07 - 11 - 2012, 04:20 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل العاشر عشاء الفصح الأخير. قبل القيلولة دعا السيد المسيح بطرس ويوحنا، تَكلّمَ معهم عن ما يَجِبُ أَنْ يَفعلونه، عن الاستعدادات التى يَجِبُ أَنْ يَعدونها في أورشليم لأكل حملِ الفصحِ. سَألَ التلاميذ السيد المسيح أين سيَأْكلُ الفصح. اليوم، قَبلَ الفَجرِ، طَلبَ الرب بطرس ويعقوب ويوحنا، تَكلّمَ معهم عن أمور تتعلّقُ بكُلّ ما يجب أنْ يَعدّوه في أورشليم وأخبرَهم أنهم عندما سيَصْعدونَ جبلَ صهيون، فأنهم سيلاقون رجلَ يَحْملُ جرة ماءِ. لقد كانوا يعلمون جيداً هذا الرجلِ، لأنه فى الفصح الأخير، في بيت عنيا، كَانَ هو الذي أعدَّ الطعام للسيد المسيح، ولهذا يَقُولُ القديس متى: رجل مُعين. كَان عليهم أَنْ يَتْبعوه إلي بيتَ، ويقولون له: "السيد يقول، إن وقتي قُرْب، مَعك سأَصْنعُ الفصح مَع تلاميذي " كَان عليهم حينئذ أن يروا غرفةَ العشاءَ، ويَصْنعونَ كُلّ الاستعدادات الضرورية. رَأيتُ تلميذان يَصْعدانِ نحو أورشليم، على طول الوادي، إلى جنوب الهيكلِ، وفي اتّجاهِ الجانبِ الشماليِ لجبل صهيون. على الجانبِ الجنوبيِ للجبلِ الذي كان الهيكلِ عليه، كان هناك بَعْض البيوتِ؛ فساروا عكس هذه البيوتِ، تابعين مجرى سيلِ. عندما وَصلوا قمّةَ جبلِ صهيون، التي أعلى مِنْ جبلِ الهيكلِ، التفتوا نحو الجنوبِ، وبمجرد أن صعدوا قليلا حتي التقوا بالرجلَ الذي قَدْ حُدّدَ إليهم؛ تَبعوه وتَكلّموا معه بما أمر به السيد المسيح. لقد كَانَ مُسرَّور كثيراً بكلماتِهم، وأجاب بأنّ العشاء قَدْ طُلِبَ أن يُعدََّ في بيتِه (على الأرجح مِن قِبل نيقوديموس)، لكنه لم يكَنَ مدركَ لمن، وأبتهج لكونه عِلْم بأنّه مُعد للسيد المسيح. اسم هذا الرجلِ هالي، وهو نسيبَ زَكَريا الذي من حبرون، الذي أعلن السيد المسيح من بيته في العام الماضي عن موتَ يوحنا المعمدان. عِنْدَهُ إبنُ واحد فقط، كَانَ لاويّ وصديق القديس لوقا قبل أن يُدعى مِن قِبل الرب، وخمس بناتِ لم يتزوجن جميعاً. كان يصعد كُلّ سَنَة مع خدامِه فى عيد الفصح ويستأجرَ غرفة ويُعدَّ الفصح للأشخاصِ الذين ليس عِنْدَهُمْ صديقُ في البلدةِ ليقيموا مَعه. استأجرَ هذه السَنَةِ غرفة عشاءِ تخص نيقوديموس ويوسف الرامي. بيّن للتلميذان موقعِها وترتيبِها الداخليِ. لقد كَانَت على الجانبِ الجنوبيِ لجبلِ صهيون وقريبة مِنْ قلعة داوود ومِنْ السوقِ، كَانَت على المنحدر الشرقيِ تطل على ساحةِ مفتوحةِ مُحاطة بأفنية ذات جدرانِ هائلةِ وبين صفوفِ من الأشجارِ. على يمين ويسار المدخلِ، كانت توجد بنايات أخرى مُلاصقة للجدارِ وبالقرب منه البيت الذي قَضتْ فيه العذراءَ المباركةَ والنِساءَ القدّيساتَ أغلب وقتِهم بعد موتِ السيد المسيح. غرفة العشاءَ، التي كَانتْ أكبرَ أصلاً، كَانتْ سابقاً مَشْغُولةَ مِن قِبل قادةِ داوود الشجعان، الذين تَعلّموا استعمال الأسلحةِ هناك. كانت في الماضي مُلحقة لمبني الهيكلِ، وتابوت العهدِ قَدْ استقرّتْ فيها لمدة طويلة مِنْ الوقتِ، وآثار وجودِه فيها ما زالَت توْجَدَ في غرفةِ تحت الأرض. رَأيتُ النبي ملاخي مختفي تحت نفس هذا السقفِ حيث كَتبَ هناك نبوءاتَ تَتعلّقُ بالقربان المقدَّس المباركِ وذبيحة العهد الجديدِ. كّرم الملك هذا البيتِ وعَملَ ضمن جدرانِه بَعْض العملِ المجازيِ والرمزيِ لكني نَسيته. عندما تهدم جزء عظيم من أورشليم من قِبل البابليين، نجا هذا البيتِ. لقد رَأيتُ عديد مِنْ الأشياءِ الأخرى التى تَتعلّقُ بنفس هذا البيتِ، لَكنِّي أَتذكّرُ فقط ما أخبرتُ به الآن. هذه البنايةِ كَانتْ في حالةٍ مُخَرَّبة جداً عندما آلت ملكيته إلى نيقوديموس ويوسف الرامي، اللذان رتّبا البنايةَ الرئيسيةَ بطريقةٍ مناسبة جداً، وجعلاها كغرفة عشاءِ للغرباءِ الذين يأتون إلى أورشليم بغرضِ الاحتفال بعيد الفصح. هكذا استخدمه الرب فى السَنَةَ السابقةَ. علاوة على ذلك، البيت والبنايات المُحيطة البناياتِ اُستخدمت كمخازنِ للآثار والأحجارِ الأخرى، وكورش للعُمّالِ؛ لأن يوسف الرامي كان يمتلكَ محاجر ثمينةَ في بلادِه، وكان يجلب منها كُتَل كبيرة مِنْ الحجارةِ ليّشكلها عُمّاله تحت أشرافه إلى قبورِ وحُلي معمارية وأعمدة. كَانَ نيقوديموس شريك في هذا العملِ واعتاد أن يقضي ساعاتِ عديدة فى النَحْت بنفسه. لقد عمل في الغرفةِ، أَو في شُقَّة تحت الأرض كَانتْ تحتها، باستثناء فترات الأعياد؛ وهذه الحرفةِ جعلته مرتبط بيوسف الرامي وصاروا أصدقاءَ، وينضمَّان إلى أغلب الأحيان معاً في صفقاتِ مُخْتَلِفةِ. هذا الصباحِ، بينما كان بطرس ويوحنا يتحدّثانِ مَع الرجلِ الذي استأجرَ غرفةَ العشاءَ، رَأيتُ نيقوديموس في البناياتِ على يسار الباحةِ، حيث عدد كبير من الأحجارِ تمَلئ الممراتَ المؤدّية إلى غرفةِ العشاءَ. فى أسبوع قبل ذلك، رَأيتُ عِدّة أشخاص يعملون في وَضْع الأحجارِ على جانب واحد وينظفون الساحةِ ويَعدّونَ غرفةَ العشاءَ للاحتفالِ بالفصح؛ ظْهرُ لي أنه كان هناك بينهم بَعْض رسل الرب، ربما أرام وسيمي، أبناء عم يوسف الرامي. غرفة العشاءَ، مدعوة بشكل جيّد، كَانَ تقريباً في وسط الساحةِ؛ طولها أعظمَ مِنْ عرضِها؛ مُحاطَة بصفّ من الأعمدةِ المنخفضةِ، وإن فَرّغت الفراغاتِ التى بين الأعمدةِ لكَانَت سَتشكّلُ وحدها غرفةِ داخليةِ كبيرةِ، لأن كل الصرحِ كَانَ، إذا جاز التعبير، شفّاف؛ كَانَ عاديَا، ماعدا في مناسبات خاصة، لأن الممراتِ كانت تُغلَقُ. كانت الغرفة مُضاءة بفتحاتِ في قمةِ الجدرانِ. في المقدمةِ، كان هناك أولاً دهليز، يمكن دخوله من خلال ثلاثة أبوابِ، الغرفة الداخلية الواسعة، حيث تتدلي عِدّة مصابيح مِنْ المنصّةِ؛ الجدران كانت مُزُيّنة للعيد للنصف بحصيرةِ جميلةِ أَو نسيج ذو رسوم وكان هناك فتحةِ في السقفِ ومُغَطّاة بشاشِ أزرقِ شفّافِ. الجزء الخلفي من هذه الغرفةِ مُنفصل عنْ الباقي مِن قِبل ستارة من الشاشِ الشفّافِ الأزرقِ أيضاً. هذا الانقسام لغرفةِ العشاءَ لثلاثة أجزاءِ جعلها تشبه الهيكلِ، هكذا تتشكّلُ: الساحةَ الخارجيةَ فالقدّس فقدس الأقدَّاس. في آخر هذه الأقسامِ، وُضع على كلا الجانبينِ الملابس والأشياء الأخرى الضروري للاحتفالِ بالعيدِ. في الوسط كان هناك شئ كالمذبحِ. مقعد حجري علي ثلاث درجات، وعلي شكل مستطيل، بارز عنْ الحائطِ: لابدَّ أنْه يُشكّلَ الجزءَ من الفرنِ المستخدم لشي حملِ عيد الفصحِ، لأن اليوم الدرجات كانت ساخِنة تماماً أثناء الأكل. أنا لا أَستطيعُ أن أصْف كُلّ ما كان في هذا جزءِ من الغرفةِ بالتفصيل، لكن كُلّ أنواع الترتيباتِ قَدْ أُعدت هناك للاسْتِعْداد لعشاءِ عيد الفصحِ. فوق هذا الموقدِ أَو المذبحِ، كان هناك ما يُشبه كوّةِ في الجدارِ، رأيت أمامها صورةَ حملِ عيد الفصحِ، بسكين في حنجرتِه، ويظهر الدمّ مُتدَفُّق قَطرَةٌ قَطرَة على المذبحِ؛ لَكنِّي لا أَتذكّرُ بوضوح كَيف عُمِلَ هذا. في كوّة في الجدارِ كان هناك ثلاثة دواليبِ ذات ألوانِ مُخْتَلِفةِ، التي تحولت مثل معابدِنا، للفتح أَو الإغلاق. أُستعمل عدد مِنْ الأوعيةِ في الاحتفال بالفصح وحُفظت فيهم؛ لاحقاً، وُضع هناك القربان المُقدس المبارك. في الغُرَفِ في جوانبِ غرفةِ العشاءَ، كان هناك بَعْض الأرائكِ، وُضع عليها أغطية سميكة والتي يُمْكِنُ أَنْ تُستَعملَ كأسِرّة. كانت هناك أقبية فسيحةَ تحت كلّ هذه البنايةِ. أستقر تابوت العهدِ سابقاً أسفل البقعةِ حيث شُيد الموقد بعد ذلك. كان هناك أسفل البيتِ خمس قنوات ضيِّقة لإفْراغ القمامةِ إلى منحدرِ التَلِّ، فى الطرف الأعلى حيث شٌيد البيت. رَأيتُ السيد المسيح سابقاً يَعظ ويُشفي مرضي بطريقة أعجوبية، والتلاميذ يقضون الليلَ كثيراً في الغُرَفِ الجانبيةِ. عندما تكلم التلاميذ مع هالي الذي من حبرون، رجع هالي إلى البيتِ بالساحةِ، لَكنَّهم اتّجهوا نحو اليمين، وأسرعوا لأسفل الجانبِ الشماليِ للتَلِّ، من خلال جبل صهيون. عبروا علي جسر ومشوا فى طريق مُغَطّى بنبات العُلّيق ووَصلَ إلى الجانبَ الآخرَ من الوادي الذي كَانَ أمام الهيكل وأمام صفِّ البيوتِ الذين كَانوا جنوب تلك البنايةِ. كان هناك بيتُ سمعان الشيخ، الذي ماتَ في الهيكل بعد تقديمِ الرب؛ وأبنائه، البعض مِنْهم كَانوا رسل للسيد المسيح في الخفاء، كَانوا يعِيشُون في الحقيقة هناك. تَكلّمَ التلاميذ مع أحدهمِ, رجل أسْمَر البشرة وطويل، الذي يشغل ما يُشبه مكتبِ في الهيكل. خَرجوا مَعه إلى الجانبِ الشرقيِ للهيكل من خلال ذلك الجزءِ من أوفيل الذي دخل منه السيد المسيح أورشليم فى أحدِ السعف، ومن هناك إلى سوقِ الماشيةَ، الموجود في البلدةِ شمال الهيكل. رَأيتُ في الجزءِ الجنوبيِ من هذا السوقِ بعض السياج الصَغيرةَ بها بَعْض الحملانِ الجميلةِ التى كَانتْ تَثِبُ حولها. كانت خراف الفصح تُشتري من هنا. رَأيتُ أبن سمعان يَدْخلُ أحداها والحملان تثب حوله كما لو أنَّهم يعَرفونه. اختارَ أربعة وآتي بهم إلى غرفةِ العشاءَ. رَأيتُه بعد الظهر في غرفةِ العشاءَ مُنشغلَ في إعْداْد حملِ عيد الفصحِ. رَأيتُ بطرس ويوحنا يَذْهبُان لأجزاء مختلفة مِنْ البلدةِ ويَطْلبُان أشياءَ مُخْتَلِفةَ. رَأيتُهما أيضاً يوقفاً مُقابل بابَ البيت الذي يخص فيرونيكا والذي يقعَ شمال جبل الجلجثة، حيث عاشَ تلاميذ السيد المسيح لجزء عظيم من الوقتِ، أرسلَ بطرس ويوحنا بَعْض التوابعِ مِنْ هناك إلى غرفةِ العشاءَ وأوكلوا إليهم بعض المهام التي نَسيتها. دَخلوا بيتَ فيرونيكا أيضاً، حيث كَانَ عِنْدَهُمْ عِدّة ترتيبات ليعَمَلوها. كان زوجها، الذي كَانَ عضو بالمجلسَ، غائبَ عادة ومشَغولَ في العملِ؛ لكن حتى عندما كَانَ في البيت كانت تراه قليلاً. كَانتْ امرأة فى عُمرِ العذراءِ المُباركة، وكَانتْ لِفترة طويلة مُرتَبَطة بالعائلةِ المقدّسةِ؛ لأنه عندما ظل الصبي يسوع لثلاث أيامَ في أورشليم بعد العيدِ، كانت هي التي تمده بالطعام. أَخذ التلميذان أشياءِ أخرى مِنْ هناك، آخذا الكأس الذي أستخدمه الرب سر العشاء الرباني المباركِ. الكأس الذي أحضره التلاميذ مِنْ بيتِ فيرونيكا كَانَ رائعَا وغامضَ في مظهرِه. لقد ظل لوقت طويل في الهيكلِ بين الأشياءِ الثمينةِ الأخرى مِنْ التحفة الفنيّة القديمةِ العظيمةِ، استعماله وأصله كَانا قَدْ أُهملا. نفس الشئ حدث بدرجات متفاوتة في الكنيسةِ المسيحيةِ، حيث عديد مِنْ الجواهرِ المُكَرَّسةِ أُهملتْ وأُصبحتْ بلا استعمال بالوقتِ. الأواني والجواهر القديمة، دَفنَت تحت الهيكلَ، غالباً ما حُفِرَ عليها وبيعت أَو أعدَت. هكذا كَانَ ذلك، بترخيص من اللَّهِ، هذا الإناء المقدّسِ، الذي لم يستطيع أحد أن يصهرِه لكونه صَنع من مادّةِ مجهولةِ، والذي كَانَ قَدْ وُجِدَ مِن قِبل الكهنةِ في خزينةِ الهيكلِ بين الأشياءِ الأخرى لَم تعد تُستعملَ، كَانَ قَدْ بِيعَ إلى بَعْض دارسي الأشياء الأثريّة. لقد اشترته فيرونيكا واستعمله السيد المسيح عدة مرات في الأعياد، ومِنْ يومِ العشاء الأخيرِ، أصبحَ ملكيةَ خاصّةَ للجماعةِ المسيحيةِ المقدّسةِ. الكأس كَانَ كمثرى الشكل, ضخم, مصقول للغاية، ذو حُلي ذهبيةِ ومَقبضين صغيرين يُرفع منهما. قاعدته مِنْ الذهبِ، مصنوعة بشكل مُتقَن، مُزَيّنَة بثعبان وعنقود عنب صغير، وغنية بالأحجار الكريمةِ. حُفظت الكأس في كنيسةِ أورشليم، في يدي القدّيس يعقوب الصغير؛ وأنا أَرى أنّه ما زالَ محفوظ في تلك البلدةِ وأنه سَيظْهرُ ثانية يوماً ما، بنفس الطّريقة كما من قَبْلَ. أَخذتْ الكنائسُ الأخرى الكؤوسُ الصَغيرةُ التي كانت تُحيط بالكأس؛ وصاروا بحوزة البطاركةِ، الذين كانوا يشَربون منها عندما يتَلقّوا بركة أَو عندما يعطوا منح البركة، كما رَأيتُ العديد مِنْ المراتِ. هذا الكأس كَانَ من أملاك أبينا إبراهيم؛ جَلبَه مالكي صادق مِنْ أرضِ السامريين إلى أرضِ كنعان، عندما كَانَ يَبْدأُ في عمل الترتيبان فى البقعة حيث بُنِيتْ أورشليم بعد ذلك؛ لقد استعملَها حينئذ لتَقديم ذبيحة، عندما مَنحَ الخبز والخمر في حضورِ أبينا إبراهيم، وتَركَه في ملكيةِ ذلك الأبِّ المقدّسِ. هذا الكأسِ نفسهِ كَانَ قَدْ حُفظ في فُلكِ نوح. وُضع في الجزءِ العلوي من الفُلكِ. لقد حفظه موسى أيضاً في مقتنياته. الكأس كَانَ ضخم كالجرس. كان يبدوا وكأنه شُكّلَ بالطبيعةِ ولَيسَ من قبل فَنانِّ. السيد المسيح وحده هو الذي يعَرفَ ما ماذا صُنع. في الصباحِ، بينما كان التلاميذ مشغولين في أورشليم لأعداد الفصح، السيد المسيح، الذي بَقى في بيت عنيا، أَخذَ فى وداعَ النِساءِ القدّيساتِ ولعازر وأمِّه المباركةِ، وأعطاهم بَعْض التعاليم النهائيةِ. لقد رَأيتُ الرب يَتحدّثُ مَع أمِّه على حِدة وأخبرَها، من بين أشياءِ أخرى، بأنّه أرسلَ بطرس، تلميذ الإيمانِ، ويوحنا، تلميذ الحبِّ، ليعدا الفصح في أورشليم. عندما تكلم عن المجدلية قال أن حزنها شديد، لأن حبّها كَانَ عظيمَ، لكنه ما زالَ إلى حد ما بشريَ، وبسبب هذا حُزنِها جَعلَها بجانب نفسها. تَكلّمَ أيضاً عن مخططاتِ يهوذا الخائنِ، وصَلّتْ العذراء المباركة من أجله. تَركَ يهوذا بيت عنيا ليذِهب إلى أورشليم، تحت حجة سداد بَعْض الديونِ المُسْتَحقّة. قَضى طول اليومَ في الذهاب والإياب من فريسي إلى آخر، ويَبرم اتفاقياتَه النهائيةَ مَعهم. لقد أروه الجنود المُكلفين بالقَبْض على شخصَ منقذِنا الإلهي، ولقد نظّمَ يهوذا رحلاتَه ذهاباً وإيابا ليكون قادر على تَفسير غيابِه. لقد رأيت كُلّ مخططاته الشرّيرة وكُلّ أفكاره. لقد كَانَ يهوذا نشيطَ وخدومَ على نحو طبيعي، لكن هذه الإمكانيات الجيدةِ تبددت بالجشعِ والطموح والحسد، تلك المشاعر التى لم يبذل أي جُهدِ للسَيْطَرَة عليها. لقد أدّى معجزاتَ وشفىَ المرضى في غيابِ الرب. عندما أخبر الرب أمِّه المباركةِ بما هو عتيد أن يقع, لقد تَوسّلتْ إليه، بأكثر التعبيرِات حزناً بأن يدعها تَمُوتُ مَعه. لَكنَّه نَصحَها بأن تُبدي المزيد من الهدوءِ في أحُزانِها أكثر مِنْ النِساءِ الأخرياتِ، أخبرَها بأنّه سيقوم ثانيةً، وحدّدتْ البقعةَ التى سيَظْهرَ فيها إليها. أنها لَمْ تَبْكِ كثيراً، لكن حزنَها كَانَ يتعذر وصفهَ، وكان هناك شيءُ مُرعبُ في نظراتها. إلهنا القدوس أعادَ شكرها كابن مُحب لكُلّ الحبّ الذى حملته له وضَمها فى صدره. أخبرَها أيضاً بأنَّه سيجْعلُ العشاء الأخيرَ مَعها، روحياً، وحدّد لها في أَيّ ساعة ستَتلقّى جسدَه الثمينَ ودمَّه. ثمّ مرةً أخرى، بلغةِ مؤثرة، ودّعَ الجميع وأعطاَهم تعاليم مختلفةَ. قُبَيلَ ظهرِ، ذهب السيد المسيح والتلاميذ التسعة مِنْ بيت عنيا إلى أورشليم، وتَبعَه سبعة من الرسل، الذين جائوا مِنْ أورشليم وضواحيها باستثناء نثنائيل وسيلا. من بين هؤلاء يوحنا مرقص، وأبن الأرملةِ الفقيرةِ التي قدّمَت فلسيها في الهيكلِ فى الخميس سابق بينما كان السيد المسيح يَعِظُ هناك. لقد ضمه السيد المسيح إلى جماعتِه قبل أيام قَليلة. تَبعتْه النِساءُ القدّيساتُ لاحقاً. سار السيد المسيح ورفاقه هنا وهناك حول جبلِ الزيتون، خلال وادي يهوشافاط وحتى بقرب جبل الجلجثة. لقد أعطاهم السيد المسيح طوال سيرهم تعاليم مستمرة. من بين الأشياءِ الأخرى أخبرَ التلاميذ بأنّه حتي الآن أعطاَهم خبزَه وخمره، لكنه سيعطيهم اليوم جسده ودمَّه. بأنه سيَمْنحُهم كُلّ ما عِنْدَهُ. بينما كان يَنْطقُ بهذه الكلماتِ، وجه الرب كان مُتأثراً، كما لو أنَّه كَان يسْكبُ نفسه بالكامل، كما لو أنَّه يَذبُل بالحبِّ ليعْطي نفسه للإنسان. لَمْ يَفْهُم تلاميذه كلماتَه, لقد اعتقدوا بأنّه كَانَ يُشيرُ إلى حملِ عيد الفصحِ. لا كلماتَ تستطيع أَنْ تَصف حنانة، كَمْ كان السيد المسيح صبوراً في تعاليمه الأخيرةِ سواء التى في بيت عنيا والتى كانت أثناء ذهابه إلى أورشليم. وَصلتْ النساء القدّيسَات في وقت لاحق إلي بيتِ مريم أم مرقص. لم يرافقهم الرسل السبعة الذين تبعوا الرب إلى أورشليم. لقد حَملوا الملابس اللازمة لمراسم عيد الفصح. بعد أن وَضْعوهم في غرفةِ الانتظار مَضوا إلى بيتِ مريم أم مرقص. عندما وَصلَ بطرس ويوحنا العلية بالكأسِ الذي جَلبوا مِنْ فيرونيكا، كانت ملابس المراسمِ التى أحضرها الرسل السبعة أو بعض رفاقِهم موجودة في غرفةِ الانتظار. لقد كسّوا جدرانَ غرفةِ العشاءَ وفَتحَوا الفتحاتَ التى في السقفِ وأعدّوا المصابيح الثلاث المُعلّقةِ. بإنهاء ذلك خَرجَ بطري ويوحنا إلى وادي يهوشافاط ودعوا الرب والتلاميذ التسعة. جلي الرسل والأصدقاء الذي كَانوا سيأكلون فصحهم في العلية في ثلاث مجموعاتِ منفصلةِ يتكون كل منها مِنْ أثني عشرَ شخص، يتَرَأّس كل مجموعة شخص الذي يعمل كمضيّفِ. كان السيد المسيح والتلاميذ الإثني عشرَ في نفس القاعةِ؛ نثنائيل مَع عديد مِنْ الرسل الأكبر سناً في أحد الغُرَفِ الجانبيةِ؛ وفي الغرفة الأخرى مع أثني عشر آخرين جلس الياقيم، أبن كلوبا ومريم التى لهالي، وشقيق مريم التى لكلوبا. لقد كَانَ أحد تلاميذ يوحنا المعمدان. في أحد البناياتِ الجانبيةِ قُرْب مدخلِ ساحة العلية، تناولت النساء القديسات طعامهم. لقد تم تقديم ثلاثة حملانِ في الهيكلِ، لكن كان هناك حمل رابع تم تقديمه في غرفةِ العشاءَ، وكَانَ هذا هو الموضوع أمام السيد المسيح مَع تلاميذه. لم يكن يهوذا مهتماً بهذا الاحتفال، لكونه مُنشَغلَ بتَخطيط خيانتِه للرب، لقد عادَ قبل لحظات قَليلة من الأكل، وبعد أن تم تقديم الحملِ. أكثر المشاهد تأثيراً كَانَ مشهدَ ذبح الحملِ الّذي سَيُؤْكَلُ مِن قِبل السيد المسيح وتلاميذه؛ حَدثَ في دهليزِ غرفةِ العشاءَ. أنشد التلاميذ والرسل الحاضرين المزمور 118. تَكلّمَ السيد المسيح عن فترة جديدة ثمّ بِداية، وقالَ بأنّ تضحيةَ موسى وشخصية حملِ الفصحِ على وَشَكِ أَنْ يَتم إكمالَهم، لكن ذلك على حسابِه، الحمل الذي سيًضَحَّى به بنفس الطّريقة كما فى الماضي في مصر، وبأنّهم حقاً على وشَكُ أَنْ يَتحرروا مِنْ بيتِ العبوديةِ. أُعدت الأواني والآلات الضرورية، وبعد ذلك جلب المرافقون حمل صَغير جميل مُقلّدَ بتاج، الذي سبق وأُرسلَ إلى العذراءِ المباركةِ في الغرفةِ التى تمَكث فيها مَع النِساءِ القدّيساتِ الأخرياتِ. قُيد الحمل وظهرِه مقابل خشبة بحبل حول جسدِه، وذكّرَني ذلك بالسيد المسيح المُقيّد بعمودِ وجَلدَ. حَملَ أبن سمعان رأس الحملَ؛ حزّ السيد المسيح حزاً طفيف في رقبتِه بطرف السكين، ثمّ أعطىَ أبن سمعان السكين ليُكملُ ذبحه. بَدا السيد المسيح مكروها وهو يحز رقبة الحمل، وكَانَ سريعَ في حركاتِه، بالرغم من أن وجهِه كَانَ مُتَجَهّمَ وطريقته مُثيرة للاحترام. سُكب الدمُّ في حوض، وجلب المرافقون غصن من نباتِ الزّوفا غمّسَه السيد المسيح في الحوض ثمّ ذَهبَ إلى بابِ الغرفةِ ومسح جانبيةَ والقفلَ بالدمِّ، ووَضع الفرعَ الذي كَانَ قَدْ غُمّسَ في الدمِّ فوق البابِ. ثمّ تَكلّمَ مع التلاميذ وأخبرَهم، بين أشياءِ أخرى، بأنَّ الملاك المُهلّك سيَعبر عنهم, فعليهم أن يُمجّدُوا في تلك الغرفةِ بدون خوف أَو قلق، عندما هو، حمل الفصح الحقيقي، الذي سيُضحّي به، ذلك عهد جديد وذبيحة جديدة عَلى وَشَكِ أَنْ تَبْدأَ وستَدُومُ حتى نهاية العالمِ. ثمّ مَضوا إلى موقدِ الفصحِ في نهايةِ القاعةِ حيث وُضع تابوت العهد سابقاً. هناك وَجدوا نار موقدة. رَشَّ السيد المسيح الموقد بالدمِّ، كرّسَه كمذبح. بقيّة الدمِّ مع الدهنِ ألقي فى النارِ تحت المذبحِ ثم تَجوّلَ السيد المسيح حول العلية يَغنّي المزاميرَ وكرّسَها كهيكل جديد. أُغلِقتْ الأبواب خلال هذه المراسمِ، هذه الأثناء أعدَّ ابنُ سمعان الحمل. ثُبّتَ على ، الأرجل الأماميةَ رَبطتْ إلى عارضة، والخلفية إلى. آه! أنها تٌشبه كثيراً السيد المسيح على الصليبِ! ثمّ وُضع مع الثلاثة الآخرين الذين ذُبِحوا في الهيكلِ في الفرنِ ليتم شيهم. كُلّ حملان فصح ضُحّي بها في ساحةِ الهيكلِ، في إحدى الأماكنِ المختلفةِ الثلاثة، حسبما كون مٌقدميهم أغنياء، أَو فقراء، أَو غرباء. ومع أن حمل السيد المسيح لَمْ يُذْبَحُ في الهيكلِ، إلا أنه التزمَ بكُلّ نقاط الشريعة بكل صرامة. ذلك الحملِ لم يكن إلا رمز للسيد المسيح نفسه الذي سيُصبحُ فى اليوم التالي حملَ الفصحَ الحقيقيَ. فيما بعد تكلم السيد المسيح مع التلاميذ عن حملِ الفصحِ وعن إتمام ما كان يرَمزَ إليه، ولأن الوقت كَانَ يَقتربُ ويهوذا قد عاد، بَدأوا بإعْداْد الموائدِ. بَعْدَ ذلك ارتدوا ملابس الرحيل الطقسية، التي كَانتْ في غرفةِ الانتظار، وغيّروا أحذيتَهم. يتكون الرداء مِنْ سترة بيضاء مثل قميص، وفوقه عباءة قصيرة من الأمامِ عنْ الظهرِ. السترة طُوِيتْ لأعلى إلى النطاقِ، والأكمام الواسعة حُضِرتْ. هكذا استعدوا، ذَهبتْ كُلّ مجموعة إلى مائدتِها: مجموعتان مِنْ الرسل إلى القاعةِ الجانبيةِ، السيد المسيح والحواريون فى العلية. أَخذَ كُلّ أحد عصا في يَدِّه، وبعد ذلك مَشوا أثنين أثنين إلى المائدةِ حيث وَقف كل واحد في مكانِه، ذراعيه مرَفوعة، والعصا مستندة على أحدي اليدين. وَقفَ السيد المسيح في مركزِ المائدةِ. كَانَ معه عصاتان صغيرتانُ قدمها سيدُ العيدِ إليه. كانا منحنٍيان بعض الشّيء من أعلى، وبَديا مثل عصي الراعي. وُضع خطّاف في أحد الجناب، كأنه قُطع غصن. ألصقهم السيد المسيح فى نطاقِه على هيئة صليب على صدرِه، وعندما صلّوا، سند ذراعيه المَرْفُوعتان على الخطّافاتِ. كَانَ منظراً مُؤَثِّرِ للغاية برُؤية السيد المسيح يَتّكئ على هذه العصي كلما تَحرّكَ. كما لو أنّه عِنْدَهُ الصليبُ، الذي سيثقل على كتفِيه قريباً، الآن يسنده أسفل ذراعيه. في هذه الأثناء كان الجميع يهْتفُون، " مُباركَ يَكُونَ الرب إله إسرائيل، المجد للرب ". عندما انتهتْ الصلاة، أعطىَ السيد المسيح أحدي العصي إلى بطرس والآخري إلى يوحنا, وهم أما وضعوها جانباً، أَو مرّروها من يدٍّ لأخرى بين باقي التلاميذ، لكن علي ماذا يدل هذا، أنا لا أَستطيعُ أن أتذكر الآن. المائدة كَانتْ ضيّقَة وترتفع نحو قدمِ ونِصْف فوق ركبةِ الإنسان الوقف بجانبها. كانت على شكلِ حدوة حصان؛ ومٌقابل السيد المسيح، في الجزءِ الداخليِ للنِصْف دائرةِ، كان هناك فراع متروك لخِدْمَة الصُحونِ. بقدر ما أستطيع أَنْ أَتذكّرَ، وَقفَ على يمينِ السيد المسيح يوحنا، يعقوب الكبير، يعقوب الصغير ؛ ثمّ جاءَ بارثليماوس على اليمينِ أيضاً، لكن بقرب نهايةِ المائدةِ؛ وحول الركن في الجانبِ الداخليِ وَقفَ توما وبجانبه يهوذا الأسخريوطي. على يسارِ السيد المسيح وقف بطرس، أندراوس، تداوس؛ ثمّ على الجانبِ المُقابل، جاءَ سمعان؛ وحول الجانبِ الداخليِ، متى وفيلبس. وُضع حمل الفصح في وسط المائدةِ على صحن، رأسه يستند على رجليه الأماميةِ المٌَتقاطعة وقدميه الخلفية ممتدّة بطولها. على حافة الصحنِ كَانتْ هناك مجموعاتَ صغيرة من الثومِ. بجانبه صحن آخراً به لحمِ الفصح المشويِ، وعلي كلا الجانبين صحون من الأعشابِ الخضراءِ. رُتّبَت هذه الصحون في وضعِ مستقيم وعن قرب جداً بِحيث بدوا كما لو أنّهم يَنْمونَ. كان هناك صحنُ آخرُ به مجموعاتِ صَغيرةِ مِنْ الأعشابِ المرّةِ، بَدتْ مثل الأعشابَ العطريةَ. أمام مكانِ السيد المسيح مباشرة وضعت إناء من الأعشابِ الخضراءِ مع قليل من الاصفرار، وآخري بها نوع من الصلصة السمراء. وضُعت أرغفةُ مستديرةُ وصغيرةُ للضيوفُ واستعملوا سكاكينِ العظميةِ. بعد الصلاةِ، وضع سيد العيدِ على المائدةِ أمام السيد المسيح السكين لتقَطْيع حملِ الفصحِ، وْضُع كأس النبيذِ أمامه، ومِنْ دورق مَلأَ ستّة كؤوسَ أخرى، وضع كلّ واحد منها بين أثنين مِنْ التلاميذ. باركَ السيد المسيح النبيذ وشَربَ كل أثنين من التلاميذ مِنْ كأسِ واحدة. قطّعَ الرب حملَ الفصحَ. تناول التلاميذ تباعاً أرغفتَهم الصَغيرةَ وتلقّي كُلّ واحد نصيبه. أَكلوه بسرعة وفْصلوا اللحمَ عنْ العظمِ بسكاكينِهم العاجيةِ، وأُحرقتْ العظام بعدئذ. أَكلوا وبسرعة جداً أيضاً الثوم والأعشاب الخضراء، كانوا يُغمّسُونها أولاً فى الصلصةِ. لقد أَكلوا حملِ الفصحِ واقفين، مَائلين قليلاً على ظهر المقاعدِ. ثمّ كَسرَ السيد المسيح أحد أرغفةِ الخبزِ الخالي من الخمير، غَطّى جزءَ منه، وقسّمَ بقيته بين التلاميذ. بعد ذلك أَكلوا الأرغفةَ الصَغيرةَ التي عَملتْ كصحونِ. أُحضر كأس آخر من النبيذِ جُلِبَ. شَكرَ السيد المسيح لكنه لم يشَربَ منه. لقد قالَ: " خذُوا هذا النبيذِ واقتسّمَوه بينكم، لأني لَنْ أَشْربَ من الآن أي نبيذِ، حتى يأتي ملكوت الله " بَعْدَ أَنْ شَربَ الحواريين، أثنين أثنين، رتّلوا، وصَلّى السيد المسيح وعلّمَ. بعد ذلك غَسلوا أيديهم ثانيةً، وبعد ذلك اتّكئوا على المقاعدِ. لقد كَانوا واقِفينَ أثناء المراسمِ السَابِقةِ، أَو مستندين بعض الشّيء على المقاعد، وعُمِلَ كُلّ شيء بسرعة. قطّعَ السيد المسيح حمل آخر، حُمِلَ إلى النساء القديسات في المبنى الجانبيِ حيث تناولوا فصحهم. تَناولوا التلاميذ الأعشابِ والسلطة والصلصة. كَانَ السيد المسيح هادئَا جداً ورابِط الجأش، أكثر من أي مرة رَأيتُه فيها. نْسي التلاميذ همومُهم. حتى العذراء المباركة كَانتْ مُشرقة ومبتهجةَ أثناء جلوسها مَع النساء على المائدة. كَانَ مؤثراً جداً رُؤيتها تلتفت بكل بساطة إلى امرأة أخرى عندما يقتربوا مِنْها ويجذبوا انتباهَها بشد طرحتها. بينما كَان التلاميذ يَأْكلونَ الأعشابَ، واصل السيد المسيح التَحَدُّث مَعهم بمودة، لكنه بعد ذلك أصبحَ مُتَجَهّم وحزين وقالَ: "واحد منكم سَيَخُونُني, واحد يضع يَدَّه مَعي في الصحنِ." في تلك اللحظة كان أحدهم يُوزّعُ أحد الخضرِوات، وبالتحديد الخسّ الذي كان موضوع على صحنُ واحد فقط. كَانَ يَمرره بجانبِه وناوله ليهوذا، الذي كَانَ يَجْلسُ مقابله، ليوزعه على الجانبِ الآخرِ. ما أن أشار السيد المسيح للخيانة حتى اضطرب التلاميذ. ثمّ كرر السيد المسيح كلامه " واحد يَدّه مَعي علي المائدةِ، أَو من يغمّس بيده مَعي فى الصحنِ، " الذي وكأنه قال "أحد الإثني عشرَ الذين يَأْكلُون ويَشْربُون مَعي, أحد الذين كسرُت لهم خبزَي." بهذه الكلماتِ لم يَفشي السيد المسيح يهوذا للآخرين، لأن التَغْميس فى نفس الصحنِ كَانَ تعبير شائع عنْ الصداقةِ الأكثر عمقاً. كان السيد المسيح مازال يقَصدَ بذلك أَنْ يُحذّرَ يهوذا، لأنه كان حقاً يُغمّسُ يَدَّه مَعه فى الصحنِ أثناء توزيع الخسَّ. لاحقاً، قالَ: " إن أبن الإنسانِ ماضي حقاً كما هو مكتوبُ عنه، لكن الويلَ لذلك الإنسانِ الذي مِن قِبله سيُسلم أبن الإنسانِ! لقد كَان أفضل لَهُ أن لا يولد." بهذه الكلماتِ، أضطرب التلاميذ كثيراً وسألوا كل بدوره: هَلْ أنا يا رب؟ " لأنهم جميعا لَمْ يَفْهُموه بالكامل. في أثناء ذلك مال بطرس خلف السيد المسيح نحو يوحنا، أشارَ إليه أن يسأل الرب مَنْ يكون، لأنه تلقي دوما تأنيبَ مِنْ السيد المسيح، لقد كَانَ قلق لئلا يَكُونُ هو نفسه. الآن، كَانَ يوحنا يَتّكئ على يمين السيد المسيح، وبينما كَان الجميع يتّكئ على الذراعِ الأيسرِ كي يَأْكلَ باليدّ اليمنى، مال يوحنا برأسهِ بقرب صدرِ السيد المسيح وسَألَ " يا رب، مَنْ هو؟ " فحُذّرَ بشكل داخلي أن السيد المسيح يٌشيرَ إلى يهوذا. أنا لَمْ أَرى السيد المسيح يَقُولُ بشفاهِه: "أنه الذي سَأَعطيه اللقمةَ المغمّوسة " ولا أَستطيعُ أن أقول إن كان قال هذا بهدوء ليوحنا أَو لم يَقُولُه. لكن يوحنا فَهمَ ذلك عندما غمّس السيد المسيح لقمة الخبز في الصلصة وطواها بالخسِّ وقدّمَها بمحبة ليهوذا، الذي كَانَ يَسْألُ أيضاً " يا رب, هَلْ هو أنا؟ "نَظرَ السيد المسيح إليه بمودّة وأجابَ إجابة عامة. إعْطاء الخبزِ المغمّوسَ كَانَ تعبير عن الحبِّ والثقةِ، والسيد المسيح فعل ذلك بحبِّ صادقِ، ليحذر يهوذا وليجَنُّبه شبهاتِ الآخرين. لكن يهوذا كان مُشتعل بالغضب داخليا, طوال مدة العشاء، كان يجْلسُ عند قدميه مِسْخ صغير, كان ينَهضَ على قلبِه كثيراً. أنني لَمْ أَرى يوحنا يُذكر لبطرس ما علّمَه مِنْ السيد المسيح، لكني رَأيتُه يُطمئنُه بإيماءة. |
||||
