19 - 06 - 2014, 11:49 AM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
طوبيت 6 - تفسير سفر طوبيا
طوبيا والحوت كيف أختار شريك الحياة؟ المثال سر النصرة الكنيسة اليوم وأيام طوبيا الثلاثة الحواشي والمراجع طوبيا والحوت: في هذا الإصحاح يتعرض لأهم الأحداث، والمواضيع التي تحدث بها الرفيقان خلال رحلتهم إلى راجيس، فنجدهما: في العدد الأول منه وهما يستريحان بجوار نهر دجلة، فلقد كانت القوافل قديمًا تفضل السير في الأوقات القمرية أو في الصباح الباكر مع أول ضوء، أو بعد انكسار حدة حرارة الشمس مساءً وذلك لكيلا يُجهدوا أو تجهد دوابهم. ويستريحون الجزء الباقي من اليوم. وعادة كانت توجد نقاط ثابتة للراحة وكانت هذه النقاط مجهزة لكي تستقبل القوافل وتبديل الدواب إذا لزم الأمر. ففي هذا اليوم هم طوبيا ليغتسل بالنهر ففوجئ بسمكة - حسب الترجمة التي عن القبطي حيث إن الحيتان لا تعيش في المياه العذبة وليس لها خياشيم إنما ذكرت من باب المبالغة(1) تهجم عليه فاستعان برفيقه لكي ينقذه. فقال له الملاك "إجتذبها إليك" ففعل هكذا، وقال له الملاك ثانية: "شق جوفها واحتفظ بالقلب والكبد والمرارة لأن بهما علاجًا مفيدًا". ففعل هكذا أيضًا وشوى جزء للأكل وجففا الجزء الباقى للاستعمال في الطريق. وهنا أحب أن أذكرك ان حروف كلمة سمكة في اللغة اليونانية تتكون من الحروف الأولى من الكلمات يسوع المسيح بن الله المخلص فالمسيح هو خبز الحياة الذي نقتات به في زمن غربتنا على الأرض، وهو أيضًا شفاؤنا من أمراضنا - كما نصلى في أوشية الإنجيل. وتساءل طوبيا عن العلاج الذي يؤخذ من هذه الأشياء فأجابه الملاك قائلًا "إذا ألقيت شيئًا من قلبه وكبده على جمر فدخانه يطرد كل جنس من الشياطين في رجل كان أو امرأة بحيث لا يعود يقربها أبدًا"(2). فهذا أمر طبيعي لأن السمكة استمدت قوتها من المسيح الذي ترمز إليه كما استمدت قديمًا الحية النحاسية قوتها من المسيح الذي كانت ترمز إليه أيضًا (يو 3:14- 17). لأنه حيثما وجد المسيح يفر الشيطان وحيثما كان النور تبددت الظلمة. وبسبب هذا الحدث لقب أباء الكنيسة الأولين المسيح باسم (سمكة) حيث أن السمكة هنا شبهت بالمسيح الذي يخرج الشياطين. والتلمود اليهودى يلقب المسيا (بالسمكة) أيضًا(3) ونلاحظ أن الملاك أشار على طوبيا بأن يحرق كبد السمكة. وهذا العمل يذكرنا بذبيحة السلامة، حيث كان مقدم الذبيحة يأكل جزء منها ويحرق زيادة الكبد مع الدهن الموجود بالذبيحة وهذا ما فعله طوبيا أيضًا وكأنه يقدم ذبيحة سلامة الله. والتي كانت تشير إلى أحد أوجه ذبيحة المسيح من حيث أن المسيح هو مصدر سلامنا مع الله (رو 1:5). كيف أختار شريك الحياة؟ وفى أحد الأيام شعر طوبيا بالإجهاد فسأل رفيقه قائلًا "أين تريد أن نستريح؟ (طو 6: 10)" فأجابه الملاك: "هنا رجل اسمه راعوئيل من ذى قرابتك من سبطك فله بنت اسمها سارة. وليس له من ذكر ولا أنثى سواها، فجميع امواله وممتلكاته تستحقها إذا تزوجت بابنته". وهنا أسأل سؤالًا كيف لطوبيا أن يستحق كل ما لراعوئيل من مال وممتلكات ؟! والجواب: أن شريعة العهد القديم أمرت "إذا كان هناك أب ولم ينجب أبناء أولاد ولكنه أنجب بنات فلابد لبناته أن تتزوجن من سبط أبيهن وهؤلاء البنان يرثن أبيهن لكيلا ينتقل الإرث من سبط إلى سبط آخر (عدد 36: 1-9)"، ولأن راعوئيل لم يكن لديه سوى بنت واحدة فبالتالي كل ماله يؤول إلى زوجها الذي من عشيرة أبيها. وكان طوبيا قد سمع بموت كل من يتزوج بسارة فأعلن عن خوفه. فأجابه الملاك قائلًا "تذكر وصية أبيك وقوله لك لا تتخذ لك أمرأة من غير قبيلتك (طو 16:6)"(4) وهو بذلك يذكره بالخطوط العامة لاختيار شريك الحياة. فأول كل شيء أن يكون شريك الحياة من جنسيته وذلك ليس بسبب اختلاف التقاليد والعادات فقط، وإنما بالأكثر بسبب اختلاف الدين، حيث كان قديمًا لكل بلد إله، مما ينتج عنه اهتمامات مختلفة بين الزوجين والنظرة إلى الامور تكون مختلفة. فعلى سبيل المثال: العبادات الغريبة كانت تسمح بتقديم ذبائح دموية (بشرية) للآلهة، وهذه العادة لم يأمر بها الله ولا يقبلها. فبالتالي ستنتج عنها مشاكل في الأسرة، وأهل هذه البلاد كانوا يستشيرون العرافين والسحرة، وأما الله فلم يكن يسمح لإسرائيل بذلك. بل كان يطالب بقتل كل مَنْ يقوم بأعمال السحر والعرافة في إسرائيل. والامم الغريبة كانت تأكل المخنوق والميت والدم (تأكل اللحوم بدمها)، والله لم يكن يسمح لإسرائيل بذلك. فمن هذه الأشياء وما شابهها، كانت سوف تسبب انشقاقًا في الأسرة. وستنتج عنه صراعات نفسية وهذا بخلاف لو استطاع الطرف الاجنبى إسقاط الإسرائيلي في عبادة الأوثان. ولذلك نجد القديس بولس الرسول يوصينا قائلُا "لا تكونوا تحت نير الزواج مع غير المؤمنين" - ويشرح هذا موضحًا إياه قائلًا- "لأنه أية خلطة للبر والإثم وأية شركة للنور مع الظلمة وأى اتفاق للمسيح مع بليعال وأى نصيب للمؤمن مع غير المؤمن وأى موافقة لهيكل الله مع الاوثان. فأنكم أنتم هيكل الله الحى (2 كو 6: 14- 16)". ويؤكد ذلك القول للأرامل الذين أمن بعد زواجهن الأول ويريدون الزواج مرة ثانية قائلًا لهن "تتزوج بمن تريد في الرب فقط (1 كو 39:7)". والذى نقوله بالنسبة للجنس نؤكد عليه ونقوله بالنسبة للعقيدة ولذلك نجد العهد القديم يحذر بشدة من المرأة الأجنبية. ثانيًا: لابد أن يكون هناك تكافؤ في الناحية الاجتماعية وهذا ما تنبه إليه جيدًا داود الملك، عندما كان شابًا وعرض علية الزواج من ابنة شاول الملك فقال لمن يحدثه "من أنا وما هي حياتى وعشيرة أبى في إسرائيل حتى أكون صهر الملك" وفي مرة ثانية قال "هل هو مستخف في أعينكم مصاهرة الملك وأنا رجل مسكين وفقير" (1 صم 18:18- 23) مع العلم أن داود كان في ذلك الوقت قائد الف أي ما يعادل رتبة لواء بالجيش (1صم 13:18) وكثيرًا ما يحدث خلافات بسبب الوسط الاجتماعى، وذلك بسبب خجل الشخص الذي في مستوى أعلى عندما يكونان في موقف ما وخاصة في الحفلات أو أمام بعض الاقرباء والضيوف أو تعاليه على الطرف الآخر مما يجعله يشعر بدونيته أو أنه أقل منه إن كان من الناحية العلمية أو المالية أو يكون الطرف الأقل حساسًا لأقل تصرف مترجمًا بعض التصرفات بطريقة خاطئة بسبب شعوره بالنقص فتحدث بسببها المشاكل. فأرجوك يا مَنْ تريد أن تتزوج ألا تبحث عن الجمال -المظهر الخارجي- لمجرد المظهر الخارجي. لأنه سريعًا ما يزول. وأقول لك لا يزول بسبب حادث ما، أو مرض ما ولكنه سريعًا ما تزحف الشيخوخة فيذبل زهرهُ ويفنى جمال منظرهُ (يع 19:1) ولا تبحث عن المال لأنه سريعًا ما ينتهى لا بسبب صفقة خاسرة ولا بسبب سرقة ولكن ربما بقرار خاطئ من إنسان ما، وتدفع ثمنه أنت من هذا المال. ولا تبحث عن أسرة لمجرد مكانتها الاجتماعية أو أسمها لأنه ربما يكون تكدير صفوك وسلامك بسببها. ثالثًا: لابد أن يكون هناك تكافؤ في السلوك الروحي: ولذلك نجد عبد إبراهيم أب الآباء والمسئول على بيته -ربما أليعازر الدمشقي- يطلب من الله علامة عندما ذهب لاختيار زوجة لأسحق ابن سيده فصلى وقال"الفتاه التي أقول لها أميلى جرتك لأشرب، فتقول أشرب وأنا أسقى جمالك أيضًا هي التي عينتها لعبدك إسحق وبها أعلم أنك صنعت لطفًا إلى سيدى" (تك 14:24). فهنا أليعازر طلب من الله فتاه تكون كريمة، مضيفة، محبة للغرباء، لعلمه بأن هذه الفضيلة متأصلة في الأسرة وبذلك لا ترى تلك الفتاة ما يصنعه إسحق تبذيرًا لماله. أو أجهادًا لها بسبب ضيوفه المتكررين. رابعًا: التوافق في السن والتعليم لابد لشريك الحياة أن يكون قد وصل إلى مرحلة سنية يستطيع معها تحمل المسئولية في داخل البيت وخارجه. ويستطيع تكوين علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين. ويكون قد نضج انفعاليًا، بحيث تكون ردود فعله مناسبة مع المواقف لا أكثر ولا أقل. ولا يكون الفارق الزمني بين الطرفين كبير. وإن كان يفضل أن تكون الفتاه أصغر من الشاب سنًا، ولذلك تجد آدم اكبر من حواء، وإبراهيم أب الآباء أكبر من سارة فهل تعلم السبب؟ السبب هو أنه يحدُث النضج بالنسبة للفتاة من الناحية الجسمية والنفسية والعاطفية مبكرًا عن الولد عادة بنحو ثلاث سنوات، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى عندما تكون الفتاة أكبر من الولد ستتعامل معه كمن تتعامل مع ابنها. أو قد يشعر الولد بدونية نتيجة كبر سنها مما ستؤثر على علاقتهما الأسرية(5). وأما فلماذا لا يفضل أن يكون الرجل أكبر من الفتاة كثيرًا؟! وذلك عادة لأنها ستتعامل معه كمن في حكم أبيها، أو هو قد يشعر بغيرة مرضية نتيجة بعض تصرفاتها الطبيعية في هذه السن الصغيرة والذي يكون هو قد تجاوزها من فترة، بالتالي سيؤثر على علاقتهما ببعض أيضًا. فالزواج بمفهومه الصحيح كما ثبت من دراسات علماء النفس(6) هو: (ليس هو المشاعر الحسية والعاطفية فقط، وإنما هو اتفاق -تكافؤ- شخصين في الميول، والرغبات والأهداف مع التقارب في السن والحالة الاجتماعية والثقافية والتعليمية ويرغب كل منهما في إسعاد الشخص الآخر ويقتنع كل منهما بظروف وشخصية الطرف الاخر). ولكن عادةً يندر التوافق في كل هذا. ولذلك لابد لنا من طلب تدخل الله في الأمر لأن الهدف النهائى من الزواج هو خلاص نفسه وكل الذين معه. وهذا الأمر يتطلب حواس مدربة لمعرفة وتمييز صوت الله، وتنفيذ أوامره مهما علت فوق إدراكنا. وربما تتساءل كيف أعرف إرادة الله؟ والاجابة مبسطة هي من خلال قراءاتك لكتابه المقدس، ومعرفة وصاياه. وبعدما ذكره الملاك بكلام أبيه في اختيار شريكة حياته، أردف له قائلًا: "إن الذين يتزوجون فينفون الله من قلوبهم ويتفرغون لشهواتهم كالفرس والبغل اللذين لا فهم لهما أولئك للشيطان عليهم سلطان" (طو 17:6). ونجد إرميا النبي يؤكد هذا الكلام أيضًا فيقول لأهل أورشليم عن لسان الله "كيف أصفح لك عن هذه، بنوكِ تركونى وحلفوا بما ليست آلهة. ولما أشبعتهم زنوا وفي بيت زانية تزاحموا صاروا حصنًا معلوفةً سائبة. صهلوا كل واحد علي امرأة صاحبة" (إر 5: 7، 8). أما سفر المزامير فكثيرًا ما يؤكد على أن الذين ينفون الله من قلوبهم. وفكرهم يصيرون كفرس أو بغل بلا فهم (مز 32: 9، 49: 12- 20) وهذا ما عبر عنه القديس بولس الرسول قائلًا "وكما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق - حيث أنهم أهانوا مجد الله لذلك - أسلمهم الله أيضًا في شهوات قلوبهم إلى النجاسة لإهانة أجسادهم بين ذواتهم الذين استبدلوا حق الله بالكذب واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق" (رو 28:1 , 24-25). حيث أن البعض يسلم نفسه للخطية والشر بالتالي يخرج نفسه من حصن الله ويجعل الشيطان سيدًا له وتحت سلطانة. سر النصرة: وابتدأ من هنا، وحتى نهاية الإصحاح، يعطيه الملاك فكرة عن كيفية النصرة على الشيطان. فأوضح له النصرة باتجاهين النصرة من خلال الاتجاه السلبى والنصرة من خلال الاتجاه الايجابى. فالاتجاه السلبى من ناحية عدم التمادى في الشهوات حيث أن الشهوة هي (الرغبة الملحة المسيطرة والمتجددة التي لا تشبع، فهى التعلق بالموجود والتعطش إلى شيء لديك منه الكثير). فالزواج ليس فرصة لترك العنان للشهوات بحجة أنهم أزواج لأنه عندما تسيطر الشهوة الرديئة على الانسان يتملك الشيطان عليه وينسحب روح الله منه وينطفئ (1 تس 19:5) بذلك يستطيع الشيطان التغلب على هذا الانسان. أما النصرة من خلال الاتجاه الايجابى فقد نصحه بممارسة الصوم والصلاة كما قال السيد المسيح له المجد "أن هذا الجنس لا يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم (مت 21:17)". فنجد الملاك يقول له: "فأنت إذا تزوجتها - حيث له حرية القبول أو الرفض - ودخلت المخدع فأمسك عنها ثلاثة أيام - حيث أن المعاشرات الزوجية فطر فلهذا يوصيه بالصوم - ولا تتفرغ معها إلا للصلوات (طو6: 18)"، ولذلك نجد أنه حينما أراد الله أن يتكلم مع موسى النبي أمام الشعب أوصاهم قائلًا "قدسهم اليوم وغدًا وليغسلوا ثيابهم ويكونوا مستعدين لليوم الثالث (خر 15:19)" وقد أمر الله موسى قائلًا "قدسهم اليوم وغدًا وليغسلوا ثيابهم ويكونوا مستعدين لليوم الثالث (خر 19: 10، 11)". ونجد يوئيل النبي عندما حث الشعب على التوبة قال لهم "قدسوا صوما نادوا باعتكاف اجمعوا الشعب قدسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الأطفال وراضعي الثدي ليخرج العريس من مخدعه والعروس من حجلتها ويقولوا اشفق يا رب على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار (يؤ 2 15-17)" ولذلك نجد أن القديس بولس الرسول يوصى الزوجين اللذين يريدان أن يتفرغا بعض الوقت للصلاة والصوم قائلًا "لا يسلب أحدكم الآخر -المقصود منها هنا هو الامتناع عن المعاشرات الزوجية- إلا أن يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة ثم تجتمعوا أيضًا معًا لكي لا يجربكم الشيطان (1 كو 5:7)" ويشرح الملاك لطوبيا لماذا ثلاثة أيام؟ فعندما يقدس اليوم الأول بالصلاة، واليوم الثاني يكون مقبولًا ضمن شركة القديسين، وفي اليوم الثالث ينال البركة. ويذكره مرة أخيرة كيف يتقدم إلى زوجته يتقدم إليها بخوف الرب وبدافع الرغبة في إنجاب البنين ولا تكن الشهوة هي الدافع إلى معرفة زوجته. الكنيسة اليوم وأيام طوبيا الثلاثة: ولقد سارت الكنيسة على هذا التقليد -تقديس الأيام الثلاثة بعد الإكليل- وتساعد بعض أولادها على ممارسة ذلك، بتهيئة الجو المناسب لهم. فنجد الكاهن بعد صلاة العشية - في مساء ليلة الإكليل - يذهب إلى منزل العريس، ويصلى صلاة نصف الليل هو والحاضرين معه ويقود الشمامسة في صلاة التسبحة بألحانها المعزية والعذبة وعند الانتهاء من صلاة التسبحة، يذهبون إلى الكنيسة فيصلى باكر وبين صلاة باكر وتقديم الحمل يقوم بإتمام سر الزيجة، ويحضر العروسان القداس الإلهي ويكونان ضمن المتقدمين إلى التناول وبعد ذلك يذهب الزوجان إلى أحد الأديرة لقضاء خلوة لمدة ثلاثة أيام وعندما يرجعان إلى المنزل يذهب لهما الكاهن ويعطيهما البركة، وبعض النصائح التي تعينهما وتساعدهما على حياتهما الجديدة. _____ (1) ومازال في صعيد مصر إلى هذا اليوم يطلق البعض كلمة حوت على نوعية من السمك المملح. (2) حسب الترجمة التي في القبطي. (3) الكنيسة بيت الله للقمص تادرس يعقوب ملطى. (4) حسب الترجمة التي عن القبطي. (5) أنظر أيضًا التكيف النفسى. للدكتور مصطفى فهمى. (6) أنظر أيضا الميل العصبى لدى المتزوجات والمطلقات - دراسة مقارنة بحث نشر للدكتورة راوية محمود حسين في مجلة علم النفس العدد 37. |
||||
19 - 06 - 2014, 11:50 AM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
طوبيت 7 - تفسير سفر طوبيا اللقاء براعوئيل وأسرته خطبة سارة زواج سارة لطوبيا الحواشي والمراجع اللقاء براعوئيل وأسرته: "ثم دخلا على راعوئيل فتلقاهما بالمسرة (طو 1:7) ". ما أجمل كلمة دخلا. فهى تفكرنا بإبراهيم أب الآباء، الذى وقف لديه ثلاثة رجال أمام خيمته (تك 18: 1، 2). وليس كلوط الذي ألح على الملاكين لكي يدخلا اليه، ويقضيا ليلتهما في منزله. ولا يناما في ساحة المدينة (تك 19:1 -3). فالعادة قديمًا، كان الغريب يقف في باب المدينة أو الساحة، لكي يستضيفه أحد من أهل المكان أو يقضى ليلته في الساحة إذا لم يستضيفه أحد. أما راعوئيل فمن كرمه وحسن إستضافته للغرباء أصبح مشهورًا لهم. فكانوا يذهبون إليه مباشرة، أما هو فكان يتلقاهم بالفرح والمسرة، وعندما دخل إليه طوبيا ورفيقه عزريا - الذي اختار المكان الذي يستريح إليه وفيه - فرح بهما راعوئيل واستقبلهما ببشاشته المعهودة. ونظر اليهما وقال لزوجته: "إن هذا الإنسان يشبه قريب ". فسألهما قائلًا: " من أين انتما أيها الاخوان الفتيان؟". فقالا له: "من سبط نفتالي من جلاء نينوى". وبدأ يتجاذبان أطراف الحديث حول بعض الموضوعات، ومنها هل يعرفان طوبيا الذي كان يحبه ويمتدحه جدًا؟! وهنا نجد أن راعوئيل يصف طوبيا بانه أخوه (طو 7: 4)، دلالة على شدة القرابة. نعم لقد كان قريبه وأخاه، حتى في فضيلة إضافة الغرباء والاهتمام بهم، ونلاحظ في مدحه له. يعلن عن أن له عينًا بسيطة لا ترى سوى الخير في الكل، ومع كل من يتعاون معه، فهو لم يحاول أن يربط بين عمى طوبيا وأى خطية يكون قد فعلها كما فعل أصدقاء أيوب معه. وأخيرًا علم بأن طوبيا هو أبو الفتى الجالس أمامه. ففرح به جدًا ومن شدة فرحه بكى هو وأسرته مقبلًا إياه (طو 7: 6). فهذا اللقاء يذكرنا بلقاء يعقوب ببيت خاله لابان أو بلقائه بعيسو أخيه. خطبة سارة: وفى أثناء الحديث حيث كانت تعد المائدة، إذ قد ذبح كبش للعشاء. قال طوبيا -الذي كان يعلم جيدًا الهدف من هذه الزيارة- لراعوئيل: "إنى لا آكل اليوم طعامًا ههنا ولا أشرب مالم تجيبنى إلى ما أنا سائله. وتعدنى أن تعطينى سارة ابنتك زوجة (طو 7: 10)". بهذا الخبر جاء على راعوئيل كالصاعقة - لأنه كان يعلم جيدًا كيف تقدم لابنته سبعة رجال ولحقهم جميعًا الموت في ليلة زفافهم الأولى، وقبل أن يعرفوها - فارتعد وخاف أن يصيبه ما أصاب الذين كانوا قبله. وهنا تظهر فضيله أخرى لدى راعوئيل بالإضافه لاستضافته للغرباء وعينه البسيطة وهي اهتمامه بالآخرين كاهتمامه بنفسه، وخوفه عليهم من أي ضرر، ولهذا لم يستطيع أن يقدم جوابًا لهم إلا عندما تدخل الملاك في الحديث. وشجعه على ذلك بقوله: "لا تخف أن تعطيها لهذا فإن ابنتك ينبغى أن تكون له زوجة، لأنه يخاف الله ولذلك لم يقدر غيره أن يأخذها (طو 7: 12)". ونجد أن الملاك أوضح لراعوئيل أن سارة أبنته ينبغى أن تكون زوجة لطوبيا. لأن الزوجة المتعقلة هي من عند الرب (أم 19: 14)، لأن كل عطية صالحة وكل موهبة تامة نازلة من فوق من عند أبى الأنوار(يع 1:17). لذلك نجد أن عبد إبراهيم يطلب من الله أن يعلن له عن المرأة التي عينها لإسحق ابن سيده بعلامة كرمها. ومحبتها لإضافة الغرباء، علاوة على كونها من عشيرة إبراهيم. ولما علم لابان وبتوئيل بذلك قالا له: "من عند الرب خرج الأمر لا نقدر أن نكلمك بشر أو خير، وهوذا رفقة قدامك خذها وأذهب ولتكن زوجة لابن سيدك كم تكلم الرب"، ومع كل ذلك أخذ رأى رفقة في موضوع زواجها. هل ترضى بهذا الزواج أم لا (تك 24: 50 - 58)، فالله لا يلغى حرية الإنسان وإرادته لذلك يقول الحكيم: "هو صنع الإنسان في البدء وتركه حرًا في اختياره" (سى 15: 14)" ولكن ليت إرادتنا وحريتنا تكون وفق مشيئة الله (مت 26: 39، 42). زواج سارة لطوبيا:- وبعدما أقنع الملاك راعوئيل بذلك. أعلن راعوئيل أمامهم أن هذه الزيجة من تحنن الله عليه، واستجابة لصلواته ودموعه. وفرح بالأكثر لأن هذه الزيجة ستكون حسّب الشريعة، وأعلن عن موافقته بزواج طوبيا من ابنته سارة. فأبتدأ بإتمام مراسيم العرس فأخذ بيمين سارة ابنته(1) وسلمها إلى يمين طوبيا. وهو يتلو البركة قائلا: "إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب يكون معكما ويقرنكما ويتمم بركته عليكم (طو 7: 15)". ونلاحظ في هذا الزواج لب ما يقوم به الكاهن في ليتروﭽية سر الزيجة من تسليم العروس للعريس، مع الدعاء إلى الله أن يحل بروح قدسه فيهما، ويوحد بينهما، ويباركهما. فكان أب الأسرة قديمًا يقوم بعمل بعض من مهام الكاهن في الوقت الحالى (أى 1: 5). لذلك نجد راعوئيل وهو يأخذ باليد اليمنى لابنته معطيًا إياها ليد طوبيا اليمنى. وبهذا الوضع تعلن سارة عن موافقتها بالزواج منه، ويعلن طوبيا عن مسئوليته تجاهها والاهتمام بها ورعايتها. ووضع أيديهما في أيدى بعض علامة على اتحادهما معًا. وأما اليد اليمنى لأنها تشير إلى القوة، وكأنهم يعلنان عن اتحادهما بقوة الله وفعل روحه القدوس فيهما لأنه هو الذي يجعل الأثنين واحدًا. (تك 2: 24). " ثم أخذا صحيفة وكتبا فيها عقد الزواج، وبعد ذلك أكلوا وباركوا الله (طو 7: 17) ". ونلاحظ انهم صلوا وباركوا الله في وقت الفرح كما في الشدة. فيا ليتنا لا ننسى أنفسنا ونجعل الله في افراحنا واحزاننا. وبعد ذلك دعى راعوئيل زوجته، وأوصاها أن تعد مخدعًا أخر للعروسين وذلك تحقيقًا لقول الله: "ولهذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته (تك 2: 24)". وعندما جهزت المخدع لهما، وأخذت سارة ابنتها التي بدأت تبكى. متذكرة شدة تجربتها التي ألمت بها مرارًا، فعندما رأتها أمها شجعتها قائله: "تشجعىِ يا بنية، ورب السماء يؤتيك فرحًا بدل الغم الذي قاسيته (طو 7: 20)". نعم أنه هو الله وحده الذي يستطيع أن يحول حزننا إلى فرح (يو 16 -20)، وبهذا التشجيع تذكرها بإيمانها ورجاؤها بالله. من خلال صلاتها التي قدمتها إليه قائلة فيها: " أنك لا تسر بهلاكنا، فتلقى السكينة بعد العاصفة، وبعد البكاء والنحيب تفيض التهلل (ط 3: 22)". وكأنها تعلن عن استجابة السماء لصلاتها. _____ (1) ولذلك نجد عامة الشعب عندما يتقدم لخطبة فتاة يقولون لولدها، نطلب يد ابنتك لابننا. |
