28 - 06 - 2014, 03:15 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
الله غفور رحيم.. فلماذا لم يسامح آدم وتنتهي المشكلة؟ ج : وهذا الحل لا يصلح للأسباب الآتية: أ - الله كامل في رحمته وكامل أيضًا في عدله، فلو سامح آدم فإن هذا يتعارض مع عدله.. لقد حذر الله آدم من الأكل من الشجرة، وأعطاه كل مقومات عدم السقوط مثل الحكمة والشبع بخالقه والفرح الروحي، والأكل من جميع أشجار الجنة باستثناء هذه الشجرة فقط، فعندما يخطئ آدم ولا ينال العقوبة التي سبق أن فرضها الله عليه فان هذا يعتبر ضد العدل الإلهي. ب - لو ناقض الإنسان نفسه وغيَّر أقواله فان هذا يعتبر نوع من النقص.. فكيف ينقض الله أقواله؟!.. " ليس الله إنسان فيكذب. ولا ابن إنسان فيندم. هل يقول ولا يفعل أو يتكلم ولا يفي" (عد 23: 19) " هل الله يعوّج القضاء أو القدير يعكس الحق" (أي 8: 3) هل يقول الله لآدم " وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها " ولم يكتف الله بهذه الوصية بل أوضح له مغبة المخالفة " لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت" (تك 2: 18) وعندما يأكل الإنسان يسرع إليه الله قائلًا: إيه يا آدم؟! هل أنت صدقت كلامي؟! أنني كنت أُخيفك فقط، لكنك لن ترَ الموت قط لأن موتك ضد رحمتي الغير محدودة.. أذهب يا آدم لن تموت. فقط لا تكرر فعلتك الشنعاء ثانية لكيما أحبك.. هل يعقل هذا؟!! ج - إن لم يمت الإنسان يكون الله غير صادق، وعلى حد تعبير القديس أثناسيوس " كان أمرًا مرعبًا لو أن الله بعدما تكلم يصير كاذبًا -حيث كان الله أصدر حكمه على الإنسان بأن يموت موتًا، إن تعدي الوصية والذي يحدث أنه لا يموت- فتبطل كلمة الله حينذاك، ولو كان الإنسان لم يمت بعد أن قال الله إننا نموت لأصبح الله غير صادق" (تجسد الكلمة 6: 3). د - لو برَّأ القاضي الأرضي مُذنبًا، لحُسِب هذا القاضي ذاته مذنبًا في حق العدالة، فهل يحطم ديان الأرض كلها قانون العدالة الإلهية ويبرئ المذنب؟! كلاَّ.. وإن قال أحد أن القاضي الأرضي لابد أن يحكم بالعدل لأنه مقيّد بقوانين، كما إن رؤساءه يراقبونه، أما الخالق فهو حر يفعل ما يشاء نقول: نعم الخالق حُرُّ يفعل ما يشاء، ولكنه لن يفعل إلاَّ الحق والعدل وما يتناسب مع كماله الذاتي. ه - الصَفح شيء وإصلاح الطبيعة شيء آخر، فما الفائدة إنك تصفح عن السارق دون علاجه من داء السرقة؟ هب أنك أمسكت بلص وهو يمد يده ويسرقك، وصممت أن تذهب به إلى قسم الشرطة، فأخذ يسترق قلبك ويقول لك أن زوجته على حافة الموت وتحتاج لعلاج يرد لها الحياة، وأولاده منذ البارحة لم يتذوقوا طعامًا، فرقَّ قلبك ورثيتَ لحاله وصفحتَ عنه.. تُرى هل بهذا العفو تكون قد أصلحت حاله؟ كلاَّ، لأنك ستتركه ليسرق غيرك بعد دقائق قليلة. انه يحتاج منك أن تذهب معه إلى بيته لتتأكد من صحة أقواله، ولو كان صادقًا فانه يحتاج إلى عمل شريف يأكل منه لقمة العيش، ويحتاج لمن يراعيه ويعالجه من داء السرقة حتى يُشفى تمامًا. و - لو سامح الله آدم، فمن أدراك أنه لا يكرّر الخطأ بصورة أو بأخرى، وربما طمعًا في العفو الإلهي والرحمة غير المحدودة، ولو سامح الله كل من يخطئ وعفى عنه لتحول العالم إلى فوضى وغابة، وتضيع المهابة الإلهية.. يحكى عن أحد الملوك ويدعى سلوقس ملك لوكرى انه سنَّ قانونًا وكل من يخالفه يتعرض لعقوبة قلع عينيه، وفوجئ بسقوط ابنه في المخالفة، وتكاثر الشفعاء على الملك لكيما يعفو عن ولي العهد، إلاَّ أنه رفض وأمر بقلع عين واحدة لابنه، وقلع عينه هو متحملًا بذلك نصف العقوبة وحفظ للقانون قدسيته وللعدالة حقها بالكامل. ويناقش القمص صليب حكيم هذا الرأي بعقل راجح وفكر حكيم فيقول " وكأن الله نسى ما سبق أن قاله لآدم وحذره منه، أو أنه كان غير جاد في وصيته وفي تحذيره له، أو أن قوله كان مجرد تهديد لآدم ليس إلاَّ، أو كان مجرد مبالغة منه في تخويفه لآدم بأنه سيعاقبه في حالة مخالفته للوصية دون أن تكون له النية في عقابه، أو كأنه بعد أن أعطى وصيته وحدَّد عقاب مخالفتها عَدَل عن قوله إذ أدرك أنه كان مخطئًا فيما قال، أو أن تقديره لظروف آدم كان إدراكًا ناقصًا، لذلك يجب عليه أن يسامحه، أو كأنه كان يريد أن يضع الإنسان في متاهة من عدم التمييز بين مكافأة المطيع وعقاب العاصي، حيث يستوي عنده الطاعة والعصيان، وبذلك يعامل القاتل كالمقتول والسارق كالمسروق.. وهكذا تتحطم كل قيم العدالة والحكمة لدى الله، وينمحي معنى الفضيلة، ويتبدد رجاء البشرية في تطلعها إلى إله عادل يجري أحكامه في مقاصدها. نعم لو كان قد غفر الله لآدم لأضحى الله بغير كلمة ثابتة، وما استطاع أن يعطي شريعة أو وصية يُلزِم بها الإنسان. لأنه بعد أن عَدل عن قوله، ولم ينفذ ما سبق أن أنذر به، واتضح أنه غير جاد فيما يقول أو أنه يخطئ في تقديره عندما يقول، فانه سوف لا يتوقع بعد طاعة من الإنسان.. بعد أن ضاعت هيبته وانعدمت مخافته لدى الإنسان بعدم ثبوت كلمته.. لو فرضنا أن شخصًا مَثَلَ أمام القاضي للحكم عليه بسبب ارتكابه جريمة قتل مثلًا، وتوافرت كل أسباب إدانته، فهل يصح أن يعفو القاضي عنه لرحمة قلبه، أو لأن القاتل ارتكب جريمة القتل لأول مرة في حياته؟!.. لو فُرض أن عفى القاضي أو حاكم المدينة عن القاتل وغفر له ولم يعاقبه، وعفا عن السارق وغفر له ولم يعاقبه، فماذا يمكن أن يحدث في مدينة هذا الحاكم أو هذا القاضي الذي يغفر كل الأخطاء.. إن الصالحين أنفسهم في هذه المدينة لكي يأخذوا حقوقهم بأنفسهم، أو لكي يردوا الشرور عن أنفسهم سيستخدمون أسلوب الشر الذي يستخدمه الأشرار.. وتصبح المغفرة والرحمة عند هذا الحاكم وبالًا على كل أهل مدينته.. وبذلك مغفرة هذا الحاكم تحوّل مدينته إلى مدينة أشرار ومجرمين.. والأمر لا يتعلق بخطية آدم وحده بل بخطايا كل البشر التي على مثال خطية آدم، لأنه إن كان الله غفر لآدم خطيته لرحمته به وأعفاه من تحمل العقاب لوجب أن يغفر لكل الناس خطاياهم ويعفيهم من العقاب (1). ونطرح في نهاية الإجابة سؤالًا جانبيًا وهو إن كان الله لم يسامح آدم فلماذا أمرنا أن نسامح بعضنا بعضًا؟ والحقيقة كما رأينا أن الموقف بالنسبة لله مختلف عن الموقف بالنسبة للبشر، فبالنسبة لله كان لابد للعدل أن يأخذ مجراه حتى يحتفظ الله بهيبته أمام الخليقة كلها، ولو سامح الله آدم فان أبناء آدم سيتعدون على بعضهم البعض، ويضيع الهدف الإلهي من خلقة إنسان يعيش في حياة البر والقداسة والسلام، وقد صنع الله أعظم ما هو من التسامح إذ تحمل بنفسه عقاب خطايانا.. أما بالنسبة للبشر فقد أوصانا الله أن نتسامح لكيما نحفظ للمجتمع سلامه، ولا نقابل الشر بالشر حتى لا نعطي فرصة أكبر لعدو الخير، وفيما نحن نتسامح مع المسيئين والأعداء نثق في الله ضابط الكل الذي سيجازي كل واحد بحسب أعماله " لي النقمة أنا أجازي يقول الرب" (رو 12: 19) وإذا عجز الإنسان عن التسامح فانه يلجأ إلى الحاكم الذي " لا يحمل السيف عبثًا إذ هو خادم الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشر" (رو 13: 4). ونضيف على الإجابة السابقة بعض النقاط الصغير: أ - الخطية الموجهة ضدنا هي خطية محدودة. أما الخطية في حق الله فهي غير محدودة. ب - قد نصفح نحن بسبب نسياننا الإساءة، وهدوء عواطفنا البشرية، وقد نصفح طمعًا في صفح الآخرين عنا. أما الله فلا ينسى ولا يتغير ولا يتساهل في الحق الإلهي. ج - ليست مغفرة الخطية بالأمر الهين، وليست الخطية مثل القذارة التي تلتصق بجسم الإنسان فيتخلص منها بقليل من الماء، لكن الطريق الوحيد للخلاص هو سفك الدم غير المحدود. د - ليست المشكلة في مغفرة الخطية فقط، ولكن بالأكثر في إصلاح الطبيعة التي فسدت بالخطية. ه - حقًا إن الله يسامح، ولكنه يسامح قانونيًا، وقانون العدالة الإلهية يقتضي انه "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب 9: 22) " لأن الدم يُكفِر عن النفس" (لا 7: 11) ولذلك تجسد الله وسفك دمه لكيما يرفع عقاب خطايانا. |
||||
28 - 06 - 2014, 03:16 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
إذا قدم آدم توبة نصوحة ألا يقبله الله ويرضى عنه؟ وإلاَّ فما لزوم التوبة للإنسان؟! ج: لا تحل التوبة مشكلة السقوط للأسباب الآتية: أ - عندما خرج آدم من الفردوس يجر أذيال الخيبة والعار، وأخذ يقرأ آثار خطيته على الأرض التي تنبت له شوكًا وحسكًا، وعلى جسده الذي بدأ يتعرض للتعب والعرق والضعف، وعلى الطبيعة الثائرة ضده، والحيوانات التي تود افتراسه لكيما يكون وجبة شهية لها، وعندما رأى ابنه مقتولًا أمام عينيه بيد ابنه.. كم وخذه ضميره بشدة وسال الدمع من عينيه وهو يصرخ في أعماقه: هذه ثمرة خطيتي ومعصيتي ..كم كانت توبته وندمه؟! وكم كان حزنه ودموعه؟! ولكن هل استطاعت هذه التوبة أن تعيده إلى طبيعته الأولى وإلى فردوسه المفقود؟ .. كلا. ب - التوبة لا تلغي الحكم الصادر من فم الله، إنما تنقل هذا الحكم من الجاني إلى الفدية، فعندما تاب داود واعترف أمام ناثان النبي قائلًا "قد أخطأت إلى الرب" قال له ناثان "الرب أيضًا نقل عنك خطيتك فلا تموت" (2 صم 12:13) لقد نقل الله عقاب خطية داود ووضعها على رأسه وهو على صليب الموت والحياة.. التوبة والندامة هي الخطوة الأولى للمصالحة مع الله، ولكن يظل قصاص الخطية حتى يحمله الفادي في جسده، ونحن في توبتنا نقدم اعترافاتنا لله أمام الأب الكاهن الذي يحمل خطايانا ويضعها على الذبيحة وقت تقديم الأسرار المقدسة. ج - التوبة تفيد الإنسان في المستقبل حيث يمتنع عن ارتكاب الخطية وتكرارها، ولكن ما هو الحل في الخطية التي ارتكبها الإنسان؟ هل ترفع التوبة الحكم الإلهي الصادر بموت الخاطئ؟ كلاَّ.. وهل توفي التوبة مطلب العدل الإلهي؟ كلاَّ.. وهل تنزع التوبة الخطية وتمحو الإساءة التي وجهها الإنسان لله؟ كلاَّ. ولنضرب مثلًا على هذا. هب أنك سكبت قليلًا من الحبر على ثوب أبيض نقي، ثم توقفت عن سكب المزيد، فهل يعود الثوب إلى ما كان عليه من النقاء؟ كلاَّ، لأن الحبر قد التصق بالثوب وتخلل أنسجته، ولا يمكن إزالته إلاَّ بمُزيل قوي لمحو آثاره، وهكذا لا يمكن محو الخطية إلاَّ بدم المسيح كقول الملاك " هؤلاء الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسَّلوا ثيابهم وبيَّضوا ثيابهم في دم الخروف" (رؤ 7: 14) ومثال آخر لو أن مندوب صرف اختلس مرتبات الموظفين، ووصل الأمر للقضاء فاحتج بظروفه المأسوية، وأعلن توبته وتعهد بعدم تكرار هذا الخطأ.. تُرى هل يحكم القضاء بتبرئة ساحته ويسامحه بما اختلسه؟ قطعًا لا.. إذًا دموع التوبة والاستجداء لا تُكفِر عن خطية هذا السارق، فجميع المحكوم عليهم بالإعدام يشعرون بالندم الشديد وبعضهم يُقدّم توبة نصوحة، ولكن لم تقدر هذه التوبة أن تنقذ واحدًا منهم من تنفيذ الحكم. د - وإن كانت التوبة لا تُصلِح ما مضى من أخطاء فإنها أيضًا لا تُصلِح الطبيعة الفاسدة يقول القديس أثناسيوس " أي طريق كان ممكنًا أن يسلكه الله؟ أيطلب من البشر التوبة عن تعدياتهم؟ وهذا قد يُرى لائقًا بالله - لعلهم كما ورثوا الفساد بسبب التعدي ينالون عدم الفساد بسبب التوبة. ولكن التوبة أولًا: لا تستطيع أن توفي مطلب الله العادل، لأنه إن لم يظل الإنسان في قبضة الموت يكون الله غير صادق. ثانيًا: تعجز عن أن تغير طبيعة الإنسان، لأن كل ما تفعله هو أنها تقف حائلًا بينه وبين ارتكاب الخطية.ولو كان الأمر مجرد خطأ بسيط ارتكبه الإنسان ولم يتبعه الفساد، فقد تكون التوبة كافية. أما وقد علمنا أن الإنسان بمجرد التعدي انحرف في تيار الفساد، الذي كان طبيعة له، وحُرِم من تلك النعمة التي سبق أن أُعطيت له وهي مماثلته لصورة الله.. من الذي كان يستطيع أن يعيد إليه تلك النعمة، ويرده إلى حالته الأولى، إلاَّ كلمة الله الذي خلق كل شيء من العدم منذ البدء" (تجسد الكلمة 7: 2-4). ونختتم إجابة هذا السؤال بسؤال جانبي: ألم يصفح الله عن أهل نينوى عند توبتهم ورد غضبه عنهم (يون 3: 10)؟ ونحن نقول أن الصفح عن أهل نينوى كان متمثلًا في رفع الكارثة التي كانت ستحل بهم، فكما يسمع الله للخاطئين الصارخين إليه الذين يلتمسون نجاة الجسد هكذا سمع الله لأهل نينوى ولم يقلب مدينتهم، ولكن خطيتهم التي فعلوها لم تغفرها توبتهم القوية، ولم يكن لهم غير طريق واحد للخلاص من خطيتهم وهو الإيمان بإله إسرائيل، وتقديم ذبائح عن خطاياهم فتغفر لهم خطيتهم في دم الصليب.. فهل فعلوا هكذا؟ .. ربما. |
||||
28 - 06 - 2014, 03:18 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
يقول البعض أن "الحسنات يذهبن السيئات"، فان كان آدم أخطأ في واحدة، ثم صنع أعمالًا حسنة وصالحة، ألا تمسح هذه الأعمال الصالحة خطية آدم الوحيدة؟ ج : لا تغفِر الأعمال الصالحة الخطية ولا تحل القضية للأسباب الآتية: أ - الأعمال الصالحة ليست تَفضُّل من الإنسان بل هي واجب عليه، ولذلك قال مخلصنا الصالح " متى فعلتم كلَّ ما أُمِرتم به فقولوا إننا عبيد بطالون. لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا" (لو 17: 10) وقال معلمنا يعقوب "فمن يعرف أن يعمل حسنًا ولا يعمل فذلك خطية له" (يع 4: 17). ب - كل أموالنا وممتلكاتنا هي من الله، وكل ما نفعله إننا نرد جزء مما له كقول داود النبي " لأن منك الجميع ومن يدك أعطيناك" (1 أخ 29: 14) فأي فضل لنا في هذا؟ ج - كل أعمالنا الصالحة التي تنال إعجابنا وإعجاب الآخرين قد تبدو أمام الله غير كاملة، لأنه إن كانت السماء غير طاهرة أمامه " وإلى ملائكته ينسب حماقة" (أي 4: 18) فكم وكم أعمالنا الصالحة. حقًا إنها تشبه فاكهة معسولة نأكلها ونتلذذ بطعمها، ولكن عندما تضع جزءًا بسيطًا منها تحت المجهر تفاجئ بآلاف الجراثيم الملتصقة بها. د - الخطية موجهة ضد شخص الله " إليك وحدك أخطأت" (مز 51: 4) فهب أن خادمًا أخطأ في حق ملك عظيم. ثم أدرك هذا الخادم خطأه والخطورة التي تحيط به، فأسرع وجمع كل ما لديه وقدم هدية لهذا الملك الغني، فهل مثل هذه الهدية التافهة تمسح خطأ الخادم؟ .. كلاَّ... حقًا إن جميع الأعمال البشرية الصالحة ما هي إلاَّ مجموعة من الأصفار التي لا قيمة لها بدون الإيمان بالإله المتأنس. ه - هل الحسنات يذهبن السيئات؟ لو كانت الحسنات يذهبن السيئات فمعنى هذا إن الإنسان يملك في يده المغفرة الإلهية لأي خطية يرتكبها.. يستطيع أن يزني، فهذه سيئة يمسحها بالتصدُّق على الفقراء، ويقف أمام الله كأنه إنسان طاهر بينما هو مملوء شر ونجاسة، وآخر يتاجر في المخدرات، فهذه سيئة يمحوها ببناء بعض دور العبادة، ويقف أمام الله كأنه إنسان بار بينما يداه مملوءتان بالدماء وعندما يكون الهدف من أعمال الخير هو الحصول على مغفرة الخطايا فان العملية تتحول إلى عملية تجارية، ولكل خطية ثمنها الذي يسدده الإنسان وينام هادئ البال مستقر الفؤاد بينما هو في الحقيقة مقيدًا بسلاسل الظلام منقادًا إلى جهنم النار.. فأي خطورة هذه؟ و - لو أن طبيبًا صالحًا ناجحًا مرموقًا فتح ملجأ للأيتام ومستشفى للمرضى من الفقراء، وبينما كان منطلقًا بسيارته ليحضر دواء لأحد مرضاه الذي يعاني من حالة حرجة، صدم أحد الأولاد. ثم وقف أمام القضاء، واكتشف القاضي أن المتهم الواقف أمامه هو ذاك الطبيب صاحب الأعمال الجليلة وإن سجنه سيؤدي إلى توقف هذه الأعمال العظيمة، فحذره من تكرار هذا الخطأ وعنَّفه بشدة ثم أطلق صراحة لأجل أعماله الصالحة.. تُرى هل يكون هذا القاضي عادلًا؟ كلاَّ، لأن الأعمال الصالحة لا ترفع عقاب الخطية . وجاء في حديث البخاري أن الناس لا يدخلون الجنة بأعمال فقال الرسول "لا يُدخِل أحد الجنة عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله. قال: ولا أنا إن لم يتغمدني الله بمغفرة ورحمة". وقد يتساءل البعض: ألا تغفر الصلاة الخطايا؟.. قطعًا لا، لأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة، بل أن صلاة الخطاة هي مكرهة للرب "آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع" (اش 59: 2) وقال الله للخطاة " حين تبسطون أيديكم أستر عينيَّ عنكم وإن كثرتم الصلاة لا أسمع. أيديكم ملآنة دمًا" (اش 1: 15). |
||||
28 - 06 - 2014, 03:20 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
