05 - 11 - 2012, 04:10 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: أنجيل مرقس ( شرح أية أية )
الأصحاح التاسع 1 وَقَالَ لَهُمُ:«الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ». 2 وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ وَحْدَهُمْ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، 3 وَصَارَتْ ثِيَابُهُ تَلْمَعُ بَيْضَاءَ جِدًّا كَالثَّلْجِ، لاَ يَقْدِرُ قَصَّارٌ عَلَى الأَرْضِ أَنْ يُبَيِّضَ مِثْلَ ذلِكَ. 4 وَظَهَرَ لَهُمْ إِيلِيَّا مَعَ مُوسَى، وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ مَعَ يَسُوعَ. 5 فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقولُ لِيَسُوعَ:«يَا سَيِّدِي، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً، وَلِمُوسَى وَاحِدَةً، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً». 6 لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ إِذْ كَانُوا مُرْتَعِبِينَ. 7 وَكَانَتْ سَحَابَةٌ تُظَلِّلُهُمْ. فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً:«هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ. لَهُ اسْمَعُوا». 8 فَنَظَرُوا حَوْلَهُمْ بَغْتَةً وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا غَيْرَ يَسُوعَ وَحْدَهُ مَعَهُمْ. 9 وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ الْجَبَلِ، أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يُحَدِّثُوا أَحَدًا بِمَا أَبْصَرُوا، إِلاَّ مَتَى قَامَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ الأَمْوَاتِ. 10 فَحَفِظُوا الْكَلِمَةَ لأَنْفُسِهِمْ يَتَسَاءَلُونَ:«مَا هُوَ الْقِيَامُ مِنَ الأَمْوَاتِ؟» 11 فَسَأَلُوهُ قَائِليِنَ:«لِمَاذَا يَقُولُ الْكَتَبَةُ: إِنَّ إِيلِيَّا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلاً؟» 12 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:«إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَوَّلاً وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْءٍ. وَكَيْفَ هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِ ابْنِ الإِنْسَانِ أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا وَيُرْذَلَ. 13 لكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ إِيلِيَّا أَيْضًا قَدْ أَتَى، وَعَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ». (عدد 1-13). ثم أن الرب وجد الفرصة مُلائمة لإعلان مجدهِ الشخصي، وأن يُوطد إيمان التلاميذ ويُبين أن حضورهُ بالنعمة كمسيا في وسط إسرائيل كان مزمعًا أن ينتهي، وأن مجد ابن الإنسان الجديد ومجد خاصتهِ كان مزمعًا أن يتولى ويسود، على أن الضرورة تقضي بالانتظار حينًا حتى يجمع كل شُركائهِ في الميراث معًا. وقال لهم: «الحق أقول لكم أن من القيام ههنا قوم لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة». ثم بعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم إلى جبلٍ عالٍ مُنفردين وحدهم وتغيرَّت هيئتهُ قدامهم وصارت ثيابهِ تلمع بيضاء جدًا كالثلج… الخ. فكان بطرس ويعقوب ويوحنا القوم الذين أشار إليهم الرب أنهم لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة والتجلي هو إتيان ملكوت الله بقوةٍ. ولنا على ذلك شهادة بطرس الرسول نفسهُ إذ قال: «لأننا لم نتبع خرافات مُصنَّعة إذ عرَّفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئهِ، بل قد كنا معاينين عظمتهُ؛ لأنهُ أخذ من الآب كرامةً ومجدًا إذ أقبل عليهِ صوت كهذا من المجد الأسنى هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سُررت بهِ، ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلاً من السماء إذ كنا معهُ في الجبل المقدس» (بطرس الثانية 16:1-18). فهذه هي كلمات الرسول حين قصَّ ما حدث لهُ رأى ذلك المشهد العجيب على جبل التجلي. فنتعلم من هذه الحادثة ما هو ذلك الملكوت المتعلق بظهورهِ على الأرض؛ لأنهم كانوا حينئذٍ على الأرض لا في السماء، أما السحابة اللامعة التي دخلوا فيها وأتى منها صوت الله فإنما هي كناية عن مسكن الله، ويجب أن نُلاحظ أن الرب قد أشار إلى حادثة التجلي العتيد أن يحصل. بمرأى البعض لم يذكر مجيئهِ بمجد أبيهِ مع الملائكة القديسين، بل قال: «حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوةٍ». ثم نرى أن الملكوت إنما أتى بقوة لنظر أولئك الثلاثة فقط ليس للعالم ولا لباقي التلاميذ، ثم جعلهُ الموت حدَّا لرؤيتهم التجلي لا يقتضي مرور زمان طويل؛ لأن الموت يُنظر إليهِ في الكتاب كقريب جدًا. فيا لها من امتيازات وعطايا يتمتع بها الإنسان المائت الأثيم! بأن يسمح له بالتفرُّس بابن الله في المجد وأن الله في المجد، وأن يظهر معهُ مُمجدًا على الأرض، وأن يكون رفيقهُ ويتحادث معهُ وينال الشهادة بأنهُ قد أحب كمحبة الابن، وأن يكون معهُ ومثلهُ كإنسان في كل شيء لأجل مجدهِ الخاص. فما ذلك إلا بينة عجيبة على قيمة الفداء الذي أكملهُ. فكلما ازددنا قربًا منه اضطرمت عبادتنا فأن نكون معهُ كما سنكون في بيت أبينا. إن مشورة الله الأزلية قد شاءت أن نكون مع المسيح آدم الثاني والأخير، وأن نشترك معهُ في المجد وقد قدر علينا أن نكون مُشابهين صورة ابنهِ ليكون هو بكرًا بين أخوة كثيرين. فلهذه الغاية صار إنسانًا ليكون المقدس والمُقدَّسين جميعهم من واحد؛ لكيلا يستحي أن يدعوهم أخوة. لا جُرم أن الأفضل لنا جدًا أن نكون رُفقاء يسوع في بيت الآب من أن نكون شُركاء ميراث مجدهِ لدى العالم، غير أن كِلا الأمرين ساميان وعجيبان لنا نحن الأثمة البائسون. فإيليا وموسى هما الآن في المجد نفسهِ ونحن سنكون مثلهُ عند ظهورهِ. على أن الله لابد أن يُحافظ على مجد المسيح الشخصي في كل الأحوال، فلما طلب بطرس أن يصنع ثلاث مظال وأن يعامل المسيح وموسى وإيليا رجال التاريخ الإسرائيلي العظام معاملة واحدة فموسى وإيليا غابا عن الأبصار على الفور واعترف الآب بيسوع كابنهِ الحبيب. فلصوتهِ يجب أن نسمع، فكل ما قالهُ موسى وإيليا إنما هو الحق وكلمة الله وبواسطتهما نعرف أفكار الله، ولكنهما قد أديا الشهادة ليسوع لا لنفسيهما. فلا نتعلَّم مشيئة الله كل العلم إلا منهُ وحدهُ. فإنهُ هو الحق نفسهُ والنعمة والحق بهِ صارا. فإن موت المسيح وقيامتهِ وفداءهِ الكامل وضعت الإنسان في مركز جديد ومقامٍ سامٍ. فالمؤمنون الذين عاشوا قبل إتيان السيد آمنوا بالمواعيد والنبوات المُنذرة بقدومهِ وقبلوها بالإيمان فغفرت خطاياهم المُرتكبة أثناء إمهال الله وصبرهِ، وقد عمل ذلك الله بالنظر إلى العمل الذي كان مزمعًا أن يُكملهُ فيما بعد؛ لأن أساس عملهِ لم يظهر حتى بعد موت المسيح، أما الآن فقد أُعلن بر الله وظهرت قوة الحياة الإلهية بقيامة يسوع المسيح. فأصبحت نسبنا مع الله نسبة جديدة وتمزَّق الحجاب فتيسر لنا الدخول إلى قدس الأقداس، وقد ظهر بر الله بدون الناموس مشهودًا لهُ من الناموس والأنبياء. هوذا موسى وإيليا ظاهران في المجد، غير أن المجد الذي ظهرا بهِ ليس من أثمار الناموس ولا النبوة، بل من نتائج عمل المسيح ولا يستطيع الإنسان أن يفوز بهِ إلا في حال القيامة. فإذًا قيامة المسيح ضرورية جدًا؛ لأنها قوة الحياة وراء الموت وبينة على أن الله قَبِلَ موت المسيح للتكفير عن الخطية. فالمجد الذي حصلهُ المسيح ابن الله للمؤمنين بذبيحتهِ، إنما هو متعلقات عالم آخر، على أنهُ كان يجب أن يكمل في هذا العالم. إذًا لا يختص هذا المجد إلا بالحال التي دخل فيها المسيح آدم الثاني بالقيامة وقد تأسست على الفداء الكامل. فهذه الحادثة وإن كانت مما تُقوي إيمان أعمدة الكنيسة الثلاثة المشار إليهم وتزيد فهمهم وإدراكهم، فقد حُتم عليهم أن لا يعلنوها قبل القيامة. فنهى يسوع التلاميذ عن أن يذيعوا شيئًا مما رأُوهُ حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات. فتأملوا بما قيل: فحفظوا الكلمة لأنفسهم، يتساءلون ما هو القيام من الأموات؟ فهذا مما يُزيد مسألة القيامة وضوحًا، فإن يسوع نهض وحدهُ من بين الأموات وترك سائر الناس في القبور. فقيامتهُ برهان على أن إله البر قَبِلَ ذبيحتهُ وفداءهُ كترضية كاملة قاطعة لبرّهِ وقداستهِ. وأنهُُ يقبل كل مَنْ آمن بهِ بحسب قيمة تلك الذبيحة. ثم أن قيامة الأبرار تتم؛ لأن الله ارتضى بهم كل الارتضاء بواسطة عمل المسيح، فهؤلاء وحدهم يقومون عند إتيان السيد ليكونوا معهُ إلى الأبد. ولا يُخفى أن التلاميذ جميعهم آمنوا بأن الأموات سيُقامون؛ لأنهم تعلموا ذلك من الفريسيين فلم يكونوا مثل الصدوقيين، بل آمنوا أن اليهود جميعهم يقومون معًا. فمن ثمَّ لم يفهموا معنى القيامة من بين الأموات التي تفصل الأخبار عن الأشرار وتترك الفئة الأخيرة زمانًا في القبور. فالمسيح إنما هو باكورة قيامة القديسين لا الأشرار. والذين للمسيح سيقومون في مجيئهِ وسيتغير جسد تواضعهم إلى شبه جسدهِ المجيد، على أنهُ يوجد كثيرون من المسيحيين كالتلاميذ لا يفهمون كلام الرب في شأن القيامة من بين الأموات وإيمانهم كإيمان الفريسيين، فإنهم يعتقدون حقيقةً بوجود قيامة كما اعتقدت مرثا بأن الجميع سيقومون في اليوم الأخير. فالفرق الوحيد إنما هو أن مرثا واليهود اعتقدوا بقيامة الإسرائيليين فقط وهؤلاء المسيحيون يذهبون، إلى أن الأبرار والأشرار يقومون معًا. لا جرم أن الجميع سيقومون، ولكن الإيمان الحقيقي بالمسيح يجعل الفرق بيننا. فإن الغير المؤمن يبقى في خطاياه وينهض للدينونة، أما المؤمن الحقيقي فينهض لقيامة الحياة ويقوم في المجد كما ورد في (كورنثوس الأولى 42:15-44). فحين يأتي السيد يُغير جسد تواضعنا إلى شبه جسدهِ المجيد. فالمسيح هو باكورة القيامة، ولكن لا قيامة الأشرار فلا نرى قط في كل فصول الكلمة الإلهية قيامة عامة للصالحين والأشرار، بل نرى في (لوقا 14:14) قيامة الأبرار مذكورة، وفي أصحاح (35:20) يُقال: «ولكن حُسبوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات». وذلك يُطابق ما قيل في (كورنثوس الأولى أصحاح 15): «كل واحد في رُتبتهِ المسيح باكورة ثم الذين للمسيح في مجيئهِ». وهكذا ورد في (تسالونيكي الأولى أصحاح 16:4): «والأموات في المسيح سيقومون أولاً». فالبعض يقتبسون الآيات الواردة في (مَتَّى 31:25-46) إثباتًا لاعتقادهم بقيامة عامة، غير أن المسألة في هذه العبارة لا تعلُّق لها بالقيامة ولا بالأجساد المُقامة والدينونة المذكورة فليست بدينونة عامة، بل دينونة الأُمم على الأرض أولئك الذين ستُرسل لهم بشارة أبدية، كما نرى في (رؤيا 6:14) فلا تُذكر في هذا الأصحاح فئتان من الناس فقط، بل ثُلث وهي الغنم والجداء وأخوة الديان. فمبدأ الدينونة هنا ليس بمبدأ دينونة عامة بحيث أن القضاء يجري بحسب الكيفية التي قبلوا بها أخوة الديان واعتبروهم حينما يُنادون بالبشارة الأبدية، أما مبادئ دينونة الأُمم العامة فمُفسرة في (رومية 4:2-11) وهي تختلف كل الاختلاف عما ورد في (مَتَّىَ 25) وبالحقيقة المؤمنون لا يأتون إلى الدينونة، كما قال الرب في إنجيل (يوحنا 24:5): «الحق الحق أقول لكم مَنْ يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فلهُ حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة». لا جرم أننا سنقف أمام كرسي المسيح وكل واحد سيُعطي عن نفسهِ حسابًا لله. ولكن حين يقف المؤمنون لدى كرسي المسيح يكونون قد تمجدوا ونهضوا في المجد وتحولوا إلى شبه جسد المسيح بحسب كونهِ إنسانًا. فحين يظهر نكون مثلهُ، فلأجل ذلك كل مَنْ عندهُ هذا الرجاء بهِ يُطهر نفسهُ كما هو طاهر، يعني يقيننا الشديد بأن لا شيء من الدينونة علينا وبأننا سنظهر مع المسيح في المجد هو القانون لسلوكنا الآن بالتقوى وبهِ نُطهر أنفسنا عمليًّا. إن مجيء المسيح الأول قد نزع الخطية بحسّب تعلُّقها مع الدينونة، ولكنهُ سيظهر ثانية للخلاص الكامل وليقبل المؤمنين لنفسهِ ويُمجدهم. على أن أرواحهم معهُ في السماء تنتظر تلك الساعة، أما قيامة أجسادهم فتتم حين إيابهِ وحينئذ نكون كلنا مع الرب إلى الأبد. فحين نتمجد سنُعطي حسابًا عن كل شيء وسنعرف كما عُرفنا. فهذه القيامة من الأموات التي ننتظرها. فعرض للتلاميذ صعوبة في فهم القضية التي تكلم عنها الكتبة وهي وجوب إتيان إيليا قبل المسيح؛ لأن الكتبة كانوا لا يزالون أصحاب نفوذ وسطوة على التلاميذ. وبالحقيقة كانت تلك النبوة مُدرجة في سفر ملاخي ولا بد من إتمامها قبل إتيان السيد بالمجد كيفما كان أسلوب ذلك الأكمل، ولكنهُ أتى أولاً في حال وضيعة فكأنهُ كان مُستترًا بالنظر لمجدهِ الخارجي فقد دخل من الباب كراعي الخراف، وذلك لكي يرى القوم بالإيمان من خلال سحابة مركزهِ الوضيع ومن حياتهِ اليومية ويُميزوا أنهُ هو مسيا إسرائيل الموعود بهِ محبة الله نفسهِ وقوتهِ ويُشاهدوا أنفسهم في حضرة قداستهِ. أما اليهود فكانوا متأهبين الترحيب بمسيا يُحررهم من النير الروماني، غير أن حضرة الله أم لا يحتملهُ الإنسان حتى وإن كان قد ظهر بين البشر بالجودة والصلاح. وقد أشار الرب إلى مجيئهِ المُزمع بقولهِ في (مَتَّىَ 23:10): «لأني أقول لكم أنكم لا تكملون مُدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان، ولكنهُ قد ظهر الآن في حال وضيعة. وقد جُعل أدنى من الملائكة لتجرعهِ كأس الموت (أي لكي يستطيع أن يتألم)». وعلى هذا المنوال أتى يوحنا المعمدان أيضًا بروح إيليا وقوتهِ كما ورد في (إشعياء 3:4؛ ملاخي 5:3، 6) لكي يُهيئ طريق الرب، فلذلك أجاب السيد بقوله:ِ أن إيليا لا بد أن يأتي. وبجوابهِ صادق على تعليم الكتبة بما قالوا في شأن هذا الموضوع، ولكن كان لا بد أن يتألم ابن الإنسان ويُرذل. ولكني أقول لكم: «أن إيليا قد أتى وعملوا بهِ كل ما أرادوا كما هو مكتوب عنهُ. وكانوا مُزمعين أن يعملوا كذلك مع ابن الإنسان أيضًا». 14 وَلَمَّا جَاءَ إِلَى التَّلاَمِيذِ رَأَى جَمْعًا كَثِيرًا حَوْلَهُمْ وَكَتَبَةً يُحَاوِرُونَهُمْ. 15 وَلِلْوَقْتِ كُلُّ الْجَمْعِ لَمَّا رَأَوْهُ تَحَيَّرُوا، وَرَكَضُوا وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ. 16 فَسَأَلَ الْكَتَبَةَ:«بِمَاذَا تُحَاوِرُونَهُمْ؟» 17 فَأَجَابَ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمْعِ وَقَالَ :«يَا مُعَلِّمُ، قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكَ ابْنِي بِهِ رُوحٌ أَخْرَسُ، 18 وَحَيْثُمَا أَدْرَكَهُ يُمَزِّقْهُ فَيُزْبِدُ وَيَصِرُّ بِأَسْنَانِهِ وَيَيْبَسُ. فَقُلْتُ لِتَلاَمِيذِكَ أَنْ يُخْرِجُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا». 19 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:«أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمُوهُ إِلَيَّ!». 20 فَقَدَّمُوهُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا رَآهُ لِلْوَقْتِ صَرَعَهُ الرُّوحُ، فَوَقَعَ عَلَى الأَرْضِ يَتَمَرَّغُ وَيُزْبِدُ. 21 فَسَأَلَ أَبَاهُ:«كَمْ مِنَ الزَّمَانِ مُنْذُ أَصَابَهُ هذَا؟» فَقَالَ: «مُنْذُ صِبَاهُ. 