس المفيدة والنافعة لنا كمؤمنين. ولا يجوز أن نمرّ بهذه الشخصيّة مروراً عابراً، بل بالحري يجب التأمّل بنواحيها المختلفة، حتى ندرّب ذواتنا على التمثّل برجال الكتاب المقدّس، ومن ثم نصير نحن مثالاً للآخرين. إليك بعض ما جاء عنه في الكتاب: 1- كان شعاره "نكران الذات": إنّ أكبر معطّل في حياتنا كمؤمنين هو "الذات". فالذات تريد أن تتدخّل في كلّ أمر لكي يظهر صاحبها وكأنه شيء، وهنا المشكلة. الذات أدّت بعيسو إلى النّدم والهلاك الذات أدّت بالناموسيّ إلى الرجوع إلى الوراء الذات أدّت بالتلاميذ إلى النـزاع والخصام قال يسوع: "إن أراد أحدٌ أن يأتي ورائي فليُنكر نفسه (ذاته)" والقصد من هذا هو أنه يُريدنا أن ندرك حقيقة نفوسنا، أو بعبارة أخرى يُريدنا أن نرى أنفسنا لا بمنظارنا بل بمنظاره هو. لقد عبّر إبراهيم أبو المؤمنين عن هذه الحقيقة إذ كان يُخاطب الله بقوله: "قد شرعت أُكلّم المولى وأنا ترابٌ ورماد". وقد ثنّى على هذا الكلام النبيّ أشعياء بقوله: "كفّوا عن الإنسان الذي في أنفه نسمة لأنّه ماذا يحسب"؟ لكن بكلّ أسف نرى "الأنا" بين الفينة والأخرى تطلّ برأها معلنةً أنّها ما زالت موجودة: في لباسنا، في أكلنا وشربنا، في كلامنا، في سلوكنا وتصرّفنا، في مشيتنا وفي علاقاتنا مع الآخرين. اللهمّ حطّم "الأنا" من حياتنا مبتدئاً فيَّ. كان يوحنّا متواضعاً ولم يسمح للذات أن تتمركز في حياته. فآيته المشهورة "ينبغي أنّ ذلك يزيد وأني أنا أنقص" تتردّد دائماً في مسامعنا معلنةً إخفاءه، لكي يظهر المسيح ويتمجّد. وقوله "بأتي بعدي مَن هو أقوى منّي الذي لست أهلاً أن أنحني وأحلّ سيور حذائه" لهو دليلٌ ساطع على صحّة ما نقول. وإذا ما تعرّضنا للناحية الخارجية من حياة يوحنا نجدها مرآةً لما تنطوي عليه جوانحه. فمن جهة لباسه يقول الكتاب: "كان لباسه من وبر الإبل وعلى حقويه منطقة من جلد". من جهة طعامه "كان طعامه جراداً وعسلاً برياً". هذا هو يوحنّا بقلبه وقالبه: رجل التواضع ونكران الذات. 2- كان شجاعاً مقداماً: لم يكن قصبة مرضوضة تحرّكها الريح بل عاصفةً قوية تقتلع الأشجار. لم يخشَ في الحقّ لومة لائم، لذلك كان لخدمته أثرها الفعّال. وقف في يوم من الأيّام أمام أكبر وأشهر طائفتين يهوديّتين: الفرّيسيين والصّدوقيّين، وأخذ يوبّخهم على ريائهم وأنانيّتهم وسلوكهم الملتوي بأعنف ما يكون التوبيخ: خاطبهم بـ"أولاد الأفاعي"، وذلك لأنّ وجه الشبه بينهم وبين الأفاعي هو نعومة الملمس من ناحية والسمّ القاتل من ناحيةٍ أخرى. ربّما نظنّ أنّ يوحنّا أظهر شجاعته في البريّة بين أقوام بسطاء فحسب ولكن لا. إنّ يوحنّا "البرية" هو يوحنّا "القصر الملكيّ". فكما وقف الفتيان الثلاثة في وجه نبوخذ نصّر وكما وقف دانيال في وجه بيلاشاصّر وكما وقف إيليا في وجه آخاب هكذا وقف يوحنّا أمام هيرودس وحذّره من مغبّة عمله الشرير وقال له: "لا يحلّ أن تكون لك امرأة أخيك". قد تستغرب أيّها القارئ هذه اللّهجة، ولكن يجب أن تعلم أن مسايرة الخطيّة هي مسايرة على حساب الله حتى ولو كان صاحبها "جلالة الملك". علينا كأولاد الله أن نتجنّب لغة "كلّمونا بالناعمات" ونكون جريئين صريحين غير متساهلين مع الخطيّة. 3- كان بارّاً وقدّيساً (مرقس 6: 20) وهناك أسباب عدة. لذلك: - كان أبواه بارّين أمام الله