29 - 01 - 2013, 08:34 AM | رقم المشاركة : ( 11 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: كتاب مريم العذراء للمطران كيرلس سليم بسترس
ج) مريم العذراء "أمّ ربّي" بعد أن تُبارَك يهوديت، "يُبارَك الربّ الإله الذي هداها لضرب رأس قائد أعدائنا". هنا، بعد أن تُبارَك مريم العذراء، يُبارَك ثمرة بطنها، الربّ يسوع المسيح. ففي مريم العذراء لم يعد الربّ المخلّص قدرة تأتي إلى الإنسان من الخارج بل صار شخصاً متجسّدًا في أحشاء مريم العذراء. أليصابات تقول عنه إنّه "ربّي". ومريم هي "أمّ ربّي". وفي ذلك تذكير بقول داود في المزمور 110: "قال الربّ لربّي: إجلس عن يميني، حتى أجعل أعداءك موطئًا لقدميك". والسيّد المسيح نفسه يسأل اليهود عن معنى هذا القول: "كيف يقال إنّ المسيح هو ابن داود، وداود نفسه يقول في سفر المزامير: قال الربّ لربّي: إجلس عن يميني، حتّى أجعل أعداءك موطئًا لقدميك؟ فداود يدعوه ربًّا، فكيف يكون هو ابنه؟" (لو 20: 41- 43). لا جواب على هذا السؤال إلاّ بالاعتراف بأنّ المسيح هو كإنسان ابن داود وكابن الله ربّ له. هتاف أليصابات إعلان إيمان بألوهية المسيح. ومن ألوهية المسيح تتّخذ مريم العذراء أشرف لقب لها، كما سنرى في مجمع أفسس، لقب "والدة الإله"، لأنّها ولدت المسيح الذي هو الربّ ابن الله. |
|||
29 - 01 - 2013, 08:35 AM | رقم المشاركة : ( 12 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: كتاب مريم العذراء للمطران كيرلس سليم بسترس
د) مريم العذراء المؤمنة "طوبى للّتي آمنت بأنّه سيتمّ ما قيل لها من قبل الرب". مريم العذراء آمنت ببشارة الملاك جبرائيل لها بأنّها ستلد ابنها يسوع بقدرة الروح القدس. يقول البابا يوحنّا بولس الثاني في رسالته العامّة "أم الفادي": "يمكننا أن نقارن بين إيمان مريم وإيمان إبراهيم الذي يدعوه الرسول "أبًا لنا في الإيمان" (رو 4: 12). ففي التبرير الخلاصي الذي أوحى به الله، نرى أنّ إيمان إبراهيم هو مطلع العهد القديم، فيما يَستهلّ إيمان مريم في البشارة العهد الجديد. وكما أنّ إبراهيم "آمن على خلاف كل رجاء فصار أبًا لأمم كثيرة" (رو 4: 18)، كذلك مريم في البشارة، فقد آمنت، بعد أن أشارت إلى عزمها على البتوليّة ("كيف يكون ذلك وأنا لا أعرف رجلاً؟")، أنّها ستصير أمًّا لابن الله بقدرة العليّ، بالروح القدس، كما أوضح الملاك: "المولود منك سيدعى قدّوسًا وابن الله" (لو 1: 35)... أن نؤمن يعني أن نستسلم إلى حقيقة كلمة الله الحيّ، وعيًا منّا وإقرارًا في تواضع "كم أنّ أحكامه بعيدة عن التنقيب وطرقه عن الاستقصاء" (رو 11: 33). ومريم التي يمكن القول إنّها وُضعت، بإرادة العليّ الأزلية، في وسط "طرق الله هذه البعيدة عن الاستقصاء"، وهذه "الأحكام البعيدة عن التنقيب"، ترضخ لها في ظلمة الإيمان، وتقبل قبولاً كلّيًا، والقلب منفتح، مضامين مخطّط الله كلّها". |
|||
29 - 01 - 2013, 08:40 AM | رقم المشاركة : ( 13 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: كتاب مريم العذراء للمطران كيرلس سليم بسترس
ه) مريم العذراء التي بها صنع الله القدير العظائم (لو 1: 46- 55) جوابًا على أقوال أليصابات، أنشدت مريم نشيدًا تعظّم فيه الله الذي صنع بها عظائم لشعبه: "تعظّم نفسي الرب..." (لو 1: 46- 55). هذا النشيد منسوج في معظمه من آيات من العهد القديم تذكّر بالعظائم التي صنعها الله تجاه شعبه منذ وعده لإبراهيم. وقد بلغت وعود الله الماسيوية كمالها في شخص مريم العذراء وفي المسيح الذي وُلد منها. الفكرة الأساسية التي يدور حولها هذا النشيد هي أنّ عظمة الله تظهر في ضعة الإنسان. فالخلاص لا يأتي من الإنسان بل من الله، كما أنّ المسيح لم يأت "من مشيئة رجل" بل "من الله" (يو 1: 13). هذا النشيد نسّقه لوقا على مثال نشيد حنّة أمّ صموئيل النبي. فلقد تحقّق في مريم العذراء ما صنعه الربّ قديمًا في حنّة العاقر. حنّة، وقد أذلّها عقرها، صلّت إلى الربّ وقالت: "يا ربّ القوات، إن أنت نظرت إلى ضعة أمتك، وذكرتني ولم تنس أمتك، وأعطيت أمتك مولودًا ذكرًا، أعطه للربّ لكل أيّام حياته.." (1 صم 2: 