فليقدم آدم ذبيحة فداء عن نفسه، وليقدم ذبيحة أخرى فداء عن حواء.. ألا تكفر الذبائح عن الخطايا؟ وإن كانت لا تكفر فلماذا أوصى الله بها في العهد القديم؟ ج : مادمنا قد اعترفنا وأقرَّينا بمبدأ الفداء إذًا يستحسن بادئ ذي بدء أن نتعرف على أهم صفات الفادي وهي أن يكون: أ - إنسان: لأن الإنسان هو الذي أخطأ، ولا يوجد كائن آخر نظير الإنسان ومثيله، ولذلك يجب أن يكون الفادي إنسانًا حتى يكون من نفس طبيعة المفدي، وقد سبق الكتاب وأشار للفادي الذي سيسحق رأس الحية انه من نسل المرأة.. إذًا النائب عن الإنسان لابد أن يكون إنسانًا، وهذا ما حدث في التجسد الإلهي إذ اتخذ الله الكلمة طبيعتنا البشرية كاملة جسدًا وروحًا "فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس" (عب 2: 14) وقال لتلاميذه بعد القيامة "انظروا يديَّ ورجليَّ إني أنا هو. جسوني وانظروا فان الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي" (لو 24: 39). ب - بلا خطية: لا يكفي أن يكون الفادي إنسانًا، ولكن لابد أن يكون بلا خطية ليحمل عقاب خطايا الآخرين.. يكون بلا خطية شخصية، وخالي تمامًا من الخطية الجديَّة المتوارثة عن آدم، لأن الخاطئ لا يفدي خاطئًا، والمُفلِس لا يفي دين مُفلِس آخر، والمحكوم عليه بالإعدام لا يقدر أن يفدي إنسانًا آخرًا محكومًا عليه بالإعدام.. حقًا إن فاقد الشيء لا يعطيه، وقد تمسكت طقوس العهد القديم باختيار الذبيحة بلا عيب داخلي ولا خارجي إشارة إلى الفادي الذي بلا عيب. ولأنه لم يفلت إنسان واحد من الخطية الجديَّة لذلك تجسد الله الكلمةمن مريم العذراء بدون زرع بشر، بعيدًا كل البعد عن الخطية الجديَّة، لأن الروح القدس حلَّ على العذراء القديسة مريم وقدَّس مستودعها، ولذلك فالمولود منها قدوس كقول جبرائيل الملاك " القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو 1: 37) ولا يكفي أن يكون الفادي إنسانًا خاليًا من الخطية مثلما كان آدم قبل السقوط ثم تعرض للسقوط، إنما يجب أن يُثبِت بالدليل القاطع انه معصوم من الخطأ، وهذا ما تشهد به حياة السيد المسيح على الأرض الذي قال " من منكم يبكتني على خطية" (يو 8: 46) وقال عنه الكتاب " قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة" (عب 7: 26). وعلى حد تعبير الرازي في تفسير كلمة المسيح: انه سُمي المسيح لأنه مُسِح من الأوزار والآثام، وذكر أبا هريرة عن الرسول قوله " ما من مولود من بني آدم إلاَّ نخسه الشيطان حين يُولَد فيستهل صارخًا من نخسه إياه إلاَّ مريم وابنها" وفي حديث آخر رواه البخاري عن الرسول قوله " كل ابن آدم يطعنه الشيطان في جنبه متى يُولَد غير عيسى ابن مريم ذهب ليطعن فطعن في الحجاب ". ج - يقدم نفسه بإرادته: عن حب وسرور وليس عن قسر واضطرار كمن يساق إلى غرفة الإعدام رغمًا عنه، ولا يكفي أن يكون الفادي إنسانًا مخلوقًا وبلا خطية، لأن المخلوق لا يملك نفسه لكيما يقدمها فدية عن الآخرين، بل يجب أن يكون إنسانًا بلا خطية يملك نفسه أي هو الله المتأنس الذي قال " لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن أخذها" (يو 10: 17، 18). د - أن يكون قابلًا للموت: لأن الحكم الإلهي الصادر ضد آدم كان بالموت، ولأن أجرة الخطية موت، ولذلك تجسَّد كلمة الله ليتخذ لنفسه جسدًا قابلًا للموت يستطيع أن يقدمه فداءًا عن الإنسان.. يقول القديس أثناسيوس "وإذا رأى (الكلمة) أن فساد البشرية لا يمكن أن يبطل إلاَّ بالموت كشرط لازم، وأنه مستحيل أن يتحمل (الكلمة) الموت لأنه غير مائت ولأنه ابن الآب، لهذا أخذ لنفسه جسدًا قابلًا للموت، حتى بإتحاده (بالكلمة) الذي هو فوق الكل يكون جديرًا أن يموت نيابة عن الكل" (تجسد اكلمة 9: 1) ويقول أيضًا "ولما كان مستحيلًا -كما قدمت سابقًا-أن يموت "الكلمة" لأنه غير قابل للموت، فقد أخذ لنفسه جسدًا قابلًا للموت حتى يمكن أن يقدمه كجسده نيابة عن الجميع" (تجسد الكلمة 20: 6). ه - أقوى من الموت: حتى إذا قدم نفسه بإرادته يستطيع أن ينتصر على الموت وينهض من رقاده، ويقدر أن يهزم إبليس الذي هزم البشرية، ويخلص الأسرى من يد الجبار، ولذلك يجب أن يكون المخلص قويًا في قدرته وحكمته وخبرته، ولهذا تأنس الله. و - غير محدود: لأن الخطية الموجهة ضد الله غير المحدود هي خطية غير محدودة، فلزم أن يكون الفادي غير محدود، والمثال الدارج على هذا انه لو صفع طالب زميله على وجهه، فمن السهولة حل هذه المشكلة، بينما لو صفع هذا الطالب مدير المدرسة فانه يتعرض للفصل من المدرسة، وإذا صفح وزير التعليم فالعقوبة تشتد.. أما إذا صفع رئيس الدولة فان الإهانة تكون موجهة للدولة ككل وتصل العقوبة إلى أقصاها.. لقد تجسَّد الله الغير محدود ليرفع عقاب خطية غير محدودة. بل ليرفع خطايا العالم كله في كل زمان ومكان، ففيه تحققت صفات الفادي كاملة بناسوته صار إنسانًا، وقابلًا للموت، وبلا خطية، وبلاهوته هو الخالق الذي يستطيع أن يقدم نفسه، وهو أقوى من الموت وغير محدود.. يقول البابا ثاؤفيلس "فلما كان إلهًا تامًا صار إنسانًا بإرادته، ولم يترك شيئًا إليه مما ينتسب إلى الطبيعة البشرية ما عدا الشر الأثيم وحده، لأنه وإن كان طفلًا فمع ذلك يُعرف بأنه عمانوئيل" (1). ونعود يا صديقي إلى إجابة السؤال الثاني عشر، ونتساءل هل تكفي الذبائح لفداء الإنسان؟ هل تصلح هذه الحيوانات أن تكون وسيطًا بين الله والإنسان؟ وهل تتوفر فيها صفات الفادي؟ بالقطع لا، فالحيوان لا يحمل طبيعة الإنسان، ويقاد للذبح قسرًا، وهو محدود، وليس أقوى من الموت.. إلخ ولذلك قال الكتاب " لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا" (عب 10: 4) وأيضًا نقول أن الجسد البشري الذي سكنه الموت هو يحتاج إلى الحياة لتتحد به وتطرد الموت من داخله. ونأتي إلى الشق الثاني من السؤال وهو: لماذا أوصى الله بتقديم الذبائح الحيوانية في العهد القديم؟ نقول انه أوصى بها لأنها تشير وترمز لذبيحة الصليب، وأخذت قوتها على المغفرة من ارتباطها بذبيحة الصليب، فالإنسان الذي كان يخطئ كان يقدم ذبيحة بحسب خطيته وبحسب رتبته , ويقرُّ ويعترف بخطاياه فينال وعدًا بالمغفرة على حساب الذبيحة المستقبلية كما ننال نحن المغفرة على حساب الذبيحة الماضية، لأن ذبيحة الصليب غير محدودة بمكان ولا بزمان، فهي ممتدة عبر الزمن تكفي الكل من آدم حتى آخر إنسان تائب قبل المجيء الثاني. وأيضًا أوصى الله بها حتى عندما يرى الإنسان الحيوان البريء يُذبَح عوضًا عنه فيسفك دمه وتشتعل فيه نيران العدل، فان منظر الدم والنار يحركان القلب القاسي والضمير الذي تحجر فيشمئز الإنسان من خطاياه التي فعلت بالحيوان البريء كل هذا، والحيوان أقرب كائن للإنسان حيث يشعر بالراحة والألم كما أن تكرار الذبائح يشير إلى قصورها وعجزها أما الإله المتأنس فقدم نفسه مرة واحدة فوجد فداءً أبديًا. |
||||
28 - 06 - 2014, 03:21 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
لماذا لم يكلف الله موسى رئيس الأنبياء بتقديم ذاته فدية عن أبيه آدم؟ أو لماذا لم يكلف الله رئيس الملائكة الجليل ميخائيل لحل مشكلة البشرية الساقطة؟ ج : بالنسبة للنبي أو رئيس الأنبياء ينطبق عليه بعض شروط الفادي دون الأخرى، فمثلا هو إنسان ولكنه ليس بلا خطية، وإن قدم نفسه بإرادته فهو مخلوق لا يملك نفسه هذه، لو سمح الله له بتقديم نفسه فهو لا يستطيع أن يستردها ثانية، وهو محدود فلا يقدر أن يفي عقاب خطية غير محدودة، ولذلك قال الكتاب "الأخ لن يفدي الإنسان فداء ولا يعطي الله كفارة عنه" (مز 49: 7) وقِس على ذلك الملاك أو رئيس الملائكة الذي ليس هو من طبيعة الإنسان، وإن كان بلا خطية فهو لا يملك نفسه حتى يقدمها فدية، وهو أيضًا محدود.. إلخ. ويقول القديس أثناسيوس " كما أن المخلوقات لم تُخلَق بواسطة مخلوق بل بواسطة الكلمة الخالق، هكذا فهو وحده الذي يستطيع أن يجددها، لأن المخلوق لا يستطيع أن يخلص مخلوقًا على الإطلاق، وكيف تحصل المخلوقات على أية معونة من مخلوق مثلها هو نفسه يحتاج إلى الخلاص" (الرسالة إلى ادلفيوس 8) (1). وقال أيضًا " أن الذي بذل ذاته عنا لم يكن إنسانًا عاديًا، فكل إنسان هو تحت حكم الموت كما قيل لآدم، " انك تراب وإلى تراب تعود" (تك 3: 19) ولا كان هو واحدًا من المخلوقات الأخرى" (الرسالة إلى مكسيموس 3) (2). وقال الربان زكا بشير عيواص نائب كنيسة أنطاكية للسريان الأرثوذكس (سابقًا) في المؤتمر الذي عُقِد في القدس يومي 15، 16 مارس 1959 لبحث موضوع طبيعة المسيح ومجمع خلقيدونية " وإذ كانت تلك المعصية غير متناهية لأنها موجهة مباشرة إلى اللامتناهي، لذلك كان غير ممكن للملائكة والآباء والأنبياء المتناهين أن يقدموا الكفارة عنها، ويفوا العدل الإلهي حقه، حتى ولا الناموس لموسي، إلاَّ الله وحده غير المتناهي، إذ لا يوجد شيء في هذا الكون إلاَّ وهو متناه "(3). وما أجمل قول القديس غريغوريوس في ليتورجيته "وعندما سقط (الإنسان) بغواية العدو ومخالفة وصيتك المقدَّسة وأردت أن تجدّده وترده إلى رتبته الأولى، لا ملاك ولا رئيس ملائكة ولا رئيس أباء ولا نبي ائتمنتهم على خلاصنا، بل أنت بغير استحالة تجسَّدت وتأنست وأشبهتنا في كل شيء ماخلا الخطية وحدها". |
||||
28 - 06 - 2014, 03:23 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
هل مبدأ الإنابة يتمشى مع العدالة الإلهية، ومع العقل، فيموت البرئ نيابة عن المذنب؟ ج : إذا وافق النائب أو الفادي أو الوسيط بمطلق حريته وكامل إرادته على تحمل عقوبة المذنب يكون الوضع صحيحًا، ويتمشى مع العدالة الإلهية.. أنظر إلى الخروف البريء الذي ذبحه الله لكيما يُغطى عُري آدم الناتج عن الخطية، مع ملاحظة أن الله ذبح هذا الخروف خصيصًا لعلاج مشكلة عري آدم، لأن آدم لم يكن من أكلة اللحوم، فالسماح بأكل اللحوم جاء بعد الطوفان وقد استلم آدم طقس تقديم الذبائح وسلمه لأولاده، فقدم هابيل من أبكار غنمه ومن سمانها (تك 4: 4) فقبل الله تقدمته، وقدم نوح من البهائم الطاهرة والطيور الطاهرة. فتنسم الله رائحة الرضى (تك 8: 20، 21) وقدم إبراهيم بالقرب من شكيم، وشرقي بيت ايل (تك 12: 6-8) وعند بلوطات ممرا (تك 13: 18) وقدم إسحق (تك 26: 25) وكذلك يعقوب لما آتى سالمًا إلى مدينة شكيم (تك 33: 20) وأمره الرب أن يصعد إلى بيت ايل ويبني مذبحًا هناك ففعل (تك 35: 1) وقدم ذبائح قبل نزوله إلى مصر (تك 46: 1) وطلب موسى من فرعون أن يذهب إلى البرية ليقدم ذبائح للرب إلهه (خر 8: 27) وكان أيوب يقدم ذبائح بعدد أبنائه (أي 1: 5) وأوصى الرب موسى بتقديم الذبائح الصباحية والمسائية (عد 28: 3، 4) وذبيحة يوم السبت (عد 28: 9، 10) وذبيحة أول الشهر (عد 28: 11-15) وذبيحة الفصح (عد 28: 16-25) وذبيحة عيد الهتاف (عد 29: 1-5) وذبيحة عيد الكفارة (عد 29: 7-10) وذبيحة عيد المظال (عد 29: 12-40) وذبيحة البقرة الحمراء (عد 19: 1-10) وأوصى بتقديم الذبائح الشخصية مثل ذبيحة المحرقة (لا 1: 1-9) وذبيحة السلامة (لا 3: 1-5) وذبيحتا الخطية والأثم (لا 4: 1-35) وذبيحة الملء أو التكريس الكامل (لا 8: 22-36) وذبيحة التطهير للأم بعد الولادة (لا 12: 1 –8) وتطهير الأبرص (لا 