|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
10 - 05 - 2014, 07:49 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
المعمودية سرّ العضوية الكنسية أعضاء جسد المسيح الواحدأكد السيد المسيح أنه لا دخول إلى ملكوت الله بغير الولادة من الماء والروح (يو 3: 5)، وإذ الكنيسة في جوهرها هي "ملكوت الله" فلا دخول إلى العضوية الكنسية الداخلية إلا خلال مياه المعمودية،لهذا دعيت المعمودية "رحم الكنيسة"، خلالها يُولد على الدوام أبناء جدد للكنيسة، لهم حق التمتع بالمائدة الملوكية وشركة العبادة لله، بكونهم أعضاء جسد المسيح الواحد. خلالها ليس فقط ينعم المؤمن بالعضوية الكنسية الخفية، إنما يدخل إلى الوحدانية الشاملة، وحدانية مع المسيح كرأسٍ له، ومع بقية الأعضاء كجسدٍ واحدٍ: "لأننا جميعنا بروحٍ واحدٍ أيضًا اعتمدنا إلى جسدٍ واحدٍ يهودًا كنا أم يونانيين عبيدًا أم أحرارًا وجميعنا سُقِينا روحًا واحدًا... وأمَّا أنتم فجسد المسيح وأعضاؤُه" (1 كو 12: 13، 27). * أنتم الذين سجلتم أسماءكم تصيرون أبناء وبنات أم واحدة [157]. القديس كيرلس الأورشليمي * الذين كانوا قبل عمادهم أسرّى الآن يتمتعون ببهاء الحرية، صاروا أعضاء الكنيسة سالكين في نور البرّ البهيّ بعد ما كانوا سائرين في طرق الضلال الحالك وظلام الخطيئة القاتم. حقًا إنهم الآن محررون، ليس ذلك فقط بل قديسون وأبرار، أبناء وورثة، إخوة المسيح ووارثون معه، أعضاء جسده الطاهر وهياكل للروح القدس. تأمل في العطايا الجزيلة والمواهب الثمينة التي يمنحها سرّ العماد! كثيرون يظنون إنه يغفر الخطيئة فقط، أما نحن فقد أحصينا له عشرة مفاعيل تجعل النفس في مركز سامٍ ومقام جليل لا يوصف [158]. القديس يوحنا الذهبي الفم نسل إبراهيم الروحي في العهد القديم إذ أقام الله عهدًا مع إبراهيم ونسله كشعبٍ خاصٍ به جعل الختان الجسدي هو العلامة الظاهرة لهذا العهد، إذ يقول الرب: "هذا هو عهدي الذي تحفظونهُ بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك. يُختَن منكم كل ذكرٍ... وأما الذكر الأغلف الذي لا يُختَن في لحم غرلتهِ، فتُقطَع تلك النفس من شعبها. إنه قد نكث عهدي" (تك 17: 10-14). وجاءت المعمودية ختانًا روحيًا (كو 2: 11) وختمًا داخليًا، خلاله ندخل إلى العضوية في الجماعة المقدسة: الجنس المختار والكهنوت الملوكي والأمَّة المقدَّسة والشعب المُقتنَى (1 بط 2: 9). بهذا نحسب أولاد إبراهيم روحيًا. في هذا يقول الرسول بولس: "اعلموا إذًا أن الذين هم من الإيمان أولئك هم بنو إبراهيم... لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح. ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع. فإن كنتم للمسيح، فأنتم إذًا نسل إبراهيم وحسب الموعد وَرَثَة" (غل 3: 27-29). المعمودية والعروس! إن كنا في المعمودية نتقبل العضوية في جسد المسيح الأقدس، فبهذا تتشكل النفس لتصير عروسًا مقدسة للرب، فتسمع صوت عريسها يقول لها: "فحمَّمتكِ بالماء،ِ وغسلت عنكِ دماءَكِ، ومسحتكِ بالزيت... وجُمّلْتِ جدًّا جدًّا فصلحتِ لمملكةٍ. وخرج لكِ اسم في الأمم لجمالكِ، لأنه كان كاملًا ببهائي الذي جعلتهُ عليكِ..." (حز 16: 8-14). * عروس الملك (المعمودية التي تقدس الشعوب) صنعت عرسًا للعالم جميعه... من هي هذه العروس التي صعدت من داخل المياه، تشبه عطر البخور المختبر من كل الأطياب؟! من هذه التي خاف من جمالها نهر الأردن؟! من هذه التي عندها الشمس كالظل، ومنظر نورها يحجب نور النهار؟! من هذه المتَّكئة على الوحيد والمصطبغة بدمه، تحتضنه لتفرح به؟! * المعمودية هي عروس الملك التي تحبل وتلد له، يسندها الابن الوحيد بروح أبيه. أنها خطيبة الشمس التي استضاءت بها الخليقة كلها، ودُعي العالم إلى النور بمحبة. * تعالي أيتها الزانية وابسطي يدك للابن الوحيد، فيجعلك بتولًا بالمياه المقدسة. تعالي أيتها السوداء التي لوّحتها الشمس وغيَّرت لونها... والبسي الجلالة واقتني النور بالمياه الطاهرة... تعالي انزلي والبسي الثياب التي نسجها اللاهوت لك، واصعدي وأرينا جمالك الخالد لنفرح بك. تعالي تزيّني من الينبوع بقلادة الحياة وبحلّي الروح القدس لينظرك العالم. جدائل الذهب هي للعروس التي صعدت من الماء، صفائح الفضة تكثر الحُسن لسيدة البهاء. إنهم يجلبون الياقوت من كموش لرأسها المرتفع، وصفوف الحجارة الكريمة من الهند... الجبال تقدم لك الزمرد الثمين... والأعماق ترسل لك اللؤلؤ من مخازنها. يحضرون حجارة المجد من بحر الظلمات، ومن أوفير الذهب والخرز الجميل، والعقيق الذي للملوك والجزع... خطيبها غنيُّ، يُكثِّر جمالها بأشكال كثيرة. قالت العروس: عوض الحُليّ لي الصليب هو زينتي... عوض جدائل الذهب والمرجان أضاءَ وجهي. عوض صفائح الفضة قدَّسني. عوض الياقوت والخواتم وهبني مساميره لأصنع منها جميع زينة الخطبة. ما أجمل ابنة الأمم! [159] القديس يعقوب السروجي _____ الحواشي والمراجع: [157] Procat. 13. [158] To The Catechamens. [159] ميمر عن المعمودية المقدسة. |
||||
10 - 05 - 2014, 07:50 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
المعمودية سرّ الاستنارة الروحية في طقسنا المعاصر، قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد أو الفصح المسيحي، يُقرا الإنجيل الخاص بتفتيح عينيْ الأعمى في أحد التناصير، الأحد السابق لأحد الشعانين. وكأن العماد المقدس (التناصير) في حقيقته تفتيح لبصيرتنا الداخلية لمعاينة أسرار الحب الإلهي، فنقبل دخول المسيح نور العالم إلى أورشليمنا الداخلية لكي ننعم به بسرّ الفصح الحقيقي كسرّ استنارة يمس حياتنا الشخصية. بهذا نفهم كلمات ربنا نفسه عن العماد المقدس، إنه بدونه لا نقدر أن نعاين ملكوت الله (يو 3: 3، 5)، أي بدونه لا تكون لنا البصيرة الداخلية المستنيرة التي تدرك ملكوت النور وتنعم به. على ضوء هذا نفهم كلمات الرسول بولس في (عب 6: 4-6) أن "الذين استنيروا مرة [160]"، أي الذين نالوا سرّ العماد، وسقطوا لا يمكن تجديدهم مرة أخرى، أي لا تعاد معموديتهم، لأن المسيح يسوع قد صلب مرة واحدة ولا تكرار للمعمودية [161]. لهذا السبب دُعي عيد عماد السيد المسيح بعيد الأنوار، ولنفس السبب اعتاد المعمدون قديمًا أن يحملوا الشموع أو السرّج أو المشاعل بعد خروجهم من الجرن مباشرة. * يسمى هذا الاغتسال -أي المعمودية- استنارة، لأن الذين يتعلمون هذه الأمور تستنير أفهامهم [162]. القديس يوستين * تُغفر خطايانا بدواء عظيم، بمعمودية الكلمة. إننا بالمعمودية نتطهر من جميع خطايانا، ونصير في الحال مُبرئين من الشر. وهي بعينها نعمة الإنارة، حتى أننا لا نبقى بعد اهتدائنا (تغيير طريقنا) كما كنا قبل أن نغتسل، نظرًا إلى أن المعرفة تبزغ مع الاستنارة، وتضيء حول العقل، ونحن الذين كنا بلا معرفة أصبحنا في التوٍ متعلمين،هذه المعرفة التي قد أنعم علينا بها... لأن التعليم البديهي يقود إلى الإيمان، والإيمان يُلقَّن لنا بالروح القدس في المعمودية [163]. * إذ نعتمد نستنير، وإذ نستنير نُتبنى، وإذ نُتبنى نكمل... ويُدعى هذا الفعل بأسماء كثيرة اعني نعمة واستنارة وكمالًا وحميمًا... فهو استنارة إذ به نرى النور القدوس الخلاصي، أعني أننا به نشخص إلى الله بوضوح [164]. القديس إكليمنضس السكندري * بثلاث غطسات ودعاء مساوٍ لها في العدد يتم سرّ المعمودية العظيم لكي يتصور رسم الموت وتستنير نفوس المعمدين بتسليم معرفة الله [165]. القديس باسيليوس الكبير * الاستنارة وهي المعمودية... هي معينة الضعفاء... مساهمة النور... انتفاض الظلمة. الاستنارة مركب يسير تجاه الله، مسايرة المسيح، أساس الدين، تمام العقل! الاستنارة مفتاح الملكوت واستعادة الحياة.. نحن ندعوها عطية وموهبة ومعمودية واستنارة ولباس الخلود وعدم الفساد وحميم الميلاد الثاني وخاتمًا وكل ما هو كريم [166]. القديس غريغوريوس النزينزي * المعمودية هي ابنة النهار، فتحت أبوابها فهرب الليل الذي دخلت إليه الخليقة كلها! * المعمودية هي الطريق العظيم إلى بيت الملكوت، يدخل الذي يسير فيه إلى بلد النور! * هذا الثوب الذي لبسته يا إنسان داخل المعمودية سداه نور، ولحمته روح، وهو لهيب. لقد أعده لك الآب، ونسجه لك الابن، وأحاكه لك الروح. في داخل المياه نزلت ولبسته إلهيًا. لقد قدم الثالوث النار بالمعمودية ليحرق الإثم ولكي تحيا النفوس مع الله [167]. مار يعقوب السروجي _____ الحواشي والمراجع: [160] يشير الرسول بولس عن المعمودية كاستنارة روحية في عب 2:6، 32:10.. [161] سنعود لتوضيح ذلك في نهاية الكتاب "الأسئلة". [162] Apology 1:16. [163] Kay’s Writings of Clement of Alexandria, p437. القمص باخوم المحرقي (أنبا غريغوريوس حاليا): القيم الروحية.. في سرّ المعمودية، ص 47. [164] Paed. 1:6. [165] On The Holy Spirit 15. [166] للمؤلف: الحب الإلهي ص 855-856. [167] ميمر عن المعمودية المقدسة. |
||||
10 - 05 - 2014, 07:51 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
المعمودية وعطية الروح القدس الارتباط بين سرّيْ العماد والتثبيتبعد التغطيس ثلاث مرات في مياه المعمودية المقدسة يصعد المُعمَّد ليضع الأسقف يده عليه، ويصلي من أجل نواله عطية الروح القدس. استبدل هذا الطقس بطقس آخر هو دهن جميع أعضاء المُعمَّد بمسحة الميرون [168] لذات الغرض، وإن كنا في ظروف خاصة يمكن العودة للطقس الأول في بدء انطلاقه كما في حالة عماد سيدة. على أي الأحوال، لست الآن أتحدث عن الطقس في طريقة ممارسته وإنما أود توضيح ارتباط السرّين معًا: المعمودية والميرون منذ القرون الأولى، ولا زالا مرتبطين معًا حتى يومنا هذا في الطقس القبطي، وكأنهما طقس واحد. وحين نتحدث عن فاعلية المعمودية في حياتنا غالبًا ما نضم إليه فاعلية سرّ الميرون أو التثبيت لارتباطهما الشديد معًا. وفي الغرب كان السرّان مرتبطين معًا، ففي إحدى العظات يروي القديس أغسطينوس قصة طفل مات بغير عماد ثم عادت إليه الحياة: [في الحال أسرّعت به أمه إلى الكهنة. لقد اعتمد، لقد تقدس ودُهن ووضعت عليه الأيدي. وبعد أن تمت كل الأسرّار أخذته [169].] هذا الالتحام في الطقسين معًا أغنى الكنيسة الأولى في الشرق والغرب كما أغنى كنيستنا إلى يومنا هذا عن التساؤل الذي أثاره بعض اللاهوتيين بسبب تأخيرهم سرّ التثبيت زمانًا بعد المعمودية، ألا وهو: هل يهب سرّ التثبيت عطية أكمل لسكنى الروح القدس في روح الإنسان هذا الذي سبق فمنح له قبلًا في المعمودية؟ أم أن الروح القدس يحل في حياة المعمد في سرّ التثبيت وحده؟ أو بمعنى آخر، هل الروح القدس في حلوله على المعمودية يحل على المياه ليقدسها ويهيئ قلب المعمد لاستقبال الروح القدس دون أن يحل فيه؟! في لاهوتنا الأرثوذكسي نميل إلى الجانب العملي الذي يمس حياتنا أكثر من الدخول في تعاريف ومجادلات نظرية، لذا فلا ضرورة للإجابة على مثل هذا التساؤل مادام السرّان يمثلان طقسًا واحدًا، فيه ينعم المعمد بفاعلية السرّين معًا. حتى أنه في سرّ المعمودية نفسها يسكب الكاهن دهن الميرون في نهاية تقديس المياه قبل تغطيس المعمد. هذا واللاهوتيون في الشرق والغرب يؤكدون أن وضع إجابة محددة لمثل هذا التساؤل صعب للغاية، لأنه في الكتاب المقدس كما في لغة آباء الكنيسة الأولين جاء الحديث عن المعمودية غالبًا ما يعني المعنى الشامل الذي يضم في طيّاته وضع الأيدي أو المسح بدهن الميرون. مع هذا يلزمنا أن نوضح النقاط التالية: 1. في سفر الأعمال كما في كتابات الكنيسة منذ بدء انطلاقها، وُجد تمييز واضح بين المعمودية ووضع الأيدي (سرّ التثبيت) أو المسحة المقدسة، إذ يقول الكتاب: "ولما سمع الرسل الذين في أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة الله أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا. اللذَين لما نزلا صلَّيا لأجلهم لكي يقبلوا الروح القدس. لأنه لم يكن قد حلَّ بعدُ على أحدٍ منهم. غير أنهم كانوا معتمدين باسم الربّ يسوع. حينئذٍ وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس" (أع 8: 14-17). هنا التمييز واضح بين العماد باسم الرب يسوع وحلول الروح القدس بوضع الأيدي. مرة أخرى نرى الرسول بولس يُعمد في أفسس باسم الرب يسوع الذين سبق عمادهم بمعمودية يوحنا، وبعد ذلك "لما وضع بولس يديهِ عليهم حلَّ الروح القدس عليهم، فطفقوا يتكلَّمون بلغاتٍ ويتنَّبأُون" (أع 19: 6). يرى البعض في حديث الرسول بولس في (1 كو 12: 13): "لأننا جميعنا بروح واحد أيضًا اعتمدنا إلى جسد واحد... وجميعنا سُقينا روحًا واحدًا" تمييزًا بين عمل الروح القدس في المعمودية إذ يضمنا إلى جسدٍ واحد وبين حلوله في سرّ التثبيت حيث نستقي هذا الروح الواحد، وأن العمل الأول يهيئ للثاني. يميز القديس أغسطينوس بين المعمودية والتثبيت، أو بين الميلاد الروحي والتقوّت بالروح، فيقول أن الميلاد بالروح هو أن نتقبل غفران الخطايا. هذه العطية الأولى تقود إلى عطايا أخرى للروح، فهي تهيّئنا لكي يسكن الروح فينا ليعمل البرّ وينمّيه ويكمّله فينا [170]. وفي حديث له مع المعمّدين حديثًا بخصوص الإفخارستيا يقارن بين الخبز الذي نتقبله والخبز الذي نحن هو (1 كو 10: 16-17) فيقول: [عندما تُلِيَت عليكم (صلوات طرد الأرواح) أقول أنكم قد طُحنتم، وعندما اعتمدتم أقول أنكم عُجِنتم بالماء، وعندما قبلتم نار الروح القدس أقول أنكم خُبِزتم (في النار).] هنا يميز القديس بين جحد الشيطان والتمتع بالغسل والتثبيت. جاء في حديث لأسقف أسباني في منتصف القرن السابع يسمى Hildefonus of Toledo: [وهكذا يدهن الإنسان بالمسحة المقدسة من الخارج، وتحل عليه قوة الروح القدس في الداخل، حتى أنه كما يتطهر الإنسان بكامله في الجرن يغتني بكامله بمسحة الروح، وإذ تتقبل النفس قوة من مسحة الروح القدس تعرف الله كساكنٍ فيها، وتحب ذاك الذي تقبلته داخلها، فتكون معه على الدوام يهبها الحكمة لتصنع مشيئته، فلا تحزنه إذ خُتم الإنسان به في يوم فدائه [171].] ويميز باسيوس Pacian أسقف Barcelona في القرن الرابع بين السرّين بقوله: [بالجرن تغسل الخطايا وبالميرون ينسكب علينا الروح القدس، هذان الأمران يتحققان بيد الأسقف وفمه، بهذا يولد الإنسان كله مرة أخرى ويصير جديدًا في المسيح [172].] ويقول الأب ملشيادس Malchiades أسقف روما في القرن الرابع: [ينزل الروح القدس على مياه المعمودية فيعطي صحة في الجرن يهب كماله لكي يعطي براءة، وفي التثبيت يقدم ما هو أكثر، فينتج نعمة! في المعمودية تجددنا للحياة، أما بعد المعمودية فتقوَّينا للمعركة. في المعمودية اغتسلنا، أما بعد المعمودية فصرنا أقوياء [173].] 2. يرى بعض اللاهوتيين في نزول مياه المعمودية يتقبل المعمد الدفن مع السيد المسيح، فيخلع الإنسان القديم ويموت عن أعماله الشريرة، وفي صعوده يتقبل قوة القيامة أو الحياة الجديدة المقامة، عندئذ يتهيأ المُعمَّد لقبول الروح القدس، كما تقبل التلاميذ الروح القدس بعد قيامته. هؤلاء يرون أن الروح يحل على مياه المعمودية ويقدسها ويعمل في المُعمَّد ليصير ابنًا لله وعضوًا في جسد المسيح، بهذا يصير هيكلًا مقدسًا مُعدًا لاستقبال الروح القدس الذي يُوهب له في سرّ التثبيت. وكأن حلول الروح القدس يكون قاصرًا على المياه لا على السكنى في المعمد، إنما يعمل فيه ويهيئه لسكناه الدائم. هؤلاء يؤكدون نظرتهم هذه من حلول الروح القدس على السيد المسيح بعد المعمودية مباشرة وليس في أثنائها (مر 1: 10، مت 3: 16، لو 3: 21-22، يو 1: 31-34)، ومن تصرف الرسل أنفسهم الذين كانوا يُحدرون الروح بصلواتهم ووضع الأيدي على المؤمنين بعد العماد مباشرة (أع 8: 14-17، 19: 1-6). 3. يجيبهم القائلون بأن الروح القدس أيضًا يَحلُّ على المُعمَّد أثناء العماد بقولهم أن هذه النصوص الإنجيلية تؤكد قبول الروح القدس في سرّ التثبيت وهذا أمر نُقرَّه، لكن هل هذا يقصر الحلول في هذا السرّ وحده؟ هؤلاء يقولون بأن الروح يَحلُّ على المُعمَّد ويسكن فيه أثناء العماد مقدمًا له عملًا خاصًا وفاعلية خاصة كالبنوة لله والعضوية في جسد المسيح الواحد، ويَحلُّ على الشخص ذاته في سرّ التثبيت ليُكمل عمله فيه، فيعطيه ثباتًا في جهاده وتعزية، كما يقدم له تبكيتًا على ما قد يسقط فيه من ضعفات لتجديد معموديته بدموع التوبة. والروح القدس نفسه يحل على من يُسام أسقفًا فيُعطى موهبة الأسقفية، وعلى من يُسام قسًا يُعطى نعمة القسيسية، وهو الذي يحل على العروسين ليوحّدهما كجسدٍ واحدٍ في الرب. وكأن الروح القدس في حلوله ليس قاصرًا على سرّ التثبيت وحده. ويستند هؤلاء على بعض العبارات الإنجيلية التي تشهد بقبول عطية الروح القدس في سرّ المعمودية المقدسة، نذكر على سبيل المثال: أ. قول الرسول بطرس في عيد البنطقستي: "توبوا وليعتمد كل واحدٍ منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس" (أع 2: 38). ب. قول حنانيا لشاول الطرسوسي قبيل عماده: "قد أرسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيهِ لكي تبصر وتمتلئَ من الروح القدس. فللوقت وقع من عينيهِ شيء كأنه قشور، فأبصر في الحال، وقام اعتمد" (أع 9: 17-18). ج. يربط الرسول بولس بين روح التبني الذي هو من صميم عمل المعمودية وسكنى الروح القدس فينا، قائلًا: "لننال التبنّي. ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنهِ إلى قلوبكم صارخًا يا أَبَا الآب" (غل 4: 5-6). وكأنه بدون سكنى الروح القدس الذي هو روح الابن، لا نستطيع مناداة الآب "أَبًا"، أي لا ننعم بالبنوة لله. هكذا تلتحم بنوَّتنا لله بسكنى الروح فينا، وإن كان البعض يفسر هذه العبارة إنه إذ صرنا في المعمودية أبناء تأهلنا لقبول الروح القدس فينا فنمارس عمليًا هذه البنوة له. د. يرى البعض في قول الرسول: "لأننا جميعنا بروحٍ واحدٍ أيضًا اعتمدنا إلى جسدٍ واحدٍ يهودًا كنا أم يونانيين، عبيدًا أم أحرارًا، وجميعنا سُقِينا روحًا واحدًا" (1 كو 12: 13) تأكيدًا لقبول عطية الروح القدس فينا هذا الذي يعطينا العضوية في جسد المسيح الواحد،ويقدم لنا شرابًا روحيًا. شهادة الآباء يصعب وضع إجابة محددة من واقع تراث الآباء، إذ لم يُثر هذا التساؤل في ذهنهم لارتباط السرّين معًا في الطقس، لكنه إن وجدت عبارات في هذا الشأن إنما جاءت عرَضًا وسط الحديث، لا بقصد وضع إجابة على هذا التساؤل. في القرن الثاني يتحدث العلامة ترتليان في مقالة عن المعمودية عن هذا السرّ كتهيئة لقبول الروح القدس في سرّ التثبيت الملتحم بالمعمودية: [لا ننال الروح القدس في المياه، وإنما نتطهر فيها بخدمة الملاك فنتهيأ للروح القدس.] [توضع اليد علينا في البركة ويُستدعى الروح القدس... الذي يحل بإرادته من عند الآب على الأجساد التي تطهرت وتباركت [174].] وجاء القديس كبريانوس غالبًا ما يحمل ذات الاتجاه، إذ يقول: [لا يولد الإنسان من جديد خلال وضع اليد حين يتقبل الروح القدس، أما في المعمودية إذ يولد الإنسان يتقبل الروح (ربما يقصد إنه يتهيأ لقبوله)، إذ يتخلص الإنسان من خطاياه في المعمودية يتقدس ويتشكل روحيًا كإنسان جديد، بهذا يكون مُهيأ لقبول الروح القدس [175].] وفي حديث القديس كرنيليوس أسقف روما في القرن الثالث يقول: [إن نوفاتيوس Novatian لم ينعم بالروح القدس لأنه لم ينل ختم الأسقف.] [على أي الأحوال في شفائه من المرض لم ينل المواهب الأخرى التي يلزم للإنسان أن يتمتع بها حسب نظام الكنيسة ولم ينل ختم الأسقف،وإذ هو لم يحصل عليه كيف يقدر أن ينال الروح القدس؟! [176]] يكشف هذا الحديث عن عطية الروح القدس التي تُمنح خلال ختم الأسقف، لكن الحديث ليس فيه نفي لحلول الروح القدس على المعمد قَبِل نواله الختم المبارك. يرى البعض في هذا الحديث أن القديس كرنيليوس يعبر عما حدث لنوفاتيوس الذي قبل العماد تحت ضغط المرض والخوف من الموت لكن قلبه كان منحرفًا، أي قبل المعمودية بنيّة غير صادقة فلم ينل عطية الروح. لقد أكد العلامة أوريجينوس قبول المُعمد الروح القدس ليسكن فيه، إذ يقول: [الذي يغتسل للخلاص يتقبل الماء والروح القدس [177].] لكننا لا ننسى أن أوريجينوس أيضًا كان يتطلع أحيانًا إلى المعمودية بمفهوم أوسع يشمل السرّين معًا، ففي كتابه المبادئ يقول: [في أعمال الرسل كان الروح القدس يُعطى في المعمودية بوضع أيدي الرسل.] وبعد ذلك بقليل يقول: [كانت نعمة الروح القدس وإعلانه يُسلَّمان خلال وضع أيدي الرسل بعد المعمودية [178].] فيما يلي بعض أقوال لآباء الكنيسة تُوضِّح قبول عطية الروح القدس في المعمودية: * ماذا قبلوا إلا الروح القدس الذي يُعطى للمؤمنين الذين وُلدوا ثانية بواسطة غسل التجديد؟! [لكنه يعود فيكمل] منذ ذلك الحين (البنطقستي) والروح القدس يعطي الذين ولدوا ثانية بوضع أيدي الرسل [179]. البابا أثناسيوس الرسولي * هذا تجديدنا، يجعلنا على صورة الله من جديد، وذلك بغسل التجديد والروح القدس الذي يجددنا فنصير أبناء الله، نصير خليقة جديدة مرة أخرى بشركة الروح ويخلصها مما كان عتيقًا [180]. القديس باسيليوس الكبير * أي مؤمن يحيا حسب الوصايا وينجح في عمله الروحي يجب عليه أن يؤمن بأنه سبق أن أُعطي له القدرة على ذلك، لأنه نال في المعمودية نعمة الروح القدس، الذي هو مصدر كل خير، مصدر كل فضيلة، ليس فقط الفضائل الداخلية والروحية بل والمنظورة أيضًا. ليت كل إنسان فاضل يُدرك أنه لا يقدر أن يصنع خيرًا من ذاته، لأن الرجل الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصالحات (مت12: 35) وليس من