1- 11). ولمّا استُجيبت صلاتها، أنشدت نشيدًا يمكننا أن نقارن بينه وبين نشيد مريم العذراء: نشيد حنّة نشيد ماسيوي يعبّر عن رجاء الفقراء المستضعَفين المتواضعين، وينتهي بذكر المسيح الملك: "الربّ يدين أقاصي الأرض، يهب عزّة لملكه ويرفع رأس مسيحه" (آية 10). والمسيح هو نسل إبراهيم الذي تجسّدت فيه رحمة الرب من جيل إلى جيل. "جميع الأجيال تغبّط مريم العذراء لأنّ القدير صنع بها عظائم". لا تنسب مريم العذراء لذاتها أيّ مجد. يكفيها فخرًا أنّ الله اختارها ليصنع بها عظائم الخلاص ويأتي منها المسيح. ولكنّ شخصها ليس غريبًا عن تلك العظائم الخلاصية. فهي أمّ المخلّص، وقد أسهمت في الخلاص بقبولها أن تصير أمّ المسيح: "ليكن لي بحسب قولك". لذلك تغبّطها جميع الأجيال، وتكرّمها الكنيسة في صلواتها وفي كرازتها. |
|||
29 - 01 - 2013, 08:40 AM | رقم المشاركة : ( 14 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: كتاب مريم العذراء للمطران كيرلس سليم بسترس
5- مريم العذراء في ميلاد السيّد المسيح (لو 2: 1- 20؛ متّى 2: 1- 23) أحداث ميلاد السيّد المسيح يرويها كلّ من لوقا ومتّى، وفي كلتا الروايتين يبدو دور مريم مرتبطاً ارتباطاً وثيقًا بدور ابنها: فهي، في إنجيل لوقا، "أمّ المخلّص، المسيح الربّ" (لو 2: 11) الذي أنشد لميلاده الملائكة في السماء والرعاة على الأرض، وفي إنجيل متّى "أمّ الملك" (متّى 2: 2) الذي جاء المجوس من المشرق ليسجدوا له (متّى 2: 2، 8، 11). مريم في هذه النصوص الإنجيلية تعطي المسيح للعالم وتشهد لما صنعه الله للعالم من عظائم إذ أرسل إلينا الربّ يسوع المسيح مخلّصاً وملكًا. رواية ميلاد السيّد المسيح في لوقا (2: 1- 20) تركّز على ظهور خلاص الله في طفل وضيع من نسل داود: "وصعد يوسف أيضاً من الجليل، من مدينة الناصرة، إلى اليهودية، إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم -فإنّه كان من بيت داود ومن عشيرته- لكي يَكْتَتِب مع مريم خطيّبته التي كانت حُبلى. وفيما كانا هناك تمَّت أيّام وضعها، فولدت ابنها البكر فقمَّطته وأضجعته في مذود، إذ لم يكن لهما موضع في النّزل" (2: 4- 6). ميلاد وضيع: طفل من نسل داود يُضجعَ في مذود. إنجيل يعقوب المنحول يذكر ميلاد يسوع في مغارة: "وجد يوسف هناك مغارة" (18: 1). إلاّ أنّ هذا الطفل هو "المخلّص المسيح الرب"، بحسب قول "ملاك الربّ" للرعاة. طفل وضيع، مذود حقير، رعاة فقراء، وامرأة عذراء: هذا هو الإطار الذي يظهر فيه "مجد الربّ" (آية 9). في ضعف الإنسان تظهر قدرة الله، لكي يتبيّن جليًّا أنّ الخلاص ليس من إنسان بل من الله. لذلك "انضمّ بغتة إلى الملاك جمهور من الجند السماويّين يسبّحون الله ويقولون: المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام للناس الذين بهم المسرّة" (أي مسرّة الله ورضاه) (2: 13- 14). إزاء خلاص الله نرى الرعاة "يخبرون بما قيل لهم عن هذا الصبيّ" (2: 17)، ثمّ في نهاية الرواية "رجع الرعاة وهم يمجّدون الله، ويسبّحونه على جميع ما سمعوا وعاينوا، على حسب ما قيل لهم" (2: 20). و"كلّ الذين سمعوا أعجبوا بما قال لهم الرعاة" (2: 18). نحن هنا إزاء عمل الله الذي يملأ الناس إعجابًا وتسبيحًا. وتنتقل أناشيد التمجيد من الملائكة في السماء إلى الرعاة على الأرض. "وأمّا مريم فكانت تحفظ هذه الأقوال (أو الأمور) كلّها، وتتأمّل فيها في قلبها" (لو 2: 19). "على مرّ السنين، طوال حياة يسوع الخفيّة في بيت الناصرة ظلّت مريم، هي أيضاً المستترة في الله" (كو 3: 3) في الإيمان. وفي الواقع، إنّ الإيمان هو اتّصال بسرّ الله. ومريم على اتّصال دائم ويوميّ بالسرّ اللاموصوف، سرّ الإله المتجسّد، وهو سرّ يتجاوز كلّ ما أوحي به في العهد القديم". |
|||
29 - 01 - 2013, 08:41 AM | رقم المشاركة : ( 15 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: كتاب مريم العذراء للمطران كيرلس سليم بسترس
