27 - 12 - 2013, 06:25 AM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الثمرة الثالثة السلام يرغب كل إنسان في العيش بسلام ووئام مع نفسه ومع غيره، ولكن السؤال الكبير هو: كيف نحصل على السلام الحقيقي والدائم؟ وصلتني رسالة من طالبة تدرس للحصول على درجة الماجستير في الآداب، تقول إنها متعبة نفسياً، وإنها تكره نفسها، وتتعارك مع أهلها، وقد سئمت الحياة. وتسأل: هل أنا مجنونة؟ هل هناك علاج؟ وماذا عندنا لها من مساعدة.. وكتبتُ لها أن الاحتياج الأساسي للإنسان هو أن يجد السلام مع الله، وهذا يمنحه السلام الداخلي، الذي يثمر سلاماً مع المحيطين به. فالسلام الحقيقي يبدأ بالتوافق والانسجام مع الله، فيتبعه سلام مع النفس ومع الآخرين. والسلام في مفهومه الروحي العميق هو وجود الشيء في موضعه الطبيعي السليم، كما أراده الله للإنسان يوم خلقه وأسكنه جنة عدن. ففي الجنة كان سلامٌ بين الإنسان والله يتَّضح من الحوار الحبّي الذي كان يدور بينهما بانتظام (تكوين 8:3). وكان سلامٌ بين آدم وزوجته، يتَّضح من أن أول قصيدةٍ شعرية في التاريخ كانت قصيدة الحب التي نظمها آدمُ في زوجته حواء، وقال فيها: "هذه الآن عظمٌ من عظامي ولحمٌ من لحمي. هذه تُدعى امرأةً لأنها من امرءٍ أُخذَت" (تكوين 23:2). ولا شك أن أبوينا الأوَّلين كانا يستمتعان بالجنة الرائعة. ولكن لما دخلت الخطية إلى العالم ضاع السلام، فهرب آدم من ملاقاة الله بسبب خجله من عريه، ثم ألقى باللوم على حواء في ارتكاب المعصية! ولا يمكن أن يعود إلينا السلام مع الله ومع المحيطين بنا إلا برجوعنا إلى وضعنا الطبيعي السليم الذي أراده الله لنا أول الأمر، فنعود إلى الفردوس الذي فقدناه. وتُقدّم لنا التوراة نموذجاً رائعاً للسلام الروحي المستَمَدّ من الله، بغضّ النظر عن الظروف السيئة المحيطة بالإنسان، هو سلام المرأة الشونمية (2 ملوك 4). لم يكن عندها أولاد، وأعطاها الله ولداً بمعجزة أجراها الله على يدي النبي أليشع. ولكن الولد مات فجأةً بضربة شمس، فضاع منها الابن الذي حقق انتظارها الطويل. ومع ذلك كانت ممتلئةً بسلام الله. وألهمها هذا السلام الحل، فأرقدت ولدها الميت على سرير النبي أليشع، وطلبت من زوجها أن يرسل لها من يوصِّلها إلى حيث كان النبي. وعندما سألها زوجها على سبب رغبتها في الذهاب لمقابلته، قالت: سلام. وعندما التقت بالنبي سألها عن سبب مجيئها، فكررت له ثلاث مرات: سلام! ولا يمكن أن تقول الشونمية إنها في سلام إلا إن كانت تجاوب إجابةً روتينية بلا معنى، أو أنها كانت تخدع نفسها لأن مفاجأة موت وحيدها صدمتها فأفقدتها اتِّزانها، أو أنها فعلاً كانت تملك شيئاً فوق عادي! والذي يقرأ سيرة حياة الشونمية يكتشف أنها كانت تملك شيئاً لا يمكن للعالم أن يعطيه، هو سلام الله الذي يفوق كل عقل، وهو الذي حفظ قلبها وفكرها في سلام، ساعة شدَّة تجربتها، فسيطرت على عواطفها أمام صدمةٍ تهزُّ اتزان معظم الناس. إنه ثمر الروح: سلام. ما أحوجنا إلى هذا السلام! وعندي خبر مُفْرح لجميعنا: أنه يمكننا أن نحصل على سلام الله الكامل إن نحن سلَّمنا أنفسنا تماماً للروح القدس ليثمر فينا ثمرة السلام، فهذا ما وعدنا الله به، في القول الرسولي: "وثمر البر يُزرَع في السلام من الذين يفعلون السلام" (يعقوب 18:3). قال كلايف إس لويس إن الإنسان يشبه سفينةً في بحر الحياة، تتَّجه نحو هدفٍ معيَّن. ولكن تهددها ثلاثة أخطار يمكن أن تعطلها عن بلوغ هدفها: 1 - خلل في آلاتها يمنعها من الوصول إلى وجهتها. 2 - حرب أهلية بين بحارتها. 3 - اصطدامها بسفن أخرى تبحر من حولها. ويكمن السلام في سلامة أجهزة السفينة، والتوافق بين بحارتها، وعدم اصطدامها بالسفن المحيطة بها لأنها منتبهة لخطأ الغير. ولكي نعيش في سلام، يجب أن نطلب من الله أن يصلح كل خللٍ داخلنا، وأن يعطينا سلاماً داخلياً، فلا نكون ذوي رأيين، وأن يساعدنا حتى لا نصطدم بمن هم حولنا. ولو أخذنا هذه البركات الثلاث لاستطعنا أن نعيش في سلام، فنحقق الهدف الذي نريد أن نحققه، ونصل إلى الجهة التي نريد أن نصل إليها. ويتم هذا لنا بنعمته وبعمل الروح القدس فينا. أولاً: الروح القدس يصلح خلل النفس أساس كل نجاح في الحياة هو السلام مع الله، لكن الخطية دمَّرت هذا السلام، وجعلت الإنسان يهرب من إلهه. فعندما أخطأ آدم أبونا الأول وأكل من الشجرة الممنوعة، هرب من ملاقاة ربه، ولم يعد قادراً على الحديث معه، لأنه لم يعد المخلوق الرائع الذي خلقه الله، بل المخلوق العاصي الذي أغواه إبليس. وفي هذا قال الرسول بولس: "بإنسانٍ واحدٍ دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع" (رومية 12:5). لقد أخطأ آدمُ فأخطأت ذريته، وهبط من الجنة، وصار الناس بعضهم لبعض عدوّاً، حتى قتل الأخ أخاه. وكان هذا أعظم خللٍ أصاب حياة الإنسان، فأخطأ الأهداف الصالحة كلها. لكن كم نشكر الله، لأنه دبَّر للبشر الساقطين خلاصهم، بفضل ما فعل المسيح لأجلهم إذ كفَّر عنهم سيئاتهم على الصليب، وبفضل فعالية الروح القدس الذي يقدِّس حياتهم، فيعيد لهم سلامهم المفقود مع الله. لقد فصَلَت خطايانا بيننا وبين الله، فصدر حكم الموت الأبدي علينا. ولكن شكراً لله لأن روحه يُعيد خلقنا، كما يقول المرنم: "تنزع أرواحها فتموت، وإلى ترابها تعود. ترسل روحك فتُخلق، وتجدد وجه الأرض" (مزمور 29:104). ويصوِّر لنا النبي إرميا فكرة إعادة الخلق هذه في مثلٍ جميل، فقد أمره الله أن يذهب إلى محل الفخاري، حيث كان الفخاري يصنع وعاءً من فخار. وفسد الوعاء، لأن قطعة الطين تفتَّتت وتناثرت. ولكن الفخاري لم يلقِها ولا أهملها، بل جمع الطين، وأزال منه ما سبَّب تفتُّته وضياع تجانسه: ربما كانت قطعة منه أكثر جفافاً، أو ربما زاد الماء في قطعةٍ منه عن البقية. وأعاد الفخاري سباكة قطعة الطين لتتجانس، ووضعها على دولابه من جديد، وأعاد صنع الوعاء كما أراد (إرميا 18). وقال الله للنبي إرميا إن البشر بيد الله كالطين بيد الفخاري، يريد أن يصنع منهم إناءً جميلاً، لكنهم يفسدونه بسبب قساوةٍ في قلوبهم، أو تسيُّبٍ في سلوكهم، فيعيد الله صنعهم من جديد. إنه يرسل روحه فيخلق الفاسد خليقةً جديدة، تغيِّر كل حياته وتصرفاته، فيتحقق له القول: "إن كان أحدٌ في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديداً.. أي إن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه، غير حاسبٍ لهم خطاياهم.. لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطيةً لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه" (2كورنثوس 17:5 و19 و21). فتقول مع كل من غيَّر الرب حياته: "لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمالٍ صالحة، قد سبق الله فأعدَّها لكي نسلك فيها" (أفسس 10:2). لقد دبَّر الله سترنا بكفارة المسيح، فأصبح سلامنا مع الله ممكناً لأنه مبنيٌّ على أساس سليم، هو الفداء بالذبح السماوي العظيم. وفي هذا يقول الرسول بولس: "إذ قد تبرَّرنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (رومية 1:5). بهذا تنبَّأ النبي إشعياء قبل الصليب بسبعمائة سنة، وقال عن المسيح: "مجروحٌ لأجل معاصينا، مسحوقٌ لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحُبُره (جراحه التي لم تلتئم) شُفينا. كلنا كغنمٍ ضللنا، مِلنا كل واحدٍ إلى طريقه، والربُّ وضع عليه إثم جميعنا" (إشعياء 5:53 و6). وقال الرسول بطرس في موعظته في بيت كرنيليوس: "بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه، بل في كل أمة الذي يتَّقيه ويصنع البر مقبول عنده.. الكلمة التي أرسلها إلى بني إسرائيل يبشر بالسلام بيسوع المسيح. هذا هو رب الكل.. له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا" (أعمال 34:10-43). فبفضل فداء المسيح لنا وكفارته عنا تُغفَر كل خطايانا، ويسود السلام علاقتنا مع الله. فإن كنت ترى في حياتك خللاً يدمر سلامك، فالجأ إليه طالباً مراحمه، فيغفر ذنبك، ويمحو معصيتك، ويملأ قلبك وعقلك بفيض سلامه. ثانياً: الروح القدس يضمن السلام الداخلي قال الله على فم النبي إشعياء لمن فقد سلامه بسبب بُعده عن الله: "ليتك أصغيتَ لوصاياي، فكان كنهرٍ سلامك" (إشعياء 18:48). فالإنسان يحيا في حربٍ داخلية مستمرة، وصفها الرسول بولس بالقول: "فإننا نعلم أن الناموس روحي، وأما أنا فجسدي مبيعٌ تحت الخطية.. إذ لستُ أفعل ما أريده، بل ما أبغضه فإياه أفعل.. فإني أعلم أنه ليس ساكنٌ فيَّ (أي في جسدي) شيءٌ صالح، لأن الإرادة حاضرةٌ عندي، وأما أن أفعل الحُسنى فلستُ أجد، لأني لستُ أفعل الصالح الذي أريده، بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل" (رومية 14:7-20). ووصف الرسول بولس هذه الحرب الداخلية مرة أخرى بقوله: "الجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون" (غلاطية 17:5). ولكن عندما يسود الروح القدس على حياتك وتصرفاتك تنتصر في هذه الحرب الداخلية، وتقف في جانب الله، وتقدر أن تطيع الوصية الرسولية: "اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد.. الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات. إن كنا نعيش بالروح فلنسلك أيضاً بحسب الروح" (غلاطية 16:5 و24 و25). وعندما تسلك بحسب الروح تكون في سلامٍ فيّاض مع الله، يكون لك كنهرٍ دافق تغمر نفسك فيه بعمق، وتقول منتصراً على حربك الداخلية: "ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت" (رومية 2:8). عندما يثْبُت المؤمن الممتلئ من الروح القدس في المسيح، ويعتمد عليه اعتماداً كاملاً، يكون سلامه مستمراً، ويحقُّ عليه الوصف: "ذو الرأي المُمَكَّن تحفظه سالماً سالماً، لأنه عليك متوكل. توكلوا على الرب إلى الأبد، لأن في ياه الرب صخر الدهور" (إشعياء 3:26 و4). فالمؤمن الممتلئ بالروح لا يسير على رمالٍ متحركة، يهبط ويدور فيها على غير هدى، بل يسير على صخر ثابت، فيصل إلى هدفه لأن الرب يسنده، و"هو الصخر الكامل صنيعه. جميع سبُله عدل. إلهُ أمانةٍ لا جَوْر فيه. صِدِّيقٌ وعادلٌ هو" (تثنية 4:32). ولا يسير المؤمن الممتلئ بالروح القدس على طين الحمأة فتنزلق خطواته، لأنه يشارك المرنم اختباره الذي قال فيه: "انتظاراً انتظرتُ الرب فمال إليَّ وسمع صراخي، وأصعدني من جُب الهلاك، من طين الحمأة. وأقام على صخرة رجليَّ. ثبَّت خطواتي، وجعل في فمي ترنيمةً جديدة، تسبيحةً لإلهنا. كثيرون يرون ويخافون ويتوكلون على الرب" (مزمور 1:40-3). أيها القارئ الكريم، إن كنت قد امتلأت من الروح القدس، وإن كان يسيطر على تصرفاتك، ستكون لك كل وعود الله الصالحة التي قدمها المسيح لتلاميذه. وأذكر منها وعدين، قالهما لهم في العلية، قبل أن يلقي اليهود القبض عليه مباشرة ليصلبوه: * قال المسيح: "سلاماً أترك لكم، سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب" (يوحنا 27:14). وقتها قال المسيح لتلاميذه إنه ذاهب للآب ليرسل لهم الروح القدس ليملأهم ويمنحهم السلام الكامل. هذا السلام ليس نوعاً من اللامبالاة أو السلبية أو الهروب من الأزمات، لكنه اطمئنان القلب الداخلي، وثقته أن كل ما يدور حوله هو من صنع يدي الله، صاحب السلطان في السماء وعلى الأرض. ولم يكن سلام المسيح مجرد درسٍ يتعلّمه تلاميذه