ذاته. الكنز يعني الروح القدس المخفي في قلوب المؤمنين [181]. القديس مرقس الناسك * (المعتمد) ينال الروح القدس فيه ويحمل فعلًا لقب هيكل الله [182]. القديس كيرلس السكندري * أيها الوحيد الذي أعطانا روحه بالمعمودية، أعطني كلمة لأرتل لك بها بمحبة. * نزل الابن الوحيد وأقامك من المزبلة وأعطاك روحه بالمعمودية وجعلك أخاه... * تجنّسنا بلاهوته في داخل المياه، وصرنا أبناءً بالحقيقة، ومنذ ذلك الحين صار لنا أن ندعوه أبانا، ذاك الخفي الذي أعطانا روحه بالمعمودية [183]. مار يعقوب السروجي شهادة الليتورجيات في خولاجي eu,ologion القديس صرابيون أسقف تيمي وصديق البابا أثناسيوس الرسولي، نلاحظ تمييزًا واضحًا بين خدمة الدهن بالزيت المقدس -أثناء العماد المقدس قبل التغطيس- وبين خدمة مسحة الميرون اللاحقة للتغطيس. ففي الأولى نجد البركة خاصة بغفران الخطايا وشفاء النفس والجسد والروح من كل أعمال الشيطان. أما في المسح بالميرون المقدس فنجد الطلبة خاصة بنوال عطية الروح القدس، لكي ما يحفظ الذين نالوا الميلاد الجديد وتجددوا في الجرن بواسطة هذا الختم ويستمروا ثابتين. وفي الطقس القبطي الحالي يطلب الكاهن من أجل المعمدين "اكشف لهم الطريق الذي ينبغي أن يسلكوا فيه. عظهم بنعمة روحك القدوس. أنعم عليهم بغفران خطاياهم، وامنحهم بنعمتك أن يدركوا الشفاء من الخطيئة المهلكة، ويستحقوا العماد الطاهر الذي للميلاد الجديد، وينالوا حميم العماد الذي بغير عيب بروح قدسك، وينظروا نظرًا طاهرًا إلى الفهم الثابت". وأثناء دهنه بالزيت قبل العماد يطلب له الكاهن أن يُغرس في كنيسة الله المقدسة الجامعة الرسولية، شجرة الزيتون اللذيذة، أي يتقبل العضوية الكنسية الخفية. وفي تقديس المياه يطلب حلول الروح القدس على المياه ليهبها قدرة الميلاد الجديد بالقوة الإلهية. أما في مسحة الميرون فيصلي الكاهن عليه هكذا: "أنعم بالروح القدس عند نضح الميرون المقدس ليكون خاتمًا محييًا وثباتًا لعبيدك..." وبعد مسح أعضاء الجسم ينفخ الكاهن في وجه المعتمد قائلًا: "اقبل الروح القدس وكن إناءًا طاهرًا من قِبل يسوع المسيح ربنا". أما في الطقس الأرمني فجاء في صلاة ما قبل التغطيس الخاصة بطرد الأرواح الشريرة: "ليصر مستحقًا للعماد في الوقت المناسب، الميلاد الثاني، فإنه إذ يتقبل روحك القدوس يصير جسدًا وعضوًا في كنيستك المقدسة"، وكأنه يؤكد حلول الروح القدس على المعمد ليدخل في العضوية الكنسية، كما جاء في صلاة الكاهن في تقديس المياه: "انعم بصلاحك على الذين يتعمدون في هذه المياه الآن وسيلة غفران الخطايا، واستقبال الروح القدس [184] والتبني كابن الآب السماوي، وميراث ملكوت السماوات". رأي الكنيسة الأرثوذكسية البيزنطية يرى Stone D. في كتابه "المعمودية المقدسة" [أن الأسقف الروسي مكاريوس أسقف Vinnitza هو الذي قصر حلول الروح القدس على المؤمنين على سرّ التثبيت وحده دون المعمودية بطريقة شديدة، إذ يقول الأسقف: "في المعمودية نحن فقط نتطهر ونتجدد بعمل الروح القدس، لكننا لا نكون هياكل للروح ولا تأهلنا لقبوله. أما بالمسحة فيقدم لنا كل عطايا نعمته التي لا غنى لنا عنها للحياة الروحية [185].] نقتبس أيضًا ما قاله بيتر موغيلاس Peter Magilas مطران كيو Kiew والذين قبله كل البطاركة الأرثوذكسً الشرقيين (الخلقدونيين) عام 1643: [هذه هي ثمار هذا السرّ: أولًا: كما أننا بالمعمودية نتجدد، فإننا بالميرون المقدس نصير شركاء الروح القدس إذ نثبت في الإيمان بالرب، وننمو في النعمة الإلهية. ثانيًا: بقوة الروح القدس نصير أقوياء وثابتين فلا يقدر عدونا المرعب أن يؤذي نفوسنا بأي ضرر كان [186].] اقتبس الأسقف Kingdom عن كتاب يوناني (P. Rhompotes) القول التالي: [كِلا السِرّين يُكملان عملًا واحدًا متكاملًا، يرتبطان معًا، كما هو الآن يَتمَّان في الكنيسة قبل الليتورجيا. كلاهما يُعتبر الباب الذي به ندخل إلى كنيسة المسيح وملكوت الله، وبالتالي هما بدء بقية الأسرار الأخرى [187].] _____ الحواشي والمراجع: [168] "ميرون" كلمة يونانية تعني "طيب" أو "دهن". [169]) Sermon 324. [170] Sermon 71:19,33. [171] De cagnitione Baptismi. [172] Serm. De Bapt., Sec 6. [173] S.T. 3:62:1. اقتبسها الأب توما الاكويني [174] De Baptismo 6, 8. [175] Epis 74:5, 6. [176] Euseb: H.E. 4:43. [177] In Ezek, hom 6:5. [178] De Principiis 1:3:2, 7. [179] Epis. ad Serapion 1:4, 6. [180] Adv. Eunom 5. [181] للمؤلف: الفيلوكاليا. [182] In Joan 5:2. [183] ميمر عن المعمودية. [184] حذفت هذه الفقرة في الترجمة اللاتينية التي قام بنشرها H. Denginger.. (فيRitus Orientalium, vol 1, 384-391)، وأيضًا في إحدى الطبعات الخاصة بـ.F.C. Conybeare [185] Theologie Dogmatique Orthodoxe, vol 3, p 410. [186] Kimmel: Libri Symbolici Ecclesiae Orientalis, p 177-178. [187] P. Rhompotes: Athens, 1869, p529 (kingdom: Paddock Lectures, p. 250). |
||||
10 - 05 - 2014, 07:53 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
معمودية الأطفال
ليس ممكنًا للإنسان الذي اختبر فاعلية المعمودية في حياته أن يحرم أولاده من مياه المعمودية الشافية. فالمسيحي يؤمن أنه لا فضل له في شيء حتى في قبوله الإيمان. إنها نعمة الله الغنًية التي تغمره وتجتذبه، فكيف يحرم ابنه من التمتع بهذه النعمة العظيمة التي تسنده في تربيته لطفله بفكرٍ إيمانيٍ مسيحيٍ؟! إن اهتمام الكنيسة منذ العصر الرسولي بعماد الأطفال إنما يحمل إيمانًا بعمل النعمة الإلهية الغنية في حياة الناس، بغض النظر عن أعمارهم أو ظروفهم أو إمكانياتهم. يقوم تعميد الأطفال على أساس لاهوتي إنجيلي، فإننا نؤمن أن السيد المسيح نفسه قد اعتمد أو اصطبغ بالألم "عندما عُلق على الصليب نيابة عن كل الإنسانية الساقطة تحت حكم الموت، وما المعمودية إلا محاولة الاقتراب من هذا السرّ [188]"، أو الفداء المجاني. فالأطفال إذ يدخلون إلى مياه المعمودية إنما يقتربون من سرّ العماد الذي قدمه الرب بصليبه، فينعمون بالخلاص المجاني الذي لا فضل لإنسان فيه. إن الطفل كالبالغ إنما في المعمودية يُغرس كنبْت جديد في جسد الجماعة أو جسد المسيح المصلوب، فيصير له حق الاحتفال مع الجماعة بسرّ موت المسيح ودفنه وقيامته. فهل نضيع على الطفل فرصة الغرس والنمو ليشترك مع كنيسة المسيح في سرّ الخلاص المجاني؟! إنني أقول إنه ليس فقط من حق الطفل في العائلة المسيحية أن ينعم بالانضمام إلى جسد السيد المسيح المصلوب والمقدم للإنسانية كلها، وإنما من حق الكنيسة أيضًا أن تضم إلى شركتها في الرب جماعة الأطفال كجزء حيّ وأساسي في الجماعة، فيتحقق فيها قول المرتل: "امرأَتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك. بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك" (مز 128: 3). إن كنا نفرح بولادتهم الجسدية فنقدم للرب تسبحة شكر لأجل هذه العطية، فكم بالأحرى تتهلل الكنيسة الجامعة وكنيسة البيت بضمهم خلال الولادة الروحية؟! يعترض البعض على معمودية الأطفال بأنه لا يوجد عنصر الاختيار وحرية الإرادة في الطفل ليقبل الإيمان أو يرفضه. ونحن نجيب أن الطفل الذي لم تكن له حرية الاختيار في ميلاده الجسدي ولا في اختيار والديه، من حقه أن يجد نفسه أمام باب خلاص مفتوحًا ووالدين واثقين في عمل نعمة الله التي تسنده كغرسٍ في الكرمة الحقيقية، كما تلتزم الكنيسة على كل مستوياتها أن تقدم للأطفال سرّ المسيح كما ينبغي، فينشأون داخل الكنيسة يشربون روح الإيمان. الاعتراض على معمودية الأطفال جاء انعكاسًا للنظرة الفردية الغربية المبالغ فيها، فالطفل وإن كان له كيانه الخاص، لكنه ليس بفرد منعزل عن والديه، أو عن الجماعة الكنسية المقدسة، لكنه عضو متفاعل مع الجماعة. الأطفال في رموز المعمودية إن اعترض أحد على عماد الأطفال الصغار بحجة أن العهد الجديد لم يتحدث صراحة عن عمادهم، نجيب أن العهد الجديد كما أيضًا في كتابات الأباء الأولين لا نجد إشارة واحدة إلى قصر المعمودية على الكبار وحدهم... وإن عدنا إلى رموز المعمودية في العهد القديم نجدها تكشف عن التزام الكنيسة بعماد أطفالها. فإن كان عبور البحر الاحمر رمزًا للمعمودية المسيحية، فهل دخل إلى المياه البالغين من الرجال والنساء الذين آمنوا بالله الذي يخلصهم خلال المياه أم حمل المؤمنون أطفالهم على أكتافهم، وخلُصَ هؤلاء بإيمان آبائهم؟! وإن عدنا إلى الختان كرمز للمعمودية (كو 2: 11-12) فإن الأطفال الذكور يخضعون له في اليوم الثامن من ميلادهم وإلا حُرموا من شعب الله، وحسبوا كاسرين للعهد الإلهي. إنهم يدخلون في العهد الإلهي خلال الختان بإيمان والديهم. وهكذا في رموز المعمودية اشترك الأطفال بغير وعيهم الفكري في التمتع ببركات رموز المعمودية خلال إيمان آبائهم. ولو أن الوالدين لم يؤمنا بالرمز لهلكا وهلك معهما أطفالهما مع أنهم لا يدركون شيئًا. الأطفال ومعمودية العهد الجديد ب. يلاحظ أنه في أكثر من مناسبة خاصة بالعماد وردت العبارة "أهل البيت" في العهد الجديد مثل "بيت كرنيليوس" (أع 10: 48)، "بيت ليديا" (أع 16: 15)، سجان فليبي والذين معه أجمعون (أع 16: 33)، "بيت كريسبوس" (أع 18: 8)،" بيت إسطفانوس" (1 كو 1: 16)، الاحتمال الأكبر أن هذه البيوت، إن لم يكن أغلبها، تضم أولادًا صغارًا، فعلى الأقل بعضها. ج. حديث السيد المسيح عن الأطفال واضح: "دعوا الأولاد يأتون إليَّ ولا تمنعوهم [189]، لأن لمثل هؤُلاءِ ملكوت السماوات" (مت 19: 14). فإن كان الرب نفسه يدعو الأطفال ويكرمهم، ويطالبنا أن نعود ونصير مثلهم لكي ندخل ملكوت الله (مت 3:18)، من يقدر أن يمنعهم من مياه المعمودية. وكأننا نقول مع الرسول بطرس: "فَمنْ أنا. أَقادر أن أمنع الله؟!" (أع 11: 7). حقا أن الله يعطي مواهبه ونعمه لأطفاله المحبوبين لديه، حتى وإن كانوا لا يدركونها بأذهانهم، كقول القديس أغسطينوس: [يسكن الروح القدس في الأطفال الصغار الذين نالوا المعمودية وإن كانوا لم يعرفوها [190].] د. إن كانت المرأة غير المؤمنة مقدسة في الرجل، وأولادهما مقدسون (1 كو 7: 15)، هذا بالنسبة للرجل الذي يقبل الإيمان وهو متزوج وترفض زوجته الإيمان، فإنها مقدسة فيه، ليس من حقه أن يتركها إلا إذا طلبت ذلك، فكيف يحرم الأولاد المقدسون من نوال سرّ العماد الذي يهب للنفس تجديدًا، على إيمان ومسئولية أحد والديهم؟! ه. إن كان الكتاب يهتم بالأولاد ويقدم لهم وصايا مثل: "أيُّها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حقّ" (أف 6: 1)، فكيف نحملّهم مسئولية الطاعة ونحرمهم من العضوية في جسد الرب الذي يسندهم في تنفيذ وصيته؟! عماد الأطفال في الكنيسة الأولى عرفت الكنيسة منذ عصرها الرسولي أهمية عضوية الأطفال في جسد المسيح السرّي، وأدركت قيمة نفوسهم، لذلك عرفت عماد الأطفال تحت مسئولية آبائهم أو أشابينهم [191] وتحت عهدتهم، كما وضعت قوانين صارمة ضد الإهمال في أمر عمادهم. ففي رسالة أهل سميرنا التي تصف استشهاد القديس بوليكربوس من رجال القرن الثاني، يقول الشهيد: [لي ستة وثمانون عامًا وأنا أخدم (المسيح) [192]]، مشيرًا بهذا أنه قد صار في خدمته منذ قبوله المعمودية في طفولته المبكرة. * جاء يسوع المسيح ليخلص الجميع لذاته، أعني جميع الذين ولدوا به سواء كانوا أطفالًا أو شبانًا أو شيوخًا. * ينال الأطفال والصغار، الصبيان والشبان والكبار الميلاد الجديد في الله [193]. القديس إيريناؤس * كثيرون هم تلاميذ المسيح وهم أطفال (يقصد بالتلاميذ المعمدين) [194].