22 وَكَثِيرًا مَا أَلْقَاهُ فِي النَّارِ وَفِي الْمَاءِ لِيُهْلِكَهُ. لكِنْ إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ شَيْئًا فَتَحَنَّنْ عَلَيْنَا وَأَعِنَّا». 23 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُؤْمِنَ. كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ». 24 فَلِلْوَقْتِ صَرَخَ أَبُو الْوَلَدِ بِدُمُوعٍ وَقَالَ:«أُومِنُ يَا سَيِّدُ، فَأَعِنْ عَدَمَ إِيمَانِي». 25 فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ الْجَمْعَ يَتَرَاكَضُونَ، انْتَهَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ قَائِلاً لَهُ:«أَيُّهَا الرُّوحُ الأَخْرَسُ الأَصَمُّ، أَنَا آمُرُكَ: اخْرُجْ مِنْهُ وَلاَ تَدْخُلْهُ أَيْضًا!» 26 فَصَرَخَ وَصَرَعَهُ شَدِيدًا وَخَرَجَ. فَصَارَ كَمَيْتٍ، حَتَّى قَالَ كَثِيرُونَ: «إِنَّهُ مَاتَ!». 27 فَأَمْسَكَهُ يَسُوعُ بِيَدِهِ وَأَقَامَهُ، فَقَامَ. 28 وَلَمَّا دَخَلَ بَيْتًا سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ عَلَى انْفِرَادٍ:«لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟» 29 فَقَالَ لَهُمْ:«هذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ». (عدد 14-29). أما السيد وإن كان قد ظهر بالمجد لدى أبصار التلاميذ في التجلي فقد اهتمَّ الآن بشفاء العالم الساقط، ذلك تُمثلهُ الحادثة المذكورة تمثيلاً جديرًا بالالتفاف وتدل على صبرهِ العجيب وعلى أفكار الله السامية، فإنه حين انحدر من الجبل رأى جمهورًا عظيمًا والكتبة يتحاورون مع تلاميذهِ، فهذه حقيقة مباركة يليق بنا التأمل بها وهي أن الرب ابن الله الذي سوف يظهر في المجد ونكون معهُ ما فتئ ينحدر إلى هذا العالم كما يفعل الآن بروحهِ ويُلاقي الجمهور ويُصادم قوة الشيطان لأجلنا. ثم يليق بنا أن نُمعن النظر بهذه الحقيقة أيضًا وهي أنهُ يتكلم مع تلاميذهِ بالوداد التام كما كان يتكلم مع موسى وإيليا. فيا لعظمة نعمتهِ! غير أن إجراء هذه النعمة مما يُبين مقامهُ وحال الإنسان وحال تلاميذهِ. فإن والدًا بائسًا لجأ إليهِ طالبًا الشفاء لولدهِ المُصاب المُتألم من روح أخرس (أي روح ردي قد استولى على الولد ومن جُملة أعمالهِ معهُ ربط لسانهِ)، وقال ليسوع بأنهُ أحضرهُ إلى تلاميذهِ فلم يستطيعوا إخراج الروح النجس، فهذه هي حالتهم فلم يُصادف السيد عدم الإيمان فقط، بل أن القوة الإلهية وإن كانت قد حلَّت على الأرض لم يعلم الناس حتى المؤمنون كيف يستخدمونها وينتفعون بها. فإنهُ لهُ المجد يجترح المُعجزات، غير أن الإنسان لم يعلم كيف ينتفع بها أو يستخدمها بالإيمان. فقد كان جيلاً عديم الإيمان فلم يستطع الرب البقاء هنالك، فقد غادر ذلك المكان ليس بسبب قوة الشيطان وحضورهِ؛ لأنهُ إنما انحدر لهذه الغاية أي لأبطال تلك القوة، بل حين لم تعلم خاصتهُ كيف تنتفع من القوة والبركة اللتين أتى بهما إلى العالم ووضعهما في ما بينهم كان لا بد من وشك انقضاء ذلك النظام الممتاز بهذه العطايا، فذلك ناشئ لا من وجود عدم الإيمان في العالم؛ بل لأن خاصتهُ هم لم يستطيعوا إدراك القوة الموهوبة لهم. فترتب على ذلك سقوط شهادة الله وانهدامها بدلاً من توطدها وتشييدها؛ لأن إتباعهم هذه الشهادة لاقوا قوة العدو ولم يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا، فكانت قوة العدو فاقت قوتهم. فقال الرب: «أيها الجيل العديم الإيمان إلى مَتَىَ أكون معكم إلى مَتَىَ أحتملكم؟». فإن خدمتهُ على الأرض كانت قد انقضت، ولكن انظروا صبر الرب وصلاحهُ فلا يستطيع أن يُنكر نفسهُ، فكان يعمل في كل مدة وجودهِ هنا على الأرض بحسب قوتهِ ونعمتهِ رغمًا عن عدم إيمان خاصتهِ. ثم ختم الجملة التي وبخهم بها بهذه العبارة: «قدْموهُ إليَّ». نعم كان إيمان ذلك الوالد المسكين ضعيفًا جدًا، ولكن الرب لم يرفض طلبتهُ لقلة إيمانهِ، فإن الإيمان مهما كان قليلاً لا يتركهُ السيد بدون جواب. فما أعظم التعزية الناشئة من ذلك! وهي أن القليل الإيمان إذا وافى إلى المسيح بحاجتهِ الحقيقية وإيمانهِ البسيط وجد قلبهُ متأهبًا لا محالة لإسعافهِ وقوَّتهُ كافية لشفائهِ، بل إذا وُجدت نفس واحدة لها إيمان بجودة الرب يسوع وسلطانهِ فازت بقضاء حاجتها ونالت أمانيها. فربما كانت الكنيسة في حال الخراب والانحطاط كما كان إسرائيل قديمًا، غير أن رأسها كافٍ لقضاء كل أمر فهو يعلم حال خاصتهِ ولا يتأخر عن سد حاجات شعبهِ. أما ذلك الصبي فكان في حال خطرة وكان الشيطان قد حلَّ فيهِ منذ طفوليتهِ، وكان إيمان الأب ضعيفًا، ولكنهُ كان حقيقيًا فقال ليسوع: «إذا كنت تستطيع شيئًا فتحنن علينا وأعنَّا» فجواب الرب جدير بالاعتبار فقال لهُ: «إذا كنت تستطيع أن تؤمن فكل شيء مُستطاع للمؤمن». فإن القوة تتحد مع الإيمان فالصعوبة ليست من جهة قوَّة المسيح لن تفرغ قط ولا تعجز عن القيام بكل ما هو لخير الإنسان، لكن وا أسفاه! ربما أعوزنا الإيمان للانتفاع بتلك القوة، غير أن الرب مُفعم من الصلاح. فقال ذلك الوالد البائس بدموع: «إني أُومن فأعِن عدم إيماني» تلك كلمات مُخلصة خارجة من قلب مُتأثر قد حرك فيهِ الرب عواطف الإيمان، غير أن شدَّة قلقهِ على ابنهِ قلَّلت إيمانهُ وأضعفتهُ، بحيث أنهُ كان ينظر إلى الأحوال المُتعبة والصعوبات العظيمة أكثر مما نظر إلى قوة الرب لإزالتها، وكان بطرس عمل هكذا حين نزل من السفينة ليمشي على الماء. ونحن أيضًا نتشبه بهما أوقاتًا كثيرة إذا تراكمت علينا الضيقات ونهتمُّ بها عوضًا عن أن ننظر إلى يد الرب المُقتدرة. أما يسوع فقد جانب كل مظاهرة خارجية بهذا الأمر ولم يهتم إلا بحاجة الأب وابنه،ِ فأمر الروح النجس بسلطان أن يخرج من الغلام ولا يعود إليه أيضًا فخرج منهُ مُظهرًا في الوقت نفسهِ قوتهُ بتمزيق الولد حتى صرعهُ وتركهُ كمائت، ولكنهُ خضع كل الخضوع لسلطة الرب. فهذا لا ريب من المشاهد الجميلة بأن نرى السيد مُنطلقًا للقاء عدم إيمان العالم وخاصتهِ بعد ظهورهِ في المجد على الجبل وأن نُشاهدهُ ذاهبًا لمواجهة أولئك الضعيفي الإيمان المُفتقرين إليهِ وذلك في حضرة عدو ذي قوة عظيمة؛ لأنهُ لا يبتعد عنا في حالٍ كهذه، بل يشترك بأحزاننا ويُشجع إيماننا الضعيف وبكلمة واحدة يطرد كل قوة العدو. فلم تمنعهُ حالهُ المجيدة ولا عدم إيمان العالم الذي رفضهُ من أن يكون ملجأً وعلاجًا لأقل القوم إيمانًا، بل يهتم بنا ويُبالي بأحوالنا ويُعيننا. فالرب وإن كان قد تقلد بالمجد بحسب حقوقهِ الإلهية لا تقل محبتهُ نحو جنسنا الإنساني البائس ولا تنخفض رأفتهُ علينا. ثم أننَّا نرى درسًا آخر مهمًّا في ختام هذه الحادثة وهي أن الإيمان القوي العامل سواء جرت المُعجزات في ذلك الحين أو في خلال الحوادث العظيمة في ملكوت الله يتأيد بشركة وطيدة مع الله وبالصلاة والصوم، فالقلب يخرج من حضرة الله ليطرد قدرة العدو، ولكن قوة الرب ونعمتهُ وإن كانتا عظيمتين لا تستطيعان أن تأتيان بالخلاص الكامل الأبدي بدون موت الرب على الصليب، فذلك عمل خطير للسيد نفسهِ ولا يستطيع عليهِ أحد سواهُ. على أن فهمهُ عسر للقلب الإنساني، ولكنهُ كان لازمًا كل اللزوم لمجد الله وفدائنا. ذلك درس ينبغي أن نتعلمهُ لنسير في سبل الله، وما ذلك إلاَّ عمل الصليب فنتعلم من ذلك درسًا مُفيدًا وهو أن لا بد لنا من حمل الصليب ونرى ذلك في الفصل الآتي. 30 وَخَرَجُوا مِنْ هُنَاكَ وَاجْتَازُوا الْجَلِيلَ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ، 31 لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ تَلاَمِيذَهُ وَيَقُولُ لَهُمْ:«إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ. وَبَعْدَ أَنْ يُقْتَلَ يَقُومُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ». 