07 - 11 - 2012, 04:21 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل الحادي عشر غسل الأقدامِ نهض السيد المسيح هو ورفاقه عن المنضدةِ، وبينما كَانوا يُنظّمونَ عباءاتَهم، كما يفعلون عادة قبل الصلاة، جاءَ شخص مع خادمين لأَخْذ المنضدةِ. تكلم السيد المسيح وهو واقِفا وسطِ تلاميذه، تَكلّمَ معهم لمدة طويلة، بأسلوب بغاية الجدّيةِ. أنا لا أَستطيعُ أَنْ أُردّدَ حديثَه بالكاملَ، لَكنِّي أَتذكّرُ بأنّه تَكلّمَ عن ملكوتِه وعن أنه ذْاهبُ إلى أبّيه، بأنه سيَتْركُهم الآن لأنّه عَلى وَشَكِ أَنْ يُؤْخَذَ. لقد أعطاَهم أيضاً بَعْض التعاليم التى تَتعلّقُ بالكفّارةِ والاعتراف بالخطايا والتوبة والتبرير. شَعرتُ بِأَنَّ هذه التعاليم تُشير إلى غسيل الأقدامِ، ورَأيتُ بأنّ كُلّ التلاميذ يعترفون بآثامِهم ويتِوبون عنها، باستثناء يهوذا. هذا الحديثِ كَانَ طويلَ وجدّيَ. عندما أنتهي ذلك، أرسلَ السيد المسيح يوحنا ويعقوب الصغير لإحضار ماءِ مِنْ الدهليزِ، وأخبرَ التلاميذ أن يرتبوا المقاعدِ في نِصْف دائرةِ. ذَهبَ بنفسه إلى غرفةِ الانتظار حيث رَبطَ نفسه بمنشفة. أثناء ذلك الوقتِ، تكلم التلاميذ فيما بَينَهم، وبَدأوا يتناقشون من منهم سَيَكُون الأعظمَ، لأن الرب أعلَن بأنّه عَلى وَشَكِ أَنْ يَتْركَهم وأنّ ملكوتَه قد اقترْب، شَعروا بأنَّ الرب لديه خططُ سريةُ وبأنّه كَانَ يشير إلى النصرِة الدنيويِة التي ستَكُونُ لهم في اللحظة الأخيرة. في هذه الأثناء ,في غرفةِ الانتظار، أخبر السيد المسيح يوحنا أن يأَخْذ حوض، وأن يأخذ يعقوب جيمس إبريق مَُمتلئ بالماءِ، وأن يتبعاه إلى الغرفةِ، حيث وضُعَ حوض فارغ آخر. بعودة السيد المسيح إلى تلاميذه بطريقة متواضعِة للغاية، خاطبَهم ببضع كلمات اللومِ على موضوعِ النزاعِ الذي ظَهر بينهم وقال بين أشياءِ أخرى، بأنّه كان بنفسه خادمَهم وعليهم أَنْ يَجْلسوا لأنهُ سيغَسْل أقدامِهم. جَلس التلاميذ بنفس النظامِ الذي كانون جَالسين بها علي المائدةِ. ذَهبَ السيد المسيح مِنْ واحد إلى آخر وسكب الماءَ مِنْ الحوضِ الذي كان يحمله يوحنا على قدمِي كُلّ واحد، وبعد ذلك، أْخذُ المنشفةِ التي ائتزر بها ومَسحَهم. بغاية المَحَبَّة والعطاءِ كَانَ أسلوبَ الرب بانحنائه على أقدام تلاميذه ويغسلها. عندما دوره جاءَ دور بطرس، بسبب التواضع حاولَ مَنْع السيد المسيح من غَسْل أقدامِه, فصاح " يا رب, أنت تَغْسلُ أقدامَي؟" أجاب السيد المسيح " ما أنا فاعله, أنت لَسْتَ تَعْرفُه الآن، لَكنَّك سَتَعْرفه فيما بعد" بَدا لي بأنّه قالَ له بشكل خاص " يا سمعان, لقد استحقَّقت أن يُعلن لك أبي من أَنا، من أين أتيت، وإلى أين سأَذْهبُ، أنت وحدك اعترفَت بذلك بشكل واضح، لذا سَأَبْني عليك كنيستَي، وأبواب الجحيمِ لَنْ تَقوي عليها. سلطتي سَتَبْقى مَع خلفائك حتى نهاية العالمِ." السيد المسيح أظهرَه للتلاميذ الآخرينِ، وقالَ بأنّه عندما لن يَكُونَ حاضرَ بينهم، سيملئ بطرس مكانَه. قالَ بطرس" أنت لَنْ تَغْسلَ أقدامَي! " فأجاب الرب " إن لم غْسلُك، فلن يكونُ لكَ دورَ مَعي" حينئذ صاحَ بطرس " يا رب، لَيسَ أقدامَي فقط، بل يداي ورأسي أيضاً" أجاب السيد المسيح " من هو مَغْسُولُ، ليس بحاجة إلا لغَسْل أقدامِه، لأنه طاهر بالكليةً. وأنتم طاهرين، لكن لَيسَ الكُلّ." أشارَ الرب بهذه الكلمات الأخيرةِ ليهوذا. تَكلّمَ عن غسيل الأقدامِ كدلالة عن التنقيةِ مِنْ الأخطاءِ اليوميةِ، لأن الأقدامَ، التي تتصل بالأرض بشكل مستمر، تكون أيضاً عُرْضَة للتَلوث بشكل مستمر، ما لم تنال عناية عظيمة. غسيل الأقدامِ هذا كَانَ روحيَا، وعَملَ كنوع من الغفرانِ. لم يري بطرس، في حماسِه، شيئا فيه سوي تصرف مُتضع من ناحية سيدِه؛ لم يعَرفَ أنه لإنْقاذه فالسيد المسيح فى اليوم التالي مباشرةً سيضعُ نفسه حتى الموتِ المخزيِ للصليبِ. عندما غَسلَ السيد المسيح أقدام يهوذا، كَانَ ذلك بأسلوب بغاية لمحبِّة والتأثِّيرِ؛ لقد أحنىَ وجهَه المقدّسَ حتى قدمِي الخائنِ؛ ودعاه بصوتٍ منخفض يَدْخلُ على الأقل الآن إلى نفسه، لأنه كَانَ خائن غير آمين. بَدا يهوذا حريصاً أن لا يُبالي بكلماتِه، وتَكلّمَ مع يوحنا، مما جعل بطرس يصيح غاضباً " يهوذا، إن الرب يَتكلّمُ إليك! " |
||||
07 - 11 - 2012, 04:21 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل الثاني عشر تأسيس سر العشاء الرباني المُبارك. بأمرِ الرب، مَدَّت المائدة ثانيةً؛ ثمّ، بَعْدَ أَنْ وَضعَت مرةً أخرى في وسطِ الغرفةِ، جئ بجرّةَ مَمتلئة بالنبيذِ وأخرى بالماءِ. دَخلَ بطرس ويوحنا فى أحد أجزاء الغرفةِ قُرْب الموقدِ، ليُحضرا الكأسَ الذي جَلبوه مِنْ بيتِ فيرونيكا، والذي كان ما زالَ ملفوف في غطائه. حَملوه بينهم كما لو كانوا يَحْملونَ خيمة، ووَضعوه على المائدةِ أمام السيد المسيح. كان هناك صحنُ بيضاويُ هناك مع ثلاث أرغفة بيضاء، وَضعَت على قطعة من الكتان، بجانبِ نِصْف الرغيفِ كان السيد المسيح وَضعَه جانباً أثناء عشاء الفصحِ، كان هناك أيضاً جرّة تَحتوي على نبيذ وماءَ، وثلاثة صناديقِ، واحد مَمْلُوء بزيت غليظ القوام, الثاني بزيت سائلِ، والثلث فارغُ. في الأزمنة السابقةِ، كَانَ على كل من هم علي المائدةِ أن يأكلوا من نفس الرغيفِ ويشربِوا من نفس الكأسِ في نهايةِ العشاء، بذلك لإبْداء صداقتِهم وحبِّهم الأخويِ، وللترحيب ببعضهم البعض وودّاعَ بعضهم البعض. أعتقد إن الكتاب مقدّس يحتوي على شيءَ يخص هذا الموضوعِ. في يومِ العشاء الأخيرِ، رفع السيد المسيح هذا التقليدِ (الذي لم يكَنَ سوي طقس رمزي ومجازي) إلى كرامةِ أقدسِ للطقوس الدينية. إحدى التهمِ التى وَضعتْ أمام قيافا أن السيد المسيح أدخل شيء جديد لمراسمِ الفصحِ، لكن نيقوديموس بَرهنَ مِنْ الكتاب المقدّسِ بأِنَّهُ كَانَ عادةً قديمةً. جلس السيد المسيح بين بطرس ويوحنا، أُغلقت الأبواب، وكُلّ شيء عُمِلَ بأسلوبِ بغاية الغموضِ والمهابة. عندما أُخرج الكأس من غطائه، صَلّى السيد المسيح وتَكلّمَ مع تلاميذه بمنتهي المهابة. لقد رَأيتُه يَعطيهم تفسيرَ العشاءِ، ولكُلّ المراسمِ، وكُنْتُ مُنتبهة بقوّة لكاهن يُعلّمُ الآخرين بتعاليم القداس. ثم جذب السيد المسيح ما يُشبه رفِّ ذو أخاديدِ مِنْ اللوحةِ التي وُضعت عليها الجرارِ، وأْخذُ قطعة كتان بيضاءِ الذي به كان الكأسِ مغُطّى بها، فردها على اللوحةِ والرفِّ. ثمّ رَأيته يَرْفعُ صحن مستدير، ويضعَه على نفس الرفِّ، بعيدا عن قمةِ الكأسِ. بعد ذلك أَخذ الأرغفةَ مِنْ أسفل قطعة الكتان، ووَضعهم أمامه على اللوحةِ؛ ثمّ أخرجَ مِنْ الكأسِ زهرية أصغر، ونظّمَ الأقداحَ الصَغيرةَ الستّة على كُلّ جانب منه. ثمّ باركَ الخبزَ والزيتَ، بحدود معرفتي، بعد ذلك رَفعَ الأرغفةِ عاليا علي أيديه ورَفعَ عينَيه وصَلّى، ثم وضع لأرغفة على المائدة وغطّاها ثانيةً. ثمّ أَخذَ الكأسَ، وكَانَ بطرس قد صبّ بَعْض النبيذِ فيه مع بَعْض الماءِ، الذي باركَه يوحنا أولاً، وأضافُ إليه قليل من الماء، الذي سكبه بملعقة صغيرة، وبَعْدَ هذا باركَ الكأسَ ورَفعَه عاليا وهو يصلي ووضعه على المائدة. صَبَّ يوحنا وبطرس بَعْض الماءِ على يديه، الذي حَملَ على الصحنِ الذي وُضِعتْ عليه الأرغفةِ؛ ثمّ أَخذَ قليل من الماءِ الذي صُبَّ على يديه، بالملعقةِ التي أَخذَها مِنْ الجزءِ السُفلى للكأسِ، وصَبَّه عليهم. بعد هذا، مُررت الزهرية حول المائدةَ، وغَسلَ كُلّ التلاميذ أيديهم فيها. أنا لا أَتذكّرُ إن كان هذا هو النظامَ الدقيقَ الذي أدّيتْ به هذه المراسيمِ؛ كُلّ ما أَعْرفه بأنّهم ذكّروني بطريقةٍ مُدهشة بذبيحة القداس المقدّسةِ. في هذه الأثناء، أصبحَ إلهنا القدوس أكثر فأكثر حنون ومحبّ في سلوكِه؛ أخبرَ تلاميذه بأِنَّهُ عَلى وَشَكِ أَنْ يَعطيهم كُلّ ما عِنْدَهُ، بمعني، سيعطي كُلّ نفسِه، وبدا كما لو أنه على نَحْو كامِل تَحوّل إلي حبِّ. رَأيتُه يُصبحُ شفّافَ، حتى ماثلَ ظِلّ مضيء. ثم كَسرَ الخبز لعِدّة قِطَع، ثم وَضعَها فى صينية، وبعد ذلك أَخذ قطعة من القطعةِ الأولى وأسَقطَها فى الكأسِ. في لحظة فعل هذا، بدا لى إني أري العذراءِ المُباركة تتلقي القربان المقدّسَ بطريقةٍ روحية، بالرغم من أنّها لم تكَن موجودة في غرفةِ العشاءَ. أنا لا أَعْرفُ كَيفَ تم هذا، لَكنِّي أعتقد بأنّني رَأيتُها تدْخلُ دون أن تمْس الأرضِ، وتأتي أمام الرب لتتَلْقي العشاء الرباني المقدّسِ؛ وبعد ذلك لم أعد أراها. السيد المسيح كان قد أخبرَها في الصباحِ، في بيت عنيا، بأنَّه سيحفظ الفصح مَعها روحياً، وحدّدَ في أي ساعةَ يجب أَنْ تَختلي بنفسها فى الصلاةِ، كي تتلقّاه بالروحِ. صَلّى السيد المسيح ثانيةً وعلّمَ؛ خرجت كلماته مِنْ شفاهِه مثل نارِ ونور، ودَخلتْ إلى كُلّ التلاميذ، باستثناء يهوذا. لقد أَخذَ الصحن بقِطَعِة الخبزِ وقالَ: " خذوا كلُوا؛ هذا هو جسدي الذي أعطيه لكم " مد يدّه اليمنى وكـأنه يبَارَكَ، وبينما يفعل ذلك, خرج منه نور رائع، كلماته كَانتْ منيرة، دَخلَ الخبزَ أفواهَ التلاميذ كمادة رائعة، وبَدا النور يختِرقهم ويُحيط بهم جميعاً، يهوذا فقط ظل مُظلماً. قدّمَ السيد المسيح الخبز أولاً إلى بطرس، ثم إلى يوحنا ثم أومأ إلى يهوذا أن يقترب. يهوذا بهذا كان الثالث فى تناول العشاء الرباني، لكن كلماتَ الرب ظَهرتْ وكأنها تبتعد عن فَمِّ الخائنِ، وتعود لمُبدعها الإلهي. لقد اضطربت جداً بالروح من هذا المنظر، حتى أن مشاعري لا يُمْكن أنْ تُوْصَفَ. قال السيد المسيح له: " ما أنت فاعله أفعله بسرعة" ثمّ أدارَ العشاء الرباني المُبارك إلى باقي التلاميذ، الذين اقتربوا إثنان إثنان. رَفعَ السيد المسيح الكأس من مَقابضِه لمستوى وجهَه، ونَطق بكلماتَ التكريسِ. أثناء فعْلُ هذا، ظَهرَ مُتجليا بشكل كامل، شفاف, إن جاز التعبير، وكما لو أنه يعبر بالكامل إلى ما سيَعطيه لتلاميذه. جَعلَ بطرس ويوحنا يَشْربُان مِنْ الكأسِ التي يحَملَها في يَدِّه، وبعد ذلك وَضعَه ثانيةً على المائدةِ. صَبَّ يوحنا الدمّ الإلهي مِنْ الكأسِ إلى الأقداحِ الصغيرة، وقدّمَها بطرس للتلاميذ، حيث شرب كل إثنان معاً مِنْ نفس الكأسِ. أعتقد، لكني لست مُتَأَكِّدة, أن يهوذا تَناولَ الكأسِ أيضاً؛ لكنه لَمْ يُرجعْ إلى مكانِه، لكنه ترك غرفةَ العشاءَ فى الحال، واعتقدَ باقي التلاميذ أنّ السيد المسيح كلفه ببعضَ الأمور. لقد غادر المكان دون أن يصَلي أَو يُقدم أيّ شكر، ولِذلك فأننا قَدْ نُدركُ كَم هو شرّير أَنْ نُهملَ الرجوع للشكر سواء بعد تَلْقي طعامِنا اليوميِ، أَو بعد تَنَاوُل الخبزِ المُعطي الحياة. أثناء كُلّ العشاء، كنت أري شكل صَغير مخيف، بقدمِ واحد كالعظام اليابسة، يَمْكثُ قرب يهوذا، لكن عندما وَصلَ البابَ، رأيت ثلاث شياطينَ يُحيطون به؛ دخل واحد إلى فَمِّه، الثاني كان يحَثّه، والثالث سَبقَه. لقد كَانَ ليلاً، وبَدت تلك الشياطين تُنير الطريق له، بينما أسرعَ راكضاً كالمجنون. صَبَّ الرب بضع قطرات من الدمِّ الثمينِ المُتَبْقى في الكأسِ إلى الزهريةِ الصَغيرةِ التي تَكلّمتُ عنها، وبعد ذلك وَضع أصابعَه على الكأسِ، بينما كان بطرس ويوحنا يصَبّا الماءَ والنبيذ عليهم. هذا العْمل، جَعلَهم يشُرْب ثانيةً مِنْ الكأسِ، وما تبقي مِنْ محتوياته صُبّتْ فى الأقداحِ الصغيرِة، ووزّع على باقي التلاميذ. ثمّ مسح السيد المسيح الكأسَ، وَضعَ فيه الزهريةِ الصَغيرةِ التي تَحتوي بقيّةَ الدمِّ القدسيِ، ووَضع فوقه الصينية بأجزاءِ الخبزِ المُكَرَّسِ، ثم غطاها ثانيةً وأغلقَ الكأسَ ووضعه وسطِ الكؤوسِ الصغيرةِ الستّة. لقد رَأيتُ التلاميذ يتناولون معاً بقايا العشاء الرباني هذا بعد القيامة. أني لا أَتذكّرُ بأني رأيت الرب بنفسه يَأْكلُ ويشربِ من العناصرِ المُكَرَّسةِ، ولا رَأيتُ ملكيصادق، عندما قدم الخبزِ والنبيذِ، يتذوق منهم بنفسه. لقد أعلنَ لي لماذا الكهنة يَتناولونَهم، بالرغم من أن السيد المسيح لَمْ يتناوله. هنا نَظرتْ الراهبة إميريتش فجأة لأعلى، وبَدتْ وكأنه تستَمِع. لقد أعطي لها بَعْض التفسيرِ عن هذا الموضوعِ، لكن الكلماتَ التاليةَ كَانتْ كُلّ ما يُمْكِنُها أَنْ تُكرّرَه إلينا: " إن كان مكتبِ تَوزيع العشاء الرباني قَدْ أعطىَ إلى الملائكةِ، لما كَانوا سيَشتركونَ فيه، لكن إن لم يُشارك فيه الكهنةِ, لكان القربان المقدس المُبارك سَيُفْقَدُ, من خلال اشتراكهم فهو محفوظُ. " كان هناك جديةُ ونظام متعذر وصفهما في كُلّ أعمالِ السيد المسيح أثناء تأسيسه لسر العشاء الرباني المقدّسِ، وكُلّ حركة له كَانتْ ملوكيةَ. لقد رَأيتُ التلاميذ يُسجّلونَ أشياء في لفائف رقِّ الكتابة الصغيرة وحملوها بأنفسهم. لقد لاحظت عدّة مرات أثناء المراسيمِ بأنّهم ينحنوا لبعضهم البعض، بنفس الطّريقة التي يفعلها كهنتنا الآن. |
||||
07 - 11 - 2012, 04:22 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل الثالث عشر أعطىَ السيد المسيح تلاميذه بَعْض التعاليم الخاصّةِ مليئة بالأسرار؛ أخبرَهم كيف عليهم أَنْ يَحْفظون القربان المقدس المبارك لذكره، حتى نهاية العالمِ؛ علّمَهم الطرقَ الضروريةَ للاسْتِفْاَدة منه والتواصل معه، وبأي شكل عليهم تعاليم وإعْلان هذا السر؛ أخيراً أخبرَهم متى عليهم أَنْ يَتلقّوا ما تبقي مِنْ العناصرِ المُكَرَّسةِ، متى عليهم أن يَعطوا منه للعذراءِ المباركةِ، وكَيفَ يُكرّسونَ هم أنفسهم، بعد أنْ يُرسلَ لهم المعزي الإلهي. ثمّ تَكلّمَ عن أمور تتَعَلُّق بالكهنوت، عن المسحة المقدّسة، وتحضير الزيوت مقدّسة. كَانَ لديه ثلاثة صناديقِ، إثنان منهم يحتويان على مَزِيْج من الزيتِ والبلسمِ.