القديس يوستين أشار القديس إكليمنضس السكندري إلى الأطفال الصغار وهم يُسحبون من الماء [195]، وجاء تلميذه أوريجينوس يقول: [تسلمت الكنيسة من الرسل تقليد عماد الأطفال أيضًا فيعمدون لمغفرة الخطايا ليغسلوا من الوسخ الجَدّي بسرّ المعمودية [196].] ووصفت قوانين هيبوليتس عماد الأطفال وكيف يجاوب الكبار نيابة عنهم [197].حوالي عام 250 م نادى الأسقف Fidus بشمال غرب إفريقيا بضرورة عماد الأطفال في اليوم الثامن من ميلادهم كما في الختان في العهد القديم. وقد ناقش القديس كبريانوس هذا الأمر في مجمع يضم ستة وستين أسقفًا وقرر تعميد الأطفال فورًا دون الحاجة لانتظار اليوم الثامن. [وكتب القديس رسالة يحث فيها على عماد الطفل وهو ابن يومين أو ثلاثة أيام دون التأجيل إلى اليوم الثامن [198].] وفي رسالة أخرى كتب هكذا: [الذين أخطأوا أمام الله إذ يؤمنون بنوال الصفح عن خطاياهم لا يمنعهم أحد من المعمودية والنعمة. أما الأطفال الذين ضميرهم غير متفتح ولم يخطئوا في شيء، نظرًا للخطيئة الجدية الكامنة فيهم، فقد تدنسوا وصاروا مشاركي الموت الآدمي، وفي حاجة أيضًا إلى المعمودية، لأنها شرط لنوال الخلاص والصفح، لا عن الخطايا الشخصية بل والأبوية]، لهذا حدد مجمعنا ما يأتي: أيها الأخ الحبيب: [لا يجوز أن نمنع أحدًا من المعمودية ونعمة الله، الذي هو صالح ورؤوف بالجميع،فالمعمودية هي للجميع، خصوصا للأطفال الصغار، الذين بنوع خصوصي يستميلون انتباهنا وصلاح الله [199].] جاء في الدساتير الرسولية: [عمدوا رُضَّعكم، وأحضروهم إلى مرضعة الرب القائل: دعوا الأولاد يأتون إليَّ ولا تمنعوهم [200].] في القرن الرابع ظهر اتجاه نحو امتناع تعميد الأطفال ليس شكًا في ممارسة الكنيسة لعمادهم، وإنما تخوفًا من أن يرتكب الطفل فيما بعد خطايا ومعاصي ضد النعمة الإلهية. هذا التخوف لم يصدر عن الكنيسة بل عن الوالدين [201]. لذا انبرى بعض آباء الكنيسة يوبّخون المحجمين عن عماد أطفالهم. من هؤلاء القديس غريغوريوس النزينزي القائل: [هل لك طفل؟ لا تسمح للشر أن يجد له فيه فرصة، بل ليتقدس وهو رضيع وليتكرس بالروح منذ نعومة أظافره. إنكِ تخافين أيتها الأم من الختم بسبب ضعف الطبيعة لأنك ضعيفة الروح وقليلة الإيمان. أما حنة فقبل أن تلد صموئيل وعدت الله به (1 صم 1: 10)، وبعد ميلاده كرّسته له في الحال. وبالحُلة الكهنوتية ربّته، ولم تخَف من الضعف البشري بل وثقت في الله. سلّمي ابنك للثالوث القدوس فإنه حارس عظيم ونبيل [202].] وفي موضع آخر يقول: [ماذا نقول عن الذين لا يزالون رضعًا ولم تصبهم خسارة ولا نعمة؟! هل نعمدهم أيضًا؟! طبعًا، لأنه يوجد خطر. فإنه من الأفضل لنا أن نتقدس ونحن لا ندرك عن أن نرحل بدون هذا الختم وهذا التكريس [203].] كما ظهر أيضًا اتجاه نحو تأجيل المعمودية إلى ما قبل الموت لكي يكون لهم شيء من التساهل في حياتهم الروحية، ولكي يدخلوا الحياة الأبدية في نقاوة المعمودية، لكن الكنيسة حذّرت من هذا التصرف وحاربته بشدة [204]. ومن ناحية أخرى زعم بيلاجيوس (360-430م) وأتباعه أن خطيئة آدم شخصية أصابته وحده، دون أن تسري في حياة أولاده، لهذا يولد الرضيع بغير خطيئة أصلية فلا حاجة له إلى عماد، إذ هو كآدم قبل السقوط. وقد انبرى القديس أغسطينوس يحارب هذه البدعة مؤكدًا من الكتاب المقدس أن الإنسان يُحبل به بالآثام وأن البشرية قد تثقَّلت بالخطيئة الجدية (رو 5: 12). بهذا يحتاج الطفل كما الناضج إلى صليب ربنا يسوع المسيح والتمتع بقيامته خلال المعمودية. لهذا يقول: [الأطفال المعمدون الذين يموتون قبل بلوغهم سن الرشد يهربون من الدينونة التي سقطت تحتها البشرية [205].] وقد أصدر مجمع قرطاجنة [206] (418-426 م) قانونًا يوجب عماد الأطفال ليتطهروا من الخطيئة الجدية. وثبَّت مجمع أفسس عام 431 قرارات المجمع. وفي عام 693 م أيام الملك Ine ملك غرب السكسون صدر قانون كنسي يأمر بتعميد الطفل خلال ثلاثين يومًا من ميلاده. وفي الكنيسة القبطية تُفرض عقوبة على الوالدين اللذين أهملا في عماد طفلهما فمات بغير عماد، بالصوم والصلاة والحرمان من شركة الأسرار المقدسة. وإن كان السبب هو نذرهما أن يتم العماد في كنيسة معينة فتضاعف العقوبة، وإن كان السبب هو انتظار كاهن معين تضاعف مرة أخرى. هكذا تشدد الكنيسة في تعميد الأطفال وتُحّرم النذر بخصوص عمادهم. الجنين في أحشاء أمه العماد عمل شخصي يمس حياة المعمد نفسه، لهذا بعماد المرأة الحبلى لا يكون جنينها قد اعتمد [207]، لأن له كيان شخصي مستقل عن كيان أمه، لهذا السبب يجب عماده بعد ولادته. الإشبين يرى بنجهام [208] Bingham أن أطفال المؤمنين إذ ينالون سرّ العماد المقدس في طفولتهم ينضمون إلى صفوف الموعوظين، حالما يستطيعون التعلم، لكننا نجد كتابات الآباء في الكنيسة الأولى غالبًا ما توكّل مهمة تعليمهم وتربيتهم الإيمانية إلى الأب أو الآم أو إلى شماس أو شماسة... هؤلاء يدعون أشابين أو حارسين أو أوصياء. ومما يجدر بالذكر أنه حتى في عماد البالغين سن الرشد غالبًا ما يرافقهم إشبين يكون قد تعهده وقدمه للكنيسة، فتعمده الكنيسة تحت مسئوليته ويلتزم بمراعاته قدر المستطاع حتى بعد نواله سرّ العماد. أشار العلامة ترتليان إلى الإشبين الذي يتعهد الطفل المعمد [209]، كما أشارت إليه قوانين هيبوليتس [210] والدساتير الرسولية [211]. * افتكر معلموننا الروحيون في هذا الأمر، ورأوه موافقًا أن يُقبل الأطفال على هذا الوجه الشريف، أعني أن يسلم الوالدان الطبيعيان ابنهما إلى مُربيٍ صالح، يبقى تحت رعايته كأنه تحت عناية أب إلهي كفيل لخلاص مقدس. عند ممارسة السرّ يرفع المربي الابن وهو يعترف بالحياة المقدسة، جاحدًا الشيطان ومعترفًا بالإيمان [212]. القديس ديوناسيوس الأريوباغي * إننا نؤمن ونصدق بتقوى وصواب أن إيمان الوالدين والأشابين يفيد الأطفال.القديس أغسطينوس * يحضر الأطفال لنوال النعمة الروحية، ليس بواسطة الذين يحملونهم على أيديهم... إنما الذي يحضرهم هم الجماعة الجامعة التي تضم القديسين والمؤمنين (أي أن الأشابين يتقدمون كممثلين للكنيسة الجامعة).. [213] القديس أغسطينوس * من المعتاد يسمى الأشابين آباء روحيين [214].القديس يوحنا الذهبي الفم * يجيب الإشبين عنكم، ويصير مرشدًا لكم في المدينة السماوية، وقائدًا لأجل مواطنتكم فيها [215].* يتم الطقس بالنسبة للذين يُعمدون خلال شخص يسمى الإشبين، هذا لا يلتزم بالمسئولية عن أخطائهم المستقبلية، لأن كل إنسان يجيب عن خطاياه أمام الله، لكنه يحمل شهادة عما فعله الموعوظون، وأنهم بالحقيقة قد استعدوا في الماضي وصاروا مؤهلين للمدينة (السماوية) والمواطنة فيها. بحق يُدعى ضامنًا لأنه خلال شهادته يتأهل الموعوظون لقبول المعمودية [216]. الأب ثيؤدور * في الحال (بعد الرشم الذي يلي المعمودية) يبسط الإشبين الواقف خلفك القميص (البطرشيل) الكتاني على إكليل رأسك ويرفعك ويقيمك منتصبا...الكتان الذي يبسطه على إكليل رأسك يشير إلى الحرية التي دُعيت إليها... فقد اعتاد الأحرار أن يبسطوا كتانًا على رؤوسهم كحِلية لهم داخل بيوتهم كما في الأسواق [217]. الأب ثيؤدور الإشبين والقرابة رأينا القديس يوحنا الذهبي الفم يسمي الإشبين أبًا روحيًا، لكن ابتداء من القرن السادس بدأت تظهر نظرية العلاقة الروحية بين الإشبين والمعمد في الشرق والغرب. فبحسب قوانين جوستنيان لا يجوز التزاوج بينهما لأن الإشبين يمثل أبًا أو أمًا، فلا يجوز للشخص أن يتزوج أباه أو أمه. وامتد الأمر ليشمل أقرباء الإشبين أو المعمد وكأن الإشبين أبًا أو أمًا. فابنهما مثلا لا يتزوج من كانا له إشبينًا. _____ الحواشي والمراجع: [168] "ميرون" كلمة يونانية تعني "طيب" أو "دهن". [188] الدكتور جورج حبيب بباوي: دراسة لطقس المعمودية في القرون الأربعة الأولى، ص 31.. [189] يلاحظ أن كلمة "يمنع" ارتبطت في العهد الجديد بالمعمودية، فقد أراد يوحنا أن يمتنع عن عماد السيد بسبب قداسته الذاتية (مت 14:3)، والخصي لم يسأل فيلبس: هل يمكن أن اعتمد؟ بل سأله: "ماذا يمنع أن اعتمد ؟! "أع 10:47 (راجع أيضًا أع 11:17).. [190] Epis. 187:26. [191] "إشبين" كلمة سرّيانية الأصل تعني "حارس" أو "وصي". [192] Letter of Smyrneans on the martyr. Of ST. Polycarp 9. [193] Adv. Haer. 2:22:9; 2:22:4. [194] Apology 1:15. [195] Paed 3:2. [196] In Lev; hom 8:3; in Luc. Hom 14, in Epist ad Rom 5:9. [197] Can 19:113. [198] Epist. 64:2. [199] Epis. 59. [200] Apost. Const. 6:15. [201] St. Augustine: Serm 294: 8, 16, 19. [202] On Baptism. [203] Orat. 40:28. [204] Jungmann: The Early Liturgy, p 79, 80. [205] Epis. 98. [206] قرطاجنة موقعها على بعد 12 ميل من مدينة تونس حاليًا. راجع نص القانون 121 للمجمع كما ورد في الكتاب نيافة الأنبا غريغوريوس: القيم الروحية.. في سرّ المعمودية. [207] قوانين مجمع قيصرية الجديدة: 6. [208] Bingham. Antiquities of Christian church 10:154. [209] De Baptismo 18. [210] Can. 19:113. [211] Apost. Const. 3:16; 8:32. [212] رئاسة الكهنوت 11:7، 12. [213] Epist 89:5. [214] E. C. Whitaker: Documents of the Baptismal liturgy, 1970, p 33. [215] E. C. Whitaker: Documents of the Baptismal liturgy, p 45. [216] E. C. Whitaker: Documents of the Baptismal liturgy, p 45. [217] E. C. Whitaker: Documents of the Baptismal liturgy, p 48. |
||||
10 - 05 - 2014, 07:54 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