||||
19 - 06 - 2014, 11:52 AM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
طوبيت 8 - تفسير سفر طوبيا
بركة الطاعة صلاة طوبيا هدف الزواج نظرة الرجل لزوجته صلاة سارة قلق راعوئيل صلاة راعوئيل وزوجته الحواشي والمراجع بركة الطاعة: بدأ حفل زواج طوبيا من سارة. وكان في بدايته حفلًا بسيطًا لا يتعدى جدران بيت راعوئيل. وفي هذا الجو العائلى كانت علامات الفرح تظهر على وجه طوبيا، فبعدما تعشوا دخل على زوجته سارة. ولكنه تذكر قول الملاك له وأطاعه، كما أطاع القديس بطرس الرسول السيد المسيح له المجد عندما أخذ صنارته وذهب إلى البحر وأول سمكة اصطادها قام بفتح بطنها، فوجد بها إستارًا(1)، كما قال له السيد المسيح فذهب إلى الهيكل وقام بدفع الجزية عن السيد المسيح، وعن نفسه أيضًا (مت 17: 24 - 27). فأخذا طوبيا كبد السمكة وقلبها ووضعهما في النار. فعندما اشتم الشيطان رائحة هذه الذبيحة البسيطة هرب. فهروب الشيطان هنا نابع من أن الله قد اشتم هذه الذبيحة ذبيحة رضا ومسرة (تك 8: 21). وبالتالي لا يستطيع الشيطان أن يثبت بل يفر ويهرب معلنًا عن خزية، وهزيمته، لأنه إن كان الله معنا فمن يكون علينا (رو 8: 31)، ولقد هرب الشيطان أيضًا بسبب إطاعة الوصية والتي بدأت بحرق القلب والكبد ولذلك نجد الرسول يوصينا قائلًا: "قاوموا إبليس فيهرب منكم (يع 4: 7)". ولقد هرب الشيطان أيضًا حيث أن السمكة استمدت قوتها من المسيح، حيث أنها ترمز إليه -كما تحدثنا من قبل- ولهذا سمى آباء الكنيسة الأولون المسيح "سمكة". فالمسيح سمى هكذا بسبب سمكة طوبيا هذه والتي تشير إلى المسيح وقد طردت الشيطان عنهم(2). صلاة طوبيا: وبعدما أحرق طوبيا كبد السمكة وقلبها، طلب من زوجته سارة أن يقوما بالصلاة معًا لمدة ثلاثة أيام. حيث يتم اتحادهما بالله وببعضهما البعض. معللًا ذلك بأن زواج المؤمنين يختلف عن الأمم قائلًا لها: "لأننا بنو القديسين فلا ينبغى لنا أن نقترن اقتران الأمم الذين لا يعرفون الله (طو 8: 5) ". ونجد أن القديس بولس الرسول أقتبس هذه الآية في رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكى قائلًا لهم: "لأن هذه هي إرادة الله قداستكم...ان يعرف كل واحد منكم أن يقتنى إناءه بقداسة وكرامة. لا في هوى شهوة كالأمم الذين لا يعرفون الله (1 نس 4: 3 -5)". فالأمم هدفهم من الزواج هو إشباع شهواتهم. أما الهدف الحقيقي من الزواج يختلف تمامًا عن ذلك، وهو ما يعلنه طوبيا في صلاته حينما قاد امرأته في الصلاة لأول مرة فقال: "أيها الرب اله آبائنا لتبارك السموات والأرض والبحر والينابيع والأنهار وجميع خلائقك التي فيها. أنت جبلت آدم من تراب الأرض وآتيته حواء عونًا. والآن يا رب أنت تعلم أنى لا لسبب الشهوة أتخذ أختى زوجة وإنما رغبة في النسل الذي يبارك فيه اسمك إلى دهر الدهور (طو 8: 7 -9)". ففى هذه الصلاة يقوم طوبيا بنداء للخليقة لتسبح الله معه. فالإنسان هو سيد الخليقة، ولذلك يقودها في التسبيح لله، ولهذا رتبت الكنيسة في تسبحة نصف الليل صلاة الثلاثة فتية -الموجودة في تتمة سفر دانيال (دا 3)- ضمن هذه التسبحة، وهو الهوس الثالث. ونجد فيه المصلى يستدعى الخليقة واحدًا فواحدًا ليسبح الرب. وأول من ذكر ذلك في الكتاب المقدس هو الله نفسه عندما خطاب أيوب قائلًا: "إنى اسألك فتعلمنى أين كنت...عندما ترنمت كواكب الصبح معًا وهتف جميع بني الله (أى 38: 1- 7)". فمن ذلك نعلم أن الخليقة تشترك مع الإنسان في التسبيح. ولكن أول من ذكر عنه أنه وجه نداء للخليقة لكي تشترك معه في التسبيح هو داود النبي (أى 16: 30 - 33). وكرر هذا النداء كثيرًا في مزاميره(3) وليس هو فقط الذي قام بهذا العمل إنما إشعياء أيضًا في (إش 44: 23 , 49: 13 , 55: 12) وغيرهم.. هدف الزواج: وبعدما استدعى طوبيا الخليقة لتسبح الله معه، يتذكر معاملات الله مع الإنسان حينما خلقه وجلب له حواء لكي تكون معينًا له. فهنا طوبيا يعى تمامًا أن الغاية الأولى من الزواج هي التعاون بين الرجل وزوجته، فالتعاون لا يشترط القيام معًا بنفس العمل، وانما لكي يكمل كل منهما الأخر. فلذلك قال الله: "ليس جيد أن يكون آدم وحده فأصنع له معينًا نظيره (تك 2: 18)" فالمرأة ليست دون الرجل ولا الرجل دون المرأة في الرب (1 كو11: 19)، ولذلك نجد المبادرة في الخطبة تأتى من الرجل، فالرجل هو الذي يذهب إلى الفتاة لكي تأتى وتعينه، وهو ما عبر عنه أبونا آدم قبل خلقة أمنا حواء عندما فتش في خليقة الله فلم يجد لنفسه معينًا نظيره (تك 2: 20)، فالمعونة لا تعنى نزع الاختصاصات والوظائف من الرجل، ولكنها تعنى المساعدة على القيام بالأعباء والأعمال. بما تقدمه من عون ومساعدة، مستغلة خصائصها وصفاتها التي تتميز بها كامرأة والتي يفتقر اليها الرجل، ولذلك يقول القديس أوغسطينوس :"ليست الزيجة هي فقط لأجل إنجاب الأطفال، وإنما هي أيضًا لأجل التعاون الإجتماعى بين الزوجين"(4) وإن كان الرجل رأس المرأة (أف 5: 23) فالمرأة الفاضلة تاج على رأس زوجها (ام 12: 4)، فذلك التعاون مطلوب بين الطرفين دون استعلاء أحدهما على الأخر، فإن كان تدبير الأمور من اختصاص الرجل بصفته الرأس المفكر فالتنفيذ يختص بالجسد الذي يتلقى التعليمات وينفذها. وهذا لا يعنى عدم إبداء الأراء، ولكن يعنى أن القرار النهائى هو من اختصاص رب الاسرة، وكما أن المرأة تبدى الخضوع من أجل رجلها، كذلك على الرجل أن يبذل نفسه من أجل زوجته (أف 5: 25)، فالتعاون بينهما هو عطاء متبادل بين الطرفين غايته الوحدة في الله. ويسترسل طوبيا في حديثه مع الله، ويعلن عن الغاية الثانية من الزواج، وهي إيجاد نسل يمجد الله من خلال أعماله وتصرفاته. فالنسل في العهد القديم كان مهمًا جدًا في نظرهم، لأن كل إنسان كان يشتاق أن يأتى من نسله المسيح، هذا من جهة ومن جهة أخرى كان البنون بالنسبة لهم ميراثًا من الرب وثمرة البطن عطية منه (مز 127: 3). ولذلك نجد القديس بولس الرسول أيضًا يوصى قائلًا: "فأريد أن الحدثات يتزوجن ويلدن الأولاد ويدبرن البيوت ولا يعطين علة للمقاوم من أجل الشتم" (1 تى 5: 14)، أما الحكيم يشوع بن سيراخ يوضح ذلك قائلًا: "لا تشته كثرة أولاد لا خير منهم، ولا تفرح بالبنين المنافقين، ولا تسر بكثرتهم إذا لم تكن فيهم مخافة الرب. لا تثق بحيلتهم، ولا تلتفت إلى مكانهم، ولد واحد يتقى الرب خير من الف منافقين(5)، والموت بلا ولد خير من الأولاد المنافقين (سى 16: 1-4)". وفى موضع آخر يصف الله بأنه لا يحب كثرة البنين الكفرة الذين لا خير فيهم (سى 15:22). فتربية الأولاد تربية مسيحية هي الوسيلة التي نسير بها نحو الملكوت، لذلك يقول القديس بولس الرسول: "آدم لم يغوّ لكن المرأة أغويت فحصلت في التعدى. ولكنها ستخلص بولادة الأولاد إن ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل (1 تى 2: 15)". لأنه من العادة أن الأطفال يتخذون والديهم قدوة لهم ويقلدونهم في كل شيء، فبالتالي إن سلكوا في طريق القداسة فذلك يعود إلى والديهم الذين سكن فيهم أولًا الإيمان العديم الرياء (2 تى 1:15). فالطفل هو ترمومتر الحياة الروحية بالمنزل. لذلك قيل عرفنى الأبناء فأعرفك من هم والدهم. ويضيف القديس بولس الرسول إلى هاتين الغايتين من الزواج. غاية أخرى، هي الحماية من الزلل في الخطية حيث يقول: "ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا لأن التزوج أصلح من التحرق(1 كو 7: 9)" ويزيد هذا إيضاحًا فيقول: "ولكن لسبب الزنا ليكن لكل واحد امرأته وليكن لكل واحدة رجلها، ليوفي الرجل المرأة حقها الواجب وكذلك المرأة أيضًا الرجل، ليس للمرأة تسلط على جسدها بل للرجل. كذلك الرجل أيضًا ليس له تسلط على جسده بل للمرأة (1 كو 7: 2 - 4)" نظرة الرجل لزوجته: ونلاحظ في هذه الصلاة أن طوبيا قال عن زوجته أنها اخته. وهو نفس التعبير الذي أطلقه القديس بولس الرسول على المرأة المتزوجة قائلًا: "أ لعلنا ليس لنا سلطان أن نجول بأخت زوجة كباقى الرسل وإخوة الرب وصفا (1 كو 9- 5) ". والسيد المسيح ذاته له المجد نجده عندما أعلن عن النفس البشرية والكنيسة كزوجة له كان يناديها بلقب: "أختى العروس (نش 4: 9)". ولقب أخت بالنسبة للزوجة لأنها اتحدت بزوجها اتحادًا روحيًا واصبحا عشيرة واحدة وأهل بيت الله (أف 2: 19). صلاة سارة: وبعد ذلك صلت زوجته سارة قائلًا: "أرحمنا يا رب أرحمنا حتى نشيخ كلانا معًا في عافية (طو 8:11)، فهذه الطلبة هي طلبة كل نفس خاصة المتألمة، فهنا نجد طلبتها نابعة من كل وجدانها، وأحاسيسها، ومشاعرها، طالبة الرحمة في تجربتها، ولم تكتف بهذا فقط ولكن طلبت الرحمة إلى نهاية حياتهما بعد شيخوخة صالحة، وهم في كامل صحتهما. ونلاحظ أن هاتين الصلاتين هما محور صلاة كل منهما في هذا اليوم، وهذا المنظر الجميل اهديه لكل أسرة وخاصةً المتزوجون حديثًا، حيث يقف الزوجان جنب إلى جنب أمام الله على الأقل مرة يوميًا. حيث يكونان مذبحًا عائليًا يضعان عليه كل شكرهما، ومشاكلهما، واحتياجاتهما أمام الله. فالتعود على عمل شىء ما في بداية الحياة الجديدة سهل جدًا. قلق راعوئيل: وإذا مع صياح الديك حدثت حركة غير طبيعية بالمنزل، فإذا براعوئيل يوقظ غلمانه ويأخذ بعضًا من الفؤوس والمعاول والزنابيل ويذهب إلى قطعة أرض، ويحفر قبرًا، وعندما سئل ماذا يفعل أجاب قائلًا: أخشى أن يصيب طوبيا ما أصاب غيره من الرجال السبعة الذين دخلوا على ابنتى ولذلك حفرت القبر حتى أواريه قبل ضوء النهار (طو 8:12 - 13). وهنا يظهر الشك والارتياب في حياة راعوئيل. فمنذ قليل كان يثق أن الله هو الذي أرسلهم لكي تتزوج ابنته حسب شريعة موسى (طو 7: 13 -14). والآن يخشى أن يصيبه ما اصاب غيره. كأنه لا يعلم أن رجلًا ذا رأيين هو متقلقل في جميع طرقه (يع 1:8) فما من أحد إلا وبه نقطة ضعف في حياته والكتاب المقدس كما يظهر نقاط القوة يظهر نقاط الضعف أيضًا. صلاة راعوئيل وزوجته: ولكن عندما أرسلا هو وأمرأته إحدى الجوارى اكتشفا أنه حى. فسبحا الله بتسبيحتهما الجميلة، والتي يشكرانه فيها، ويعلنان أمام الله ضعفهما أيضًا فقالا: "نباركك أيها الرب إله إسرائيل من أجل أنه لم يصبنا ما كنا نتوقعه فإنك قد آتيتنا رحمتك وحبست عنا العدو الذي يضطهدنا ورحمت الوحيدين، فاجعلهما يا رب يباركانك أتم بركة ويقدمان لك قربان تسبيحك وعافيتهما حتى تعلم الأمم كافة أنك أنت الإله الواحد في الأرض كلها (8: 18، 19)". ومن هذه التسبحة يتضح عمل الله معهم. فالله سكب رحمته عليهم، وحبس المضطهد عنهم، والمقصود بالوحيدين هنا هما طوبيا وسارة، حيث أن كلًا منهما وحيد ولا يوجد له أخ أو أخت. وبعدما اعترفا لله بعمله معهما وشكراه، يطلبان منه أن يبارك ولديهما، وأن يقدسهما لكي يقدما له حياة التسبيح الدائم، لأنه بك وحدك نذكر اسمك (إش 26:13)، ويقدمان أيضًا قدرتهما وعملهما. لأنه أيضًا كل أعمالنا بالله معمولة (يو 3: 21)، وبذلك تعلم كل الأمم أنه لا يوجد إله سواك. وبعدما انتهيا من أمر راعوئيل بردم القبر، وأوصى زوجته أن تبدأ في إعداد حفل العرس بطريقة رسمية. وإضافة كل المسافرين وأن تهيئ الوليمة للجيران والأصدقاء. ولم يكتف بحفل الزواج لمدة أسبوع كالمعتاد (تك 29: 27، 28 وقض 14: 12)، بل إمعانًا في الفرح ولكى يعلم الجميع بما صنعه الله معهم ورحمهم (مر 5: 19) جعله لمدة أسبوعين، وأستحلف طوبيا أن لا يفارقه طوال مدة الوليمة، لكي يكون علامة ظاهرة للكل فيراه الجميع فيمجدون إله إسرائيل. ونلاحظ في ذبح البقرتين والأربعة خراف، أن رقم أثنين يشير إلى المحبة، والبقر يشير إلى العمل، ورقم أربعة يشير إلى العالم، والخراف تشير إلى الخلاص والفداء، وكأن راعوئيل من خلال ذبحه للبقرتين والأربعة كباش يعلن عن محبة الله العاملة على خلاص العالم من خلال خلاصه لابنته. ورقم اثنين يشير أيضًا إلى القلة في العدد، والكبش يرمز للقوة، وكأن راعوئيل يعلن عن قلة أفراحنا في العالم، حتى بعد تضاعفه في الزمن - من خلال أسبوعي الوليمة - بالقياس إلى فرحنا بالله وفي ملكوته، أو عدم قدرة العالم في إسعادنا وفرحنا، حيث أن فرحنا الحقيقي هو الله. وفى العدد الأخير من هذا الإصحاح يعلن راعوئيل عن تنازله لممتلكاته لحميه طوبيا بصفته الوريث الشرعي له فيعطيه نصفه حالًا، أما الباقى فبعد نياحته. _____ (1) عملة معدنية تعادل أربعة دنانير. (2) الكنيسة بيت الله للقمص تادرس يعقوب ملطى. (3) أنظر على سبيل المثال مز 96 -103- 148. (4) نقلًا عن نيافة الأنبا إغريغوريس في كتاب القيم الروحية في سر الزيجة. (5) هنا نلاحظ أن الكيف أفضل من الكم. |
||||
19 - 06 - 2014, 11:54 AM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
طوبيت 9 - تفسير سفر طوبيا
طوبيا والأجير طوبيا والتزاماته رحلة الملاك لاسترداد الدين من غابليوس إيفاء الصك لقاء غابليوس بطوبيا وبركته الوليمة الحواشي والمراجع طوبيا والأجير: نرى في هذا الإصحاح كيف يتعامل طوبيا مع الأجير - الذي لم يكن يعلم أنه ملاكٌ. في زمن كان يسود فيه السيد على العبد. وكان يعتبره أحد مقتنياته يتصرف فيه كما يشاء، وكان على العبد أن يخضع وينفذ أوامر سيده مهما كان أمره قاسيًا، أو فوق طاقته، وإلا سينال عقابًا مريرًا. ففى الأعداد (طو 9: 1- 5) نجد طوبيا يمتدح أجيره عزريا بكلمات كلها ثناء ومديح. وامتداحه هنا ليس عن رياء، أو تملق ليحقق من خلاله مآربه - لأنه أكد هذا المديح لأبيه على انفراد (طو 12: 2، 3)- لكن عن اعترافه بالجهد المبذول نحوه. ونجد السيد المسيح أستعمل هذا الأسلوب مع المرأة السامرية. فيمتدح صدقها حينما قال لها: "حسنًا قلت ليس لى زوج لأنه كان لك خمسة أزواج والذى لك الآن ليس هو زوجك هذا قلت بالصدق (يو 4: 18، 19)". وبامتداحه حَوْلَهَا من إنسانة خاطئة إلى تائبة. وليس ذلك فقط ولكن إلى مبشرة وكارزة بالسيد المسيح له المجد (يو 4: 28- 30). ولذلك يقول الحكيم "وجه الإنسان لفم مادحه (أم 21:27)". وعندما يطلب طوبيا من أجيره أن يذهب ويسترد ماله من خلال الصك لا يأمره بذلك، ولكنه يقدم رغبته على هيئة طلب أو سؤال أو وصية. وهذا هو ما فعله الله معنا لأنه يعلم طبيعة الإنسان فيقول لآدم عندما أخطأ: "هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟! (تك 11:3)(1). وهو ما علمه أيضًا لإبراهيم حينما قال: "لأنى عرفته لكي يوصى بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب ليعملوا برًا وعدلًا لكي يأتى لإبراهيم بما تكلم به (تك 19:18)". ونجد القديس بولس الرسول يعى ذلك وينفذه حينما قال: "على سبيل الإذن لا على سبيل الأمر (1 كو 6:7)". وكان يشدد على ذلك فقال لأهل كورنثوس مرة ثانية: "لست أقول على سبيل الأمر بل باجتهاد آخرين مختبرًا إخلاص محبتكم أيضًا (2 كو 8:8)". فالإنسان بطبيعته يحب مَنْ يمتدحه ولا يفرض عليه أمرًا. فإن كان طوبيا فعل ذلك في بداية القرن السابع قبل الميلاد. فكم بالحرى يجب علينا نحن الذين على مشارف القرن الحادى والعشرين ان نتعامل مع من حولنا. وقد زالت كل تفرقة ولم يصبح بعد عبد وسيد ولكن الكل واحد في المسيح كما قال القديس بولس الرسول: "ليس يهودى ولا يوناني ليس عبد ولا حر، ليس ذكرًا ولا أنثى لأنكم جميعًا واحد في المسيح (غل 28:3)". فالكل له نفس الحقوق وأصبحت المساواة الاجتماعية هي سمة هذا العصر. طوبيا والتزاماته: ونجد طوبيا يعلل طلبه بأنه لا يستطيع أن يذهب معه - أي مع عزريا رفيقه - بسبب الحلف الذي الزمه به راعوئيل والد سارة. وهذا يوضح لنا كيف كان طوبيا أمينًا على تنفيذ وعوده والتزاماته. فهو لا يحنث بالعهد الذي قطعه مع راعوئيل، وفي نفس الوقت يعمل لأجل راحة والده الذي تركه وهو في احتياج إليه. ونلاحظ في هذه الاعداد (طو 3:9) أن طوبيا كلف عزريا بدعوة غابليوس إلى عرسه. فكانت العادة قديمًا أن يرسل الخدم والعبيد لدعوة مَنْ يريدونهم لحضور الأفراح، وهذا ما أكده السيد المسيح حينما قال: "يشبه ملكوت السموات إنسانًا ملكًا صنع عرسًا لابنه وأرسل عبيده ليدعو المدعوين إلى العرس (مت 22: 2، 3)". رحلة الملاك لاسترداد الدين من غابليوس: فأطاع الملاك كلام طوبيا وذهب إلى مدينة راجيس. واخذ معه أربعة من غلمان راعوئيل وجملين. ونلاحظ أن راعوئيل كان يسكن في مدينة راجيس (طو 7:3) أي في نفس المقاطعة، فهنا يُطلقْ الاسم على المدينة (المقاطعة) أو ضواحيها. ونجد ذلك أيضًا في أسفار العهد القديم حيث يطلق لقب أفرايم علم مملكة إسرائيل الشمالية (انظر إش 8:7،9، هوشع 4: 16، 17و 5: 3، 13-،14...إلخ) وهو نفس الوقت على سبط أفرايم، ونفس الوضع في العهد الجديد فكانت اليهودية تطلق على ولاية أورشليم (لو 1:3) وفي نفس الوقت كانت لقبًا لسبط يهوذا ومنها جاء لقب اليهود بصفة عامة. فكان غابليوس يسكن في أحد أطراف مدينة راجيس وراعوئيل في الطرف الآخر. ولهذا ذهب إليه الملاك مع غلمان راعوئيل مصطحبين معهم جملين للركوب، لأنه عندما تكون الضاحية في طرف المدينة وتوجد ضاحية في الطرف الآخر منها فالمسافة التي تفصل بينهما أحيانًا تصل إلى عشرات الكيلومترات وهذا ما تلاحظه في مدينة القاهرة مثلًا ما بين حلوان ومدينة نصر ولقد خربت هذه المدينة - أي مدينة راجيس - في زمن الإسكندر الاكبر ثم أعيد بنائها على يد سلوقس نيكاتور نحو سنة 300 قبل الميلاد، وربما تكون هي أطلال رأى(2) بالقر من قرية شاه عبد العزيز، التي يربطها بمدينة طهران خط السكك الحديدية الإيرانية، وتبعد عنها بنحو ثمانية كيلومترات إلى الجنوب الشرقى منها - أي من طهران. إيفاء الصك: وحينما تقابل رافائيل مع غابليوس دفع إليه صكه، وأستوفى منه المال كله، ونلاحظ أن الشريعة كانت تسمح بالقروض بين اليهود بعضهم البعضولكن لم تسمح إطلاقًا بفائدة أو ربا وتقول في ذلك: "إن أقرضت فضة لشعبى الفقير الذي عندك فلا تكن له كالرابى لا تضعوا عليه ربا، إن ارتهنت ثوب صاحبك فإلى غروب الشمس ترده له، لأنه وحده غطاؤه، هو ثوبه لجلده، في ماذا ينام ؟ (خر 25:22-27)". وتؤكد ذلك في موقع آخر "وإذا افتقر أخوك وقصرت يده عندك فأعضده غريبًا أو مستوطنًا فيعيش معك، لا تأخذ منه ربًا ولا مرابحة بل اخش إلهك فيعيش أخوك معك، فضتك لا تعطه بالربا وطعامك لا تعط بالمرابحة (لا 35:25-37)"، والسيد المسيح له المجد قال: "من سألك فأعطيه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده (مت42:5)". ويشوع بن سيراخ يقول: "الذى يصنع رحمة يقرض القريب والذى يمد إليه يد المساعدة يحفظ الوصايا. أقرض قريبك في وقت حاجته وسدد ما له عليك في حينه، أثبت على كلامك وكن مخلصًا له فتنال بغيتك في كل حين، كثيرون يحسبون القرض لقطة ويجلبون المتاعب للذين ساعدوهم. قبل أن يقبضوا يقبلون اليد وأمام أمواله يتكلمون بتواضع فإذا آن الرد ما طالوا وردوا كلمات كئيبة وشكوا صروف الدهر. إن كان الرد في طاقتهم يكاد المقرض لا ينال النصف ويحسب ذلك لقطة وإلا فيكونوا قد سلبوه أمواله ويكون قد زاد عدد أعدائه بلا سبب يردون لعنًا وشتما وبدل الإكرام يكافئونه الإهانة. كثيرون عن غير خبث يمسكون عن القرض مخافة أن يسلبوا بلا سبب (بن سيراخ 29: 1-7)(3). وداود النبي يقول: "الشرير يستقرض ولا يفى أما الصديق فيترأف ويعطى (مز 21:37)". ولأن غابليوس كان رجلًا بارًا، رد كل ما كان عليه دفعة واحدة. مع أن المبلغ كان كبيًرا(4). وعندما علم بخبر العرس، قام ومضى إلى العرس فرحًا ومهنئًا طوبيا بن طوبيت صديقه. والذى وقف جانبه حينما كان في احتياج فهو لم ينس من صنع معه المعروف. لقاء غابليوس بطوبيا وبركته: ونجد أن غابليوس بارك طوبيا قائلًا: "يباركك الرب إله إسرائيل لأنك ابن رجل صالح جدًا بار متق لله صانع صدقات. وتحل البركة على زوجتك وعلى والديكما وتريان بني بنيكما إلى الجيل الثالث والرابع ويكون نسلكما مباركا من إله إسرائيل المالك إلى دهر الدهور" ونلاحظ أن هذه البركة أخذت صفة طقسية حيث نجد جميع الحاضرين أمّنوا عليها قائلين: (آمين). وفي العهد القديم كان الذي يعطى البركة الكاهن من بني هارون، أو النبي مثلًا نجد موسى النبي يبارك أسباط إسرائيل، أو الأب وعادةً كانت تنحصر بركته في الابن البكر. أو القادة مثل داود وسليمان، وربما يكون غابليوس كان مسئولًا عن المسبيين في راجبيس مدينة الماديين لذلك سمح لنفسه أن يبارك الله ثم بارك طوبيا وزوجته. ونجد أن بركته هذه تحققت (قارن طوبيا 14: 15-17). الوليمة: ونجد أن الحاضرون يتقدموا بعد ذلك إلى الوليمة. ونلاحظ أنهم أتخذوا وليمة العُرس بخوف الله (طو 9: 12). أين أفراحنا اليوم من فرح طوبيا ؟؟! فنحن أصبحنا نقلد العالم في أفراحه، ونسينا أن الزيجة سر مقدس يحل الله فيه ويقدس العروسين، فهل يستطيعان العروسان أن يتحسسا حلول الله في هذا السر وهما يريان أمامهما المناظر الخليعة وصخب الموسيقى الذي لأهل العالم؟! هل يستطيع الله أن يلمس قلبيهما وهما مشغولان عنه بأمور وقتية زائلة ولا تعطى فرحًا حقيقيًا أو سلامًا؟! آه يا رب... ها أنت ترى البعض وقد تفسد حياته الزوجية... ويحاول الانفصال.. لأنه لم يشعر بحضورك من أول يوم في حياته الزوجية. بسبب انشغاله عنك بأشياء لا قيمة لها سوى افتخار زائف.. بأنه عمل عرسه في المكان الفلانى. أو أحضر المطرب العلانى. أرجوك يا رب.. اجعلنا أن نفيق من غفلتنا. ونتخذ أفراحنا بخوفك. مثل طوبيا ابنك. وبالتالي تكون أنت هو فرحنا الحقيقي. وسلامنا الذي لا يزول ولا يستطيع أحد ان ينزعه منا. وتتخذ أنت عش الزوجية هذا بين أحضانك.. بحيث لا تستطيع رياح العالم أن تزعزعه أو تهدمه. _____ (1) لذلك تطلق على لوحى العهد الوصايا العشر وليس الأوامر. ويقول عنها القديس بطرس الرسول: "الوصية المقدسة، المسلمة لهم" (2 بط 11:1)(2) دائرة المعارف الكتابية. (3) حسب الترجمة الحديثة للآباء اليسوعين. (4) تعادل 340 كيلوجرام فضة حيث أن الوزنة تعادل 34 كيلوجرامًا تقريبًا |