14: 1-20) والمصاب بسيل (لا 15: 1-5).. فلماذا كل هذه الذبائح التي بلا عدد؟! وبحسب مفهوم العدالة البشرية تشترط المحكمة وجود محامي للدفاع عن المتهم، وإذا لم يكن للمتهم إمكانية مادية لإنابة محامي عنه، فان المحكمة تنتدب له محاميًا للدفاع عنه. وبحسب مفهوم الإنسانية نجد أن الأب ينوب عن أبنائه في تحمل نتائج أخطائهم، ويدفع قيمة ما أتلفوه للغير، والجندي في ميدان المعركة ينوب عن أسرته ووطنه ويقدم نفسه فداءاَ عنهم. وبحسب مفهوم العقل فان مبدأ الإنابة صحيح، وتحضرني قصة القاضي العادل الرحيم الذي حكم على المقترض بأن يرد الدين أو أن يدخل السجن، فهذا هو العدل، وعندما علم هذا القاضي أن المقترض معدومًا ورقَّت أحشاؤه لصراخ أطفاله ودموع زوجته دفع الدين عنه وأطلقه بريئًا، فهذه هي الرحمة، وبذلك حقق هذا القاضي العدل والرحمة معًا، وهذا ما فعله قاضي القضاة ورب الأرباب. وأيضًا مبدأ الفدية واضح في الإسلام، ففي سورة الصافات 107 يقول عن ابن إبراهيم "وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ" وفي تفسير البيضاوي "فَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ" ما يذبح بدله فيتم به الفعل. وفي سورة الكوثر 2 "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" وفي تفسير البيضاوي "الصلاة صلاة العيد والنحر هو التضحية والفدية". وفي السيرة النبوية لابن هشام ج 4 ص 140 عن عائشة في حجة الوداع "فلما كان يوم النحر أُتيت بلحم بقر كثير فطرح في بيتي فقلت ما هذا؟ فقالوا ذبح رسول الله عن نسائه البقر.. " كما أن الإمام الغزالي يذكر الشروط الواجب توافرها في الذبيحة فتجدها مشابهة للشروط التي ذكرها سفر اللاويين (لا 22: 19-29). ويقول الإمام الرازي في تفسير الآية "فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا" إذا كانت الطاعة العظمى هي الصوم والصلاة والتوبة والزهد فإنها لا تستر الخطية ولا تؤهلنا للوجود مع الله. وإننا بدعائنا كفِر عنا سيئاتنا لا نقصد أن يساعدنا المولى في العمل على تكفيرها بواسطة الأعمال الصالحة بل أن يتفضل بتكفيرها عنا". ومبدأ الإنابة واضح في أحاديث البخاري حيث ينوب الإنسان عن المريض في أداء فريضة الحج، وينوب عن الميت في أداء فريضة الصوم. |
||||
28 - 06 - 2014, 03:26 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
ومازال السؤال يلح: ما هو الدافع القوي الذي دعى الله للتجسد، أو ما هي حتمية التجسد الإلهي؟ ج : هناك أسباب عديدة لحتمية التجسد الإلهي نذكر منها الآتي: أ - المحبة: الدافع القوي للتجسد هو المحبة " لأن المحبة قوية كالموت.. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها. إن أعطى الإنسان كل ثروة بيته بدل المحبة تُحتَقر احتقارًا" (نش 8: 6، 7) ويقول القديس أثناسيوس " لم يشأ رب المجد أن تبقى صورته (الإنسان) المجيدة ملطخة بالإثم وملوثة وفاسدة، فتحرك حنانه.. وتحرك قلبه.. وتحرك تدبيره ليخلص الإنسان ويرد اعتباره، ويرد له كرامته أو يرد له الصورة الأصلية التي خلقه عليها. فقد تجسد الله الكلمة.. وفي تجسده كل الحب، وما من حب أعظم من هذا أن يقبل الإله صورة الهوان، صورة التراب وهو رب المجد، الساكن في نور لا يُدنى منه، والنار الآكلة" (1). وقد تجد إنسانًا عظيمًا في مركز مرموق يحترمه الناس وتنحني له الهامات، وإذ به ينحني لأسفل حتى تكاد رأسه تمس الأرض، وتتعجب ماذا يفعل هذا الرجل العظيم؟.. انه ينحني ليربط سيور حذاء طفل صغير قد يكون حفيده، فما الذي دفع هذا الرجل لهذا التنازل؟ انه الحب.. سأل الملك غير المؤمن وزيره المسيحي: تقولون أن الله تجسَّد وصُلب ومات، فما هو الدافع لهذا العمل الذي يرفضه العقل؟ الوزير: أسألك يا سيدي أن تمهلني عدة أيام وأجيبك على سؤالك، فوافقه الملك. وفي يوم سار الملك مع وزيره في حديقة القصر، وإذ بالمربية تسير بعربة الأمير الصغير، وفجأة أعطى الوزير إشارة للمربية فدفعت العربة وما بها في بحيرة الماء الصناعية أمام عيني الملك، فماذا فعل الملك؟.. لقد ألقى بنفسه في الماء إلاَّ أنه وجد نفسه يحتضن تمثالًا كامل الشبه بابنه، وقبل أن يتملكه الغضب أسرع إليه الوزير قائلًا: عفوًا سيدي الملك. سامحني لأني فعلت هذا، فأنا الذي صنعت التمثال وأوصيت المربية بإلقائه في البحيرة متى أشرت لها بذلك.. يا جلالة الملك عندما شعرت بأن ابنك يغرق في البحيرة لماذا لم ترسلني أو ترسل أحد الجنود لإنقاذه؟ الملك: لأنه أبني. أنت تعلم أنني إنسان شجاع ولا أهاب الموت، وأفدي أبني بحياتي وأنا راض ومسرور. الوزير: وهكذا أيها الملك عندما رأى الله أولاده يهلكون بالموت الأبدي أخذ شكل إنسان وصُلب ومات وقام، وقهر الموت وأنقذنا منه، كمثل ملك وجد جنوده مقهورين أمام عدوهم في ساحة الوغي فارتدى زِيّ الجنود، وقاد الحرب وانتصر، وأهلك العدو القوي ووهبنا النصرة. ب - انتزاع الموت: كما أن الموت دخل إلى أعماق حياة الإنسان كان لابد أن الحياة تدخل إلى الأعماق لتطرد الموت وتحيى الطبيعة التي فسدت بالموت فيقول البابا أثناسيوس الرسولي "لم يكن ممكنًا أن يحوّل الإنسان الفاسد إلى عدم فساد إلاَّ المخلص نفسه الذي خلق من البداية كل شيء من العدم، ولم يكن ممكنًا أن يعيد للبشر صورة الله ومثاله إلاَّ صورة الآب (الابن) ولم يكن ممكنًا أن يُعلّم البشر عن الآب ويقضي على عبادة الأوثان إلاَّ الكلمة الضابط الكل الذي هو ابن الآب الوحيد الحقيقي" (تجسد