6- مريم العذراء أمّ المسيح المتألّم الفادي (لو 2: 22- 40) "لمّا بلغ ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس وننال التبنّي" (غلا 4: 4- 5). خضعت مريم للناموس الذي كان يطلب من كل امرأة أن تذهب مع مولودها إلى الهيكل في اليوم الأربعين بعد الولادة لتقوم برتبة التطهير وفداء ابنها البكر. الطهارة المشار إليها هنا ليست الطهارة الخلقيّة التي تعني الامتناع عن الخطيئة، بل الطهارة الطقسيّة التي تعني إمكان التقرّب من الأقداس. فولادة طفل تمنع المرأة مدّة أربعين يومًا من التقرّب من كل ما هو مقدّس (راجع أح 12: 1- 8). وفي اليوم الأربعين تأتي إلى الهيكل "بحمل حولي محرقة، وبفرخ حمام أو بيمامة ذبيحة خطيئة... وإن لم يكن في يدها ثمن حمل، فلتأخذ زوجي يمام أو فرخي حمام، أحدهما محرقة والآخر ذبيحة خطيئة، فيكفّر عنها الكاهن فتطهر" (أح 12: 6- 8). كذلك يأمر الناموس بأن يُفدَى كل ذكر بكر، لأنّه ملك الرب، وذلك من بعد أن قتل الربّ كلّ بكر في أرض مصر، لمّا تصلّب فرعون ورفض إطلاق بني إسرائيل من مصر مع موسى (راجع خر 13: 2، 11- 16). يلتزم يوسف ومريم متطلّبات الناموس، غير أنّهما يدركان، حسب رواية لوقا، أنّ طفلهما هو ملك لله بنوع خاص. لذلك "صعدا به إلى أورشليم ليقدّماه للرب" (الآية 22). هذه التقدمة تذكّرنا بتقدمة حنّة لابنها صموئيل: "أعطه للربّ لكلّ أيّام حياته" (1 صم 1: 11). أدركت مريم انّ ابنها ليس لها، إنّما هو ابن الله. لذلك قدّمته لله بكلّ تجرّد وتضحية. ويسوع، الحمل الإلهيّ، الذي سيقدّم ذاته ذبيحة فداء على الصليب، تقدّمه أمّه إلى الهيكل علامة وتذكارًا لفداء العالم الذي سيحقّقه على الصليب. وترتسم بين أسطر النصّ الإنجيلي لوحة المسيح الفادي المصلوب الذي "جعل لسقوط ونهوض كثيرين في إسرائيل وهدفًا للمخالفة"، كما قال معان الذي أضاف متوجّهًا بكلامه إلى مريم العذراء: "وأنتِ أيضاً سيجوز سيف في نفسك، لكي تنكشف الأفكار من قلوب كثيرة" (الآية 25). مريم ستشارك ابنها في رسالته التي تقوده إلى الصليب، ستحمل في قلبها وفي أعماق نفسها آلام الأمّ، أمّ المسيح الفادي المصلوب. وفي هذه المشاركة ستدخل أكثر في ألفة ابنها، وستبقى قريبة منه، لذلك سنراها على أقدام الصليب. |
|||
29 - 01 - 2013, 08:42 AM | رقم المشاركة : ( 16 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: كتاب مريم العذراء للمطران كيرلس سليم بسترس
7- مريم العذراء تجد يسوع في الهيكل (لو 2: 41- 51) تجرّد مريم وتضحيتها بابنها يظهران أيضاً في مشهد يسوع وهو يترك مريم ويوسف يعودان من أورشليم بينما يبقى هو في الهيكل "وسط المعلّمين يصغي إليهم ويسألهم". ولمّا سألته مريم: "يا ابني لِمَ صنعت بنا هكذا؟ ها إنّي أنا وأباك نطلبك متوجّعين"، قال لهما: "ولم تطلبانني؟ ألم تعلما أنّي ملتزم بشؤون أبي؟". ويضيف النصّ الإنجيلي: "أمّا هما فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما". يسوع هو ابن الله، ونراه هنا يبتعد على نحو ما من أمّه ومن أبيه الشرعي اللذين "لم يفهما الكلام الذي قاله لهما". فعليهما أن ينموا هما أيضاً على غرار الرسل الذين "لم يفهموا هم أيضاً كلامه" عن آلامه (راجع مر 9: 30- 32). 8- "مَن أمّي ومَن إخوتي؟" (متّى 12: 46- 50؛ مر 3: 31- 35؛ لو 8: 19- 21) هذا التجرّد عينه يطلبه السيّد المسيح من أمّه في مشهد إنجيلي آخر من حياته العلنية: "فيما هو يكلّم الجموع، إذا أمّه وإخوته قد وقفوا في الخارج، طالبين أن يكلّموه. فقال له واحد: إنّ أمّك وإخوتك واقفون في الخارج يطلبون أن يكلّموك. فأجاب وقال للذي أخبره: من أمّي ومن إخوتي؟ ومدّ يده نحو تلاميذه وقال: ها أمّي وإخوتي. فإنّ كلّ من يعمل مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمّي" (متّى 12: 46- 50). الأمومة الطبيعيّة بحسب الجسد يجب في نظر يسوع أن تتخطّاها مريم العذراء لتنتقل إلى الأمومة الروحيّة التي تقوم على تتميم مشيئة الله الذي يدعوه يسوع "أبي الذي في السماوات"، مؤكّدًا، كما في النصّ السابق (لو 2: 49)، علاقته الخاصّة بالله التي يجب أن يؤمن بها كلّ تلاميذه، كما آمنت مريم. 9- "طوبى للبطن الذي حملك..." (لو 11: 27- 28) هذه القرابة الروحيّة نجدها أيضاً في نصّ آخر من إنجيل لوقا: "وفما هو يتكلّم بهذا، رفعت امرأة في الجمع صوتها وقالت له: "طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين رضعتهما. أمّا هو فقال: بل طوبى لمن يسمع كلمة الله ويعمل بها" (لو 11: 27- 28). القرابة الطبيعيّة ليست أهمّ ما يربط مريم العذراء بابنها يسوع. إنّها تستحقّ الطوبى ليس لأنّها أمّه وحسب، بل بنوع خاص لأنّها عملت بمشيئة الله: سمعت كلمة الله وعملت بها، منذ جوابها للملاك جبرائيل: "ليكن لي بحسب قولك"، حتّى آخر لحظة من حياتها. |
