ثم في ميلاد العام 361 حدث ما شكّل لغريغوريوس صدمة. فجأة أمسكوه وحملوه إلى الكنيسة حملاً وألزموه أن يصير كاهناً. لم يكن بإمكانه لا أن يرفض ولا أن يهرب فسلّم أمره لله ورضخ للأمر الواقع الذي أسماه، فيما بعد، "عمل استبداد روحي". لكنه لم يثبت أكثر من اثني عشر يوماً هرب بعدها إلى صديقه في إيبوره، فأقنعه صديقه بضرورة العودة فعاد صاغراً في عيد الفصح من السنة التالية 362م. وقد دافع عن نفسه في خطبة تعتبر من أجلّ ما قيل في الكهنوت ومنها استقى القدّيس يوحنا الذهبي الفم مقالته في الموضوع نفسه. كيف دافع غريغوريوس عن موقفه؟ تحدّث عن رفعة الكهنوت وواجباته ومخاطر الخدمة الكهنوتية. القداسة شرط الدنو من الهيكل والمثول أمام الله، سيّد الطهارة. ليس أقسى من أن يسوس المرء ضمائر الناس ويعالج أدواء النفوس. لا بد من الفضيلة والعلم للقيام بهذه الأعباء المقدّسة وتلبية حاجات المؤمنين ودحض المفاسد. فمن حق غريغوريوس أن يضطرب إزاء جسامة المسؤولية وأن يسعى إلى إعداد نفسه لخدمة الهيكل بالصلاة والنسك والتأمل. "لا بد للمرء أن ينقّي نفسه قبل أن ينقّي غيره، وأن يصبح حكيماً قبل أن يحمل الآخرين إلى الحكمة، وأن يصير نوراً قبل أن يعطي النور، وأن يدنو من الله قبل أن يحملهم إليه وأن يتقدّس قبل أن يقدّس الآخرين، وأن تكون له يدان قبل أن يقود الآخرين باليد وأن تكون له حكمة قبل أن يتكلم بحكمة". وقد أفصح غريغوريوس أن شعوره بعدم الاستحقاق هو السبب الأول لفراره وإنه إذ يعود ليقبل الكهنوت، لا يعود لشعوره بأنه بات مستحقاً بل لاشتياقه إلى شعب نزينزة ولوالديه المسنّين ولأنه لا يجوز أن يقاوم أحد دعوة الله له. فها قد عاد كيونان راجياً أن تشدّده الطاعة وتزوِّده بالنعمة اللازمة لإتمام خدمته.
بقي غريغوريوس في نزينزة ما يقرب من السنوات العشر يعمل بصمت مكتفياً بممارسة نسكه على طريقته.