الكلمة 20: 1). وقال أيضًا " يجب أن نعلم أن الفساد الذي حصل لم يكن خارج الجسد بل لصق به، وكان مطلوبًا أن تلصق به الحياة عوض الفساد، حتى كما تمكن الموت من الجسد تتمكن منه الحياة أيضًا. والآن لو كان الموت خارج الجسد لكان من اللائق أن تتصل به الحياة من الخارج. أما وقد صار الموت ممتزجًا بالجسد وسائدًا عليه، كما لو كان متحدًا به، فكان مطلوبًا أن تمتزج الحياة أيضًا، حتى إذا ما لبس الجسد الحياة بدل الموت نُزع عنه الفساد.. لهذا السبب كان معقولًا جدًا أن يلبس المخلص جسدًا، حتى إذا ما اتحد الجسد بالحياة، لا يبقى في الموت كمائت، بل يقوم في عدم الموت أو لبس عدم الموت.." (تجسد الكلمة 44: 4-6). وقال البابا كيرلس الكبير "لو كان تجسد الكلمة وتأنسه أمرًا لابد منه لخلاص الذين على الأرض، فلو لم يكن قد وُلِد مثلنا بحسب الجسد، لما كان قد اشترك في الذي لنا، وبالتالي لما كان حرَّر طبيعة الإنسان من الوصمة التي أصابتها من آدم، وما كان قد طرد الفساد من أجسادنا" (ضد نسطور 1: 1) (1). وقال أيضًا " لم يكن هناك وسيلة أخرى لزعزعة سلطان الموت إلاَّ فقط بتجسد الابن الوحيد. الذي اقتنى لنفسه جسدًا قابلًا للفساد (للموت).. لكي يستطيع بكونه هو نفسه الحياة أن يزرع في الجسد امتيازه الخاص الذي هو الحياة" ( المسيح واحد 75: 1352)(2). ويقول البابا كيرلس الكبير أيضًا "كيف كان يمكن للإنسان الذي تحت سلطان الموت أن يستعيد الخلود، كان لابد أن يدخل جسده الميت في شركة قوة الله المحيية. أما قوة الله المحيّية فهي اللوغوس (الكلمة) وحيد الآب" (تفسير لوقا 22: 19)(3). 3- الاتحاد بالله: لم يكن الهدف من التجسد رفع الخطية فقط بل اتحاد الله بالإنسان فيقول البابا أثناسيوس الرسولي لأن الاتحاد المطلوب هو أن الكلمة المتجسد يصنع اتحادًا بين ما هو إنسان بطبيعته وبين ما هو إله بطبيعته" (ضد الأريوسيين 2: 81). ويقول البابا كيرلس الكبير أن مبادرة الصلح جاءت من الله لكيما يتحد بالإنسان "إن الطبيعة الإنسانية أُسرت وصارت في قبضة الموت وساد عليها الفساد لذلك فمن الضروري لكي تقوم علاقة جديدة لا يهدها الفساد أن يتم لقاء بين الله والإنسان، تجد فيه جميع المشاكل القائمة بين الاثنين حلها النهائي والأخير، فكان الحل الإلهي -لأن المبادرة بيد الصالح وحده- أن يأخذ لنفسه جسدًا من هذه الطبيعة الفاسدة ويجعله واحدًا مع لاهوته في اتحاد لا انفصال فيه أو اختلاط مثل اتحاد النار بالحديد" (4). 4- تلاقي العدل الإلهي مع الرحمة الإلهية: فعندما تحدُث مشكلة بين شخصين ويتدخل شخص ثالث لفض النزاع يجب أن يكون هذا الوسيط من نفس مستوى الطرفين المتنازعين، وليس أقل منهما لئلا يُحتَقر، وليس أعلى منهما لئلا يستغل سلطته فيحل النزاع ظاهريًا فقط، وأيضًا يجب أن يكون الوسيط محبوبًا من الطرفين، ومحل ثقة منهما ملتزمًا بتعهداته أمامهما، وإذا تأملنا ما حدث في التجسد والفداء نجد السيد المسيح هو الذي حلَّ النزاع بين الله والإنسان، وحقق أمنية أيوب عندما قال بأسى " ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا" (أي 9: 33). وإن كان التسامح والعفو والمغفرة ضد عدل الله الكامل، وموت الإنسان ضد رحمة الله الكاملة، والله لا يمكن أن يتنازل عن عدله ولا عن رحمته، وهذا ما يمثل مشكلة صعبة وعويصة، ومن يقدر على حلها إلاَّ الله القادر على كل شيء؟ وفعلًا قام بحلها عن طريق تجسده المنيف فالتقى العدل مع الرحمة في شخص الفادي الكريم. وما أجمل تشبيه نيافة الأنبا رافائيل الأسقف العام عندما شبه سقوط آدم بالمصباح الذي انقطع عنه التيار الكهربائي، فلا توجد أية وسيلة أخرى لعودة الإنارة للمصباح إلاَّ بعودة نفس التيار الكهربائي له، وأي تيار آخر أو أي فولت آخر لن ينجح في إعادة الإنارة، وهكذا الإنسان لكيما يعود إلى حالته الأولى المنيرة لا يصلح أن يُعيده نبي ولا ملاك بل لابد أن يتولى الخالق نفسه إعادة خلقته التي فسدت، وأيضًا عملية توصيل التيار الكهربائي للمصباح تشبه عملية التجسد التي فيها اتحد اللاهوت (الكهرباء) بالناسوت (المصباح) فأضاء لنا المسيح نور العالم طريق الملكوت. تذكر + الله لم يكن محتاجًا للإنسان ليعبده. إنما خلق الله الإنسان من فرط جوده ومحبته.. الله يعلم بسابق علمه إن الإنسان سيسقط بغواية إبليس ولذلك دبَّر له أمر الخلص منذ الأزل. + الوصية لم تكن سببًا لسقوط الإنسان. إنما سقط الإنسان بسبب غواية الحية وشكه في كلام الله، والموت كان نتيجة طبيعية لمخالفة الوصية. + كان سقوط آدم سقوط للبشرية جمعاء مثل شجرة التفاح اللذيذة التي أصابها عطب فكل ثمارها وبذارها أصبحت تحمل الفساد.. حتى الأنبياء كانت لهم أخطائهم. + إن سأل أحد: وما ذنبي أنا في خطية آدم؟ يرد عليه القديس أغسطينوس: وأي فضل لك في خلاص المسيح؟ + من نتائج سقوط آدم الموت الروحي الأبدي، والموت الجسدي، والموت الأدبي، والعقوبات التي حلت بالإنسان والحية، وتسلط الشيطان، وفساد الطبيعة البشرية. + لم يكن هناك بديلًا للتجسد فمثلًا: - فناء الإنسان وخلقة إنسان جديد لا تحل القضية. - خلاص الله للإنسان بالقوة يتعارض مع عدل الله، ومع حرية الإنسان. - ترك الإنسان لمصيره المشئوم يتعارض مع صلاح الله، ومحبته، ورحمته، وكرامته، وحكمته. - الصفح عن خطية الإنسان يتعارض مع العدل الإلهي. - التوبة توقف فعل الخطية، ولكنها لا تحل مشكلة الخطية التي تمت، ولا تلغي العقوبة إنما تنقلها من التائب إلى الفدية.