الحاجة إلى الروح القدس بالبشارة بالتجسد الإلهي دخلت البشرية عصرًا جديدًا هو "العصر المسيّاني"، أو العصر الذهبي لخلاص العالم كله، حيث نُزع البرقع عن موسى، وانسحبت الرموز لتقدم المرموز إليه، وتحولت الظلال إلى الحق، وتحققت النبوات، وجاء المسيح مشتهى الأمم، كله حلاوة وحلقه مشتهيات.. أحبه المؤمنون، وحملوا اسمه، فصاروا "مسيحيين". أحب المسيح العالم كله وبذل نفسه من أجلهم، وأحب المؤمنون المسيح واشتهوا الموت من أجله كل يوم! والعجيب أن مسيحنا هذا الذي أحبنا حتى الموت لكي يخلصنا ويدخل بنا إلى الاتحاد معه، يقدم لنا في ليلة آلامه معزيًا آخر، إذ يقول: "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزّيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحقّ الذي لا يستطيع العالم أن يقبلهُ لأنهُ لا يراهُ ولا يعرفهُ. وأمَّا أنتم فتعرفونهُ، لأنهُ ماكث معكم ويكون فيكم. لا أترككم يتامى... وأمَّا المعزّي الروح القدس الذي سيرسلهُ الآب باسمي فهو يعلِّمكم كلَّ شيءٍ ويذكّركم بكلّ ما قلتهُ لكم". (يو 14: 16-18، 26) "ومتى جاءَ المعزّي الذي سأُرسِلهُ أنا إليكم من الآب روح الحقّ الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي" (يو 15: 26). "لكني أقول لكم الحقَّ أنه خير لكم أن أنطلق. لأنهُ إن لم أنطلق لا يأْتيكم المعزّي. ولكن لن ذهبت أرسلهُ إليكم. ومتى جاءَ ذاك يبكّت العالم على خطيَّةٍ وعلى برٍّ وعلى دينونةٍ". (يو 16: 7-8). "وأما متى جاءَ ذاك روح الحقّ فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنهُ لا يتكلم من نفسهِ، بل كلُّ ما يسمع يتكلَّم بهِ ويخبركم بأمورٍ آتية. ذاك يمجّدني، لأنهُ يأخذ ممَّا لي ويخبركم" (يو 16: 13-14). يليق بنا أن نتوقف طويلًا عند الكلمات الوداعية التي تحدث بها السيد معنا ليلة آلامه، وكأنه يسلم كنيسته كل الميراث، أنه يقدم لها شخص الروح القدس يمكث معها ويكون فيها يعزيها ويعلمها ويرشدها إلى كل الحق، ويبكت كل ضعف يحل بأولادها ويمجدها بما للمسيح لتحمل مجده فيها. كثيرون يتحدثون عن الصداقة الإلهية التي صارت لنا في المسيح يسوع، بكونه قد صار لنا الأخ البكر والعريس والصديق كما هو الرب والمخلص والملك... نحبه ونصادقه، نسأله ونتضرع إليه ونعاتبه، نشعر بالقرب الشديد إليه لأنه حمل طبيعتنا وصار كواحدٍ منا، أما عن الروح القدس إذ يظهر على شكل حمامة كما في عماد السيد المسيح، أو على شكل ألسنة نارية خلال هبوب ريح عاصف كما في يوم العنصرة، دُعي قوة الله وحكمته وروح الحب الإلهي. لهذا لا ينشغل البعض بالدخول معه في علاقات شخصية، بل ينظرون إليه مجرد سمة إلهية خفية. لقد أراد السيد المسيح وأكدت الكنيسة التزامنا بقبول الروح القدس لندخل معه في صداقة كشخص نعيش به ومعه: يتحدث معنا ونحن نحدثه (مر 13: 11)، نسمع صوته (رؤ 2: 7)، يعلن لنا ويرشدنا (أع 13: 2)، يقوم بالشهادة معنا (أع 5: 32)، ويشهد لحسابنا (رو 8: 6)، يقدم لنا المعرفة (1 كو 2: 10-11) يهبنا الحياة (يو 6: 36) ويحزن أيضًا (أف 4: 30)، ويدبر أمور الخدمة ويقيم الخدام (أع 20: 28). فالروح القدس المعزي الذي أرسله لنا الابن من عند الآب ليس مجرد سمة إلهية، لكنه أقنوم إلهي نصادقه ونحبه ونعيش به ومعه، ونسأله أيضًا كما تفعل الكنيسة في تسبحة الساعة الثالثة يوميًا: "أيها الملك السماوي المعزي، روح الحق، الحاضر في كل مكان، والمالئ الكل، كنز الصالحات ومعطي الحياة، هلم تفضل وحل فينا، وطهرنا من كل دنس أيها الصالح وخلص نفوسنا". إن كانت الكنيسة قد تعلقت بالسيد المسيح كعريسها الذي أحبها وأسلم نفسه لأجلها، فإنها تعلقت بروحه القدوس فتذكر حلوله عليها يوميًا في تسبحة الساعة الثالثة، واهتمت بعيد البنطقستي الذي هو عيد حلول الروح القدس على التلاميذ بكونه عيد ميلادها بالروح القدس،إنها تدرك تمامًا أنها تحت قيادة الروح القدس الذي يعمل فيها، في ليتورجياتها كما في كرازتها، وفي تبكيت النفوس كما في تبريرها وتقديسها، حتى يدخل بها إلى ملء قامة المسيح. إننا نلتقي مع الروح القدس في مياه المعمودية كمجدد لنفوسنا، وواهبنا الغفران من الخطايا، والولادة الجديدة والعضوية في جسد السيد المسيح السري. ثم نعود فنقبله في داخلنا خلال سرّ التثبيت، نقبله كسرّ حياتنا، يلازمنا كل أيام غربتنا، لكي ينمّي فينا الإنسان الجديد ويقويه ويسنده، كما يرشدنا ويعزينا ويقدسنا، إلى أن يدخل بنا إلى الأمجاد الإلهية في أروع صورة، باتحادنا المستمر مع المسيح ودخولنا إلى حضن الآب. في هذا يقول القديس إكليمنضس السكندري: [إن المربي يخلق الإنسان من تراب، ويجدده بالماء، وينميه بالروح [218].] الروح القدس هو الروح الناري الذي يُلهب الإنسان الجديد بالنار الإلهية، ليجعله مؤهلًا على الدوام لاتحاد أعمق مع الله -النار الآكلة (تث 4: 24، 9: 3، عب 12: 29)- في المسيح يسوع، فيشترك مع الشاروبيم الملتهبين نارًا في تسابيحهم. وإنني أرجو في المسيح يسوع أن أقدم فكرة مختصرة وبسيطة عن عمل هذا الروح الناري في حياة المؤمنين. _____ الحواشي والمراجع: [218] المؤلف: الحب الإلهي، ص 866. |
||||
10 - 05 - 2014, 07:55 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
الروح القدس كنز الصلاح
يصعب عليَّ جدًا أن أكتب عن عمل الروح القدس في حياة الناس. أولًا: لأن أعماله فائقة للوصف لا يُمكن التعبير عنها. يقدم لنا شركة فائقة مع الآب في ابنه، ويقدس نفوسنا على الدوام خلال تبكيتنا على الخطية والضعف، وتثبيتنا في الابن الوحيد الجنس monogenyc `Uioc، وإعلان مجد ابن الله فينا. ينطلق بنا كجناحيّ حمامة إلى السماويات، فينير بصيرتنا الداخلية، للتعرف على الأسرار الإلهية غير المدركة، واكتشاف الأمجاد الإلهية. يهبنا مواهب روحية لنموّنا الروحي، والشهادة للسيد المسيح والخدمة، مكرسًا القلب كمقدس إلهي للقدوس الخ. أمور عالية تعجز اللغات البشرية أن تتحدث عنها أو أن تحصرها في عبارات بشرية. ثانيًا: أن أعمال الروح القدس في حقيقتها هي عمل واحد متكامل لا يمكن تجزئته. هو اللهيب الناري الإلهي الذي يعمل بغير حصر أو حدود. ثالثًا: أن عمل الروح القدس في الحقيقة ليس منفصلًا عن عمل الآب أو الابن حتى وإن نسبنا لكل أقنوم عمله، إذ يقول القديس كيرلس السكندري: [أن التجديد في الحقيقة هو من عمل الثالوث القدوس، حتى وإن أظهرنا أننا ننسب لكل أقنوم على حده عملًا مما يحدث لنا أو للخليقة، ولكن علينا أن نؤمن أن كل شيء هو من الآب خلال الابن في الروح القدس [219].] يقول [220]Hussey أن هذه العبارة "كل شيء هو من الآب خلال الابن في الروح القدس" هي الختم الأصيل في كلمات كيرلس، يستخدمها في سياق حديثه عن الخلقة [221]، وفي دعوة التلاميذ [222]، وفي عطية عدم الموت [223]، وفي تقديس الحياة [224]، وفي كل ما يهبنا الله من الصالحات [225]... مكررًا إيّاها. هكذا يرى القديس كيرلس السكندري أن كل عطية إلهية، مقدمة لنا من الآب خلال أو بابنه الوحيد يسوع في الروح القدس. بمعنى آخر لا عطية بطريق آخر غير روحه القدوس. لهذا نصلي للروح القدس يوميا، قائلين: "أيها الملك السماوي المعزي، روح الحق، الحاضر في كل مكان، والمالئ الكل، كنز الصالحات [226]..." لقد سبق فتحدثنا عن عمل الروح القدس فينا خلال مياه المعمودية، هذا الذي يعطينا بسخاء بلا حدود، إذ قدم لنا تجديدًا أو ميلادًا ثانيًا لنفوسنا ووهبنا روح البنوة لله وأنار نفوسنا. وفي سرّ الميرون قدم لنا ذاته نقتنيه داخلنا، كنزًا للصلاح وسرّ كل عطية إلهية صالحة في داخلنا. يتحدث القديس باسيليوس عن عمل الروح القدس فينا قائلًا: [بالروح القدس استعادة سكنانا في الفردوس، صعودنا إلى ملكوت السماوات، St-Takla.org Image: Saint Cyril the Great of Alexandria, Coptic pope, modern Coptic icon عودتنا إلى البنوة الإلهية،صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة قبطية حديثة تصور القديس البابا كيرلس الكبير بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية دالتنا لتسمية الله "أبانا"، اشتركنا في نعمة المسيح، تسميتنا أبناء النور، حقنا في المجد الأبدي، وبكلمة واحدة حصولنا على ملء البركة في هذا الدهر وفي الدهر الآتي [227].] ويحدثنا القديس ديديموس الضرير عن الروح القدس كسرّ كل صلاح فينا، إذ يقول: [الروح القدس بكونه الله يجددنا في العماد، وفي اتحاد مع الآب والابن يردنا من حالة التشوّه إلى جمالنا الأصلي، وهكذا يملأنا بنعمته، حتى أننا لا نقدر بعد أن نترك مجالًا لشيء لا يليق بحبنا. إنه يحررنا من الخطيئة والموت والأمور الأرضية، ويجعلنا روحيين، شركاء المجد الإلهي، أبناء الله والآب وورثته. يحولنا إلى صورة ابن الله ويجعلنا إخوته وشركاءَه في الميراث، فنتمجد ونملك معه. يهبنا السماء عوض الأرض، ويمنحنا الفردوس بيدٍ سخية، ويجعلنا أكثر كرامة من الملائكة، ويَطفئ لهيب نار الجحيم غير المنطفئ في المياه الإلهية لجرن المعمودية [228].] يكمل حديثه قائلًا: [عندما نغطس في جرن المعمودية فإننا بصلاح الله والآب وخلال نعمة الروح القدوس تنزع عنا خطايانا، إذ نلقي إنساننا القديم جانبًا، نتجدد ونُختم بقوته الملوكية. وعندما نخرج من الجرن نلبس المسيح مخلصنا، كثوب غير فاسد، فنستحق كرامة الروح القدوس الذي جددنا ووسمنا بختمه. فإنه كما يقول الكتاب المقدس: "إن كثيرين منّا إذ اعتمدوا في المسيح لبسوا المسيح" (غل 3: 27)... تسلمنا صورة الله ومثاله الأمر الذي فقدناه خلال الخطيئة، أما الآن فقد صرنا مرة أخرى كما كنّا قبلًا سادة نفوسنا وبلا خطيئة [229].] ويحدثنا القديس غريغوريوس النزينزي عن عمل الروح القدس في حياتنا كينبوع صلاحنا، قائلًا: [يدعى روح الله وروح المسيح... وهو نفسه الرب. روح البنوة والحق والحرية، روح الحكمة والفهم والمشورة والقدرة والمعرفة والصلاح ومخافة الله. إنه صانع كل هذه الأمور، يملأ الكل بجوهره، ويحوي كل الأشياء، يملأ العالم في جوهره، ومع هذا فلا يمكن للعالم أن يدرك قوته. صالح ومستقيم، ملوكي بطبيعته وليس بالتبني. يقدس ولا يتقدس، يقيس ولا يُقاس، يهب شركة ولا يحتاج إلى شركة. يملأ ولا يُملأ، يحوي ولا يُحوى، يورث ويمجد... مع الآب والابن. هو إصبع الله، نار كالله (الآب)... الروح الخالق، الذي يخلق من جديد بالمعمودية والقيامة. هو الروح العالم بكل شيء، يهب حيث يشاء، يرشد ويتكلم ويرسل ويفرز ويحزن، يعلن وينير ويحيي، أو بالأحرى هو ذات النور والحياة. يخلق هياكل ويؤلّه (يعطي شركة مع الله)، يهب كمالًا حتى قبل العماد (كما في حادث كرنيليوس أع 10: 9)، تطلبه بعد العماد كعطية.. يفعل فينا العمل الإلهي، ينقسم في ألسنةٍ نارية مقسمًا المواهب، يقيم الرسل والأنبياء والإنجيليين والرعاة والمعلمين. يُفهم بطرق متعددة، واضح، وينخس القلوب [230].] وفي حديث للقديس يوحنا الذهبي الفم يقول في عيد العنصرة يقول: [اليوم قد بلغنا إلى القمة ذاتها، إلى رأس الأعياد، وذلك تحقيقًا لوعد الرب القائل: "لأنهُ إن لم انطلق لا يأْتيكم المعزّي. ولكن إن ذهبت أرسلهُ إليكم" (يو 16: 7). انظروا قلقه علينا! تأملوا حنوّه غير المنطوق به! قبل هذه الأيام صعد إلى السماوات، وأخذ عرشه السماوي، واسترد مجلسه عن يمين الآب،وها هو اليوم يمنحنا حلول الروح القدس، وخلاله يقسم علينا آلاف المواهب السماوية الأخرى، لأنه أيَّة موهبة من بين المواهب التي تتمتع بها في خلاص نفوسنا لم ننلها خلال خدمة الروح؟! خلاله نتحرر من العبودية ونُدعى إلى الحرية! خلاله صرنا أولاد الله بتبنيه إيانا! وفوق هذا كلّه -إن أمكنني أن أقول- إننا قد تجددنا خالعين عنّا ثقل الخطايا الكريهة. خلاله نرى قدامنا طغمات الكهنة! خلاله يساعدنا معلمونا! فمنه ننال مواهب الإعلانات، ومواهب الشفاء، وكل المواهب الأخرى التي بها يزيّن الروح القدس كنيسة الله! هذا ما يعلنه الرسول بولس، قائلًا: "ولكن هذه كلُّها يعملها الروح الواحد بعينهِ، قاسمًا لكل واحدٍ بمفردهِ كما يشاءُ" (1 كو 12: 11)... خلال عطيته نتغيَّر من بشرٍ إلى ملائكة، هؤلاء الذين يشتركون معنا في التمتع بنعمته [231].] _____ الحواشي والمراجع: [219] In Loanis Evangelium 10. PG 74:336. [220] E. Edmund Hussey: The Persons-Energy Structures in The Theology of G.Palamas (St. Vladmir Theo. Quart 18-1-1974). [221] Contra Julianum 3. PG 76:649; De recta fide. PG 76:1204. [222] Adversus Nestorium 4:2. PG 76:180. [223] In Loan. Evang. 