بعقولهم، لكنه عطية سماوية، يصير أسلوب حياة. هذا السلام هو في المسيح، وهو من نصيب كل من يتبعه، ويسلّم نفسه له، ويخضع نفسه لعمل الروح القدس. * وقال المسيح: "كلَّمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام. في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يوحنا 33:16). عندما نتمسك بهذه المواعيد الإلهية بكل طاقاتنا ننال هذا السلام. أما الأشياء المادية التي يظن البشر أنها تعطيهم السلام فهي واهية كخيوط العنكبوت التي لا تفيد شيئاً. ولقد تحقق هذان الوعدان العظيمان لتلاميذ المسيح. وكنموذجٍ لذلك نتأمل ما حدث مع الرسول بطرس. فقد ألقى الملك هيرودس القبض على يعقوب أخي يوحنا، وقتله. وفرح اليهود لذلك كثيراً. ولما كان هيرودس مكروهاً من الشعب، أراد أن يسكّن غضبهم عليه ويُشغلهم عن أمور السياسة، فقدَّم لهم كبش فداءٍ آخر، هو الرسول بطرس، فألقى القبض عليه وسجنه، استعداداً لإعدامه (أعمال 1:12-5). وفي ليلة الإعدام نام بطرس نوماً عميقاً، لا هروباً من المشكلة، بل نوم الطمان والسلام، لأن وعد المسيح بالسلام تحقَّق له، وأحدث التوازن الداخلي بينه وبين ضغوط العالم عليه من خارج. اختبر الرسول بطرس قوة ناموسٍ أعلى من ناموس الخوف، هو ناموس روح الحياة في المسيح، وهو الذي رفعه، كما يمكن أن يرفعنا فوق الضغوط التي تجذبنا إلى أسفل، فيحفظ سلامُ الله قلوبنا وأفكارنا. ثالثاً: الروح القدس يضمن عدم اصطدامنا بالغير ما أكثر السفن التي تسافر معنا على بحر الحياة، وما أكثر اختلاف اتجاهاتها! وقد يكون بأجهزتها خلل فتصطدم بنا. ويحذِّرنا الرب من خطر هذا الاصطدام لأنه يشكل خطراً كبيراً علينا، فيقول الوحي: "إن كان ممكناً فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس" (رومية 18:12) فهناك أشخاصٌ ذوو ميولٍ عدوانية أكثر من اللازم يجب أن نحترس من اصطدامهم بنا. وهناك وعدٌ لنا أن نعيش في سلام فلا يصدمنا غيرُنا، إن كنا نحذر خطأ الغير، فيقول الوحي لنا بخصوصهم: "لا يغلبنَّك الشر، بل اغلب الشر بالخير" (رومية 21:12).. كما أن هناك أمراً لنا ألاّ نخطئ فنصدم غيرنا، ويقول الوحي لنا بخصوص هذا: "فلنعكف إذاً على ما هو للسلام والبنيان بعضُنا لبعضٍ" (رومية 19:14). وكلما سيطر الروح القدس علينا يعمِّق علاقتنا بالله فنرتفع فوق الاصطدام بالآخرين. يطالبنا الله أن نجتهد لنعيش في سلام مع الآخرين، ويعطينا في خليل الله إبراهيم نموذجاً عظيماً في صنع السلام. فنحن نعلم أن لوطاً، ابن أخي إبراهيم، كان يتيماً فتبنَّاه إبراهيم وأخذه معه إلى أرض الميعاد. وزادت ثروة لوط جداً بفضل إبراهيم، ولكن حدثت مخاصمةٌ بين رعاة مواشي لوط ورعاة مواشي إبراهيم، فأدرك إبراهيم خطورة هذا العراك الذي يهدده ويهدد لوطاً في الوقت نفسه، لأن جيرانهما من الكنعانيين سينتهزون فرصة هذا الخصام ويلتهمونهما أحياء. وفي سبيل السلام استدعى إبراهيم لوطاً وقال له: "لا تكن مخاصمة بيني وبينك وبين رعاتي ورعاتك، لأننا نحن أخوان. اعتزِل عني. إن ذهبتَ شمالاً فأنا يميناً، وإن يميناً فأنا شمالاً". وهذه حكمة عظيمة من إبراهيم، نتعلم منها أن نبتعد عن سبب الخصام بالانفصال الجغرافي عنه، لنمنع تكرار حدوثه. ولكن هذا الانفصال الجغرافي لم ينقِص محبة إبراهيم لابن أخيه ولا أنقصها. لقد ظهرت محبة إبراهيم للوط لما أعطاه الفرصة الأولى في اختيار المكان الذي يحب أن يقيم فيه، فاختار لوط الأرض الخصبة. ثم ظهرت محبة إبراهيم للوط بطريقة أوضح لما أسرع لمساعدته عندما أُخذ لوط وعائلته أسرى، فأسرع إبراهيم ورجاله بإنقاذ لوط من يد الغزاة. ولم يعتبر إبراهيم أن سقوط لوط في يد الأعداء عقاب من الله للوط، ولا شمت في حماقة ابن أخيه! فقد كان الانفصال بين إبراهيم ولوط جغرافياً فقط، ولكن إبراهيم لم يهجر لوطاً عاطفياً، ولا أسقطه من حسابه. وبعد أن أنقذ إبراهيم لوطاً، استمر كلٌّ منهما في المكان الذي اختاره ليعيش فيه، رغبةً من إبراهيم في إبعاد سبب الخصام، وفي استمرار السلام (تكوين 13 و14). يمنحنا الله السلام الداخلي، ويعطينا الحكمة لنتصرف حسناً مع من يسبِّبون لنا المتاعب. وما أجمل النصيحة الرسولية: "كونوا جميعاً ذوي محبة أخوية، مشفقين لطفاء، غير مجازين عن شر بشر، ولا عن شتيمة بشتيمة، بل بالعكس مبارِكين، عالمين أنكم لهذا دُعيتم لترثوا بركة. لأن من أراد أن يحب الحياة ويرى أياماً صالحة، فليكفف لسانه عن الشر وشفتيه عن أن تتكلما بالمكر. ليُعرِض عن الشر ويصنع الخير. ليطلب السلام ويجدّ في أثره، لأن عيني الرب على الأبرار وأذنيه إلى طلبتهم. ولكن وجه الرب ضد فاعلي الشر" (1بطرس 8:3-12). ولن يكون كل الناس مشابهين لنا في كل شيء. وقد تكوَّنت الكنيسة أول الأمر من أعضاء جاءوا من خلفية يهودية كتابية، وآخرين جاءوا من خلفية وثنية، ولكن المسيحيين (من الخلفيتين) عاشوا في سلامٍ بفضل المسيح وعمل الروح القدس "لأنه هو سلامنا، الذي جعل الاثنين واحداً، ونقض حائط السياج المتوسط، أي العداوة.. لكي يخلق الاثنين في نفسه إنساناً واحداً جديداً، صانعاً سلاماً، ويصالح الاثنين في جسدٍ واحدٍ مع الله بالصليب، قاتلاً العداوة به، فجاء وبشَّركم بسلامٍ أنتم البعيدين والقريبين" (أفسس 14:2-17). "طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يُدعَون" (متى 9:5). صلاة كم أشكرك يا إلهي لأن المسيح يشاركني في سلامه الشخصي، فيقول "سلامي أعطيكم". أعطني هذا السلام الذي يُصلِح من أمري، ويعيد لي كل الامتيازات التي سلبَتْها الخطيةُ منّي، ويضمن لي السلامة الداخلية العميقة داخل نفسي، والسلامة الخارجية مع المحيطين بي. أكرمني بأن تجعل مني صانع سلام، حتى لو كلفني هذا الكثير. آمين. |
||||
27 - 12 - 2013, 06:27 AM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الثمرة الرابعة طول الأناة ما أعظم طول أناة الله على البشر جميعاً، سواء كانوا من المؤمنين به، أو من الكافرين بوجوده، لأنه يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبِلون (1تيموثاوس 4:2). في هذا قال النبي يوئيل: "ارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف رحيم، بطيء الغضب وكثير الرأفة، ويندم على الشر" (يوئيل 13:2). وما أعظم طول أناة المسيح على الخاطئ المنغلق على نفسه، وهو يقف بباب قلبه يقرع، لعله يسمع النداء السماوي فيفتح. ويقول المسيح: "هئنذا واقفٌ على الباب وأقرع. إن سمع أحدٌ صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي" (رؤيا 20:3). وما أعظم أناة الله على المؤمن وهو يسقط ويخطئ، فيقول له: "أُعلّمك وأرشدك الطريق التي تسلكها. أنصحك. عيني عليك" (مزمور 8:32). ويقول الكرام لصاحب الكرم في شأن التينة غير المثمرة: "يا سيد، اترُكها هذه السنة أيضاً، حتى أنقب حولها وأضع زبلاً" (لوقا 8:13). وعلى المؤمن أن يتمثَّل بالأناة الإلهية، ليكون التلميذ كمعلّمه والعبد كسيّده (متى 25:10) فيحتمل المتاعب والاضطهادات والتجارب في ثبات وفرح ورجاء، ويحتمل ضعفات الغير بوداعة وصبر، ناظراً إلى عيوبه وضعفاته (غلاطية 1:6). ولو أن ثمرة طول الأناة سادت على الناس لأصبحت أرضنا سماءً، لأن كل من يطيل أناته على غيره يحصل على السلام مع الآخرين ومع نفسه. لنتصوَّر زوجاً يطيل أناته على زوجته لو تأخرت في إعداد الطعام، أو عن موعدٍ هام. ولنتصوَّر أُماً تطيل أناتها على ولدها وهو يعصى ما نصحته به، فيحطم الأثاث، أو يسكب مشروبه على البساط. ولنتصوَّر مدرِّساً يطيل أناته على طالب متعثِّر فيستمر يشرح له درسه حتى يستوعبه. ولنتصوَّر رئيساً يطيل أناته على مرؤوسه رغم أنه كرر عليه التعليمات. ولنتصوَّر مرؤوساً يطيل أناته وهو يستمع إلى أوامر رئيسه التي تتقاطر عليه، بغير ملل ولا تذمُّر.. أليست هذه هي السماء على الأرض؟ لابد أننا نواجه إساءاتٍ كثيرة بغير حق. فلنأتِ إلى الروح القدس، الأستاذ الأعظم في طول الأناة، نسأله أن يمنحنا ما يعوزنا من طول البال. وسنجد في أيوب، إمام الصابرين، خير مثالٍ في ذلك. فقد نزلت به الكوارث واحدةً بعد الأخرى، لغير ذنبٍ جناه، فلم ينكسر أمامها، بل خرَّ على الأرض وسجد، وقال: "عرياناً خرجتُ من بطن أمي، وعرياناً أعود إلى هناك. الرب أعطى والرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركاً". في كل هذا لم يخطئ أيوب، ولم ينسب لله جهالة (أيوب 21:1 و22). وقالت له زوجته، وهي ترى شدة أمراضه: "أنت متمسِّك بعدُ بكمالك! العن الله ومُتْ". فأجابها: "تتكلّمين كلاماً كإحدى الجاهلات! أالخير نقبل من عند الله والشر لا نقبل؟" في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه (أيوب 9:2 و10). واتَّهمه أصحابه أنه لا بدَّ ارتكب من المعاصي ما يستحق عليه ما أصابه من كوارث، فقال له صديقه أليفاز: "اذكُر من هلك وهو بريء، وأين أُبيد المستقيمون؟" (أيوب 7:4) فأجاب: "لم أجحد كلام القدوس" (أيوب 10:6). إن الذين يشاركون المسيح آلامه، ويتشبَّهون بموته، يبلغون إلى قيامة الأموات (فيلبي 10:3 و11) و"إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجَّد أيضاً معه.. فإن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلَن فينا" (رومية 17:8 و18). وعندما يعطينا الروح القدس ثمرة طول الأناة، نزيد حكمةً. ويحدّثنا الوحي عن البركات التي وهبها الله لسليمان، فيقول: "أعطى الله سليمان حكمةً وفهماً كثيراً جداً، ورَحْبَة قلبٍ كالرمل الذي على شاطئ البحر. وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بني المشرق وكل حكماء مصر" (1ملوك 29:4 و30). و"رحبة القلب" هي طول الأناة. فلنطلب ثمرة طول الأناة من الروح القدس لنحيا بحكمة مثل حكمة سليمان. أولاً: ما هي ثمرة طول الأناة؟ هناك أربعة تعاريف لطول الأناة: 1 - ثمرة طول الأناة هي الثبوت والصمود تحت ضغط حمل ثقيل، بدون غضب ولا تفكير في الانتقام: كلنا نحيا تحت ضغوط. والإنسان الذي أنعم الله عليه بطول الأناة هو الذي يصمد تحت هذه الضغوط بدون أن يتذمر أو يهرب أو يغضب أو يفكر في الانتقام. تضعنا الأسرة تحت ضغوط، فالزوج يتوقع من زوجته أشياء معينة، وهكذا تفعل هي. ومنذ أن يبدأ الطفل جنيناً ثم يولد ويكبر يشكّل على الأبوين ضغوطاً. وهكذا يفعل العمل اليومي الذي يقوم به الإنسان.. وهناك ما هو أصعب من هذا كله: توقُّع الإنسان من نفسه بما يفوق طاقاته، فهو يريد أن ينجح ويتفوَّق ويتقدم ويرتقي عند الله والناس، ويُشكِّل هذا عليه ضغوطاً لا تنتهي! وكل هذه الضغوط يمكن أن تحطمنا لو أننا لم نتمتع بثمر الروح القدس: طول الأناة. لقد واجه الرسول بولس بعض هذه الضغوط، لكنه لم يسمح لها أن تضايقه، فقال: "مكتئبين في كل شيء، لكن غير متضايقين (بمعنى أن الاضطهادات زحمته، لكنها لم تمنعه عن القيام بخدمته لله). متحيِّرين، لكن غير يائسين (بمعنى أنه لم يكن يعرف كيف ينجو من المعطلات، ولكنه لم يقطع الأمل في أن الله سيرشده وينجيه ويفتح له أبواب الكرازة). مضطهَدين، لكن غير متروكين (بمعنى أنه مضطهَدٌ من الناس، لكن غير متروك من الله). مطروحين، لكن غير هالكين (بمعنى أنه قد يُطرح للسياط، ولكنه يقوم ليكرز). حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع، لكي تظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا (بمعنى أنه يتألم كما تألم المسيح، ولكن المسيح يحيا فيه)" (2كورنثوس 8:4-10). إن كنت قد اختبرتَ (من أجل المسيح) حمل صليب ثقيل، وقد تسمَّرت يداك ورجلاك فعجزت عن الحركة، فثِق أن المسيح الذي تخدمه سيمنحك بروحه القدوس طول الأناة، فتثبت تحت الحمل "لأنه قد وُهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضاً أن تتألموا لأجله" (فيلبي 29:1). ولا بد أن ينزاح عنك هذا الحمل، لأن النصرة النهائية هي للمسيح، ولكل من يتَّحدون به. 2 - ثمرة طول الأناة هي غفران الأذى لمن ننتظر منه الكثير: قدرتنا أن نغفر لإنسانٍ لا نعرفه، أو لإنسانٍ نتوقع منه الأذى أسهل بكثير من قدرتنا على الغفران لشخصٍ نحبه ونتوقع منه كثيراً. فليُعطنا الله النعمة أن لا نتوقع كثيراً من أحد حتى لا يخيب أملنا، لأنه لا يوجد إلا واحدٌ وحيد يستحق أن نتوقع منه، لا يخيِّب أمل من ينتظره، هو الصديق الألزق من الأخ، الرب يسوع المسيح. أما البشر فلا يجب أن ننتظر منهم كثيراً. على أن قِلَّة ما نتوقعه من الآخرين لا يجب أن يقلِّل مسؤوليتنا من نحوهم. فليجدوا فيك دوماً أملاً يتحقق، حتى لو لم يحققوا لك آمالك فيهم. إن ثمرة طول الأناة تعني أن تغفر للقريبين منك كما للبعيدين عنك، فتغفر لمن تحبهم، كما تغفر لمن لا يحبونك. ما أشدَّ حاجتنا لممارسة طول الأناة مع شريك الحياة، ومع الأشقّاء، ومع الأبناء، ومع الأصدقاء، فنحب قريبنا كما نحب نفوسنا، ونحتمل الأذى ممن نتوقع منهم الكثير. سافر الرسول بولس إلى روما وأقام فيها سنتين، ينتظر حتى تُعرَض قضيته أمام الإمبراطور نيرون. وقضى كل هذا الوقت يخدم ويكرز. وعندما جاء موعد نظر القضية يقول بولس: "في احتجاجي الأول لم يحضر أحد معي. بل الجميع تركوني".. ألم يكن الرسول بولس يستحق أن يقف معه واحدٌ من المؤمنين المتقدمين؟ ألم يربح واحداً للمسيح يتطوَّع ليسانده؟.. ولكنه علَّمنا درساً في غفران الجحود ممن ننتظر منه الكثير، في قوله: "لا يُحسَب عليهم. ولكن الرب وقف معي وقوّاني لكي تُتم بيَّ الكرازة، ويسمع جميع الأمم، فأُنقِذتُ من فم الأسد (الإمبراطور نيرون)" (2تيموثاوس 16:4-18). ولا شك أنه طبَّق قوله: "ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا" (رومية 37:8). 3 - ثمرة طول الأناة هي الاستمرار في العمل الصالح دون يأس: طويل الأناة هو الذي يستمر يعمل الصلاح بغير كلل أو فشل، صامداً بصبر وبمحبة. هكذا كان المسيح مع تلاميذه. فلو أن المسيح يئس وهو يعلّم تلاميذه لتوقَّف عن تعليمهم، ولَكانت النتيجة أن رسالة الإنجيل المفرحة لم تكن تصلنا. قال لتسعة منهم بعد نزوله من جبل التجلي: "أيها الجيل غير المؤمن، إلى متى أكون معكم؟ حتى متى أحتملكم؟" (مرقس 19:9). وبالرغم من قلة إيمانهم احتملهم وصبر عليهم! وحذَّر المسيحُ بطرسَ من أن بطرس سينكره ثلاث مرات. وكان بطرس واثقاً في نفسه أكثر من اللازم، ولم يكن يعرف نفسه صحيح المعرفة، فقال للمسيح: "إن شكَّ فيك الجميع فأنا لا أشكّ". ولكنه للأسف أنكر سيده ثلاث مرات (متى 69:26-75). ورغم هذا لم ييأس المسيح من بطرس، فدعاه ذات صباح على شاطئ بحيرة طبرية وأطعم جوعه وقال له: "يا سمعان بن يونا، أتحبني؟" وكرر عليه سؤاله ثلاث مرات ليمحو إنكاره المثلث (يوحنا 15:21-17). إن الله يتأنى علينا، وهو لا يشاء أن يهلك أناسٌ، بل أن يُقبِل الجميع إلى التوبة. فلنحسب أناة ربنا خلاصاً (2بطرس 9:3 و15). قال الرسول بولس إن المحبة تتأنى وترفق (1كورنثوس 4:13). ولقد تأنَّت محبة الله عليه، وهي لا تزال تتأنى علينا وترفق بنا. وبرهن الرسول هذه الأناة من اختباره، فقال: "أنا الذي كنتُ قبلاً مجدفاً ومضطهِداً ومفترياً. ولكنني رُحمت لأني فعلت بجهل، في عدم إيمان. وتفاضلت نعمة ربنا جداً مع الإيمان والمحبة التي في المسيح يسوع. صادقةٌ هي الكلمة ومستحقةٌ كل قبول: أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلِّص الخطاة الذين أوَّلهم أنا. لكنني لهذا رُحمت ليُظهِر يسوع المسيح فيَّ أنا أولاً كل أناة، مثالاً للعتيدين أن يؤمنوا به للحياة الأبدية" (1تيموثاوس 13:1-16). لقد أطال الله أناته على بولس فخلَّص نفسه، وهو يطيل أناته على الجميع حتى يخلصوا. وما أن يذكر الرسول بولس كل ما فعله الله معه ومع سائر المؤمنين حتى يهتف: "وملك الدهور الذي لا يفنى ولا يُرى، الإله الحكيم وحده، له الكرامة والمجد إلى دهر الدهور. آمين" (1تيموثاوس 17:1). 4 - ثمرة طول الأناة هي عدم توقُّع النتائج بسرعة: يفضّل البشر كل ما هو سهل وسريع لأنهم لا يريدون أن يتعبوا. ولكن الله في محبته يطيل أناته علينا وينتظر أن نفتح له باب قلوبنا ليدخل ويُشبِع احتياجاتنا الأساسية. كم من محاولةٍ بُذلت لتجديد شاول الطرسوسي: لقد سمع الكثير عن المسيح ومعجزاته، وشاهد رجم استفانوس الشهيد المسيحي الأول وسمع صلاته: "يا رب لا تُقِم لهم هذه الخطية!" (أعمال 60:7). ولابد أنه سمع بقول المسيح على الصليب: "اغفِر لهم يا أبتاه، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون!" (لوقا 34:23). ومع ذلك لم يقرر أن يقبل المسيح مخلِّصاً. لقد كان راضياً بقتل استفانوس، وكان يلقي القبض على المسيحيين. ولكن الرب أطال أناته عليه، حتى أدركه بنعمته في الطريق إلى دمشق، وأشرق عليه بنوره الأشد لمعاناً من نور الشمس، وغيَّر حياته تماماً. وهكذا خلَّصت أناة الرب ورحمته شاول، وخلقت منه بولس الرسول. ولا بد أن طول أناة الرب عليك تخلّصك، وتجعل منك إنساناً عظيماً في المسيح. ولا بد أن طول أناتك على الآخرين تخّلصهم بالمسيح وللمسيح، فثمر الروح هو طول الأناة والاستمرار بدون يأس مع الآخرين، تتميماً لنصيحة الرسول بولس لتلميذه: "اكرِز بالكلمة. اعكُف على ذلك في وقتٍ مناسب وغير مناسب. وبِّخ، انتهِر، عِظ بكل أناة وتعليم" (2تيموثاوس 2:4). لقد تعّلم بولس طول الأناة من أناة الرب عليه، فأطال هو أناته على الخطاة وعلى المؤمنين، وخدم واستمر يخدم، واحتمل الآلام من اليهود، ومن الوثنيين، ومن المسيحيين بالاسم، ومن المسيحيين الضعفاء الذين أنكروا رسوليَّته. وقدَّم الرسول بولس نصيحة لقسوس كنيسة أفسس، قال لهم فيها: "كنتُ معكم كل الزمان أخدم الرب بكل تواضع، ودموع كثيرة، وبتجارب أصابتني بمكايد اليهود. كيف لم أؤخِّر شيئاً من الفوائد إلا وأخبرتكم وعلّمتكم به جهراً وفي كل بيت، شاهداً لليهود واليونانيين بالتوبة إلى الله والإيمان الذي بربنا يسوع المسيح" (أعمال 18:20-21). ثانياً: كيف نحصل على طول الأناة؟ يولد بعضنا وينشأ في بيوتٍ تمارس طول الأناة أكثر من غيرها. وهذه بركة طبيعية نتيجة الاستعداد الشخصي، والبيئة، والتربية. ويمارس صاحبها فضيلة طول الأناة ما دامت الضغوط في حدود قدرته الذاتية. ولكن عندما تزيد الضغوط ينفجر صاحبها ويفقد أناته.. وهنا لا بد من نعمة فوق عادية تساعد الإنسان على مواجهة الضغوط فوق العادية، تأتيه من فضيلة فوق عادية هي: "ثمر الروح: طول أناة". وإليك ثلاث نصائح للحصول على طول الأناة كثمرة من ثمر الروح القدس: 1 - تسليم أكثر للروح القدس: كلما سّلمنا أنفسنا أكثر للروح القدس وخضعنا لتوجيهاته، يعمل فينا، ويجعل نفَسَنا أطول. كلنا يحتاج لملء الروح الفائض ليسيطر على أفكارنا وأقوالنا ومشاعرنا. فلنُسِكِّن نفوسنا أمامه ليزيل الغضب من داخلنا، وليعلّمنا ويغرس فينا فكر المسيح الذي شرحه الرسول بطرس في قوله: "لأنكم لهذا دُعيتُم: فإن المسيح تألَّم لأجلنا، تاركاً لنا مثالاً لتتبعوا خطواته. الذي لم يفعل خطية ولا وُجِد في فمه مكرٌ. الذي إذ شُتم لم يكن يشتم عوضاً، وإذ تألم لم يكن يهدِّد بل كان يسلّم لمن يقضي بعدلٍ" (1بطرس 21:2-23). كم نحتاج كلنا، من معلّمين ومتعلمين، من قادة وتابعين، إلى طول الأناة، لنحتمل بعضنا بعضاً في المحبة، بدون فقدان أعصاب ولا صياح! كم نحتاج لأسلوب السلوك الإلهي مع البشر في زمن نوح، فقد استغرق بناء الفُلك مئة وعشرين سنة، كان نوح خلالها ينذر الناس بالخطر ويحثُّهم على التوبة، والله يطيل أناته عليهم ليتوبوا (1بطرس 20:3). 2 - مطالبة الله بمواعيده: وعد الله المؤمنين بالراحة، في قول المسيح: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعَبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (متى 28:11). ولقد كان الرسول بولس متعَباً من "شوكة في الجسد" ربما كانت مرضاً في عينيه، فطلب من الله أن يرفعها عنه. ولكن الله لم يفعل، وقال له: "تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تُكمَل" (2كورنثوس 9:12). فانتظر الرسول تحقيق الوعد الإلهي كما وعد الله به. اعرِض طلبك أمام الله، وانتظِر بصبر وإيمان قوي تحقيق المواعيد الإلهية، بالطريقة التي يراها الله، وفي الوقت المناسب الذي تعيِّنه حكمته. وأثناء انتظارك ستتعلم طول الأناة. 3 - متاعبنا قصيرة الأمد، ونتائجها سارة: كلما عرفنا أن للألم والتعب نهاية أطلنا أناتنا، واثقين من انقشاع الغيوم ومجيء النهاية السعيدة. قال المرنم: "إذا سرتُ في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي" (مزمور 4:23). لم يقُل إنه توقَّف في وادي ظل الموت، لأنه كان "يسير" ليخرج منه. ولم يقُل إنه جرى في وادي ظل الموت ولا جرى منه، لأنه لم يكن مرتعباً، فقد كان في صُحبة الله المحب القدير، وكان متأكداً أن لكل ليل آخراً "لأن للحظةٍ غضبه. حياةٌ في رضاه. عند المساء يبيت البكاء، وفي الصباح ترنُّم" (مزمور 5:30). "الله أمين الذي لا يدعكم تُجرَّبون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضاً المنفذ، لتستطيعوا أن تحتملوا" (1كورنثوس 13:10). "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبّون الله، الذين هم مدعوّون حسب قصده" (رومية 28:8). صلاة |
||||