||||
19 - 06 - 2014, 11:58 AM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
طوبيت 10 - تفسير سفر طوبيا
قلق أبواي طوبيا طوبيا وراعوئيل وصية للزوجين وصية العروس قلق أبواي طوبيا: أننا في الأعداد من (10: 1-7) نجد أبواي طوبيا في أقصى حالة من حالات القلق. فهى نقطة ضعف طوبيت. حيث تعلقه العاطفى بابنه شديد للغاية، ولكن لابد الأخذ في الاعتبار أن العاطفة الأبوية لدى الشرقيين شديدة جدًا. وهذا ما نلاحظه على سبيل المثال مع داود النبي عندما قام أبشالوم بالتمرد عليه، وقيامه بمحاولته الفاشلة لانقلاب الحكم فنجد داود النبي والملك يوصى يوآب وأبيشاى - وهم رؤساء جيوشه - قائلًا لهم: "ترفقوا لى بالفتى أبشالوم (2صم 5:18)". ولذلك نجد داود يحزن جدًا عندما علم بمقتل ابنه أبشالوم وأنزعج. "وصعد إلى علية الباب وكان يبكى ويقول هكذا وهو يتمشى: يا ابني أبشالوم يا ليتنى مت عوضًا عنك يا ابشالوم ابني يا ابني (2صم 33:18)". مع العلم أن داود في ذلك الوقت كان له أبناء كثيرين. وهذا ما نلاحظه أيضًا مع يعقوب أب الأسباط حينما حزن جدًا على فقدانه يوسف. ومزق ثيابه وضع مسحًا على حقويه وناح على ابنه أيامًا كثيرة. وعندما جاء إليه جميع بنيه وجميع بناته ليعزوه أبَى أن يتعزى وقال إنى أنزل إلى ابني نائحًا إلى الهاوية وبكى عليه أبوه (تك 37: 34، 35). ويتضح ذلك أيضًا عندما حُجِزَ شمعون في مصر - عندما قاموا بشراء قمح من مصر في وقت المجاعة - فقال لهم: "أعدمتمونى الأولاد يوسف مفقود وشمعون مفقود وبنيامين تأخذونه، صار كل هذا علىّ (تك42: 36)". ولذلك نجد السيدة العذراء مريم تؤنب السيد المسيح عندما جلس في الهيكل بين رؤساء الكهنة والكهنة بدون علمهما، واضطرا لذلك أن يرجعا من الطريق للبحث عنه هي والقديس يوسف النجار قائلة له "يا ابني لماذا فعلت بنا هكذا؟! هوذا ابوك وأنا كنا نطلبك معذبين (لو2: 48)". فإن كان كل هذا الحزن ويوجد أبناء أخر فكم بالحرى يكون القلق لفقدان ابن وحيد وليس ذلك فقط ولكنهم في أشد الاحتياج إليه معنويًا ونفسيًا ووجدانيًا. فينبغي لنا ألا نلومهم على قلقهم، وخاصة ان الشرقيين يحبون أن يكون الأولاد لهم عزوة وأولادهم يحيطون بهم. ونجد أن طوبيت يحاول أن يخفف من قلقه على ابنه بأن يجد له بعض الأعذار مثل موت غابليوس، أو من يرد المال في مثل هذه الحالة، ونجده يشجع زوجته لكي تطمئن من جهة ولدهما وذلك بالتركيز أن الإنسان الذي صاحبه في الطريق هو ثقة لذلك. ويؤكد لها بإحساسهُ الأبوي أنه سيرجع سالمًا بمشيئة الله الذي يحميه بملائكته. أما هي فأبت أن تتعزى وكانت تقف كل يوم على قارعة الطريق لعلها تراه قادمًا. طوبيا وراعوئيل: في الأعداد (طو 10: 8-11) نجد راعوئيل وهو يحاول أن يجعل صهره طوبيا يمكث معه لفترة أكبر معلنًا فرحه بإنهاء التجربة التي بسببها تألم كثيرًا. ولكن طوبيا الذي يعلم بحال أبويه يكتفى باسبوعى العرس، ويصمم على العودة لكي لا يتأخر أكثر من ذلك، لكي لا يكون سبب حزن أبويه اللذان لا يعلما شيئًا عن أخباره. ليتنا نتعلم من طوبيا كيف لا ننسى أنفسنا وقت فرحنا. وخاصةً إن كان يسبب بصورة مباشرة أو غير مباشرة حزنًا للآخرين. وهنا نجد العلاقة الأسرية في أجمل صورها فالأب والأم قلقين على ابنهما الغائب. والابن يريد بأقصى ما له من قوة أن لا يكون سبب حزن لهما. بل سبب فرح وعزاء وراحة. وعندما يجد راعوئيل أن إلحاحه لا يأتى بأدنى فائدة مع طوبيا المصر على العودة لأسرته فيعطيه زوجته سارة، ونصف أمواله كلها من غلمان وجوار ومواش وإبل وبقر وفضة كثيرة. فمِنْ العادة أن نجد الوالدين يدخرون لأجل أبنائهم ويساعدوهم في تأسيس حياتهم الجديدة. ولذلك نجد معلمنا بولس الرسول يقول: "لأنه لا ينبغى أن الأولاد يذخرون للوالدين بل الوالدون للأولاد. وأما أنا فبكل سرور أنْفِق وأنْفَق لأجل انفسكم وإن كنت كلما أحبكم أكثر ۥأحَبُ أقل فليكن (2 كو12: 14، 15)". وإن كان على الأولاد أن يساعدوا والديهم إن كانا في احتياج لذلك، ولهذا يقول: "إن كان أحد لا يعتنى بخاصته ولاسيما أهل بيته فقد أنكر الإيمان وهو شر من غير المؤمن (1تى 8:5)". فنجد بتوئيل يعطى لابنته رفقة مرضعتها كجارية لها (تك 59:4) ونجد لابان يعطى لليئة بنته زلفة جارية لها ولراحيل بنته بلهة جارية لها أيضًا (تك 29: 29،24). ونلاحظ أن راعوئيل يقوم بالدعاء إلى الله لكي يرافق طوبيا ملاك السلامة لكي يحفظهم في طريقهم ويصلا سالمين. وأن يريا أبويهما بخير وعافية، ولم يكتف بذلك فقط بل يطلب لأجل أن يرى بنيهما قبل وفاته. ونجد أن الله أستجاب لطلبه هذا وليس ذلك فقط وانما أعطاه أن يرى أبناء حفدته أيضًا (قارن طو 14: 15،14). وصية للزوجين: وأقبل الوالدان على ابنتهما يقبلانها ثم صرفاها وأوصياها أن تكرم حمويها وتحب بعلها وتدبر عيالها وتسوس بيتها، وتحفظ نفسها غير ملومة (طو 10: 12، 13)". ونجد أن النسخة القبطية تزيد على ذلك وصية للزوج قائلة: "وقالت امرأته لطوبيا: يا ابني المحبوب فليثبت أمورك رب السماء ويعطينى أن أرى لك أولادًا من سارة ابنتى لأبتهج أمام الرب. وها إنى أسلمك ابنتى فلا تحزنها. وبعد هذا سار طوبيا مباركًا لله لأنه سهل طريقه". أننا نجد صدى هذه الوصية في تعاليم كل من مار بولس الرسول ومار بطرس الرسول فمثلًا نجده يقول في رسالته إلى تلميذه تيموثاوس وهو يوصيه من أجل الأرامل: "فأريد أن الحدثات يتزوجن ويلدن الأولاد ويدبرن البيوت ولا يعطين علة للمقاوم من أجل الشتم (1 تى5: 14)"، ويقول لتلميذه تيطس لنجاح خدمة المسنات: "لكى ينصحن الحدثات أن يكن محبات لرجالهن ويحببن أولادهن متعقلات عفيفات ملازمات بيوتهن صالحات خاضعات لرجالهن لكي لا يجدف على كلمة الله (تى 2: 4، 5)". قارن أيضًا (1بط 3: 1- 6). يا ليت أمهات اليوم أن يكن على هذه الدرجة من الوعى التربوى حيث نجد الأم تلفت نظرها إلى أكرام حمويها حيث تجعلها بداية وصيتها وافتتاحيتها. كم من زوجة الآن تنظر إلى حماتها كمن ينظر إلى غريمه؟!!! ويجول بينها وبين حماتها صراع مرير حول كيفية اجتذاب الزوج إلى أحد الطرفين. فالأم تنظر إليه من حيث أنه ابنها الذي تعبت كثيرًا في تربيته، والزوجة تنظر إليه على أساس أنه ملكها ولا يحق لأحد أن يشاركها في همومه وأفراحه سواها. ولكن الزوجة العاقلة تنظر إلى نفسها كواحد مع زوجها وبالتالي فهى ابنة لحماتها تشركها معها في شئونها وحياتها وتعرف منها كيف تربح زوجها لأنها تعلم أنها أمه وتفهم نفسيته أكثر منها على الأقل في الوقت الحالى. ونجد سفر الأمثال يصف المرأة الفاضلة ويقول عنها: "بها يثق قلب زوجها فلا يحتاج إلى الغنيمة. تصنع له خيرًا لا شرًا كل أيام حياتها تطلب صوفا وكتانا وتشتغل بيدين راضيتين هي كسفن التاجر، تجلب طعامها من بعيد وتقوم إذ الليل بعد وتعطي أكلًا لأهل بيتها وفريضة لفتياتها تتأمل حقلًا فتأخذه، وبثمر يديها تغرس كرمًا تُنَطِق حقويها بالقوة وتشدد ذراعيها تشعر أن تجارتها جيدة. سراجها لا ينطفئ في الليل تمد يديها إلى المغزل، وتمسك كفاها بالفلكة تبسط كفيها للفقير، وتمد يديها إلى المسكين لا تخشى على بيتها من الثلج، لأن كل أهل بيتها لابسون حللًا تعمل لنفسها موشيات. لبسها بوص وأرجوان، زوجها معروف في الأبواب حين يجلس بين مشايخ الأرض تصنع قمصانًا وتبيعها، وتعرض مناطق على الكنعاني العز والبهاء لباسها، وتضحك على الزمن الآتي تفتح فمها بالحكمة، وفي لسانها سنة المعروف تراقب طرق أهل بيتها، ولا تأكل خبز الكسل (أم 31: 10-27)". ونلاحظ أن سفر طوبيا هو أساس طقس ليتروﭽية الزيجة. فلذلك نجد أن الوصية أيضًا تتفق تمامًا مع الوصية التي تقدمها الكنيسة للعروسين، وتكاد أن تكون بالنص فيقول الكاهن للعريس: "يجب عليك أيها الابن المبارك المؤيد بنعمة الروح القدس أن تتسلم زوجتك في هذه الساعة المباركة بنية خالصة ونفس طاهرة، وقلب سليم، وتجتهد فيما يعود لصالحها، وتكون حنونًا عليها وتسرع إلى ما يُسِر قلبها. فأنت اليوم المسئول عنها بعد والديها وقد تكللتما بالإكليل السمائى والزيجة الروحانية وحلت عليكما نعمة الله ومتى قبلت ما أوصيت به، أخذ الرب بيدك وأوسع في رزقك. ويرزقك أولادًا مباركين يُقِرّ الله بهم عينيك، ويمنحك العمر الطويل والعيش الرغد ويحسن لك العاقبة في الدنيا والآخرة". وكذلك توصى العروس قائلة لها: " وأنت أيتها الابنة المباركة العروس السعيدة قد سمعت ما أوصى به زوجك، فيجب عليك أن تكرميه وتهابيه، ولا تخالفى رأيه بل زيدى في طاعته على ما أوصى به أضعافًا، فقد صرت اليوم منفردة معه وهو المسئول عنك بعد والديك. فيجب عليك أن تقابليه بالبشاشة، والترحاب، ولا تضجرى في وجهه، ولا تضيعى شيئًا من حقوقه عليك وتتقى الله في سائر أمورك معه. لأن الله تعالى أوصاك بالخضوع له وأمرك بطاعته بعد والديك..". فيا ليت كل زوج وزوجة يقرأن ليتورﭽية سر الزيجة في يوم عيد زواجهما لكي لا ينسى أحدهما واجباته نحو شريك حياته. |
||||
19 - 06 - 2014, 12:00 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
طوبيت 11 - تفسير سفر طوبيا
رحلة العودة اللقاء بوالديه وصول سارة الحواشي والمراجع رحلة العودة: " وفيما هم راجعون وقد بلغوا إلى حاران التي في وسط الطريق جهة نينوى في اليوم الحادى عشر (طو 11: 1)". فحاران هنا هي أحدى المدن التي تتوقف عندها القوافل. وهي مدينة أخرى خلاف حاران التي في أعالى الفرات. والتي تغّرَبَ بها تارح وإبراهيم ابنه ودفن فيها وبعد موته تركها إبراهيم ابنه وتغرب في كنعان. ولكنه أخذ منها فيما بعد رفقة بنت بتوئيل زوجة لإسحق ابنه. ونلاحظ حتى في وقتنا الحاضر أن بعض المدن والبلدان لها نفس الاسم. فمثلًا نجد في الولايات المتحدة الامريكية ثلاث عشرة مدينة باسم القاهرة هذا بخلاف اثنتان في كندا، واثنتان بإيطاليا وواحدة بفرنسا بينما الأصل بمصر - وكذلك في العصر البيزنطى كانت عمان عاصمة الأردن الحالية تسمى فلادلفيا في نفس الوقت التي كانت توجد مدينة فلادلفيا الشهيرة في آسيا الصغرى، وكما كانت طيبة عاصمة مصر الفرعونية الشهيرة كان أيضًا حى طيبة من أحياء الإسكندرية في العصر البطلمى، وكانت أيضًا طيبة أقوى الولايات اليونانية التي انتقم منها إسكندر الاكبر في حركة التمرد التي قاموا بها أثناء حكمه مع بعض الولايات اليونانية، وتكرار الاسماء أمر يفوق الحصر. وفى الاعداد (طو 11: 2-4) نجد أن الملاك الذي شعر بقلق طوبيا عرض عليه قائلًا له: "أنت تعلم بحال أبيك وقت أن تركته وكيف هو يحتاج لمعونتك؟ ولذلك اقترح عليك أن تترك الماشية مع سارة وعبيد بيت ابيها - والتي أطلق عليهم لقب العيال - حيث أن الماشية تجهد اذا سارت بسرعة وقد ينفق منها الكثير (تك 33: 13) فتسير على مهل وتلحق بنا، أما نحن فنسبق لكي نصل سريعًا إلى بيت أبيك وتعده نفسيًا لاستقبال كل ذلك، وتضع على عينيه من مرارة السمكة، فوافق طوبيا على كل ذلك. اللقاء بوالديه: بينما كانت حنة أمه تقف وتتطلع من مكان ما فتنظر الطرق الرئيسية لمدخل نينوى رأت ابنها قادمًا، فقامت مسرعة واعلمت زوجها، فقام لاستقبال أبنه، وعندما تقابلا وقع على عنقه مقبلًا اياه. أما طوبيا الابن الذي لم ينس وصية الملاك له فعندما دخل المنزل سجد لله مقدمًا له كل الحمد والشكر، وبعدما شكر الرب قام، اقترب من أبيه وطلى عينيه من مرارة السمكة حسب وصية الملاك له. وبعد فترة من الوقت وجد طوبيا الأب شيئًا كأنه قشور على عينيه فسحبها وللوقت أبصر (طو 1: 5-15). وهذا الموقف يذكرنا بحزقيال الملك عندما َمرِضَ، مَرَضْ مميت، وطلب إشعياء النبي منه أن يضع على الخراج الذي كان بجسمه قرص من التين فشفى (إش38: 21)، ويذكرنا أيضًا بنعمان السريانى الرجل الأبرص الذي ترك بلاده وجاء إلى أليشع النبي لكي يشفيه. فطلب منه أليشع أن يذهب إلى نهر الأردن ويستحم فيه سبع مرات فينال البرء من لدن الله (2 مل 5: 10) ويذكرنا بالأكثر بالمولود الأعمى الذي قام السيد المسيح له المجد بطلى عينيه من الطين بعدما تفل عليه وأمره أن يغتسل في بركة سلوام فنال الشفاء وأبصر (يو 9: 6، 7)، فاستعمال بعض الوصفات الطبية بطريقة بدائية كانت مشهورة بين عامة الناس في القرون الماضية(1) ومازالت بعض هذه الوصفات تستعمل للآن خاصة بين البدو والعربان في صورة بعض الاعشاب وغيرها. والغشاوة التي كانت على عينى طوبيا تذكرنا بالقشور التي وقعت من عينى شاول الطرسوسى بعدما صلى له القديس حنانيا أسقف دمشق فأعتمد في الحال وصار القديس العظيم بولس الرسول (أع 9: 17، 18)، فقام طوبيا وكل بيته والذين يعرفونه بتمجيد الله وبارك الله طوبيا قائلًا: "أباركك أيها الرب إله إسرائيل لأنك أدبتنى وشفيتنى وهأنذا أرى طوبيا ولدى (طو 11: 16، 17)". فطوبيا الذي كان يظن أنه لا يرى ابنه مرة ثانية مثل يونان الذي كان يظن أنه لا يرى هيكل الرب مرة اخرى (يون 2: 4) يبارك الله على نعمه، ويعلن له قبول تأديبه والتأديب هو درجة من درجات العقاب لكن بصورة مخففة وذلك نجده بالأكثر - أي التأديب- نطلق على الأبناء الذين يعاقبون من والديهم بسبب بعض الاخطاء. وكان طوبيا يعلن أنه يستحق هذا التأديب بسبب أخطاءه الماضية، وكابن يقبل تأديب أبيه (عب 12: 7). ويعلن أيضًا عن شفاء الله له بشقيه الجسدى من خلال شفاء عينيه، والروحى بتخليصه من الخطية. ولذلك يخطئ كل من يظن أنه باستطاعته التخلص من الخطية بذاته، لأنه لو باستطاعتنا التخلص من الخطية بأنفسنا فما هو فضل الله إذن؟!!! فهل يستطيع الرضيع أن ينظف نفسه؟ هكذا كل من يحاول التخلص من الخطية بذاته. فيا من تئن من الخطية ... تعالى إلى الله وهو وحده القادر أن يخلصك منها مهما كانت بشاعتها ... وقبحها ... وسطوتها عليك ... فنحن لسنا بأفضل من القديسين الذين صرخوا إلى الله قائلين: "توبنى يا رب فأتوب (إر 31: 8)"، "اشفنى يا رب فأشفى وخلصنى فأخلص لأنك أنت تسبحنى (إر 17:14)"، "أرددنا يا رب إليك فنرتد (مرا 5: 21)"، "يا رب إله الجنود أرجعنا. أنر بوجهك فنخلص (مز 80: 3، 7، 19)". "والآن ماذا انتظرت يا رب رجائى فيك هو. من كل معاصى نجنى، لا تجعلنى عار عند الجاهل (مز 39: 7، 8)". فيا ليتنا لا نماطل أو نؤجل التوبة أو نسّوِف أيام العمر باطلًا قائلين: عندما أتوب اذهب إلى بيت الله. أرجوك يا رب..... اجذبنا يا رب بأخطائنا، وجهالتنا وحماقتنا.. وخلصنا من كل ذلك بقوتك.... وبدمك الذي سفك على عود الصليب من أجلنا، وأعطنا أن نعى جيدًا أن بدء حياة التوبة هي كره الخطية المحبوبة لدينا. وصول سارة:- "وأما سارة زوجة ابنه فوصلت بعد سبعة أيام من وصول زوجها هي وجميع كل ما كان معها من غنم. وإبل ومن جوارى ومن عبيد (طو 11: 18)" ونلاحظ أن والديها قد أعطيا سارة بنتهما بعضًا من الجوارى والعبيد عندما تزوجت حديثًا كما نلاحظه في زواج كل من رفقة بإسحق وليئة وراحيل بيعقوب (قارن تك24: 59، 29: 24، 29). "وأخبر -طوبيا الصغير- أبويه بجميع إحسانات الله التي أنعم بها عليه علي يد ذلك الرجل -أي الملاك روفائيل- الذي ذهب معه. ووفد على طوبيا أحيور ونباط ذو قرابه له فرحين وهنأه بجميع ما منَ الله به عليه من الخير (طو 11: 19، 20)". وهنا تتضح إحدى سمات سفر طوبيا إذ تشدد على العلاقة بالآخرين ولذلك نجد طوبيا الأب يدفن الموتى، ويواسى كل إنسان حزين، وعندما كان فرحًا بالعيد كان يرسل ويستدعى كل من يستطيع الحضور لكي يشاركه أفراحه، ولذلك نجد الكل يفرح معه لفرحه، ويحزن لحزنه واْلامه، فالإنسان عضو في جسد واحد هو الكنيسة فلابد له أن يفرح مع كل إنسان فرحًا، شاعرًا بأن هذا الفرح هو خاص به لأن أي مجد أو فرح يخص الآخرين لابد أن ينعكس على الجسد كله. وهكذا الحزن أو الألم أيضًا يؤثر على الجسد كله (1 كو12: 26)، فيا ليت أن تكون مشاركتنا للآخرين ليس عن مجاملة روتينية وحسب. ولكن بقدر الإمكان تظهر مشاعرنا وأحاسيسنا تجاه الآخرين، وهذا ما لَمّحَ به القديس يوحنا الحبيب عندما ذكر بعض المواقف في حياة السيد المسيح له المجد. فنجده يذكر أول معجزة له في عرس قانا الجليل، ونجده أيضًا يظهر مشاعر السيد المسيح عندما قالت له مريم أخت لعازر عن موت أخيها فكرر عبارة "انزعج بالروح واضطرب" مرتان، وأما القديس يوحنا علق على الموقف بصفة عامة قائلًا: "بكى يسوع". وأما الجموع التي كانت واقفة عند القبر قالت: "انظروا كيف كان يحبه (يو 11: 33 - 38) ". فالآخرون لا يحتاجون إلى هدايانا بقدر ما يحتاجون إلى مشاعرنا الفياضة وهذا هو ما عبر عنه القديس بولس الرسول قائلًا: "فرحًا مع الفرحين وبكاءً مع الباكين (رو 12: 15)". ونجد أن طوبيا لم يكتف بالاحتفال بزواج ابنه لدى رعوئيل بأسبوعين وصنع له احتفالًا مرة ثانية لمدة أسبوع حسب عادتهم في الزواج (قارن تك 29: 27، 28 وقض 14: 12- 17). _____ (1) وقد روى كاتب كتاب فزوينى أن رائحة الدخان لكبد التمساح النيلى تشفى من الصرع، وبرازه وحوصلته المرارية -الصفراوية - تشفى النقطة - سحابة - التي على العين، نقلًا( C.H. Charkas) ويذكر الدكتور حسن كمال في كتابة الطب المصرى القديم: أن مرارة سمك البياض يستخدم لعلاج البياض الموجود في العين لدى قدماء المصريين. |
||||
19 - 06 - 2014, 12:03 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
طوبيت 12 - تفسير سفر طوبيا
