17 - 04 - 2013, 02:55 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: نشيد الأناشيد: قدس أقداس الكتاب المقدس
والقديسة تريزا الأفيلية تؤكد أيضاً: "إنّ النشيد يرسم خطّاً، عند قرّائه، بين مَن لا يجدون فيه سوى ذريعة للضحك ومَن يدركون، لأنّهم يعيشونه، "ما يجري بين الله والنفس".
لقد كان أوريجانوس أول من قرأ في النشيد قصيدة عن اتحاد النفس بكلمة الله فكان ذلك مصدر إلهام أساسي للتصوف المسيحي الذي فيه يتطور مفهوم الحواس الروحية الذي يجعل من التصوفية معرفة اختبارية للأمور الإلهية. منذئذٍ، وشيئاً فشيئاً، أصبح نشيد الأناشيد ذلك النشيد المثاليّ الذي يتغنّى بإلفة الحبّ مع الله، والنصّ المفضَّل عند الذين "يلتمسون وجه الله". إنّه قصيدة الحياة المسيحيّة التي تُفهَم بمعناها الجذريّ كحياةٍ مطعَّمة في سرّ الله، ومهتمّة بالنموّ، برعاية الله، في إلفة حضوره. ومن بين جميع النصوص الكتابيّة، يظهر وكأنّه النصّ الذي يلبّي على أفضل وجه رغبة النفس في "أن تكون متّحدة بكلمة الله وأن تلج أسرار حكمته وعلمه كما لو أنّها تَلِج خِدْر العريس السماويّ"، على حدّ قول أوريجانيس أيضاً. إن فُهِم النشيد على هذا النحو، بدا متلائماً بوجه طبيعيّ جداً مع الحياة النُسكيّة، بقدر ما هي التماس لوجه الله وتغنٍّ بمجده واستباق للتسبيح الأبديّ. فمن الصفحات الأولى من قانون القدّيس مبارك، حدَّد تلك الحياة بأنّها التماس الإنسان لوجه الله، وهو نفسه يبدأ بالبحث عن الإنسان. إنّها تلبية الحبّ بالحبّ. وسيناريو النشيد ينسجم مباشرةً مع هذا الوضع. وعلى كلّ حال، قرئ السفر وفسِّر بلا ملل في حصون الأديرة على مدى الأجيال، ولاسيّما في العصر الوسيط، وخلافاً لما قد نميل للاعتقاد به، نحن المعاصرين، فإن التفاسير النسكية للنشيد "تشهد على أدب طاهر وعلى بيئة وحب طاهرين أيضاً" (الحب كما رآه النساك في القرن الثاني عشر، ص68). هكذا فقد أضحى النشيد في قلب التصوف المسيحي لغة حقيقية يعرفها فقط "عشاق اسم الله"، مثال القديس برناردوس يوحنا الصليب وتريزا الأفيلية وتريز الطفل يسوع وغيرهم، لا بل يفهمونها ويتكلمونها، ويرون أنفسهم في كلمات النشيد، كما ترى الكنيسة نفسها في الحبيبة العروس التي خلصها المسيح بحبه وجعلها قادرة هي أيضاً على أن تحب حباً تاماً. |
||||
17 - 04 - 2013, 02:55 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: نشيد الأناشيد: قدس أقداس الكتاب المقدس
4- النشيد والنظرة التفسيرية المعاصرة