27 - 12 - 2013, 06:30 AM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الثمرة الخامسة اللطف وصف أحدهم اللطف بقوله: "هو المصباح الملآن بالزيت العطر، يضيء البيت بالنور ويملأه بالرائحة العطرة. وهو البساط ذو الوبرة العالية، يريح من يسير عليه ويمتصُّ الضوضاء التي قد تملأ بيوتنا. وهو الستارة التي تمنع وهج الشمس اللافح صيفاً، وشدة الرياح الباردة شتاءً. وهو الوسادة الناعمة التي ترتاح عليها الرأس المتعَبة". هذا الوصف للإنسان اللطيف ينطبق على السيد المسيح، الذي وصفه النبي إشعياء بروح النبوَّة قبل ميلاده بسبعمئة سنة، فقال: "ويكون إنسانٌ كمخبإٍ من الريح، وستارةٍ من السيل. كسواقي ماءٍ في مكان يابس. كظل صخرةٍ عظيمة في أرض معيبة" (إشعياء 2:32). فالمسيح اللطيف مخبأٌ لنا من الريح، وسترٌ لنا من السيل، ونبع ماءٍ لنا في صحاري الحياة، وظل صخرة عظيمة في برية قاحلة. فلنسأل الله أن يجعلنا مشابهين للمسيح، ليكون ثمر الروح فينا لطفاً (رومية 29:8). وتعني كلمة "لطف" (في الكتاب المقدس) الإنسان المنحدر من عائلةٍ طيبة.. وأيَّة عائلة أفضل من عائلة "أهل بيت الله؟" (أفسس 19:2). فعلى كل مؤمنٍ أن يكون لطيفاً، لأن الله أنعم عليه بالتبني. إن إلهنا إلهٌ لطيف، ويجب أن يكون أهل بيته لطفاء، لأنهم يتعلمون منه، ويتمثَّلون به. ويتضح لطف الله، ولطفنا، في ثلاثة أمور: أولاً: الغفران حدَّثنا الرسول بولس عن لطف الله الواضح في غفرانه لنا، وطالبنا أن نمارس اللطف والغفران مع المحيطين بنا، كما أن الله لطيفٌ معنا. قال: "فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفاتٍ ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناة، محتملين بعضكم بعضاً، ومسامحين بعضكم بعضاً إن كان لأحدٍ على أحدٍ شكوى. كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضاً" (كولوسي 12:3 و13). فلنا في معلّمنا وسيدنا القدوة. وبقدر محبتنا له وخضوعنا لتوجيهات روحه القدوس يكون تمثُّلنا به وسيرنا في خطواته، فيعرف الجميع أننا تلاميذه. وقد ظهر لطف مخلصنا الله مع الخطاة، ومع المؤمنين الضعفاء الفاترين، ومع المؤمنين الأتقياء عندما يؤخَذون في زلَّةٍ ما. وهكذا يجب أن يظهر لطفنا مع الخطاة، والمؤمنين الضعفاء، والمؤمنين الأقوياء، حتى لو عثروا وسقطوا في سيرهم مرة أو مرات. 1 - لطف الله ولطفنا مع الخطاة: قال الرسول بولس: "ظهر لطف مخلِّصنا الله وإحسانه، لا بأعمالٍ في برٍّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس، الذي سكبه بغنى علينا، بيسوع المسيح مخلِّصنا" (تيطس 4:3-6). قال هذا وهو يذكر جيداً لطف مخلِّصه الله عليه هو شخصياً، فقد أدركه وهو في الطريق إلى دمشق ليلقي القبض على المؤمنين بالمسيح هناك، فلم يتركه في شرِّه بل أدركه وخلَّصه. وكان بولس، حتى ذلك الوقت، يعتقد أنه بار، لأنه في غيرةٍ جسدانية كان يقاوم الكنيسة، ولكن لطف الله فتح عينيه على الحق، فجاهد في سبيل نشر الإنجيل، وقال: "أسعى لعلّي أُدرك الذي لأجله أدركني المسيح يسوع" (فيلبي 12:3). ولقد ظهر لطف الله في غفرانه لنا، وكان الثمن أنه لم يشفق على المسيح، بل أشفق علينا، فبذله لأجلنا أجمعين، لينقذنا من خطايانا، وليضمن لنا الحياة الأبدية. ثم أنه يهبنا مع المسيح كل شيء (رومية 32:8). وعندما يسيطر الروح القدس على سلوكنا يعلّمنا اللطف مع الذين يسيئون إلينا. ذات يومٍ راقبت طفلين تعلّمتُ منهما درساً لا أنساه. كان الولد الكبير يقبض على يد أخيه الصغير في غضب ويهزُّه بعنف. وبسرعة دسَّ الصغير يده في جيبه وأخرج قطعة حلوى وضعها في فم أخيه الكبير، فأخجله. تعلّمتُ من الولد الصغير فائدة الإحسان لمن يسيء إلينا، وبركة مجازاة الشر بالخير، ونعمة حمل ثمرة اللطف كما أن الله مخلِّصنا لطيف معنا. لا يوجد إنسان لا يلاقي الإساءات حتى من أقرب الناس إليه، فهناك من يسيئون فهمنا أو لا يفهموننا بالمرة، وهناك من لا يقدّرون خدمتنا، وعندما نفعل معهم خيراً يجازوننا بالشر، وهناك من نتوقع منهم العون فلا نجد إلا التحطيم. فلنتوقَّع كثيراً من الرب الذي يعطي بسخاء ولا يعيِّر، لا من الناس. وسيأتينا إحسانه يقيناً كإتيان الفجر، يأتي إلينا كالمطر، كمطرٍ متأخرٍ يسقي الأرض (هوشع 3:6). فلا تتضايق عندما تتوقَّع خيراً من الناس ولا تجد، وتعلَّمْ أن تنتظر الرب وتتوقع منه وحده، فتجد اللطف والبركة والغلبة والنصرة. 2 - لطف الله ولطفنا مع المؤمنين الضعفاء الفاترين: ظهر لطف الله مع مؤمنٍ ضعيف، هو لوط، الذي كان مغلوباً مقهوراً حزيناً من سيرة أهل سدوم وعمورة الأردياء في الدعارة. وكان عصيانهم لله يعذِّب نفسه البارة كل يوم وهو يرى أفعالهم ويسمع أقوالهم (2بطرس 7:2 و8). لكن الله أشفق عليه بالرغم من ضعفه وغفر له وأرسل له ملاكين لينقذاه من مصير سدوم وعمورة. ولما تأخر في الخروج، وطلع الفجر "كان الملاكان يعجِّلان لوطاً قائلَيْن: قم خُذ امرأتك وابنتيك الموجودتين لئلا تهلك بإثم المدينة. ولما توانى أمسك الملاكان بيده وبيد امرأته وبيد ابنتيه، لشفقة الرب عليه، وأخرجاه ووضعاه خارج المدينة" (تكوين 15:19 و16). كان لوط جسدانياً يحب الله ويحب العالم أيضاً. كان يسلك مع الله، ولكن قلبه كان منشغلاً بالعالم. وبالرغم من ضعف هذا القديس، الذي كانت نفسه تتعذَّب بين الأشرار، أشفق الله عليه، فقال له لوط، معترفاً بالفضل: "عظَّمت لطفك الذي صنعتَ إليَّ" (تكوين 19:19). وهكذا ينبغي أن نكون نحن لطفاء مع الجسدانيين، الذين نعتقد أنهم ليسوا على المستوى الروحي اللائق. وسنحصل على هذا اللطف من الروح القدس، الذي يعين ضعفاتنا، لنعين الضعفاء في ضعفاتهم. 3 - لطف الله ولطفنا مع المؤمنين الأقوياء، إن هم عثروا وسقطوا: لم تطأ أرض الناس قدمان طاهرتان سوى قدمي المسيح. أما البشر جميعهم فهم خطاءون، ولكل مؤمن سَقْطة. فقد وصف الوحي داود بأنه "سراج إسرائيل" (2صموئيل 17:21) كما قال الله عنه: "وجدتُ داود بن يسى رجلاً حسب قلبي" (أعمال 22:13). ومع ذلك فقد اغتصب نعجة الرجل الفقير. وعندما شعر بالخطأ الذي ارتكبه قال: "قد أخطأتُ إلى الرب". فقال له ناثان النبي: "الرب أيضاً قد نقل عنك خطيتك. لا تموت" (2صموئيل 13:12). لقد قاد لطف الله داود إلى التوبة (رومية 4:2). ومع أننا لم نكن ننتظر سقوط داود صاحب المزامير، لكن كثيراً ما يسقط المؤمنون الأقوياء في أقوى نقاط قوتهم! وقد أوصانا الوحي أن نكون لطفاء مع المؤمنين المتقدِّمين الذين يسقطون في خطإ، فقال الرسول بولس: "أيها الإخوة، إن انسبق إنسانٌ فأُخِذ في زلة ما، فأصلِحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة، ناظراً إلى نفسك، لئلا تُجرَّب أنت أيضاً. احملوا بعضكم أثقال بعض، وهكذا تمموا ناموس المسيح" (غلاطية 1:6 و2). إن كنت قد اختبرت غفران الله الغفور الرحيم، فاغفر لغيرك كما غفر الله لك. ثانياً: المعاملة الرقيقة الإنسان اللطيف هو الذي يعامل كل الناس معاملةً رقيقة، وهو الذي ينفِّذ الوصية الرسولية: "معتنين بأمورٍ حسنة قدام جميع الناس" (رومية 17:12). ذكر لنا الوحي كم كان لطف الله مع يعقوب، وكيف تعامل معه معاملةً رقيقة بالرغم من عيوبه، فنجّاه من كل ضيق، فقال يعقوب: "يا إله أبي إبراهيم، وإله أبي إسحق، الذي قال لي: ارجع إلى أرضك وإلى عشيرتك فأُحْسِن إليك، صغيرٌ أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعتَ إلى عبدك. فإني بعصاي عبرتُ هذا الأردن، والآن قد صرتُ جيشين" (تكوين 9:32 -12). عبر يعقوب نهر الأردن ليسافر من بيت أبيه إلى بيت خاله لابان، إلى أرضٍ غريبة، وهو خائفٌ قلِق، ولم يكن يملك إلا عصاه. فباركه الرب وأحسن إليه، وأرجعه بسلام إلى أرضه وقد صار جيشين! وهذه صلاة يجب أن يردِّدها كل مؤمنٍ في شكرٍ وثقة واتكالٍ كامل على الرب وعلى لطفه. وكما اختبر يعقوب جميع ألطاف الله، اختبر حفيده داود ثلاث بركات من لطف الله، فقال: "تجعل لي ترس خلاصك، ويمينك تعضدني، ولطفك يعظمني" (مزمور 35:18). لقد حمى الله داود وخلَّصه من كل هجومٍ ظالمٍ عليه، كما بترسٍ. والترس هو قطعة خشب مغطاة بالجلد، يتلقّى عليها المحارب سهام الأعداء، فلا تصيبه بأذى. وعضدت يمين الله داود وأسندته فلم يسقط. وعظَّم لطفُ الله داود، وأخذه من وراء الغنم إلى عرش المملكة (2صموئيل 8:7). وقد غلب لطف الله المؤمنين، فاستسلموا له وخضعوا لإرادته الصالحة، فملأهم الروح القدس. وندعو القارئ ليعيش حياة اللطف الرقيقة، فهي التي تنتصر في النهاية. قال أحد الرواة إنه حدثت منافسة بين الشمس والريح: مَن منهما يستطيع أن يجعل المسافر يخلع معطفه. فأخذت الريح الفرصة الأولى وهبَّت بشدة وعنف. ولكن كلما اشتدَّ هبوبها تمسَّك المسافر بمعطفه أكثر. وعندما فشلت الريح أخذت الشمس الفرصة وأشرقت بدفئها اللطيف، بغير عنفٍ ولا ضوضاء ولا إثارة أتربة، فخلع المسافر معطفه. وهذا يعلّمنا أن الطريق لربح الآخرين هو اللطف. فإن كنا نريد أن نربح أهل بيوتنا، وجيراننا، وزملاءنا، وأعداءنا، فلنأسِرهم بلطفنا ومعاملاتنا الرقيقة. كانت هناك أم متعجِّلة دائماً في توجيه اللوم والتوبيخ لأولادها. لقد كانت تحبهم، ولكن طريقتها في التعبير عن الحب كانت خاطئة. وذات يوم ذهب القسيس ليزورها، فاشتكت له من أولادها الذين لا يفعلون شيئاً بطريقة سليمة. فطلب منها القسيس أن تحضر له شمعة مضيئة، وأن تدخل بها الغرفة بأقصى سرعة. فلما فعلت ذلك انطفأت الشمعة، لأن النار لم تكن قد تمكّنت بعد من الفتيل. فقال لها القسيس: "أنتِ تحتاجين إلى طول الأناة واللطف مع أولادك، حتى تتمكن منهم المعرفة، وتكون لهم القوة لعمل ما تريدينه منهم. مكتوبٌ: أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم (أفسس 4:6). وسيحققون انتظاراتك منهم إن كنتِ لطيفة معهم". لو أعطينا الروح القدس فرصة السيطرة على حياتنا، سيعلّمنا أن نكون لطفاء شفوقين متسامحين كما سامحنا الله في المسيح. وعند ذلك فقط سنقدر أن نربح قلوب الكثيرين كما كسب الله قلب يعقوب وداود وسائر المؤمنين. ثالثاً: مساعدة المتضايقين ما أعظم لطف إلهنا الذي وصفه النبي إشعياء بالقول: "في كل ضيقهم تضايق، وملاك حضرته خلَّصهم. بمحبته ورأفته هو فكَّهم ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة" (إشعياء 9:63). إنه يحسُّ بمشاعرنا، فيتضايق لضيقنا، ثم في لطفه يخلّصنا ويفكُّ أسرنا ويرفعنا ويحملنا. قال كليم الله موسى لبني إسرائيل: "في البرية حيث رأيتَ كيف حملك الربُّ إلهك كما يحمل الإنسان ابنه في كل الطريق التي سلكتموها" (تثنية 31:1). عندما اتَّهمت زوجة فوطيفار يوسف الصدّيق، غضب فوطيفار على يوسف ووضعه في سجن أسرى الملك. "ولكن الرب كان مع يوسف، وبسط إليه لطفاً، وجعل نعمةً له في عيني رئيس السجن". كان ضيق يوسف وسجنه بسبب طاعته للرب. ولا شك أن يوسف رفع مظلمته لله، وطلب منه المساعدة، فاستجاب له الرب، وبسط إليه لطفاً، وجعل له نعمةً في عيني رئيس السجن (تكوين 19:39-23). وتعلَّم يوسف من إلهه كيف يكون لطيفاً مع الآخرين، فأكرم إخوته الذين سبق وباعوه عبداً، واستضافهم في مصر طيلة حياة أبيهم يعقوب. فلما مات يعقوب خافوا أن يردَّ لهم يوسف الشر الذي فعلوه به، فبكوا أمامه وطلبوا غفرانه. ولم يتصرَّف يوسف معهم كما توقَّعوا، بل قال لهم: "لا تخافوا. هل أنا مكان الله؟ أنتم قصدتم لي شراً، أما الله فقصد به (بالشر) خيراً لكي يفعل كما اليوم، ليحيي شعباً كثيراً" (تكوين 15:50-21). لا شك أن الله بسط إليك يديه باللطف والإنعام، لا لأنك تستحق، لكن من فيض محبته لك. وعليك أن تبسط يديك باللطف للذين يختلفون معك ويسيئون إليك، كما فعل يوسف. إن كنت قد قبلت دعوة المسيح: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعَبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" ووجدتَ الراحة عنده، فلا بد أنك ستسمع تكليفه: "احملوا نيري عليكم وتعلَّموا منّي، لأني وديعٌ ومتواضع القلب، فتجدوا راحةً لنفوسكم، لأن نيري هيِّن وحملي خفيف" (متى 28:11-30). ونيره هيِّن لأنه رقيقٌ لا يجرح الكتف. وعندما يريحك تجتهد أن تريح المتعَبين، وتكون مصدر بهجةٍ للمحيطين بك. اعترف النبي إشعياء بفضل الله عليه، فقال: "أعطاني السيد الرب لسان المتعلّمين". وهذا فضلٌ من لطف الله. وعبَّر النبي عن اعترافه بهذا الفضل بطريقة عمليةٍ، فقال: "لأعرف أن أُغيث المعيي بكلمة" (إشعياء 4:50). وما أكثر المصابين بالإعياء من حولنا، وهم يحتاجون للإغاثة بكلمة طيبة نقولها لهم، من لسان المتعلّمين الذي أكرمنا الرب به. نحن مدينون أن نقول كلمة شكر للأمّ أو للزوجة أو للأب أو للمعلم أو لرجل الدين. كثيراً ما نشعر في قلوبنا بفضل الآخرين علينا، دون أن نذكر هذا لهم. فلنكن لطفاء، نشجع الآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأساتذة والمعلمين بكلمة رقيقة لطيفة يستحقونها. عندما انكسرت السفينة بالرسول بولس نجا هو والمسافرون معه، ولجأوا إلى جزيرة، عرفوا أن اسمها "مالطة". وكان اسم حاكم الجزيرة "بوبليوس". قال عنه البشير لوقا: "هذا قَبِلنا وأضافنا بملاطفةٍ ثلاثة أيام" (أعمال 8:28). وقد كافأ الله لطف الحاكم للرسول بولس ورفاقه، بأن شُفي والد الحاكم الذي كان مريضاً بالحمى والدوسنتاريا، فصلى الرسول بولس لأجله، ووضع يديه عليه فشفاه. ولا شك أن الله يكافئ كل من يساعد المتضايقين، ويصنع معهم لطفاً. ليعطنا الرب أن نسلم نفوسنا للروح القدس تسليماً كاملاً لنثمر ثمرة اللطف. صلاة ما أعظم لطفك الذي ذخرته لخائفيك يا رب، وما أعظم رقَّتك في تعاملك معي وقت ضعفي واحتياجي. أثمِر فيَّ لطفاً نحو المحيطين بي، سواء كانوا أصدقائي أم أعدائي، من عائلتي أو من الغرباء عني. هبني لطفاً من روحك اللطيف لأريح كل من يتعامل معي. آمين. |
