العمل التأسيسي: الرعاية | التعليم | الليتورجيا
جاء ناظر الإله الإنجيلى مرقس الرسول إلى مصر ليؤسس كنيستنا ويؤسس ملكوتها ويؤسس حياتها في المسيح يسوع ربنا.
جاء مار مرقس ليقوم بالعمل التأسيسى لكنيسة الإسكندرية، ولكرسيه الرسولى العظيم، لأنه هو العمود القائم عند تخم مصر.
هذا العمل التأسيسى كان في ثلاثة إتجاهات رئيسية هي (الرعاية التعليم الليتورجيا)، وهذه الثلاثية المقدسة التي للقديس مار مرقس الإنجيلى تُشكّل وتكّون كنيسة الإسكندرية، وتمثل المعنى الحقيقى للكرازة المرقسية، في مفهموها وعملها وعمقها وحياتها وروحانيتها، وإستمرارها أيضًا. وهذه الأبعاد الثلاثة هي عمل مار مرقس في كنيسته المقدسة في مصر، ويشهد لها التاريخ المقدس عبر عشرين قرنًا من الزمان.
فالقديس مار مرقس هو الذي إختار القديس أنيانوس ليكون أول أسقف لكرسى الإسكندرية، حيث كان القديس متأكدا وواثقا أن إيمانه هو نفس إيمانه. لذلك من الضرورى أن يكون إيمان خليفة مار مرقس، يحمل نفس إيمان مارقس. وذلك لكى يدبر شئون الكنيسة في خدمة ورعاية المؤمنين. وأقام القديس معه أيضًا ثلاثة آباء من الأساقفة (تذكر بعض المراجع أنهم من الكهنة)، وشمامسة. من أجل العمل الرعوى، بل ورتب أن يخلف أحد هؤلاء الآباء (لابد انهم كانوا أساقفة) القديس أنيانوس بعد نياحته، ليستمر ويتواصل العمل الرسولى والخدمة الرسولية في تدبير الرعاية.
ونحن نرى في حياة الكنيسة في طقس سيامة البابا البطريرك نصوص الصلوات التي تقول أن البطريرك الجديد هو خليفة القديس مار مرقس، ففي التذكية نقرأ:"........ أنبا.... القديس البطريرك الذي إستحق كرسى مار مرقس الإنجيلى ذى المعرفة الحقيقة، الذي نادى في كل المسكونة بالعزاء وخلاص النفوس. هذه التي سبق أن يكرز بها ويغرسها ويقويها في الجامعة الرسولية أبونا الطاهر الإنجيلى مرقس. من أجل إتيان عريسها الحقيقى الإبن الوحيد بسوع المسيح مخلصنا الكامل الذي يكمل كل شىء".
و تجليس البطريرك على كرسى مار مرقس يقول كبير الأساقفة القائم مقام بطريرك: "نجلس...... رئيس اساقفة على الكرسى الطاهر الذي لأبينا القديس المبارك ناظر الإله مرقس، باسم الآب والإبن والروح القدس آمين".
ومن المعروف في طقس التجليس ان يقوم الآباء بتجليس البابا البطريرك على كرسيه، وإنجيل مار مرقس في حضنه، ويقبله، لأنه صار خليفة له من بعده، ومستعد أن يقتفى آثاره. ثم يقبل الأساقفة البابا في فمه، وبعدهم الكهنة يقبلونه في صدره، والشمامسة يقبلون يده. وفي الحقيقة نحن عندما نقبل يد قداسة البابا، وإنما نقبل أيضًا يد أبينا القديس مار مرقس، وهذا في حد ذاته تعبيرأ عن الحب الذي يربطنا بالكنيسة وبمؤسسها ناظرالإله الإنجيلى، وبالبابا الجالس على الكرسى الرسولى.
وفى ختام تقليد البابا البطريرك نقرأ"...... بشفاعة سيدتنا كلنا والدة الإله القديسة العذراء كل حين الطاهرة مريم، وبطلبات أبينا القديس المغبوط في كل شيء الرسول الطاهر مرقس الإنجيلى.
وهكذا تستمر الخلافة الرسولية، وعملها الرسولى، حتى نصل إلى أبينا البابا شنوده الثالث خليفة القديس مار مرقس، مرورًا بجميع الآباء البطاركة والأساقفة والكهنة، ونشهد ونعاين الأبوة في حياة الكنيسة، بكل معانيها وأبعادها الروحية المقدسة في الرعاية كما أرادها العظيم مار مرقس.