لا شكّ أنّ معنى النشيد المباشر، وهو معنى حوار غراميّ وإشادة متبادلة يحرّكان القلوب والأجساد، لم يُثر اهتمام القراءات الكنسيّة التمثيليّة المعروفة منذ القديم إلاّ قليلاً جدّا، إذ كان الهمّ الأوّل الإسراع في الابتعاد عن هذا المستوى من النص أو عدم ذكره إلاّ للتحذير من أخطاره. هناك أبحاث أقرب إلى زمننا تدلّ على جودة الحب البشريّ الذي اشتبه به أو حطّ من قدره – لا الكتاب المقدّس- بل أجيال مسيحيّة باردة. وغالباً ما تضيف تلك الأبحاث أنّ التعبير المتهلِّل والشهوانيّ الذي يصف به النشيد هذا الحب ليس هو رسالة أقلّ أهميّة من المعنى الذي أضفته القراءة التمثيلية على القصيدة. "خلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم". على هذه الكلمات الافتتاحية وحدها، إذ إنّها وردت في الفصل الأوّل من سفر التكوين، أن تنبذ جميع أنواع التزمت وجميع أنواع ترويض النفس غير المفهومة كما يجب. وتأتي بقيّةُُ النصّ، في الفصل الثاني بإثبات، حين ترينا آدم يُعجب باكتشاف مَن دعاها "عظماً من عظامي ولحماً من لحمي". ويختتم النشيد تلك الرؤيا الكتابيّة بإظهار رجل وامرأة يحبّ أحدهما الآخر، في جو من المساواة والحريّة، الواحد إزاء الآخر، الواحد في سبيل الآخر، حبّاً يكون فيه الجسديّ روحيّاً والروحيّ جسديّاً. تلك هي الرسالة، البسيطة والثمينة إلى أبعد حدّ، التي يتضمَّنها هذا السفر الكتابيّ الذي كان موضوع جدال شديد. من هنا نرى أن قراءة النشيد في عالم اليوم هي قراءة تجمع هذين العالمين اللذين يبدوان مختلفين وغريبين الواحد عن الآخر: عالم الحب البشري وعالم العهد كما اختبره إسرائيل والكنيسة. لقد وجدت الكنيسة في النشيد، على مر التاريخ وما زالت، تعبيراً عن أعمق ما تعيشه في صلتها بالله، لكن في الوقت نفسه هناك نظرة جديدة إيجابية لكلمات النشيد بحرفيتها كما كُتِبت، تستنير بفعل الخلق وتُنصِف هذه القصيدة وتحُرِّرها من التفسير الخاطىء. ففي عالم الكتاب المقدس حيث يخرج الإنسان من يدي الله، ليس هناك حقيقة طبيعية غريبة عن الرِهانات الروحية. والحديث عن جودة الحب، في نظامه، والمتحرر من وسواس رتب الخِصْب الوثنية، هو طريقة للحديث عن الله، وأيضاً عن الرجل والمرأة، وفقاً للكتاب المقدس، وهو عمل لاهوتي عظيم. هُناك إذاً عدّة مستويات من المعاني تشقّ طريقها في أيامنا أيضاً. وبدل أن يُرفع المعنى البشري في وجه المعنى الإلهيّ ويتضادّ المعنيان، يذكَّر بأنّهما جُعِلا ليردّدا الصوت معاً وليتآلفا، لأنّ ما هو بشريّ وما هو إلهيّ في الكتاب المقدّس ينسجمان من بداية الوحي إلى نهايته. ويذكَّر أيضاً غالباً بأنّ المفاهيم اللاهوتيّة تستمد قوّتها وغناها من كونها تستند إلى حقائق أنتروبولوجيّة نختبرها عموماً. والوحي الكتابيّ كلُّه مبنيّ على هذا المبدأ. والتقليد المسيحيّ هو، ولا شكّ، تقليد التجسد! وفي ما يختصّ بالحبّ فعلى مستوى أعلى أيضاً من مستوى ما يختصّ بسائر الأمور. إنّ الله يتجلّى لإسرائيل متّخذاً العلاقة الزوجية كنموذج و مرجع مفضَّلين، على رغم تزوير الحبّ والجراح التي تؤثِّر في هذا الواقع وتشوِّهه. هناك اليوم إذا حديث عن تعدد المعاني في النشيد وعن