|||
29 - 01 - 2013, 08:43 AM | رقم المشاركة : ( 17 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: كتاب مريم العذراء للمطران كيرلس سليم بسترس
10- مريم العذراء في عرس قانا (يو 2: 1- 12) "تلك هي أولى عجائب يسوع، صنعها في قانا الجليل، وأظهر مجده، فآمن به تلاميذه" (الآية 11). يسوع المسيح أتى إلى العالم بواسطة مريم العذراء، وأولى عجائبه التي يظهر فيها مجده يصنعها على طلب من مريم العذراء. ولكنّه لا يصنعها إلاّ بعد أن يضع أمّه في إطار رسالته الماسيوية، ويشير إلى ساعة آلامه، ويدعو أمّه "امرأة"، كما سيفعل وهو على الصليب: "ما لي ولك يا امرأة؟ إنّ ساعتي لم تأت بعد" (الآية 4). نحن هنا إزاء رسالة المسيح الذي يبدأ فيها عهدًا جديدًا مبنيًّا على عطاء ذاته وإهراق دمه على الصليب. الماء المعدّ لغسول اليهود يتحوّل بكلَمة من المسيح إلى خمر أفضل من خمر العرس. العرس رمز العهد بين الله وشعبه. والخمر الجيّدة التي يسقيها يسوع تشير إلى أفضلية العهد الجديد على العهد القديم. بدل الغسول والتطهير وسائر الطقوس المفروضة في العهد القديم، يمنح السيّد المسيح شعبه الجديد خمر المائدة الجديدة، ويعطيه بسخاء ست خوابٍ من حجر تسع كلّ واحدة منها كيلين أو ثلاثة (الكيل يساوي أربعين لترًا). وتحوّل الماء إلى خمر لا يتمّ إلاّ بكلمة من المسيح. أدركت مريم العذراء أنّ قول ابنها لها: "ما لي ولك يا امرأة؟ إنّ ساعتي لم تأتِ بعد"، ليس رفضاً بل هو رغبة منه في أن يضع تلك المعجزة في إطار رسالته الماسيويّة التي ستقوده إلى الصليب، وعلى مريم أن تنتقل من دور أمّ يسوع إلى دور "المرأة" المتجرّدة عن ابنها، المؤمنة برسالته وبقدرة كلمته. لذلك تقول للخدّام: "مهما قال لكم فافعلوه" (الآية 5). قول مريم هذا يذكّرنا بقول مشابه لفرعون عن يوسف ابن يعقوب وزيره الأعظم إبّان المجاعة التي اجتاحت مصر: "فلمّا جاعت كل أرض مصر، صرخ الشعب إلى فرعون لأجل الخبز"، فقال فرعون لجميع المصريين: "إذهبوا إلى يوسف، ومهما قال لكم فافعلوه... ففتح يوسف كلّ ما أودع، وباع للمصريين" (تك 41: 55). الزمن الماسيوي هو زمن العطاء المجّاني: "أيّها العطاش هلمّوا إلى المياه، والذين لا فضّة لهم هلمّوا اشتروا وكلوا، هلمّوا اشتروا بغير فضّة ولا ثمن خمرًا ولبنًا حليبًا. لماذا تزنون فضّة لما ليس بخبز، وتتعبون لما لا شبع فيه؟ اسمعوا لي سماعًا وكلوا الطيّب. ولتتلذّذ بالدّسم نفوسكم" (أش 55: 1- 2). مريم، في هذا النصّ الإنجيلي، توجّه أنظارنا إلى المسيح لنصنع ما يقوله لنا، ونتمّم إرادته كما أنّه هو يتمّم إرادة أبيه السماوي، إذّاك يظهر لنا مجد المسيح. يقول البابا يوحنّا بولس الثاني: "هناك عنصر جوهري في دور أمومة مريم، نراه في ما أمرت به الخدّام: "مهما قال لكم فافعلوه". إنّ أمّ المسيح تظهر أمام البشر وكأنّها الناطقة باسم الابن، تعبر عن إرادته وترشد إلى ما يقتضيه تجلّي قدرة المسيح الخلاصيّة. ففي قانا يستهلّ يسوع "ساعته" بفضل ضراعة مريم وطاعة الخدّام، وفي قانا تظهر مريم امرأة تؤمن بيسوع، وإيمانها هذا يُخرج إلى النور أولى العجائب ويسهم في بعث إيمان التلاميذ". ثمّ يتابع قداسة البابا موضحًا معنى وساطة مريم وعلاقتها بوساطة السيّد المسيح انطلاقًا من المجمع الفاتيكاني الثاني: "فيمكننا إذًا أن نقول إنّ هذه الصفحة من إنجيل يوحنّا تضعنا أمام أوّل ظهور لحقيقة الحنان، حنان الأمّ، في مريم وهذه الحقيقة عبّر عنها، في زمن غير بعيد، تعليم المجمع الأخير. وإنّه لمن الأهميّة أن نشير إلى أنّ دور أمومة مريم هذا تفسّره علاقته بوساطة المسيح، إذ نقرأ إنّ "دور مريم تجاه البشر، وهو