||||
27 - 12 - 2013, 06:32 AM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الثمرة السادسة الصلاح الصلاح هو المحبة العاملة. والإنسان الصالح هو الذي يحمل هموم الآخرين، فيقدم دواءً لمريض، وطعاماً لجائع، وكساءً لعريان، وعزاءً لحزين. هو الشخص الذي يعتني بالآخرين، لا عنايةً مادية فقط، لكن عناية روحية أيضاً، فيبحث عن شخصٍ لم يقبل المسيح بعد ليدعوه ليتمتع ببركات الخلاص. وهو الذي يقرأ أصحاحاً لعاجزٍ عن القراءة، ويشرح كلمات الإنجيل لمحتاج، ويتطوَّع للخدمة في الكنيسة. وبالاختصار: هو الشخص الذي يسير في خطوات المسيح الذي كان يجول يصنع خيراً، فيسمع في اليوم الأخير، مع سائر المؤمنين الذين فعلوا الصلاح، القول الكريم: "تعالوا يا مباركي أبي، رِثوا الملكوت المعدَّ لكم منذ تأسيس العالم، لأني جُعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريباً فآويتموني. عرياناً فكسوتموني. مريضاً فزرتموني. محبوساً فأتيتم إليَّ. فيجيبه الأبرار حينئذٍ قائلين: يا رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك، أو عطشاناً فسقيناك؟ ومتى رأيناك غريباً فآويناك، أو عرياناً فكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك؟ فيجيب الملك: الحق أقول لكم، بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي فعلتم" (متى 34:25-40). ولا بد أن كل مؤمن يثمر ثمرة الصلاح عندما يمتلكه الروح القدس، فيجعله محبةً فعَّالة عاملة. ويتَّضح صلاحنا في دائرتين: أولاً: الاهتمام بخدمة الآخرين يقدم لنا الوحي مثلاً للصلاح في داود، صاحب المزامير، الذي قيل عنه إنه حسب قلب الله، وإنه سيصنع كل مشيئته (أعمال 22:13). وقد ظهر صلاح داود بعد أن تولى الحكم، بعد موت الملك شاول، الذي كان يطارده ويريد أن يقتله، فقد سأل داود رجاله: "هل يوجد بعد أحدٌ بقي من بيت شاول فأصنع معه معروفاً من أجل يوناثان؟". فجاءه رجاله بعبدٍ اسمه صيبا، كان يعمل في قصر شاول، فقال داود لصيبا: "ألا يوجد بعد أحدٌ لبيت شاول فأعمل معه إحسان الله؟". فأجاب صيبا أن هناك غلاماً أعرج الرجلين اسمه مفيبوشث بن يوناثان بن شاول. فاستدعاه داود وقال له: "لا تخف، فإني لأعملنَّ معك معروفاً من أجل يوناثان أبيك، وأردُّ لك كل حقول شاول أبيك. وأنت تأكل خبزاً على مائدتي دائماً" (2صموئيل 1:9-8). كان داود أصغر إخوته، وكان راعياً للغنم، فأخذه الله من وراء الغنم وجعله ملكاً، وأقامه رئيساً على شعبه. وشعر داود بصلاح الله معه، فأراد أن يردَّ إحسان الله، حتى إلى عدوه. وداود في هذا الصلاح قدوة لنا. فإن كنت تشعر بإحسان الله عليك، وإن كنت قد فتحت قلبك للرب ليمتلكك الروح القدس، فستكون حسب قلب الرب، وستفعل مشيئته، وستحمل ثمر الروح، الذي هو صلاحٌ، حتى مع أعدائك الذين يقاومونك. وقدم لنا الوحي مثلاً آخر لثمرة الصلاح، في سيدة فاضلة اسمها طابيثا، فيقول: "كان في يافا تلميذة اسمها طابيثا (ومعناه غزالة) هذه كانت ممتلئة أعمالاً صالحة وإحسانات كانت تعملها". امتلأت هذه السيدة من الروح القدس، فأثمر فيها روح الله ثمرة الصلاح. ومرضت طابيثا، فصلَّت الكنيسة من أجلها كثيراً، لكنها ماتت، فغسَّلوها ووضعوها في عليَّة، وأرسلوا يستدعون الرسول بطرس. وعندما دخل الرسول بطرس حيث كانت ترقد جثة غزالة، وقفت لديه جميع الأرامل يبكين ويرين أقمصة وثياباً مما كانت تعمل غزالة وهي معهن. فأخرج بطرس الجميع خارجاً وجثا على ركبتيه وصلى، ثم التفت إلى الجسد وقال: "يا طابيثا قومي". ففتحت عينيها، ولما أبصرت بطرس جلست (أعمال 36:9-43). لقد ترجمت طابيثا صلاحها أقمصةً وثياباً، لم تعملها لأرملة واحدة، ولا لمجموعة أرامل قريباتٍ إلى قلبها، بل إلى كل الأرامل، لأن ثمر الروح فاض من شجرة حياتها ليطعم ويشبع كل من يقترب منها، مهما كانت خلفيته أو عقيدته. فإذا امتلأ قلبك بالروح القدس، ستعمل الصلاح مع الجميع، مهما اختلفوا معك، لأن الروح القدس يملأك أعمالاً صالحة وإحسانات. ويقدم الوحي لنا مثلاً آخر للصلاح في يوسف، الرجل الصالح، وأحد التلاميذ. يقول الوحي عنه: "ويوسف، الذي دُعي من الرسل برنابا، الذي يُترجَم ابن الوعظ، وهو لاوي قبرصي الجنس، إذ كان له حقلٌ باعه وأتى بالدراهم ووضعها عند أرجل الرسل" (أعمال 33:4-36). لم يضع الدراهم بين يدي الرسل، بل عند أقدامهم، لكيلا يلاحظ أحدٌ تقدمته، فلم يعرِّف شماله ما تفعل يمينه! وقد حصل يوسف على لقب "ابن الوعظ" لأنه كان دائماً يقول كلمة تشجيعٍ لنفس خائرة، بعد أن أعطاه الروح القدس لسان المتعلمين، فاستطاع أن يغيث المعيي بكلمة، وأن يشجع ويداوي القلوب المجروحة، ويعين النفوس المحتاجة للخلاص أو للنصرة على الخطية، أو لمواجهة الاضطهاد. ولما كان برنابا سبب تشجيع للجميع، اختاره الرسل ليزور أنطاكية ويشجع المؤمنين هناك بوعظه، فذهب وشجَّع المؤمنين فيها أن يثبتوا في الرب بعزم القلب، لأنه كان رجلاً صالحاً ممتلئاً من الروح القدس والإيمان، فانضمَّ إلى الرب جمع غفير (أعمال 19:11-24). في عام 1982 ذهبتُ إلى نيروبي كينيا، لحضور مؤتمر "مجلس كنائس كل أفريقيا". وكان المجلس يحتاج لتكملة مبانيه. فجاء الرئيس دانيال أراب موي، رئيس كينيا، ليساعد في جمع التبرعات. ودخل في استقبال رسمي إلى المنصَّة على البساط الأحمر. وكانت هناك كل وسائل الإعلام. وألقى كلمة قال فيها فكرتين: 1 - مدح السيد المسيح المرأة التي ألقت فلسين في طبق العطاء، لا لأن قيمتهما كبيرة، ولكن لأن ما تبقَّى عندها بعد ذلك كان "لا شيء". فقد قدَّمت "كل ما عندها، كل معيشتها" (مرقس 41:12-44) . 2 - لا تظنوا أنكم ستدخلون السماء لأنكم تدفعون تبرعات لبناء كنيسة، فإننا ندخل السماء اعتماداً على دم الحمل وحده، الرب يسوع المسيح، بالنعمة وحدها، وبالإيمان. كان حديثاً جميلاً، خصوصاً أنه من رئيس دولة. وقدم الرئيس موي تبرعه، ثم أخذ الحاضرون يقدمون تبرعاتهم: آلافاً ومئات. ثم تقدم شاب يجرّ خروفاً كتبرع. وطلب الرئيس الكيني أن يقف الشاب بالخروف على البساط الأحمر، ثم قال: "يجب أن يُباع هذا الخروف بالمزاد العلني". ودفعت سيدة ألفي شلن كيني ثمناً للخروف، مع أنه يومها كان لا يستحق أكثر من مائتي شلن. وكانت مفاجأة لنا جميعاً لما قالت المشترية: "هذا الخروف هو كل ما تمتلكه سيدة فقيرة، أرسلته مع أحد شباب الكنيسة لتقدمه للرب. وأنا أعيده مرة أخرى إلى صاحبته لأنه كل ما تملك". إن الروح القدس يعمل في كل مكان: في رئيس دولة، كما في سيدة فقيرة قدمت كل ما عندها، وبين الرئيس والفقيرة ملايين المؤمنين الذين يحبون الرب، والذين أعطوا الروح القدس فرصة السيطرة عليهم، فأثمروا ثمر الروح: صلاحاً. ثانياً: الاهتمام بخدمة المسيح عندما يملأ الروح القدس قلوبنا ويسيطر على تصرفاتنا، نقوم بعملٍ صالح للرب نفسه، ونقدم عملاً صالحاً لخدمته. ويقدم الإنجيل لنا مثالاً في هذا من سيدةٍ سكبت قارورة طِيبٍ كثير الثمن على رأس المسيح وهو متكئ. وعندما رأى تلاميذ المسيح الطِّيب المسكوب اغتاظوا وقالوا: "لماذا هذا الإتلاف؟ لأنه كان يمكن أن يُباع بكثير ويُعطى للفقراء". فدافع المسيح عنها وقال: "لماذا تزعجون المرأة؟ فإنها قد عملت بي عملاً حسناً" لأنها قدَّمت تقدمتها، ولم يهمّها استحسان الموجودين أو انتقادهم. ولم يكن حكمهم عليها يغيّر شيئاً مما عزمت أن تفعله، فقد امتلكت محبة المسيح عقلها وقلبها، فلم يعد هناك شخصٌ آخر يستولي على تفكيرها أو مشاعرها إلا يسوع وحده. ولما أحبته عملت به عملاً حسناً (متى 7:26-13). إن الإنسان شرير بطبيعته وبعمله، وقلبه خالٍ من كل صلاح لأن نفسه تأمره بالسوء، وهو لا يقدر أن يفعل أي صلاح إلا إذا غيَّر المسيح قلبه بعمل الروح القدس. أما الإنسان الطبيعي فلا يطلب الله ولا يُسرُّ بشريعته، كما هو مكتوب: "ليس بارٌّ ولا واحد. ليس من يفهم. ليس من يطلب الله. الجميع زاغوا وفسدوا معاً. ليس من يعمل صلاحاً. ليس ولا واحد" (رومية 10:3-12). ومن واجب كل إنسان أن يقبل خلاص المسيح فيولد ولادةً روحية ثانية، من فوق، بعمل الروح القدس. وسيجازي الله من يولدون من فوق، لأنهم سيثمرون ثمر الروح. "سيجازي كل واحدٍ حسب أعماله. أما الذين بصبرٍ في العمل الصالح، يطلبون المجد والكرامة والبقاء (سيجازيهم) بالحياة الأبدية... مجد وكرامةٌ وسلام لكل من يفعل الصلاح" (رومية 6:2 و7 و10). ماذا نفعل نحن من صلاحٍ لسيد الصلاح؟ ما هي الخدمة التي نقدّمها للذي جاء لا ليُخدَم بل ليخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين (مرقس 45:10)؟ نتمنى أن تصدق علينا جميعاً كلمات الرسول بولس: "نشكر الله كل حين من جهة جميعكم.. متذكّرين بلا انقطاع عمل إيمانكم وتعب محبتكم وصبر رجائكم" (1تسالونيكي 2:1 و3). ليساعدنا الرب أن نقدّم أنفسنا وكل ما نملك له، فالعبد الصالح هو الذي يستثمر ما منحه له الرب من وزنات، فيصنع الصلاح، ويسمع استسحان سيده: "نِعِمّا أيها العبد الصالح والأمين. كنت أميناً في القليل، فأقيمك على الكثير. ادخُل إلى فرح سيدك" (متى 21:25). فهل سيوجِّه لك الرب كلمات الاستحسان هذه، ثم تسمع منه قوله: "أنا عارفٌ أعمالك وتعبك وصبرك، وقد احتملتَ ولك صبر، وتعبتَ من أجل اسمي ولم تكلّ" (رؤيا 2:2 و3). صلاة |
||||