أجرة الأجير الصوم والصلاة والصدقة التجربة والامتحان المجموعة الأولى المجموعة الثانية المجموعة الثالثة إرسالية الملاك الإعلان عن شخصيته رد فعل طوبيا وابنه حَدِّثا وأكتبا الحواشي والمراجع أجرة الأجير: "حينئذ دعا طوبيا ابنه وقال له: ماذا ترى نعطى هذا الرجل القديس الذي ذهب معك (طو 12: 1)". ونلاحظ هنا أن طوبيا يطلق على الرجل لفظ قديس، فكلمة قديس تطلق على الإنسان المؤمن والذى يحيا حياة حسب إرادة الله ولذلك يستمد قداسته من الله القدوس، ولذلك يوصينا الله قائلًا: كونوا قديسين لأنى أنا قدوس (لا 11: 44، 1 بط 1: 16). نجد القديس بولس يستعملها كثيرًا في رسائله فيقول مثلًا "سلموا على كل قديس (في 4: 21). وأيها الأخوة القديسين (عب 3: 1) ولأخدم القديسين (رو 15: 25)". ولقد سارت على هذا النهج الكنيسة في ليتورﭽيتنا حيث تعلن لمؤمنيها قائلة: " القُدُسات للقديسين". ونجد طوبيت ينفذ وصيته التي قالها لابنه: "أجرة الأجير لا تبقى عندك (طو 4: 15)"، ولهذا استدعى ابنه ليسأله ويأخذ رأيه فيما يعطى لذلك الإنسان. أما طوبيا الابن العارف بالجميل، ومقدار تعب الأخرين معه، يعدد أتعاب أجيره لأبيه قائلًا له: "أخذنى ورجع بى سالمًا، والمال هو استوفاه. وعن طريق وساطته حصلت على زوجتى، وهو الذي طرد عنها الشيطان، وفرح أبويها، وخلًصنى من افتراس الحوت، وإياك جعلك تبصر، فأى أجر يكون موزايًا لكل هذا فأسالك أن تسأله هل يرضى أن يأخذ النصف من كل ما جئنا به (طو12: 2-5). فالذى يحدد أجر الأخرين هو من يراهم يعملون، لأنه يشعر بتعبهم والمشاكل والأخطار التي اجتازوها أثناء عملهم. وعلى هذا الأساس طلب طوبيا من ابنه يحدد أجر رفقه. فأخذ طوبيا وابنه الملاك في أحد الأماكن الخالية في المنزل لكي يتفاوضا معه ويرضى أن يأخذ النصف من جميع ما آتيا به. أما الملاك الذي لم يكن قد كشف عن شخصيته بعد قال لهما: "باركا إله السماء واعترفا له أمام جميع الأحياء لما آتاكما من مراحمه (طو 12: 6)" فإذاعة أعمال الله والاعتراف بها كرامة عظيمة وعمل مهم جدًا، ولذلك نجد أن الرجل الأبرص الذي أوصاه السيد المسيح أن لا يقل لأحد عن كيفية شفائه لم يستطيع، بل كان ينادى كثيرًا ويذيع الخبر بالأكثر حتى لم يقدر السيد المسيح أن يدخل المدينة ظاهرًا (مر 1: 40 - 50). وكذلك أيضًا الأخرس الأصم، ويعلق القديس مرقس الرسول على ذلك قائلًا: "فأوصاهم أن لا يقولوا لأحد. ولكن على قدر ما اوصاهم كانوا ينادون أكثر كثيرًا. وبهتوا إلى الغاية قائلين أنه عمل كل شيء حسنًا، جعل الصم يسمعون والخرس يتكلمون (مر 7: 36، 37)". وإن كان السيد المسيح قد طلب من البعض أن لا يذيعوا الخبر على الملأ لكي لا يزحمونه، ولكنه طلب من غيرهم أن يذيعوه، مثل الرجل الذي كان من كورة الجدريين فقال له: "أرجع إلى بيتك وإلى أهلك وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك فمضى وابتدأ ينادى في العشر مدن كم صنع به يسوع (مر 5: 19،20)". فالاعتراف بأعمال الله معنا وشكره عليها هي ضرورة حتميه ولذلك قال السيد المسيح: "لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل ولا يوقدون سراجًا ويضعونه تحت المكيال (مت 5: 15). "وأما سر الملك فخير أن يكتم (طو 12: 7)"، وذلك لسببين أولهما: أنه لابد أن يكتم من أجل سلامة المملكة، لأنه لو تم إذاعة أسرار الملك فمن السهل على الأعداء أن يعرفوا خطط ونقط ضعف وقوة المملكة وبذلك يسهل التغلب عليها. وأما الثاني: فيقول عنه الحكيم: "احفظ أمر الملك وذلك بسبب يمين الله (جا 8: 2)"، حيث أن القادة في بداية توليهم السلطة يجعلهم الملك أو الرئيس يقومون بإداء القسم الدستورى. الصوم والصلاة والصدقة: "صالحة الصلاة مع الصوم، والصدقة خير من ادخار كنوز الذهب (طو 12: 8)". نجد أن الملاك ربط بين الصلاة والصوم والصدقة، وهو ما نعبر عنه مجازيًا بأركان العبادة المسيحية. وكذلك أيضًا نجد أن السيد المسيح ربط بينها في عظته على الجيل وأستعمل نفس الكلمات تقريبًا، حيث نجده يتكلم عن أن الصدقة خير من ادخار الأموال قائلًا: "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون، بل اكنزوا لكم كنوزًا في السماء - عن طريق الصدقة - حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون. لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا (مت 6: 19 - 21)". وكما ربط سفر طوبيا بين الصوم والصلاة قال على فم الملاك: "صالحة هي الصلاة مع الصوم". نجد أن السيد المسيح ربط بينهما أيضًا عندما قال: "هذا الجنس - أي الارواح الشريرة - فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم (مت 17: 21)". ومن أهمية الصدقة نجد أن السيد المسيح له المجد يتكلم عنها قبل الصلاة والصوم في عظته على الجبل، ويرجع إليها مرة أخرى في نفس الاصحاح بعدما تكلم عن الصلاة والصوم (قارن مت 6). "لأن الصدقة تنجى من الموت وتمحو الخطايا وتؤهل الإنسان لنوال الرحمة والحياة الأبدية (طو12:9)". نلاحظ أن الملاك يؤكد وصية طوبيا لابنه (طو 4:11)، مما يعلن عن أنه عندما كان يوصى ابنه كان يتكلم وهو مسوق من الروح القدس (2 بط 1: 21). والحكيم يشوع ابن سيراخ يؤكد ذلك فيقول: "الماء يطفى النار الملتهبة والصدقة تكفر الخطايا (سى 3: 33)". وفي موضع أخر يقول: "أغلق على الصدقة في أخاديرك فهى تنقذك من كل شر (سي 29:15)". ودانيال النبي يعلن ذلك لنبوخذ نصر أيضًا فيقول له: "فارق خطاياك بالبر وآثامك بالرحمة للمساكين لعله يطال اطمئنانك (دا 4: 27)". ونلاحظ أن الملاك يصنع مقارنة سريعة بين الذين يسيرون في طريق القداسة وبين الذين يفعلون الاثم والخطية حيث أنه ينتقل من الكلام عن الصلاة والصوم والصدقة قائلًا: "وأما الذين يعملون المعصية والإثم فهم أعداء لأنفسهم (طو 12: 10)". فلماذا هم اعداء لأنفسهم؟!! لأنه عندما يترك الإنسان طريق القداسة ويبعد عن الله، يكون هدفًا سهلًا للشيطان فيمزقه بسهامه، ونجد أن ارميا النبي يعلن عن ذلك قائلًا: أَعبدٌ إسرائيل أو مولود البيت هو، لماذا صار غنيمة؟ زمجرت عليه الأشبال أطلقت صوتها وجعلت أرضه خربة، أحرقت مدنه فلا ساكن، وبنو نوف وتحفنيس قد شجوا هامتك. أما صنعت هذا بنفسك إذا تركت الرب إلهك حينما كان مسيرك في الطريق؟ (إر 2:14 - 17) ولأنه أيضًا "ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا لأن من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فسادًا. ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية (غل 6: 7، 8)" ولهذا يوصينا القديس بولس الرسول قائلًا: "فلا نفشل في عمل الخير لأننا سنحصد في وقته إن كنا لا نكل. فإذًا حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولا سيما لأهل الإيمان (غل 6: 9- 10)". ونجد الملاك يعلن لطوبيا - كما أعلن لكرنليوس فيما بعد (أع 10: 4) - قائلًا: "إنك حين كنت تصلى بدموع وتدفن الموتى وتترك طعامك وتخبئ الموتى في بيتك نهارًا وتدفنهم ليلًا كنت أنا أرفع صلاتك إلى الرب (طو 12: 12)". ويصف القديس يوحنا الحبيب الملائكة وهي ترفع صلوات المؤمنين قائلًا: "وجاء ملاك آخر ووقف عند المذبح ومعه مبخرة من ذهب وأعطى بخورًا كثيرًا لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم على مذبح الذهب الذي أمام العرش فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله (رؤ 8: 3، 4)". وفي موضع آخر يؤكد أن البخور الذي وضعه الملاك في المبخرة هو نفسه صلوات القديسين فيقول: "ولما أخذ - أي السيد المسيح الخروف القائم كأنه مذبوح- السفر خرت الأربعة الحيوانات الأربعة والعشرون شيخًا أمام الخروف ولهم كل واحد قيثارات وجامات - مباخر- من مملوءة بخورًا هي صلوات القديسين (رؤ5: 8)". وذلك يقول المرتل في المزمور: "لتكن صلاتى بخورًا أمامك (مز 141: 2)"(1). التجربة والامتحان: " وإذا كنت مقبولًا أمام الله كان لابد أن تمتحن بتجربة(طو 12: 13)". فنجد أن الملاك يعلن لطوبيا عن التجربة كأداة الامتحان. وهذا ما أكده كل من يعقوب الرسول في قوله: "عالمين أن إيمانكم ينشئ صبرًا (يع 1: 3)". والقديس بطرس الرسول عندما قال: "الذي به تبتهجون مع أنكم الآن إن كان يجب تحزنون يسيرًا بتجارب متنوعة لكي تكون تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفانى مع أنه يمتحن بالنار توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح (1 بط 1: 6، 7)". وأما يهوديت فقالت لشيوخ مدينتها: "والآن يا أخوتى بما أنكم أنتم شيوخ في شعب الله وبكم نفوسهم منوطة(2) فأنهضوا حتى يذكروا أن آباءنا إنما ورد عليهم البلاء ليمتحنوا هل يعبدون إلههم باحق فينبغي لهم أن يذكروا كيف أمتحن أبونا إبراهيم وبعد أن جُرِبَ بشدائد كثيرة صار خليلًا لله (يهو 8: 21، 22)". فالإمتحان إما أن يكون لاختيار الشخص لإثبات قدرته وصلاحيته والتحقق من نجاحه وكفاءته في المكان الذي سيؤول إليه، أو لاكتشاف نواحى القوة والضعف فيه. فمن صلاح الله لنا أنه يعلن أمام أنفسنا عن نقط الضعف بطريقة غير مباشرة لنصلح من ذواتنا، ولكى لا نعطى فرصة وعلة للمشتكى علينا (1 تى 5: 14). ومن هنا تأتى حتمية الامتحان - لابد أن تمتحن بتجربة - ولأننا بشر قابلون للضعف، وبالتالي للسقوط فالله لكي يؤهلنا لملكوته باستحقاق دمه يقوم بعملية تأديب أو عقاب لنا، وهنا أحب أن أوضح أن العقاب أحيانًا يكون استيفاء حق ولذلك نجد الله يعلن عن ذلك بقوله: "وإن حصلت أذية تعطى نفسنًا بنفس وعينًا بعين وسنًا بسن ويدًا بيد ورجلًا برجل وكيًا بكى وجرحًا بجرح ورضًا برضٍ (خر 21: 23- 25)"، وقد يستخدم عقوبة إنسان ما في تأديب الجماعة، وأما التأديب فهو بالعقاب، ومنها ما هو بالتشجيع والوعد بالمكافأة. المجموعة الأولى: 1 - لكي تكف عن الخطية: حيث أنه يعلن لنا على لسان، مار بطرس الرسول قائلًا: "فإن من تألم في الجسد كف عن الخطية (1 بط 4: 1)". ومثال لذلك بني إسرائيل أيام القضاة فعندما كانوا يحيدون عن طريق الرب فكان الله يرسل عليهم غزاه يذلونهم ويتسلطون عليهم إلى أن يتوبون ويرجعوا بكل قلوبهم إلى الرب فيرسل لهم مخلصًا فيخلصهم من أيدى أعدائهم (اش 19: 20). ب - للحفظ من الخطية:- وهذا ما عبر عنه القديس بولس الرسول بقوله: "ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات أعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع (2 كو 12:7)". فنجد الله يسمح بتجربة للقديس بولس الرسول لئلا يتكبر بسبب كثرة الرؤى والإعلانات التي يراها. ج - ولكى يؤهلنا ويجعلنا ندقق جيدًا مع أنفسنا قبل التقدم لسر الإفخارستيا: وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول أيضًا: "ليمتحن الإنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس. لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل وشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب. من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون. لأننا لو كنا حكمنا علي أنفسنا لما حكم علينا، ولكن إذ قد حكم علينا نؤدب من الرب لكي لا ندان مع العالم (1 كو 11: 28 - 32)" د - والتأديب من خلال الألم يربط الإنسان بالله ويجعله ينجذب نحوه مرة أخرى: مثال لذلك يونان النبي. فهذا النبي عصى أمر الله بالذهاب إلى نينوى وحاول الهرب. ولكن نجد الله يحاصره. ويضيق الخناق عليه. ويجعل البحارة يرمونه في عمق البحر ويبتلعه الحوت، ولكن مع كل هذا يحفظ الله نفسه ويعطيه فرصة للتوبة. فيستجيب لها يونان النبي ويرتبط بشدة بالله حتى يصير أقوى الشخصيات التي ترمز لموت السيد المسيح وقيامته. وأعتقد لو أي إنسان عقد مقارنة بين فترتين مختلفتين في حياته إحداهما ضيقة وشدة، والأخرى يكون مستريحًا ولا يوجد ما يقلق باله أو أي شيء يكدر صفو حياته لأكتشف ذلك بسهولة. وهذا ما عبر عنه المرتل بقوله: " يا إلهى نفسي منحنية في لذلك أذكرك من أرض الأردن وجبال حرمون من جبل مصعر (مز 42: 6)". ونلاحظ أننا لا نجد حدود فاصلة بين أهداف الموقف لأنها متداخلة في بعضها البعض فالإنسان يكره الخطية ثم يلتجئ إلى الله فيحرره ويخلصه وينقيه منها ويحفظه من السقوط مرة أخرى. المجموعة الثانية: الألم يكشف عن الفضائل التي تأصلت فينا: ولهذا يقول القديس بولس الرسول عن السيد المسيح في هذا الصدد: "مع كونه ابنًا تعلم الطاعة مما تألم به (عب 5: 8)". والألم أيضًا يكشف عن فضيلة الصبر في حياة أيوب البار حتى قيل: "خذوا يا أخوتي مثالُا لاحتمال المشقات والأناة الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب. ها نحن نطوب الصابرين، قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب. كثير الرحمة ورؤوف (يع 5: 10،11)". والقديس يوسف الصديق عندما كان عبدًا ويعلم جيدًا أن حياته لا ثمن لها رفض السقوط في الخطية وقال مقولته المأثورة لامرأة سيده: "هوذا سيدى لا يعرف معى ما في البيت وكل ماله قد دفعه إلى يدى. ليس هو في هذا البيت أعظم منى، ولم يمسك عنى شيئًا غيرك لأنك امرأته. فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله (تك 39: 8، 9)". وبسبب موقفه هذا وضع في السجن عدة سنوات. ب- الآلام تزكينا أمام الله: نحن نعلم كم عانى داود من شاول الملك، وكم من مرة حاول شاول قتله. وأما داود فكان يقابل كل ذلك بالصفح والغفران. مع أنه كان في مقدرته قتله والتخلص منه، ولكنه لم يفعل ذلك. وأبى أن يسمح لأحد من رجاله بذلك. ولهذا قال لإبشاى: "لا تهلكه فمن يمد يده إلى مسيح الرب ويتبرأ (1صم 26: 9)". وقال مرة أخرى لرجاله: "حاشا لى من قبل الرب أن أعمل هذا الأمر بسيدي مسيح الرب فأمد يدى إليه لأنه مسيح الرب هو. فوبخ داود رجاله بالكلام ولم يدعهم يقومون على شاول (1 صم 24: 6، 7)". ولهذا نجد أن الله يشهد عنه قائلًا: "وجدت داود بن يسى رجلًا حسب قلبى الذي سيصنع كل مشيئتى (اع 13: 22)". ج- مِنْ خلال آلامنا يتمجد الله: ونجد أن هذا واضح جدًا من خلال المعجزات. فنجد السيد المسيح يوضح هذا بنفسه في معجزة تفتيح عينى المولود أعمى، حينما سُئل: "من أخطأ هذا الإنسان الأعمى أم أبواه حتى أنه ولد هكذا؟ فقال لهم: لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه (يو 9: 3)". وأكد هذا في معجزة إقامة لعازر من الموت. فقال لتلاميذه عندما علم بمرضه: "هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد ابن الله به (يو 11: 40)". وعندما اعترضت مريم أخت لعازر على فتح القبر قال ها: "ألم أقل لك إن أمنت ترين مجد الله (يو 11: 40)". والله لا يتمجد من خلال المعجزات وحسب ولكن من خلال أعمالنا أيضًا ويقول في ذلك: "لكى يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات (مت 5: 16)". فعندما نشعر بضعفنا وعدم اتكالنا على مقدرتنا وفهمنا نجد الله يُصَرِح لنا ويقول: "تكفيك نعمتى لأن قوتى في الضعف تكمل (2كو 12: 9)". ولهذا نجد الله وعمله واضح جدًا في حياة بعض المعاقين. ولذلك نجد منهم من يتبوأ مناصب قياديه وهامه ونجدهم ناجحين جدًا في عملهم ومن أمثلة هؤلاء: القديس ديديموس الضرير مدير مدرسة الاسكندرية اللاهوتية. ويقول عنه القديس جيروم: كان يحفظ الكتاب بعهديه القديم والحديث، ولم يكتف بهذا فقط، ولكنه كان قادرًا على الربط بين أحداثه ومواضيعه المختلفة، ويقارِن بينهما، ويُعَلِق عليها بدقة علمية عجيبة، ولقد نبغ في علوم النحو والبيان والفلسفة والمنطق والرياضة والموسيقى وتعلم الهندسة أيضًا وهي التي تحتاج إلى النظر أكثر من غيرها فكان أعجوبة كل ناظر إليه(3). ولقد أوكل إليه القديس أثناسيوس الرسولي إدارة مدرسة الاسكندرية أعظم مدرسة لاهوتية آنذاك. ولقد ابتكر وسيلة لتعليم المكفوفين القراءة والكتابة عن طريق حفر الكلمات على الخشب فيتم قراءتها عن طريق اللمس، وبذلك يكون قد سبق برايل في تعليم المكفوفين القراءة والكتابة بخمسة عشر قرنًا من الزمان. وكتب بعضًا من التفاسير في أسفار الكتاب المقدس، ولقد وجد بعضًا منها في أحدى المغاير بجوار دير البغل بجبل المقطم بطره. ومن أشهر كتاباته دفاعه عن أوريجانوس الذي اسماه (المبادئ)(4) وأبونا أندراوس الصموئيلى الراهب الضرير الذي عاش وحيدًا في الدير بجبل القلامون لمدة أربعة أشهر، ولم يكن معه سوى نعمة الله وقليل من الخبز اليابس والملح. ولقد كانت الحياة في هذه الفترة بدير أنبا صموئيل غاية في الصعوبة حتى هجره معظم رهبانه. فكم تكون شدتها وقسوتها على إنسان مثل أبونا أندراوس الذي لم تكن لديه ملكة تصور المواقع مثل غيره من فاقدى البصر والذى يريد أن يعرف كم من المعاناة تحملها هذا الجبار عليه أن يتحرك ويمشى في مكان به ظلام دامس. فأبونا أندرواس ظل أمينًا في حياته لديره وبصلاته أعاد الله الحياة الطبيعية للدير. وحفظه الله من كل خطر وخاصة لو علمنا كم من المخاطر التي كانت تحيط به من كل ناحية مثل الحيات والعقارب والعربان وغيرها. وبتهوفن الموسيقار المشهور على مستوى العالم أجمع بالرغم من اصابته بالصمم آلف أشهر أعماله "كونشرتو الكمان"(5). ونحن نعلم أن الموسيقى تحتاج إلى آذان حساسة جدًا لكي لا يوجد أي نشاز بالعمل الفنى. وجونى إيركسون تادا الرسامة المعروفة على مستوى العالم برسم اللوحات بالفرشاة التي تمسكها بين أسنانها بدلًا من أصابعها. حيث أنها فقدت أطرافها الأربعة في حادث غوص تعرضت له سنة 1976 ميلادية. وهيلين كيلر التي أصابتها حمى بالمخ بعد عام ونصف من مولدها تقريبًا. فأفقدتها حاستىّ البصر والسمع ولحقت بهما قدرتها على التكلم. والتي بفضل معلمتها آن سوليفان أجادت تعلم اللغة الإنجليزية، واللاتينية. واليونانية، والفرنسية، والألمانية، ولقد التحقت بمدرسة موراس مان للصم لكي تتعلم النطق. وبعد أحد عشر درسًا مكثفًا استطاعت أن تنطق جملة مكونة من أربع كلمات وهى: "الأن أنا لست خرساء". وبعد التدريب استطاعت أن تضبط مخارج ألفاظها وسرعتها النسبية في الحديث ولقد عملت هيلين في الكتابة والصحافة. فيوجد الكثيرون من أمثال "آدلر" الذي كان لديه شلل أطفال و"نيتشه" الذي اصيب بالهزال و"مارجريت تشانين" والتي فقدت دراعيها بالكامل وغيرهما من المشاهير الذين استطاعوا التغلب على إعاقتهم، واكتسبوا فضائل مسيحية، فمنهم من أشتهر بالشكر، ومنهم بحياة التسليم، ومنهم خدمة المعاقين، وغيرها من الفضائل التي تمجد الله بها من خلال نجاحهم وتمسكهم بها رغم إعاقتهم الظاهرة. د- التأديب بالآلام يساعدنا على تفهم نفسية المجربين ومساعدتهم: ولذلك قال القديس بولس الرسول عن السيد المسيح: "لأنه فيما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين (عب 2: 18)". وقال أيضًا عن رئيس الكهنة والكاهن: "قادرًا أن يترفق بالجهال والضالين إذ هو أيضًا محاط بالضعف (عب5: 2)". ولهذا عندما وضع رئيس السقاة ورئيس الخبازين في نفس السجن الذي كان به يوسف الصديق قام على خدمتهما (تك40: 4). ونشعر بذلك أيضًا في صلوات إرميا النبي والذى أحس بمرارة السبي فكان بكل قوته يحاول أن يجعل الشعب يتوب فيرجع الله عن حمو غضبه ولا يسلمهم للسبى. ومن أمثلة هؤلاء أيضًا: "آن سوليفان"(6) والتي أجريت لها عمليتان جراحيتان استعادت بعدهما نور عينيها -حيث أنها كانت قبل ذلك مصابة بالعمى- فقطعت عهدًا أمام الله أن تكرس نفسها وتهب نور عينيها ودفء قلبها للمحرومين من نعمة البصر. لذلك تجدها تبنت هيلين كيلر لتخدمها كل أيام حياتها وقد نجحت في ذلك.. " وجونى إيركسون تادا"(7) هذه الفتاة التي فقدت أطرافها الأربعة. كم من مرة تكلمت عن نعمة الله عليها بمقعدها المتحرك، والذى دفعها للتحدى بتحركات أوسع من عجلاته، وكيف اتجهت إلى الله عقب الحادث وكيف تحولت إعاقتها بنعمته إلى انتصار في الحياة، وتحدثت أيضًا عن مصادرة قوة الإنسان التي يستلهمها من الله ومن قوة الإرادة البشرية حتى لو عجز الجسد عن ذلك. ويوجد لها برنامج إذاعى يومى "جونى والاصدقاء" تبثه أكثر من تسعمائة محطة إذاعية ويسمعه ملايين المستمعين تبث فيهم الأمل والعزيمة والخطوات العملية نحو النجاح والإيمان الحق بالله. "وهيلين كيلر" التي بالرغم من عاهتها كانت عونًا كبيرًا لمعوقى الحرب العالمية الثانية ممن فقدوا نعمة البصر فلقد كانت تحمل لهم تشجيعًا وتفاؤلًا شديدًا للغاية. ولقد قالت عن عاهتها: "إننى اشكر الله على كل عجز وإعاقة لدى، فقد كانت الطريقة لاكتشاف نفسى ورسالتى ومحبة الله لى"(8) وهذا هو ما عبر عنه القديس بولس الرسول حينما قال: "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح أبو الرأفة وإله كل تعزية الذي يعزينا في كل ضيقتنا حتى نستطيع أن نعزى الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله (2 كو 1: 3، 4)". ونجد أيضًا في هذه المجموعة عدم وضوح الحدود الفاصلة بينها فعندما تتبلور وتثبت وتظهر فينا الفضائل المسيحية يتمجد الله بنا. ولأننا ندرك إنها هبة من الله حيث أن قدرته الالهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى (2 بط 1: 3) "وليس فضل القوة منا بل منه (2 كو 4: 7) فبالتالي نشعر بضعفنا وضعف الآخرين فنقدم على معونتهم. المجموعة الثالثة: * - آلامنا هي امتداد وتكميل لآلام السيد المسيح: فالكنيسة جسد المسيح ونحن أعضاء في هذا الجسد ولذلك نجد القديس بولس الرسول يقول لأهل كورنثوس: "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح (1 كو 6: 15)". ويؤكد لهم هذا القول مرة ثانية: "وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا (1 كو 12: 17)". والقديس بولس الرسول أستلهم ذلك - أي نحن جسد المسيح - من المسيح نفسه عندما قال له هذا إذ كان يضطهد الكنيسة: "شاول شاول لماذا تضطهدنى. فقال - شاول الطرسوسى- من أنت يا سيد فقال الرب أنا يسوع الذي أنت تضطهده (أع 9: 4، 5)". فكل الآلام التي يسببها لنا الآخرون بسبب إيماننا الميسحى تضاف لحساب الآلام السيد المسيح. فالمسيح مازال يكمل آلامه من أجلنا في آلامنا ولهذا يقول: "كل ما فعلتم بأحد هؤلاء الأصاغر فبى قد فعلتم (مت 24: 40)". ويقول أيضًا في العهد القديم: "من يمسكم يمس حدقة عينى (زك 2: 8)". وهذا ما تغلغل في حياة وفكر بولس الرسول ولذلك نجده يحتمل الآلام ولهذا نجده يقول لأهل كولوسى: "الذي الآن أفرح في آلامى لأجلكم وأكمل نقائص شدائد المسيح في جسمى لأجل جسده الذي هو الكنيسة (كو 1: 24)". ويقول لأهل كورنثوس: "حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا لأننا نحن الأحياء نسلم دائمًا للموت من أجل يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا المائت (كو 4: 10، 11). ونجده يفرح بهذه الآلام بسبب تعزية المسيح له فيقول: "لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا (2 كو 1: 5)". ولهذا نجد الشهداء يفرحون ويتهللون ويستعذبون الآلام الواقعة عليهم من أجل إيمانهم بالسيد المسيح له المجد. لأنهم كانوا دائمًا يشعرون بوجوده معهم في وسط هذه الآلام والتجارب. ولذلك قال القديس بولس الرسول لبعض رفقائه عندما كانوا في بيت فيلبس المبشر بقيصرية - وحاولوا منعه من الذهاب إلى أورشليم حينما علموا بأن اليهود سوف يسلمونه للأمم مقيدًا بالأغلال والقيود: "ماذا تفعلون تبكون وتكسرون قلبى لأنى مستعد ليس أن أربط فقط بل أن أموت أيضًا في أورشليم لأجل اسم الرب يسوع (أع 21: 13)". وأكد هذا الكلام لرعاة كنيسة أفسس حينما قال لهم: "الروح القدس يشهد في كل مدينة قائلًا أن وثقًا وشدائد تنتظرنى. ولكنى لست أحتسب لشئ ولا نفسى ثمينة عندى حتى أتمم بفرح سعيى والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة الله (أع 20: 23، 24). ب- آلامنا هي مجدنا في السماء: وفي هذا يقول القديس بطرس الرسول: "الذي به تبتهجون -أي الإيمان بالمسيح- مع أنكم الآن إن كان يجب تحزنون يسيرًا بتجارب متنوعة لكي تكون تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفانى مع أنه يمتحن بالنار توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح (1 بط 1: 6، 7)". وأما القديس بولس الرسول فيوضح ذلك لأهل تسالونيكى قائلًا: "حتى إننا نحن أنفسنا نفتخر بكم في كنائس الله من أجل صبركم وإيمانكم في اضطهاداتكم والضيقات التي تحتملونها بيّنة على قضاء الله العادل أنكم تؤهلون لملكوت الله الذي لأجله تتألمون أيضًا. إذ هو عادل عند الله أن الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقًا وإياكم الذين تتضايقون راحة معنا عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته (2 تس 1: 4- 7)". ولهذا نجده يقول لأهل فيلبى: "قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضًا أن تتألموا لأجله (في 1: 29)". والسيد المسيح له المجد قد وضح ذلك من قبل لتلاميذه قائلًا: "أنتم الذين ثبتوا معى في تجاربى. وأنا أجعل لكم كما جعل لى أبى ملكوتًا، لتأكلوا وتشربوا على مائدتى في ملكوتى وتجلسوا على كراسى تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر (لو 22: 28- 30)". وفي ذلك يقول أيضًا القديس بولس الرسول: "ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم.... ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة (1 كو 6: 2، 3)". فإن كان لنا كل هذا المجد ليتنا نشترك في احتمال المشقات كجنود صالحين ليسوع المسيح (2 تى 2: 3)". إرسالية الملاك: "والآن فإن الرب قد ارسلنى لأشفيك وأخلص سارة كنتك من الشيطان (طو 12: 14)". في هذا العدد يعلن الملاك عن ارساليته، وفي هذا يقول القديس بولس الرسول: "أليس جميعهم -أي الملائكة- أرواحًا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 1: 14)". ونجد أمثلة كثيرة في الكتاب المقدس تعلن عن خدمة الملائكة للبشر وتخليصهم من التجارب والامراض منهم: الملاك الذي كان ينزل بركة بيت حسدا ليحرك الماء فيشفى أول إنسان ينزل بعد تحريك الماء مهما كان مرضه (يو 5: 4). والملاك الذي أخرج الأباء الرسل من السجن وأوقفهم أمام الهيكل لكي يبشروا بالسيد المسيح القائم من بين الأموات (اع 5: 19). وتكرر هذا الحدث مرة أخرى مع القديس بطرس الرسول فصرخ قائلًا: "الآن علمت يقينًا أن الله أرسل ملاكه وأنقذنى من يد هيرودس ومن كل انتظار شعب اليهود (أع 12: 11)". وفي العهد القديم قام ملاك بقتل 185 الفًا من جيش سنجاريب ليخلص أورشليم من الحصار الواقع عليهم (إش 37: 36). وكما يرسل الله ملائكته ليخلص أحباؤه وخدامه كذلك يرسلهم أيضًا لمعاقبة الذين يتمردون عليه. فها هو ملاك الرب يضرب هيرودس فيأكله الدود وهو حى ويموت (أع 12: 13). وإن كانت حدثت حرب في السماء بين ميخائيل وملائكته مع الشيطان وملائكته ولم يقووا بعد فلم يوجد لهم مكان بعد ذلك في السماء فطرح الشيطان إلى الأرض (رؤ 12: 7- 12). الا يقدر الملاك ان يخلص إنسانًا واحدًا من الشيطان؟!! بالطبع يستطيع ذلك بقوة يسوع المسيح الهنا. وهذا هو ما أعلنه يعقوب أب الأسباط حينما قال: "الملاك الذي خلصنى من كل شر (تك 48: 16)" وهو ما أكده المرتل عندما قال: "ملاك الله حال حول خائفيه وينجيهم" (مز 34: 7)". وإشعياء النبي يقول: "في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم (إش 63: 9)". الإعلان عن شخصيته: "فإنى أنا رافائيل الملاك أحد السبعة الواقفين أمام الرب (طو 12: 15)". فإن كان الملاك في العدد السابق أعلن عن إرساليته. ففى هذا العدد يعلن عن نفسه. فرافائيل كلمة عبرية تعنى الله هو الشافى. أو الشفاء من الله. لذلك يلقبه البعض بشفيع المرضى ومفرح القلوب، في العدد يحدد أولًا عن اسمه ثم يحدد عمله أو مكانته أمام الله. فسفر طوبيا هو أول من حدد أن رؤساء الملائكة: هم سبعة وبعد ذلك زكريا النبي حيث يقول: "فتفرح أولئك السبع ويرون الزيج بيد زربابل - أول واليٍ على أورشليم بعد العودة من السبي مباشرة - إنما هي أعين الرب الجائلة في الأرض كلها (زك 4: 10)". وأما القديس يوحنا الحبيب فيصفهم هكذا: "سبعة مصابيح نار متقدة (رؤ 4: 5)". "سبعة أعين (رؤ 5: 6)". "وأرواح الله السبعة (رؤ 3: 1)". والملائكة السبع الذين يقفون أمام عرش الله (رو 8: 2، 1: 4)". وهؤلاء السبع ملائكة كما يقول التقليد وكتب الكنيسة عنهم ومنها الأبصلمودية هم: الأول هو ميخائيل والثاني جبرائيل والثالث رافائيل والرابع سوريال والخامس سيذاكيئل والسادس سارائينيل والسابع أنانيئيل. وبذلك يكون رافائيل هو الثالث بينهم. والسيد المسيح يؤكد على أن الملائكة تقف أمامه في السماء فيقول: "أنظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار. لأنى أقول لكم أن ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون وجه أبى الذي في السموات (مت 18: 10)". وهو نفس التعبير الذي قاله الملاك جبرائيل لزكريا الكاهن عندما قال له: "أنا جبرائيل الواقف أمام الله (لو 1: 19)". رد فعل طوبيا وابنه: "فلما سمع مقَالتْه هذه ارتاعا وسقطا على أوجههما على الأرض مرتعدين" (طو 12: 16). فمن الطبيعى أن طوبيا وابنه يخافان ويرتاعان ويسقطان على الأرض بعد هذا الإعلان. فسقوطهما على الأرض هو نوع من الرهبة والإكرام، فهنا سجود إكرام وليس سجود تعبد، مثلما حدث عند سجود يعقوب لعيسو أخيه (تك 33: 3). وهو ما حدث أيضًا مع منوح وزوجته حيث أنهما خافا وارتعدا وسقطا على الارض عندما رأيا ملاك الرب صاعدًا إلى السماء في نار التقدمة التي قدمها إلى الرب (قض 13: 20، 22). وهو ما تكرر أيضًا مع دانيال النبي - الذي جاء بعد طوبيا بفترة تقترب بقرن ونصف من الزمان - عندما جاء إليه الملاك جبرائيل ليفهمه الرؤيا فيقول عن نفسه: "ولما جاء - الملاك- خِفْتُ وخررت على وجهى (دا 8: 17)". وتكرر معه نفس الحدث مرة ثانية فقال: "ولما سمعت صوت كلامه -أي صوت الملاك- كنت مسبخًا على وجهى ووجهى إلى الأرض وإذ بيد لمستنى وأقامتنى مرتجفًا على ركبتى وعلى كفى يدى (دا 10: 9، 10)". فطوبيا وولده لم يتوقعا أن يحضر إليهما ملاك الرب في هذه الارض الغريبة والتي كانت في نظرهما نجسة بسبب شرور شعبها وتعبدهم للأوثان ولذلك كانت مفاجأة غير متوقعة أن يرسل الله لهما أحد رؤساء الملائكة ليخلصهما من كربتهما وضيقهما. وأما الملاك عندما رآهم مرتاعين ومضطربين منحهم السلام قائلًا لهما: "سلام لكم لا تخافوا (طو 12: 19)". كما منح السيد المسيح تلاميذه سلامه بعد قيامته من الأموات (مت 28: 5. لو 24: 36)" ولأنهما أبناء السلام فحل عليهما السلام (لو 10: 5، 6). وأعلمهما أنه كان معهما حسب إرادة الله ومشيئته فلذلك ينبغى لهما أن لا يخافا ولا يضطربا ولكن يسبحا الله ويباركاه (طو 12: 18) أي يسجدا له مقدمين له كل حمد وشكر وتسبيح وإكرام ويعملا على إتمام وصاياه ومشيئته وتعظيمه بين كل المحيطين بهما. ولعلهما قد تساءلا فيما بينهما كيف وهو ملاك كان يأكل ويشرب معهما - لعلمهما أن الملائكة هي أرواح لا تحتاج إلى الأكل المادى الذي نحتاج إليه. فأجابهما الملاك دون أن يسألاه قائلًا: "وكان يظهر لكم إنى آكل وأشرب معكم وإنما أنا أتخذ طعامًا غير منظور وشرابًا لا يبصره بشر (طو 12: 19)". ويشرح ذلك القديس أوغسطينوس(9) قائلًا: "أجسادنا فاسدة. ومحكوم عليها بالموت. وتتحكم الغرائز في الجسد كى يستمر على قيد الحياة. أنه يتغذى كى يعيش، وإن لم تشبع غريزة الطعام، يعانى الإنسان من الجوع والعطش - وبالتالي - إلى فقدان طاقة الجسم الحيوية إلى حد الهزال والنحافة... أما الملاك فهو إن أكل. لا يأكل عن غريزة طبيعية مثلنا. وهناك فرق بين أن تفعل شيئًا عن غريزة حتمية. وبيّن أن تفعلها ويمكنك الاستغناء عنها. الإنسان يأكل كى لا يموت، أما الملاك فهو يأكل ليكون ودودًا ومتآلفًا مع المائتين. لأنه إن كان الملاك ليس لديه أي خوف من الموت. ولا يحتاج أن يجدد قواه - مثل الإنسان عن طريق الأكل والشرب، لأنه أصلًا لا يعانى الوهن على الأطلاق. فهو لا يأكل عن ضرورة. أما الذين رأوا ملاكًا يأكل. فقد ظنوا أنه يأكل لأنه كان جائعًا. لذلك قال لهم: "وكان يظهر لكم أنى آكل وأنا معكم (طو 12: 19)" يعنى لقد كنت آكل. ليس كما ظننتم أنتم أننى جائع، لأن الملاك لا يعانى من أي غريزة يلتمس إشباعها بالأكل المعتاد. ولكنى - هكذا يقول الملاك - أكلت كى تأنسوا لى فقط". وإن كان قد قيل عن المن أنه خبز الملائكة (مز78: 24: 25) إلا أن الملاك يقصد هنا:- أولًا: أن أكله هو تتميمه إرادة الله من حيث تنفيذ وصاياه وأوامره، والسيد المسيح حينما كان في الجسد قال عن نفسه عندما سأله تلاميذه قائلين: "يا معلم كُل". فقال لهم السيد المسيح له المجد: "أنا لى طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم". فتساءل التلاميذ مع بعضهم البعض: "ألعل أحد أتاه بشئ ليأكل". فحينئذ قال لهم: "طعامى أن أعمل مشيئة الذي أرسلنى وأتمم عمله (يو 4: 31 - 33). ثانيًا: تسبيح الله وتمجيده وفي هذا يقول المرتل: "باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه باركوا الرب يا جميع جنوده خدامه العاملين مرضاته (مز 103: 20، 21)". حَدِّثا وأكتبا: وبعد ما أتم الملاك عمله أعلن لهما أنه يجب أن يفارقهما ويعود إلى الله ليرسله في خدمة جديدة، حيث أنه أكمل رسالته ولابد أن يعود لمن أرسله لمساعدتهم. وأكد لهم للمرة الثالثة على أن يباركا الله فقال لهما: "وأنتم فباركوا الله وحدثوا بجميع عجائبه (طو 12: 20)". اما النسخة القبطية تقرأ هكذا: "وألان اعترف الله لأنى صاعد إلى الذي ارسلنى فأكتبا جميع ما تم لكما في كتاب". فهنا التحدث إما شفاهى أو أن يكون مكتوبًا. حيث يكون سجلًا يَسْهُل الرجوع إليه في أي وقت. وكثيرًا ما أمر الرب أن تكتب شرائعه وأعماله مع البشر ولهذا نجد أن موسى النبي يوصى الشعب قائلًا: "ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك وقصتها - (اى حدث بها)- على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك، وحين تمشى في الطريق، وحين تنام، وحين تقوم. وأربطها علامة على يدك. ولتكن عصائب بين عينك. وأكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك - أي على أبواب مدنك (تث 6: 6- 9)". ولذلك قيل لإشعياء: "تعلى الآن أكتب هذا عندهم على لوح وارسمه في سفر ليكون لزمن آت للأبد إلى الدهور (إش 30: 8)". وقال الرب لإرميا عندما مزق يهوياقيم كتاب نبوته: "عُد فخذ لنفسك درجًا آخر وأكتب فيه كل الكلام الأول الذي كان في الدرج الذي أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا (إر 36: 28)". وفعل ذلك إرميا على يد باروخ تلميذه (ار 36: 32). وكان على كل ملك يجلس على كرسى المملكة يكتب لنفسه نسخة من سفر الشريعة (تث 17: 18- 20). فإذاعة وكتابة أعمال الله معنا والتي لا تحتاج إلى أي تأويل أمر واجب علينا، فإلهنا دائمًا يتمجد من خلال عمله مع أولاده. وكتابة أسفاره الإلهية أمر لابد. منه وكان شائعًا قبل دخولنا عصر الطباعة. ولكن مازال البعض ينسخ بعض هذه الأسفار لنفسه للآن. ونجد أن القديس يوحنا الرائى يطوب الذين يفعلون ذلك مرتين في رؤياه قائلًا: "طوبى للذى يقرأ وللذين يسمعون أقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها لأن الوقت قريب (رؤ 1: 3)". والثانية "طوبى لمن يحفظ أقوال نبوءة هذا الكتاب (رؤ 22: 7)". فحفظ أقوال الله تأتى على ثلاث مستويات الأول هو الحفظ بطريقة عملية أي نسعى لطاعة الوصية وتنفيذها. والثاني هو الحفظ عن طريق التلقين والاستيعاب. وأما الثالث فهو عن طريق التدوين لكي تصل كما هي للأجيال المتعاقبة. _____ (1) حسب الترجمة الحديثة - أما في الأجبية: لتصعد صلاتى كالبخور قدامك. (2) أى حياتهم مسئولة منكم. (3) تاريخ الكنيسة: للقمص منسى يوحنا. (4) قصة الكنيسة القبطية للأستاذة إيريس حبيب المصرى. (5) الكونشرتو كلمة لاتينية الأصل، مشتقة من فعل "كونشرتارى" ومعناه: المباراة أو التسابق أو التقابل. والمقصود بمعنى الكلمة من الناحية الموسيقية هي تبادل الغناء بين مجموعاتان أو أكثر - مثلما يحدث في التسبحة بين الخورس البحرى والقبلى والكونشرتو مؤلف موسيقى يبنى على نظام السوتانة- والسوتانة كلمة ايطالية الأصل مشتقة من فعل "سونارى" ومعناه يسمع والمقصود به القطعة الموسيقية التي تستمع اليها - والكونشرتو عبارة عن عزف على آلة موسيقية واحدة أو أكثر بمصاحبة الاوركسترا. (6) مجلة هو وهى. (7) مجلة هو وهى. (8) مجلة هو وهى. (9) ترجمها الأنبا إيساك في كتاب حياتك في الأبدية عن pl 39 C ul 1611 sermo. Cclxii |
||||
19 - 06 - 2014, 12:05 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
طوبيت 13 - تفسير سفر طوبيا
مقدمة صلاة طوبيا نداء إلى المسببين مناجاة لأورشليم وصفه لمدينة أورشليم الحواشي والمراجع مقدمة: نتقابل هنا مرة ثانية مع طوبيا وهو يصلى... ونلاحظ الفرق الشاسع ما بين هذه الصلاة وصلاته التي في الإصحاح 3: 1- 6 والتي فيها نجده يطلب من الله: 1 - أن يتغاضى عن خطاياه وخطايا أبائه والتي كانت سببًا مباشرًا في السبي من وجهة نظره في هذا الوقت. 2- ويعظم أعمال الرب وأنه سلمهم للسبى بسبب عدم سلوكهم أمامه بأمانة واستقامة. 3- ويطلب من الله أن يعلن مشيئته في حياته وإن كان يفضل الموت حيث نجده يقول (والآن يا رب بحسب مشيئتك اصنع بى ومر أن تقبض روحى بسلام لأن الموت لى خير من الحياة). أما في هذه الصلاة (13: 1- 10). 1 - نجده ينسب إلى الله العظمة في حين نجده ينسب إليه - أي إلى الله - في الصلاة السابقة العدل. 2- في الصلاة السابقة يعلن عن الله، أنه هو الذي يقوم بعملية التأديب فقط. أما في هذه الصلاة يعلن عن الله أنه هو الذي يقوم بالتأديب والصفح من حيث يقول: "لأنك أي الله تفرح وتشفى وتحدر إلى الجحيم وتصعد منه وليس من يفر من يدك". 3- وإن كان من قبل أعلن عن سبى اليهود كنوع من التأديب لهم بينما نجده في هذه الصلاة يعلن أنه شتتهم بين الأمم لكي يخبروا الأمم ويعرفونهم الإله الحقيقي معلنين لهم معجزاته، وأن هو الإله الوحيد القادر على كل شيء. 4- وإن كان في الصلاة السابقة يعلن عن عدل الله فيهم فنجده هنا يعلن عن بهائهِ ومجده وجلاله فيهم وبينهم. 5- ونجده أخيرًا يوجه نداءً لشعبة لكي يتوبوا ويرجعوا عن خطاياهم صانعين البر أمامه لكي يرحمهم ويعلن فرحه بإلهه. وعادة تتغير صلاة الإنسان حسب ظروف حياته ما بين حياته الروتينية، أو فشل، أو تجربة تحيط به، أو في نشوة الانتصار والفرح بعمل الله معه وفي حياته. وعادة يرى الإنسان وهو في التجربة أن الله غاضب عليه ولذلك يقوم بعملية تأديب له ولكن عندما تنقشع التجربة يجد أن الله سمح بها لهدف سامٍ جدًا ولم يكن تأديبه بسبب غضب الله بل بسبب رحمته به وهذا يوضح أن نظرة الإنسان عادةً متغيرة وليست ثابتة فسهل على الانسان أن يرى الأمور من منظار معين ولكن عندما يعيش فيها يرى أن نظرته كانت ضيقة الأفق أو أنه لا يستطيع أن يعيش حسبما كان يرى ولكن لابد له من أن يتوافق مع الحياة والأحداث الجديدة التي من حوله. صلاة طوبيا: يبدأ طوبيا صلاته بتمجيد الله فيقول: "عظيم أنت يا رب إلى الأبد وفي جميع الدهور ملكك" وعظمة الله تتجلى في قدرته على شفاء طوبيا من عماه وأيضًا في خلاص إسرائيل من السبي (طو 13: 11- 19) فنجد المرتل يقول: "عظيم هو الرب وحميد جدًا في مدينة ألهنا جبل قدسه جميل الارتفاع فرح كل الارض جبل صهيون فرح اقاصى الشمال مدينة الملك العظيم" (مز 48: 1، 2) ونجده ينسب هذه العظمة إلى الأبدية ويؤكد ذلك قائلًا: "وفى جميع الدهور ملكك" فملكوت الله ملكوت أبدى لا بداءة أيام له ولا نهاية ولا نجد أحد من كتبة الكتاب المقدس إلا وعبر عن هذه الحقيقة. فموسى النبي يقول: "الرب يملك إلى الدهور والأبد (خر 15: 18)". وداود يقول: "الرب بالطوفان جلس ويجلس إلى الأبد (مز10:29)". ويوحنا الرائى يقول في رؤياه: "وكل خليقة بما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة: "للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى الأبد الآبدين (رؤ 13:5)". وبعد ما بارك طوبيا الله ينتقل إلى عمله فيقول: "لأنك تجرح وتشفى وتحدر إلى الجحيم وتصعد منه وليس من يفر من يدك (طو 13: 2)" فنجد طوبيا هنا يشبه نفسه بالميت، نعم هو كان كذلك حيث أنه أصبح كفيفًا وبدد كل ماله على الأطباء ولم يستفد منهم شيئًا سوى عماه وفقره حتى أصبحت زوجته هي التي تعوله. ولا ننسى تأثير ذلك نفسيًا على رجل شرقى مثل طوبيا فالإنسان عندما يكون في تجربة لا يرى فيها سوى جرح نفسيته وكرامته، أما الله فيرى فيها شفاء بعد مرض وحياة بعد ممات. ولذلك نجده هو الذي أعلن ذلك عن نفسه فيقول على لسان موسى النبي "أنا أنا وليس إله معى أنا أميت وأحيى سحقت وإنى أشفى وليس من يدى مخلص (تث 32: 39)". ونجد هذا التعبير يتردد كثيرًا على لسان أبناء الله بصورة أو بأخرى، وخاصة بعد إنتهاء التجربة. فحنة أم صموئيل النبي تقول: "الرب يميت ويحيى يهبط إلى الهاوية ويصعد، الرب يفقر ويغنى، يضع ويرفع يقيم المسكين من التراب يرفع الفقير من المزبلة للجلوس مع الشرفاء ويملكهم كرسى مجده (1 صم 2: 6- 8)". واليفاز التيمانى يقول لأيوب: "طوبى لرجلٍ يؤدبه الله فلا ترفض تأديب القدير. لأنه يجرح ويعصب يسحق ويداه تشفيان (أى 5: 18)" أما هوشع يناجى بني إسرائيل قائلا: "هلم نرجع إلى الرب لأنه هو افترس فيشفينا ضرب فيجبرنا (هو 6: 1)". وإشعياء النبي يعبر عن ذلك قائلا: "ويكون نور القمر كنور الشمس ونور الشمس يكون كنور سبعة أضعاف كنور سبعة أيام في يوم يجبر الرب كسر شعبه ويشفى رض ضربة (إش 30: 26)" ويعبر عن ذلك بتعبير آخر قائلًا: "أنا الرب وليس آخر مصور النور وخالق الظلمة صانع السلام وخالق الشر أنا الرب صانع كل هذه (إش 45: 6، 7)" والمقصود بالشر هنا كما يقول الأب ثيؤدور في مناظرات يوحنا كسيان: "اعتاد الكتاب المقدس أن يستخدم تعبير (شرور وأحزان) على أنها ليست شريرة في طبيعتها وإنما دعيت كذلك لأنه يظن أنها شرور بالنسبة لمن لم تسبب لهم خيرًا" نداء إلى المسببين (طو13: 3- 10): ففى هذه الأعداد يعلن طوبيا عن التوازى الحادث بينه وبين قصة إسرائيل كشعب والتي لم تكتمل بعد كأحداث واقعية ولكنها مكتملة من خلاك طوبيا فحالة طوبيا هي تصوير واقعى لحالة الأمة الإسرائيلية المشتتة، فكما تنحى الله عن طوبيا بعض الوقت وتركه في تجربته يعانى آلام عديدة هكذا ترك الله الأمة الإسرائيلية تعانى من آلام السبي. ولكن رحمة الله لطوبيا وعائلته هو بمثابة ضمان بأن هذه الرحمة سوف تشمل اليهود أيضًا وتعود بهم مرة أخرى لأرضهم. ولذلك نجد طوبيا يوجه النداء التالي إلى المسبيين "اعترفوا للرب يا بني إسرائيل وسبحوه أمام جميع الأمم فإنه فرقكم بين الأمم الذين يجهلونه لكي تخبروا بمعجزاته وتعرفوهم أن لا إله قادرًا على كل شيء سواه هو أدبنا لأجل آثامنا وهو يخلصنا لأجل رحمته أنظروا الآن ما صنع لنا واعترفوا له بخوف ورعدة ومجدوا ملك الدهور بأعمالكم. أما أنا ففى أرض جلائى أعترف له لأنه أظهر جلاله في أمة خاطئة. ارجعوا الآن أيها الخطاة واصنعوا أمام الله برًا واثقين بأنه يصنع إليكم رحمة. أما أنا فنفسى تتهلل به. باركوا الرب يا جميع مختاريه أقيموا أيام فرح واعترفوا له". ولهذا نلاحظ التوازى في النداء السابق أيضًا فكما طوبيا حدث بجميع عجائب