غيرة مثمرة ونشيطة
إن الغيرة هى عمل إيجابى، وليست مجرد كلام..
والعمل الايجابى لابد أن يكون له ثمر في ملكوت الله. وقد طلب الكتاب منا أن يكون لنا ثمر.. وقال " كل شجرة لا تعطى ثمرًا جيدًا، تقطع وتلقى في النار" (متى 3: 10).
والغيرة المقدسة إذا ملكت قلب إنسان، إنما تدفعه بقوة نحو خلاص نفسه ونحو خلاص الآخرين. فلتكن لك هذه الغيرة. وليكن لك معها الحب نحو الآخرين والسعى في ضمهم إلى الملكوت.
فإن لم تكن لك الغيرة الغيرة التي تدفعك إلى العمل على خلاص الناس، تصير حينئذ شجرة جدباء غير مثمرة.
هل تقبل أن تذهب إلى الله بدون ثمر روحى، بدون أن تكسب ولا نفسًا واحدة للمسيح؟! هل تقبل أن تكون شجرة جدباء عقيمة؟!
إن الكرمة إن كان فيها عنقود واحد مثمرًا، فلا تزال تحمل بركة. والعنقود إن كانت فيه حبة واحدة، فلا يزال يحمل بركة! (اش 65: 8)، وأنت ماذا تحمل؟! لعلك تستطيع أن تقف في الملكوت وتقول:
" هانذا والأولاد الذين أعطانيهم الرب" (اش 8: 18).
إذن كن مثمرًا في حياتك. فالإثمار وضع طبيعى للشجرة مادامت فيها حياة.. كن منتجًا ولا تكن سلبيًا..
هل أنت في كل يوم تضيف حصيلة جديدة إلى المكوت؟ وتسطيع أن توصل كلمة الله إلى غيرك؟
إن الأيام المباركة في حياتك، هى الأيام المثمرة.
هناك أيام عجيبة في حياة القديسين كانت بركة، وكانت لملكوت الله. ينطبق عليها قول الكتاب " يوم واحد عند الرب كألف سنة" (2بط 3: 8)..
لعل جيلنا الذي نعيش فيه، يصرخ ويصلى قائلا:
إننا يا رب لم نكن مستحقين أن نعيش في الجيل الذي رآك في الجسد ورأى كيف تعمل ولم نكن مستحقين كذلك أن نحيا في جيل بولس الرسول مثلا. ولكنها طلبة عزيزة نطلبها: امنحنا يومًا واحدًا فقط من حياة بولس.
أويومًا من حياة بطرس، أو من حياة أسطفانوس..
إن بطرس الرسول استطاع في يوم واحد أن يضم ثلاثة آلاف نفس إلى الإيمان (أع 2: 41). واسطفانوس بسببه "كانت كلمة الله تنمو، وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا.." (أع 6: 7). د
وبولس الرسول كان يربح على كل حال قومًا (1كو 9: 22).
كان يعمل في كل ميدان، مع كل أحد، مع كل أحد، مع اليهود، مع اليونانى، مع الذين بلا ناموس.. باسلوب إنسان خبير في خلاص النفس.. كم هى النفوس التي ستسير وراء بولس الرسول في الملكوت؟ أو ما هو الانتاج العظيم الذي كان له في ملكوت الله. يقينا أن هذا الإنسان لم يكن خادمًا عاديًا. حقا إنه على بولس وأمثال بولس، قال الكتاب: "ألم اقل أنكم ألهة، بنى العلى تدعون" (مز 82: 6)
بل كان بولس أعلى من هؤلاء (مز 82: 7)
انظر إلى الجبابرة في ملكوت الله، واشته أن تسير في طريقهم، واسأل نفسك في كل يوم: ما الذي فعلته أنا من أجل الملكوت؟
هل كنت أمينًا في كل خدمتى، وفي كل الوزنات التي وهبنى الله إياها؟ ومع كل الأنفس التى أقامنى الله خادمًا لها؟ وهل سأسمع صوته الحاني في اليوم الأخير يقول لي " نعمًا أيها العبد الصالح والأمين. كنت أمينا في القليل. فسأقيمك على الكثير. ادخل إلى فرح سيدك" (متى 25: 21). يعجبنى ذلك العبد الشاطر الذي قال لسيده: "مناك يا سيد ربح عشرة أمناء" (لو 19: 16).