دور أمّ، لا ينال ولا ينتقص في شيء من وساطة المسيح الفريدة، بل يُظهر، على خلاف ذلك، فعاليّتها. لأنّ الوسيط بين الله والناس واحد، الإنسان المسيح يسوع" (1 تي 2: 5). ووساطة مريم، وهي وساطة أمّ، تنبع، وفقًا لما أراده الله، "من فيض استحقاقات المسيح. فهي تستند إلى وساطته هو، وترتبط بها ارتباطاً كلّيًّا وتستمدّ منها كل ما لها من فعاليّة". وبهذا المعنى عينه نرى في ما حدث في قانا الجليل الاعتلان الاول لوساطة مريم. وهي وساطة تتّجه كليًّا صوب المسيح وتهدف إلى إبراز قدرته الخلاصية. ويستخلص النص الوارد في يوحنا أنّنا حيال وساطة أمّ. والمجمع يؤكّد أنّ مريم قد أضحت لنا، على صعيد النعمة أمًّا. وهذه الأمومة، على صعيد النعمة، تنطلق من أمومتها الإلهيّة عينها، "فالعذراء الطوباوية التي اصطفاها الله منذ الأزل، لتكون، في تصميم تجسّد الكلمة، أمًّا لله، قد صارت على الأرض، بتدبير من العناية الإلهيّة، الأمّ المحبوبة للفادي الإلهيّ، الذي أشركها بسخاء، بامتياز فريد على الإطلاق، في عمله، وأمة للرب وضيعة. فإنّها بحملها المسيح وولادته وتغذيته وتقديمه في الهيكل للآب، وتألّمها مع ابنها في موته على الصليب، أسهمت، بطاعتها وإيمانها ورجائها ومحبّتها، في عمل المخلّص إسهامًا لا مثيل له على الإطلاق، من أجل أن تعاد إلى النفوس الحياة الفائقة الطبيعة. لذلك كانت، في نظام النعمة، أمًّا". وأمومة مريم هذه، في تدبير النعمة، تستمرّ بلا انقطاع، إلى أن يكتمل نهائيًّا جميع المختارين". 11- مريم العذراء على أقدام الصليب (يو 19: 25- 27) في عرس قانا قال يسوع لأمّه: "ما لي ولك يا امرأة، إنّ ساعتي لم تأتِ بعد". وقبل آلامه قال: "لقد حانت الساعة التي يُمجَّد فيها ابن البشر. الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّ حبّة الحنطة التي تقع في الأرض، إن لم تمت فإنّها تبقى وحدها، وأمّا إن ماتت فإنّها تأتي بثمر كثير... الآن نفسي قد اضطربت. وماذا أقول؟ يا أبتاه، أنقذني من هذه الساعة ولكن لأجل هذه الساعة قد جئت. أيّها الآب، مجّد اسمك". فجاء صوت من السماء: "قد مجّدته، وسأمجّده أيضاً". وسمع الجمع الواقف هناك، فقالوا: "هو رعد!". وقال آخرون: "قد كلّمه ملاك!". فأجاب يسوع، وقال: "ليس من أجلي كان هذا الصوت، بل من أجلكم. الآن دينونة هذا العالم. الآن رئيس هذا العالم يلقى خارجًا. وأنا متى رُفعت عن الأرض اجتذبت إليّ الجميع". قال يسوع هذا ليدلّ على أيّة ميتة كان مزمعًا أن يموتها" (يو 12: 23- 33). ساعة يسوع هي ساعة عودته إلى السماء أي دخوله مجد الآب: "فإنّه لم يصعد أحد إلى السماء إلاّ الذي نزل من السماء، ابن البشر الكائن في السماء. وكما أنّ موسى قد رفع الحيّة في البريّة، كذلك ينبغي أن يُرفَع ابن البشر، لكي تكون به الحياة الأبديّة لكلّ من يؤمن به" (يو 3: 13- 15؛ راجع أيضاً يو 13: 1). ساعة موت يسوع هي إذًا ساعة تمجيده وفي الوقت عينه ساعة بدء الملكوت، العالم الآتي، الذي فيه يحصل المؤمنون به على الحياة الأبديّة. "سينظررن إلى الذي طعنوه" (يو 19: 37؛ زخريا 12: 10). "بيد أنّ واحدًا من الجند طعن جنبه بحربة، فخرج للوقت دم وماء" (يو 19: 34). الدم يشهد على حقيقة ذبيحة الحمل، والماء، الذي هو إشارة إلى الروح القدس في إنجيل يوحنّا، يرمز إلى الحياة الأبديّة، إنّه الماء الحيّ الذي يُحيي المؤمنين بالمسيح. لذلك رأى بعض الآباء في الدم رمز الإفخارستيا وفي الماء رمز المعمودية، وهذان السرّان هما علامة الكنيسة لأنّهما السرّان الأساسيّان اللذان بهما تتكوّن وتنمو. في هذه الساعة، ساعة المجد وساعة الفداء وساعة بدء الملكوت ونشأة الكنيسة شعب الله الجديد، نرى مريم واقفة عند صليب يسوع: "وكانت أمّ يسوع وأخت أمّه مريم زوجة كليوبّا، ومريم المجدلية، واقفاتٍ عند صليبه. فلمّا رأى يسوع أمّه وبقربها التلميذ الذي كان يحبّه، قال لأمّه: "يا امرأة، هوذا ابنك". ثم قال للتلميذ: "هي ذي أمّك". ومنذئذ أخذها التلميذ إلى بيته الخاصّ" (يو 19: 25- 27). بهذه الكلمات صارت مريم أمًّا لجميع تلاميذ يسوع وأحبّائه. إنّ ابنها يسوع يغادرها، ولكنّه يعطيها