27 - 12 - 2013, 06:36 AM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الثمرة السابعة الإيمان قال الرسول بولس: "الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله" (رومية 17:10). وأبسط تعريف للإيمان أنه الثقة في كلام الله ومواعيده وتصديقها. فعندما نضع ثقتنا في إنسان ما، نصدِّق كلامه. وعندما نؤمن بالرب نصدق الخبر الذي تعلنه لنا كلمته. "الإيمان هو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى". بمعنى أنه الثقة بأن ما نرجوه لا بد سيتحقَّق، وهو الاقتناع بأن ما لا نراه هو موجودٌ حقاً (عبرانيين 1:11). وبدون إيمان لا يمكن إرضاء الله (عبرانيين 6:11). والروح القدس هو الذي يقنعنا بصحَّة خبر الإنجيل عندما نسمعه فنصدّقه، وهو الذي يوجِّه قلوبنا إلى الحق، لأنه يرشدنا إلى جميع الحق، فنثمر ثمرة الإيمان بمعنى أن نضع ثقتنا في من يستحق الثقة. فإن أردنا تقوية إيماننا فلنتَّخذ إعلانات الله أساساً لثقتنا "لأن كل ما سبق فكُتب، كُتب لأجل تعليمنا، حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاء" (رومية 4:15). وللإيمان ثلاثة معان: 1 - هو الثقة في قوة الله المخلِّصة، 2 - وهو الاعتماد على عناية الله المدبِّرة، 3 - وهو الأمانة في التصرُّف مع الله والناس. أولاً: الإيمان هو الثقة في قوة الله المخلِّصة مَن يؤكد لنا صِدق رسالةٍ يُقال لنا إنها من عند الله؟.. إنه الروح القدس. كان الرسول بولس قبل إيمانه بالمسيح يضطهد الكنيسة ويقاوم الإيمان المسيحي، وهو يعتقد أنه بذلك يقدِّم خدمةً لله. فما الذي غيَّر اعتقاده، حتى قال: "صادقةٌ هي الكلمة ومستحقَّة كل قبول: أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلِّص الخطاة الذين أوَّلهم أنا".. إنه عمل الروح القدس في قلبه وعقله، لأنه "لا يستطيع أحدٌ أن يقول يسوع رب، إلا بالروح القدس" (1كورنثوس 3:12). وقد لخَّص الرسول بطرس الرسالة المسيحية في عظته الأولى يوم الخمسين، ثم ختم العظة بقوله: "فليعلم يقيناً جميعُ بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم رباً ومسيحاً" (أعمال 36:2). قال هذا في مكانٍ قريب جداً من جبل الجلجثة حيث صُلب المسيح، ولم تكن قد مضت على حادثة الصلب سوى خمسين يوماً. وقال بلغة اليقين إن الله جعل هذا المصلوب رباً ومسيحاً. "فلما سمعوا نُخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل: "ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة؟" فقال لهم بطرس: "توبوا وليعتمِد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس" (أعمال 37:2 و38). فآمن في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف شخص بالمسيح المخلِّص. ولا شك أن الروح القدس هو الذي بكَّت الحاضرين وأقنعهم بصِدق الرسالة "فنُخسوا في قلوبهم" وآمنوا بالكلمة التي سمعوها. سأل شابٌّ غني السيدَ المسيح: "أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟" (مرقس 17:10). وهذا تكرارٌ لسؤالٍ وجَّهه اليهود للمسيح: "ماذا نفعل حتى نعمل أعمال الله؟". فأجابهم المسيح: "هذا هو عمل الله: أن تؤمنوا بالذي هو أرسله" (يوحنا 28:6 و29). فأول ما يجب أن نقوم به من عملٍ لله هو أن نؤمن بالمسيح الذي أرسله الآب إلينا، وأن نصدق أنه هو المخلِّص الوحيد. رفع اللص التائب صلاةً على الصليب، وجَّهها للسيد المسيح، قال: "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك" (لوقا 42:23). فكيف رأى هذا اللص ما لم يرَه رجال الدين اليهود؟ والإجابة: لقد أقنعه الروح القدس بصدق كل كلمة قالها المسيح عن نفسه، فرأى في الشخص المصلوب إلى جواره رباً، له ملكوت، وله سلطان أن يعطي هذا الملكوت. والروح القدس هو الذي يقنعنا بصحَّة كلمة حق الإنجيل، فنصدّقها عندما نسمعها وندرك أنها الحق من عند الله. فالإنجيل هو الخبر المفرح الذي جاء المسيح به إلى العالم، وبقبوله ننال الخلاص. ويستخدم الروح القدس وسائل كثيرة لإقناعنا بصحة كلمة حق الإنجيل: في موعظة نسمعها، أو رسالة مكتوبة نقرأها، أو نموذج صالح جذاب نراه في حياة إنسان تقي. فالوسيلة هامة، لكن الفعّالية المجدِّدة والمقنعة هي فعالية الروح القدس الذي يجتذب النفوس لمعرفة المسيح. ثانياً: الإيمان هو الاعتماد على عناية الله المدبِّرة عندما نثق نعتمد. تثق أن وسيلة المواصلات ستوصِّلك إلى حيث تريد أن تذهب، فتستقلُّها، وتعتمد على السائق الذي يقود المركبة. أنت تؤمن فتتكل. والإيمان هو الأمان الذي نناله عندما نتكل على الله ونتمسَّك بمواعيده بكل قلوبنا. قال الله على فم النبي إشعياء: "إن لم تؤمنوا فلا تأمنوا" (إشعياء 9:7). فعندما نؤمن نطمئن ويعمِّر الأمان قلوبنا، لأنه "إذ قد تبرَّرنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح، الذي به أيضاً قد صار لنا الدخول بالإيمان إلى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون، ونفتخر على رجاء مجد الله" (رومية 1:5-3). ويحذِّرنا الوحي من أنه "ليس سلام، قال إلهي، للأشرار" (إشعياء 21:57). والأشرار هم الذين يشكّون في كلام الله ولا يصدقونه. قالت الحيَّة لأمنا حواء: "أحقاً قال الله: لا تأكلا من كل شجر الجنة؟" (تكوين 1:3). فشكَّكها الشيطان في صحَّة أقوال الله. وصدَّق أبوانا الأولان أن في نصيحة الشيطان سعادةً أكبر وخيراً أوفر، فأكلا من الشجرة، وضاع سلامهما مع الله، وانتهى الأمر بهما خارج الجنة. إن السلام قاصرٌ على النفوس المحتمية بكفارة المسيح، الخاضعة لتوجيهات الروح القدس، فهي وحدها التي تختبر إيمان إبراهيم خليل الله الذي وثق في وعد الله بأن يعطيه ابناً من سارة العاقر، وتقوَّى إبراهيم بالإيمان معطياً مجداً لله، وتيقَّن أن ما وعد الله به، هو قادرٌ أن يفعله (رومية 20:4 و21). ولم يكن إيمان إبراهيم راجعاً لأي سببٍ جسدي، بل تأسَّس كله على مواعيد الله. وبعد مرور خمس وعشرين سنة من الوعد الإلهي أعطى الله إبراهيم ابناً من سارة، سمّياه "إسحاق" بمعنى "ضحك". وكانت سارة وقتها في التسعين من عمرها، وكان إبراهيم شيخاً في المائة. وإسحاق هذا هو الابن الوحيد الذي وعد الله إبراهيم به. ومع ذلك فقد أخذه إبراهيم ليذبحه بيده، حباً في الله وطاعةً له. كان قلب إبراهيم عامراً بالسلام، فأقدم بغير تردُّد على هذه الخطوة الصعبة، إذ حسب أن الله قادرٌ على أن يقيم إسحاق من الموت بعد ذبحه (عبرانيين 19:11). وسأل إسحق أباه: "يا أبي، هوذا النار والحطب. ولكن أين الخروف للمحرقة؟". وكان هذا السؤال مثل سيفٍ يمزِّق قلب إبراهيم! ولكنه لم يقل لولده إنه هو المحرقة، واكتفى بالقول: "الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابني" (تكوين 7:22 و8). وبالفعل دبَّر الله المحرقة التي حلَّت محل إسحاق، وافتُدي إسحاق بذبحٍ عظيم! وعلى نفس المثال رتَّب الله ذبيحة المسيح العظيمة، والكافية لفداء كل البشر، وتنبَّأ عنها إشعياء النبي قبل حدوثها بسبعمئة سنة، فقال: "وهو مجروحٌ لأجل معاصينا، مسحوقٌ لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه وبحُبُره شُفينا" (إشعياء 5:53). وقد تبرَّر إبراهيم أمام الناس وظهرت طاعتُه بما عمله، عندما عزم على ذبح ابنه. كما تبرَّر أمام الله على أساس كفارة المسيح وفدائه العظيم، وفي هذا قال الرسول يعقوب: "ألم يتبرَّر إبراهيم أبونا بالأعمال إذ قدَّم إسحاق ابنه على المذبح؟ فنرى أن الإيمان سبق أعماله، وبالأعمال أُكمل الإيمان، وتمَّ الكتاب القائل: فآمن إبراهيم بالله فحُسب له براً، ودُعي خليل الله" (يعقوب 21:2-23). وعندما يعمل الروح القدس فينا، وعندما نسلّم وجوهنا له، نعتمد على عناية الله المدبِّرة، فنطيع الله كما فعل إبراهيم، مهما كانت التضحية، فنتبرَّر بتبريرات المسيح الفدائية الكاملة. أمضى الرسول بطرس ومعه صيادون آخرون ليلة كاملة في الصيد دون أن يمسكوا شيئاً. وفي الصباح أمر المسيح بطرس أن يبعد إلى العمق ويلقي الشبكة، فقال بطرس: "يا معلّم، قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئاً، ولكن على كلمتك ألقي الشبكة" (لوقا 5:5). فكادت شباكهم تتخرَّق من كثرة السمك بعد ليلٍ طويل مجدب. فما أعظم الإيمان الذي أعطى الأمان! فالأمن الحقيقي هو نتيجة طبيعية لوضع ثقتنا في ربنا. فلنتمسَّك بمواعيد الله، ولنتشجَّع ونطالب الرب ليحقق وعوده لنا، لأنه القادر أن يفعل فوق كل شيء أكثر جداً مما نطلب أو نفتكر (أفسس 20:3). ولنرفع صلاة شكرٍ لله على تحقيق وعوده لنا، حتى قبل أن تتحقق، كما صلى داود: "أيها الرب، ليثبُت إلى الأبد الكلامُ الذي تكلَّمتَ به عن عبدك وعن بيته، وافعل كما نطقتَ" (1أخبار 23:17). وقد تمسَّك الرسول بولس بوعود الله له، وقال لرفاقه في السفينة الغارقة: "وقف بي هذه الليلة ملاك الإله الذي أنا له والذي أعبده قائلاً: لا تخف يا بولس. ينبغي لك أن تقف أمام قيصر، وهوذا قد وهبك الله جميع المسافرين معك. لذلك سُرُّوا أيها الرجال، لأني أومن بالله أنه يكون هكذا كما قيل لي" (أعمال 23:27 و24). وكلما وضعنا ثقتنا في مواعيد الله نعتمد أكثر على عنايته المدبِّرة، ونطيع الوصية: "لا تهتمّوا بشيء (بمعنى: لا تقلقوا)، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتُعلَم طلباتكم لدى الله" (فيلبي 6:4). "ويتَّكل عليك العارفون اسمك، لأنك لم تترك طالبيك يا رب" (مزمور 10:109). ثالثاً: الإيمان هو الأمانة في التصرُّف مع الله والناس كم نحتاج لفعّالية الروح القدس لينشئ فينا الإيمان الذي يجعلنا أمناء فيما نفعل، فنتمم نصيحة المسيح: "كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة" (رؤيا 10:2). وتقدّم لنا التوراة مثلاً كتابياً عن أمانة العمال عندما أراد الملك يهوآش أن يرمِّم الهيكل، فأحضر صندوقاً مثقوباً في أعلاه، ووضعه بجوار المذبح ليضع الشعبُ فيه تبرعاتهم. وعندما كان الصندوق يمتلئ كان رجال الملك يحسبون الفضة، ثم يدفعونها لعاملي الشغل ليرمموا بها بيت الرب. "ولم يحاسبوا الرجال الذين سلَّموهم الفضة بأيديهم لكي يعطوها لعاملي الشغل، لأنهم كانوا يعملون بأمانة" (2ملوك 14:12 و15). وبسبب الأمانة لم تكن هناك حاجة إلى محاسب ولا إلى أمين صندوق. وتكرر الأمر نفسه في أيام الملك يوشيا، ففي السنة الثامنة عشرة من مُلكه جمعوا الفضة التي سيرممون بها بيت الرب "وأعطوها للنجارين والبنائين والنحاتين لشراء أخشاب وحجارة منحوتة لأجل ترميم البيت، إلا أنهم لم يُحاسَبوا بالفضة المدفوعة لأيديهم، لأنهم إنما عملوا بأمانة" (2ملوك 3:22-7). وأغلب الظن أن هؤلاء العمال قدَّموا خدمتهم لله ولبيته مجاناً، دون أن يتقاضوا أجراً. كان حبهم للرب حباً غامراً، وكانت أمانتهم عظيمة، فلم يحاسبهم أحد. وكلما سلَّمنا أنفسنا للروح القدس زاد ثمر الإيمان فينا، فنصدِّق الله أكثر، ونجد الاطمئنان والأمن عنده بكمية أوفر، ونكون أكثر أمانةً في كل عمل نقوم به لمجد اسمه. صلاة أشكرك يا رب على نعمة الإيمان التي هي ثمر الروح القدس، فإيماني عطية منك ومن عمل روحك القدوس فيَّ. حبِّبني في كلمتك، لأن إيماني يتقوى كلما عرفت مواعيدك وتمسَّكتُ بها. هبني سلام الاعتماد على أقوالك الصادقة والأمينة، لأكون أميناً إلى الموت فتعطيني إكليل الحياة. آمين. |
||||