9. PG 76:280. [224] De SS. Trinitate dialogus 5. PG 75:1000. [225] De recta fida. PG 76:1272. [226] تسبحة الساعة الثالثة. [227] De Spir, Sanc. 15:35. [228] De Trinit. 2:12. [229] De Trinit. 2:12. [230] Oration 5 on the Holy Spirit, 29. [231] للمؤلف: الحب الإلهي، ص 835 الخ. |
||||
12 - 05 - 2014, 02:54 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
الروح القدس والتبكيت على الخطيئة الروح القدس والتبكيتالروح القدس الذي يجد له فينا مسكنًا في سرّ التثبيت، يقوم بعمل التبكيت المستمر على كل خطيئة نرتكبها. إنه الروح القدس الذي لا يطيق النجاسة والشر، فيدفعنا دومًا لحياة التوبة المستمرة عن كل ضعف فينا، فلا نفقد ملكوت الله المُعد لنا، وكأنه يقوم بتجديد عمل المعمودية فينا بغير توقف. الروح القدس يفضح خطايانا أمام بصيرتنا الداخلية، فنكتشف حاجتنا للغفران المستمر، ولكن عمله هذا يقوم بالقدر الذي به نحتمل أن نرى ضعفنا فلا يكشف إلا في الحدود التي فيها لا نسقط في اليأس، خاصة وأنه وهو يعلن ضعفاتنا يعلن أيضًا أسرار الخلاص المفرحة ليعطي للنفس رجاءً وفرحًا وتعزية وسلامًا في أدق لحظات التوبة، وسط التنهدات المرة والدموع المنهمرة. والروح القدس لا يقف في عمله هذا عند حدود الكشف والتبكيت، لكنه أيضًا يقوم بدور إيجابي في توبتنا المستمرة بالتشفعات الإلهية التي يصنعها عنا لدى الآب في استحقاقات دم الابن، كقول الرسول: "وكذلك الروح أيضًا يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجلهِ كما ينبغي، ولكن الروح نفسهُ يشفع فينا بأَنَّاتٍ لا يُنطَق بها" (رو 8: 26). * "باراكليت" تعني معزيًا أو محاميًا. لقد دعي محاميًا أو شفيعًا، لأنه يتوسط لدى الآب من أجل الخطاة، بينما أولئك الذين يملأهم يحثهم على الصلاة من أجل أنفسهم. وقد دُعي الروح ذاته "المعزي"، لأنه يُنهض رجاء الغفران في أولئك الذين يحزنون على خطاياهم التي يرتكبونها [232]. القديس غريغوريوس * تحتاج النفس إلى السراج الإلهي، وهو الروح القدس، الذي ينير البيت المظلم، وإلى شمس البرّ الساطعة التي تضيء وتشرق في القلب، وتحتاج إلى الأسلحة التي تغلب بها في المعركة (يو 16: 33؛ إش 63: 1-6؛ رو 3: 21؛ 12: 2). وهذا هو معنى الأرملة التي أضاعت الدرهم فأنارت السراج أولًا (لو 15: 8)، ثم كنست البيت. وهكذا إذ كنست البيت والسراج مضيء وجدت الدرهم بعد أن كان مدفونًا في التراب والوسخ،هكذا النفس أيضًا لا تستطيع أن تجد أفكارها وتميزها، لكنها متى أضاءت السراج الإلهي فإنه ينير البيت المظلم، وحينئذ تنظر أفكارها كيف كانت مدفونة في دنس الخطيئة ووحلها، ثم تشرق الشمس فترى النفس هلاكها، وتبدأ في استرداد أفكارها المشتتة والمختلطة بالوسخ والدنس، لأن النفس أضاعت صورتها حين خالفت الوصية (تك 1: 26، أف 4: 24، كو 3: 10) [233]. القديس مقاريوس الكبير الروح القدس وأعمال التوبة التوبة هي حياة عملية يمارسها الإنسان كقول القديس يوحنا المعمدان: "فاصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة" (مت 3: 8). هذه الأعمال ليس من عملنا البشري لكنها هي عطية الروح القدس، الذي يسند الإنسان المجاهد في حربه ضد شهوات الجسد وخطايا النفس. والعجيب أن القديس أنبا أنطونيوس أب جميع الرهبان في أول رسالة له يوجه أنظارنا إلى عمل الروح القدس الذي يرشد العقل والقلب، ويقود الإنسان إلى حياة التوبة العملية، فيقدس جسده بكل أعضائه وطاقاته الداخلية ليهبه نوعًا من الروحانية، على مثال الجسد الذي ننعم به في الحياة الأبدية. الروح القدس هو الذي يقود الإنسان المجاهد في أصوامه وصلواته وأسهاره، فيهبه عذوبة في توبته، ويدخل به إلى تطهير نفسه وجسده معًا. * الآن فيما يخص الذين دخلوا بكل قلوبهم واقتنوا في نفوسهم بغضة لكل شهوات الجسد، وبشجاعة يقاومون كل الحروب التي تثور عليهم حتى يغلبوا، وأعتقد أنه قبل كل شيء الروح هو الذي يوجه إليهم الدعوة، ويجعل الجهاد خفيفًا عليهم، وأعمال التوبة عذبة، ويعلمهم كيف ينبغي أن يتوبوا بالجسد وبالنفس حتى يبلغ بهما إلى التحول الكامل إلى الله خالقهم، ويهبهم أعمالًا بها يغصبون نفسهم ويقمعون جسدهم،حتى يتطهرا كلاهما ويدخلا معًا إلى ميراثهم... * أولًا يتطهر الجسد بالصوم الكثير، والسهر والصلوات، بالخدمة التي بها يقمع الإنسان جسده ويقطع من نفسه كل شهوات الجسد، ويصبح روح التوبة هو مرشده في هذه الأمور، ويختبرها بواسطته لئلا يجعله العدو يرتد إلى ورائه. عندئذ يبدأ الروح الذي يرشده أن يفتح عينيْ نفسه ويهبها التوبة حتى تتطهر. ويبدأ العقل أيضًا في التمييز بين الجسد والنفس، وذلك عندما يبدأ يتعلم من الروح كيف نطهرهما كليهما بالتوبة. وإذ يتعلم العقل من الروح يصير مرشدًا لنا في كل أعمال الجسد والنفس ويعرفنا كيف نطهرهما... هذه الأمور قلتها لكم يا أحبائي لكي تعلموا كيف ينبغي على الإنسان أن يتوب بالجسد والنفس وأن يطهرهما كليهما. فإذا ما غلب العقل في هذا الجهاد حينئذ يصلي بالروح (القدس)، ويبدأ يطرد من الجسد أوجاع النفس التي تأتي عليه من إرادتها الخاصة، حينئذ يصير للروح شركة محبة مع العقل، لكونه يحفظ الوصايا التي علمه إيّاها الروح. الروح يعلم العقل كيف يشفي جراحات النفس، وكيف ينزع عنها (الأوجاع) واحدة فالأخرى، تلك التي امتزجت بأعضاء الجسد، وأيضًا الأوجاع الأخرى الخارجة عن الجسد التي امتزجت بالإرادة. فيضع الروح للعينين قانونًا، لكي تنظرا باستقامة ونقاوة ولكي لا يكون فيهما أي غش. وبعد ذلك يضع الروح للأذنين قانونًا، كيف ينبغي أن يسمعا بسلام، ولا تظمآن أو تشتاقا لسماع الكلام الرديء (النميمة) والسيرة الرديئة وإنما تبتهجان لسماع الأمور الصالحة... ثم أن الروح يُعلم اللسان النقاوة، إذا كان اللسان مريضًا بمرضٍ خطيرٍ، فإن المرض الذي أصاب النفس يُعبَّر عنه بواسطة اللسان الذي استخدمته النفس وسيلتها... بعد هذا يشفي الروح حركات اليدين التي كانتا تتحرك بطريقة مخلّة تابعة لإرادة العقل. أما الآن فإن الروح يُعلِّم العقل كيف يطهرهما، لكي ما يعمل ويشتغل بهما في عمل الرحمة وفي الصلاة، وبذلك تتم الكلمة التي قيلت عنهما: "ليكن رفع يديَّ كذبيحةٍ مسائَّية" (مز 141: 2)، وفي موضع آخر: "أما يد المجتهدين فتُغني" (أم 10: 4). وبعد ذلك يطهر الروح البطن في أكلها وشربها، لأنه طالما تسلطت عليها شهوات النفس لم تعد تشبع من نهمها إلى الطعام والشراب... ومن هنا أقامت الشياطين حربها على النفس... فالذين يطلبون الطهارة في هذا الأمر، يصنع لهم الروح قوانين للتطهير، وهي الأكل باعتدال على قدر حاجة الجسد، وبدون تلذذ شهواني، وبهذا يتم قول بولس: "فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا فافعلوا كلَّ شيءٍ لمجد الله" (1 كو 10: 31). وبالنسبة لأفكار الشهوة التي تتحرك أسفل البطن، فالروح يعلم العقل كيف يميز بين الحركات الثلاثة التي تكلمنا عنها [234]، ويثابر على تطهيرها بمعونة الروح الذي يقويه، حتى تنطفئ كل الحركات بقوة الروح الذي يحفظ كل الجسد في سلام، ويقطع منه كل الأوجاع. وبعد كل هذا يعطي الروح للقدمين طهارتهما، لأنهما قبلًا لم تكن خطواتهما مستقيمة بحسب إرادة الله، أما الآن إذ اتحد العقل بالروح خاضعًا لسلطانه يحقق طهارتهما، لكي تتحركا وفقًا لإرادته وتخدما في الأعمال الصالحة. هكذا إذ يتغير الجسد كله ويتجدد ويصير تحت سلطان الروح، أعتقد أنه عندما يتطهر الجسد كله ويأخذ ملء الروح، يكون قد نال شيئًا من الجسد الروحي العتيد أن يكون في قيامة الأبرار [235]. القديس أنبا أنطونيوس * يتم الشفاء (الروحي) بالطبيعة السماوية الإلهية وبموهبة الروح القدس، فبفضل هذا الدواء فقط يعود الإنسان إلى الصحة والحياة إذ يتطهر قلبه بالروح القدس [236]. القديس مقاريوس الكبير _____ الحواشي والمراجع: [232] للمؤلف: الحب الإلهي، ص 815. [233] عظة 4 3:11،4. [234] تحدث القديس عن حركات الجسد (الشهوة) أنها تثور إما كحركة طبيعية مخلوقة، أو تثور بسبب النهم (لو 21، 34)، أو يثيرها الشيطان كحرب ليفقد الإنسان طهارته. [235] الرسالة الأولى. [236] عظة 7:20. |
||||
12 - 05 - 2014, 03:09 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