أبناء آخرين: "في الساعة التي ينكشف فيها عمق شخص الكلمة، يتجلّى أيضاً عمق شخص مريم: لقد جُعلت لتصير أمًّا، هذا هو كيانها الصميم، أمًّا وحسب. وهي أمّ، ليس لأنا تأخذ، بل لأنّها تعطي. ويشير يوحنّا إلى مقارنة: عندما يموت يسوع يظهر ابن الله، وعندما تذهب مريم إلى بيت التلميذ الذي كان يسوع يحبّه تظهر أمّ الله. هذا هو تقديسها، كما يقول السيّد المسيح في صلاته الأخيرة: "وأنا أقدّس ذاتي، لكي يكونوا هم أيضاً مقدَّسين بالحقّ" (يو 17: 19). وذلك ليس فقط لأنّها ولدت يسوع، بل لأنّها قبلت أن تصير أمًّا لجميع الذين يحيا فيهم المسيح القائم من بين الأموات. مريم ليست أمرًا عارضاً، آلة وقع عليها الاختيار بطريق الصدفة، بل هي التي تشارك بدعوتها تاريخ ابنها. إنّها الأمّ". في هذا الموضوع يضع جاورجيوس أسقف نيقوميذية (+ حوالى 880) على لسان يسوع القول التالي: "من الآن فصاعدًا، أجعل مريم دليلاً للتلاميذ، وأمًّا ليس فقط لك بل لجميع الآخرين. وأريد أن تكرَّم بحقٍّ إكرام الأمّ. وإذا كنت قد منعتكم من أن تدعوا أحدًا إبًا لكم على الأرض، فإنّي الآن أريد أن تدعوا مريم أُمًّا لكم. وتكرّموها كأمّ". وكذلك يقول البابا يوحنّا بولس الثاني: "إنّ الكلمات التي يتلفّظ بها يسوع وتتساقط من أعلى الصليب، تشير إلى أنّ أمومة والدته تجد لها امتدادًا في الكنيسة وبالكنيسة، ممثَّلة بيوحنّا. وهكذا "فالممتلئة نعمة" التي أدخلت سرّ المسيح لتكون أمًّا له، أعني والدة الإله الفائقة القداسة، تظلّ في هذا السرّ في الكنيسة بوصفها "المرأة" التي يعيها سفر التكوين (3: 15) في البدء وسفر الرؤيا (12: 1) في خاتمة تاريخ الخلاص". |
|||
29 - 01 - 2013, 08:44 AM | رقم المشاركة : ( 18 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: كتاب مريم العذراء للمطران كيرلس سليم بسترس
12- حوّاء الجديدة (تك 3: 15) بعد خطيئة آدم وحوّاء، طردهما الله من الفردوس، أي إنّهما فقدا حياة النعمة. لكنّ الله وعدهما بالخلاص، إذ قال للحيّة، رمز الشيطان والشرّ ورفض الله: "سأجعل عداوة بينكِ وبين المرأة وبين نسلكِ ونسلها. فهو يسحق رأسك، وأنت تصيبين عقبه بجروح" (تك 3: 15). ينبئ النصّ الكتابي بقيام عداوة بين نسل الحيّة ونسل حوّاء، أي بين "الشيطان" و"الإنسان"، ويلمّح إلى انتصار الإنسان في النهاية، وفي ذلك أوّل تبشير بالخلاص قبل بشارة الإنجيل. إنّ الترجمة اليونانيّة "السبعينيّة" تبتدئ الجملة الأخيرة بضمير المذكّر، فيُنسَب ذلك الانتصار، لا إلى نسل المرأة بوجه عامّ، بل إلى أحد أبناء تلك المرأة، لا إلى الجماعة البشريّة، بل إلى فرد من تلك الجماعة. ومن هنا انطلق التفسير الماسيوي الذي أوضحه في ما بعد كثير من آباء الكنيسة. فهذا الشخص الذي سيسحق رأس الحيّة هو السيّد المسيح. أمّا القدّيس إيرونيموس (347- 420) ففي ترجمته اللاتينية يبدأ الجملة الأخيرة بضمير المؤنّث "هي تسحق رأسك"، ويعني بهذا الضمير المرأة. واستنادًا إلى هذه الترجمة أصبح التفسير المريمي للمرأة تقليديًّا في الكنيسة الغربيّة. كيف يمكننا تفسير هذه النبوءة؟ إنّ كلمة "المرأة" في هذا النصّ يجب ألاّ تؤخَذ بمعناها الحرفي كأنّها تعني شخصاً فردًا، بل يجب فهمها بمعناها الشامل. إذّاك تدلّ على المرأة إجمالاً. بيد أنّ حوّاء ومريم كلتيهما تدخلان في هذه الدلالة الشاملة. وإذا اعتبرنا أنّ اللّغات الساميّة تنظر من وراء المعاني الشاملة الى أهمّ الأفراد الذين تتحقّق فيهم المفاهيم التي يراد التعبير عنها، صحّ القول إنّ الكاتب قد يكون فكّر عند ذلك ببعض النساء اللواتي اشتركن اشتراكًا أشدّ فعّاليّة في النزاع القائم بين الحيّة والجنس البشري، ومنهنّ حوّاء المذكورة في النصّ المجاور، والعذراء الطاهرة "أمّ المولود الفريد الذي سينتصر على الحيّة" انتصارًا نهائيًّا. فنكون بهذا قد بلغنا إلى معنى حرفي "كامل" قد يكون وراء تفكير الكاتب في وجدانه الواعي، ولكنّه واضح على كل حال أمام الله المؤلّف الأوّل والأساسي للكتاب المقدّس. ولا تكون الترجمة السبعينية وترجمة القدّيس إيرونيموس، مع ابتعادهما عن الأصل العبراني، سوى إيضاحات إضافيّة