الله مع (طو 12: 22) يطلب منهم أن يخبروا بمعجزاته (طو 13: 4) ويؤكد طوبيا على أنه سوف يستمر هكذا (طو 13: 7). وكما هو بارك وسبح الله (طو 12: 22 - 13: 2) هكذا يناشدهم بأن يسبحوه أمام جميع الأمم (طو 13: 3- 10). وكما فرح هو بالله (طو 13: 9) يطالبهم بأن يقيموا أيام فرح (طو 13: 10). ونلاحظ هنا أنه يوضح سبب السبي قائلًا لهم: "فإن فرقكم بين الأمم الذين يجهلونه لكي تخبروا بمعجزاته وتعرفوهم أن لا إله قادرًا على كل شيء سواه (طو 13: 4)". فنجد أكبر مثال عملى على ذلك هم الذين تشتتوا من جراء الاضطهاد الذي حدث بأورشليم بعد رجم القديس إسطفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء فجالوا مبشرين بالكلمة (أع 8: 4). ويقول في ذلك القديس لوقا كاتب الاعمال: "أما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب استفانوس فاجتازوا إلى فينيقية وقبرص وأنطاكية وهم لا يكلمون أحدًا بالكلمة إلا اليهود فقط ولكن كان منهم قوم وهم قبرصيون وقيروانيون الذين لما دخلوا أنطاكية كانوا يخاطبون اليونانيين مبشرين بالرب يسوع وكانت يد الرب معهم فآمن عدد كثير ورجعوا إلى الرب (أع 11: 21:19)". وربما اليهود أخذوا بنصيحة طوبيا موضع الجد لذلك نجد السيد المسيح يقول عن اليهود في عصره "أنكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلًا واحدًا (مت 23: 15)". ونجد طوبيا يلفت نظر المسبيين إلى عمل الله معه قائلًا لهم: "أنظروا الآن ما صنع لنا واعترفوا له بخوف ورعدة ومجدوا ملك الدهور بأعمالكم (طو 13: 6)". فمن من آلهة الأمم يستطيع أن يفتح أعين العمى أو يطرد الشياطين كما حصل مع سارة كنته وكأن طوبيا يقول للمسبيين: لا تأخذكم مناظر العبادة الوثنية وتسلب عقولكم وتنسوا أنها مجرد قطع فنيه وإن انبهرتم فانبهروا بفنها وبقدرة الفنان الذي قام بتشكيلها بهذه الروعة. وإياكم تنخدعوا بها فها هي لا تستطيع شيء. أما إلهنا فليس سواه قادر على كل شيء (طو 13: 4). فذلك يجب عليكم أن تعترفوا له بخوف ورعدة لأنه هو فاحص القلوب والكلى فإن كان هو مجَّد ذاته من خلال عمله معنا فيجب علينا نحن أيضًا أن نمجده من خلال أعمالنا وكما يقول معلمنا بطرس الرسول: "أن تكون سيرتكم بين الأمم حسنه لكي يكونوا في ما يفترون عليكم كفاعلى شر يمجدون الله في يوم الافتقاد من أجل أعمالكم الحسنة التي يلاحظونها (1 بط 2: 12)". ويقول معلمنا بولس الرسول: "هذا أصليه أن تزداد محبتكم أيضًا أكثر فأكثر في المعرفة وفي كل فهم حتى تميزوا الأمور المتخالفة لكي تكونوا مخلصين وبلا عثرة إلى يوم المسيح مملوئين من ثمر البر الذي بيسوع المسيح لمجد الله وحمده (في 1: 9- 11). آه..... أين نحن يا رب من كل ذلك؟! أنت قلت "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 16). فها هو نورنا قد أصبح ظلامًا... لأن الأخ يحاول أن يغتصب حقوق وميراث أخيه. وأصبحت المحاكم العالية تضج بسبب شكوانا.. وليس ذلك فقط. أنما أصبحنا نشاكل العالم في كل شيء... واصبح من العسير علينا أن نوضح صورة أولادك من أولاد العالم. فهل نحن الآن نستطيع أن نتقبل الظلم... والاهانة... والشتيمة؟! هل نستطيع أن نقدم الخد الآخر؟!! أصبح العالم الآن لا يفترى علينا كفاعلى شر.... لأننا بدأنا نشابهه في كل شيء. قديمًا كان العالم عندما يرى أحد المؤمنين يتغير.... ويتحول إلى إنسان مسالم من مجرد الرؤية فقط. أما الآن فهل يستطيع أن يقول عنا: "حقًا أن الله فيهم (1 كو 14: 25)"؟! أرجوك يا رب لا تجعلنا ننسى أننا أبنائك ولابد لنا أن نختلف عن العالم في كل شيء في كلامنا ونظرتنا.... في عملنا وحياتنا.... في أمورنا وفي فكرنا. ولا يكتفى طوبيا بلفت نظر المسبيين بتمجيد الله من خلال أعمالهم. ولكنه يستحثهم على التوبة قائلًا لهم: "ارجعوا الآن أيها الخطاة واصنعوا أمام الله برًا واثقين بأنه يصنع إليكم رحمة (طو 8:13)"، أنه النداء الذي يرسله الله في كل مرة مع كل من يتكلم بفمه ولسانه. ونجده يربط ما بين التوبة ورحمة الله مستعملًا كلمة واثقين. ما أجملها كلمة...... فكم من نفس يشككها الشيطان في رحمة الله، وغفرانه، وصفحه مهما كانت نوعية الخطية وقبحها من وجهة نظرنا. فلا توجد خطية بلا غفران سوى التي بلا توبة ولذلك نجد إشعياء النبي يقول: "هلم نتحَجج يقول الرب إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودى تصير كالصوف (إش 18:1)"، وإرميا النبي يقول: "في تلك الأيام وفي ذلك الزمان يُطْلَبْ أثم إسرائيل فلا يكون وخطية ليهوذا فلا توجد لأنى أغفر لمن أبقيه (إر 20:50)". وأما ميخا النبي يناجى الله ويعبر عن ذلك قائلًا: "من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذئب لبقية ميراثه لا يحفظ إلى الأبد غضبه فإنه يسر بالرأفة. يعود يرحمنا يدوس آثامنا وتطرح في أعماق البحر جميع خطاياهم (مى 7: 18، 19)" أما القديس يوحنا الحبيب فأنه يعلن عن مغفرة الله لخطايانا قائلًا: "أكتب إليكم أيها الأولاد لأنه قد غفرت لكم الخطايا من أجل اسمه (1 يو 2: 12)". ويؤكد على عمل التوبة كوسيلة للغفران فيقول: "إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع ابنه يطهرنا من كل خطية. إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل أثم (1 يو 1: 7- 9). فالسيد المسيح جاء إلى العالم لكي يبررنا فلا ننخدع بحيل ابليس وننساق إلى كلامه. وإنما نتقدم إلى السيد المسيح واثقين أنه يصنع معنا رحمة مثلما صنع مع القديسة مريم المصرية والقديس موسى الاسود وغيرهم الكثير... مناجاة لأورشليم (طو 13: 11- 18): بعدما قدم طوبيا نداءً للمسبيين نجده يناجى أورشليم قائلًا: "يا أورشليم مدينة الله إن الرب أدبك بأعمال يديك (طوبيا 13: 11)". فطوبيا هنا مثل جميع الأنبياء الذين أعلنوا حتمية تأديب أورشليم بسبب أعمالها فمثلا نجد إرميا يقول لها: "طريقك وأعمالك صنعت هذه لك هذا شرك (إر 4: 18)". ومرة أخرى يقول لهم أي لليهود الساكنين بها: "آثامكم عكست هذه وخطاياهم منعت الخير عنكم (إر 5: 25)". وأما باروخ تلميذه فيقول على لسانها: "لا يشمتن أحد بى أنا الأرملة التي ثكلت كثيرين فإنى قد أوحشت لأجل خطايا بني لأنهم زاغوا عن شريعة الله (با 4: 12)". وميخا النبي يقول: "ولكن تصير الأرض خربة بسبب سكانها من أجل ثمر أفعالهم (مى 7: 13)". نعم يا رب كم هو مخيف الوقوع في يديك (عب 10: 31). ولذلك ليت تكون لنا آذان صاغية ونسمع تحذير معلمنا بولس الرسول الذي يقول: "فإنه إن أخطأنا باختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا قبول دينونة مخيف وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين... فكم عقابًا أشر تظنون أنه يحسب مستحقًا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدس به دنسًا وأزدرى بروح النعمة. فإننا نعرف الذي قال لى الانتقام أنا أجازى يقول الرب، وأيضًا الرب يدين شعبه (عب 10: 26-30)". ولا ننسى مع كل ما حدث لأورشليم مازال طوبيا يدعوها مدينه الله. ولذلك قام الله بعملية تأديب لها وفي هذا يقول الحكيم: "يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تكره توبيخه لأن الذي يحبه الرب يؤدبه وكأب بابن يسر به (أم 3: 11-12)". "اشكرى لله نعمته عليك وباركى إله الدهور حتى يعود فيشيد مسكنه فيك (طو 12:13)". المقصود بنعمته هنا هو تجربة سبى شعبها. فإن كان معلمنا بولس الرسول يقول عن الآلام أنها هبة من الله (في 29:1) فطوبيا يعتبر هذه الآلام أنها نعمة ولابد من الشكر عنها. ولهذا يقول الرسول: "بل نفتخر أيضًا في الضيقات عالمين أن الضيق ينشئ صبرًا والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يخزى لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا (رو 5: 3- 5)". ولذلك يناشدنا أن نشكر الله قائلًا: "شاكرين كل حين على كل شيء في اسم ربنا يسوع المسيح لله والآب (أف 5: 30)". فطوبيا الذي ذاق عمل الشكر في آلامه (طو2: 13-14) نجده يقدمها كنصيحة لكي يمارسها شعب أورشليم لكي يتحنن الله عليهم وينهى تجربتهم ويرد سبيهم مرة أخرى فإن كان الله يغلب من تحننه بسبب دموعنا حتى قال: "حولى عنى عينيك فإنهما قد غلبتانى" (نش 5:6) فكم بالحرى يغلب بسبب شكرنا له في وسط آلامنا وأحزاننا. وصفه لمدينة أورشليم (طو 13: 19- 23) نجد هنا تشابهًا شديدًا جدًا بين طوبيا ومعاصره إشعياء النبي في وصف أورشليم السمائية ولكننا نجد التطابق على أشده في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى (رؤ 21: 19-25) فإشعياء يقول عنها: "أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية هأنذا أبنى بالإثمد حجارتك وبالياقوت الأزرق أؤسسك وأجعل شرفك ياقوتا وأبوابك حجارة بهرمانية كل تخومك حجارة كريمة (إش 54: 11، 12)". ونجد طوبيا يقول: "طوبى لى إن بقى من ذريتى من يبصر بهاء أورشليم أبواب أورشليم من ياقوت وزمرد وكل محيط أسوارها من حجر كريم وجميع أسواقها مفروشة بحجر أبيض نقى وفي شوارعها ينشد هللويا (طو 13: 20-22)". فنجد طوبيا هنا كما إشعياء لم يستعمل كلمة لؤلؤة والتي أستعملها يوحنا الحبيب والتي لم تظهر إلا في أيام أسكندر الأكبر(1) وهذا أحد الأدلة الداخلية التي تشير إلى زمن كتابة السفر أنه سبق القرن الثالث قبل الميلاد بكثير. ونجد أن إشعياء وطوبيا يقولان أن أورشليم لها أبواب كثيرة دون تحديد عدد لها. في حين أن القديس يوحنا اللاهوتى يحدده بأثنى عشر بابا وذلك يرمز لعظمة واتساع المدينة من ناحية، وكثرة عدد الداخلين إليها من ناحية أخرى. ونجد أن طوبيا ويوحنا الحبيب فقط أي دون إشعياء النبي يحددان أن للمدينة أسورًا. والسور رمز لحماية الله لأولاده (زك 2: 5). ونجد أن طوبيا يقول عنه أنه من حجر كريم. في حين أن يوحنا الرائى يجعله من أثنتى عشر نوعًا على عدد أسماء أسباط بني إسرائيل الإثنى عشر (زك 2: 5). ونجد أيضًا كلًا من يوحنا الرائى وطوبيا يعلن عن أن المدينة لها أسواق(2) - والمقصود بالسوق هنا هو ميدان أو مكان للتجمع وليس المقصود به أطلاقًا مكان للبيع أو الشراء- وفي حين أن يوحنا الحبيب يصفه أنه من الذهب النقى كزجاج الشفاف نجد أن طوبيا يشبهه من حجر أبيض نقى واللون الأبيض يشير للطهارة وهذا الاختلاف ناتج عن أنهم يرون شيئًا سماويًا واللغة البشرية عاجزة عن التعبير عنه (قارن 2 كو 4:12)، ولذلك نجد أن القديس يوحنا الحبيب يستعمل كلمة (شبه) كثيرًا جدًا في رؤياه. فطوبيا يشير إلى الأبواب أنها من الياقوت والزمرد. في حين أن يوحنا الحبيب يجعل كل باب عبارة عن لؤلؤة واحدة، والياقوت ذكر منه القديس يوحنا نوعين أحدهما الأزرق والآخر الأصفر، فاللون الأزرق هو لون السماء حيث يعلن أنها سماوية أما الأصفر فهو حجر شفاف أخضر ويعتز به العبرانيون ومن خصائصه تزيده النار لمعانًا، رمز للبصيرة المستنيرة ويقول عنه أيوب أنهم كانوا يجلبونه من الحبشة (أى 11:28). أما الزمرد فيذكر منه القديس يوحنا البشير والرائى نوعان أيضًا الزمرد ذبابى وهو حجر لونه أخضر ويرمز إلى النمو في النعمة والآخر الزمرد السلفى وأفضل أنواعه من كان له لون زرقة البحر عندما يكون صافى ويرمز للهدوء والصفاء. ويقول طوبيا: "طوبى لى إن بقى من ذريتى من يبصر بهاء أورشليم (طو 20:13)" فطوبيا هنا يعلن عن بهاء أورشليم في حين أنه لم يصف هذا البهاء الذي قام بوصفه كل من القديس يوحنا الحبيب، وإشعياء النبي في الإصحاحات من 55 إلى الإصحاح الستين ويقول في ذلك: "قومى إستنيرى لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك. لأنه ها هي الظلمة تغطى الأرض والظلام الدامس الأمم. أما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يري. فتسير الأمم في نورك والملوك في ضياء إشراقك... اجعلك فخرًا أبديًا فرح دور فدور.. الرب يكون لك نورًا أبديًا والهك زينتك (إش 60: 1- 3، 15، 19)". وفي موضع آخر يقول: "حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعًا ويسير برك أمامك ومجد الرب يجمع ساقتك.. يشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر (إش 58: 8، 10)" ويقول أيضًا "الرب الهك وقدوس إسرائيل... قد مجدك) (إش55: 5)". أما القديس يوحنا الحبيب فيصف هذا البهاء قائلًا: "وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها. وسمعت صوتًا عظيمًا من السماء قائلًا: هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبًا والله نفسه يكون معهم إلهًا لهم، وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم... ولم أر فيها هيكلًا لأن الرب الله القادر على كل شيء هو والخروف هيكلها. والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها لأن مجد الله قد أنارها والخروف سراجها وتمشى شعوب المخلصين بنورها وملوك الأرض يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها وأبوابها لن تغلق نهارًا لان ليلًا لا يكون هناك ويجيئون بمجد الأمم وكرامتهم اليها ولن يدخلها شيء دنس.... ولا تكون لعنة ما في ما بعد وعرش الله والخروف يكون فيها... ولا يكون ليل هناك ولا يحتاجون سراج أو نور شمس لأن الرب الإله ينير عليهم وهم سيملكون إلى أبد الآبدين (رؤ 21: 2- 4، 22- 27& 22: 3، 5)". ويختم طوبيا هذا الوصف قائلًا: "وينشدون في شوارعها هللويا (طو 23:13)". فإن طوبيا يأتى بختام التسبيح وهي لفظة "هللويا" وتعنى إحمدوا الرب. ونجد القديس يوحنا الحبيب يشير أن التسبيح في السماء سيكون محوره هو خلاص الله لشبعه، لذلك نجد أولاد الله في السماء وهم حاملين قيثارات الله وهم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله (خر 15: 1- 21). وترنيمة الخروف قائلين: "عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شيء عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسين. من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك لأنك وحدك قدوس لأن جميع الأمم سيأتون ويسجدون أمامك لأن أحكامك قد أظهرت -هللويا الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا لأن أحكامه حق وعادلة- وقالوا ثانية: هللويا... وخَرَّ الأربعة والعشرين قسيسًا والأربعة الحيوانات وسجدوا لله الجالس على العرش قائلين: آمين. هللويا. وخرج من العرش صوت قائلًا سبحوا لإلهنا يا جميع عبيده الخائفيه الصغار والكبار. وسمعت كصوت جمع كثير وكصوت مياه كثيرة وكصوت رعود شديدة قائلة: هللويا فإنه قد ملك الرب الإله القادر على كل شيء لنفرح ونتهلل ونعطه المجد لأن عرس الخروف قد جاء وامرأته هيأت نفسها وأعطيت أن تلبس بزًا نقيًا بهيًا (رؤ 15: 4، 19: 1- 7). وفي موضع آخر يرنمون قائلين: "مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة (رؤ 9:5)". _____ الحواشي والمراجع(1) تفسير الكتاب المقدس لمجموعة من الاهوتيين برئاسة الدكتور فرنسس داندس. (2) يصف القديس يوحنا الرائى أن بأورشليم نهر في وسط السوق ومن المعروف أن اللغة اليونانية التي ترجم اليها السفر وترجم عنها بعد ذلك لا يوجد بهما مثني أي مفرد وجمع فقط ولذلك نجد طوبيا يذكر أسواق بدلًا من شطرى السوق التي على ضفتى النهر. |
||||
19 - 06 - 2014, 12:06 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
طوبيت 14 - تفسير سفر طوبيا
ثبت تاريخي وصايا طوبيا الأخيرة خاتمة ثبت تاريخي: نجد في هذا الإصحاح ثبتًا تاريخيًا عن حياة طوبيا وابنه. فمهما كانت سنو حياة الإنسان لابد له أن يتركها وترجع روحه لمن خلقه (جا 7:12). لأنها لا تجد راحة أو شبعًا إلا فيه وبه، وإن كانت تعترض حياتنا على الأرض بعض التجارب فهي تختلف في قوتها وطول مدتها والوقت الذي تحدث فيه من إنسان إلى آخر فقد تكون عنيفة جدًا ولكنها لا تستغرق إلا وقتًا وجيزًا كما حدث في حياة أبينا إبراهيم أب الآباء عندما طلب منه الله أن يقدم ابنه وحيده حبيبه الذي تحبه نفسه محرقة على الجبل الذي يريه إياه (تك 22: 1، 2). أو تستغرق زمانًا قد تطول مدته مثلما حدث مع موسى - عندما هرب من فرعون بسبب قتله لأحد المصريين الذي كان يضرب رجلًا عبرانيًا - فظل أربعين سنة متغربًا عن أهله وعشيرته في أرض سيناء (خر 15:2 واع 7: 29،28)، وأيضًا تختلف في وقت حدوثها من إنسان إلى آخر ففي حياة يوسف الصديق نجده يتعرض للتجربة وهو شاب لا يتجاوز عمره عشرين عامًا، بينما أيوب البار كان رجلًا متزوجًا ولديه من الأولاد سبعة رجال وثلاث بنات. وقد يُجّرَب الإنسان بأكثر من تجربة في زمن حياته. وقد تكون معًا أو تفصل بينهما مدة من الزمن بين الواحدة والأخرى. وعندما تنتهي التجربة ويتزكى الإنسان أمام الله لا يرى أنها كانت للحزن بل للفرح (عب 11:12)، وهذا هو ما عبرت عنه سارة بقولها: "لأنك لا تسر بهلاكنا فتلقى السكينة بعد العاصفة وبعد البكاء والنحيب تفيض التهلل (طو 22:3)". هذا ما أكده السيد المسيح له المجد في قوله لتلاميذه عن ذلك: "أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح، المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح لأنه قد ولد إنسان في العالم (يو 16: 21،20)". وهذا هو ما حدث مع طوبيا حيث قيل عنه: "وقضى بقية حياته مسرورًا (طو 4:14). وقيل أيضًا عن أيوب: "وبارك الله آخرة أيوب أكثر من أولاده... ثم مات أيوب شيخًا وشبعان الأيام (أي 42: 12، 17). وصايا طوبيا الأخيرة: وكما أعطى طوبيا لإبنه وصايا لكي يحيا بها (طو 4: 1- إلخ) فهو لم يَنْسى أن يعطي لأبناء ابنه - أيْ حفدته - وصايا أيضًا لكي تسندهم في أيام غربتهم على الأرض. فأول وصية ينبههم إليها هي الطاعة والخضوع في الرب (أف 1:6) لأبيهم (طو 10:14)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى.وهو ما أوصى به سليمان كل شاب أيضًا قائلًا له: "أسمع لأبيك الذي ولدك ولا تحتقر أمك إذا شاخت (ام 22:23)". وقد يتبادر إلى الذهن لماذا أطيع وأخضع لوالديّ؟! فيجيب سليمان الحكيم على ذلك قائلًا: "لأنهما أكليل نعمة لرأسك وقلائد لعنقك (أم 9:1)". أما يشوع بن سيراخ فيقول: "من أكرم أباه سر بأولاده وفي يوم صلاته يستجاب له من احترم أباه طالت أيامه... فإن بركة الأب توطد بيوت البنين ولعنة الأم تقلع أساسها (سير 3: 6-11)"، ويقول في موضع آخر: "أكرم أباك بكل قلبك ولا تنسى مخاض أمك أذكر أنك بها كونت فماذا تجزيهما مكافأة عما جعلا لك (سير 7: 30،29)"، والقديس بولس الرسول يؤكد ذلك فيقول: "أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق. أكرم أباك وأمك التي هي اول وصية بوعد. لكي يكون لكم خير وتكونوا طوال الأعمار على الأرض (تث 16،5، أف 6: 1-3)". وكان الناموس يعاقب من لا يسمع لأبيه أو أمه ويكون معاندًا لهما ولا يقبل التأديب بأن يمسكانه ويأتيان به إلى شيوخ المدينة ويقولان لهم: "أبننا هذا معاند لا يسمع لقولنا وهو مسرف وسكير"، فبالتالي يحكمون عليه بالرجم ويرجمونه حتى الموت لكي ينزع الشر من بني إسرائيل، ولكي يكون سبب تأدب وعبرة لغيره من إسرائيل (تث 21: 18-21). لهذا يقول سليمان الحكيم: "العين المستهزئة بأبيها والمحتقرة إطاعة أمها تقورها غربان الوادي وتأكلها فراخ النسر (أم 17:30)". وهذا ما أكده القديس بولس الرسول حينما قال عن بعض الخطايا ومن بينها عدم الطاعة للوالدين: "إن الذين يعملون مثل هذه يستوجبون الموت... لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وأثمهم (رو 1: 30-32)". فيا ليتنا نسمع لوالدينا ولا نعتبرهم من وجهة نظرنا انهم "دقة قديمة" أو أفكارهم رجعية ولا تناسب العصر، أو نتأثر ببعض الأقران نتيجة قولهم لنا "بتاع ماما" ولكن لننظر إلى السيد المسيح الذي قيل عنه أنه كان خاضعًا لهما - أي لوالديه-. فالذي يخضع الكل له ارتضى أن يخضع ليوسف البار والشيخ لأنه في حكم أبيه في نظر الناس وللقديسة العذراء مريم لأنه اتخذ منها جسدًا - أي لأنها أمه. ولا يكتفي طوبيا أن يوصى حفدته ولكنه يمتد بوصيته إلى أبنائهم أيضًا قائلًا لهم: "وأوصوا بنيكم بعمل العدل والصدقات وأن يذكروا الله ويباركوه كل حين بالحق وبكل طاقتهم (طو 11:14)". فطوبيا الذي ذاق ثمر الصدقة في حياته. وأكد له الملاك على أهميتها يشدد على أبنائه لكي يمارسوها في حياتهم ويعلموا بنيهم ممارستها أيضًا. ولا ينسى أن يركز على علاقتهم المباشرة مع الله من خلال حياة التسبيح والشكر في كل حين وبكل طاقتهم. فهنا ينبههم إلى الوصية القائلة: "فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك (تث 6: 5، مت 22: 38)". وهذه الوصية هي التي عاش بها يوشيا الملك حيث قيل عنه: "ولم يكن قَبْلَهُ ملك مثله قد رجع إلى الرب بكل قلبه وكل نفسه وكل قوته حسب كل الشريعة وبعده لم يقم - أيْ إلى وقت كتابة سفر الملوك الثاني - مثله - أي مثل يوشيا الملك (2 مل 25:23)". ونجد طوبيا يؤكد على خراب نينوى ورجائهم الارتحال منها قائلًا لهم: "أسمعوا لي يا بَنِيَّ لا تقيموا ههنا بل أي يوم دفنتم فيه والدتكم معي في قبر واحد ففي ذلك اليوم وجهوا خطواتك للخروج من هذا الموضع فأني أرى أن أثمه سيهلكه (طو 14: 13،12)". والمقصود بوالدتكم هنا هي جدتهم حنة وليست أمهم سارة، لأنه من عادة اليهود لا يستعملون لفظ جد أو جدة ويستعيضون عنها بلفظ أبينا أو أمنا أو آبائنا... وهكذا ولذلك لا نجد هذه الألفاظ في الكتاب المقدس (جد أو أجدادي أو جدة) بأستثناء الترجمات التفسيرية - سوى مرتين وفي العهد الجديد حينما قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس - الذي كان أباه يونانيًا (أع 1:16)-: "إني أشكر الله الذي أعبده من أجدادي بضمير طاهر كما أذكرك بلا انقطاع في طلباتي ليلًا ونهارًا مشتاقًا أن أراك ذاكرًا دموعك لكي أمتلئ فرحًا إذ أتذكر الإيمان العديم الرياء الذي فيك الذي سكن أولًا في جدتك لوئيس وأمك أفنيكي ولكني موقن أنه فيك أيضًا (2 تي 1: 3-5)". خاتمة: ونجد أن طوبيا الابن أطاع كلام أبيه من حيث دفن والدته بجانبه (طو 14:14)" مثل الآباء الأولين وأرتحل عن نينوى ذاهبًا إلى حموية وعاش معهما حتى تنيّحا بشيخوخة صالحة وكان يهتم بهما ودفنهما جنبًا إلى جنب وأخذ كل ميراثهما. ولأنه نَفَّذَ وصية أكرم أباك وأمك نجده يأخذ وعدها - أي بركتها - من جهة طول أيام حياته على الأرض وهو له كل خير. |