الروح القدس والتقديس المستمر حدثنا السيد المسيح عن الروح القدس كمعلمٍ إلهيٍ يبكت الناس على الخطية (يو 16: 8)، ليدفع نفوسنا إلى التوبة الصادقة المستمرة، مقدمًا لها تعزية (يو 16: 7)، سرّها أن ينتقل بنا دومًا من ضعفنا إلى الحياة المقدسة في المسيح يسوع ربنا. لهذا دعاه السيد بالمعزي (يو 14: 26؛ 15: 26؛ 16: 7). إن دعوة الآب لنا هي التمتع "بالحياة المقدسة الإلهية"، إذ يقول "كونوا قديسين، لأني أنا قدوس"، وقد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم ليكفر عن خطايانا ويدخل بنا إلى "الحياة المقدسة"، هذا الذي يعلن في صلاته الوداعية: "قدِّسهم في حقّك... لأجلهم أقدّس أنا ذاتي، ليكونوا هم أيضًا مقدَّسين في الحق" (يو 17: 17، 19). أما عمل الروح القدس فهو أن يدخل بنا إلى التمتع بحياة المسيح المقدسة، إذ يهبنا الاتحاد معه، فنحمل المسيح نفسه سرّ تقديسنا وسرّ برَّنا. في هذا يقول الرسول بولس: "لكن اغتسلتم بل تقدَّستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا" (1 كو 6: 11). ويقول القديس بطرس الرسول: "بمقتضى علم الله الآب السابق في تقديس الروح للطاعة ورشّ دم يسوع المسيح.." (1 بط 1: 2). يقول القديس باسيليوس الكبير: [الابن والروح القدس هما مصدر التقديس، بهما تتقدس كل خليقة عاقلة حسب استعدادها [237].] [الروح القدس المنبثق عن الله (الآب) هو مصدر القداسة، القوة الواهبة الحياة، النعمة التي تعطي كمالًا، خلاله ينعم الإنسان بالتبني، يصير الفاسد في عدم فساد، أنه واحد مع الآب والابن في كل شيء، في المجد والأبدية والقوة والملكوت واللاهوت، هذا ما يختبر بتقليد معمودية الخلاص [238].] التقديس والتثبيت في المعمودية اقتلعنا روح الله القدوس من الزيتونة البرية غير المثمرة وطعَّمنا في المسيح يسوع الزيتونة الجيدة (رو 11: 14، 17)، فدخل بنا من الحياة العقيمة إلى الحياة المقدسة. لكن عمل الروح القدس لا يقف عند هذا الحد بل يقوم بتثبيتنا في الأصل (الابن القدوس)، لكي تنتقل فينا عصارة الحياة المقدسة من الأصل إلى الأغصان، فلا تبقى الأغصان على ما هي عليه، بل تنمو على الدوام في الأصل وتأتي بثمرٍ كثيرٍ. هذا هو سرّ التثبيت الذي في حقيقته هو تمتع بعطية الروح القدس، الذي يتعهد نمونا الروحي، أو يتعهد نمو إنساننا الجديد في الحياة المقدسة، لعلنا نبلغ إلى ملء قامة المسيح. حدثنا السيد المسيح عن حاجتنا إلى الثبوت فيه بالروح القدس، بقوله: "كما أن الغصن لا يقدر أن يأْتي بثمرٍ من ذاتهِ إن لم يثبت في الكرمة كذلك أنتم أيضًا إن لم تثبتوا فيَّ. أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذي يثبت فيَّ وأنا فيهِ يأتي بثمرٍ كثير. لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا. إن كان أحد لا يثبت فيَّ يُطرَح خارجًا كالغصن، فيجفُّ ويجمعونهُ ويطرحونهُ في النار فيحترق" (يو 15: 4-6). لقد وجه الرسل أنظارنا إلي عمل الله الخاص بتبنينا فيه في ابنه يسوع المسيح خلال مسحة الروح القدس، بقولهم: "ولكن الذي يثبّتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله الذي ختمنا أيضًا، وأعطى عربون الروح في قلوبنا" (2 كو 1: 21-22). "وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منهُ ثابتة فيكم ولا حاجة بكم إلى أن يُعلّمكم أحد... كما عَلَّمتَكْم تثبتون فيهِ" (1 يو 2: 27). "بهذا نعلم أنه يثبت فينا من الروح الذي أعطانا" (1 يو 3: 24). في هذا يقول القديس أمبروسيوس: [تذّكروا أنكم قد تقبلتم الختم الروحي: روح الحكمة والفهم، وروح المشورة والقدرة، روح المعرفة والصلاح، روح المخافة المقدسة. احفظوا ما قد تسلمتم. الله الآب وسمكم، والمسيح ثبتكم، ووهبكم عربون الروح في قلوبكم، كما تعلمتم من الرسول. إذ يصير الناس أغنياء بهذا الختم، يقترب الذين اغتسلوا (بالمعمودية) إلى مذبح المسيح [239].] روح التقديس والجهاد يتحدث القديس باسيليوس الكبير عن عمل الروح القدس فينا، قائلًا: [الذين ينالونه يتمتعون به على قدر استيعابهم لا على قدر ما يستطيع هو [240].] فالروح القدس لا يبخل علينا بالتقديس لكنه لا يعمل فينا بغير إرادتنا أو ونحن متكاسلون. لقد أوضح القديس يوحنا الذهبي الفم دورنا في "الحياة المقدسة" بتمييزه نوعين من الموت، موت دخلنا فيه مجانًا كنعمة إلهية بلا تعب في مياه المعمودية، خلاله نخرج في حالة تجديد لطبيعتنا وقداسةً، وموت آخر هو أيضًا نعمة مجانية يقدمها لنا الروح القدس لكن ليس بدون إعلان رغبتنا فيها، وذلك بالجهاد غير المنقطع. هذا ما عناه آباؤنا القديسون بالوصايا المستمرة بخصوص الحفاظ على ثوب المعمودية المقدسة الأبيض خلال الإمكانيات الإلهية التي صارت لنا. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يتحدث الرسول هنا (رو 6) عن موتين: الموت الذي يضعه علينا يسوع المسيح في المعمودية، والموت الذي نلزم أنفسنا به كثمر جهادنا الشخصي. فإن خطايانا الأولى قد غسلت بعطية مجانية، أما موتنا عن الخطيئة فيبقى مستمرًا بعد العماد، وهو يعتمد على جهادنا مع أن النعمة دائمًا قوية وتحت أيدينا لمساعدتنا. المعمودية لم تغسلنا من خطايانا الماضية فحسب، وإنما تهبنا قوة ضد التجارب المقبلة [241].] يحدثنا القديس كيرلس الأورشليمي عن هذه الإمكانيات التي أُعطيت لنا للجهاد الروحي، قائلًا: [أنك تتسلم عدة حربية ضد قوة العدو (الشيطان)... هوذا السلاح معد: سيف الروح (أف 6: 17). أنه مهيأ، لذا يليق بك أن تبسط يمينك بطريقة صالحة، لكي تحارب حرب الله، وتغلب القوات المقاومة وتصير (حصنًا) منيعا يصد كل محاولة للهراطقة.] [إن كنت قبل نوال النعمة تفعل أعمالًا صالحة، أما يليق بالأكثر بعد نوالها؟!] [لا تحتقر النعمة من أجل مجانيتها، بل اقبلها واكتنزها بورع [242].] يؤكد القديس مرقس الناسك دورنا الإيجابي في الجهاد حتى بعد المعمودية، قائلًا: [العماد المقدس عمل كامل ويهبنا الكمال، إلا أنه لا يُكمِّل إنسانًا يهمل (يفشل) في تنفيذ الوصايا... والإنسان يتوجه بإرادته حيثما يحب، حتى بعد المعمودية، إذ لا تسلبنا المعمودية حريتنا. فعندما يقول الكتاب المقدس: "ملكوت السماوات يُغصَب..." (مت 11: 12)، إنما يتكلم عن الإرادة الخاصة بكل شخص، حتى لا يعود يلتفت كل منا -بعدما تعمد- إلى الشر، وإنما يثبت في الخير. والذين نالوا قوة لتنفيذ الوصايا، يوصيهم الرب كمؤمنين أن يجاهدوا فيها حتى لا يرتدوا عنها... تهبنا المعمودية المقدسة حرية كاملة، مع ذك فإن للإنسان مطلق الحرية والإرادة، إما أن يُستعبد مرة أخرى برباطات شيطانية، أو يبقى حرًا في تنفيذ الوصايا. فإن التصق بالفكر إحدى الشهوات، فهذا يكون من عمل إرادتنا الخاصة، وليس رغمًا عنا، إذ يقول الكتاب أنه قد أعطيَ لنا سلطان "هادمين ظنونًا..." (2 كو 10: 5) [243].] [إن كنا بعد المعمودية المقدسة، حيث نلنا قوة لتنفيذ الوصايا، لم نعمل بها، فإننا نُسلم للخطيئة بغير إرادتنا، إلى أن نستعطف مراحم الله بالتوبة، مجاهدين أن ننفذ كل الوصايا، حينئذ يبطل الله الخطيئة من إرادتنا [244].] [قال الرسول أن لنا في أنفسنا باكورة الروح (رو 8: 23)، مظهرًا لنا مقدار طاقتنا، لأنه يتعذر علينا أن نحوز كمال فاعلية الروح، اللهم إلا إذا بلغنا الكمال في (تنفيذ) الوصايا، وذلك كالشمس التي هي كاملة، وتهدي ضوءها كله مرة واحدة على الجميع بالتساوي، ولكن كل واحد يُدرك من ضوئها قدر كفاءة بصره،هكذا أيضًا الروح القدس يجعل الذين يؤمنون به، قادرين أن يتقبّلوا بالمعمودية كل قوته وعطاياه، غير أن عطاياه لا تعمل في الجميع بقدر واحد، إنما ينال كل واحد منها قدر ممارسته للوصايا، أي بالقدر الذي يشهد به بواسطة أعماله الصالحة، ويُظهره شدة إيمانه بالمسيح [245].] [الذي يعتمد في المسيح ينال نعمة بطريقة سرية، لكن هذه النعمة تعمل فيه بقدر تنفيذه للوصايا. وبالرغم من أن هذه النعمة لا تكف عن أن تعيننا خفية، لكن هذا يتوقف على سلطاننا، إن كنا نريدها أن تعمل فينا عملًا صالحًا أو لا تعمل [246].] هكذا تحدث آباؤنا في إفاضة عن التحام عمل الروح القدس بحياتنا العملية، فإن كنا لا نقدر أن نصنع شيئًا بدونه، لكنه لا يعمل فينا قسرًا، بل بكمال إرادتنا الحرة التي يهبها إيانا، مُعلَنةً في جهادنا نحو تنفيذ الوصية وإعلان حبنا وإيماننا به. لسنا نعتمد على برّ فينا هو من عندياتنا، لكننا ونحن متكئون على صدر الرب ملتحفون بروحه القدوس نجاهد حتى الدم. هذا ما دفع الكنيسة وآباءها إلى توصيتنا للجهاد حتى بعد المعمودية، وفيما يلي مقتطفات من هذه الوصايا: * ليت الذي يعتمد يكون غريبًا عن كل شر، متحررًا من كل خطيئة، صديقًا لله، عدوًا للشيطان، وارثًا لله الآب، وارثًا مع ابنه، هذا الذي جحد الشيطان وكل أرواحه الشريرة وخداعاته وتعهد أن يكون مقدسًا نقيًا ورعًا محبًا لله ابنًا له، يصلي كابن للآب [247]. الدساتير الرسولية * أيها الجسداني الذي صار بالمياه روحانيًا، قدس نفسك لتكون هيكلًا للاهوت. يا ابن المسكين (آدم)، الذي صار أخًا لابن الغني، انظر ألا تُهلك غناك العظيم بالشهوات. أيها المُعمدون في المياه، وقد صرتم إخوة الابن الوحيد، لا تهينوه بأعمالكم الجسدية. لا تختلطوا بالزانية عوضًا عنه. طهروا نفوسكم من الزلات لكي تختلطوا بأبيه. لا تدنسوا المعمودية التي كلها نور، بالأعمال غير الحسنة... من يلبس الثياب الجديدة يحفظ نفسه من الغبار والوسخ لئلا تقترب إليه. أيها الإنسان الذي لبس المعمودية، اهرب من الإثم لئلا يشق ثيابك عنك، هذه التي اؤتمنت عليها. لقد أعطاك ابن الله اللباس البهي فلا تزدري به لئلا يتسخ بذنوبك. * من عادة الحيَّة أنها تسرق الثياب بالمشورة المرذولة، وتكسيهم الفضيحة العظمى. حلة المجد التي سُرقت بين الأشجار قد لبستها في المياه! * يا ابنة حواء احفظي طهارة المعمودية، لأن صك الحية قد مُحي بمياه الحياة... أيها المُعمد الذي وجد الحلة التي تعرى منها آدم، لا تهلكها بالخطيئة بعد أن وجدتها... * أيها المُعمد الذي لبس حلة المجد المملوءة نورًا، اهرب من الوسخ لتكون منظورًا من الملائكة. لا تطرح لباسك البهي بالرذائل النتنة لئلا يضحك بك المبغضون الحاسدون [248]. القديس مار يعقوب السروجي _____ الحواشي والمراجع: [237] Epis. 8 to the caesareans, 2. [238] Epis. 15 to the Deaconesses، the daughters of Count Terentius. [239] De Mysterus 7:42. [240] On The Holy Spirit 9:22. [241] In Epist. Ad Rom, hom 2. [242] مقال افتتاحي 10، مقال 6:1،4. [243] للمؤلف: الفيلوكاليا ص 90، 91. [244] المرجع السابق، ص 92. [245] المرجع السابق، ص 97. [246] المرجع السابق، ص 140. [247] Apost Const. 3:18. [248] ميمر عن المعمودية المقدسة. |
||||
12 - 05 - 2014, 03:10 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