لا تخرج على المعنى الأصلي. إنّ تفسير هذه الآية ينطلق من النسل بنوع عام ليصل إلى شخص فرد سيسحق الشرّ. يقول أحد المفسّرين المعاصرين: "كلمة نسل تدلّ على شخص فرد، وهذا الشخص سيسحق الشرّ، ولكنّ الشرّ سيؤلمه حين يصيبه بجروح، حين يعضّه. أمّا المرأة فهي تمثّل البشريّة. أجل إنّ الخلاص لا يأتي مباشرة من السماء، بل يحتاج إلى مشاركة البشر. والمخلّص المنتظر يكون ابن البشريّة وابن المرأة. وعندما يأتي ملء الزمان، نفهم أنّ المرأة شخص فرد. إنّها مريم التي تشارك ابنها في صراعه مع الشرّ. إنّها البشريّة المخلّصة تشارك مسيحها في عمل الخلاص. نسل المرأة يخلّصنا، والمرأة تمثّل البشريّة الخاطئة. ولكنّ هذه البشريّة تحمل بذار القداسة، ومن هذه البذار ينبت المخلّص. وهنا تبدو مريم عظيمة لأنّها تمثّل البشريّة العائشة في ضيق والمنتظرة ساعة الخلاص. مريم هي "المرأة" في عرس قانا الجليل وعند الصليب، وهي صلة الوصل بين يسوع وتلاميذه. مريم هي حوّاء الجديدة وأمّ الأحياء، لأنّ ابنها يسوع هو حياة العالم". فقول يسوع لأمّه: "يا امرأة" هو للتأكيد أنّ مريم هي حوّاء الجديدة وأنّها تمثّل البشريّة التي تشارك المسيح في خلاص العالم. 13- المرأة الملتحفة بالشمس (رؤ 12: 1- 6، 13- 17) مريم العذراء تمثّل ابنة صهيون، شعب العهد القديم الذي ينتظر ولادة المسيح المخلّص. وبعد أن ولدت المسيح صارت صورة للكنيسة التي تلد على مدى الزمان أعضاء جسد المسيح السرّي. اختيارها من قبل الله وعلاقتها بالمسيح هما صورة الكنيسة ومسيرتها عبر التاريخ. هذا ما يشير إليه النصّ التالي من سفر الرؤيا: "ثمّ ظهرت في السماء آية عظيمة: امرأة ملتحفة بالشمس، وتحت قدمها القمر، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبًا، وهي حُبلى، وتصيح وقد اعتراها المخاض ومشاقّ الولادة. وظهرت آية أخرى في السماء. فإذا تنّين عظيم... ووقف التنّين قبالة المرأة المشرفة على الولادة، ليفترس ولدها عندما تلده. فولدت ولدًا ذكرًا، هو المزمع أن يرعى جميع الأمم بعصاً من حديد، فاختُطِف الولد إلى الله وإلى عرشه، وهربت المرأة إلى البريّة، حيث أعدّ لها الله خلوة، تُعال فيها ألفًا ومئتين وستين يومًا. حينئذ نشب قتال في السماء: ميخائيل وملائكته قاتلوا التنّين... وُطرح التنّين العظيم، الحيّة القديمة، المسمّى "إبليس" و"الشيطان" مضلّ المسكونة بأسرها، طُرح إلى الأرض وطُرحت ملائكته معه... ولمّا رأى التنّين أنّه قد طُرح على الأرض، طارد المرأة التي ولدت الولد الذَّكر. فأُعطيت المرأة جناحي العقاب العظيم، لتطير إلى البرّية، إلى خلوتها، بعيدًا عن وجه الحيّة، حيثُ تعال زمانًا، وأزمنة، ونصف زمان. فألقت الحيّة من فيها، في إثر المرأة، ماء كالسيل، لتهلكها به. فأغاثت الأرض المرأة: فتحت الأرض فاها وابتلعت السيل الذي ألقاه التنّين من فيه. فغضب التنّين على المرأة، وذهب ليحارب باقي نسلها، الذين يحفظون وصايا الله، ويقبلون شهادة يسوع. وأقام على رمل البحر" (رؤ 12: 1- 18). توحي هذه الرؤيا بالسقطة الأولى التي تعرّض لها الإنسان في بدء الخليقة. ففي كلا النصّين عدّة عناصر مشتركة: المرأة، نسلها، الحيّة، العراك الذي نشب بينهما، انتصار المرأة وولادتها قايين (راجع تك 3: 15- 16، 20؛ 4: 1). إسرائيل في العهد القديم صوّره الأنبياء بملامح امرأة، "ابنة صهيون" التي تعاني أوجاع الولادة. وبعد تلك الأوجاع تفرح بمجيء المخلّص: "المرأة، إذا ما حان وضعها، تحزن لأنّ ساعتها قد أتت، ولكنّها متى وضعت الطفل لا تعود تتذكّر شدّتها فرحة بأنّ إنسانًا وُلد في العالم. وأنتم أيضاً، فإنّكم الآن في حزن، ولكنّي سأراكم من جديد، فتفرح قلوبكم، وفرحكم هذا لا يقدر أحد أن ينتزعه منكم" (يو 16: 21- 22). إنّ صورة المرأة التي تلد ترمز أيضاً إلى عمل فداء المسيح الذي أتمّه بموته وقيامته. ظهور المرأة الملتحفة بالشمس كما صوّرها سفر الرؤيا هو تحقيق الرجاء الماسيوي الذي بدأت ملامحه في سفر التكوين في وعد الله للمرأة بأنّ نسلها سيسحق رأس الحيّة. هذه المرأة أوّلاً "ابنة صهيون"، شعب العهد القديم الذي بقي ثابتًا في انتظار