التعاليم والتكريس الخاصّ. علّمَهم كَيفَ يَصْنعونَ هذا المَزِيْجِ، أي أجزاء الجسدِ ينبغي أن تًدْهُن به وفي أي مناسبة. أَتذكّرُ، من بين أشياءِ أخرى، بأنّه ذَكرَ حالة لا يجب أنْ يُؤْخَذَ فيها المقدس المقدّس؛ ربما ما قالَه كَانَ عِنْدَهُ إشارةُ إلى المسحة الفائقة، لأن تذكّرِي لهذه النقطةِ لَيس واضحاً. تَكلّمَ عن الأنواعِ المختلفةِ مِنْ الدَهْن، وبشكل خاص المختص بالملوكِ، فقالَ بأنّ الملوكِ الأشرارِ الذين دُهِنوا، يجتذبون منه سلطات خاصّة. وَضعَ مرهماً وزيّتَ في الصندوقِ الفارغِ، وخَلطَهم معاً، لَكنِّي لست مُتَأَكِّدِة إن كَانَ ذلك في هذه اللحظة، أَو في وقت تكريسِ الخبزِ. رَأيتُ بعد ذلك السيد المسيح يَمسح بطرس ويوحنا، سكب على أياديهم الماءَ الذي تَدفّقَ من يده، وأعطاهم ليشُرْبوا لكن من الكأسِ. ثمّ وَضعَ يديه على أكتافِهم ورؤوسِهم، بينما ضموا هم أياديهم ورْكعُوا أمامه، لقد دَهنَ إبهامَ وسبّابةَ يديهم، ومسحهم على رؤوسِهم. قالَ بِأَنَّ هذا سيظْلُّ مَعهم حتي نهايةِ العالمِ. تكرّس أيضاً يعقوب الصغير ,أندراوس ويعقوب الكبير وبرثالماوس. رَأيتُ أيضاً الرب يلَفَّ الوشاح الصغير الذي يرتديه بطرس حول رقبتِه على هيئة صليب على صدرِه، بينما وضعه على الآخرين ببساطة على هيئة صليب، مِنْ الكتفِ الأيمنِ إلى الجانبِ الأيسرِ. أنا لا أَعْلمُ إن كان هذا تم في وقت تأسيس سر العشاء الرباني أَم للمسح فقط. فَهمتُ بأنّ السيد المسيح نَقلَ إليهم بهذه المسحة شيءِ يفوق قوَّتِي عن الوَصْف. أخبرَهم بأنّه عندما ينالوا الروحَ القدس يجب أَنْ يُكرّسوا الخبزَ والنبيذَ، ويَمسحون الرسل الآخرينَ. لقد أعلنَ لي حينئذ إن في يومِ العنصرة، وضع بطرس ويوحنا أياديهم على التلاميذ الآخرينِ، وبَعْدَ أسبوع على عِدّيد من الرسل. بعد القيامة، أعطىَ يوحنا العشاء الرباني للمرة الأولى للعذراءِ المباركةِ. هذا الحدثِ مُجّدَ كمهرجان بين التلاميذ. أنه لم يظل مهرجان في الكنيسةِ التى على الأرضِ، لَكنِّي أَرى بأنّه يُحتفلَ به في الكنيسةِ المنتصرةِ. للأيام القليلة الأولى بَعْدَ العنصرة رَأيتُ بطرس ويوحنا فقط يُكرّسانِ القربان المقدسَ المباركَ، لكن في وقت لاحق كان بقية التلاميذ يكرّسون أيضاً. كُلّ ما فعله السيد المسيح فى هذه المناسبةِ عُمِل على انفراد، وعَلَّم بالتساوي على انفراد. احتفظتْ الكنيسةُ بكُلّ ما ما هو أساسي فى هذه التعاليم السريةِ، وتحت إلهامِ الروحِ القدس، طوّرَتهم وكيّفَتهم طبقا لكُلّ احتياجاتها. أنا لا أَستطيعُ التَظَاهُر بقَول سواء بطرس ويوحنا كَانا كلاهما يكرسان الأساقفة، أَو بطرس وحده كأسقف ويوحنا ككاهن، أَو لمن نال كرامةِ من التلاميذ الأربعة. لكن الطرقَ المختلفةَ التي نظّمَ بها الرب شالاتَ التلاميذ تُظهر الدرجاتِ المختلفةِ للتكريسِ. عندما قُرّرتْ هذه المراسيمِ المقدّسةِ، أسترجع الكأس ( الذي كان بقُرْب الزيت المبارك)، وُحمل القربان المُقدس مِن قِبل بطرس ويوحنا إلى الجزءِ الخلفيِ من الغرفةِ، الذي كان ينفصل عن تلك الغرفة مِن قِبل ستارة، ومِنْ ذلك الوقت أصبحَ هيكلاً. البقعة التى حُفظ بها القربان المقدس لم يكن بعيداً عن موقدِ الفصحِ. أعتني يوسف الرامي ونيقوديموس بالمكان المقدّسِ وبغرفةِ العشاءَ أثناء غيابِ التلاميذ. علّم السيد المسيح تلاميذه لوقتِ طويل وصَلّوا أيضاً عدّة مرات. بَدا كثيراً يتَحَدُّث مَع أبّيه السماويِ، وفائضاً بالتوهج والحبِّ. التلاميذ أيضاً كَانوا بغاية التوهج والفرحِ وسَألَوه أسئلةَ مُخْتَلِفةَ أجابَ عنها فى الحال. لابد أن الكتب المقدّسة تَتضمّنَ مُعظم هذا الحديثِ والمحادثةِ الأخيرةِ. لقد أخبرَ بطرس ويوحنا بأمور مختلفة ليعلنوها لاحقاً لباقي التلاميذ، الذين سيعلنوها بدورِهم للرسل والنِساءِ القدّيساتِ، طبقاً لقدرةِ كُلّ واحد لاستيعاب هذا المعرفةِ. كَانَ له محادثة خاصّة مَع يوحنا الذي أخبرَه بأنَّ حياته ستَكُونُ أطول مِنْ حياةِ الآخرين. تَكلّمَ معه عن سبع كنائسِ، عن بَعْض الأكاليل والملائكةِ، وأعلمه بمعنى بَعْض الأرقامِ الغامضةِ، التي تُبَيّن، بحدود معرفتي، عهود مختلفة. كان لدي باقي التلاميذ بعض الغيرة بسبب هذا الحديث الخاص مع يوحنا. تَكلّمَ السيد المسيح أيضاً عن الخائنِ." أنه يعمل الآن هذا أَو ذلك،" قالَ، وأنا، في الحقيقة، رَأيت يهوذا يفعل بالضبط كما قالَ منه. بينما كَانَ بطرس يعترض بشكل عنيف بأنَّه سيَظْلُّ مخلص دائماً، قال الرب له " سمعان سمعان، ها هو الشيطان يريدَ أن يُغربلُكم كالحنطة. لَكنِّي صَلّيتُ من أجلك بأنّ لا يسقط إيمانَكَ: ولأنك تقويت مرة، قوي إخوتَكَ." قالَ الرب ثانية بأنّه سيذهب إلى حيث لا يَستطيعونَ أَنْ يَتْبعوه، عندئذ صاحَ بطرس " يا رب، أَنا مستعدُّ للذِهاب مَعك للسجنِ وللموتِ. " فأجاب المسيح " آمين، آمين، أَقُولُ لك، قبل أن يصيح الديكَ مرّتين، سَتُنكرُني ثلاث مرات." قال السيد المسيح، بينما كان يُعلنُ لتلاميذه بأن الأوقات الصعبةِ قريبة منهم " عندما أُرسلُتكم بدون كيس أَو مزود أَو أحذية، هل أعوزكم شئ ؟ " أجابوا: " لا شيء. " فواصل الرب كلامه " لكن الآن، من له كيس فليأخذه، ومن له مزود فليأخذه، ومن ليس عنده, فليبيع ثوبه ويشتري سيفاً. لأني أَقُولُ لك، ما قد كُتب, لابد أن يتم فيّ: ومع الأشرارِ قد حُسِبَ. لأن الأشياءِ التى تَتعلّقُ بي لها نهايةُ." فهم التلاميذ كلماتَه بمعنى دُنيوي، وأظهر بطرس سيفان، كَانت قصيرة وسميكة، مثل السواطيرِ. قال السيد المسيح قالَ: " هذا يكفيُ: فلنَذْهبُ الآن." ثمّ أنشدوا ترتيله الشكر، وَوضعَوا المائدةَ على أحد الجناب ودَخلوا الدهليزَ. هناك، وَجدَ السيد المسيح أمّه ومريم التى لكلوبا والمجدلية، التي تَوسّلتْ إليه بأن لا يَذْهبَ إلى جبل الزيتون، لأن هناك ما يوحي بأنّ أعدائه يُريدونَ إلْقاء الأيادي عليه. لكن السيد المسيح وَاساهم ببِضْع كلماتِ، وأسرعوا لكون الساعة كانت حوالي التّاسعة. هَبطوا الطريقَ الذي أتي منه بطرس ويوحنا إلى غرفةِ العشاءَ، وساروا نحو جبلِ الزيتون. لقد رَأيتُ دائماً الفصح وتأسيس العشاء الرباني المباركِ يحدث بالنظامِ الذي سبق ذكره. لكن مشاعرَي كَانتْ كُلّ مرة بغاية التوهج وعواطفي بغاية العظمة، حتي أنّني لا أَستطيعُ أَنْ أَنتبه كثيراً لكُلّ التفاصيل، لكني رَأيتُهم الآن بوضوح أكثر. لا كلماتَ ممْكِنُ أَنْ تَصفَ كَم هو مؤلم ومُنْهِك مثل هذا المشهدِ, كمشهد نَظْر الأعماق الخفيةِ للقلوبِ، محبّة وثبات مُخلّصنا، وأن تعْرِف في نفس الوقت كُلّ ما سَيَحْدثُ له. كَيْفَ يَكُونُ مُمكنَ أن نلاحظ ما هو ليس سوي مظهر خارجيُ! إنّ القلبَ يَفِيضُ بالإعجابِ، بالامتنان والحبّ, إن عمى البشر يَبْدو غير مفهومَ, والنفس لمَغْمُورةُ بالحُزنِ بالتفكير في جحودِ كل العالم وفى آثامها الخاصةِ! أكل حملِ الفصحِ تم بسرعة من قِبل السيد المسيح، وبغاية الالتزام بالشريعة. نثر الفريسيين المراسمَ مع بَعْض الشعائر التى من ذواتهم. |
||||
07 - 11 - 2012, 04:22 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل الرابع عشر يسوع في بستان الزّيتون عندما ترك يسوع عُلية صهيون مع الأحد عشر تلميذاً بعد أن أسس سر العشاء الرباني، كانت نفسه مُضطربة بعمق وحزنه فى ازّدياد. فسار مع الأحد عشر فى طريق مهجور، إلى وادي يَهُوشَافَاطَ. عندما تركوا الدّار لم يكن القمر قد ارتفع بعد.بينما كان إلهنا القدوس يجوّل مع تلاميذه حول الوادي، اخبرهم أنه سيعود يوما ما ليدين العالم، لكن ليس في حالة فاقة واتضاع، كما هو عليه الآن، وأن هؤلاء البشر سيرتعدون من الخوف وسيصيحون : " أسقطي علينا أيتها الجبال! " فلم يفهمه تلاميذه واعتقدوا, وهذا ليس لأول مرة فى تلك اللّيلة, أن الضّعف والإعياء قد أثّرا على تفكيره. فقال لهم ثانية : " ستشكون جميعكم فيّ هذا اللّيلة. لأنه مكتوب. أنى سأضرب الرّعاة وسيتشتت غنم القّطيع. لكنى سأقوم ثانية، وسأسبقكم إلى الجليل. " ولأن التلاميذ كانوا ما زالوا متأثرين بدرجة ما بروح الحماس والولاء الذي تلقوا به القربان المقدس المبارك ومن كلمات يسوع المهيبة والمؤثّرة التى ألهمها فيهم. فقد احتشدوا بلهّفة حوله، واظهروا محبّتهم بأساليب متباينة، محتجّين بجديةّ إنهم لن يتركوه. لكن يسوع استمرّ يتحدّث بنفس الإجهاد، فصاح بطرس: " ولو شك فيك الجميع فأنا لن أشك! " فأجابه الرب: " آمين، أنى أقول لك, إنه فى تلك اللّيلة، قبل صياح الدّيك, ستنكرني ثلاث مرات. " لكن بطرس ظل يصرّ، قائلاً : " نعم، حتى لو اضطررت أن أموت معك, فأنا لن أنكرك" وقال الآخرون كلهم نفس الشيء. ساروا وتوقفوا عدة مرات لأن حزن الرب استمرّ فى ازدياد. حاول التلاميذ أن يريّحوه ببراهين بشرية ويطمئنوه أن ما يتوقعه لن يحدث. لقد أجهدوا أنفسهم بهذه الجهود العقيمة، ثم بدءوا يشكّون وقد هاجمتهم التجربة. عبروا مجرى قدرون، عن طريق جسر غير الجسر الذى عبروه بعد بضع ساعات بعد ذلك عندما اُخذ يسوع سجيناً، بل عن طريق آخر، لأنهم تركوا الطّريق المباشر. كانت جَثْسَيْمَانِي، حيثما كانوا مزمعين أن يذهبوا, على بعد حوالي ميل ونصف من علية صهيون، لأن العلية كانت على بعد ثلاثة أرباع ميل من وادي يهوشافاط. الموضع المُسمى جَثْسَيْمَانِي ( حيث كان يسوع مُعتاد أن يقضى وقت يسيرا أثناء اللّيل مع تلاميذه ) عبارة عن بستان كبير مُحاط بسياج، ويحتوى على بعض أشجار الفاكهة والزهور، بينما توجد خارجه بضع بنايات خربة ومهجورة. كان لدى التلاميذ وبضع أشخاص آخرون مفاتيح هذا البستان، الذى كان يُستعمل أحيانا كأرض تقام بها الاحتفالات، وأحيانا كمكان خلوة للصّلاة. كانت هناك بعض التعاريش المصنوعة من أغصان الشجر، مكث ثمانية من التلاميذ فى بستان الزّيتون وقد لحق بهم الآخرين بعد ذلك. البستان كان منفصل عن جَثْسَيْمَانِي بواسطة طريق، وكانت مفتوحة ومحاطة فقط بحائط ترابي وهي أصغر من بستان جَثْسَيْمَانِي . كانت هناك مغائر وشوارع وعديد من أشجار الزيتون، وكان من السهل أن توجد هناك بقعة مناسبة للصّلاة والتّأمل. ذهب يسوع ليصلّي فى الجزء الأكثر وحشة. كانت حوالي الساعة التاسعة ليلا عندما وصل يسوع مع تلاميذه إلى جَثْسَيْمَانِي . ارتفع القمر وبزغ نوره بالفعل في السّماء، مع أن الأرض كانت لا تزال مظلمة. كان يسوع أكثر حزنا وأخبر تلاميذه أن الأمر اقترب. شعر التلاميذ أنه مضطرب، وطلب من ثمانية من تلاميذه الذين كانوا يتبعونه أن يمكثوا بينما ذهب هو ليصلّي. أخذاً معه بطرس ويعقوب ويوحنا، وذهب هناك إلى مسافة قليلة داخل بستان الزّيتون. لا توجد كلمات ممكن أن تصف الحزن الذي تعذبت به نفسه حينئذ، لأن الوقت كان قد اقترب. سأله يوحنا كيف يكون مُوهَن العزيمة هكذا وهو من كان يواسيهم دائما؟ كانت إجابة يسوع " نفسي حزينة حتى الموت ". ونظر الآلام والتجارب التى تحيط به من كل جانب تقترب أكثر وأكثر، تحت أشكال صور مخيفة حُملت على السحب. حينئذ قال لتلاميذه الثّلاثة : " امكثوا هنا واسهروا معي. صلّوا لئلا تدخلوا في تجربة " ذهب يسوع بضع خطوات نحو اليسار، أسفل ربوة، وأخفى نفسه تحت صخرة، في مغارة عمقها حوالي ستة أقدام، بينما مكث التلاميذ في تجويف من أعلى. كانت الأرض تغرق تدريجياً فى الظلمة كلما دخلت هذه المغارة، وحَجَبت النّباتات التي كانت معلّقة على الصّخور ما بداخلها من أشخاص مثل ستار. عندما ترك يسوع تلاميذه، رأيت عديداً من الأشكال المخيفة تحيط به في دائرة مستمرة فى الضيّق. لقد كان حزنه وألام نفسه فى ازدياد، وكان يرتعد بالكامل عندما دخل الكهف ليصلّي، مثل عابر طريق مُرهق مُسافر يطلب ملجئاً من زوبعة مفاجئة، لكن الرّؤى المرعبة تّبعته حتى هناك وأصبحت واضحة أكثر فأكثر ومميّزة. واحَسْرتاه! إن هذه المغارة الصّغيرة بدت أنها تحتوي على صّورة مرعبة من كل الآثام التي اُرتكبت أو سترتكب منذ سقوط آدم وحتى نهاية العالم، والعقاب الذى يُستحق عنها كان هنا على جبل الزيتون، أنها المأوى الذي اتخذه آدم وحواء عندما طردا من الفردوس ليجوّلا هائمين على الأرض، وقد بكيا وناحا على نفسيهما في ذات هذه المغارة . لقد شعرت أنّ يسوع، بتسليم نفسه للعدل الإلهى برّضى لأجل آثام العالم، أوجب على لاهوته أن يتراجع، بطريقة ما، نحو حضن الثّالوث القدوّس، مًركّزاً نفسه، إن جاز التعبير، في بشريته النقية, المُحبّة والبريئة والقوية فقط في محبتّها التى تفوق الوصف، مُعطيها الألم والمعاناة بلا حدود. لقد سقط على وجهه، مغموراً بحزن لا يُوصف، وظهرت أمامه كل آثام العالم، تحت أشكال غير معدودة وبكل فسادها الحقيقي. لقد أخذها جميعاً على نفسه، وفي صلاته قدم شخصه الحبيب إلى عدالة أبيه السّماوي، في سداد دين بَغيض جدا. لكن إبليس، الذي توّج وسط كل هذا الرّعب، كان ممتلئ ببهجة شّيطانية برؤيته لهذا الدين، أطلق غضبه ضد يسوع، وأظهر أمام أعينه رؤى مرعبة بازدياد، في نفس الوقت وجه نحو إنسانيته الحبيبة كلمات مثل هذه : " أتأخذ حتى هذه الخطايا على نفسك؟ أترغب فى أن تتحمل عقوبتها؟ هل أنت مستعدّ أن تسدِّد دين كل هذه الآثام؟ " نزل من السّماء شعاع طويل من النور، كطريق مضيء في الهواء؛ لقد كان ذلك موكبا من الملائكة أتوا إلى يسوع وقووه ونشّطوه. |
||||
07 - 11 - 2012, 04:23 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
تأمل الرب يسوع لا أحدُ يُصدق أننى عرّقتُ حقاً دمَاً فى تلك اللّيلةِ في جسثيمانى، وقليلين يؤمنون أننى عَانيتُ أكثر بكثيرَ مما عانيته في سّاعاتِ الصّلبِ. لقد كانت هذه الساعات أكثر ألماً لأنه كُشفَ لى بوضوح أن آثام كل شخصِ قَدْ صارت آثامي وأنني يَجِبُ أَنْ أُجيبَ عن كل أحد. وهكذا أنا البريء النقي، أجبت الآب كما لو أنى كُنْتُ حقاً مذنباً بالتّضليلِ وبكل التّلوّثِ الذى تُرتكبونه يا أخوتي. أنكم تُهينون الرب الذي خَلقكَم لتَكُونَوا آداه عظمةِ الكون ولم يخلقكم لتضلوا عن الطّبيعةِ المُعطاة لكم بغرضِ أن تأخذوا تدريجياً تلك الطّبيعةِ التى ستَقُودكِم لتَنْظروا تجلّي ذاتي الإلهيّة النقية، أنا خالقكَم. لذلك، جُعِلتُ لصاً، قاتلاً، زانياً، كاذباً، شخصاً مدنِّساً, شتّاماً, مشوِّه السّمعة, ومتمرّداً ضد الآب الذي أحَببتُه دائماً. لقد كان التباين الكامل بين محبّتي للآب وبين إرادته السبب فى أن أعرق دّماًِ. لكننى أطِعتُ حتى النّهايةِ ومن أجل محبّتي لكل شخصِ، غَطّيتُ نفسي بالذّنوبِ حتى أستطيع أَنْ أنفذ إرادة أبى وأن أخلصكم من الدينونة الأبدية . تأملوا بكم كثير من المعاناةِ الإنسانيةِ كان على أكابد فى تلك اللّيلةِ، وصدقوني، ما من أحد كان يقدر أَنْ يُخفّفَ مثل هذا الألمِ لأنني بالمقابل كُنْتُ أرى كيف أن كل واحد منكم قد كَرّس نفسه أن يَجْعلَ موتي قاسياً في كل لحظةِ ألم أُعطيت لي من جراء الإساءات التي كان علىّ أن أسدد عقوبتها بالكامل. أريدكم أن تعلموا مره أخرى كيف أنى قد أحببت كل البشر في تلك الساعة التى كان فيها الهجر والحزن بلا سبب فى آلامي أُريدكَم أَنْ تأخذوا فى الاعتبار قبل كل شيء، المرارة التي سببتها معرْفتي للآثامِ التى تَظلمِ فكر البشر، التى تَقُود فكرهم نحو الانحراف. إن هذه الآثامِ تكون مَقْبولُة منكم فى أغلب الأوقات كثمرةِ ميولِ طّبيعيةِ، تدعون أنها لا يُمكنُ مُقَاومَتها بإرادة المرء. اليوم كثيرون ممن يحيِّون في خطايا مُهلكةِ، يلومون الآخرين أو القضاء والقدر، بدون أن يحاولوا التَخَلُّص منها. لقد رَأيتُ هذا في جَثْسَيْمَانِي وعَرفتُ الشر العظيمَ الذى ستواجهه نفسى. لقد رأيت كثيرون جداً يفْقدونُ بالرغم من ذلك وكم عَانيتُ من أجلهم! إن هؤلاء الملائكةِ قَدْ طَمأنوني على محبّتكَ أيها الآب، وهذه البهجةِ التى أرسلتها لى، قَدْ صنعت عملاً حسناً بالرغم من مقاومتي الطّبيعيةِ. أمتلئ بقيّة الكهف برّؤى مخيفة من جرائمنا؛ لقد أخذها يسوع كلها على نفسه، لكن ذلك القلب الحبيب، الذي امتلأ بالحبّ الكلّي الكمال نحو الرب والإنسان، قد فاض بالألم وغُمر تحت ثقّل كثير جدا من الجرائم البغيضة. عندما عبرت هذه الكتلة الهائلة من الآثم على نفسه وصارت كأمواج محيط لا يسبر غوره، قدّم الشيطان له تجارب غير معدودة، كما فعل سابقاً في البرية، حتى تجاسر أن يقدّم اتهامات متعدّدة ضده. لقد صاح : " خذ كل هذه الأشياء على نفسك, هل لن تلوث نفسك " ثم وضع الرب فى الاتهام بوقاحة جهنمية، مضيّفاً جرائم خيالية. لقد انتقده بعيوب تلاميذه، الافتراءات التي سبّبوها، والاضطرابات التى سبَّبها للعالم بالتخلي عن العادات القديمة. ولولا كونه حكيماً وصارماً، لكان من الممكن أن يفيق الشيطان فى هذه المناسبة؛ لقد انتقد يسوع لكونه