27 - 12 - 2013, 06:38 AM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الثمرة الثامنة الوداعة الوداعة صفة داخلية تظهر في التصرُّفات اليومية. قال أحد المؤمنين لقائده الوديع المتواضع المحب: "في وجودي معك أحسُّ أن الله يسكب في جوفي عسلاً!" وهذا يعني أن الله بارك القائد بثمر الروح. والوداعة هي الخضوع لله بتواضع، وهي طاعة كلمته. وهي الحِلم والتسامح، والقابلية للتعلُّم، والغضب المقدس على الخطأ فقط وليس على الخاطئ. وهي ثمرة عظيمة من ثمر الروح القدس، لأن المسيح وصف بها نفسه عندما قال: "تعلَّموا منّي لأني وديعٌ ومتواضع القلب" (متى 29:11). ووصف بها الرسول بولس المسيح عندما قال: "أطلب إليكم بوداعة المسيح" (2كورنثوس 1:10). وقد ارتبطت صفة الوداعة بالمحبة في كورنثوس الأولى 21:4، وبالتواضع في أفسس 2:4 وبالمحبة والصبر في تيموثاوس الأولى 11:6. هذه الصفة العظيمة مطلوبة من كل المؤمنين، إذ يقول المسيح: "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض" (متى 5:5) ويقول الرسول بولس: "فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفاتٍ، ولطفاً، وتواضعاً، ووداعةً، وطول أناة" (كولوسي 12:3) ويقول: "ليكن حِلمكم (أو: وداعتكم) معروفاً عند جميع الناس" (فيلبي 5:4). وهي صفة الله الآب، فقال له داود: "لطفك (أو: وداعتك) يعظِّمني" (مزمور 35:18) وصفة الله الابن (متى 29:11) وصفة الله الروح القدس (غلاطية 23:5). وصفة الوداعة مطلوبة في الشباب، كما يقول الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس: "اتبع البر والتقوى والإيمان والمحبة والصبر والوداعة" (1تيموثاوس 11:6). وهي مطلوبة كزينةٍ للسيدات "زينة الروح الوديع الهادئ، الذي هو قدام الله كثير الثمن" (1بطرس 4:3) كما أنها مطلوبة في القادة، فيجب أن يكون القائد "حليماً غير مخاصمٍ ولا محب للمال" (1تيموثاوس 3:3). وقد اتَّصف بولس الرسول بهذه الصفة فقال لأهل تسالونيكي: "كنا مترفِّقين في وسطكم كما تربي المرضعة أولادها" (1تسالونيكي 7:2). ولتكون لنا وداعة المسيح نحتاج لسيطرة روحه القدوس علينا. ولنتأمل ثلاثة معانٍ للوداعة: أولاً: الوديع هو الذي يخضع للروح القدس الوديع هو الذي يُخضِعه الروح القدس ليعمل مشيئة الله بفرح، والنموذج في ذلك هو المسيح الذي قال: "الحق الحق أقول لكم، لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل، لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك" (يوحنا 19:5 و20). وقد نتعجَّب من أن الابن يخضع للآب. لكن يجب أن نذكر أن المسيح اتَّخذ طبيعةً إنسانية، فهو كامل الألوهية، وكامل الإنسانية. فإن قلنا إن المسيح هو الله نقول الحق، ولكن ليس كل الحق، لأن المسيح هو "الكلمة الذي صار جسداً" (يوحنا 14:1). وإن قلنا إن المسيح إنسان نقول الحق، ولكن ليس كل الحق، لأن المسيح هو "الله الذي ظهر في الجسد" (1تيموثاوس 16:3). وواضحٌ أن العظيم يقدر أن يتنازل، ولكن الحقير لا يقدر أن يرتفع. ويقول الوحي إن المسيح إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسةً أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه الناس (فيلبي 6:2 و7). وربما ننسى إنسانية المسيح ونحن نفكر في ألوهيته، أو قد ننسى ألوهيته ونحن نفكر في إنسانيته، لكننا يجب أن نذكر أنه "ابن الله" و"ابن الإنسان" في آنٍ واحد. وكإنسان كامل أخضع نفسه لعمل مشيئة الآب بكامل رغبته، ولم يكن يعمل إلا ما ينظر الآب يعمل. يُصوِّر لنا الإنجيل المقدس الإنسان ثائراً ضد الله، لا يريد أن يعمل المشيئة الإلهية. لكن الروح القدس يُخضِعه، فيعمل مشيئة الله بفرح. ويمكن أن نقول إن الروح القدس "يستأنس" الإنسان الثائر، ويجعله وديعاً نافعاً للخدمة. وقد وصف النبي هوشع الإنسان البعيد عن الله بأنه "جامح" يثور ضد الانضباط، ولكن الرب يستأنسه ويرعاه في رحب فسيح، فيصبح كحملٍ وديع. قال: "جمح إسرائيل كبقرةٍ جامحة. الآن يرعاهم الرب كخروفٍ في مكان واسع" (هوشع 16:4). حقاً، يجعل الروح القدس الجامح حملاً، والمتوحش وديعاً خاضعاً للإرادة الإلهية. ويمضي النبي هوشع فيقول: "أفرايم موثقٌ بالأصنام. اتركوه" (هوشع 17:4). صحيحٌ أن الأصنام قيَّدته وأتلفت حياته. ولكن النصيحة هي: "اتركوه" لمحبة الله التي تتعامل معه، فيترك الجموح والثورة والقيود ويخضع لله. وأذكر مثَلين من شخصين عمل الروح القدس فيهما، فأخضع الثائر، وجعله وديعاً: 1 - بولس : كتب عن نفسه: "أنا الذي كنت قبلاً مجدِّفاً ومضطهِداً ومفترياً، ولكنني رُحمت لأنني فعلت بجهلٍ في عدم إيمان. وتفاضلت نعمة ربنا جداً.. لهذا رُحِمتُ" (1تيموثاوس 13:1-16) فصار المفترس أليفاً، والجامح خاضعاً، لأن الروح القدس "استأنسه" وجعله يقول: "ماذا تريد يا رب أن أفعل" (أعمال 6:9). 2 - أنسيمس: وهو عبدٌ هرب من بيت سيده فليمون بعد أن سرق فضة مولاه، وسافر إلى روما. وهناك فتح قلبه للمسيح على يدي الرسول بولس، فاستأنسه الرب وتغيَّرت حياته، فكتب عنه الرسول بولس إلى فليمون: "الذي كان قبلاً غير نافع لك، ولكنه الآن نافعٌ لك ولي" (فليمون 11). نافع للسيد الذي سبق أن سرقه، ونافع لبولس، ويمكن أن يخدم المسيح معه. لقد كان بولس في هجومه على الكنيسة، وكان أنسيمس في سرقته لمولاه، هادرَيْن كشلالٍ جامحٍ بمياهه المتدفقة بغير حساب ولا ضابط. ولكن عندما أخضعهما الروح القدس صارا كالشلال الذي يتحكَّم المهندسون في مياهه، فيولِّد الكهرباء التي تنير، ويخدم البشر. وكل نفس بعيدةٍ عن الله جامحة تحطم كل شيء، لكن عندما تستسلم لله تثمر وداعةً، وبدلاً من أن تهدم تبني، وبدلاً من أن تقلع تغرس، وبدلاً من أن تلعن تبارك، وبدلاً من أن تظلم تنير. ثانياً: الوديع هو الذي يفتح قلبه ليتعلَّم نجد في المسيح مثالاً عظيماً في الانفتاح للتعلُّم وهو في الثانية عشرة من عمره، فقد بحث عنه أبواه فوجداه "بعد ثلاثة أيامٍ في الهيكل، جالساً في وسط المعلّمين يسمعهم ويسألهم، وكل الذين سمعوه بُهِتوا من فهمه وأجوبته" (لوقا 46:2 و47). ونرى هنا ألوهية المسيح وهو يسأل معلّمي الدين اليهود وهم مندهشون من فهمه وأجوبته، كما نرى إنسانيته وهو يسمعهم ليستزيد معرفةً. ويقول الرسول يعقوب: "اقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة القادرة أن تخلص نفوسكم" (يعقوب 21:1) فالوديع هو الذي يفتح قلبه ليتعلم، أما الجاهل فهو الذي يرفض المعرفة. والإنسان الوديع يشبه الإسفنج التي تتشرَّب، لأنه يريد أن يمتلئ ويستزيد. "بمَ يزكّي الشاب طريقه؟ بحفظه إياه حسب كلامك. بكل قلبي طلبتك. لا تُضلَّني عن وصاياك. خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك. مبارك أنت يا رب. علِّمني فرائضك. بشفتيَّ حسبتُ كل أحكام فمك. بطريق شهاداتك فرحتُ كما على كل الغِنى. بوصاياك ألهج وألاحظ سبلك. بفرائضك أتلذَّذ. لا أنسى كلامك" (مزمور 9:119-16). ويعلّمنا الروح القدس كيف نستفيد من كلمة الله، ويذكِّرنا بكل ما قاله المسيح لنا، ويرشدنا إلى جميع الحق (يوحنا 13:16) فنطلب الاستزادة من المعرفة، إذ نجلس أمام الكتاب المقدس كطفلٍ صغير يفتح عينيه وأذنيه وقلبه ليسمع قصص معاملات الله مع شعبه، ثم يطلب أن يسمع ما سبق أن سمعه، بغير ملل. فليساعدنا الله لنحتذي بمثال مريم أخت مرثا ولعازر، التي جلست عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه. أما مرثا فقد صرفت وقتها في تجهيز الطعام للمسيح والقيام بواجبات الضيافة الجسدية. وعندما اشتكت مرثا أختها مريم للمسيح أنها تركتها تخدم وحدها، قال لها المسيح: "أنتِ تهتمّين وتضطربين لأجل أمور كثيرة. ولكن الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزَع منها" (لوقا 38:10-42). ثالثاً: الوديع هو الذي يغضب لسببٍ مقدَّس هناك نصيحة حكيمة تقول: "الجواب الليِّن يصرف الغضب" (أمثال 1:15) وأخرى تقول: "ببطء الغضب يُقنَع الرئيس، واللسان الليِّن يكسر العظم" (أمثال 15:25). ولكن هناك نصيحةً رسولية تقول: "اغضبوا ولا تخطئوا" (أفسس 26:4) وهي مقتبسة من المزامير: "ارتعدوا ولا تخطئوا" (مزمور 4:4). إذاً هناك غضب مرفوض، وهناك غضب مقدس يصل إلى حدِّ الارتعاد، من أجل الخير والسلام والصلاح، ويكون صاحبه مقدساً ووديعاً. أما مثالنا في الغضب المقدس فهو المسيح، الذي عبَّر عن غضبه عدة مرات: غضب مرتين على التجّار الذين دنَّسوا هيكل الرب وجعلوه بيت تجارة، وذلك بالاتفاق مع الكهنة. المرة الأولى كانت في مطلع خدمته، والمرة الثانية كانت في نهايتها (يوحنا 13:2-22 ولوقا 45:19-48). في التطهير الأول صنع المسيح سوطاً من حبال، وقال: "ارفعوا هذه من ههنا. لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة". أما في التطهير الثاني فلم يضرب بالسوط، بل اكتفى بالقول: "بيتي بيت الصلاة يُدعَى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص". في التطهير الأول طالبه رجال الدين بمعجزة تبيِّن أن له السلطان أن يطهِّر الهيكل. أما في التطهير الثاني فقد تشاوروا عليه ليقتلوه. وبعد التطهير الأول ترك المسيح أورشليم وذهب إلى اليهودية، أما بعد التطهير الثاني فقد رُفع على الصليب. وغضب المسيح عندما جاء رجال الدين اليهود برجلٍ يابس اليد في يوم سبتٍ ليروا إن كان المسيح يشفيه في يوم السبت، فيكون بهذا قد كسر وصية السبت. فقال لهم: "هل يحلّ في السبت فعل الخير أو فعل الشر؟ تخليص نفس أو قتل؟" فسكتوا. فنظر حوله إليهم بغضبٍ، حزيناً على غلاظة قلوبهم، وقال للرجل: "مُدّ يدك" فمدَّها، فعادت صحيحةً كالأخرى (مرقس 1:3-5). الذي يغضب غضباً أنانياً لمصلحته الشخصية ليس وديعاً، أما الوديع فهو الذي لا يغضب إلا في سبيل الحق. ويريدنا الإنجيل أن نكون إيجابيين فعَّالين لخدمة الرب. هناك غيرة مقدسة حسب المعرفة، لا الغيرة الجاهلة التي هي ضد روح المسيح. ولنا في تأديب أولادنا مثلٌ من الوداعة التي تغضب غضباً مقدساً. فعندما يخطئ أحد أبنائنا، نغضب على الخطأ الذي ارتكبه، ونوقّع عليه العقاب، لا لأننا نكرهه، لكن لأننا نريد أن نقوِّمه ونصلح من شأنه. هناك نصيحة تقول: لا تؤدّب ابنك وأنت غاضب، لأن ابنك لن يضبط أعصابه أمام أبٍ فَقَد ضَبْط أعصابه. اهدأ أنت أولاً قبل أن تعاقبه. وليكن هناك اتفاق بين الوالدين والأولاد على قانون عقوباتٍ تتفق عليه العائلة. وعند ما يخطئ الطفل يهدئ الأب أعصابه، ويشرح لطفله خطأه، ثم يسأله عن نوع العقاب المتَّفق عليه، وبعد ذلك يوقع عليه العقاب. وعندما يبكي الطفل يحتضنه أبوه ويقبِّله، ويقول له إنه عاقبه لأنه يحبه. ويستمر محتضناً طفله حتى يهدأ، ليحسَّ الطفل بالحب والحنان، ويتأكد أنه محبوب ومقبول، وأن الضرب عقابٌ لخطئه فقط. ثم يقول أبوه له إنه يحبه، لكنه يكره الخطأ الذي ارتكبه. ولا يوجد أبٌ أو أمٌّ يقدر أن ينفذ هذه النصيحة التربوية إلا إن ملك الروح القدس حياته ومشاعره. وليكون الغضب مقدساً أعود فأذكر الوصية الرسولية: "اغضبوا ولا تخطئوا، ولا تغرب الشمس على غيظكم، ولا تعطوا إبليس مكاناً" (أفسس 26:4 و27). والسؤال الكبير هو: ومن يستطيع أن يغضب ولا يخطئ؟ والإجابة الكبيرة هي: الذي يسلّم نفسه تماماً لعمل الروح القدس ليستلم روح الله قيادة حياته. صلاة أيها الرب الوديع، أَخضِعني لمشيئتك الصالحة، وانزع كل عصيان فيَّ، لأكون وديعاً، فأقبل كلمتك المغروسة في قلبي وأعمل بحسبها، فأنمو في الخضوع لك، وفي محبة كلمتك. فإذا غضبتُ ليكن غضبي لمجدك وحدك، وليس بسبب ثورتي الأنانية الخاطئة. ولا تسمح أن تغرب الشمس على غيظي حتى لا أعطي لإبليس مكاناً. آمين. |
||||