الروح القدس وتكريس القلب في القديم حوّلت النار المادية الأدوات الذهبية التي بين يدي شعب إسرائيل إلى العجل الذهبي الصنم، الذي كان قائمًا في قلوبهم يتعبدون له خفية، فظهرت نيتهم الداخلية، وأعلن معبودهم الخفي (خر 24: 32). وفي أيام بختنصر إذ دخل الثلاث فتية أتون النار المنظور من أجل برّهم أُعلن إلههم الخفي الذي كان يعمل في قلوبهم، إذ ظهر شبيه بابن الآلهة يتمشى معهم وسط الأتون، يحتضنهم ويحميهم من النار المنظورة، هكذا أرسل الله ناره الإلهية، روحه القدوس، الأقنوم الإلهي، لكي يعلن السيد المسيح المخفي في قلوبنا. إن عمل الروح القدس الناري فينا هو أنه يختمنا بالختم الملوكي في أعماق النفس الداخلية، فنحمل صورة السيد المسيح فينا، وتصير النفس والجسد بكل إمكانياتهما وتصرفاتهما ملكًا للرب. هذا هو مفهوم التكريس: أننا نحمل الختم الإلهي معلنًا أن كل ما فينا هو له. يحدثنا الرسول بولس عن هذا الختم الإلهي، قائلًا: "ولكن الذي يثبّتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله الذي ختمنا أيضًا وأعطى عربون الروح في قلوبنا". (2 كو 1: 21-22) "الذي فيه أيضًا إذ آمنتم خُتِمتم بروح الموعد القدّوس الذي هو عربون ميراثنا لفداءِ المُقتَني..." (أف 1: 13-14) "ولا تُحزِنوا روح الله القدوس الذي بهِ خُتِمتم ليوم الفداءِ". (أف 4: 30) "ولكن أساس الله الراسخ قد ثبت إذ لهُ هذا الختم..." (2 تي 2: 19) وجاء في أوامر الرسل: [أيها الأسقف أو القس قد رتبنا سابقًا والآن نقول أن تمسح أولًا بزيت ثم تعمد بماء وأخيرًا تختم بالميرون.] * إننا نقبل أولئك الهراطقة الذين يرجعون إلى الأرثوذكسية... ويُختمون أولًا بالميرون المقدس على جباههم وعيونهم وأنوفهم وأفواههم وآذانهم [249]. مجمع القسطنطينية المسكوني * كما أن الرسولين بطرس ويوحنا بعد صلاة واحدة حلّ الروح القدس على سكان السامرة بوضع الأيدي (أع 8: 14-17) هكذا في الكنيسة أيضًا منذ ذلك الحين ينال جميع المعمدين الروح القدس ويختمون بختمه عند دعاء الكهنة ووضع أياديهم. * انظروا كيف صرتم مشاركي اسم المسيح كهنوتيًا، وكيف أُعطى لكم ختم شركة الروح القدس [250]. القديس كبريانوس * لقد ختمت جميع قوى نفوسكم بختم الروح القدس... ووضع الملك رسالته عليكم، خاتمًا إياها بختم النار (لو 3: 16) لا يقرأها الغرباء ويحرفوها [251]. القديس مار افرآم السرياني عمل هذا الختم المقدس، ختم الروح القدس أنه يجعلنا مَقدسًا للرب، بيت الله المدشّن له، إذ يقول الرسول: "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله، وأنكم لستم لأنفسكم... فمجّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1 كو 6: 19-20). كما يقول: "أَما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم. إن كان أحد يفسد هيكل الله، فسيفسدهُ الله، لأن هيكل الله مقدس، الذي أنتم هو". (1 كو 3: 16-17) هذا الختم الناري يكرس النفس كما الجسد ليصير الإنسان بحق عروسًا روحية للسيد المسيح الملك السمائي. وكما يقول القديس مقاريوس الكبير: [حواس النفس الخمسة المُدركة إن نالت النعمة من فوق وتقديس الروح صارت حقًا الخمس عذارى اللواتي نلن حكمة النعمة من فوق.] ختم القوة الروحية والكمال في سرّ الميرون إذ ننعم بختم الروح القدس فنتمتع بالشركة مع الرسل فيما وهبهم الله يوم الخمسين، إذ قال لهم: "ها أنا أرسل إليكم موعد أبي. فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تُلْبسُوا قوةً من الأعالي" (لو 24: 49)، "لكنكم ستنالون قوَّةً متى حلَّ الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودًا في أورشليم، وفي كل اليهودية، والسامرة، وإلى أقصى الأرض" (أع 1: 8). يحمل المؤمن الروح القدس في داخله معينًا له وسندًا في جهاده الروحي وحربه ضد الخطية وعبوره إلى طريق الكمال. * عندئذ يأتي الختم الروحي الذي سمعنا عنه في قراءات اليوم، لأنه بعد الجرن يتبقى قبول الكمال بحلول الروح القدس خلال استدعاء الكاهن [252]. القديس أمبروسيوس * الذين يعتمدون في الكنيسة يتقدمون إلى مدبري الكنيسة، وبصلاتنا ووضع الأيدي يتقبلون الروح القدس ويتكملون بختم الرب [253]. القديس كبريانوس * إذ نتمم وصايا الرب بواسطة روحه، الذي وحده يعرف إرادة الله (1 كو 2: 11)، وإذ يكملنا الروح في نفسه (2 كو 12: 9)، وهو نفسه يكمل فينا (1 كو 13: 10، يو 14: 12) حينما نتطهر من كل نجاسات الخطيئة وعيبها، يأتي بنفوسنا إلى المسيح كعرائس جميلات طاهرات بلا دنس، فتستريح نفوسنا في الله في ملكوته ويستريح الله فينا إلى دهر الدهور [254]. القديس مقاريوس الكبير * فلنلتمس من الله أن يهب لنا أجنحة حمامة (مز 55: 6)، أي الروح القدس، لنطير إليه ونستريح، ولكي ينزع الريح الشرير ويقطعه من نفوسنا وأجسادنا، أي الخطيئة الساكنة في أعضاء نفوسنا وأجسادنا، لأنه هو وحده القادر على فعل ذلك [255]. القديس مقاريوس الكبير * يُعطى هذا الميرون للذين اعتمدوا حديثًا، وإذ يُمسح الجسد تتقدس النفس بالروح القدس [256]. القديس كيرلس الأورشليمي ختم ملوكي مسْح الإنسان لقبول الروح الناري الذي يقدسه على الدوام لا يعني مجرد تكريس القلب لله وانطلاق الإنسان من كمال إلى كمال، لكنه يهبه سمات ربنا يسوع المسيح بكونه الملك ورئيس الكهنة وموضوع النبوة، فيصير المؤمن -في المسيح يسوع- بالروح القدس مَلكًا وكاهنًا ونبيًا بمفهوم روحي،يصير ملكًا روحيًا صاحب سلطان على جسده بأحاسيسه الداخلية وعواطفه وأفكاره، يقبل من الأفكار ما يشاء ويرفض ما يشاء. وكملكٍ له سلطان أن يدوس على الحيّات والعقارب وكل قوة العدو. ويصير كاهنًا روحيًا، فإنه إذ دخل مياه المعمودية المقدسة شارك السيد المسيح في دفنه وقيامته، أي شاركه عمله الفصحي الكهنوتي، فصار له بالروح القدس أن يقدم ذبيحة الشكر وذبيحة الألم والموت اليومي من أجل الرب كما يتقبل قوة قيامة المسيح كأنها جديدة كل يوم. صار له حق تقديم جسده ذبيحة حب عقلية مقدسة مرضية لدى الله (رو 12: 1). يقدم التسابيح والصلوات والأصوام والعطاء. صار أيضًا نبيًا بالمفهوم الروحي، فيرى الأمور المستقبلة الخاصة بأبديته مكشوفة في قلبه، بل يعيش متمتعًا بعربونها. * كل مؤمن يُمسح كاهنًا وملكًا، غير أنه لا يصير ملكًا حقيقيًا ولا كاهنًا حقيقيًا، بل ملكًا روحيًا وكاهنًا روحيًا، يقرب لله ذبائح روحية وتقدمات الشكر والتسبيح [257]. القديس أمبروسيوس * الأشخاص الروحيون الآن، الذين يُمسحون بالمسحة السماوية يصيرون مسحاء حسب النعمة، فيكونون هم أيضًا ملوكًا وأنبياء للأسرار السماوية [258]. القديس مقاريوس الكبير _____ الحواشي والمراجع: [249] قانون 7. [250] رسالة 73 ضد الهراطقة، عظة 33:8. [251] تعليم الإيمان 5. [252] De Sacr. 3,2,8. [253] Epist. To Jubianus, Bishop of Mauretania 73:9. [254] عظة 9:19. [255] عظة 3:2. [256] Protech. 21. [257] في الكهنوت 4. [258] عظة 1:17. |
||||
12 - 05 - 2014, 03:11 PM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
الروح القدس والاستنارة الدائمة يقدم لنا الروح القدس في المعمودية "استنارة روحية"، فتنفتح بصيرتنا الداخلية لإدراك بنوتنا لله وعضويتنا في جسد المسيح، ونتعرف على أسرار محبة الله وتدبيره لخلاصنا. وفي سرّ الميرون يقدم لنا الروح القدس نفسه لنقتنيه داخلنا سراجًا إلهيًا يضيء بصيرتنا على الدوام، لتتعرف من يوم إلى يوم على حقائق الله والعالم والنفس البشرية والسماء، ويدخل بنا من معرفةٍ إلى معرفة، ومن نورٍ إلى نورٍ، ليس ليعطي لأذهاننا لذة فكرية، وإنما لكي ننطلق دومًا نمارس حياتنا الجديدة النورانية. بالروح القدس نتعرف على أسرار الله كقول الرسول: "أعلنهُ الله لنا نحن بروحهِ. لأن الروح يفحص كلَّ شيءٍ حتى أعماق الله. لأن مَنْ مِنْ الناس يعرف أمور الإنسان إلاَّ روح الإنسان الذي فيهِ؟! هكذا أيضًا أمور الله لا يعرفها أحد إلاَّ روح الله". (1 كو 2: 10-11) فبه ندخل إلى معرفة الابن الذي ينطلق بنا إلى حضن الآب، إذ "ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلاَّ بالروح القدس" (1 كو 12: 3). وكما أعلن السيد نفسه: "ومتى جاءَ المعزّي الذي سأُرسِلهُ أنا إليكم من الآب روح الحقّ الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي" (يو 15: 26). لهذا نردد قائلين: "بنورك يا رب نعاين النور" (مز 36: 9)، أي بالروح القدس نعاين نور الآب والابن. ينسب للروح القدس عطية الشركة، فهو سرّ الشركة بين الآب والابن، إذ هو منبثق من الآب مستقر في الابن، روح الآب وروح الابن. وكما يقول القديس أغسطينوس: [الآب ليس أبًا للروح القدس بل للابن، والابن ليس ابنًا للروح القدس بل للآب، أما الروح القدس فليس روح الآب وحده ولا روح الابن وحده، بل روح الآب والابن... لقد سُلمت إلينا فكرة العلة في الآب والبنوة في الابن والشركة في الروح القدس، والمساواة في الثلاثة (إذ هم إله واحد) وبذلك صارت مسرة الله أن ننال بواسطة من هو رابطة الوحدة بين أقنومي الآب والابن، الشركة مع بعضنا البعض والشركة مع الثالوث القدوس [259].] فبالروح القدس لا ندخل إلى مجرد استنارة فكرية، بل استنارة قلب واتحاد وشركة حب"، "لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس..." (رو 5: 5). استنارة خلال تلاقي المحبة الإلهية التي فيها نتحد مع الله فنتعرف عليه، ونتحد مع إخوتنا، فنعرفهم في الله. خلال هذه الشركة يصير الله صديقنا الأعظم يكشف لنا أسراره وخفاياه ونعاين مجده، وخلال هذه الشركة نتعرف على بعضنا البعض كأعضاء بعضنا لبعض خلال الرأس يسوع المسيح ربنا. خلال هذه الشركة يعطينا استنارة حقيقية على مستوى فائق، لهذا يؤكد لنا ألا نهتم أو نقلق في شيء، إذ هو يرشدنا ويتكلم فينا وبنا في أحرج اللحظات. يقول السيد المسيح: "فمتى أسلموكم فلا تهتمُّوا كيف أو بما تتكلمون. لأنكم تُعطَوْن في تلك الساعة ما تتكلمون بهِ. لأن لستم أنتم المتكلمون بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (مت 10: 20، راجع لو 11: 11-12). الروح القدس -واهب الشركة ومصدر الاستنارة- يعلمنا كل شيء ويذكرنا بوصايا السيد وكلماته (يو 14: 26)، ويرشدنا إلى جميع الحق (يو 16: 13). ولا يقف الأمر عند الماضي والحاضر وإنما يكشف لنا الأمور المقبلة: "يخبركم بأمورٍ آتية" (يو 16: 13). لما كان الله هو النور الحقيقي الذي “ليس فيهِ ظلمة البتَّة" (1 يو 1: 5)، فإن الروح القدس إذ يدخل بنا إلى حياة الشركة معه إنما ينقلنا من الظلمة إلى النور: "لأنكم كنتم قبلًا ظلمةً وأما الآن فنور في الرب". (أف 5: 8) وكما يقول القديس مقاريوس الكبير: [إذ تتحد (النفس) مع الروح المعزي بألفةٍ لا توصف، وتختلط بالروح تمامًا تُحسب أهلًا أن تصير هي نفسها روحًا، في اختلاطها معه حينئذ تصير كلها نورًا وعينًا وفرحًا وراحة وبهجة ومحبة وأحشاء وصلاحًا ورأفات [260].] ويرى القديس أمبروسيوس فيما فعله جدعون صورة حية لعمل الروح القدس الناري في نفوس المؤمنين، إذ أمر رجاله الثلاثمائة أن يأخذوا في أيديهم جرارًا فارغة يضعون في داخلها مشاعلهم المضيئة، وأن يمسكوا أبواقهم في أيديهم ليغلبوا المديانيين: [لقد أخذنا عن آبائنا القديسين تفسير هذه القصة كما تسلموه من الرسل،فالجرار هي أجساد البشرية المصنوعة من الطين، ولكنها لا تعرف الخوف إذا التهبت بحرارة الروح القدس ونعمته (واستنارت به)، فتشهد لآلام الرب يسوع وتعترف جهرًا بالإيمان به [261].] إنه يهبنا الاستنارة الداخلية، فيسند قلوبنا للدخول في المعركة وبلوغ الغلبة والنصرة! _____ الحواشي والمراجع: [259] Homilies on the Gospels, 21. [260] عظة 10:18. [261] On The Holy Spirit 14:167. |
||||
|