والقديس مار مرقس هو الذي قام في ريادة، ومبادرة تميز بها، بتأسيس مدرسة الإسكندرية اللاهوتية (الإكليريكية الأولى) لتكون أول معهد لاهوتى في تاريخ المسيحية المبكر، وعين لها القديس يسطس مديرًا، وذلك من أجل صياغة عقل وفكر الكنيسة اللاهوتى، ويؤكد على ضرورة التعليم الكنسى. ومن ثم صار التعليم سمة كنيسة الإسكندرية، عبر كل العصور، وغدت مرجعية لجميع كنائس شرقًا وغربًا، حتى أن بابا الإسكندرية خليفة القديس مرقس لُقب ب "معلم المسكونة". كما أن كنيسة الإسكندرية ولوجود التعليم الصحيح فيها، هي التي واجهت الهراطقة والمبتدعين، وحافظت على الإيمان المسيحى، إيمان أبيها القديس مار مرقس الذي يملىء قلبها. ونحن اليوم عندما نشاهد ونعاين ما يقوم به قداسة البابا شنوده الثالث خليفة القديس مرقس، في مجال التعليم وحفظ الإيمان، نتأكد من إستمرار فكر وعمل القديس مار مرقس الذي وضع هذا التعليم في الكنيسة.
والقديس مار مرقس الرسول هو أول من وضع القداس الإلهى الذي فيه الإرتباط بالأفخارستيا أي بجسد ودم ربنا يسوع المسيح الأقدسين، لأن في التناول من الأسرار الإلهية المقدسة، يكون سر الإتحاد والثبات والحياة في المسيح يسوع إلهنا وفادينا ومخلصنا، كقول الرب "إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس فيكم حياة أبدية، من يأكل جسدى ويشرب دمى فله حياة أبدية، وانا أقيمه في اليوم الأخير، لأن جسدى مأكل حق ودمى مشرب حق، من يأكل جسدى ويشرب دمى، يثبت فىّ وأنا فيه، كما أرسلنى الآب الحي وأنا حى بالآب، فمن يأكلنى يحيا بى" (يو 6: 53 57). وهذا العمل الليتورجى يعتبر اساسًا ورئيسيًا في عمل مار مرقس من أجل الحياة الأبدية، لذلك سلمه للقديس أنيانوس ليصلى به مع الآباء الأخرين، مع عملهم الكنسى، وقد حافظت كنيسة الإسكندرية على القداس الإلهى بكل آمانة ودقة وحياة سمائية مقدسة طوال كل العصور المتعاقبة. فضلا عن أن القداس الإلهى هو قمة الحياة الكنسية وعمقها، حيث يلتقى المؤمنون جميعًا حول مائدة الرب والتناول من الأسرار الإلهية المقدسة، ولا شك أنه في كل مرة نتقدم من جسد الرب ودمه الأقدسين، وإنما نؤكد على مصداقية وأهمية عمل القديس مار مرقس في حياتنا بالإرتباط بالأفخارستيا، فضلًا أننا في كل مرة نتناول من الأسرار الإلهية وإنما نتناول من يد القديس مار مرقس، لأنه هو الذي أطعمنا خبز الحياة الذي نزل من اسماء، كما نقول في ذكصولوجية القديس مار مرقس. وفي الحقيقة إن التناول من الإفخارستيا، والإرتباط بالذبيحة الإلهية المقدسة، هوفى حد ذاته هدف الرعاية والتعليم الكنسى.
ولذلك حرص كل بابوات كنيسة الإسكندرية على إقامة الكنائس والمذابح في كل مكان من أرجاء الكرازة المرقسية، في مصر وكل قارات العالم، لكى تُقام القداسات الإلهية، وترفع الذبيحة المقدسة، فتتنسم الأرض كلها ملكوت الله. واليوم نرى أبينا البابا شنوده الثالث خليفة القديس مرقس، وهو يدشن المذابح بالكنائس في كل مكان يذهب إليه، ويقيم الكهنة هنا وهناك، من أجل العمل الليتورجى، والإفخارستيا. وهذا ما يؤكد أن هذا العمل هو إستمرار لعمل العظيم مار مرقس، وشاهد على أهمية القداس الإلهى في حياتنا الكنسية والروحية، وهذا ما يميز كنيسة الإسكندرية، ويعطيها العمق والروحانية والسمو، لأنها تعكس حياة وفكر أبيها وكاروزها القديس مار مرقس الإنجيلى.