كان سببا لمذبحة الأطفال، وتسبب أيضا فى آلام والديه في مصر، ولكونه لم ينقذ يوحنا المعمدان من الموت، ولكونه جلب الانشقاق في العائلات، حامياً رجال ذى شخصيات هزيلة، وأنه رفض أن يشفي أشخاصاً عديّدين، أنه ظَلَم سكان الجرجسيين لكونه سمح للأرواح النجسة أن تدخل الخنازير مما جعلها تلقى بنفسها في البحيرة؛ ولكونه هجر عائلته وبدد ملكية الآخرين؛ بكلمة واحدة، حاول أن يجعل يسوع يتردّد، لقد اقترح عليه كل فكر ممكن أن يغري به أى مُحتضر في سّاعة الموت وأن ما يريد أن يفعله لهو فوق قدرة البشر؛ لأنه قد أخفي عنه أن يسوع هو ابن الرب، وأغراه فقط كما يفعل مع كل البشر. إن مٌخلّصنا الإلهى أجاز بهذا لإنسانيته أن تخفى لاهوته، لأنه سرّ أن يتحمّل حتى ذلك الإغراء الذي يُهاجم النفوس المقدّسة في سّاعة الموت فيما يتعلق باستحقاق أعمالهم الجيدة. حتى أنه شرب كأس الألم حتى الثّمالة، لقد أجاز للرّوح الشّريّر أن يُجرب إنسانيته المقدّسة، كما يُجرب الإنسان الذي يجب أن يرغب فى أن ينسب إلى أعماله الجيدة بعض القيمة الخاصّة في نفسه، بالإضافة إلى ذلك ما يمكن أن يأخذه من قبل اتحاده باستحقاقات مُخلّصنا. لم يكن هناك فعل لم يستطيع أن يُشكل به بعض الاتهامات، وانتقد يسوع بأشياء أخرى كثيرة. من بين آثام العالم التى أخذها يسوع على نفسه، رأيت آثامي أنا أيضا بوضوح وظهرت كل عيوبي تتدفّق نحوه من خلال التجارب التي أحاطت به. خلال هذا الوقت ثبّت عيناي على عريسي السّماوي؛ بكيت معه وصلّيت، والتفت معه نحو ملائكة المواساة. آه، إن إلهنا العزيز قد تلوّى حقا تحت ثقل آلامه وأحزانه ! بدا يسوع هادئاً في بادئ الأمر، بينما كان جاثياً على ركبتيه يصلّى، لكن بعد فترة صارت نفسه فزعة برؤية جرائم البشر الغير معدودة، وجحودهم نحو الرب، وألمه كان عظيماً جدا حتى أنه ارتعد وارتجف بينما يصيح : أبتاه، إن أمكن، فلتعبر هذه الكأس عنّي! أبتاه، إن كل الأشياء ممكنة لك, أزل هذه الكأس عنّي! " لكنه أضاف فى اللّحظة التالية: " ومع هذا، لتكن لا مشيئتى بل مشيئتك " أن مشيئته ومشيئة أبيه واحدة، لكن حبّه قد أستوجب أن يُترك الآن إلى كل ضعف طبيعته البشرية، لهذا ارتعد بمشهد الموت. لقد رأيت المغارة التي كان راكعاً فيها ممتلئة بأشكال مخيفة؛ رأيت كل الآثام والفجور والرذائل وجحود البشرية تعذّبه وتسحقه إلى الأرض؛ لقد رأيت رهبة الموت والرّعب الذي شعر به كإنسان ينظر الآلام التّكفيرية التى كانت على وشك أن تقع عليه، تحيط به وتهاجم شخصه الإلهى تحت أشكال خيالات قبيحة. لقد سقط من جانب لآخر، شابكاً يديه؛ تغطّى جسده بعرق بارد وارتعد وارتجف. ثم نهض، لكن ركبتيه كانتا تهتزان وبالكاد تقدران على حمله؛ وجهه كان شاحباً، وتبدل مظهره تماما، شفتاه كانت بيضاء وشعره غير مُرتب. |
||||
07 - 11 - 2012, 04:24 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
تأمل ثانى للرب يسوع آلامي... يا لها من هاوية بلا قاع من المرارةِ قد الّتفت علىّ! كم يخطئ كثيراً من يظن أنه يَفْهمها، على الرغم من إنهم يُفكّرونُ فقط فى آلامي الجسدية الرهيبة . أبنائي، لقَدْ ادخرت لكم مشاهد أخرى من المآسيِ الأساسية التي عِشتُها وأَرْغبُ أَنْ أَتقاسمها معكَم لأنكم من هؤلاء الذين أعطاهم لى الآب في البستان . أحبائى، تعلّمُوا منى أن الشيء الضّروريِ الوحيدِ، حتى وإن تمردت طبيعتكَم عليكم، هو أَنْ تُقدّمَوا نفوسكم بتواضع وأَنْ تَُسلمَوا نفوسكم كى تتحقق إرادة الرب فيكم. لقد أردت أيضا أَنْ أُعلّمَ النفوس أن كل الأعمال الهامة يَجِبُ أَنْ تُعدً وأن تُنشط من خلال الصّلاةِ. فبالصلاةِ تتحصن النفس ضد أكثر الأشياءِ صعوبة والرب يَتّصلِ بهاِ ويَنْصحها ويُلهمها حتى لو لم تكن مدركة لذلك . لقد انسحبتُ إِلى البستان مع ثلاثة من تلاميذي، لأُعلّمهم أن قوى النفس الثّلاث يَجِبُ أَنْ تُرافقَهم وأن تُساعدهم في الصّلاةِ. تذكّرْوا المعونات الإلهية، كمال الرب, شفقته، قوته، رحمته والحبّ الذي يكنه لكم. بعد ذلك، انظروا بّفهمِ كيف تكافئوه عن الأعاجيبِ التي صنعها من أجلكم.... من خلال الصّلاةِ، في انزوائكم وصمتكَم، اَسْمحُوا لأرادتكم أنْ تتُحَرّكُ كى تَعمَلُ المزيد والأفضلَ للرب، وأنْ تكونوا مُكَرّسُين لإنقاذِ النفوسِ، سواء بواسطة عملكمَ الرّسولي أو بحياتكمَ المتواضعةِ والمخفيةِ. اطرحْوا ذواتكم بتواضع كمخلوقاتِ في حضرةِ خالقها، ومَجّدْوا عمله فيكم، مهما كانت تلك الأعمال، مودعين إرادتكم إلى قدوس القديسين . بهذه الطريقة قدمت نفسي كى أُحقق عمل فداء العالمِ. آه! يا لها من لحظة عندما شَعرتُ بكل ذلك العذابِ آتياً علىّ، العذاب الذى علىّ أَنْ أَعانيه في آلامي : الافتراءات، الإهانات، الجَلْد، الرّكل، إكليل الشّوكِ، العطش، الصّليب. كل ذلك عْبرِ أمام عينيّ في الوقت نفسه الذي اخترق فيه الألم الحاد قلبي؛ الإساءات، الآثام، والبغضة التي ستُرتكبِ بمرورِ الوقتِ. وأنا لم أرها فقط، بل شَعرتُ بها وقد انغرست فىّ بكل بشاعةِ، وبهذه الطريقة قَدّمتُ نفسي إِلى أبي السّماويِ لأناشده الرحمة. لقد قدمت نفسي كسوسنة لأُهدّئَ غضب الآب وأَسترضىَ عِقابه الإلهي. وعلى الرغم من هذا، بكثير جداً من الجرائمِ والآثامِ، اختبرت طبيعتي البشرية آلاماً مُميتة إلى حدّ أنى عرقت دّماُ. هَلْ مُمكن لهذا الألمِ وهذا الدّمِ أن يصْيرا بلا فائدةَ لكثير من النفوس؟ ... أن حبّي كَانَ أصلَ آلامي. إن أنا لم أرد ذلك، من كان سيَكُونَ قادراًَ أَنْ يَمْسّني؟ لقد أردت ذلك وكي أَتمّمَ إرادتي، استخدمت أقسَى مَنْ فى البشر . قبل الألمِ، عَرفتُ نفسي كل الآلام واستطعت أَنْ أُقيّمها بالكامل. لكن بالرغم من ذلك، عندما أردتُ أَنْ أَعاني، كَانَ عندي الإحساسُ الإنسانيُ بكل هذه الآلامُ. لقد أَخذتُ كل الأحاسيس بالإضافة إِلى المعرفةِ والتّقديرِ الكامل لهاِ. عند الحديث عن آلامي، لا أستطيع أَنْ اَدْخلَ فى تفاصيل كثيرةً. لقَدْ فعلتُ ذلك فى مرات أخرى ولم تستطيعوا أَنْ تَفْهموا ذلك. ذلك بسبب طبيعتكَم البشرية، أنكم لا تستطيعون أَنْ تبدءوا فهم المدى الهائل للألم الذي عَانيتُه. نعم، أنى أنيركمَ، لكننى أظل داخل حدود لا تستطيعون أَنْ تتخطوها. فقط أمي جَعلتهاُ تعرف كل آلامي، لهذا فهي من تألمت بآلامي أكثر من أي أحدَ. لكن اليوم, سَيَعْرفُ العالمَ أكثر مما سَمحتُ به حتى الآن، لأن أبي يُريد ذلك بهذه الطّريقةِ. لذلك السّببِ، يَزدهرُ شعاع من الحبِّ في كنيستي بسبب كل الظّروفِ المتُغَيِّرةِ التي أَخذتني من البستان إِلى الجلجثةِ. أكثر من أي شخص آخر، أنى أُظهرُ آلامي إِلى الأقرباء الأحباء الذين كَانَوا معي في البستانِ. إنهم قادرون أَنْ يَذْكروا شيئاً ما يُناسب الفكر المعاصرِ. وإن استطاعوا، فهم يَجِبُ أَنْ يفَعلوا ذلك. لهذا يُكتب كل ما أُخبركم به يا صغاري، من أجلكم ومن أجل كثيرين آخرين، من أجل راحة النفوس ومن أجل مجدِ الثّالوثِ القدّوسِ الذي يَرْغبُ فى أن تُعرف آلامي في جَثْسَيْمَانِي . إن نفسى حزينة حتى الموتِ. فى حين أن الحزنَ لا يُمكنُ أن يَكُونُ سببا طبيعياً ًَللموتِ، لقد أردتُ أَنْ أختبر حزن الرّوحِ، الذي يتَضمّنَ الغيابِ الكاملِ لتأثيرِ اللاهوتِ والحضور المُفجع لأسبابِ آلامي . فى نفسى, التي كَانتَ تتعذّبُ حتى الموت, كَانتَ توجد كل الأسبابِ التي دْفعتني لأَنْ أَجْلبَ المحبّة إِلى الأرضِ. أولهاً كَانتْ الإساءةَ التى جُعلتْ ضد آلامي الإلهية كإنسان، مع إدراكي الكامل بألوهيتي. أنكمَ لا تستطيعون أَنْ تَجدواَ أي شئ يماثل هذا النوعِ من الألمِ لأن الإنسان الذي أخطأ يَفْهمُ بنوري الجزء الذي يتوافق معه وفى عديد من المرات يفهمه على نَحْو ناقص، أنه لا يفقه ما مدى ما تعنيه الخطية أمامي. لذلك السّبب الرب فقط من يستطيع أن يعرف بوضوح فداحة الإساءة التى قد صُنعت له. وبالرغم من هذا، يَجِبُ على الإنسانية أَنْ تَكُونَ قادرة على أَنْ تَقدم معرفة كاملة، حُزناً صادقاً، وتوبة إِلى اللاهوتِ، وأنا أستطيع أَنْ أدع الإنسانية تَفعلُ هكذا حينما تَرْيد. في الحقيقةِ أنا أفعَْلُ هذا بتقديم معرفتي التي عَملتُ داخلي كإنسان، كإنسان يحمل وزر الإساءة ضد الرب هذه كَانتْ رغبتي: أنه من خلالي، سَيكونُ للأثيم التائب وسيلة ليتَقدمِ بها إِلى إلهه مُعترفاً بالإساءة التى أُرتَكَبها، وأنا، في لاهوتي، أستطيع أيضاً أَنْ أتقبل الّفهم الكامل لما قَدْ صُنع ضدي. لقد كنت حزيناً حتى الموت لرؤيتي هذا التّراكم الضّخم للخطايا التى ترتكب في كل موضع. وإن كان لأجل خطيه واحدة اختبرت موتاً لا شبيه له, فماذا كان علىَّ أن أختبر من أجل مزيج من كل الإهانات ؟ " حزينة هى نفسى حتى الموتُ " حزناً أوهن فىّ كل مقدرة؛ حزناً قد صار له مركزاً فيّ أنا الربوبية, فى تتجمع اتجاهه كل تيارات الذنوب ورائحة نتِانة النفوس التى فسدت من كل أنواع الرّذائل. لهذا السبب كنت أنا الهدف والسهم فى آن واحد, كإله كنت الهدف, وكإنسان كنت السهم. وبمجرد أن غُمرت بكل الخطايا, ظهرت أمام أبى وكأنني الأثيم الوحيد. لا يمكن أن يوجد حزناً أعظم من هذا، وقد أردت أن أناله بالكامل، من أجل محبتي للآب، ومن أجل رحمتي بكم جميعاً . إن كان الإنسان لا يَنتبهُ إلى هذه الأمور، فأنه يَتأمّلُ فى معاني هذه الكَلِماتِ دون جدوى، تلك الكلمات التي تَتضمّنُ كل جوهري كإله وكإنسان. انظروا نحوى في سّجنِ الروح العملاقِ هذاِ. هَلْ لا أَستحقُّ الحبّ بعد أن كَافحتُ وعَانيتُ كثيراً؟ هَلْ لا أَستحقُّ من الخليقة أَنْ أُعد من خاصتهمِ، لقد أَعطيتهم نفسي بالكامل بلا أي تحفّظ؟ أَشْربُوا جميعاً من ينبوع صلاحي الذى لا ينضبِ. أشربْوا! ها أنا أقدم لكم حزني في البستانِ؛ أَعطوني أحزانكمَ، كل أحزانكَم. أنى أُريدُ أَنْ أَجْعلَ من أحزانكَم باقة من زهر البنفسجِ، التي يتجه عطرها دائماً نحو ألوهيتي . " أبتاه، خذُ هذا الكأسِ بعيداً عني إن كان ذلك ممكناً، لكن لتكن لا إرادتي بل أرادتك ." لقد قُلتُ هذا بعلو المرارةِ، عندما صْار الثّقل الذى وضّع علىّ دموياً حتى أنى وَجدتَ نفسى في ظّلمةِ من المستحيل تصديقها. لقد قُلت ذلك للآب لأننى، علاوة على كل الملامةِ، فأنى قَدّمتُ نفسي أمامه كأني الأثيمِ الوحيدِ قبالة كل عدالته الإلهية التى سددتهاَ. وأحسست بالحَرمان منَ ألوهيتي، فقط بشريتى هى التى ظَهرتْ أمامي. خُذْ منّي آيها الآب، خذ هذا الكأسِ الشديدة المرارةّ التى تُقدّمهاُ لي، والتي قَبلتُها لأجل محبتّكَ عندما جِئتُ إِلى هذا العالمِ. لقَدْ وَصلتُ إلى النقطةِ التي صرت لا أميز فيها حتى نفسي. أنتَ أيها الآب، الذي يَحْبّني، قَدْ جَعلَت الإثم ميراثي وهذا جعل حضوري أمامك لا يطاق. أن جحود البشرِ قد صار مَعْرُوفاً لي, لكن كيف سأَتحمّلُ رُؤيةَ نفسي وحيداً؟ إلهي، لتكن لك رحمةُ لهذه العزلة العظيمةِ التي وَجدتُ نفسي فيها. لماذا تُريدُ أَنْ تَتْركني؟ أي معونة سَأَجدُ إذن في مثل هذا الانسحاق العظيمِ؟ لماذا تَضْربني أنت أيضاً بهذه الطريقة ؟ نعم، أنك تَحْرمني منك. أنى أحس كأنني اَسْقطُ في مثل هذه الهاويةِ التي لا أميز فيها حتى يدّكِ في هذا الوضع المأسويِ. أن الدّم الذي تَسرّبَ خارج جسدي يَعطيكَ شهادةَ عن انسحاقي تحت يدّكِ القويةِ. هكذا، صَرختُ؛ سَقطتُ. لكنى واصلت: إنك مُحق أيها الآب القدوس أن تَعمَلُ بى ما تُريدهُ. أن حياتي لَيستْ لي، إنها بالكليةً لك. أنى لا أُريدُ أن تكون إرادتى، بل بالأحرىَ إرادتك أنت. لقَدْ قَبلتُ الموت على الصّليبِ، أنى اَقْبلُ أيضا الموتَ الظّاهرى عن ربوبيتى . إنه العدل. كل هذا يَجِبُ أَنْ أَعطيه لكَ، وقبل كل شيءِ، يَجِبُ أَنْ أقدم لك محرقة ألوهيتي التي تُوحّدني بك. نعم أيها الآب، بالدّمِ الذي تَراه، أُؤكّدُ عطائي وقبولي: لتكن إرادتك ولَيسَ إرادتي . لقد كانت حوالي العاشرة والنصف عندما نهض يسوع على ركبتيه، وكان ينضح عرقاً بارداً، توجه بخطى واهنة نحو تلاميذه الثّلاثة. بصّعوبة صعد إلى جانب المغارة ووصل حيث كان التلاميذ ينامون منهكين من الإعياء، حزانى وقلقين. جاء إليهم، كرجل مغمور بالحزن المرّ ملتمساً أصدقاءه, ومثل الراعي الصالح، الذي يسرع ليفتقد قطيعه عند اقتراب الخطر، ليهبه الأمان ممن يهدّده؛ لأنه كان يعرف جيّداً إنهم أيضا مُتعبون من الألم والتجربة. الرّؤى الفظيعة لم تتركه، حتى بينما كان يلتمس تلاميذه. عندما وجدهم نائمين، شبك يديه وسقط على ركبتيه بجانبهم، مغلوّباً بالحزن والقلق، وقال : " سمعان هل أنت نائم؟ " فاستيقظوا ونهضوا، وقال لهم بعمق حزن الروح " ماذا؟ ألا تستطيعوا أن تسهروا ساعة واحدة معي؟ " عندما نظروا إليه، ورأوه شاحباً ومنهكاً، بالكاد قادراً أن يسند نفسه، مُستحماً في عرقه، مرتعداً ومرتجفاً، عندما سمعوا كيف أن صوته قد صار متغيّراً وخافتاً، لم يعرفوا ماذا عليهم أن يعتقدوا، ورأوا أنه لم يعد محاط بهالة النور المشهورة، إنهم لم يتعرفوا عليه كيسوع. قال له يوحنا : يا سيد، ماذا حدث لك؟ هل يجب أن أدعو التّلاميذ الآخرين؟ هل علينا أن نهرب ؟ " أجابه يسوع : " لقد كنت أعيش وأعلّم وأؤدّي معجزات طيلة ثلاث وثلاثين سنة، أن ذلك لا يكفي لإنجاز ما يجب أن يُنجز قبل هذا الوقت غدا. لا تنادى الثّمانية؛ إنى لم أحضرهم هنا، لأنهم لا يستطيعون أن يروني معذّباً هكذا دون أن يروّعوا؛ دون أن يخضعوا للتجارب، دون أن ينسوا كثيراً من الماضي، ويفقدوا ثقتهم فيّ. لكنكم أنتم، الذين رأيتم ابن الإنسان مُتجلياً، ورأيتموه أيضا تحت السحابة، تستطيعون أن ترونه في إهمال الرّوح؛ وعلى الرغم من هذا، اسهروا وصلّوا لئلا تقعوا في تجربة، لأن الرّوح نشط حقا، لكن الجسد ضعيف " بهذه الكلمات كان يشجّعهم ليثابروا، وكي يجعل المعركة التي كانت تتحمّلها طبيعته البشرية ضد الموت معروفة لهم، بسبب ضعفه وبحزنه الذى غمره مكث معهم ربع ساعة تقريبا، وتكلّم معهم ثانية. ثم عاد إلى المغارة، آلامه الروحية كانت لا تزال فى ازدياد، بينما مد تلاميذه أياديهم نحوه وبكوا واحتضن كل منهم الآخر متسائلين : " ماذا ممكن أن يكون هذا؟ ما هذا الذي يحدث له؟ أنه يبدو في حالة أسى كامل " بعد هذا، غطّوا رؤوسهم، وبدءوا يصلّون، بشكل حزين جدا وبقلق عميق. |
||||
07 - 11 - 2012, 04:26 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