32 وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا الْقَوْلَ، وَخَافُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ. (عدد 30-32). أما الآن فبعد أن أعلن الرب مجدهُ المزمع ومجد الملكوت، وبعد أن أُظهر قوتهُ وجودتهُ الكاملة رغمًا عن عدم إيمان العالم، وبعد أن انطلق عقب رفض العالم إياهُ أخذ تلاميذهُ على انفراد وهو مجتاز في الجليل وشرع يُفهمهم أن ابن الإنسان يجب أن يُسلَّم إلى أيدي البشر فيقتلونهُ. وهو يُلقب نفسهُ بابن الإنسان؛ لأنهُ لا يستطيع بعد البقاء على الأرض بصفة مسيَّا الموعود بهِ، لكنه لابد أن يُتمم عمل الفداء. وأنهُ بعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث. ثم بعد إتمام عمل الفداء وإبداء الخليقة الجديدة بقيامة المسيح يصير مقام جديد لنا بموجب اقتراننا معهُ على هذه الحالة، وهو مقام أفضل وأسمى جدًا مما كان آدم فيهِ قبل سقوطهِ. فإنهُ كان كمخلوق حائزًا على بركات طبيعية إنما امتحن الله أمانتهُ فوجدها ساقطة. لا جُرم أن الخاطئ ليس هو في مقام المفديين، أما في آدم فجميع الأشياء تعلقت على مسئوليتهِ، وأما المسيح الإنسان الجديد الناهض من الأموات فقد أُمتحن كل الامتحان مدة إقامتهِ في هذا العالم فوجد كاملاً، وقد أُختبر حتى الموت فمجد الله تمجيدًا. فإنهُ حمل خطايانا ومحاها إلى الأبد. فقد خضع للموت، لكنهُ انتصر عليهِ وخرج منهُ ظافرًا، وكابد ضربة القضاء الإلهي على الخطية. فقد استخدم الشيطان قوتهُ كلها في موت يسوع بحسب كونهِ إله هذا العالم على أنهُ لم يكن ممكنًا أن يضبط منه، بل قام الرب من الأموات بعد احتمالهِ التجربة التي أسلم نفسهُ إليها حبًا بنا وتمجيدًا لله أبيه، فقمنا نحن معهُ بالإيمان والرجاء بفعل روح الله الذي يربطنا مع فادينا المجيد فلم يبقَ لتلك التجارب والآلام من سلطة عليهِ. وكما هو هكذا نحن في العالم فإن مقامهُ وحالهُ الآن هما لنا أيضًا. فقد غلب الموت الذي أخضع آدم نفسهُ لهُ وانتزعت خطايانا لدى الله وأصبحنا بالنظر لضمائرنا مكملين إلى الأبد وبدأت بنا حياة جديدة وسماوية وتهيأ لنا مجد سماوي حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا إذ كان مع الآب قبل تأسيس العالم، ونحن ننتظر قيامة الجسد. غير أن مقام المسيح كإنسان مُمجد إنما هو الثمر الناشئ من كونهِ قد مجد الله كل التمجيد، أما نحن فنشترك بحياتهِ بفعل روح الله ونُقاسمهُ أثمار عملهِ حتى في الوقت الحاضر بالنظر لمركزنا لدى الله. ثم سنُشابههُ في المجد كل المشابهة. ولا ريب في أن آدم كان سعيدًا في برارته،ِ غير أن تلك السعادة تعلقت على طاعتهِ. أما مقام يسوع كإنسان فإنما هو ثمر طاعتهِ الكاملة بعد أن أُمتُحِنَتْ حتى تجرَّع كأس الموت واللعنة حين صار خطية لأجلنا. فالحالة الأولى، كانت عرضة للتغير وللخراب الكامل بالسقوط. أما الحالة الثانية، فعديمة التغير؛ لأنها موطدة على عمل يستحيل أن يفقد قوته قوتهُ فقد أصبحنا بهذا الاشتراك بحياة يسوع في نسبة جديدة مع الآب أدخلنا إليها يسوع المسيح؛ لأنهُ قال له المجد بعد قيامتهِ: «إني أصعد إلى أبى وأبيكم، وإلهي وإلهكم». فقد دعتهُ الضرورة إتمامًا لهذه الأشياء كلها أن يجتاز وادي الموت ويحمل الصليب ليشرب الكأس التي أعطاها الآب لهُ. فمن ثمَّ يستدعي التفات تلاميذهُ إلى موضوع الصليب ليُعلَّمهم أن يتوقعوا ذلك لأنفسهم، ولكن ما هو الإنسان وكيف يقبل هذه الحقائق. ذلك نتعلمهُ مما يأتي. 33 وَجَاءَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ. وَإِذْ كَانَ فِي الْبَيْتِ سَأَلَهُمْ:«بِمَاذَا كُنْتُمْ تَتَكَالَمُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فِي الطَّرِيقِ؟» 34 فَسَكَتُوا، لأَنَّهُمْ تَحَاجُّوا فِي الطَّرِيقِ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ فِي مَنْ هُوَ أَعْظَمُ. 35 فَجَلَسَ وَنَادَى الاثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ:«إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ أَوَّلاً فَيَكُونُ آخِرَ الْكُلِّ وَخَادِمًا لِلْكُلِّ». 36 فَأَخَذَ وَلَدًا وَأَقَامَهُ فِي وَسْطِهِمْ ثُمَّ احْتَضَنَهُ وَقَالَ لَهُمْ: 37 «مَنْ قَبِلَ وَاحِدًا مِنْ أَوْلاَدٍ مِثْلَ هذَا بِاسْمِي يَقْبَلُنِي، وَمَنْ قَبِلَنِي فَلَيْسَ يَقْبَلُنِي أَنَا بَلِ الَّذِي أَرْسَلَنِي». (عدد 33-37). إن يسوع كان لم يزل شاعرًا بمجدهٍ حين اعترف بهِ الآب مذ برهة كابنهِ الحبيب وعلم أن هذا المجد نفسهُ جعل الصليب لازمًا كل اللزوم ليأتي بأبناء كثيرين إلى المجد. فتكلم عنهُ مع تلاميذهُ وأكد لهم أن الضرورة تقضي عليهم بحملهِ أيضًا، فان هذا هو السبيل إلى المجد المؤسس على موتهِ، فكان حينئذ قلبهُ مفعمًا من أفكار الآلام المقترنة بالصليب ومن الكأس المزمع أن يتجرَّعها ومن ضرورة فهم تلاميذهُ هذه الحقيقة أي وجوب حملهم الصليب. أما تلاميذهِ فكانت قلوبهم ملآنة من أمور تباين تلك، فإنهم كانوا يُفكرون في مَنْ منهم هو الأعظم. فوا أسفاه! كيف أن قلوبنا عاجزة عن فهم أفكار الله وعن التأمل بمخلّص وضع نفسهُ حتى الموت لأجلنا. على أن روح الله يمُثل لنا هنا ملكوت المسيح المُنتظر من اليهود تمثيلاً يُباين ملكوتهُ السماوي الآخذ في أن يؤسسهُ تأسيسًا مبنيًا على موتهِ المحتوم، غير أن هذه المُقابلة المُتعاكسة تظهر بأشدّ وضوح في قلب الإنسان، فإنهُ يودّ أن يكون عظيمًا في ملكوت مُؤسس حسب مجد الإنسان وقوته ويعتبر من الأمور الحسنة أن يتنازل الله إجراء ذلك. أما الله فيرغب في تعظيم مجدهِ وتوطيدهِ أدبيًّا وخفض مجد الإنسان الباطل ومُلاشاتهِ وكشف حقيقة القلب الإنساني وإعلان محبتهِ وقداستهِ وعدلهِ. ذلك جميعهُ لا يطلبهُ الإنسان ولا يصبو إليهِ، فلما تكلم المسيح عن هذه الحقائق المُقدسة وقلبهُ ملآن من التأمل بها وبالآلام المُتحتم عليهِ مُكابدتها إتمامًا لِما قبل تشاجر تلاميذهُ في مَنْ منهم يكون الأعظم. فيا لانحطاط القلب الإنساني وشقاءهِ! فما أعظم عجزنا وقصورنا عن فهم أفكار الله ، وعن الشعور برقَّة قلب يسوع وأمانتهِ ومقاصدهِ من نحونا! وما هي إلاَّ محبة إلهية تعتلن في قلب الإنسان، فإنهُ كان كإنسان في وسط أُناس لا قدرة أدبية لهم على فهم أفكار الله، غير أن هذا يُمهد السبيل لإعلان أفكارنا المُعاكسة أفكار يسوع مُعاكسةً كاملةً. فليمنحنا الله نعمتهُ لنُخضع الجسد كل الإخضاع حتى يكون الروح القدس ينبوع أفكارنا وكل حركات قلوبنا. على أن الضمير لا يصمت إذا علَّمتنا كلمة الله. فنعلم أن الرغبة في المجد الباطل أمر سيئ في نفسهِ ولا يليق بحضور المسيح فنخجل. فصَمَت التلاميذ؛ لأن ضميرهم كان يتكلم ويُوبخهم. أما الآن فوجه السيد بمحبتهِ وصبرهِ وعنايتهِ لتعليمهم، فجلس ونادى الاثنى عشر، فعلى هذا المنوال يهتم بنا يسوع على الدوام. ثم علَّم مبادئ تفتقر للإيضاح. فالموضوع المُهم أساس أقوالهِ وتعاليمهِ هو أن مجد الملكوت المُزمع قد أُعلن وإن ذلك الإعلان مُقترن بالصليب. وإنهُ يُنهي كل النِسَب بين الله وإسرائيل، بل بينهُ تعالى والإنسان بحسب الجسد ولا يستثنى من ذلك إلاَّ نعمتهُ الإلهية ومبدأ النسبة الجديدة السماوية بالإيمان، غير أن يسوع مسيا الموعود بهِ لإسرائيل الإله الذي ظهر في الجسد الرجاء الأخير للإنسان الحال على الأرض كان قد رُفض فانقطعت العلاقة بين الله والإنسان. أيستطيع أحد أن يطلب مجدًا على أرضٍ شريرة كهذه؟ فما هي إذًا الأخلاق والصفات المُلائمة تلميذ المسيح؟ الجواب: الاتضاع. مَنْ أراد أن يكون أولاً فليكن خادمًا للجميع. ثم أخذ ولدًا وأقامهُ في وسطهم، وقال: «مَنْ قَبِلَ واحدًا من أولاد مثل هذا باسمي يقبلني، ومَنْ قبلني فليس يقبلني أنا بل الذي أرسلني». فاسم المسيح إنما هو محور الدائرة والأمر العظيم الكلي الأهمية بالإيمان. 38 فَأَجَابَهُ يُوحَنَّا قِائِلاً:«يَا مُعَلِّمُ، رَأَيْنَا وَاحِدًا يُخْرِجُ شَيَاطِينَ بِاسْمِكَ وَهُوَ لَيْسَ يَتْبَعُنَا، فَمَنَعْنَاهُ لأَنَّهُ لَيْسَ يَتْبَعُنَا». 39 فَقَالَ يَسُوعُ:«لاَ تَمْنَعُوهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَصْنَعُ قُوَّةً بِاسْمِي وَيَسْتَطِيعُ سَرِيعًا أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ شَرًّا. 40 لأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا. 41 لأَنَّ مَنْ سَقَاكُمْ كَأْسَ مَاءٍ بِاسْمِي لأَنَّكُمْ لِلْمَسِيحِ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ. 42 «وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي، فَخَيْرٌ لَهُ لَوْ طُوِّقَ عُنُقُهُ بِحَجَرِ رَحًى وَطُرِحَ فِي الْبَحْرِ. 43 وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ فَاقْطَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ يَدَانِ وَتَمْضِيَ إِلَى جَهَنَّمَ، إِلَى النَّارِ الَّتِي لاَ تُطْفَأُ. 44 حَيْثُ دُودُهُمْ لاَ يَمُوتُ وَالنَّارُ لاَ تُطْفَأُ. 45 وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْرَجَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ رِجْلاَنِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمَ فِي النَّارِ الَّتِي لاَ تُطْفَأُ. 46 حَيْثُ دُودُهُمْ لاَ يَمُوتُ وَالنَّارُ لاَ تُطْفَأُ. 47 وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ عَيْنَانِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمَ النَّارِ. 48 حَيْثُ دُودُهُمْ لاَ يَمُوتُ وَالنَّارُ لاَ تُطْفَأُ. 49 لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُمَلَّحُ بِنَارٍ، وَكُلَّ ذَبِيحَةٍ تُمَلَّحُ بِمِلْحٍ. 50 اَلْمِلْحُ جَيِّدٌ. وَلكِنْ إِذَا صَارَ الْمِلْحُ بِلاَ مُلُوحَةٍ، فَبِمَاذَا تُصْلِحُونَهُ؟ لِيَكُنْ لَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِلْحٌ، وَسَالِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا». (عدد 38-50). نرى هنا توبيخًا على أمر لم يكن في نفسهِ إلاَّ محبة، وإن كانت ليست من باب اللطف والرقة بل بدت بمظاهر الخداع ولاحت كأن الغاية منها مجد المسيح. فإن المحبة بذاتها ليست بأمر قويم فهي تصبو للمُحافظة على مجد اسم المسيح إذا استطاعت الاقتران بهذا المجد، فقد قال التلاميذ: «رأينا واحدًا يُخرج الشياطين باسمك وهو ليس يتبعنا فمنعناهُ». لاحظوا هنا ضمير المُتكلمين فإنهُ يُنبئ عن محبة الذات تحت ستر المكر والدهاء، على أن ذلك الدهاء أمر مُخطر وخيم العواقب وهو بالحقيقة أصل الغيرة المذهبية التي يمكن أن تحملنا على أن نغار لمجد المسيح وأفكارنا ليست مُخلصة، بل ممزوجة ببعض أشياء لا تُناسب ذلك وإن كان فينا جوهر المحبة. فمن الجهة الواحدة تحب نجاح خدمة الرب، وأما من الأخرى فيسيء علينا نجاحها عن يد مَنْ ليس معروفًا أنهُ معنا. نريد أن النجاح يُحسب لنا ولجماعتنا، كقول التلاميذ: «يا مُعلم رأينا واحدًا يُخرج شياطين باسمك وهو ليس يتبعنا. فمنعناهُ لأنهُ ليس يتبعنا». غير أن جواب الرب يُبين كيف رَفضهُ العالم رفضًا مُطلقًا، فقال: «مَنْ ليس علينا فهو معنا». فإن العالم بأسرهِ كان في حالهِ الطبيعية عدوًّا للمسيح وما زال كذلك، فلا يستطيع أحدٌ صنع المُعجزات باسمهِ ويتكلم عليهِ سوءًا أو يستخف بهِ سريعًا. فاسم المسيح إنما هو الشيء الجوهري للمؤمن الحقيقي فلنحذر من هذه الكلمة السيئة وهي نحن ونحن. ولكن ما أقطع هذه الشهادة على حال الإنسان وعلى عِدوانهِ الداخلي للإله المُعلن بالمسيح، فإن مَنْ ليس عليهِ فهو معهُ!. يعني أن الانفصال بين الله والعالم قد تأكد واتضح إلى هذا المقدار حتى أن كل مَنْ لا يقوم ضد المسيح فهو بالتبعية معهُ؛ لأنهُ لا يمكن لأحد أن يكون على الحيادة. فيترتب على ذلك نتائج خطيرة أولها أن محبة الإنسان للمسيح وإن كانت قليلة وتلُّقهُ بهِ زهيدًا، بل إذا حفظ في قلبهِ ذلك الاسم الطاهر فلا ينساهُ الله ولا يرفضهُ. فما أقطع هذا التمثيل وأفعلهُ للدلالة على صبر المسيح ولطفهِ، حتى وضع نفسهُ واحتمل رفض الإنسان وازدرائه!ِ ومع ذلك لم ينسَ أقل علامة من وداد تابعيهِ ورغبتهم في مجدهِ. ثم نرى في ذلك نتيجة ثانية وهي أن السيد لا يُريد أن يُحتقر ولد صغير ممن يؤمن بهِ، بل يعتبر أولئك الأولاد؛ لأن قلوبهم تعترف باسمهِ وتؤمن بهِ، ومن ثمَّ نرى لهؤلاء قيمة عظيمة لدى الله. فالويل لمَنْ يحتقر ويرذل مثل هؤلاء أو يضع معثرة في سبيلهم فإن الأفضل لذلك الإنسان أن يغرق في لُجة البحر. على أن الأمر بالنظر إليهم يتعلق كل التعلق على أمانة المسيح ولهذا السبب يعوزهم التحرُّر من كل الأشياء التي تفصلهم عن المسيح وتقودهم إلى الخطية وتؤدي إلى ارتداد القلب داخليًا وارتدادهِ الظاهر أيضًا. وعندي أن الله يحفظ خاصتهُ، ولكنهُ لا يحفظهم إلاَّ بحملهم على الطاعة لكلمتهِ. والصغار هنا هم الصغار حقيقةً الذين لهم إيمان بالمسيح. ومن الأمور الواجبة علينا إنما هي إتباع المسيح ولو مهما كلفنا ذلك. فإذا أعثرتنا العين وجب علينا قلعها، أو اليد فُرِض علينا قطعها. والخُلاصة يجب علينا نبذ أثمن الأشياء وأكرمها في هذا السبيل؛ لأن البركات الأبدية مع المسيح أفضل من المُحافظة على اليد اليُمنى والمصير إلى عذاب أبدي، حيث دودهم لا يموت والنار لا تُطفاُ وفضلاً عن ذلك نرى أن الله يضع كل الأشياء تحت الامتحان. كقولهِ: «لأن كل واحد يُملح بنار وكل ذبيحة تُملح بملح». فإن نار دينونتهِ تُطلق على الجميع على القديسين وعلى الأثمة. أما القديسون فتُنقيهم من الأدران والأوساخ في سلوكهم هنا في العالم لكي يتألق الذهب الصافي ببهائهِ الحقيقي، وأما الأثمة فتنصب عليهم نار الله والآلام الأبدية طبقًا لقضائهِ العادل، فهي النار التي لا تُطفأُ. وأما قولهُ: «كل ذبيحة تُملح بملح». فهذا يُشير إلى ما ورد في (اللاويين 13:2) فإن الملح كناية عن قوة الروح القدس ليس لإنشاء النعمة فينا فقط، بل لحفظنا من كل ما هو غير طاهر وإيجاد القداسة في قلب مُتعلق بالله، وذلك الروح يقرننا مع الله اقترانًا حيًّا عمليًّا في جميع تصرُّفاتنا ويجعلنا نتجنب كل ما يُخالف قداستهُ ونتأثر كل ما يُرضيهِ. فيطلب منا إذًا أن نحفظ هذه الحقيقة في قلوبنا وأن يستضئ داخلنا بنور حضرتهِ، وأن نقضي بهذه الواسطة على كل ما هو مكنون في سرائرنا. ثم لاحظوا أيضًا أن المؤمن إنما هو الذبيحة الحقيقية المقدمة لله، كما قال الرسول: «فأطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مقبولة عند الله عبادتكم العقلية» (رومية 1:12). فهنا نرى الذبيحة الحقيقية وما هي إلا العبادة العقلية. فهذه النعمة المقدسة فضلاً عن أنها تحفظنا من كل ما هو شرير ونجس تؤثر في داخلنا بسطوتها الصالحة، فيصبح المسيحي المفعم من هذه القداسة العملية شاهدًا للمسيح في هذا العالم الفاسد. هذه دعوتنا، ولكن إذا كنا لا نحافظ على قداسة السلوك نصبح شهود زور حيث نُشاكل هذا الدهر الرافض سيدنا ويظهر كأن الاتفاق بينهما من الأمور الممكنة، غير أننا نُظهر نفاقنا، كقول الرب: «الملح جيد ولكن إذا صار الملح بلا ملوحة فبماذا تصلحونهُ، ليكن لكم في أنفسكم ملح وسالموا بعضكم بعضًا». فهو يرغب في أن نبذل الجهد لتفوز نفوسنا لدى الله بالقداسة في سلوكنا وسيرتنا وتعتلن كذلك لدى العالم. فينبغي أن نقضي بأنفسنا على كل ما يخفض وضوح هذه الشهادة وطهارتها، وأن نسلك مع الآخرين بالسلام، وأن يسود علينا هذا الروح في نسبتنا وعلاقتنا معهم. |