الفهم المزدوج والمدى المزدوج حيث يعبر النشيد عن الحب البشري بين الرجل والمرأة لكن بلغة تستعيد لغة الحب الإلهي، لغة العهد الداودي والمشيحي. من هنا تأتي صحة الاستماع المزدوج للنشيد، وهذا الاستماع المزدوج الذي كان مألوفاً عند حكماء إسرائيل، يزيل عن النص تهمة الانعزال. إنه نشيد يتأصل الرمز فيه في الواقع فيجعل منه مثلاً رائعاً مزدوج المعنى، كل حقيقة فيه تسلط الضوء على الأخرى وتتعمق فيها. إن قوة النشيد تكمن في أنها تجمع بين هذين المَدَيَيْن، وبنفس الكلمات المتوازنة يعبر عن حقيقة العلاقة بين الرجل والمرأة، وحقيقة العلاقة بين الله والشعب الذي أعاد الله خلقه على وفق قلبه. |
||||
17 - 04 - 2013, 02:56 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: نشيد الأناشيد: قدس أقداس الكتاب المقدس
إن حب الرجل والمرأة في جمال كيانهما الأصلي، قد شوشته وشوهته الخطيئة فأضحى ممتزجاً بالعنف والإغواء، وهو مثال الأمور البشرية التي تحتاج إلى خلاص يعيد خلقها وصنعها وفقاً لاستقامتها الأصلية. هذا الخلاص هو العهد الذي عاشه إسرائيل وتجلى بملئه في المسيح، وهو الجواب على كل سؤال يخص موضوع الحب الحقيقي التي تشارك في جودته الأجساد والقلوب على السواء.
فليس إذاً من غير الجائز أن نقرأ في النشيد، مع التقليد، نشيد العهد الذي ينشده المسيح والكنيسة، كما أنّه ليس أيضاً من غير الجائز أن نرى فيه نشيد حبٍّ بشريّ يستمد من النشيد الأوّل جودته وجماله الأصليين والجديدين في وقت واحد. وأكثر من ذلك، يُنصَح حتّى أن يُقرأ النشيدان معاً! لأن الاستماع إلى صوت النشيد الخاصّ يقوم على الشعور بتعدّد الأصوات هذا. وفي ذلك تبرير جديد لاستعمال العنوان في صيغة التفضيل. فيصبح المعنى الحرفي ذلك المعنى المكثّف الكامل المُشبع، لأنّ فيه تتم خلاصة ما هو بشري وما هو إلهيّ، تماماً كما يلتقي الناسوتُ واللاهوت في المسيح ليكشفا معاً عن الآب وعن الإنسان. ونلاحظ أنّ التشابك بين الحبيّن، الإلهي والبشري، كما بين العهدين، الإلهي والبشري، هو من معطيات الكتاب المقدس الأساسية، وهذا واضح في الأسفار النبويّة، ولكن ذلك يتحقّق أيضاً على مستوى النص بمجمله. إن النشيد موضوع في الواقع على مسار كبير ينطلق من التكوين إلى الرؤيا. وهو يُشبه فيه رأساً عالياً يُطلّ منه النظر، في وقت واحد، على بدايات العالم، والرجل والمرأة، ويستطيع منه أن يبلغ النهاية، حيث تصوّر الرؤيا مدينة أورشليم، "مثلَ عروسٍ مزيَّنةٍ لعريسها". ومن بداية السفر إلى نهايته، تمتدّ حركة أخذ وردّ بين الرجل والمرأة من جهة، والله وإسرائيل، والمسيح والكنيسة من جهة أخرى. أمّا نقطة الوصول فهي، ولا شكّ، نص الرسالة إلى أهل أفسس 5/32 حيث بلغ بولس بالمقارنة إلى حد إعلانه أن هناك "سرّاً عظيماً"، أي حقيقة تتعلّق بمخطّط الله الأزليّ، على