||||
19 - 06 - 2014, 12:24 PM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
النبوات | اعتراضات والرد عليها في سفر طوبيت
النبوات في سفر طوبيا مقدمة النبوة الأولى: أورشليم المسبية النبوة الثانية: نينوى النبوة الثالثة: بناء الهيكل النبوة الرابعة: عودة الأمم أهم الاعتراضات والرد عليها- * الاعتراض الأول * الاعتراض الثاني * الاعتراض الثالث * الاعتراض الرابع * الاعتراض الخامس * الاعتراض السادس * الاعتراض السابع خاتمة الحواشي والمراجع النبوات في سفر طوبيا:- مقدمة: النبوة هي مِنْ أهم مميزات شعب الله بالنسبة للشعوب التي حولهم. وكانت واضحة أشد الوضوح ولا تحتاج إلى أي تأويل أو تفسير، أو أنها تحتمل أكثر من تفسير مثلما كان يحدث عند استشارة الأمم لآلهتهم الوثنية. فمثلًا قام قارون ملك ليديا باستشارة آلهته في أمر الحرب مع كورش الفارسي، فكان ردهم له أنه في الحرب ستهلك مملكة عظيمة دون أي تحديد. وكانت النتيجة دمار مملكة ليديا وانتصار كورش الفارسي في الحرب. فالنبوة هي الأخبار عن الغيب والمستقبل بالهام من الله، وهي الأخبار عن الله وما يتعلق به تعالى. فطوبيا من أحد الشخصيات الذين أعلن لهم عن مستقبل أورشليم بكل وضوح. وليس أورشليم فقط بل نينوى أيضًا. ونجد طوبيا يُقَسَّم نبوته إلى نبوات عن خراب أورشليم ونينوى ثم إعادة بناء أورشليم والهيكل ونجد في هذا التقسيم من الادلة الداخلية التي تؤكد كتابه السفر مبكرًا جدًا أي قبل السبي البابلي لأورشليم. وهذا عادةً ما نجده في كتابات الأنبياء الذين كانوا قبل السبي. أما الأنبياء الذين كتبوا بعد السبي كان عادةً محور كتاباتهم هو التشجيع لإتمام بناء الهيكل مثل حجى وزكريا وعزرا ونحميا. ونجد نبوة طوبيا تُكَوِّن جزءًا من الإصحاح الثالث عشر والرابع عشر. وبالتحديد (13: 11-23، 14: 6-9، 12،13) حسب النسخة التي نعتمد عليها في دراستنا. النبوة الأولى (طو 1:13، 7:14) أورشليم المسبية "يا أورشليم مدينة الله إن الرب أدبك بأعمال يديك (طو 1:13)". "كل أرضها المقفرة.. وبيت الله الذي احرق.. (طو 7:14)". نلاحظ هنا أن طوبيا يتكلم بصيغة الفعل الماضي. وهذا عادةً ما كان يتبعه الأنبياء لتأكيد حدث لا مفر منه ولا بد أنه سيتم. ومن هؤلاء الأنبياء نجد داود النبي يقول "قد ثقبوا يديَّ ورجليَّ أحصى كل عظامي (مز 22: 17،16)". ومن المؤكد منه أن داود لم تثقب يديه أو رجليه، وإنما هذه كانت نبوة عن السيد المسيح الذي سيعلق على عود الصليب من أجلنا عن طريق تثبيته بالمسامير في خشبة الصليب، وهذا ما تم فعلًا في المسيح بعد داود بما يقرب من ألف عام. وأيضًا "لتفرح السموات ولتبتهج الأرض ليعج البحر وملؤه ليجذل الحقل وكل ما فيه لتترنم كل أشجار الوعر أمام الرب لأنه جاء. جاء ليدين الأرض، يَدينُ المسكونة بالعدل والشعوب بأمانته (مز 96: 11-13)". ومن المعروف أن الله لم يأتِ بعد ليدين الأرض. وانما أتى في الجسد ليفتدي الإنسان وإنما تكرار كلمة جاء في الفعل الماضي فهي للتأكيد أنه سوف يأتي في يوم ما ليدين الأرض. ونجد إشعياء يقول عن كورش الفارسي - الذي أتى بعده بأكثر من قرنين من الزمان - بلسان الله: "هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أممًا وأحقاء ملوك أحل لأفتح أمامه المصراعين والأبواب لا تغلق... نطقتك وأنت لم تعرفني (إش 45: 5،1). وهذا ما حدث فعلًا عندما انتصر على البابليين. وأيضًا زكريا النبي يتنبأ عن المسيح قائلًا: "فقلت لهم إن حَسُنَ في أعينكم فأعطوني أجرتي وإلا فامتنعوا. فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة. فقال لي الرب ألقها إلى الفخارى الثمن الكريم الذي ثمَّنوني به، فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب (زك 11: 13،12). ولم يحدث ذلك مع زكريا النبي بل مع السيد المسيح الذي أتى بعده بما يقرب من خمسة قرون (قارن مت 26: 15، 27: 3-10). فهذا الفن الرؤوى معروف لدى الأنبياء ولشعب اليهود أيضًا. ويشرح الأنبياء الذين كانوا قبل السبي أسباب سبى كل من مملكة الشمال (إسرائيل) ومملكة الجنوب (يهوذا) في عبارات بليغة وقوية منادين لهم بالتوبة، ولكن للأسف لم تكن لهم الآذان التي تسمع فيتوبوا ويرجعوا لتمحى خطاياهم، وبالتالي أسلمهم الله للسبى لكي يؤدبوا عن أعمالهم ويقودهم بطريقته الخاصة للتوبة. وها هو حزقيال النبي يصف حال أورشليم فيقول: "هوذا رؤساء إسرائيل كل واحد حسب استطاعته كانوا فيك لأجل سفك الدم. فيك أهانوا أبًا وأمًا، في وسطك عاملوا الغريب بالظلم، فيك اضطهدوا اليتيم والأرملة. ازدريت أقداسي ونجست سبوتي. كان فيك أناس وشاة لسفك الدم وفيك أكلوا على الجبال. في وسطك عملوا رذيلة. فيك كشف الإنسان عورة أبيه. فيك أذلوا المتنجسة بطمثها. إنسان فعل الرجس بامرأة قريبه. إنسان نجس كنته برذيلة، إنسان أذل فيك أخته بنت أبيه، فيك أخذوا الرشوة لسفك الدم، أخذتِ الربا والمرابحة وسلبت أقرباءك بالظلم ونسيتيني يقول السيد الرب (حز 22: 6-12)". ولذلك نجد أورشليم تعلن عن سبب تأديبها على لسان باروخ قائلة: "لا يشمتن أحد بي أنا الأرملة التي ثكلت كثيرين فإني قد أوحشت لأجل خطايا بني لأنهم زاغوا عن شريعة الله. ولم يعرفوا رسومه ولم يسلكوا في طرق وصايا الله ولم يسيروا في سبل التأدب ببره (با 4: 13،12). فيا ليتنا ننصت إلى معلمنا بولس الرسول وهو يقول: "اما تستهين بغنى لطفه - أي لطف الله - وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة، ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله (رو 2: 4-6). نعم يا الله... فأنت كأب تحب دائمًا أن تؤدب أولادك.. لأن كل من تحبه تؤدبه (عب 6:12). ولكن أرجوك إجعلنا دائمًا نقبل التأديب.. ونرجع.. حتى تحكم علينا هنا.. لكي لا ندان مع العالم في مجيئك الثاني.. المخوف المملوء مجدًا (أكو 11: 32،31). النبوة الثانية (طو14: 6) نينوى قد دنا دمار نينوى لأن كلام الرب لا يذهب باطلًا (طو14: 6). أما النسخة القبطية تترجمها كالآتي: "وامض يا ولدي إلى مادي لأني متحقق جميع ما تكلم يونان النبي عن نينوى أنها ستخرب وأما في مادي فتكون سلامة نوعًا إلى زمان ما (14: 4)". اسمعوا لي يا بني لا تقيموا ههنا بل أي يوم دفنتم والدتكم معي في قبر واحد ففي ذلك اليوم وجهوا خطواتكم للخروج من هذا الموضع فإني أرى أن إثمه سيهلكه (طو14: 12، 13)". كثيرًا ما نجد أنبياء العهد القديم يتنبؤون عن مملكة أشور وخاصة عاصمتها نينوى بالخراب فيقول عنها صفنيا النبي: ويمد-أي الله- يده على الشمال ويبيد أشور ويجعل نينوى خرابا يابسة كالقفر، فتربض في وسطها القطعان كل طوائف الحيوان، القوق أيضًا والقنفذ يأويان إلى تيجان عمدها، صوت ينعب في الكوى. خراب على الأعتاب لأنه قد تعرى أرزيها. هذه هي المدينة المبتهجة الساكنة مطمئنة القائلة في قلبها أنا وليس غيري، كيف صارت خرابًا مربضًا للحيوان، كل عابر بها يصفر ويهز يده (صف2: 13- 15)". ويتنبأ عنها ناحوم قائلًا: "وحي على نينوى.. الغوغاء جنحت وطارت، رؤساؤك كالجراد وولاتك كحرجله -أي جماعة- الجراد الحالة على الجدران في يوم البرد، تشرق الشمس فتطير ولا يعرف مكانها أين هو. نعست رعاتك يا ملك أشور اضطجعت عظماؤك تشتت شعبك على الجبال ولا من يجمع، ليس جبر لانكسارك، جرحك عديم الشفاء كل الذين يسمعون خبرك يصفقون بأيديهم عليك لأنه على من لم يمر شرك على الدوام (نا 1: 1، 3: 16- 19). ويصف ناحوم النبي أعمال شعبها وملكها والتي كانت السبب في خرابها فيقول: "الأسد المفترس لحاجة جرائه والخانق لأجل لبواته حتى ملأ مغاراته فرائس ومأويه مفترسات.. ويل لمدينة الدماء، كلها ملآنه كذبًا وخطفًا، لا يزول الافتراس.. من أجل زنى الزانية الحسنة الجمال صاحبة السحر البائعة أممًا بزناها وقبائل بسحرها (نا2: 12، 13: 1، 4)". ومن هذه الأعداد نلاحظ كم كانت نينوى قاسية، ومتعطشة لسفك الدماء، والسطوة الشريرة، والغش في التجارة، حيث أجهدت نفسها لكي تكون كمركز تجاري عالمي. ولذلك عندما يأتي يوم الرب عليها "تئن جواريها كصوت الحمام ضاربات على صدورهن (نا2: 6)". ونجد أن طوبيا يحدد توقيت خراب نينوى أنه سيحل سريعًا، ولكن بعد وفاة زوجته (طو14: 12، 13). ويعتمد في تأكيده هذا على كلام يونان النبي- حسب الترجمة القبطية- الذي قال الرب "قم أذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنه قد صعد شرهم أمامي (1: 1،2،3: 1،2)". فكثيرًا ما كان يصدر الرب حكمًا على إنسان أو أمة خاطئة ولكن بسبب توبتها يؤجل هذا الحكم لحين تزايد شرها مرة ثانية ولا تجد التوبة لها مكانًا بين شعبها، وهذا واضح جًدا في موقف أخاب عندما أخطأ وقتل نابوت اليزرعيلي لكي يغتصب كرمه، فيقول عنه الكتاب المقدس عندما سمع حكم الله على فم إيليا النبي أنه: شق ثيابه وجعل مسحًا على جسده وصام واضطجع بالمسح ومشى بسكوت. فكان كلام الرب إلى إيليا التشبي قائلًا: "هل رأيت كيف اتضع أخاب أمامي فمن أجل أنه قد اتضع أمامي لا أجلب الشر في أيامه بل في أيام ابنه أجلب شرًا على بيته (1 مل21: 27- 29)". وأيضًا حدث هذا مع سليمان الذي قال عنه الله لداود أبيه عندما قصد أن يبني بيتًا للرب: "أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأثبت ملكه، هو يبني بيتًا لاسمي وأنا أثبت كرسي مملكته إلى الأبد، أنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا إن تعوج أؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم. ولكن رحمتي لا تنزع منه كما نزعتها من شاول الذي أزلته من أمامك (2 صم 7 : 12- 15). وسليمان هذا الذي أخطأ بسبب أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى حكم الرب عليه، ولكن بسبب توبته -والتي يصفها سفر الجامعة- الرب نقل الحكم إلى أيام أبنه قائلًا له: "من أجل أن ذلك عندك ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها فإني أمزق المملكة عنك تمزيقًا وأعطيها لعبدك. إلا أني لا أفعل ذلك في أيامك من أجل داود أبيك بل من يد ابنك أمزقها. على إني لا أمزق منك المملكة كلها بل أعطي سبطًا واحدًا لأبنك لأجل داود عبدي ولأجل أورشليم التي أخذتها (1 مل11: 11- 13)". وإن كان حكم الموت والخراب لنينوى تأجل بسبب توبتها والتي أشار إليها السيد المسيح له المجد (مت12:41)، ولكن ذلك تحقق بيد البابليين الماديين في أيام حُكم نبو بولاسار وسياجزاس، وكان قائدًا الجيش نبوخذنصر وأحشوريوش سنة 612 قبل الميلاد. النبوة الثالثة (طو13: 12، 17و 14: 7) بناء الهيكل "أشكري لله نعمته عليكي وباركي إله الدهور حتى يعود فيشيد مسكنة فيك ويرد إليك جميع أهل الجلاء وتبتهجي إلى دهر الدهور.. أما أنت فتفرحين ببنيك لأنهم يباركون كافة وإلى الرب يحتشدون (طو13: 12، 17). وكل أرض -أي أورشليم- المقفرة ستمتلئ وبيت الله الذي أحرق فيها سيستأنف بناؤه وسيرجع إلى هنالك جميع خائفي الله (طو14: 7). في هذه النبوة نجد أنفسنا أمام نبوءتين لا نبوءة واحدة. الأولى: هي إحراق الهيكل، وطوبيا هو االنبي الوحيد الذي تنبأ بأن الهيكل سيحرق. ولتأكيد ذلك جعل عملية الحرق في الفعل الماضي. وإن كان أرميا النبي يعلن عن خراب الهيكل قائلًا: "اذهبوا إلى موضعي الذي في شيلوه الذي أسكنت فيه أسمي أولًا وانظروا ما صنعت به من أجل شر شعبي إسرائيل، والآن من أجل عملكم هذه الأعمال يقول الرب وقد كلمتكم مبكرًا ومكلمًا فلم تسمعوا ودعوتكم فلم تجيبوا أصنع بالبيت الذي دعي باسمي عليه الذي أنتم متكلون عليه وبالموضع الذي أعطيتكم وآباءكم إياه كما صنعت بشيلو واطرحكم من امامي كما طرحت كل أخوتكم كل نسل أفرايم (إر7: 12- 15)"،"أجعل هذا البيت كشيلوه وهذه المدينة أجعلها لعنة لكل شعوب الأرض (إر26: 5، 6)". والثانية هي: تجديد الهيكل ورجوع شعب إسرائيل إلى أراضيهم مرة ثانية. ونجد أن هذه النبوءة تمت حرفيًا على يد كورش الفارسي كما تنبأ إشعياء (إش 44: 28). فيذكر كل من كاتب سفر الأخبار الثانية وعزرا الكاهن ذلك قائلين "في السنة الأولى لكورش ملك فارس عند تمام كلام الرب بفم أرميا نبه الرب روح كورش ملك فارس، فأطلق نداء في كل مملكته وبالكتابة أيضًا قائلًا هكذا قال كورش ملك فارس، جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب إله السماء وهو أوصاني أن أبني له بيتًا في أورشليم التي في يهوذا. من منكم من كل شعبه ليكن إلهه معه ويصعد إلى أورشليم التي في يهوذا فيبني بيت الرب إله إسرائيل (2 أي 36: 22، 23، عز 1:1- 3). وعندما تباطأ الشعب في اتمام الهيكل قام كل من حجى النبي وزكريا النبي في أيام داريوس وفي السنة الثانية من ملكه بحث الشعب على إتمام البناء. فلبى الشعب صوت ندائهم (حجى1: 1- 2: 23، زك 8: 1- 17). ونجد أنفسنا أمام كم هائل من النبوات عن العودة من السبي. ولكن من أجمل هذه النبوات واحدة لأرميا عن أنه لا توجد قوة أو عائق طبيعي أو غير طبيعي يقف أمامهم وهم في طريق العودة، فيقول: "هأنذا -أي الله- آتي بهم من أرض الشمال وأجمعهم من أطراف الأرض. بينهم الأعمى والأعرج الحُبلى والماخض معًا، جمع عظيم يرجع إلى هنا -أي إلى ورشليم- بالبكاء يأتون وبالتضرعات أقودهم. أسيرهم إلى أنهار ماء في طريق مستقيمة لا يعثرون فيها، لأني صرت لإسرائيل أبًا وأفرايم هو بكري أسمعوا كلمة الرب أيها الأمم وأخبروا في الجزائر البعيدة وقولوا مبدد إسرائيل يجمعه ويحرسه كراعٍ قطيعه. لأن الرب فدى يعقوب وفكه من يد من هو أقوى منه (إر 31: 8- 11). وأخرى لإشعياء وهي تصف مجدهم وهم راجعون فيقول: "هكذا قال السيد الرب ها إني أرفع إلى الأمم يدي وإلى الشعوب أقيم رايتي. فيأتون بأولادك في الأحضان وبناتك على الأكتاف يحملن. ويكون الملوك حاضنيك وسيداتهم مرضعاتك، بالوجوه إلى الأرض يسجدون لك ويلحسون غبار رجليك فتعلمين إني أنا الرب الذي لا يخزى منتظروه (إش 49: 22- 24)". ويصف عزرا الكاتب عودة بني إسرائيل فيقول: "فقام رؤوس آباء يهوذا وبنيامين والكهنة واللاويون مع كل من نبه الله روحه ليصعدوا ليبنوا بيت الرب الذي في أورشليم. وكل الذين حولهم أعانوهم بآنية فضة وبذهب وبأمتعة وببهائم وبتحف فضلًا عن كل ما تبرع به... وجميع الآنية -التي بالهيكل- من ذهب والفضة خمسة الآلف وأربع مئة. الكل أصعده سيشبصر عند إصعاد السبي من بابل إلى أورشليم (عز1: 5، 6، 11). قارن أيضًا (عز 2: 64- 70)". ويصف الشيخ الروحاني مجد التوبة حيث أنها عودة من سبي الخطية والشيطان إلى أحضان المسيح قائلًا(1): "كما أن آدم الجسدي ينجب من حواء أبناء له على شاكلته، لعالمه الجسدي، كذلك المسيح، أبو العالم الروحاني، ينجب لنفسه بالتوبة والعماد أبناء على شاكلته للعالم الروحاني... التوبة تحول الزناة إلى بتوليين. هي تنقي الناريين الذين توسخوا. هي التي تقود من الخمارات إلى البرية من أجل ممارسات ملائكية... هي تدخل إلى بيت الزناة، وتأخذ الفسقة، وتلدهم بتوليين في المسيح تحت جناحيها. هي تعيد الرسالة إلى الخونة(2)... هي بنفسها لباس التائب وتلبسه لباس مجد يسوع الذي هو النور الحق... هي اليم الذي يغسل كل نجس والكور الحارق الذي ينقى كل من توسخ". فأرجوك يا إلهي... أعطنا توبة حقيقية طاهرة، ونقية.. لكي لا نعيش فيما بعد لأنفسنا بل لك أنت وحدك... يا من مت لأجلنا ولأجل خلاصنا. وتحريرنا من كل عبودية مرة وقمت. لأن لك المجد الدائم إلى الأبد آمين. النبوة الرابعة (طو13: 14، 15و 14: 8، 9) عودة الأمم "يزورك الأمم من الأقاصي بقرابينهم ويسجدون فيك للرب ويعتدون أرضك أرضًا مقدسة لأنهم فيك يدعون الاسم العظيم (طو13: 14، 15)". "وستترك الأمم أصنامها وترحل إلى أورشليم فتقيم بها وتفرح فيها ملوك الأرض كافة ساجدة لملك إسرائيل (طو14: 8، 9)". طوبيا هنا مثله مثل أنبياء بني إسرائيل يعلن عن شمولية العبادة لله في أورشليم. وأنهم يأتون إليه بهداياهم، فيقول في ذلك إشعياء النبي: "لأنه تتحول إليك ثروة البحر ويأتي إليك غنى الأمم. تغطيك كثرة الجمال بكران مديان وعيفة كلها تأتي من شبا تحمل ذهبًا ولبانًا وتبشر بتسابيح الرب. كل غنم قيدار تجتمع إليك كباش نبايوت تخدمك. تصعد مقبولة علي مذبحي وأزين بيت جمالي (إش 60: 5- 7). أما ميخا النبي فيقول: "ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتًا في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه الشعوب. وتسير أمم كثيرة ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب وإلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب (مي 4: 1، 2). وزكريا النبي يقول: "هكذا قال رب الجنود سيأتي شعوب بعد وسكان مدن كثيرة، وسكان واحدة يسيرون إلى أخرى قائلين لنذهب ذهابًا لنترضى وجه الرب ونطلب رب الجنود، أنا أيضًا أذهب. فتأتي شعوب كثيرة وأمم قوية ليطلبوا رب الجنود في أورشليم وليترضوا وجه الرب، هكذا قال رب الجنود في تلك الأيام يمسك عشرة رجال من جميع ألسنة الأمم يتمسكون بذيل رجل يهودي قائلين نذهب معكم لأننا سمعنا أن الله معكم (زك 8: 20- 23). ولم تتحقق هذه النبوة إلا بعد قيامة السيد المسيح حيث يحج المسيحيون في الأراضي المقدسة ويتعبدون لله ويذكرون الاسم الحسن الذي للخلاص اسم ربنا يسوع المسيح. أهم الاعتراضات والرد عليها:- *- الاعتراض الأول: يقول المعترض أن سنحاريب بن سرجون الثاني وليس ابن شلمنأسر كما ذكر في سفر طوبيا الإصحاح الأول والعدد الثامن عشر. كلمة "ابن" تستعمل في الكتاب المقدس بالمعنى الحرفي وبمعنى حفيد مباشر وغير مباشر، كما تستعمل في الزمان مثل ابن عشرين عامًا (عدد1: 20)، وللمكان مثلما نطلقها على شعب ما أنهم أبناء أرض أو بلد معين مثل "بني الكوشيين" (عا 9: 7). (بني أشور حز 16: 18). (بني يهوذا يؤ 3: 6)". وتستخدم أيضًا للدلالة على الصفات المميزة كما في "بني الإثم (2 صم 3: 34). "بني لئيم تث 13: 13". "بني بليعال 1 صم 10: 27". وتطلق للدلالة على تلاميذ أحد المعلمين أو مريديه مثل "يا أولادي أنا معكم زمانًا قليلًا بعد (يو 13: 33)". "وإلى تيموثاوس الابن الصريح في الإيمان 1 تي 1: 2"، "أطلب إليك لأجل ابني أنسيموس (فل 10)". ونلاحظ أيضًا أن إطلاق لفظة ابن في معناها الشامل والواسع في فكر وكتابات الآشوريين أيضًا فنجد شلمنأسر الثالث يكتب على مسلته السوداء عن ياهو بن يهوشافاط بن نمش الذي قضى على بيت أخاب بن عمري واستقل بالمُلك (2 مل 9: 2): "أن ياهو ابن عمري بادر بدفع الجزية"(5). فهنا أطلق الآشوريين لقب ابن على الذي يملك على البلد بعد شخصية قيادية معينة. وهو ما فعله طوبيا أيضًا وبذلك لا نجد أيّ تناقض أو تعارض. *- الاعتراض الثاني: * البعض يظن أنه يوجد تناقض بين الآية القائلة: "ضع خبزك وخمرك على مدفن البار ولا تأكل ولا تشرب منهما مع الخطاة (طو 4: 18)". والآية: "لم آكل منه في حزني ولا أخذت منه في نجاسة ولا أعطيت منه لأجل ميت بل سمعت لصوت الرب إلهي وعملت حسب كل ما أوصيتني (تث 26: 14)". * أننا لو أمعنا النصين المذكورين لا نجد أيّ تناقض بينهما أطلاقًا حيث أنه في سفر