27 - 12 - 2013, 06:39 AM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الثمرة التاسعة التعفُّف التعفف هو ضبط النفس، ووضع العواطف تحت سلطان العقل الذي يحكمه الروح القدس. قال الفيلسوف أفلاطون: "العفيف هو صاحب النفس التي انتصرت على رغباتها وغلبت حبها للملذّات". ولكن أفلاطون لم يقُل لنا كيف نكون أعفّاء. وكان الفلاسفة الرواقيون (أتباع زينون) في أيام الرسول بولس يحاولون أن يضبطوا نفوسهم ليُظهروا قوة إرادتهم، لكنهم كانوا يقولون: "عندما نعجز عن فعل ما نريد، نريد فعل ما نقدر عليه". لقد بذل الرواقيون جهودهم الشخصية وقوة إرادتهم ليكونوا أعفّاء، ولكن لما كانت إرادتهم تعجز عن التحكم في شهواتهم، كانوا يتصالحون مع أنفسهم، ليتقبَّلوا ما يعجزون عن تحقيقه. أما الإنجيل المقدس فيخبرنا أن الطبيعة الإنسانية فاسدة، وأن الإنسان ميت بالذنوب والخطايا، ولا يقدر أن يثمر ثمراً صالحاً إلا إذا خلَّصه المسيح، وقدَّسه الروح القدس وامتلكه، فيجعل منه إنساناً مثمراً، كما قال المسيح: "ليس أنتم اخترتموني، بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتأتوا بثمر ويدوم ثمركم" (يوحنا 16:15). فنحن نأتي بالثمر المبارك نتيجة اختيار المسيح لنا، وإقامته إيانا من موت خطايانا. ويستطيع كل مؤمن أن يكون عفيفاً بفضل استجابته لفعّالية عمل الروح القدس فيه، فيسيطر على نفسه بقوة الروح القدس الذي يحكمه. وقد جاءت كلمة "تعفف" في الإنجيل عن الرياضي الذي يضبط نفسه في كل شيء لينال الجائزة، فقيل: "من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء" (1كورنثوس 25:9). وتوضح لنا كلمة الله أن كل مؤمن يشبه عدّاءً يجري في سباق، عليه أن يحذر من أشياء كثيرة لا ينتبه لها الشخص العادي، فيتحذَّر من نوع الطعام الذي يتناوله ومن كميته حتى لا يزيد وزنه، ويعتني بأوقات راحته ليكون في كامل قوته، ويواظب على التدريب المتواصل الشاق ليكون في كامل لياقته. وباختصارٍ، إنه يضبط نفسه في كل شيء. وكل مسيحي يجري في سباق روحي دائم، يسعى نحو الهدف، منتظراً نوال الجائزة السماوية. فيجب أن يضبط نفسه، وأن يحمل ثمر الروح: تعفف (1كورنثوس 24:9-27). وقال الرسول بطرس للمؤمنين: "وأنتم باذلون كل اجتهادٍ، قدّموا في إيمانكم فضيلةً، وفي الفضيلة معرفةً، وفي المعرفة تعففاً، وفي التعفف صبراً، وفي الصبر تقوى، وفي التقوى مودَّةً أخوية، وفي المودّة الأخوية محبة، لأن هذه إذا كانت فيكم وكثُرت تصيِّركم لا متكاسلين، ولا غير مثمرين، لمعرفة ربنا يسوع المسيح" (2بطرس 5:1-8). وأمر الرسول بولس بضرورة انتصار المؤمن على شهوته، وهذا هو العفاف (1كورنثوس 9:7). وتحدث عن أنه يريد أن يخطب للمسيح عذراء عفيفة، هي جماعة المؤمنين، التي لم تتلوَّث إلى أن يأتي يوم اتحادها بالمسيح عريسها ومخلّصها (2كورنثوس 2:11). هناك بعض التصرفات التي يجب أن نضبط نفوسنا فيها: أولاً: التعفف في الكلام نحتاج جميعاً إلى التعفف في كلامنا، بأن نضبط ألسنتنا. والإنسان العفيف في الكلام هو الذي لا ينطق إلا بما هو للبنيان، حسب الحاجة، كي يعطي نعمةً للسامعين (أفسس 29:4). ويقول الرسول يعقوب في الأصحاح الثالث من رسالته إن الإنسان سيطر على الكثير من المخلوقات والوحوش واستأنسها واستخدمها، ولكنه عجز عن السيطرة على لسانه. ولا زال اللسان يدنّس الجسم كله، ويُضرِم دائرة الكون، ويُضرَم من جهنم. وواضحٌ أننا لا يمكن أن نسيطر على اللسان إلا إذا سيطر الروح القدس علينا، وعلى اللسان فينا! وقال الرسول يعقوب إن اللسان صغير الحجم ولكنه كبير التأثير، وشبَّهه بثلاثة أشياء: باللجام الصغير الذي نضعه في فم حصانٍ كبير فيسهل علينا توجيهه إلى حيث نريد، وبالدفَّة الصغيرة التي تعدِّل اتجاه سفينة كبيرة، وبالنار القليلة التي تحرق وقوداً كثيراً. فاللسان عضوٌ صغير ولكنه عظيم التأثير: يقول كلمةً فيسبِّب كارثة، ويقول كلمة أخرى فيسبِّب بركة. "الموت والحياة في يد اللسان" (أمثال 21:18). باللسان الواحد نبارك الله الآب ونلعن الناس الذين خلقهم الله على صورته! فكيف يصدر العذب والمرّ عن اللسان الواحد؟ وكيف تصدر منه البركة واللعنة معاً؟ هذا شيء غريب لا نجده في عالم الطبيعة، فشجرة الفاكهة تثمر ذات الثمر دائماً، ولا يمكن أن نجتني منها يوماً فاكهة، ويوماً آخر شوكاً. ولا يمكن أن نستقي من ينبوعٍ واحد ماءً عذبا، ثم ماءً مُرّاً! ومع ذلك فإن الشخص الواحد ينطق مرة كلاماً عذباً وبعد دقائق يتكلم كلاماً مراً! يناقش الرسول بطرس المسئوليات العائلية، فيحدّث الزوجات، ثم يحدث الأزواج، فيقول للرجال إن الخصام في البيت يعطل استجابة الصلاة، ثم يقول: "كونوا جميعاً متَّحدي الرأي بحسٍّ واحد، ذوي محبة أخوية، مشفقين لطفاء، غير مجازين عن شر بشر أو عن شتيمة بشتيمة، بل بالعكس مباركين، عالمين أنكم لهذا دُعيتم لكي ترثوا بركة، لأن من أراد أن يحب الحياة ويرى أياماً صالحة فليكفُف لسانه عن الشر وشفتيه أن تتكلما بالمكر. ليُعرِض عن الشر ويصنع الخير. ليطلب السلام ويجدّ في أثره. لأن عيني الرب على الأبرار، وأذنيه إلى طلبتهم، ولكن وجه الرب ضد فاعلي الشر" (1بطرس 7:3-12). يريد الله أن يباركنا بنعمة اللسان العفيف، فنردّ على الشتيمة ببركة، فيحوِّل الله اللعنة إلى بركةٍ لنا. قال سليمان الحكيم: "من يحفظ فمه يحفظ نفسه. من يشحر (يفغر- يفتح واسعاً) شفتيه فله هلاك" (أمثال 13:3). وقال أيضاً: "من يحفظ فمه ولسانه يحفظ من الضيقات نفسه" (أمثال 23:21). ما أعظم خسارة أصحاب الألسنة المنفلتة! وما أكبر الثمن الذي يدفعه الإنسان مقابل غلطة لسان! فلنسمع الوصية الرسولية: "ليكن كل إنسانٍ مسرعاً في الاستماع، مبطئاً في التكلُّم، مبطئاً في الغضب" (يعقوب 19:1). وقال الحكماء إن الله أعطانا أذنين ولساناً واحداً، لنسمع ضعف ما نتكلم. وقالوا إنه وضع الأذنين خارج الجسم، ووضع اللسان خلف بوَّابتين، هما بوَّابة الفكين وبوابة الشفتين، ليفكر الإنسان قبل أن يتكلم. لذلك قال المرنم: "قلتُ أتحفَّظ لسبيلي من الخطأ بلساني.. أحفظ لفمي كمامةً فيما الشرير مقابلي" (مزمور 1:39). وصلى المرنم: "لتكُن أقوال فمي وفكر قلبي مرضيَّةً أمامك يا ب، صخرتي ووليّي" (مزمور 14:19). ثانياً: التعفف في الطعام عندما يسيطر الروح القدس على حياتنا يجعلنا أعفَّاء في تناول الطعام، فبعض البشر يأكلون أكثر من كفايتهم، بينما غيرهم لا يجد ما يأكله. والذين يأكلون أكثر مما تحتاج أجسادهم ينفقون المال والجهد ، بعد ذلك، ليُنقِصوا أوزانهم. وما كان أغناهم عن الأمرين! أما الذي يسيطر الروح القدس عليه فإنه يأكل ليعيش، ويعتني بجسده لأنه هيكلٌ مقدس للرب مستعد لكل عمل صالح، ولكنه لا يعيش لمجرد أن يأكل ويُشبع احتياجات جسده. إن الحيوان يتوقف عن تناول طعامه متى امتلأت معدته، ويحتاج كثيرون من البشر أن يتعلموا هذا الدرس منه! وأوصى إمام الحكماء سليمان بالتعفف وضبط النفس في تناول الطعام، فقال: "ضع سكيناً لحنجرتك إن كنتَ شرِهاً.. أَوَجدْتَ عسلاً؟ فكُل كفايتك، لئلا تتَّخم فتتقيَّأه" (أمثال 2:23 و16:25). كما طالب المسيح تلاميذه بالتعفف وحذَّرهم من الأمور التي تعطلهم عن الاستعداد لمجيئه ثانيةً، وهي محبة العالم، والترفُّه، واللذات الجسدية، وزيادة الاهتمام بأمور هذه الحياة، فقال: "احترِزوا لأنفسكم لئلا تَثْقُل قلوبُكم في خُمارٍ وسُكرٍ وهموم الحياة، فيصادفكم ذلك اليوم (يوم الحساب) بغتةً" (لوقا 34:21). وأذكر مثلين عن التعفف في تناول الطعام: 1 - الرِّكابيون: وهو أبناء رِكاب، الذين عاهدوا والدهم أن لا يشربوا خمراً وأن يسكنوا في الخلاء، وثبتوا في عهدهم. وأمر الله إرميا النبي أن يمتحن إخلاصهم لوصية أبيهم بأن يستدعيهم ويُدخلهم إحدى غرف الهيكل، وأن يقدِّم لهم خمراً ليشربوا. ومع أن الأمر صدر لهم من نبيٍّ، وطلب منهم أن يشربوه في الهيكل، إلا أنهم رفضوا طلب النبي، بسبب عهدهم مع أبيهم. وقال الله للنبي إرميا إن بني رِكاب أكثر أمانةً لعهدهم مع أبيهم من أمانة بني إسرائيل لعهدهم مع الرب! (إرميا 25). لقد كانوا أعفّاء بالرغم من السلطان الذي كان من وراء الأمر لهم بشرب الخمر! 2 - دانيال: وكان مسبياً أسيراً في قصر الملك البابلي، وكان مجبراً أن يأكل طعاماً لا يستريح إليه ضميره، وأن يشرب شراباً ممنوعاً بحسب شريعة موسى. ولو أن دانيال أراد أن يأكل ويشرب لوجد لنفسه أعذاراً وجيهة ومقنعة. لكنه "وضع في قلبه أن لا يتنجَّس بأطايب الملك، ولا بخمر مشروبه" (دانيال 8:1). وأكرم الله دانيال كما أكرم هو الله. وما أحوجنا أن نثمر ثمر الروح: تعففاً، ونحن نمتنع عن الخطأ ونضبط نفوسنا. ثالثاً: التعفف في المعاملات يطالبنا الوحي المقدس أن نكون أعفّاء النفوس في كل معاملاتنا، فنضبطها وقت الغضب. قال سليمان الحكيم: "البطيء الغضب خير من الجبّار، ومالك روحه خيرٌ ممن يأخذ مدينة" (أمثال 32:16). فقد يغزو قائدٌ مدينة وينتصر على أعدائه، ويأخذ تلك المدينة. لكن ما لم ينتصر على نفسه وعلى غضبه وعلى طباعه السيئة، فإنه لا بد سيخسر ما قد كسبه. وقال سليمان الحكيم أيضاً: "مدينة منهدمة بلا سور، الرجل الذي ليس له سلطان على روحه" (أمثال 28:25). فالذي لا سلطان له على روحه يشبه مدينة منهدمة، وبلا سور، معرَّضة للهجوم في أية لحظة، ولا بد ستسقط بغير مقاومة، لأنها بغير حماية. وكل من يسيطر الروح القدس عليه يتعفف في الأمور الجنسية، عملاً بالوصية الرسولية: "ليكن الزواج مكرَّماً عند كل واحد، والمضجع غير نجس. أما العاهرون والزناة فسيدينهم الله" (عبرانيين 4:13). وهذا ممكن مهما كانت الظروف قاسية، فقد كان يوسف بن يعقوب عبداً في بيت فوطيفار رئيس الشرطة المصرية، وراودت زوجة فوطيفار يوسف عن نفسه، فقال لها: "هوذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت، وكل ماله قد دفعه إلى يدي. ليس هو في هذا البيت أعظم مني، ولم يمسك عني شيئاً غيرك، لأنك امرأته. فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟" (تكوين 8:39 و9). كان يوسف عبداً أسيراً، ولو أنه أراد أن يخطئ لوجد الأسباب التي يتذرَّع بها أمام ضميره وأمام الآخرين. لكن عمل روح الله فيه كان برهان ربه الذي حفظه من الخطأ. وقد سيطر الروح القدس على تصرفات الرسول بولس. وعندما وقف أمام الوالي فيلكس متَّهماً بتدنيس الهيكل اليهودي، دافع عن نفسه، وكلَّم الوالي عن البر، والتعفف، والدينونة العتيدة أن تكون، فارتعب فيلكس. كان السجين واقفاً أمام الحاكم مُقيّداً بالسلاسل، ولكن قيوده كانت من الخارج فقط، أما في داخله فقد كان حراً لأنه كان يعرف حق الله، فحرَّره الحقُّ الإلهي (يوحنا 32:8). وكان الوالي فيلكس يجلس على كرسي الحُكم، وإلى جواره زوجته اليهودية دروسلا، التي كان قد أغراها وأخذها من زوجها الشرعي. لكنه كان عبداً للشهوة والقسوة والرشوة. فارتعب الوالي من كلام السجين، ولم يرتعب السجين من سلطان الوالي. وأبقى الوالي السجين البريء في السجن لأنه أراد أن يأخذ منه رشوة، مع أنه يملك الكثير! فكان بولس العفيف الفقير في المال غنياً في الله، وكان الوالي الغني في المال فقيراً في داخله. وانتهى الأمر بهلاك فيلكس لأنه لم يضبط نفسه، ويبقى الرسول بولس في المجد الإلهي، لأنه أدرك أن ثمر الروح: تعفف (أعمال 24:24-26). صلاة بقوة روحك القدوس يا رب، ضع عواطفي تحت سلطان عقلي المستنير بكلمتك وبإرشاد روحك القدوس، فأنا بدونك عاجزٌ عن كبح جماح غضبي، والسيطرة على مشاعري. أعطني فكر المسيح، واضبط قلبي ولساني وجسدي لأعمل مشيئتك دائماً. آمين. |
||||
27 - 12 - 2013, 01:15 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: ثمر الروح القدس " للدكتور القس منيس عبد النور"
مشاركة جميلة جدا ربنا يباركك |
||||
04 - 01 - 2014, 03:51 AM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: ثمر الروح القدس " للدكتور القس منيس عبد النور"
شكراً أختى مارى على مرورك الجميل
|
||||
|