التاريخ البشري وفيه. إنّ القرّاء العصريّين أصبحوا، ولا شكّ، شديدي التأثر ببُعد أنتروبولوجي تجاهله الأسلاف، أو حجبه تفسير كنسيّ، فرديّ أو جماعيّ، متسرّع. ولا شكّ أنّها فرصة لزماننا الحاضر بأن نعرف كيف ننصف هذا المظهر على وجه أفضل، وبأن ندرك إدراكاً أفضل أنّنا لا نتجاهل ما هو إلهيّ حين نتوقّّف عند ما هو بشريّ. وهذا الإحساس الجديد هو ربح. فهو يمكّننا أن نتخطّى ضيق الأفق الذي ميّز في الماضي الصلة بالجسد وأبعد في الواقع عن الكتاب المقدّس. ونحن نعرف اليوم كيف نقرأ النشيد قراءة أفضل. فنتوقّف عند كلمات لنسمعَها فعليّاً ونكتشف أنّها تؤلف موقفاً لاهوتياً. وليست السرعة التي نبتعد بها عن المدى الجسديّ هي التي تجعل قراءة النشيد أكثر صبغة روحانيّة، بل بالأحرى الطريقة التي نكتشف بها، ونحن نسمع أناشيد الحبّ الساحرة التي ينشدها الحبيب والحبيبة، وحدة الحبّ وقدرته، ذلك الحبّ الذي يسند العالم ويوجّه التاريخ، باجتياز ظلمات الخيانات كلّها والإنهزامات كلّها". |
||||
17 - 04 - 2013, 02:56 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: نشيد الأناشيد: قدس أقداس الكتاب المقدس
خاتمة
لقد بدأ التقليد أولاً بقراءة الشيء الجوهريّ في نشيد الأناشيد، ورأى فيه نشيد حياة العماد والحوار الذي يكشف مَن هي الكنيسة ومن أيّ سرّ حبّ تُولَد وتحيا. وكان ذلك زمن القراءة التمثيلية، من دون أيّ مشاركة تقريباً: فإنّ معنى النصّ الحرفيّ، وقد فُهِم على أنّه المعنى الذي قصده الكاتب، كان مطابقاً لهذا التفسير. ثمّ جاء في العصر الحديث زمن آخر لم يشأ أن يقرأ، وبجدل كبير أحياناً، إلاّ نشيد الرجل والمرأة كما تحلم به البشريّة. فتطابق المعنى الحرفيّ مع المعنى الأنتروبولوجيّ. ثم قام زمن ثالث- قد يكون زمننا- بوضع خلاصة لهاتين القراءتين: فاعتبر أنّ النشيد يعبّر عن علاقة الحبّ القائمة بين الله وشعبه وبين المسيح والكنيسة، ويتيح لنا، في الوقت نفسه، أن نرى الرجل والمرأة ونُعجبَ بهما، إذ إنّهما أصبحا قادرين على إتمام إنسانيّتهما، الواحد في سبيل الآخر، والواحد بالآخر، في ابتهاج هادئ. ويكون معنى النشيد حركة أخذ وعطاء متبادلة بين هذين المَدَيَيْن، لأنّ بشرى الإنجيل تطال هاتين الحقيقتين الواحدة بالأُخرى. ومهما يكن من أمر يبقى نشيد الأناشيد هو أغنية الكنيسة المفضلة، لأنه نشيد الحب الذي ينشده عريسها المسيح لها وتنشده هي العروس له وتربي أبناءها من رجال ونساء عليه. إنه تعبير عن أجمل وأصدق اتحاد في الحب، إتحاد دائم وأبدي وصادق، حب خاتمه هو على القلب، حب لا يشوب جماله عيب ولا يقوى عليه الموت. |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
نشيد الأناشيد |
الحب في سفر نشيد الأناشيد |
نشيد الأناشيد |
الكتاب المقدس - سفر نشيد الأناشيد |
الحب في سفر نشيد الأناشيد |