هذه هى الغيرة الحقة المثمرة في ملكوت الله. لعلنا بالمقارنة معها نسأل أنفسنا:
ما الذي فعلناه نحن من أجل هذا الجيل الذي عشنا فيه؟ والذي هو أمانة في أعناقنا أمام الله وأمام الأجيال المقبلة..! ماذا كانت غيرتنا العملية على خلاصه؟!
ما هو العمل الخلاصي الذي ساهمت به الكنيسة؟ أم هل نظرنا وإذا حياتنا عميقة، وبلا قيمة، وغير منتجة!!
ما الذي عملنا من أجل جيل انتشرت فيه الإباحية والمادية والإلحاد؟ واصبح هناك واجب على أولاد الله:
أن يكونوا أنوارًا ساطعة في جبل مظلم.
هل قامت الكنيسة بهداية العالم، أم تشكل بعض أولادها بشكل العالم؟! هل أعطينا العالم الذي فينا، أم أخذنا منه شره هل عملنا وعلمنا العالم طرقنا الروحية، أم أخذنا من العالم أساليبه وحيله وسبله؟!
هل بغيرتنا صار العالم روحيًا، أم صور الروحيون كأهل العالم؟! ما الذي فعلناه لأجل الرب؟ هل نستطيع أن نقول مع السيد المسيح " العمل الذي اعطيتنى قد أكملته" (يو 17: 4). هل في زيارتنا وافتقادنا لأى بيت، نستطيع أن نرفع تقريرًا لله نقول فيه: "اليوم حصل خلاص لهذا البيت" (لو 19: 9)..
انظروا إلى يوحنا المعمدان، وماذا فعل لأجل جيله:
فى فترة قصيرة جدًا، استطاع أن " يهئ للرب شعبًا مستعدًا" (لو 1: 17) وأن يقود جماهير الشعب كله إلى معمودية التوبة " معترفين بخطاياهم " من أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن (متى 3: 5، 6). واستطاع أن يسلم العروس للعريس، ويقف فرحًا (يو 3: 29).. هذا هو الثمر العجيب لغيرة ملتهبة.
إن كان هؤلاء القديسون دروسًا لنا، فالطبيعة أيضًا كذلك:
فى إحدى المرات، وقفت في الدير أمام شجرة كافور ضخمة، شجرة ارتفاعها حوالى العشرين مترًا، وفيها فروع تحمل عشرات الآلاف من البذور، إن لم يكن مئات الآلاف. وتأملت بذرتها، فإذا هى صغيرة جدًا. وقد استطاعت هذه البذرة
الدقيقة، أن تنمو هذا النمو الهائل، وأن تطرح مئات الآلاف من البذور! وشعرت بضآلة نفسى أمام شجرة الكافور هذه، بل أمام فرع واحد منها، بل أمام هذه البذرة الدقيقة الصغيرة.
والدرس الذي نأخذه من شجرة الكافور، نأخذ مثله من النخلة.
نواة بلحة، تنمو كل هذا النمو، وتعلو كل هذا العلو، وتعطى هذا القدر العظيم من البلح، بآلاف عددها.. ثم أجلس وأعد عدد سنوات حياة هذه النخلة، ومقدار الثمر الذي اعطته في حياتها كلها. واشعر أيضًا بصغر نفسى أمامها.. ولعل داود خطر بنفسه هذا الخاطر حينما قال:
" الصديق كالنخلة يزهو" (مز 92: 12) ومع ذلك يقول إن الإنسان هو سيد الطبيعة.
وهو كاهن الطبيعة، وهو خليفة الله في أرضه.. هو الذي سلطه الله على النبات والحيوان والطيور.. هل استطاع أن يثمر مثلما تثمر النخلة، أو يزهر مثلما تزهر زنابق الحقل؟ هل استطاع أن يكون في عمله كمجرد نواة لبلحة؟!
اجتماع كإجتماعكم هذا ن لو كل شخص فيه، اتى بعشرة اشخاص معه، في غيرة منه لملكوت الله، كم يكون إذن أبناء الملكوت، لو توالت الأعداد.
لتكن لكم إذن غيرة على الملكوت. وليكن لغيرتكم ثمر، افقى وعمقى..
افقى من جهة العدد والامتداد والأنتشار. وعمقى من جهة النوعية والروح وعمق الصلة بالله..