سالكين في جميع وصايا الربّ وأحكامه بلا لوم. (لوقا 1: 6). - كان ابن الصلاة. كانت أمّه عاقراً ولذلك كانت تصلّي مع أبيه كي ينعم عليهما بمولود. فكان أن استجاب الربّ لهما وأبلغهما الاستجابة على لسان الملاك: "لا تخف يا زكريا لأنّ طلبتك قد سُمعت وامرأتك اليصابات ستلد لك ابناً". (لوقا 1: 13). - كان نذيراً للربّ ـ إحدى علامات النذير هي أن لا يشرب مسكراً ولا خمراً (لوقا 1: 15 ؛ عدد 6: 2،3) وهذا من أسرار العظمة ـ التكريس لله ـ. - كان ممتلئاً بالرّوح القدس. وهذا هو السبب الرئيسيّ في صيرورته قدّيساً. إنّ حاجتنا كمؤمنين هي أن ننمو في حياة القداسة يوماً بعد يوم. وكلّما نمونا كلّما ازددنا شبهاً بالربّ يسوع، وهذا هو المطلوب: "نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضاً قدّيسين في كلّ سيرة"، "مَن قال أنّه ثابتٌ فيه ينبغي أنّه كلّما سلك ذاك يسلك هو أيضاً". أعنّا يا إلهنا لكي نتغيّر إلى شبه صورة المسيح. |
||||
04 - 06 - 2020, 07:12 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شخصيات الكتاب المقدس
الابن الضّال: خرّيج مدرسة الخنازير
لو 15: 11-32 كان شاباً تضحك الدنيا له: قويّ البنية، مشيق القامة، طلق المحيّا، جميل الصورة وفي ريعان الصبا. كان يسكن مع أبيه وأخيه الأكبر في قصر ريفيّ تُحيط به البساتين والمزارع والحقول. كان يرتع في نعمة، يحسده عليها المئات والألوف، وفي عيشةٍ راغدة هي أشبه بعيشة الملوك والأمراء. فهناك الجاه والرفاه وهناك الغنى والمنى وهناك الإكرام والاحترام وهناك الحماية والكفاية وهناك الخدم والحشم وهناك السرور والحبور وفي ذات يوم، وبينما هو غارقٌ في تفكير عميق، جاءه الشيطان وعلى ثغره ابتسامة وهمس في أذنه بضع كلمات، كلّها دهاء وإغراء، كانت شديدة الوقع والأثر على قلبه وعقله. ولكثرة مراوغته وشيطنته بدأ معه كالمعتاد بالأسئلة بقصد التظاهر بالبراءة والرّغبة في عمل الخير! لماذا تعيش في قصرٍ ضيّق والعالم أمامك واسع؟ لماذا تبقى في قريةٍ صغيرة والمدن الكبيرة كثيرة؟ لماذا تحيا تحت سيطرة أبيك وبإمكانك أن تكون حرّاً؟ وهنا غمزه الشيطان وقال: لماذا الحرمان.. وهناك كلّ ما تشتهيه نفسك؟ اترك أباك وأخاك، بيتك وقريتك واذهب إلى المدينة ومتّع نفسك وشبابك بالملاهي والمقاهي.. بالتياترات والحفلات.. بالشراب والملذّات.. وهنا أخذ صديقنا المغرور يسبح في بحرٍ من الخيال والخيال، كما نعلم هو غير الواقع. فهو يُضخّم الحقائق والأمور فتظهر مغريةً جذّابة، ويصوّر الأشياء النظريّة كأنّها عملية. وهذا، لا شكّ، يُبهج القلب ويُفرحه. فتصوّر نفسه حرّاً طليقاً يفكّر كما يشاء يفعل كما يشاء يحيا كما يشاء وتصوّر نفسه محطّ الأنظار والأبصار موضوع احترام الناس موضوع مديح الناس موضوع حديث الناس وتصوّر نفسه يُغمر بسيل من الألقاب يا بك يا باشا يا افندم وتصوّر نفسه يغرف من بحر الملذّات والشهوات الشبابيّة. صورٌ تتلوها صور مرّت في ذهنه وخياله. وهكذا تغلب عامل الإغراء على عامل البقاء ووقع أخونا في الفخّ.. فتمّ فيه قول رجل الله توما الكمبيسي: إنّ التصوّر هو أوّل خطوةٍ في التهوّر. وكانت النتيجة أنه سقط في الخطيّة حاول صاحبنا أن ينفّذ كلّ ما تخيّله عقله. فنهض لساعته وطلب نصيبه من الميراث، وهو ثلث ما يملكه الأب. ثمّ ترك البيت، ربّما من غير كلمة اعتذار أو قبلة وداع، غير آبهٍ بتوسّلات ودموع أبيه. وذهب إلى مدينةٍ بعيدة. ولماذا بعيدة؟ لكي يتسنّى له أن يفعل ما يشاء وهو بعيد عن أعين الرقباء. وهناك التصق بزمرة من الأصدقاء والعشراء الأردياء فأفسدوه. والمعاشرات الرديّة تفسد الأخلاق الجيدة. فانصاع لغرائزه وشهواته، ولم يمنع شيئاً حلالاً كان أم حراماً حتى غرق إلى ما فوق رأسه في الشرّ. فصار يسهر ويسكر (15: 13) وصار يعهر ويبطر (15: 30) حتى بذّر كلّ ما كان له. حقاً "الخطيّة خاطئةٌ جداً". إنّها شرّ ومرّ. فهي تنجّس و(تجرّس) و(تفلّس) والإفلاس قاده إلى الخواء وأنا أعني الجوع. بحث عن المال فلم يجد في جيبه شيئاً منه لأنّه كان قد طار. بحث عن الأصدقاء الذين صرف قسماً كبيراً من ماله عليهم فوجد أنّهم قد طاروا. فماذا يفعل؟ جائع. وحيد. كاد عقله يطير. انتظر أياماً قليلة لكنّ حالته كانت تزداد سوءاً. فضمر جسمه وشحب لونه وبرزت عظامه وجحظت عيناه وخارت قواه واتّسخت ثيابه.. حتى صار أشبه بالشحّاذين. تمنّى لو كان بإمكانه أن يأكل خرنوباً كالخنازير فلم يعطه أحد. وأخيراً وجد باباً واحداً للتخلّص من الموت والهلاك ألا وهو رعاية الخنازير. كانت الخنازير خير معلّم له لأنّه رأى نفسه فيها رأى الخنازير تتمرّغ في الأوساخ فقال: هذا أنا رأى الخنازير تنظر إلى الأرض فقال: هذا أنا رأى الخنازير كريهة الرّائحة فقال: هذا أنا رأى الخنازير قبيحة الشكل والمنظر فقال: هذا أنا رأى الخنازير تأكل الخرنوب فقال: هذا أنا. فصمم على الخلاص وكان هذا على ثلاث درجات: 1- ثاب: "رجع إلى نفسه". العبارة نفسها قيلت على بطرس بعد أن كان نائماً في السجن (أعال 12: 11). أي أنّه رجع إلى عقله ورشده بعد أن كان غارقاً في نوم الخطية وأخذ يُقارن الأمور بعضها ببعض. وقال في نفسه شتّان ما بين أبي وهذا الحقل الذي أرعى فيه شتّان ما بين خدّام أبي وهذا الحال الذي أنا فيه شتّان ما بين خبز أبي وهذا الخرنوب الذي أنا أشتهيه شتّان ما بين الأنغام الموسيقية وصوت الخنازير الكريه 2- تاب: "أقوم وأذهب إلى أبي" أي أنّه صمم على وضع حدّ لحياته تلك والإقلاع عن الخطيّة وتركها إلى غير رجعةٍ. 3- آب: "فقام وجاء إلى أبيه". كان راجعاً وهو يركض كمن يركض لحياته رجلاه داميتان ثيابه رثّة بطنه فارغ شعره مشعّث ولما أصبح على مسافةٍ من بيت والده خارت قواه ولم يعدّ يقوى على الركض أو السير فجلس يبكي وينتحب ويتمتم قائلاً: أخطأت.. أخطأت.. أخطأت.. فلمّا رآه أبوه تحنن وركض ووقع على عنقه وقبّله وقبّله. وعلى الفور اعترف الابن بما اقترف وأظهر عن انكسار وانسحاق أمام أبيه. وعندئذٍ الأشياء العتيقة مضت وأصبح كلّ شيء جديداً. كان عرياناً فأخرجوا له الحلّة الأولى كان حافياً فألبسوه حذاءً جديداً كان ذليلاً فجعلوا خاتماً في يده كان جائعاً فقدّموا له العجل المسمّن كان ميتاً فعاش كان ضالاً فوُجد أخي القارئ! إن كنتَ في حالةٍ أشبه بحالة الابن الضالّ أريد أن أُؤكّد لك أن من ابتعد وغاب.. إذا تاب وآب.. قبِلَهُ الآب.. بكلّ ترحاب… |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
شخصيات من الكتاب المقدس |
نوح شخصيات الكتاب المقدس |
من شخصيات الكتاب المقدس-نوح |
شخصيات الكتاب المقدس 1 |
شخصيات من الكتاب المقدس |