التثنية يقول: "متى فرغت من تعشير كل عشور محصولك في السنة الثالثة سنة العشور وأعطيت اللاوي والغريب واليتيم والأرملة فأكلوا في أبوابك وشبعوا تقول أمام الرب إلهك. قد نزعت المقدس من البيت وأيضًا أعطيته للاوي والغريب واليتيم والأرملة حسب كل وصيتك التي أوصيتني بها لم أتجاوز وصاياك ولا نسيتها. لم آكل منه في حزني ولا أخذت منه في نجاسة ولا أعطيت منه لأجل ميت بل سمعت صوت الرب إلهي وعملت حسب كل ما أوصيتني أطلع من مسكن قدسك من السماء وبارك شعبك إسرائيل والأرض التي أعطيتنا كما حلفت لآبائنا أرضًا تفيض لبنًا وعسلًا (تث 26: 12- 15)". فهنا يتكلم عن العشور وليس عن أي أكل وشرب ونلاحظ أن العشور مكرسة لله والأشياء المكرسة والمخصصة لله هي مقدسة ولهذا يقول مقدم العشور: "قد نزعت المقدس من البيت (تث 26: 13)". لذلك ينطبق عليها حكم جميع المقدسات فيجب أن تكون بعيدة عن أي دنس أو نجس وفي العهد القديم كل ما يختص بالموتى كان نجسًا وحتى الإنسان الذي كان يلمسه كان يتنجس ولابد له أن يتطهر (عد 19: 11- 13: 18- 22). وهذا ينطبق على كل الذبائح مثل ذبيحة السلامة وللكاهن ذبيحة الإثم والخطية حيث لا يأكل منهما أحد في حزنه. والله هنا يعلمهم يجب أن تكون التقدمة ليست على حساب تقدمة أخرى ونلاحظ هذا في تصرف داود النبي والملك حينما أراد أن يشتري قطعة الأرض التي لأرونة اليبوسي وقال له: "بل أشتري منك بثمن ولا أصعد للرب إلهي محرقات مجانية (2 صم 24: 24)". والعشور عادة كانت تقدم في مواسم الأعياد والأفراح. فالله لا يريد أن تتحول الأعياد إلى حزن وذلك بتذكار الذين رقدوا من ذويهم والترحم عليهم. وخاصة كان الله يعتبر هذه الأعياد هي أعياده هو. ونجد أن تقديم القرابين من أجل الموتى هو تقليد قديم حتى عند قدماء المصريين منذ زمن بعيد ومازالت هذه العادة موجودة حتى وقتنا الحالي، وكانت موجودة لدى اليونانيين، والرومانيين، وحتى عند اليهود أيضًا كانت موجودة ولذلك نجد يهوذا المكابي يقدم قرابين وذبائح عن الموتى. ولم يعترض أحد الكهنة (2 مك 12: 38- 46). وواضح من سفر إرميا النبي أن المأكولات التي كانت تقدم من أجل الموتى كانت تقدم كنوع من أنواع التعزية. ولأن الله كان لا يريد أن يعزي هذا الشعب في ذلك الوقت -أي قبل السبي البابلي مباشرة- يقول لإرميا النبي: "لا تدخل بيت النوح ولا تمضى للندب ولا تعزهم لأني نزعت سلامي من هذا الشعب يقول الرب الإحسان والمراحم فيموت الكبار والصغار في هذه الأرض، لا يدفنون ولا يندبونهم ولا يخمشون -أي يجرح وجهه- أنفسهم ولا يجعلون قرعة -أي حلق الرأس بطريقة تعلن عن الحزن- من أجلهم. ولا يكسرون خبزًا في المناحة ليعزوهم عن ميت ولا يسقونهم كأس التعزية عن أب أو أم (إر 16: 5- 7)". وبذلك لا يوجد أيّ تناقض بين الآيتين المذكورتين. * الاعتراض الثالث: *- البعض يظن أن كل ما يتعلق بالملاك رافائيل خيال وأنه شخصية خرافية. *من الواضح لنا جيدًا من خلال الكتاب المقدس وسير الآباء أن عمل الملائكة الأساسي والخاص بالبشر هو خدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 1: 14). ومن هذا المنطلق نجد أن الملائكة تأخذ صورة بشر -أيّ تتجلى بصورة بشر- وتظهر لأناس قديسين لإبلاغهم رسالة معينة أو لمعونتهم في عمل ما وهذا ما نلاحظه من المواقف الآتية: في قصة هلاك سدوم وعمورة نجدهم يتجلون مع السيد الرب لإبراهيم أب الآباء فيقدم لهم طعامًا وشرابًا على أساس أنهم أناس غرباء. وبعد الغذاء ذهب الملاكان إلى لوط ابن أخي إبراهيم في سدوم وعمورة وأنقذوه دون أن يعلم أنهم ملاكان. ونلاحظ أن الملاكين قضيا ليلة كاملة مع لوط وأسرته. وعندما توانى عن الخروج هو وأسرته أمسكا بأيديهم وأخرجوهم خارج المدينة (تك 18: 1- 19: 26). وعندما كان جدعون يخبط الحنطة في المعصرة لكي يهربها من المديانيين ظهر له ملاك الرب في هيئة إنسان وشجعه على التحرر من نير المديانيين (قض 6: 11- 23). ونفس الوضع تكرر مع منوح وامرأته عندما بشرهم بميلاد شمشون (قض 13: 2- 23).ومن هذا المنطلق نجد القديس بولس الرسول يشجع على إضافة الغرباء متعللًا بأن في إضافتنا للغرباء أننا نضيف ملائكة دون أن نعلم فيقول: "لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون (عب 13: 1)". ونجد أن الملائكة ظهرت لهاجر جارية سارة زوجة إبراهيم مرتين. وشجعتها على العودة إلى بيت مولاتها عندما هربت منها، وأعلمتها عن مستقبل ابنها (تك 16: 7- 3). وأنقذت حياتها وحياة ابنها من الموت عندما تاهت في برية بئر سبع (تك 21: 14 - 19). وظهر أيضًا لدانيال مرات عديدة ليعلن له عن أمور ستحدث في المستقبل منها إنهاء فترة السبي والممالك التي ستسود العالم حتى مجئ السيد المسيح في الجسد، وحدد وقت مجئ السيد المسيح في الجسد أيضًا (دا 7، 8، 9، 10، 11، 12). ولزكريا (لو1: 11- 20). وليوسف الشيخ (مت1: 20، 23، 2: 13، 14، 19، 20) وللسيدة العذراء (لو1: 26- 28). فظهر الملائكة على مر كل هذه العصور والسنين أمر يفوق الحصر. فالملائكة تدافع عنا وتعلن للبعض عن بعض الأمور التي ستحدث في المستقبل. وترفع أعمال الرحمة والصدقة وصلواتنا وطلباتنا وتشكراتنا لدى الله. فواضح مما سبق أن الاعتراض على شخصية الملاك رافائيل بأنها شخصية غير حقيقية ليس له ما يثبته. * الاعتراض الرابع: * البعض يعترض على السفر ويقول كيف إنسان يهودي أن يُربي كلبًا وهو من الحيوانات النجسة. ويحاول أن يؤكد كلامه فيستشهد ويذكر الآية التي تقول "لا تدخل أجرة زانية ولا ثمن كلب إلى بيت الرب إلهك عن نذر ما لأن كليهما رجس لدى الرب (تث23: 18)". * نعم الشريعة لا تطالب بنذر أجرة الزانية ولا ثمن الكلب حيث المقصود به هنا هو الرجل الشاذ جنسيًا - أي المأبون - حيث كانت تنتشر هذه العادات كجزء من عبادة الأوثان. ولذلك أطلق لفظ رجس ولم يقل الكتاب المقدس نجس. فكلمة نجس تطلق على ما يقال في المستقذر (عقلًا وشرعًا)(6). أما كلمة رجس تطلق على ما يقال في المستقذر (طبعًا)(7)، فحيث أنها من منطلق العادة القذرة لذلك سماها الكتاب المقدس رجس لدى الرب ولذلك جاءت ترجمة هذه الآية في الترجمة الحديثة للكتاب المقدس هكذا: "لا يكن من بنات بني إسرائيل ولا من بنيه بغي أو مأبون في هياكل العبادة لا تدخلوا إلى بيت الرب إلهكم أجرة بغي - زانية - ولا مابون - كلب - لنذرٍ ما ولأن كليهما رجس لدى الرب إلهكم (تث23: 18، 19)"(8). أما إطلاق أسماء بعض الحيوانات كصفة للبعض فهذا واضح جدًا على مستوى الكتاب المقدس وفي الحياة العامة ويكفي لذلك عندما قال السيد المسيح للمرأة الكنعانية: "ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين -أي الإسرائيليين- ويُطْرَح للكلاب -أي للأمم- (مت 15: 26، مر 7: 27)". وقال عن هيرودس: "أذهبوا وقولوا لهذا الثعلب (لو 13: 32)". والشريعة أيضًا كانت تسمح بتربية الحيوانات النجسة ويقدم عن أبكارها فدية ويوضح ذلك سفر اللاويين حيث يقول: "وإن كان بهيمة نجسة مما لا يقربونه قربانًا للرب يوقف البهيمة أمام الكاهن فيقومها الكاهن جيدة أم رديئة فحسب تقويمك يا كاهن هكذا يكون. فإن فكها يزيد خمسها على تقويمك (لا 27: 11- 13). وفي سفر العدد يزيده إيضاحًا فيقول: "كل فاتح رحم من كل جسد يقدمونه للرب من الناس ومن البهائم يكون لك -أي لهرون رئيس الكهنة- غير أنك تقبل فداءه -وفداءه من ابن شهر تقبله حسب تقويمك فضة خمسة شواقل على شاقل القدس. هو عشرون جيزة (عدد 18: 15، 16)". أما لو لم يفتديه يكسر عنقه فيقول في ذلك: "أما بكر الحمار فتفديه بشاة. وأن لم تفديه تكسر عنقه (خر 13: 13)". ويؤكد هذا الكلام مرة ثانية فيقول: "لي كل فاتح رحم. وكل ما يولد ذكرًا من مواشيك بكرًا من ثورٍ وشاةٍ. وأما بكر الحمار فتفديه بشاة. وإن لم تفده تكسر عنقه، كل بكر من بنيك تفديه. ولا يظهروا أمامي فارغين (خر 34: 19، 20)". ومن هذا المنطلق كان الشعب يربي بعضًا من الحيوانات النجسة ولكن لا يقدم منها للرب تقدمات أو بكور أو نذور ولهذا كان الشعب يستعمل هذه الحيوانات ولم تكن تنجسه مثال ذلك:- السيد المسيح نفسه ركب على أتان وجحش ابن أتان ودخل إلى الهيكل مباشرة ولم ير في ذلك أي نجاسة هو أو الكهنة المسئولين عن الهيكل (قارن مت 21: 1- 17 ومر11: 1 ولو 28- 46). وكان قضاة بني إسرائيل يركبون على أتن صُّحُر (قض 5: 10، 10: 4، 12: 14). وعند تمليك داود الملك وأقام وليمة الملك كانوا يأتون بالخبز على الحمير والجمال والبغال والبقر (أي 12: 40) ومن ضمن قطعان مواشي داود الملك نجد الجمال والحمير (1 أي 27: 30).كان لدى سليمان قرودًا وطواويس وخيال وبغال (1 مل 10: 22، 25). وكان من عادة الرعاة تربية الكلاب للحراسة حيث يقول في ذلك أيوب الصديق: "وأما الآن فقد ضحك عليًّ أصاغري ايامًا الذين كنت أستنكف من أجعل آباءهم مع كلاب غنمي (أي 30: 1)"، وإشعياء النبي يقول: "مراقبوه عمي كلهم لا يعرفون كلهم كلاب بكم لا تقدرون أن تنبح (إش 56: 10)". ولذلك نجد الكلاب التي لحست دم نابوت اليزرعيلي (1 مل 21: 19) ودم أخاب ملك إسرائيل (1 مل 22: 38) والكلاب التي أكلت جثة إيزابل عند مترسة يزرعيل (2 مل 9: 35- 37). والكلاب التي كانت تلحس قروح لعازر المسكين (لو16: 21). ومن المستحيل أن تكون كل هذه الكلاب كلاب ضالة. وبالإضافة إلى كل ذلك نجد الأنبياء كثيرًا ما يأخذون بعض الاستعارات والتشبيهات من الكلاب. فكيف يستطيع العامة فَهْم ذلك لو لم يكن يرونها دائمًا؟! ومع أن الناموس كان يسمح بتربية الحيوانات النجسة إلا أنه لم يكن يسمح إطلاقًا بأكل لحمها. وبذلك لا نجد أي خطأ في تربية كلب لدى طوبيا واصطحابه معه في رحلاته. * الاعتراض الخامس: * البعض يظن ما فعله طوبيا من حرق كبد السمكة ما هو إلا سحر ومن هذا المنطلق يعترضون على صحة السفر. * مِن الحماقة أن نظن أو نعتقد أن الشيطان يستطيع أن يقدم أي خير للإنسان فكيف للظلمة أن تهب النور؟! وكيف للشرير أن يقدم خيرًا؟! وعندما قيل عن السيد المسيح لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين فعلم السيد المسيح أفكارهم وقال لهم: "كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت فإن كان الشيطان يخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته (مت 12: 24- 37)". وكلام السيد المسيح هنا ينطبق على موقف طوبيا أيضًا. فطوبيا كإنسان يهودي وعاش في بيت إنسان يعيش حسب البر الذي في الناموس يعلم جيدًا عقوبة من يقوم بهذا العمل وهو الرجم (خر 22: 18، 1 صم 28: 9). وكيف لسارة أن تسمح لزوجها أن يمارس عمل السحر وهو الأمر الذي لم تلجأ إليه من قبل. فالشيطان لا يريد شيئًا سوى عبودية الناس له ويحاول بكل الطرق أن يستعبد الإنسان فكيف له أن يُطرد من مسكنه إن لم يأتِ القوى ويطرده؟ فالشيطان يريد المزيد من عبودية الناس له فهل بهذه البساطة يتخلى عن الذين تحت قبضته؟! وسفر طوبيا لم ينسب إطلاقًا إلى طوبيا عمل السحر أو طرد الشيطان عن سارة. ولكنه يؤكد تمامًا على أن الملاك هو الذي قام بعملية طرد الشيطان من سارة. فيقول على لسان طوبيا الابن: "وهو -أي الملاك- كف عنها الشيطان -أي عن سارة- وفرح أبويها (طو 12: 3)". وقيل أيضًا على لسان الملاك نفسه: "فإن الرب قد أرسلني لأشفيك وأخلص سارة كنتك من الشيطان (طو 12: 14)". وقيل أيضًا: "فذكر طوبيا كلام الملاك فأخرج من كيسه فلذة من الكبد وألقاها على الجمر المشتعل حينئذ قبض الملاك رافائيل على الشيطان وأوثقه في برية مصر العليا (طو 8: 2، 3). أما حرق فلذة الكبد فهي تشير إلى ذبيحة الشكر والسلامة حيث يحرق زيادة الكبد (وهو الفص الصغير من الكبد)، مع الكليتين، وكل الشحم الموجود بالذبيحة، وعندما قام طوبيا بعملية حرق فلذة الكبد أشتمها الله ذبيحة رضا ومسرة -كما سبق الشرح- والشيطان لن يحتمل رضا الله على هذه الأسرة ولذلك فر من المكان فقيده الملاك رافائيل بحيث لا يعود مرة ثانية إلى (مر 9: 25). وبهذا أتضح لنا أن ما قام به طوبيا لم يكن به أي نوع من أنواع السحر، وبالتالي لا يجب الاعتراض على صحة السفر. * الاعتراض السادس: * يقول المعترض كيف للشيطان أن يقتل أزواج سارة السبعة؟ ومن أين له السلطان بذلك؟ * الشيطان قوته محدودة وفي ذلك يقول القديس يعقوب الرسول: "قاوموا إبليس فيهرب منكم(يع 4: 7)"، وبالتالي لا يستطيع أن يأتي بعمل ما إلا بعدما يأخذ الإذن والسماح من الله ففي معجزة خروج لجيئون من مجنون كورة الجدريين لم يستطع الشيطان أن يدخل الخنازير إلا بعدما سمح له السيد المسيح بذلك (قارن مر 5: 9- 13). ونجد ذلك أيضًا في تجربة أيوب البار فالله هو الذي سمح بتجربة أيوب وقال للشيطان: "هوذا كل ما له في يدك وإنما إليه لا تمد يدك (أي 1: 12)". وعندما لم ينجح الشيطان في زعزعة ثقة أيوب بالله وحاول تجربته مرة ثانية قال الله للشيطان: "ها هو في يدك ولكن أحفظ نفسه (أي 2: 6)". ولذلك يقول بولس الرسول عن الله: "لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون (1 كو 10: 13)". أما عن قتله لأزواج سارة يجب علينا ألا ننسى قول السيد المسيح عن الشيطان أنه: "كان قتالًا للناس من البدء (يو 8: 44)". وتوجد أمثلة كثيرة عن قتل الشيطان للإنسان في الكتاب المقدس منها: تجربة أيوب البار تظهر مدى تعطش إبليس لسفك دماء البشر. فعندما سمح له الله بتجربة أيوب نجد أن الشيطان يعمل بأساليب متعددة فمرة يرسل نارًا لتحرق الغنم وغلمان أيوب، ومرة يرسل ريحًا شديدًا فتصدم البيت ويسقط على أولاد أيوب فيموتون جميعًا مع كل الذين معه في البيت وحتى عندما أرسل السبئيون والكلدانيون يقول عنهم الكتاب المقدس أنهم ضربوا الغلمان بحد السيف ولم يأخذوهم كعبيد أو أسرى (أي 1: 13- 19)، وأما عن أيوب يقول الله للشيطان: "أحفظ نفسه (أي 2: 6)". فما معنى أحفظ نفسه سوى أن لا يقتله كما قتل أولاده وعبيده وبعضًا من مواشيه. وفي معجزة إخراج لجيئون من مجنون كورة الجدريين عندما سمح السيد المسيح للشياطين أن تدخل في قطيع الخنازير نجده دفعها من على الجرف إلى البحر فاختنقوا جميعًا وكانوا نحو ألفين (مر 5: 13). وعندما أراد الله أن يعاقب أخاب ملك إسرائيل يقول الكتاب المقدس على لسان أحد أنبياء الله وهو ميخا بن يمله: "قد رأيت الرب جالسًا على كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره. فقال الرب من يغوى أخاب فيصعد ويسقط في راموت جلعاد. فقال هذا هكذا وقال ذاك هكذا. ثم خرج الروح -أي الشيطان الروح الذي أصبح نجسًا- ووقف أمام الرب وقال أنا أغويه. وقال له الرب بماذا فقال أخرج وأكون روح كذب في أفواه جميع أنبيائه. فقال إنك تغويه وتقتدر فأخرج وأفعل هكذا (1 مل 22: 19- 22)". وفعلًا خرج الشيطان وكان روح كذب على أفواه جميع أنبياء أخاب واستطاع أن يقنعه بدخوله الحرب فجرح أخاب بها ومات (1 مل 22: 1- 38). ونجد أن الشيطان يتسبب بصورة مباشرة في قتل الناس أيضًا عندما وقف الشيطان ضد إسرائيل وأغوى داود ليحصى الشعب (1 أي 21: 1) وأنساه الشيطان أن يجمع الفدية من كل المعدودين والتي كانت توجبها الشريعة (خر30: 12)، فضرب الشعب بالوباء نتيجة لذلك فمات منهم سبعون ألف رجل (1 صم 24: 15، أي 21: 14). وبهذا نجد أن سفر طوبيا جزء لا يتجزأ من فكر وتعاليم الكتاب المقدس. * الاعتراض السابع: * يقول المعترض أن المسافة بين أحمتا وراجيس تبلغ 165 ميلًا (250 كيلومتر تقريبًا) ولقد قطعها الإسكندر الأكبر في أحد عشر يومًا والبعض الآخر يقول في خمسة عشر يومًا فكيف يستطيع طوبيا قطعها في يومين. * لم يقل المعترض هل إسكندر الأكبر قطع هذه المسافة أثناء حربه مع داريوس إمبراطور مملكة فارس أم بعدها. فإذا كان الإسكندر قطعها أثناء حربه فله الحق وكل الحق أن يفتخر بذلك فهو كغازي - مستعمر- أولًا: لابد له من مقاومة ومحاربة من يتصدى له من أهل هذه البلاد والنصرة عليهم. وثانيًا: لابد له في أثناء هذه المسافة من ترتيب جيوشه حسب الخطط التي تستجد بالنسبة لظروف الحرب. ثالثًا: عليه أن يختار الطريق الذي يناسبه في تحقيق طموحاته بأقل قدر ممكن من الخسائر التي يتكبدها حتى يصل إلى الحرب الفاصلة، واحتلال عاصمة الإمبراطورية الفارسية. ولهذه الأسباب لابد من الوضع في الحسبان أن هذه المدة يتخللها بعض الوقت لتنظيم الجيش، أو التعوق لأسباب عسكرية، أو سياسية، أو بسبب مقاومة أهل البلاد له باعتباره عدوًا يريد احتلال بلادهم، وبهذا تستغرق هذه المسافة مدة من الزمن أكثر من وقتها الطبيعي. أما لو كان بعد الحرب فهناك فرق شاسع بين الإمبراطور الجديد وهو يتفقد البلاد، وبين إنسان ليس له أي صفة سياسية، فنجد أن تقام بعض الاحتفالات على طول الطريق لكي يظهروا له الطاعة والخضوع والولاء. وقد نجد الإمبراطور يكرم البعض ويعاقب البعض الآخر أمام الكل لكي يكونوا عبرة لمن يحاول التمرد. أو إقامته في بعض الأماكن لتقديم فروض العبادة وشكر الإلهة التي ساعدته، ومنها آلهة أهل هذه البلاد لكي يكسب رضا وود سكان هذه المقاطعات، أو التعوق للاستجمام في بعض الأماكن التي قد تروق له، وبالتالي هذه الرحلة تستغرق وقت أكثر من إنسان عابر في طريقه لا يهتم بشئ سوى أن يصل إلى هدفه. فهذه المسافة - 250 كيلومتر - حسب قوانين الكشافة لا تستغرق أكثر من أربعة أو خمسة أيام، حيث أن الجوال يستطيع قطع مسافة طولها 60 كيلو متر في مدة اثنتي عشر ساعة. مع العلم أن الإنسان الشاب يستطيع أن يمشي على أقدامه لمدة ثمانية عشر ساعة في خلال اليوم الواحد. ولهذا نجد بعض التجار كانوا يقطعون المسافة من القاهرة إلى الإسكندرية قبل وسائل المواصلات الحديثة في يومين أو ثلاثة على أكثر تقدير. ومازال للآن نجد بعضًا من عامة الشعب قد ينذرون أن يذهبوا إلى أماكن العبادة مشيًا على الأقدام. وأعرف من هؤلاء مجموعة من مركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا يذهبوا إلى دير السيدة العذراء بجبل الطير التابع لمركز سمالوط، ويقطعون هذه المسافة والتي تتجاوز الستة وخمسون كيلو مترًا في مدة من الزمن تقترب من اثنتي عشر ساعة ولابد من ملاحظة أخيرة وهي تعدد الطرق وبالتالي اختلاف الزمن. فعلى سبيل المثال: يوجد عدة طرق بين ديري القديسين العظيمين الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس فإحداهما تقطعه السيارة في ساعة تقريبًا وبسرعة 100 كيلومتر في الساعة تقريبًا، ويوجد طريق آخر كان الرحالة يقطعونه في ثلاثة أيام، ويوجد طريق آخر يتم قطعه في مدة لا تتجاوز ثلاثة عشر ساعة سيرًا على الأقدام مع أن مكان الدير ثابت ولكن عندما اختلف الطريق اختلف الزمن أيضًا. فطوبيا أخذ الطريق القصيرة بين راجيس وأحمتا حتى لو كان هذا الطريق في نظر البعض وعر ومحفوف بالمخاطر. ونلاحظ في رحلة عودة طوبيا عندما ترك زوجته سارة مع عبيدها وممتلكاتها وصل قبلها بسبعة أيام مع أنه نفس الطريق (طو 11: 18). وبهذا يسقط هذا الاعتراض أيضًا. خاتمة بهذه الدراسة والتأملات نرى أن الله يظهر لنا أهمية السِفْر وقانونيته، وأن لغته الأصلية هي لغة سامية عبرانية كانت أَمْ آرامية وليس اليونانية كما يظن البعض. وبه تعليم إنجيلية هي من صلب وحدة الكتاب المقدس، فهو سفر تعليمي من الدرجة الأولى، فهو يوضح لنا أهمية الهيكل والعبادة به، وعدم الاختلاط بالعالم والتزاوج منه، والصدقة والبكور والعشور، ويتكلم أيضًا عن أثقال الناموس من الرحمة والحق والعدل وليس عن حرفيته، والعلاقة بالله من خلال كتابه المقدس والحديث معه في صلاة وتسبيح - ويحق أن يقال عن هذا السفر هو سفر الصلة بالله لما فيه من صلوات وتسابيح، والثقة به واستجابته لصلواتنا ولماذا يسمح الله بالتجربة، ولما هي حتميتها وفوائدها، وأن التدين الحقيقي هو تطبيق الوصية ومعايشتها بطريقة عملية، كما أنه يعطي فكر عن الملائكة وعدد رؤساءهم وعملهم وإرساليتهم. وليس سفر تعليمي فقط ولكنه نبوي أيضًا، إذ يحتوي على أربعة نبوات. ونأمل أن تكون هذه الدراسة سبب بركة لكل من يقرأها راجيًا أن يستغلها إلهنا الصالح لمجد اسمه وانتشار ملكوته. _____ الحواشي والمراجع(1) الرسالة الثالثة والأربعون من مجموعة الرسائل الروحية نقلها عن الرسريانية الأب سليم دكاش اليسوعي. (2) تلميح إلى توبة القديس بطرس الرسول. (3) دائرة المعارف الكتابية الجزء الرابع تحت كلمة:"سرجون". (4) دائرة المعارف الكتابية الجزء الرابع تحت كلمة: "شلمناصر" (5) دائرة المعارف الكتابية الجزء الأول تحت كلمة: "أشور". (6) المعجم العربي الأساسي. (7) معجم محيط المحيط. (8) اصدرتها دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط الطبعة الأولى سنة 1993 ميلادية. |
||||
|