وهذه الشروط لا تتوفر في الذبائح الحيوانية، ولا في نبي ولا رئيس أنبياء، ولا في ملاك ولا رئيس ملائكة. لكن الله بغير إستحالة تجسد وتأنس وفيه أكتملت صفات الفادي. + مبدأ الإنابة يتمشى مع العدالة الإلهية، ومع العقل والمنطق. |
||||
28 - 06 - 2014, 03:43 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
من هو السيد المسيح؟ لقد أجهدنا أنفسنا في الدرس السابق كثيرًا ونحن نبحث عن أية وسيلة لنجاتنا، ولكننا نعلن فشلنا الذريع، ونعترف بالفم المليان انه لا طريق لخلاصنا سوى تجسدك يا إلهنا الحي وموتك المحي على خشبة العار.. لقد دست المعصرة وحدك ومن الشعوب لم يكن معك أحد.. هذا ما حدث، فيالفرحة الإنسان. يالفرحة الإنسان ليس بخلاصه فقط بل بمحبة الله التي دفعته للتجسد.. تجسد وتأنس وصار إنسانًا مثلنا يحمل جسدًا من نفس عجينتنا البشرية، لقد سمعت بأذناي أبينا الحبيب القمص بيشوي كامل في أحدى عظاته عن التجسد وهو يتأمل في الكاهن وهو قائم يصلي أمام المذبح " تجسد وتأنس وشابهنا في كل شيء ماخلا الخطية وحدها " ويحس بأن الله صار إنسانًا مثلنا من أجلنا، فلا يسعه إلاَّ أن يرقص فرحًا أمام المذبح. فتعالى يا صديقي نقترب بخشوع، ونميل لننظر هذا المنظر العجيب.. عليقة خضراء مشتعلة بالنيران الإلهية ولا تحترق!! طفل رضيع مقمَّط بالخرق في مزود هو هو الله المهوب المرهوب الذي تسبحه الملائكة وتسجد له كل الطغمات السمائية.. يالهذا السر الذي يفوق الأذهان والإدراك.. يا ليتك يا صاحب السر تكشف لنا ولو قليلًا قليلًا عن ذاك السر العظيم.. سر التقوى والخلاص والنجاة والحياة الأبدية السعيدة. وفي هذا الدرس نتعرض لأهم البدع والهرطقات التي ثارت بشأن طبيعتي المسيح، مثل الأريوسية التي طعنت في ألوهية المسيح، والغنوسية والمانوية اللتان طعنتا في ناسوت المسيح ونستعرض أفكار عينات من الهراطقة مثل ماركيون وفالنتينس وماني وبولس الساموساطي، ونتعرف أيضًا على بدعة أوطاخي الموجهة ضد ناسوت المسيح أيضًا. ثم نختتم هذا الدرس بسؤال هام وهو: هل جسد المسيح مخلوق؟ |
||||
28 - 06 - 2014, 03:44 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
ما معنى أن الله تجسد وتأنس؟ ولماذا يجب أن نؤمن بعقيدة التجسد؟ ج: معنى أن الله تجسد أي الله الغير منظور اتخذ له جسدًا بشريًا من نفس طبيعتنا البشرية، ومعنى أن الله تأنس أن الله الغير منظور صار إنسانًا مثلنا وشابهنا في كل شيء ماخلا الخطية وحدها.. الله الغير منظور أصبح منظورًا في شخص الرب يسوع الذي حلّ بيننا، وقال الإنجيل " والكلمة صار جسدًا وحلَّ بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقًا" ( يو 1: 14) وعندما حلَّ بيننا تعاملنا معه معاملة محسوسة، وشهد بهذا يوحنا الحبيب " الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا" (1يو 1: 1) إن الله تنازل إلى مستوى الحس والإدراك وحلَّ بيننا بصورة منظورة مرئية وكشف عن أسرار الألوهية لأن " الله لم يرهُ أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر" (يو 1: 18). والحقيقة أن كلمة تجسَّد تعني أنه تأنس أيضًا، فهي من قبيل إطلاق الجزء (الجسد) على الكل (الإنسان) ويقول القديس كيرلس الكبير " نحن نقرُّ بابن واحد، مسيح واحد، ورب واحد، لأن الكلمة صار جسدًا، وإذا قلنا صار جسدًا فإنما صار إنسانًا" (1). وعقيدة التجسد في منتهى الأهمية، فبناء على إيماننا الصحيح بالتجسد يتوقف أمر خلاصنا؟.. لماذا؟.. لأن السيد المسيح هو الوسيط الوحيد بين الله والإنسان، فيقول القديس كيرلس الكبير " فهو (المسيح) يعتبر واحد من اثنين، فهو ابن واحد، قد اجتمعت إليه واتحدت فيه، في شخصه الواحد بطريقة لا تُوصف ولا تُفحص الطبيعتان الإلهية والبشرية لتكوّنا وحدة واحدة بطريقة لا يمكن تصوُّرها، فلهذا السبب أيضًا يعتبر هو الوسيط بين الله والناس، لأنه قد جمع ووحَّد داخل نفسه الشيئين اللذين كانا متباعدين جدًا إحداهما عن الآخر، واللذين كان يفصل بينهما هوة عظيمة، أعني اللاهوت والناسوت، فقد أظهرهما مجتمعين ومتحدين في نفسه، وبذلك ربطنا بواسطة نفسه مع الله أبيه" (في الثالوث 1) (1). وقال القديس كيرلس الأورشليمي انه لا خلاص لنا إن كنا لا نعترف بأن اللاهوت اتحد بالناسوت " فلو كان المسيح هو الله -كما هو كذلك حقًا- دون أن يأخذ لنفسه طبيعة بشرية فإننا نصير غرباء عن الخلاص.. ولا خلاص لنا بالمرة إن كنا نرفض الاعتراف بأن اللاهوت فيه متحد بالناسوت" (مقال 12 للموعوظين) (2). كما قال القديس أثناسيوس الرسولي "طبيعة واحدة الآن وأقنوم واحد يجب أن يُقال، ونعترف به، الله الكلمة صار جسدًا وصار إنسانًا، ومن لا يقول هكذا فإنه يُعاند الله ويحارب الآباء القديسين" (3) وقال أيضًا "إن كان واحدًا لا يؤمن بالمولود في بيت لحم من مريم العذراء القديسة، انه الله الكلمة تجسد، فليكن محرومًا من فمنا آمين" (4). |
||||
28 - 06 - 2014, 03:49 PM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
من هو السيد المسيح؟ وما هي أهم البدع والهرطقات التي ثارت بشأنه؟ ج : السيد المسيح هو الله الظاهر في الجسد "عظيم هو سرُّ التقوى الله ظهر في الجسد" (1 تي 3: 16).. هو الله الكلمة الكائن منذ الأزل مع أبيه الصالح والروح القدس، وفي ملء الزمان منذ نحو ألفي عام وُلِد من العذراء الطاهرة مريم، فاتخذ منها جسدًا بشريًا من لحمها ودمها.. السيد المسيح هو إله كامل من جهة اللاهوت، وإنسان كامل من جهة الناسوت في وحدة عجيبة، فهو طبيعة واحدة من طبيعتين مختلفتين |
||||
|