مجيء المسيح من خلال أوجاع تاريخه، وهو يرتكز على ذكرى فدائه السابق من عبوديّة مصر، ويرجو خلاصه النهائي، وقد كان في عراك دائم ضدّ قوى الشرّ التي استخدمت الأمم لإزالته. وهذه المرأة هي ثانيًا الكنيسة التي ستعافي الاضطهادات، ولكنّها متيقّنة بالنصر. فإنّها "ملتحفة بالشمس"، أي بنور المسيح ونور حضور الله، و"تحت قدميها القمر"، رمز الدنيويّات التي تزدريها والخلائق التي تسودها، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبًا هم الرسل الاثنا عشر. ستعاني الاضطهاد زمانًا يسيرًا تلجأ فيه إلى البرّية، أي إلى الخلوة مع الله لتتأمّل في محبّته وتغتذي بقربان المسيح الذي بقيامته من أن الأموات صار عربون دخولها الممجَّد إلى ملكوت الله. وهذه المرأة هي أخيرًا مريم العذراء "بنت صهيون" الجديدة أمّ المسيح الفادي الذي ارتفع إلى عرش الله. والرؤيا تجمع بين ولادة المسيح على الأرض وولادته بالقيامة إلى السماء بعد آلام الصليب. "فالله، حسب قول بولس الرسول، قد أقام يسوع على ما هو مكتوب في المزمور الثاني: أنت ابني وأنا اليوم ولدتك" (أع 13: 33). ومريم العذراء تشارك ابنها في هذه الولادة بالأوجاع إلى القيامة. |
|||
29 - 01 - 2013, 08:45 AM | رقم المشاركة : ( 19 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: كتاب مريم العذراء للمطران كيرلس سليم بسترس
14- مريم العذراء مع الرسل في العلّيّة (أع 1: 12- 14) بعد صعود المسيح إلى السماء، رجع الرسل إلى أورشليم وصعدوا إلى العلّيّة حيث أكلوا فيها الفصح الأخير مع السيّد المسيح، و"كانوا مواظبين على الصلاة بنفس واحدة مع بعض النساء ومريم أمّ يسوع، ومع إخوته" (أع 1: 14). مريم هي عضو في الكنيسة وتصلّي مع الرسل طالبة حلول الروح القدس الذي به يبدأ في الكنيسة زمن الكرازة والرسالة. إنّها صورة الكنيسة الأمّ، إنّها تجسيد الأمومة في الكنيسة، وليس لها دور خدمة ولا رئاسة كالرسل. إنّها في وسط الكنيسة الأولى تؤدّي دور الأمّ التي تقود المؤمنين إلى المسيح. "فهناك إذًا، في تدبير النعمة الذي تحقّق بفعل الروح القدس، تزامن فريد بين تجسّد الكلمة وولادة الكنيسة. والشخص الذي يجمع بين هذين الحدثين هو مريم: مريم في الناصرة، ومريم في علّيّة أورشليم. وفي الحدثين تظهر مريم بحضورها الأساسي، وإن كان هذا الحضور بعيدًا عن الأضواء، السبيل إلى الولادة بالروح. وهكذا، فصاحبة الحضور في سرّ المسيح بوصفها أمًّا له، تضحي حاضرة، بإرادة الابن والروح القدس، في سرّ الكنيسة. ولا تزال تواصل في الكنيسة حضورها، حضور الأمّ وفقًا لمدلول الكلمات التي هبطت من على الصليب: "يا امرأة، هوذا ابنك"، "هي ذي أمّك" |
|||
29 - 01 - 2013, 08:46 AM | رقم المشاركة : ( 20 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: كتاب مريم العذراء للمطران كيرلس سليم بسترس
الفصل الثاني مريم العذراء فى عقيدة الكنيسة 1- مريم العذراء في الفكر اللاهوتيّ في القرنين الأوّل والثاني أ- أغناطيوس الأنطاكي ب- القدّيس يوستينوس ج- القدّيس إيريناوس أسقف ليون 2- مريم العذراء "والدة الإله" أ- لقب "والدة الإله" قبل مجمع أفسس ب- نسطوريوس بطريرك القسطنطينيّة ج- جواب كيرلّس الإسكندريّ د- مجمع أفسس ه- قانون الوحدة و- أبعاد "الأمومة الإلهيّة" ومعانيها 3- مريم العذراء الدائمة البتوليّة أ- بتوليّة مريم العذراء قبل الولادة ب- بتوليّة مريم العذراء أثناء الولادة ج- بتوليّة مريم العذراء بعد الولادة د- بتولية مريم العذراء الباب الشرقى الدائمة ه- أقوال علماء الكنيسة فى بتولية مريم العذراء الدائمة 4- مريم العذراء الفائقة القداسة أ- الممتلئة نعمةً في الكتاب المقدّس ب- قداسة مريم العذراء في كتابات الآباء ج- قداسة مريم العذراء وعقيدة الحبل بلا دنس د- قداسة مريم العذراء في التصميم الإلهيّ وتاريخ الخلاص 5- مريم العذراء الممجّدة في السماء أ- عقيدة انتقال مريم العذراء في الكنيسة الكاثوليكيّة ب- إنتقال مريم العذراء في كتابات الآباء ج- انتقال مريم العذراء في الصلوات الليترجيّة د- أبعاد ومعاني انتقال مريم العذراء الى السماء |
|||
|