تأمل ثالث للرب يسوع بطرس، يوحنا، يعقوب! أين أنتمَ فأنا لا أراكمَ مُتيقظين ؟ استيقظوا، انظروا إلى وجهي، انظروا كيف أن جسدي يَرتعدُ في هذه المحنةِ التي أجوزها ! لماذا تَنَامُون؟ اَستيقظُوا وَصلّوا معي؛ فأنا قَدْ عرّقتُ دماً من أجلكم ! بطرس، هَلْ لست تبالي بآلامى؟ يعقوب، لقَدْ أعطيتك كثيراً من الأولويّة، أَنْظرُ إليّ وَتذكّرني! وأنت يا يوحنا، لماذا تَتْركُ نفسك تَغْرقُ في النّومِ مع الآخرين؟ أنكَ تستطيع أَنْ تتَحْملَ أكثر منهم ... لا تَنَامواَ، اسهروا وصلّوا معي! إن هذا ما حَصلتُ عليه: طَلَبت الرّاحةِ، فوَجدتُ مأساةَ مرّةَ. حتى هم ليسوا معي. إلى من سواهم سأَذْهبُ؟ .... إنه حقاً، إن أبى أعطاني فقط ما قد طلبته منه، حتى تقع علىّ دينونة كل الإنسانيةِ. أبتاه، أعنى! أنكَ تستطيع أَنْ تفَعَلُ كل شئ؛ ساعدني! لقد صَلّيتُ مرة أخرى كإنسان من أجل كل من تحُطّمتَ آمالهم ومن أجل من يَطْلبُون الفهم والراحة من الأعالي. لكن ماذا يستطيع أبى أَنْ يفعل إن كنت أنا قَدْ اخترتُ بحرّيه أَنْ أفي عن كل شيءِ؟ إن اختياري لمَ يتغَيّرَ. ومع ذلك، فمقاومتي الطّبيعية قَدْ بلغت حدها الأقصى فطغت علّى بشريتي . مره أخرى سَقطتُ على الأرض على وجهي بسبب الخزي من كل آثامكمَ؛ مره أخرى سَألتُ أبي أَنْ يَأْخذَ تلك الكأس عنىِ. لكنه أجاب، إن لم أشَربها، فسيكون كما لو أننى لم أجِئُ إِلى هذا العالم, من جهتي فيكفى عزاء لنفسي أن عديداً من المخلوقاتِ ستنال جزء من آلامي المُبرحة في البستان . لقد أجبت: أبتاه، لتكن لا إرادتي، بل أرادتك أنت. أعطني خليقتي، هؤلاء الذين قَدْ فديتهم. أنكَ بنفسك تَأْخذهم لأنه من أجلك أنا قَدْ قَبلتُ. أنى أُريدُ أَنْ أَراكَ راضياً. إنى أقدم لك كل آلامي وثبات إرادتيَ، فى الحقيقة إن إرادتي ليَستُ تتعارض مع إرادتك، لأننا نحن دوماً لنا إرادة واحدة. أبتاه، إنى مُنسحق لكن هكذا حبّنا سَيُعْرَفُ. فلتكن لا إرادتي بل أرادتك أنت! مرت حوالي ساعة ونصف منذ أن دخل يسوع بستان الزّيتون. أن الكتاب المقدّس يخبرنا أنه قال " أما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة ؟ " لكن كلماته لا يجب أن تؤخذ بشكل حرفي، ولا طبقا لطريقتنا فى حساب الوقت. صلى التلاميذ الثّلاثة الذين كانوا مع يسوع في بادئ الأمر، لكنهم ناموا بعد ذلك، لأن التجربة قد وقعت عليهم بسبب حاجتهم للثقة في الرب. الثّمانية الآخرون، الذي بقوا خارج البستان، لم يناموا، لأن كلمات الرب الأخيرة، المعبّرة جداً عن الألم والحزن قد ملأت قلوبهم بنذر الشّر، وكانوا يتجوّلون حول جبل الزيتون، محاولين أن يجدوا مكاناً كمأوى في حالة الخطر. كانت مدينة أورشليم هادئة جدا؛ اليهود بدورهم، انشغلوا في الإعداد للعيد، لكنى أري هنا وهناك، بعضاً من أصدقاء وتلاميذ يسوع يمشون ذهابا وإيابا بحرص، يتحدّثون بشكل جديّ سوياً، ومتوقّعين بوضوح بعض الأحداث العظيمة. والدة الرب والمجدلية ومارثا ومريم التى لكلوبا وسالوما قد ذهبن من علية صهيون إلى بيت مريم أمّ مرقص. مريم قد تنبّهت إلي التّقارير التي كان تنتشر، ورغبت أن ترجع إلى المدينة مع صديقاتها، من أجل أن تسمع شيئاً ما عن يسوع. جاء لعازر ونيقوديموس ويوسف الرامى، وبعض الأقارب من حبرون، جاءوا ليروا ويسعوا لتهدئتها، لأنهم كانوا مدركين، أمّا من معرفتهم الخاصة أو أن التّلاميذ قد اخبروهم بالتّنبؤات المحزنة التي قالها يسوع في علية صهيون، لقد استعلموا من بعض الفريسيون الذين كانوا على علاقة خاصة بهم، ولم يقدروا أن يسمعوا عن أي مؤامرة كانت تُحاك ضد الرب. بكونهم جاهلين تماما بخيانة يهوذا، طمأنوا مريم أن الخطر ليس عظيماً بعد، وأن أعداء يسوع لم يشنوا أي محاولات اعتداء على شخصه، على الأقل حتى ينتهى العيد. أخبرتهم مريم كم أن يهوذا قد بدا مضطربا ومنزعجا أخيراً، وكيف أنه قد ترك علية صهيون فجأة. لقد أحست بلا ريبة أنه ذاهب ليخون الرب، لأنها حذّرته دوماً من أنه ابن الجحيم. رجعت النّساء القديسات حينئذ إلى بيت مريم أمّ مرقص . عندما رَجعَ يسوع إِلى المغارة، غير مُراح من كل ثقل آلامه، سَقطَ ساجدَا، بوجهه على الأرضِ وذراعاهِ مَدّده، وصَلّي إِلى أبيه الأزلي؛ لكن نفسه كَانَت يجبُ أَنْ تَتحمّلَ المعركة الدّاخلية ثانية، معركة دامتْ حوالي ثلاثة أرباع ساعةِ. جاءتْ الملائكة وأرته في سلسلةِ من الرُّؤىِ، كل الآلامِ التي ينبغى أَنْ يَتحمّلهاَ من أجل أَنْ يُكفّرَ عن الخطيئةِ؛ كم كَان عظيما جمالَ الإنسان، صورة الرب، قبل السّقوطِ، وكم قَدْ تغُيّر ذلك الجمالِ وزال عندما دَخلتْ الخطيئة العالمَ. لقد نَظرَ كيف نَشأَت كل الآثامِ من خطيئة آدم، لقد رأى تأثيراتها الفظيعة على النفسِ، وعلى نفس النمط كان مغزى وجوهر كل الآلام التى استلزمتْ مِن قِبل الرغبة الملحَّة فى افتدائهم. لقد أرته الملائكة الرّضا ما يَجِبُ أَنْ يقدمه إلى العدل الإلهى، وكيف أنه يَتضمّنُ على درجةِ من الألمِ في نفسه وفى جسده بأن يدرك كل الآلامِ الناشئة عن شهوات كل البشر، حيث أن ديون كل جنس البشر كَانَ لِزاماً عليهِ أَنْ يسددها بتلك الطبيعة البشرية التي كانت هى الوحيدة البريئةَ, بشرية ابن الرب. لقد أرته الملائكة كل هذه الأشياءِ تحت أشكالِ مختلفةِ، وشَعرتُ بما كَانوا يَقُولونَه، مع أنى لم أسَمع أى صوت. لا لسانُ يستطيع أَنْ يَصفَ أى ألم وأى رعب غَمرَ نفس يسوع برؤية التكفير الفظيع المستوجب, إن آلامه كَانتْ عظيمَة جداً، حقاً، إن عرقاً دموياً أنساب من كل مسامِ جسده المقدّسِ. بينما كانت تُسحق إنسانيةَ للمسيحِ المحبوبةَ هكذا إِلى الأرضِ تحت ثقل كل هذا الألمِ المُرعبِ، بدت الملائكة ممتلئة بالشّفقة؛ كان هناك تأنّى، وقد أدركت إنهم يرغبون بشكل جديّ أن يواسوه، وصَلوا من أجل ذلك التّأثيرِ أمام عرشِ الرب. للّحظةِ واحدة بَدا، كما لو أنه كَانَ هناك صراع بين رّحمةِ الرب وعدالته من جهة وبين ذلك الحبِّ الذي كَان يَضحّيِ بنفسه من الجهة الأخرى. لقَدْ أُجيز لى أَنْ أرى صورة الرب، لَيسَ كما سبق، جالسَا على عرشِ، بل تحت شكلِ مضيء. لقد رأيت الطّبيعةَ الإلهية للابن في شخصِ الأبِ، وكأنها تنسحب نحو حضنه؛ شخص الروح القدسِ كان، إذا جاز التعبير، بينهما، ومع ذلك الكل كان إله واحد, لكن هذه الأشياءِ متعذر وصفهاُ. كل هذا كَانَ إدراكَ داخليَ أكثر من كونه رؤياِ تحت أشكالِ مُميّزةِ، وبدا لي أن المشيئة الإلهية للسيد المسيح تَنسحبُ بطريقة ما نحو الأبِ السّرمديِ، لكى تُجيزَ لكل تلك الآلامِ أَنْ تَثقل على إنسانيته وحدها. إنسانيته التي سَتَتوسّلُ إلى أبيه كي يُصفح عنها، لقد رَأيتُ في هذا الوقت الملائكة، ممتلئة بالشّفقةِ، تَرْغبُ أَنْ تَواسي يسوع، الذي، في الحقيقةِ، قَدْ أُريحَ قليلاً في تلك اللّحظةِ. ثم أختَفيِ الجميع، وتراجعت الملائكة عن إلهنا، الذى كانت نفسه عَلى وَشَكِ أَنْ تَتحمّلَ اعتداءات جديدة . عندما سرَّ فادينا، أَنْ يُجرّبَ على جبل الزيتون وأن يَتغلّبَ على كراهية الطبيعة البشريةِ العنيفِة للمُعاناة وللموت اللذان يُمثلان جزءا من كل الآلام، أجيزَ للمُجرب أَنْ يفعلُ معه ما يفعله مع كل البشر الذين يَرْغبُون أَنْ يَضحّون بأنفسهم لأجل سببِ مقدّسِ. فى الجزء الأول للمعاناة، أظهر الشيطان أمام عيني الرب فداحة ديون الخطيئة والتي كان فى سبيله أن يسددها، وكان وقحاً وخبيثاً كفاية حتى أنه نشد عيوب في أعمال منقذنا نفسه. فى المعاناة الثّانية، نظر يسوع، إلى حجم المُعاناة الأكثر اكتمالا وفي كل مرارتها، والألم التّكفيري الذي سيتطلّب لإرضاء العدل الإلهى. هذا قَدْ أُظهر إليه من قبل الملائكةِ؛ لأنه لا يخص الشيطانُ أَنْ يُظهر أن التّكفيرِ ممكن، وأبّو الأكاذيبِ واليأسِ لن يُظْهِر أَبَداً أعمالِ الرّحمةِ الإلهية أمام البشرِ. لكون يسوع قَاومَ بشكل منتصر كل هذه الاعتداءات مِن قِبل كل استسلامه الكلى والمطلقِ إِلى إرادة أبيه السّماويِ، تعاقبت عليه رُّؤىِ جديدةِ ومُفزِعةِ أمام عينيه، وذلك الشعورِ بالشكِ والقلقِ الذي يُجربه دوما الإنسان الذى على وشك أن يؤدى تضحيةِ عظيمةِ، نشأ في نفس مُخلصنا، كما سألَ نفسه ذلك السؤالَ المروع :" وأي صلاح سينتج من هذه التّضحيةِ؟ " حينئذ ظهرت أمام عينيه صورة أكثر من مرعبة عن المستقبلِ وغُمِرتْ قلبه الحنون بالألمِ. عندما خلق الرب آدم الأول، ألقى عليه سُباتاً عميقاً، فتح جنبه، واخذ ضلعاً من أضلاعه، وصنع منه حواء، زوجته وأمّ كل الأحياء. ثم أحضرها إلى آدم، الذي صاح:" هذه الآن عظم من عظامي، ولحم من لحمي. ولهذا السبب سيترك الرجل أباه وأمّه، ويلتصق بزوجته، ويكونان الاثنان جسداً واحداً." هذا كان الزّواج الذي كُتب عنه: " هذا سر عظيم. أنى أتكلّم من نحو المسيح ومن نحو الكنيسة" يسوع المسيح، آدم الثّاني، قد سرّ أيضا أن يدع السبات يقع عليه, سبات الموت على الصّليب، وهو سرّ أيضا أن يجعل جنبه مفتوحاً، من أجل أن تتشكّل منه حواء الثّانية، عروسه البكر، الكنيسة، أمّ كل الأحياء. إنها كانت مشيئته أن يعطيها دم الفداء وماء التطهير وروحه, الثّلاثة الذين يقدِّمون الشّهادة على الأرض وأن يمنحها أيضا الأسرار المقدّسة، من أجل أن تكون نقية ومقدّسة وغير دنّسه؛ إنه عليه أن يصير رأسها، ونحن أعضاءها علينا أن نكون تحت الاستسلام إلى الرّأس، عظم من عظامه، ولحم من لحمه. بأخذ المسيح طبيعة بشرية عاني الموت من أجلنا، إنه ترك أباه الأزلى أيضا، ليلتصق بزوجته، الكنيسة، وهو صار جسداً واحداً معها، بإطعامها من جسده الذى على المذبح والذي يُوحّد به نفسه معنا بشكل متواصل. لقد سُرّ أن يبقى على الأرض مع كنيسته، حتى نكون جميعاً متّحدين سوياً بواسطته داخل حظيرتها وهو قد قال : أن أبوّاب الجحيم لن تقوى عليها ", لكى يرضي محبّته التى لا توصَف للخطاة، لقد صار الرب إنساناً وأخاً لنفس هؤلاء الخطاة، لدرجة إنه أخذ على نفسه العقاب المستوجب عن كل جرائمهم. لقد تأمّل بحزن عميق عظمة هذا الدّين والآلام البشعة التى من قبلها كان عليه أن يسدَّد الدَيْن. ومع ذلك كان له أقصى فرح أن يُخضع نفسه لإرادة أبيه السّماوي كذبيحة كفارية. الآن، على أية حال، قد نظر لكل آلام المستقبل، لقد نظر معارك وجراح عروسه السّمائية؛ بكلمة واحدة، لقد نظر جحود البشر . لقد رأى يسوع كل آلام تلاميذه وتابعيه وأصدقائه فى المستقبل ؛ بعد ذلك رأى الكنيسة الأولى، تتكون من بضع نفوس في حظيرتها في بادئ الأمر، وبعد ذلك تزداد أعدادها، لقد انزعج بالبدع والانشقاقات الدينية المندلعة بين أولادها، الذين كرّروا خطية آدم بالكبرياء والعصيان. رأى فتور وحقد وفساد عدد لانهائي من المسيحيين، رأى أكاذيب وخبث المعلمين المتفاخرين، كل تدنيس للمقدسات من قبل القساوسة الأشرار، النّتائج القاتلة لكل خطيئة، ورجسة الخراب في ملكوت الرب، في هيكل أولئك البشر الجاحدين الذين كان على وشك أن يفتديهم بدمه مُجتازا آلاماً بشعة. فضائح من كل العصور وحتى الزمن الحاضر, بل حتى نهاية العالم, كل أشكال الخطأ، المكر، التعصّب المجنون، العناد والحقد, كل ذلك عُرض أمام عينيه، وهو رآه، كما كان يطفو أمامه كل المرتدين والمُهرطقين والمُصلِحين الزائفين, الذين يخدعون البشر بمظهر القداسة. وهم المحرِّفون والمفسدون من كل العصور الذين أهانوه وعذّبوه لكونه لم يصُلب طبقاً لرأيهم، أو لكونه لم يعانى بالضبط كما قرروا أو تخيّلوا إنه كان يجب أن يُعاني. لقد نافس كل منهم الآخر في تمزيق لُباس كنيسته الذى بلا خياطة؛ كثيرون من يسيئون مُعاملته, يُهينونه وينكرونه، وكثيرون من يرتدون عنه باحتقار، يهزونّ رؤوسهم عنده، متجنّبين أحضانه الحنونة، ومتعجلين إلى الهاوية حيث قد ابتلعوا أخيرا. لقد رأى أعداداً غير مُحصاة من البشر الآخرين الذين ما تجاسروا أن ينكروه علانية، بل جازوا باشمئزاز من منظر جراح كنيسته، كما اللاويّ. الذى جاز مقابل الرّجل المسكين الذي سقط بين اللّصوص. مثل الأولاد الجبناء والذين بلا إيمان، يهجرون أمّهم في منتصف اللّيل، عندما يبصرون اللّصوص وقطاع الطريق الذين فتحوا الباب لهم بإهمالهم أو بحقدهم، لقد هربوا من جراح العروس. لقد رأى كل هؤلاء الناس، أحيانا منفصلين عن الكرمة الحقيقية، ويجدون راحتهم وسط أشجار البرية, أحيانا مثل غنم ضالة، متروكة لرحمة الذّئاب، منقادة من قبل مأجورين حقراء نحو المراعي الرديئة، ورافضين أن يدخلوا حظيرة الرّاعي الصالح الذي بذل حياته من أجل خرافه. إنهم كانوا تائهين مشرّدين في البراري وسط الرّمال التى تذريها الرّياح، وقد قرروا بعناد ألا يروا مدينته التى وضعت على التل، التي لا يمكن أن تكون مُخبئة، دار العروس، كنيسته المبنية على الصخر، والتي وعد أن تبقى حتى نهاية الدهور. لقد بنوا على الرمال مباني هزيلة، لقد كانوا يهدّمونها باستمرار ويجدّدونها، لكن حيث لا مذبح هناك ولا ذبيحة ؛ لقد كان لديهم أداة لتحديد مسار الرياح على أسطح بيوتهم، وكانت مذاهبهم تتغيّر مع تغير اتجاه الرّيح، ولذلك سيكونون إلي الأبد في معارضة كل منهم للآخر. إنهم لا يمكن أن يجيئوا إلى فهم متبادل، والى الأبد متزعزعين، يحطّمون منازلهم غالبا ويقذفون الحجارة على حجر زاوية الكنيسة، الذي سيظل دوماً ثابتاً. وكما أنه ليس هناك سوى الظلمة في بيوت هؤلاء البشر، فأن عديد منهم، بدلا من أن يخطون نحو الشّمعة الموضوعة على الشّمعدان في دار عروس المسيح، يجولون بأعين مغلقة حول حدائق الكنيسة، يستمدون الحياة فقط باستنشاق الرّوائح الحلوة التي تنتشر منها، مادين أياديهم نحو أصنام مُبهمة، ويتبعون نجوماً تائهة تقودهم إلى آبار لا ماء فيها. وحتى عندما يجدون أنفسهم على حافة شَفا كارثة، فأنهم يرفضون أن يستمعوا إلى صوت العريس الذى يدعوهم، بالرغم من الاحتضار من الجوع والسخرية والمهانة، فأنهم يسخرون من أولئك الخدام والرّسل الذين يُرسلون ليدعوهم لى وليمة العرس. إنهم يرفضون بعناد أن يدخلوا البستان، لأنهم يخافون أشواك السّياج، ومع إنهم ليس لديهم لا حنطة ليشبعوا بها جوعهم ولا نبيذ ليرووا به عطشهم، بل قد تسمّموا ببساطة بالكبرياء واحترام الذات، ولكونهم معميين بأضوائهم الكاذبة، يثابرون بالتصريح أن كنيسة الكلمة المتجسد غير مرئية. لقد رآهم يسوع جميعاً، بكى عليهم، وقد سرّ أن يعاني من أجل كل أولئك الذين لا يرونه والذين لن يحملوا صلبانهم بعده في مدينته المبنية على التل, كنيسته المؤسّسة على الصخر، التي أعطاها نفسه في العشاء الرباني المقدّس، والتى لن تقوى أبوّاب الجحيم عليها. رؤية بارزة في هذه الرّؤى المحزنة التي نظرتها بروح يسوع، رأيت إبليس، قد جر وخنق عديد من البشر المفديين بدم المسيح والمقدّسين من قبل مسحة أسراره. نظر مُخلصنا الإلهى بألم وبكثير من المرارة جحود وفساد المسيحيين الأوائل ومن تلاهم على مر العصور وحتى نهاية العالم، وخلال كل هذا الوقت كان صوت المُجرب يتكرّر باستمرار: " هل أنت مُعتزم أن تعاني من أجل مثل هؤلاء الفاسقين الجاحدين؟ " بينما الظّهورات المتعدّدة تُنجح كل منها الأخرى بسّرعة حادة، وتثقل بقسوة وتسحق يسوع، الذي غُمرت بشريته المقدّسة بألم لا يوصف. يسوع مسيح الرب, ابن الإنسان جاهد وتلوّي بينما سقط على ركبتيه، بأيادي مشبوكة، كما لو أنه قد أبيد تحت ثقل آلامه. كان الصراع الذي حدث حينئذ بين إرادته البشرية وبين اشمئزازُه أن يعاني كثيرا من أجل مثل هذا الجنس الجاحد بغاية القسوة، حتى أنه تفجرت قطرات كبيرة من الدّم من كل مسام جسده المقدّس، التي سقطت تقطّر على الأرض. فى معاناته المريرة نظر حوله، كما لو أنه ينشد معونة، وبدا كأنه يأخذ السماء والأرض ونجوم السّماء ليشهدوا عن آلامه. رفع يسوع صوته، بألم النفس، ونطق ببضع نداءات الألم. أستيقظ التلاميذ الثّلاثة، استمعوا، وكانوا متلهفين أن يقتربوا منه، لكن بطرس حجز يعقوب ويوحنا، قائلاً : " أبقوا هنا؛ سأصل أنا إليه " ثم رأيت بطرس يركض مسرعا ودخل المغارة وصاح " يا مُعلم، ماذا حدث لك؟ " لكنه برؤية يسوع وكيف أنه مستحمّ في دمه، ومنهاراً على الأرض تحت ثقل الخوف المهلك والألم، أنسحب، وتوقّف للحظة، مغلّوباً بالرّعب. لم يجبه يسوع، بدا وكأنه غير واع لوجوده. عاد بطرس لرفاقه، وأخبرهم أن الرب لم يجبه سوي بالآهات والتّنهدات. اصبحوا حزانى أكثر فأكثر بعد هذا، غطّوا رؤوسهم، وجلسوا ليبكوا ويصلوا. حينئذ رجعت إلى عريسي السّماوي في معاناته الأكثر مرارّة. الرّؤى المخيفة للجحود المستقبلي للبشر المدينين للعدل الإلهي والتى كان يأخذها هو على نفسه، استمرت تزداد وضوحاً أكثر فأكثر. بضع مرات سمعته يصيح : " أبتاه، هل ممكن أن أعاني من أجل جنس بغاية الجحود؟ أبتاه، إن لم تعبر عنى هذه الكأس، بل يجب أن اشربها, فسأفعل! " ضمن كل هذا الظّهورات، كان لإبليس مكانة بارزة، تحت أشكال متعدّدة، تُمثل أنواع مختلفة من الآثام. أحيانا ظهر تحت شكل صورة عملاق أسود، أحيانا تحت منظر نمر، ثعلب، ذئب، تنين، أو ثعبان، إنه لم يأخذ حقا أيا من هذه الأشكال، بل أحد خصائصها فحسب، ضمن أشكال قبيحة أخرى. لا شيء من هذه الظهورات المخيفة تشبه بالكامل أي مخلوق، بل كانت رموز لرجاسة، لنزاع، لتناقض، في كلمة واحدة كانت ترمز للخطيئة ، كانت شيطانية حتى نهاية المدى. هذه الأشكال الشّيطانية حثّت أن تجر وتمزّق أعداد غير محصاة من أولئك البشر أرباُ, أولئك البشر الذين كان افتدائهم يقتحمه بطّريقه المؤلم نحو الصّليب. في بادئ الأمر رأيت ثّعباناً؛ ظهر بتاج على رأسه. كان عملاق الحجم، ظاهرياً محتفظ بقوة غير محدودة، ويقود جحافل غير معدودة أمامه من أعداء يسوع من كل جنس وكل أمة. مسلّحاً بكل أنواع الأسلحة المخرّبة، إنهم أحيناً يمزّقون بعضهم البعض إلي قطع، وبعد ذلك يجدّدون هجماتهم على مُخلصنا باّهتياّج مضاعف. لقد كان حقا منظراً مرعباً؛ لأنهم كوّموا فوقه الإساءات الأكثر خوفا، اللعن، الضرب، الجرح، وتمزيقه إلي قطع. أسلحتهم كانت سيوف ورماح تطير حوله في الجو بشكل مستمر في كل الجهات، مثل دراسات الحبوب في مخزن حبوب هائل؛ وتهيّج كل هؤلاء الشّياطين بدا موجه على نحو خاص ضد يسوع, حبة الحنطة السماوية التى نزلت إلى الأرض لتموت هناك، من أجل أن تغذّي البشر إلى الأبد بخبز الحياة. هكذا تعرّض إلى غضب هذه الفرق الجهنمية, البعض منها بدت لي تتشّكل على هيئة أناس عميان، يسوع بهذا القدر كان مجروحاً كما لو أن ضرباتهم كانت حقيقية. رأيته يتمايل من جانب لآخر، أحيانا يرفع نفسه لأعلى وأحيانا يسقط ثانية، بينما يضرب الثّعبان الأرض بذيله في وسط الحشود التي كان يقودها للأمام بشكل متواصل ضد يسوع، ومَزّقَ إِلى قِطَعِ أو ابتلعَ كل من قد ضَربَوا على الأرض, لقد جُعل معروفاً لي بأن هذه الظّهورات كانت عن كل أولئك الأشخاص الذين يهينون ويغضبون الرب يسوع بطرق مختلفة، ثم يتقدّمون للأسرار المقدّسة. ميزت بينهم كل أولئك الذين يتقدمون للأسرار المقدسة بطريقة بذيئة. نظرت برّعب إلى كل إساءة قُدمت للرب، سواء بالإهمال أو بالاستهانة وبإغفال ما جاء عنه؛ باحتقار علني، بظلم وتدنيس المقدسات؛ بعبادة الأصنام الدّنيوية؛ بالظّلمة الرّوحية والمعرفة الكاذبة؛ وأخيرا بالخطأ والشكوك، بالتعصّب والكراهية والاضطهاد العلني. بين هؤلاء البشر رأيت العديد من الصمّ والمشلولين والعميان والخرس والأطفال؛ إنهم البشر العميان الذين لن يروا الحقيقة؛ إنهم البشر المشلولون الذين لن يتقدّموا فى حياتهم طبقا لاتجاهاته نحو الطّريق الذى يقود إلى الحياة الأبدية؛ إنهم البشر الصمّ الذين يرفضون أن يستمعوا لإنذاراته وتحذيراته؛ إنهم البشر الخرس الذين لن يستعملوا أصواتهم للدفاع عنه؛ وأخيرا الأطفال الذين ضُلّلوا بإتباع الوالدين والمعلمين الممتلئين من محبّة العالم ونسوا الرب، الذين تغذّوا على غنى العّالم، السكارى بحكمة كاذبة وبغض كل ما يتعلق بالدّين. والمنظر الذي أحزنني خاصة هم أولئك الأطفال، لأن يسوع يُحبّ الأطفال جدا، لقد رأيت كثيراً من مساعِدي الكهنة عديمي الاحترام الذين يتصرّفون على نحو سيئ، الذين لا يكرمون الرب في الطقوس المقدّسة التي يشاركون فيها. نظرت برّعب أن عديداً من القساوسة، بعض الذين يتخيلون أنفسهم ممتلئين بالإيمان والتّقوى، يغضبون الرب يسوع أيضا في الأسرار المقدسة. رأيت عديداً من الذين أمنوا وعلّموا بعقيدة الوجود الحقيقي، لكنهم لم يأخذوها بكفاية إلى القلب، لأنهم نسوا وأهملوا قصر وعرش وكرسي الرب الحيّ؛ بعبارة أخرى : الكنيسة والمذبح والخيمة والكأس ووعاء القربان المقدس، الأواني والحلي؛ بكلمة واحدة، كل ما يستعمل في عبادته أو ما يزيّن داره. كل إهمال يسود في أي مكان، كل الأشياء التى تركت لتبلى في التراب والأقذار، وعبادة الرب، إن لم تكن تُدنّس سرّا، كانت على الأقل تُهان ظاهريّا. وهذا لم يكن نتيجة افتقار حقيقي، بل نتيجة اللامبالاة والتكاسل، نتيجة الاستغراق العقلي فى شّؤون العالم العقيمة، وغالبا أيضا نتيجة الغرور والموت الروحي؛ لأنى رأيت إهمالاً من هذا النّوع في الكنائس ذات القساوسة والشعب الغني، أو من الأثرياء على نَحْو مقبول. لقد رأيت عديداً من الدنيويين, عديمي الطعم, بحلي غير مناسبة قد بدلوا زّينة التقوى بزينة العالم . لقد رأيت أنّه كلما كان الإنسان فقيراً كلما كان مقامهم في أكواخهم أفضل أمام سيد السماء والأرض في كنائسه. إن لم يقم البشر بحُسن الضيافة فأن ذلك يُحزن يسوع بعمق، وهو الذي أعطى نفسه إليهم ليكون غذاءهم! حقا، ليس هناك احتياج أن يكون الإنسان غني من أجل أن يلتقي بمن يكافئ بمائة ضعف نظير قدح من الماء البارد تعطيه للعطشان؛ لكن كم يكون تصرفنا مخزياً عندما لا نسقى الرب الإله، العطشان لنفوسنا، عندما نعطيه ماء فاسداً في قدح قذر! عاقبة كل هذا الإهمال، رأيت ضّعفاً مروّعاً، رأيت الأسرار المقدسة مدنّسة، الكنائس مهجورة، والقساوسة مُستخف بهم. أن هذه الحالة من التلوّث والإهمال تمتد حتى إلى النفوس المخلصة، التي تركت مساكن قلوبهم غير مستعدة وغير نظيفة عندما كان يسوع على وشك أن يدخلها، بالضبط نفس ما حدث عندما تركوا خيمته على المذبح. إن كان علَّى أن أتكلم لعام كامل، لما تمكّنت من أن أسرد كل الإهانات التى تُقدم إلى يسوع في الأسرار المقدسة, تلك الإهانات التى جُعلت معروفة لي بهذه الطريقة. لقد رأيت مُبدعي تلك الإهانات يهاجمون يسوع في فرّق, ويضربونه بأسلحة مختلفة، أسلحة تُطابق إهاناتهم المتعدّدة. لقد رأيت مسيحيين عديمي الاحترام من كل الأعمار، قساوسة مهملين أو مدنسين، حشود من الفاترين والغير مستحقين، جنود أشرار يدنّسون الأوعية المقدّسة، وخدام الشّيطان يستعملون القربان المقدس في الأسرار المُخيفة للعبادة الشيطانية. من بين هذا الجماعات رأيت عدداً عظيماً من علماء الدين، الذين انجذبوا في البدع من قبل آثامهم، يهاجمون يسوع في أسرار كنيسته المقدسة، وينتزعون من قلبه، بكلماتهم المغرية ووعودهم، عديد من النفوس الذين أراق دمه من أجلهم. آه! لقد كان حقا منظر مرعباً، لأننى رأيت الكنيسة كجسد السيد المسيح؛ وكل هذه الجماعات من البشر، الذين فصلوا أنفسهم عن الكنيسة، مشوَّهين وممزّقين قطعاً كاملة من لحمه الحيّ. واحسرتاه! لقد نظر إليهم بأسلوب فى غاية التأثر وناح عليهم لأنهم هكذا لابد أن يتسبّبوا فى خسارتهم الأبدية. لقد أعطى ذاته الإلهية إلينا لإطعامنا في العشاء الرباني المقدّس، من أجل أن نتحد في جسد واحد الذى هو جسد الكنيسة، عروسه, أن البشر الذين كان لهم امتداد لانهائي انقسموا وانفصل كل منهم عن الآخر؛ والآن نظر إلى نفسه مُمزقاً ومنشطراً لأثنين في ذات جسده؛ لأن عمل محبته الرّئيسي، العشاء الرباني، الذي كان على البشر أن يصيروا فيه بالكلية واحداً، قد صار، من قبل حقد المعلمين الكذبة، موضوع للانفصال. لقد نظرت أمماً كاملة تُنتزع من حضنه، وتُحرم من أي مشاركة في كنز النّعم المتروك للكنيسة. أخيرا، رأيت كل من انفصلوا عن الكنيسة مغمورين في أعماق الخيانة, الخرافة, البدع والفلسفة الدنيوية الباطلة؛ وقد أعطوا مُتنفساً لتهيّجهم العنيف بالارتباط معاً في الأجسام الكبيرة ليهاجموا الكنيسة، لكونهم منُقادين من قبل الثّعبان الذي كان يسلّي نفسه في وسطهم. وا أسفاه! لقد كان كما لو أن يسوع نفسه قد تمزّق إلي ألف قطعة! عظيماً جدا كان رعبي ورهبتي، أن عريسي السّماوي ظهر لي، وعلى نَحْو رحيم وضع يدّه على قلبي، قائلاً : " لا أحد قد رأى حتى الآن كل هذه الأمور، وكان قلبي ليطفح بالحزن إن لم أعطك هذه القدرة. " لقد رأيت الدّم يتدفّق في قطرات كبيرة لأسفل من الوجه الشّاحب لمُخلّصنا، شعره كان مُتَلَبِّداً ولحيته ملطخة بالدم ومُتشابكة. بعد الرّؤيا التي وصفتها توا، هرب، إن جاز التعبير، خارج المغارة وعاد إلى تلاميذه. لكنه كان يترنّح بينما يمشى؛ ظهوره كان ظهور إنسان مُغّطى بالجراح ومنحني تحت عبء ثقيل، ولقد تعثّر في كل خطوه. عندما صعد إلى التلاميذ الثّلاثة، لم يكونوا مضطجعين نائمين كما سبق أول مرة، لكن رؤوسهم كانت مغطاة، وقد غرقوا لأسفل على ركبهم، في وَضْع جسْمانِي يُفترض غالبا من قبل أناس تلك البلد عندما يكونوا حزانى أو عندما يرغبون فى الصلاة. لقد ناموا، مقهورين بالأسى والإعياء. يسوع الذى كان مرتعداً ويتأوَّه، دنا منهم، وهم استيقظوا. لكن عندما رأوه واقفاً أمامهم فى ضوء القمر، وجهه شاحباً وملطخاً بالدماء، وشعره غير مرتب، لم تميزه أعينهم المرهقة في بادئ الأمر، لأنه كان قد تغيّر بما يفوق الوَصْف. شبك يديه معا، فنهضوا وسندوه بأياديهم بمودّة وأخبرهم بلّهجة حزينة إنه ينبغى أن يُساق للموت فى اليوم التالي وإنه خلال ساعة سيُقبض عليه ويُقاد أمام محكمة، ستُساء مُعاملته ويُهان ويُجلد وأخيرا يُساق إلى الموت الأكثر قسوة. ناشدهم أن يواسوا أمه، وأيضا المجدلية. إنهم لم يجيبوا، لأنهم لم يعرفوا ماذا عليهم أن يقولوا، لقد أزعجهم إلى حد بعيد ظهوره هكذا ولغته أيضاً، وظنوا أن عقله لابد أن يكون قد شت. عندما أراد أن يعود إلى المغارة، لم يكن لديه القوة على المشي. رأيت يوحنا ويعقوب يسندانه من الخلف ورجعا عندما دخل المغارة. لقد كانت حينئذ حوالي الساعة الحادية عشر والربع. |
||||
07 - 11 - 2012, 04:29 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
تأمل رابع للرب يسوع نعم, لقد رَجعتُ مرة أخرى لأَيقظَ تلاميذي، لكن إشعاعات العدل الإلهي كانت قَدْ تَركتني في أخدودِ دائمِ.... لقد أصبحوا مَمْلُوءينَ بالخوفِ عندما رَأوني كإنسان مُضطرب، ومن تألم بالأكثر كَانَ يوحنا. لقد صمتّ ... هم ذهلوا.... بطرس فقط من كَانَ عِنْدَهُ الشّجاعةُ أن يَتكلّمَ. مسكين أنت يا بطرس، إن كنت قَدْ عرفت فقط أن جزءِاً من قلقي كنت أنت السبب فيه . لقَدْ أَخذتُ أصدقائي الثّلاثة كي أستطيع أَنْ أستَريحَ فيهم وفي محبّتهم، كي يُساعدوني بمُشَارَكتهم لآلامي، ويَصلوا معي .... كيف أَصفُ ما شْعرتُ به عندما رأيتهم نياماً؟ كم يتألم قلبي حتى اليوم، مُحتاجاً أن أجدَ الراحة في أحبائي، إنى اَذْهبُ إليهم فأَجدهم نياما. أكثر من مرة، عندما أريد أَنْ أيقظهم وأن أُخرجهم من ذواتهم، أن أخرجهم بعيداً عن مشاغلهم. يُجيبونني، إن لم يكن بالكَلِماتِ، يكون بالتصرفات : " لَيسَ الآن، أنى مُتعبُ جداً؛ عندي الكثير كى أعْمَلُه؛ أن هذا ضار لصحتي؛ أنى بَحاجةُ لقليل من الوقتَ؛ أنى أُريدُ بعض السّلامِ. " فأَصرُّ وبلطف أُخبرُ تلك النفسِ: لا تَخَافُى.إن تْركُت راحتك من أجلى، فأنا سَأُكافئكَ. تعالى وصلّى معي، فقط ساعة واحدة! انظري، هذه هى اللّحظةُ التى أَحتاجكَ فيها! فأجدها تجيبني" هلا توَقفُت، هَلْ أنتَ مُطالب بجدول أعمالَ الآن ؟ " كم كثير من المراتِ اَسْمعُ ذلك الجوابِ نفسهِ! يا لك من نفس مسكينة، أما كُنْتَ قادرةَ أَنْ تظلي معى لساعةَ واحدة؟ قريباً أنا سآجيء وأنتَ لَنْ تَسْمعيني لأنك ستكونى نائمُة. أنا سَأُريدُ أَنْ أَعطيكَ النّعمة لكن لكونك نائمةُ، فأنتَ لَنْ تَكُونَى قادرة أَنْ تناليها. ومن سيكون مَتأكّداً أنّه سَيكونُ عِنْدَه القوةُ أن يَستيقظَ؟... من المُمكن أن تكونوا مَحْرُومِين من الطّعامِ، حينئذ سَتَكُونُ نفوسكم ضعيفَة ولَنْ تَكُونواَ قادرين أَنْ تَخْرجَوا من ذلك الفتور. كثير من النفوس فاجئها الموتِ في منتصفِ نومهاِ العميقِ، تُرى متى وكيف أفاقت ؟ أحبائي، أُريدُ أَنْ أُعلّمكَم أيضا كم أنه بلا فائدة وبلا جدوى أَنْ تَبْحثَوا عن الراحةِ في المخلوقاتِ. أنهم غالباً ما يكونوا نائمين وبدلاً من أن أجد الراحةِ التى أنشدها فيهم، أُتْركُ بمرارةِ لأنهم لم يتجاوبوا لا إِلى مشيئتنا ولا إِلى محبّتنا. عندما صَلّيتُ إِلى أبي وسألتهْ المعونة، كانت نفسى المخذولة والحزينة تَُعاني آلام الموتِ. لقد أحسست بالقُهر مع ثقّل أسوأ جحودِ . الدّم الذي سكبته من كل مسامِ جسدي والدم الذى تدفّقُ بعد وقتِ قصيرِ من كل جراحي، سَيَكُونُ بلا فائدة لعددِ عظيمِ من النفوس التي سُتَفْقدُ. سَيَكُونُ بلا فائدة لكثيرين ممن يُهينوني ولكثيرين ممن لَمْ يَعْرفوني! بعد قليل سأَسْكبُ دمي من أجل الجميع وميراثي سيكون َمُتاحاً لكل واحد منهم. دماُ إلهياً! استحقاقات لانهائية! ومع ذلك، سيكون ذلك بلا فائدة لكثير جداً من النفوس . لكن فوق كل ذلك لقد كنت ذاهِباًٌ بالفعل لأواجه أشياءِ أخرىِ، إرادتي قَدْ مالت إِلى إنجازها. أيها البشر، إن كنت تألمت، فذلك بالتأكيد لن يَكُونُ بلا ثمر وليس بلا سببُ. إن الثّمار التي حَصلتُ عليها كَانتْ المجدَ والحبَّ. إن الأمر الآن يعود إليكم، بمعونتي، تستطيعون أَنْ تَبرهنوا لي أنكم تُقدّرُون عملي. أنا لَنْ أكل! تعالوا إليّ! تعالوا إِلى من يستجيب حباً لكم والوحيد الذى يَعْرفُ كيف يَعطيكَم الحبّ الحقيقي الذي يسود في السّماءِ وحَوّلكَم الآن على الأرضِ. النفوس التى تتذّوقِ عطشي، التى تشرب من كأسي المرّ والمجيدِ، أقول لها, إن الأبَ يُريدُ أَنْ يدخر بعض من قطراتِ هذا الكأسِ لها. فَكّرواْ بتلك القطراتِ القليلة هذه التى أَُخذتْ منّي وبعد ذلك، إن صدقتم، أُخبروني أنكم لستم تُريدوها. أنا لَم أضع حدّودُاً ولا يَجِبُ أَنْ تضعوا أنتم حدوداًِ. لقَدْ سُحقت بلا رحمة من أجل الحبِّ، يَنبغى أَنْ تَسْمحوا لي أَنْ أُسحق تقديركم لذواتكم. إنى من يعملُ فيكم، كما أن أبي هو من عَملَ فيّ عندما كنت في البستان . أنى أنا من يَعطيكَم الآلام لكي تَكُونوا فى ذات يومَ سعداء. كُونُوا طيعين؛ كُونُوا طيعين بإقتدائكم بى لأن هذا يعينكم كثيراً ويَسرّني بقدر عظيمَ. لا تَفْقدُوا أي شئ، بل بالأحرىَ اكتسبَوا المحبّة. كيف يُمكنُ أَنْ اَسْمحَ لأحبائي أَنْ يَعانوا من خسائر حقيقية بينما هم يُحاولون أَنْ يظهروا لى الحبّ؟ إنى أَنتظركمَ. إنى أَنتظرُ دائما ولَنْ أُتعبَ. تعالوا إليّ؛ تعالوا إلى كما أنتم، إن ذلك غير مَهْمُّ طالما أنكم ستأتونُ. سَتَرون عندما تأتون أنّي سَأُزيّنُ جباهكمَ بالجواهرِ، سأزينها بقطراتِ الدمِ التي سَكبتُها في جَثْسَيْمَانِي , إن تلك القطراتِ تخصكم، إن أردتموها. تعالوا إلىّ آيتها النفوس، تعالوا إِلى يسوع الذي يناديكم . لقد قُلتُ: أبتاه؛ ولم أقُل: إلهى. هذا ما أُريدُ أَنْ أُعلّمه لكمَ: عندما تزداد آلامكم، يَجِبُ أَنْ تَقُولواَ " أبتاه " واَسْألوه التّعزيةِ. أروه آلامكَم، خوفكم، وبأنين ذكّروه بأنكم أبناؤه. أخبروه أن نفوسكم لم تعد تحتمل! اسألوهْ بثقةِ البنين وانتظروه، لأن أبيكم سَيُساعدكَم؛ سَيَعطيكَم القوة الكافية كى تتغلبوا على أتعابكم, لأنه يعطي دوماً النفوس التي تثق فيه. هذه هى الكأسُ التي قَبلتهاُ وشربتها حتى قطرتها الأخيرةِ. كل ما أريد أن أُعلّمه لكَم يا أبنائي الأعزاء، ألا تعودوا تؤمنوا أبداً مرة أخرى أنّ الألمِ بلا قيمة. إن لم تَروا نَتائِج مُتحققة دائما، أخضعوا لقضائكم واَسْمحُوا للإرادة الإلهية أنْ تتحقق فيكم . لقد كنت عالماً أنه سيُقبض علىّ في البستان، مع ذلك أني لم أتَراجع. بل بالعكس, بَقيتُ هناك. لم أشأ أَنْ اَهْربَ من أعدائي. . . . الّليلة، اَسْمحُوا لدمي يا أبنائي أَنْ يَروى جذوركم الصغيرةِ ويَقوّيها. خلال معاناة يسوع هذه، رأيت أيضا العذراء المباركة في دار مريم أمّ مرقص مغمورة بالحزن وبألم الرّوح، لقد كانت مع المجدلية ومريم أم مرقص في بستان يتبع الدّار، وساجدة من الأسى، لقد كانت ساجدة تقريبا بكل جسدها. لقد غابت عن الوعي بضع مرات، لأنها نظرت بالروح مراحل معاناة يسوع المختلفة. لقد أرسلت بعض الرّسل لتستعلم عنه، لكن قلقها العميق لم يدعها تنتظر عودتهم، فذهبت مع المجدلية وسالومة إلى وادي يهوشافاط. لقد سارت ورأسها مستتر، وذراعاها تمتدان بشكل متكرر للأمام نحو جبل الزيتون؛ لأنها كنت تبصر يسوع بالروح مستحماً في عرق دموي، وإشاراتها كانت كما لو أنها ترغب أن تمسح بيديها الممتدّة وجه ابنها. لقد رأيت تعبيراتها الدّاخلية تجاه يسوع، الذي كان يُفكّر فيها، وأدار عينيه تجاهها، كما لو أنه يطلب معونتها. لقد أبصرت الاتصال الرّوحي الذى بين كل منهما، تحت شكل أشعة تعبر ذهابا وإيابا بينهما. فكر إلهنا القدوس أيضا فى المجدلية، لقد تأثر بكآبتها، وأوصّى تلاميذه أن يواسوها؛ لأنه عرف أنّ حبّها لشخصه الحبيب أعظم من مشاعر أي أحد تجاهه ماخلا أمه المباركة، وقد علم أنّها تعاني كثيراً من أجله، وأنها لن تعد تهينه فيما بعد في هذا الوقت، كان التلاميذ الثّمانية قد عادوا إلى جَثْسَيْمَانِي ، وبعد أن تحدّثوا سوياً بعض الوقت، استقر رأيهم على الذهاب للنوم. لقد كانوا حيارى، مُحبّطين، ومُجربين جدا. لقد كان كل شخص منهم يبحث عن مكان يختبئ فيه في حالة الخطر، وتساءلوا بقلق : " ماذا سنفعل عندما يسوقونه إلى الموت؟ ها نحن قد تركنا كل شئ لنتبعه؛ إننا فقراء وليس بمقدورنا تطهير العالم؛ لقد أخضعنا أنفسنا بالكامل لخدمته، وها هو الآن حزيناً جدا ونفسه حزينة جدا، حتى إنه لا يستطيع أن يقدم لنا التعزية. " تجوّل باقي التلاميذ في بادئ الأمر حول جهات متعدّدة، لكن الآن، بعد أن سمعوا شيئاً مما يختص بالنبوءات المُخيفة التي أنبأ بها يسوع، تراجعوا جميعاً إلى بيت فاجى . إنى أري يسوع ما زال يصلّي في المغارة، يجاهد ضد كراهية الألم التي تخص الطبيعة البشرية، وترك نفسه بالكلية إلى إرادة أبيه الأزلى. هنا فُتحت الهاوية أمامه، ورأى الجزء الأول لعالم النسيان. رأى آدم وحواء، البطاركة، الأنبياء، والبشر الأتقياء، أبوي أمه، يوحنا المعمدان، رآهم جميعاً ينتظرون بلهفة عظيمة وصوله للعالم السفلي، لدرجة أن المنظر قواه وشجع قلبه المُحبّ. إن موته سيفتح السماء لهؤلاء الأسرى، أن موته سيخرجهم من ذلك السّجن الموضعين فيه! عندما نظر يسوع بعاطفة عميقة، قديسي العصر القديم، قدّمت إليه الملائكة كل جموع قديسي أجيال المستقبل، الذين ضموا أعمالهم إلى استحقاقات آلامه، لقد كانوا يتحدوا بأبيه السّماوي من خلاله، لقد كانت هذه الرؤيا بغاية الجمال والمواساة، لقد نظر فيها الخلاص والتقديس يتدفّقان بلا توقف من ينبوع الفداء الذى فُتح بموته. لقد ظهر أمامه الرسل، التلاميذ، العذارى، والنسوة القديّسات، الشّهداء، المعترفون، النساك، الباباوات والأساقفة وجموع كبيرة من المتدينين من كلا الجنسين, بكلمة واحدة، ظهر أمامه كل جيش المُباركين. كان الجميع يحملون على رؤوسهم أكاليل الغلبة، وكانت زهور أكاليلهم تختلف في الشّكل واللّون والرّائحة والكمال، طبقا لاختلاف الآلام والأعمال والانتصارات التى منحتهم مجداً أبدياً. التى منحتهم حياتهم بالكامل، وكل أعمالهم واستحقاقاتهم وقوتهم وكل مجد غلبتهم، جاء فقط من خلال اتحادهم باستحقاقات يسوع المسيح . التّأثير المتبادل الذى أظهَر من قبل هؤلاء القديسين كل منهم على الآخر، والأسلوب الذي شربوا به جميعا من نبع واحد, السر المقدس المحبوب وآلام الرب شكّل مشهداً فى غاية التأثير والروعة. لاشيء يخصهم كان مجرد من المعنى العميق، أعمالهم، استشهادهم، انتصاراتهم، مظهرهم ولباسهم، كل شئ، مع إنّه متنوع بما يفوق الوَصْف، إلا أنه مُنظم في انسجام لانهائي ووحدة؛ وهذه الوحدة مع التّنوع قد نتجت بأشعة شّمس واحدة، بآلام الرب، الكلمة الذى صار جسداً، الذي فيه كانت الحياة، نور البشر، الذي أشرق في الظّلمة، والظّلمة لم تفهمه. جاز جيش قديسي المستقبل أمام الرب، الذي وضع هكذا بين بطاركة راّغبين، وفرقة المستقبل المنتصرة المُباركة، وهذان الجيشان انضما معاً، وأكمل كل منهما الآخر، إن جاز التعبير، طوقوا قلب مُخلّصنا الحبّيب بإكليل الغلبة. منح هذا المنظر كثير من المواساة ودرجة من القوة والرّاحة ليسوع. آه! إنه أحبّ أخوته وخليقته حتى إنه إن كان سيتمّم الفداء عن نفس واحدة، لكان سيقبل بفرح كل الآلام التي كان يكرّس لها نفسه الآن. بينما كانت هذه الرؤى تشير إلي المستقبل، انتشرت لعلو محدد في الهواء. لكن رّؤى المواساة هذه تلاشت، وعرضت الملائكة أمامه مشاهد آلامه قرب الأرض، لأنها كانت قريبة في متناول اليد. لقد أبصر كل مشهد رُسم بشكل متميّز، من قبلة يهوذا حتى كلماته الأخيرة على الصليب، وقد رأي في هذه الرّؤيا الواحدة كل رؤى الألم التى أراها في تأملاتي. لقد رأى خيانة يهوذا، هروب التلاميذ، الإهانات التي قدمت للرب أمام حنان وقيافا، إنكار بطرس، محكمة بيلاطس، مهزلة هيرودس، الجلد والتتويج بالأشواك، الحكم بالموت، حمل الصليب، منديل فيرونيكا، الصّلب، إهانات الفريسيون، حزن مريم والمجدلية ويوحنا، جرح الرّمح في جنبه، ما بعد الموت؛ في كلمة واحدة، كل جزء من الألم رآه بالتّفصيل. لقد قبل كل شئ طوعا، خاضعاً لكل شيء من أجل محبّته للإنسان. لقد رأى أيضا وشعر بالآلام التى تتحمّلها أمه في تلك اللّحظة، التي كان اتحادها الداخلي بمعاناته كامل للغاية حتى إنها غابت عن الوعي في أذرع رفيقاتها. |
||||
07 - 11 - 2012, 04:33 PM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
مناجاة الأب أنى أَرى أبنَي، مُرتعداً في ظّلال جَثْسَيْمَانِي ، نازلاً مِنْ السماءِ وآخذاً هيئة وجوهر خليقتِي، خليقتِي التي تعتقد وما زاِلت تَعتقدُ أنّها تستطيع أَنْ تتمرد ضدّ خالقِها. إنّ الرجلَ، ذلك الرجلِ الوحيدِ والمضطّربِ، هو الذبيحة المعيّنةُ، وعلى عاتقه، بذات دمِّه، عليه أن يَطهر كُلّ الإنسانيةِ التي يُمثّلها. أنه مَرتعدُ وخائفاً بشعوره بنفسه مُغَطاة بالآثم، حتى أنه يَرى نفسه محكوم عليه، بكتلةِ لا تصدّقِ مِنْ الخطايا التي كَانَ لِزاماً عليه أَنْ يأخذها من الضمائرِ المُظَلَّمةِ لملايينِ وملايينِ من المخلوقاتِ الغير طاهرة.أيا أبني المسكين، لقد أَوصلك الحبّ إلى هذا وها أنت الآن مُخوف به. من يَجِبُ أَنْ يُمجّدَك في السماء عندما تَرْجعُ إليه مُتألقاً؟ أيُمْكِنُ أَنْ يَعطيك أيّ مخلوق المجد الذى تستحقه، أيستطيع أيّ مخلوق أَنْ يَعطيك الَحبُّ الذى تستحقه؟ وما هو تمجيد وحبُّ البشر، حبُّ ملايينِ البشر، بالمقارنة بالحبِّ الذى قَبلتَ به أكثر وأكبر الاختبارات التي مُمْكِنُ أَنْ توجدَ على الأرضِ؟ كلا يا أبني الحبيب، لا يوجد أحد سوي أبّيكَ الذى يستطيع أَنْ يَساويك فى الحب، لا أحد سوي أنا، الذي بروحِي, روح الحبِّ، مُمْكِنُ أَنْ أمجدك وأحبَّك لتضحيتِكَ فى تلك الليلِة. لقد وَصلتَ يا أبني الحبيب الذي أُريحُ فيه كُلّ إحساني إلى سكرة الموتِ بالاستمرار فى المعاناةِ التى بغاية المرارةِ في البستان. لقَدْ بلغت بحدود منزلتك الإنسانية إلى كل وأصدق ألم يستطيع القلبِ الإنسانيِ أن يناله: أن تتألم من أجل الإهانات التى تُرتكب ضدي، بل أن تتألم من أجلهم بأنقى وأقوي حبِّ فيك. لقد وَصلتَ للحدَّ الذى تستطيع من خلاله أَنْ تنال الإنسانيةِ فداءاً كاملاً. لقد انتزعت يا أبني الحبيب بعرق دموي، لَيسَ فقط نفوس أخوتِكِ، بل أنتزعت ما هو أعظم، لقد انتزع منك أيها الإنسان مجدك الشخصي, مجدك الذي يَجِبُ أَنْ يسمو بك، متساوياً مَعي، لتكون إله مثله. لقَدْ جذبت منى العدل الأكثر كمالاً، والحبّ الأكثر كمالاً. في الوَقت الذى كانوا يشكّلون فيه نفاية العالمِ، وأنت أصبحتَ كذلك من خلال قبولِكَ الاختياري والحرِّ. أنك الآن، بين الكلّ، إكرامي ومجدي وبهجتي. أنت لم تكن مُذنباً أمامي، لَيسَ أنت. أنك دائماً أبني الحبيبَ، الذي وَضعتُ فيه مسرتى. أنت لم تكن النفاية لأني رغم كل ذلك رَأيتُك كما كُنْتَ دائماً: نوري، كلمتي، ذلك هو أنا بذاتي. أبني، يا من ارتعدت واستسلمت من أجل كرامتي، لتستحق أنّ يُعلنُك أبّيكَ للعالمِ، إلى ذلك العالمِ الأعمى، الذي يَجْرحُنا على الرغم من حبنا العظيم له! آه يا أبني الحبيب، أنى أَراك وسَأَراك دائماً في ليلِة مرارتِكَ تلك، وأنت دائماً في فكريِ! بسبب حبِّكَ أَنا تصَالَحت إلى الخليقة ومع الخليقة. أنك لم تَستطيعُ أَنْ تَرْفعَ وجهَكَ نحوي؛ لقد كان مغطى بالكامل بذنوبهم. الآن، لأجل مسرتك، أَجْعلُهم يَرْفعونَ وجوهَهم إلينا لكي مِن قِبل لَمْحَة من ضيائكِ، يظلون أسرى حبِّنا. الآن يا أبني الحبيب دائماً، سأفعْلُ ما أخبرتُك به آنذاك في ظِلال جَثْسَيْمَانِي ، وهي سَتكُون أشياءَ عظيمةَ لمَنْحك المسرة والإكرام . الآن يا أبني الحبيب دوما، سأفعَْلُ ما أخبرتُك به آنذاك في ظِلالِ جَثْسَيْمَانِي، وهي سَتَكُون أمور عظيمةَ لإعطائك المسرة والإكرام . عندما انتهت رؤى الألم، شعرت بوجه يسوع كوجه إنسان على حافة الموت؛ اختفت الملائكة، وأصبح العرق الدّموي أكثر غزارة، حتى إنى رأيته قد نقع على ردائه. سادت الظلمة كُل المغارة، عندئذ نظرت ملاكاً ينزل إلى يسوع. هذا الملاك كان من قامة أعلى من أي ملاك رأيته من قبل، وشكله كان أيضاً أكثر وضوحاً وأكثر شبهاً بالإنسان. لقد كان مكتسياً ككاهن في كساء طويل، ويحمل أمامه، في يديه، أناء صغيراً، في الشّكل تشبه الكأس المستعملة في العشاء الأخير. على قمة هذا الكأس، كان هناك جسم بيضاوي صغير، وكان ينتشر منه ضوء محمّر. مد الملاك يدّه اليمنى للأمام إلى يسوع دون أن يمسّ الأرض بقدميه، نهض يسوع عندما وضع الملاك الطّعام الغامض في فمه وأعطاه ليشرب من الكأس المضيء. ثم اختفى. بعد ما قبل يسوع كأس آلامه بحريته، ونال قوة جديدة، ظل في الكهف لبضع دقائق، مستغرقاً في تّأمل هادئ، ومُعيد الشكر لأبيه السّماوي. كان ما زال في حزن روح عميق، لكنه هادئ على نحو خارق لدرجة أنه كان قادراً على الذهاب إلى تلاميذه دون أن يترنّح بينما يسير، أو ينحني تحت ثقل آلامه. طلعته كانت ما زالت شاحبة ومتبدلة، لكن خطاه كانت قويّة وراسخة. لقد مسح وجهه ورتّب شعره الذي انسدل على كتفيه المُبللتين بالدّم. عندما جاء يسوع إلى تلاميذه، كانوا مُستندين على سور، نائمين، ورؤوسهم مُغطاة. قال لهم إلهنا أنه ليس هناك وقت للنّوم، بل يجب أن ينهضوا ويصلّوا : " انظروا ها قد قربت السّاعة، وابن الإنسان سيسلم في أيادي الخطاة قوموا، فلنذهب، انظروا ها هو قد أقترب الذى سيسلمني. لقد كان الأفضل لذلك الإنسان أن لم يكن ولد. " نهض التلاميذ مذعورين، ونظروا حولهم بقلق. عندما استعادوا أنفسهم إلى حد ما، قال بطرس بانفعال : " إلهى، سأدعو الآخرين، حتى نحميك " لكن يسوع أشار إلى الوادي، على الجانب الآخر من البستان، إلى فرقة من الرّجال المسلّحين، الذين كانوا يتقدّمون بالمشاعل، وقال إنّ واحداً منهم قد خانه. لقد تكلّم بهدوء، حثّهم أن يواسوا أمه، وقال: " فلنذهب لنلاقيهم, أنى سأسلّم نفسي بلا مقاومة في أيادي أعدائي. " حينئذ ترك بستان الزّيتون مع التلاميذ الثّلاثة، وذهب ليقابل الجنود على الطّريق الذي يقود من بستان الزيتون إلى جَثْسَيْمَانِي . عندما استعادت العذراء المباركة إحساسها، تحت عناية المجدلية وسالومة، قادها أحد التلاميذ، عندما رأي الجنود يقتربون، للرجوع إلى دار مريم أمّ مرقص. سلك الجنود طريق أقصر من الطريق الذي سلكه يسوع عندما ترك علية صهيون . المغارة التى صلى فيها يسوع فى هذا اليوم لم تكن المغارة التى كان معتاد أن يصلّى فيها على جبل الزيتون. إنه عادة ما يذهب لموضع أبعد، حيث صلى يوما ما بحزن روح عظيم بذراعين ممدودتين ومتكئاً على صخرة بعد ما لعن شّجرة التين الغير مثمرة. |
||||
|