||||
05 - 11 - 2012, 04:19 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: أنجيل مرقس ( شرح أية أية )
الأصحاح العاشر 1 وَقَامَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى تُخُومِ الْيَهُودِيَّةِ مِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ. فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ أَيْضًا، وَكَعَادَتِهِ كَانَ أَيْضًا يُعَلِّمُهُمْ. 2 فَتَقَدَّمَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَسَأَلُوهُ:«هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ؟» لِيُجَرِّبُوهُ. 3 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:«بِمَاذَا أَوْصَاكُمْ مُوسَى؟» 4 فَقَالُوا:«مُوسَى أَذِنَ أَنْ يُكْتَبَ كِتَابُ طَلاَق، فَتُطَلَّقُ». 5 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ كَتَبَ لَكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةَ، 6 وَلكِنْ مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمَا اللهُ. 7 مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، 8 وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. 9 فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إِنْسَانٌ». 10 ثُمَّ فِي الْبَيْتِ سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا عَنْ ذلِكَ، 11 فَقَالَ لَهُمْ:«مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي عَلَيْهَا. 12 وَإِنْ طَلَّقَتِ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ تَزْنِي». (عدد 1-12). أن تجد تعاليم مهمة في هذا الإصحاح الذي يختم تاريخ حياة المسيح. ففي الأناجيل الثلاثة الأولى نرى الأحوال المتعلقة بموتهِ مبدوءة بشفاء الرجل الأعمى بالقرب من أريحا. ذلك نشاهدهُ في العدد السادس والأربعين من هذا الإصحاح. فالمبدأ الأول الذي نعاينهُ هنا إنما هو فساد كل ما خلقهُ الله على الأرض وخرابهُ ودخول الخطية على العلائق التي وطدها الله وممارسة سطوتها. على ان شريعة موسى نفسها التزمت ان تسمح بأمور تتعلق بحياتنا على الأرض ولا تطابق أفكار الله وأردته. ذلك لأجل قساوة القلب الإنساني ولكن إن كان الله يتأنى على القوم الغير القادرين وهم في هذه الحالة ان يعيشوا معهُ حسب القانون في أمور ليست حسب أرادتهُ ولا حسب العلاقة الكاملة التي وطدها فلا يقضي عليها ولا يكف عن الاعتراف بها بحسب كونها أمورًا قد أسسها منذ البدء. فان ما أسسهُ الله منذ البدء لا يفتأ عن كونهِ صالحًا وهو يحافظ على تلك النسبة ويحامي عنها بسلطانهِ الإلهي. فالخليقة نفسها صالحة غير ان الإنسان قد أفسدها. ومع ذلك لا يكف اله عن الاعتراف بما صنعهُ وبالنسبة التي فطر الإنسان عليها وجعلهُ مكلفًا بالمحافظة على التزاماتهِ. لا جُرم ان الله وإن كان قد أتى بعد موت المسيح بقوة ليست من هذه الخليقة أي الروح القدس فيستطيع الإنسان بهذه القوة ان يحي حياة خارجة عن علاقة الخليقة العتيقة ان دعاهُ الله لذلك غير انهُ من المحتوم عليهِ ان يحترم هذه العلائق حيثما وجدت. فتقدم الفريسيون وسألوا يسوع إذا كان يحلَّ للرجل ان يُطلق امرأتهُ فانتهز الفرصة لبيان هذا الحق وهو ان ما أسسه الله من بدء الخليقة سنَّة لا يمكن إبطالها فقد سمح موسى للرجل بأن يُطلق امرأتهُ إنما كان ذلك من صبر الله على صلابة قلب الإنسان وأرادتهُ. لأن الله أبدع في الخليقة كلما هو حسن وإن كان ضعيفًا. وقد سمح بأشياء أخرى حين سن السنن الوقتية لشعبهِ الداخل في رتبة الإنسان الساقط. غير انهُ أوجد الأمور حين الخليقة على حال أخرى فإنهُ تعالى قد جمع الرجل والمرأة وضمها معًا فليس لإنسان حق بأن يفصلها فهذه العلاقة لا يجب ان تنفك. 13 وَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَوْلاَدًا لِكَيْ يَلْمِسَهُمْ. وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ فَانْتَهَرُوا الَّذِينَ قَدَّمُوهُمْ. 14 فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ ذلِكَ اغْتَاظَ وَقَالَ لَهُمْ:«دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. 15 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ». 16 فَاحْتَضَنَهُمْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ. 17 وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ إِلَى الطَّرِيقِ، رَكَضَ وَاحِدٌ وَجَثَا لَهُ وَسَأَلَهُ:«أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» 18 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ. 19 أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. لاَ تَسْلُبْ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ». 20 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي». 21 فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ:«يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ». 22 فَاغْتَمَّ عَلَى الْقَوْلِ وَمَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ. 23 فَنَظَرَ يَسُوعُ حَوْلَهُ وَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ:«مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!» 24 فَتَحَيَّرَ التَّلاَمِيذُ مِنْ كَلاَمِهِ. فَأَجَابَ يَسُوعُ أَيْضًا وَقَالَ لَهُمْ:«يَا بَنِيَّ، مَا أَعْسَرَ دُخُولَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَى الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ! 25 مُرُورُ جَمَل مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ» 26 فَبُهِتُوا إِلَى الْغَايَةِ قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟» 27 فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ:«عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلكِنْ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ، لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ». (عدد 13-27). ثم أتوهُ بأولاد، فانتهر التلاميذ من أحضرهم. أما يسوع فأغتاظ من ذلك، فأن أصل الخطية، وأن كان مغروسًا في قلوب الأولاد، فهم يمثلون البساطة، والثقة، والخلو من الغش والفساد، الناشئين من معرفة العالم، وانحطاط الطبيعة البشرية، وهم كناية عن بساطة القلب، والطبيعة الغير مُفسدة التي لم تتعلَّم بعدُ عن خداع العالم، فقد شاهد بهم الرب صورة خليقة الله أبيه. أيوجد بالحقيقة شئ صالح في الإنسان؟ لا ريب أن بقايا مبروكات الله إنما توجد في خليقتهِ الطاهرة فهي مكسوة بالجمال، والبهاء، فأن ما يأتي من يد الله كثيرًا ما يكون جميلاً، ويمثل لنا بهاء المبدع، وطهارتهِ. ومن المفروض علينا أن نعترف بذلك كأنهُ صادرٌ منهُ تعالى. فالطبيعة حولنا جميلة؛ لأن الله خلقها، وأن نبت بها العوسج والعلَّيق. بل نجد أحيانًا في صفات الإنسان، وأخلاقه بل في الحيوان أمورًا حسنة محبوبة. غير أن المسألة تتعلق بقلب الإنسان، وأرادته، وما هو عليه نحو الله لا بما هو طبيعي ، ومن أثمار الخليقة. فلا لا يسكن فيهِ شئ صالح، وليس فيهِ عاطفة نحو الله بل بالعكس ينفث ضدهُ العدوان، والتمرد، وقد وضح ذلك برفض المسيح. فهذا هو الدرس الذي نتعلَّمهُ من قصة الشاب المدرجة هنا ذلك الذي ركض، وجثا عند قدمي يسوع، وسألهُ أيها المُعلَّم الصالح: ماذا أفعل لأرث الحياة الأبدية؟ فقد كان ذا أخلاق رضية، وعواطف حسنة متأهبًا للتعلُّم عن طريق الصلاح. وكان قد عاين سمو حياة يسوع، وأعمالهِ فتأثر قلمهُ بما رأى. وكان مفعمًا بحمية الصبا، ولم يكن مفسدًا، ومنحطًا من الانهماك في الرذائل المفسدة للقلب، والأخلاق. وقد حفظ الناموس ظاهرًا، وأعتقد أن يسوع يستطيع أن يعلّمهُ أسمى سُنَن الناموس؛ لأن اليهود أنفسهم ذهبوا إلى أفضلية بعض الوصايا على الأخرى. غير أن ذلك الشاب لم يعرف نفسهُ، ولا الحالة التي كان عليها الإنسان لدى الله بل كان تحت الناموس؛ فأوضح لهُ يسوع الناموس أولاً في منزلة قانون للحياة أعطاهُ الله لبني آدم في مثابة مقياس للبر، والصلاح. فلم يسأل الشاب كيف يستطيع أن يخلص؟ بل كيف يرث الحياة الأبدية؟ فلم يجيبهُ يسوع عن الحياة الأبدية بل لاقاهُ من نفس الباب الذي دخل بهِ. فقد قال الناموس أفعل هذه؛ فتحيا. فصرَّح الشاب بأنهُ حفظ تلك الأشياء منذ حداثتهِ. فلم ينكر عليه السيد ذلك، ولم يحاجَّهُ بهِ بل يُقال: أنهُ نظر إليه، وأحبَّهُ. فنرى بذلك ما يحبهُ المخلص ويرضى بهِ. ولكن ما هي حالة الإنسان الحقيقية؟ فقد كشف الرب النقاب، ووقف الإنسان مجردًا أمام الله، ووقف الله بقداستهِ أمام الإنسان. فأن الأعمال التي يعملها الإنسان شئٌ، وطريق الخلاص شئٌ آخر. فلنتأمل بما يقوله الرب عن حال الإنسان. فالشاب خاطب يسوع لا كابن الله بل كحاخام يهودي أي كمعلم في إسرائيل، ودعاهُ المعلم الصالح، فلم يسلم الرب أن الإنسان صالح. لأنه لا يوجد بار بين البشر كلاَّ ولا واحد فأجابهُ: لماذا تدعوني صالحًا؟ ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله. لا جرم أن المسيح صالح لأنهُ الله، وأن كان صار إنسانًا بمحبتهِ الكاملة للإنسان. ولم ينفك عن اللاهوت بل تجسد بدون الانقطاع عن طبيعتهِ الإلهية بدون استطاعة الانفصال عنها. إنما كان لاهوتهُ مستورًا في الطبيعة الإنسانية أو بالحري مجدهُ وذلك لكي يدانينا. فأن سلطان يسوع الإلهي ومحبتهُ تظهران بأشد وضوح بالإيمان. أما الشاب فوافى يسوع كمُعلَّم إنساني أي كحاخام يهودي. فأجابه: وفقًا لأسلوب سؤالهِ وأيد هذا الحق الخطير، وهو أن لا إنسان صالح بين أبناء آدم الساقط. ذلك مبدأ يذلّ كبرياء الإنسان، ويخفضها، ولكنهُ ذو أهمية عظيمة. فلا نجد بذلك إنسانًا صالحًا حسب الطبيعة، وإن رأينا بعض صفاتهِ باقية على الخليقة الأولى. فأن ما خلقه الله صالحًا، وصرَّح بأنهُ كذلك قد فسد بالسقوط. فالإنسان يذهب في سبيل شهواتهِ، ومصالحهِ، لا في سبيل الله ومجده. فربما جدَّ وراء تلك الأشياء بالوجه الحلال أو الحرام، وفتش عليها في قاذورة الإثم، والمعصية، ولكنهُ لا يرغب إلاَّ في إشباع إرادتهِ الذاتية، وقد شرد عن إلههِ، وتاه عنه، ولا يصبو إلاَّ لإرضاء نفسهِ. فبعد أن عرض الرب على الشاب وصايا الناموس التي إن الإنسان، يحيَ بها، حرضهُ على وصية حملت بولس الرسول على الشعور بما ينشئهُ الناموس في الإنسان الساقط - أعني بذلك الموت – فقال لهُ يعوزك شئ واحد أذهب وبع كل ما لك واتبعني. فنرى بذلك شهوة القلب الذي قد تمزَّق عنهُ الحجاب. فقد جرَّد الرب العارف القلب، والفاحص حالة ذلك الشاب الحقيقية من كل رداه وحجاب بكلمتهِ الفعالة البسيطة. فأصبحت زهور الشجرة البرية عديمة الجدوى، فما أثمارها إلاَّ أثمار قلب منفصل عن الله، والعصارة إنما هي عصارة شجرة مرّة، ورديئة. فقد سادت محبة المال على قلب ذلك الشاب، وإن كانت عواطفهُ الطبيعية قد بدت بمظاهر الخلوص، والأمانة. غير أن محبة الدينار كانت كامنة في أعماق قلبهِ، وهي المحرّك الأول لأرادتهِ، ومقياس حالهِ الأدبي الحقيقي؛ فذهب حزينًا وغادر السيد لأنهُ فضل الدراهم على الرب المُعلَن بملء المحبة، والنعمة. فما أرهب وجودنا في حضرة فاحص القلوب. فالمقياس الحقيقي لحالة الإنسان الأدبية إنما هو الباعث، والمحرّك لا الصفات، والأخلاق الموروثة بالولادة، وإن كانت على جانب من الألطاف، والمحاسن فأن الصفات الحسنة توجد حتى في الحيوانات، وهي مما يحمل على الاعتبار، والمحبة، ولكنها لا تعلن قط حالة القلب الأدبية. فالإنسان الموصوف بالطبع الشرس، والأخلاق السيئة الباذل الجهد في الحكم على خلقهِ القبيح بالنعمة، وفي أن يكون محبوبًا عند الناس، ومرضيًا لله هو في حالة أدبية أفضل من الإنسان الحسن الأخلاق طبيعيًا الراغب في التمتع بالمسرات مع الآخرين، وفي إرضائهم بدون ضمير لدى الله، وبدون المبالاة بهِ فأنهُ وإن كان محبوبًا من الناس فهو مُغيظ لله؛ بنسيانهِ إياهُ وعدم اكتراثهِ بهِ. فغاية القلب هي التي تصوّر صفات الإنسان الأدبية، وهذا ما أوضحهُ يسوع في هذه الحادثة إيضاحًا مؤثرًا؛ فخرق بذلك كبرياء القلب الإنساني، وهدم معلقها. غير أن السيد صرَّح بشيء آخر أيضًا، فأن التلاميذ ذهبوا كالفريسيين في كل قرن إلى أن من الواجب على الإنسان أن يربح السماء لنفسهِ، وأن اعترفوا بالحاجة للمساعدة الإلهية انذهلوا وعجبوا من ذلك، فكأنهم قالوا: أيمكن أن إنسانًا كهذا غنيًّا ذا أخلاق فاضلة قد حفظ الناموس، ولم يطلب من مُعلَّمهم إلاَّ معرفة الوصية الفضلى؛ ليقوم بإتمامها يكون بعيدًا عن ملكوت الله، ودخولهُ إليهِ عسرًا في الدرجة القصوى. فإذا لم نفهم هذه الحقيقة، وهي أننَّا هالكون، ونفتقر للخلاص، وأن المسألة تتعلق على حالة القلب، وأن كل القلوب بعيدة عن الله حسب ا لطبيعة، ولا تطلب إلاَّ شهوتها بالانفصال عن الله، وأنها لا تودُّ حضورهُ لأن الضمير يشعر أن ذلك يمنع القلب من أتباع غايتهِ، وإذا لم نتعلَّم هذه الأمور بالنعمة كنا عميانًا وفي جهالة قصوى. أن يسوع لم يستطع الآن كتمان حالة القلب الحقيقية اقلهُ عن تلاميذه فهذه الحالة قد ظهرت كل الظهور لأن الإنسان أبى قبول ابن الله. ومن ثمَّ قد تبرهن أن المرء بأفضل الصفات الطبيعية حتى بالمحافظة على الآداب الخارجية فضل اتباع غاية أمانيهِ، وأطماعهِ على محبة الله الحالة على الأرض أو على مُعلَّم اعترف بأن لهُ أسمى المعرفة بمشيئة الله. ذلك يبين أن الإنسان هالك، فقد ظهرت هذه الحقيقة برفض ابن الله، فلا غنى لهُ تعلُّم هذا الدرس الخطير، وأنهُ وأن كان حائزًا على أفضل الصفات، لا يستطيع أن يخلّص نفسهُ. فمن يستطيع إذًا أن يخلص! أما يسوع فلم يكتم هذا الحق فقال: أن ذلك غير مستطاع عند الناس، فما أرهب هذه الكلمات التي نطق بها السيد الآتي ليخلصنا! فقد علَم أنهُ يستحيل على الإنسان خلاص نفسهِ، ويتعذر عليهِ النهوض من الحالة التي سقط بها بدون معونة الله. ذلك غير مستطاع عند الناس إنما يأتي الله بمحبتهِ الغير محدودة لإنقاذنا، ولا يكتم عنا حالتنا السيئة، وافتقارنا لخلاصهِ المجاني. فلابدَّ لنا من معرفة حالتنا الحقيقية، ولا نقدر أن نستخف بأن ابن الله المجيد أخلى نفسهُ لأجلنا، ومات على الصليب الذي هو الواسطة الوحيدة لفداء الإنسان الهالك، وخلاصهِ. فلا غنى لنا عن معرفة أنفسنا، وأنهُ قد قضى علينا بالهلاك؛ وذلك لكي نستطيع أن نفهم أن المسيح حمل هذا القضاء عوضًا عنا، وأنهُ أكمل عمل خلاصنا بحسب مجد الله. فلنتأكد وقوع الدينونة علينا، ولندرك قوة الخطية، ونتائجها، ولتتضح لدينا كل الوضوح محبة الله، وبرُّهُ الكامل، وقداستهُ التي لا تطيق النظر إلى الخطية، وأن عاملنا بالصبر، والإمهال فإذا عرفنا ذلك؛ علَمنا أن هذا غير مستطاع عند الناس… ولكن عند الله كل شئ مُستطاع فلا يتم ذلك إلاَّ بعمل يسوع المسيح فقط، ذلك ما اشتهت الملائكة أن تُطلع عليهِ، فالخلاص لا يمكن نوالهُ إلاَّ بالإيمان لأن العمل قد كمل، فالمجد كل المجد لأسمهِ الكريم. فقد تمجد يسوع كإنسان في السماء لأن العمل قد نُجز، ولأن الله قد اعترف بكمالهِ ولهذا السبب قد وضع المسيح عن يمينهِ لأن كل شئ قد تمّ فارتضى الله، وتمجد بعمل يسوع. ذلك غير مُستطاع عند الناس، ولكن عند الله كل شئ مُستطاع. فما أعظم النعمة! التي تبين لنا من نحن؟ وما هو الله؟ أن النعمة، والحق أتيا بيسوع المسيح، فتأملوا بهذه الحقيقة أيها الأخوة، فأن هذا يفيد أننَّا ينبغي أن ننتظر في هذا العالم صليبًا. فكونوا متأهبين لقبول كلمات الرب، ولحمل الصليب لكي تفوزوا بمعرفة أنفسكم حقيقةً أي أنكم هالكون بالخطية، وأن الخلاص إنما هو من مجرَّد النعمة لا بالوسائط البشرية فأن ذلك غير مُستطاع. إنما عمل الخلاص كامل، وتامٌ، وأن برَّ الله على كل الذين يؤمنون بمن أكملهُ. فلا نرى في كل الأسفار المقدسة هذا الحق الأساسي عن افتقار الإنسان لخلاص الله، وعن حالتهُ الحقيقية مُوضحًا إيضاحًا جليًا أكثر مما هو وارد في هذه الحادثة. 28 وَابْتَدَأَ بُطْرُسُ يَقُولُ لَهُ:«هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ». 29 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ:لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولاً، لأَجْلِي وَلأَجْلِ الإِنْجِيلِ، 30 إِلاَّ وَيَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ الآنَ فِي هذَا الزَّمَانِ، بُيُوتًا وَإِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ وَأُمَّهَاتٍ وَأَوْلاَدًا وَحُقُولاً، مَعَ اضْطِهَادَاتٍ، وَفِي الدَّهْرِ الآتِي الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ. 31 وَلكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَالآخِرُونَ أَوَّلِينَ». (عدد 28-31). ثم أضاف الرب إلى ما قيل في قصة الشاب الغني المار ذكرها تعليمًا آخر عن طريق الصليب، والمواعيد المرافقة ذلك، فلنُمعن بهِ النظر. أنه يسهل علينا أن نرى كيف أن هذه القصة تشبه تاريخ بولس الرسول غير أن النعمة قد غيرت حوادث حياتهِ فأصبحا بعد المشابهة متباينين في أطوارهما. فأن بولس حسب البر الذي في الناموس كان بلا لوم، ولكن حين عملت روحية الناموس في القلب ظهرت الشهوة، وانكشفت؛ فرأى أنه لا يسكن فيهِ أي في جسدهِ شئ صالح. ولما اقتنع بالخطية أعلن الله ابنهُ لهُ؛ ففهم أن الغير المُستطاع عند الناس مُستطاع عند الله. فأن الله فعل لهُ ما لا يستطيع أن يفعلهُ لنفسهِ أي ليربح البر الذي بالناموس، وأن تلك الخطية في الجسد قد قضى عليها بالصليب، وأنه أتمَّ ذلك بذبيحة نفسهِ. فبدلاً من أن يرى نفسهُ هالكًا في الإثم أصبح إنسانًا جديدًا مخلصًا أما الشاب المذكور فظلَّ باقيًا في حالتهِ السابقة فغادر السيد، وانطلق للتمتع بغناهُ، والمحافظة عليهِ، وأما بولس فالأشياء التي عدَّها ربحًا حسبها بعد إذٍ خسارة لأجل المسيح فقال: بل أني أحسب كل شئ أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجلهِ خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح. (فيلبي 8:3). فانظروا هنا الفرق بين تأثير النعمة، وبين الطبيعة الإنسانية. فسلوكهُ إنما كان ينبئ عن الحكمة الحقيقية، وتأملوا أنهُ لم يحسب كل الأشياء نفاية لأجل فضل معرفة المسيح في البدأة فقط حين أُعلن لهُ يسوع بل استمرّ، وهو سالك بالاشتراك معهُ أن يحسبها كذلك، ويعدها كأقذار لا نفع لها، ولا جدوى. ثمَّ تتبعوا المواعيد المعطاة للسالكين في هذا السبيل، وفي الخطة التي مثَّلها المسيح نفسهُ. فقال بطرس: أنهم تركوا كل شئ ليتبعوهُ، وفقًا لِما كان قد عرضه الرب على الشاب. فماذا يكون لهم؟ فأجابه: يسوع أن ليس أحد يترك بيتًا أو أخوة أو أخوات إلخ لأجلهِ، ولأجل الإنجيل إلاَّ ويأخذ مئة ضعف في هذه الحياة، وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية أي أنهم سيتمتعون بأمور أفضل جدًا من أمور هذه الحياة الدنية، ولكن مع اضطهادات. فمن ثمَّ لهم موعد الحياة الحاضرة، والحياة العتيدة، فربما لا يربحون غنى العالم بل يتمتعون تمتعًا حقيقيًّا بكل ما هو في العالم بحسب مشيئة الله كعطية منهُ تعالى، ولكن عليهم أن يحتملوا مقاومة عالم لا يعرف الله. غير أن الذين كانوا أوَّلين في الديانة اليهودية سيكونون آخرين بين المسيحيين. 32 وَكَانُوا فِي الطَّرِيقِ صَاعِدِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَقَدَّمُهُمْ يَسُوعُ، وَكَانُوا يَتَحَيَّرُونَ. وَفِيمَا هُمْ يَتْبَعُونَ كَانُوا يَخَافُونَ. فَأَخَذَ الاثْنَيْ عَشَرَ أَيْضًا وَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ عَمَّا سَيَحْدُثُ لَهُ: 33 «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ، 34 فَيَهْزَأُونَ بِهِ وَيَجْلِدُونَهُ وَيَتْفُلُونَ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ». 35 وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابْنَا زَبْدِي قَائِلَيْنِ:«يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ لَنَا كُلَّ مَا طَلَبْنَا». 36 فَقَالَ لَهُمَا:«مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ لَكُمَا؟» 37 فَقَالاَ لَهُ:«أَعْطِنَا أَنْ نَجْلِسَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِكَ فِي مَجْدِكَ». 38 فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ:«لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟» 39 فَقَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ». فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ:«أَمَّا الْكَأْسُ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا فَتَشْرَبَانِهَا، وَبَالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ. 40 وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ». 41 وَلَمَّا سَمِعَ الْعَشَرَةُ ابْتَدَأُوا يَغْتَاظُونَ مِنْ أَجْلِ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا. 42 فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يُحْسَبُونَ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَأَنَّ عُظَمَاءَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. 43 فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ عَظِيمًا، يَكُونُ لَكُمْ خَادِمًا، 44 وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلاً، يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا. 45 لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ». (عدد 32-45). ثم انطلق يسوع صاعدًا إلى أورشليم، وكانت قلوب التلاميذ ملأَنة من توقع الأخطار التي كانت أمامهم في تلك المدينة، فتبعوهُ يجزع وارتعاد لأننا نخشى خبث العالم وشرهُ فإنه إذا كان لا يستطيع ان يحارب الله تعالى في الأعالي يقدر ان يضطهد خادميهِ على الأرض. فنرى هنا أيضًا الفرق بين تأثير النعمة في بولس الرسول الذي ترك كل شيء لأجل محبة المسيح وفرح بشركة آلامهِ متشبهًا بموتهِ وأراد ان يعرف قوة قيامتهِ وبين التلاميذ الذين لم يعرفوا هذه الأشياء بعد. أما يسوع فلم يرد إخفاء هذا الحق بل شاء ان يعرف التلاميذ المنزلة التي كان مزمعًا ان يتخذها. فبدأ يُخبرهم عما سيحدث لهُ وما هو نصيب ابن الإنسان. فإنهُ يسلم إلى أيدي الكهنة فيقضون عليهِ ويسلمونهُ لأيدي الأمم فيعاملونهُ بأشد الاحتقار والإهانة ويقتلونهُ ولكنهُ سيقوم في اليوم الثالث. وعلى هذا المنوال ينتهي تاريخ ابن الإنسان بين البشر. فان شعبهُ الخاص كان الأول بالقضاء عليهِ وكان الأمم مستعدين بعدم اكتراثهم لإكمال العمل الهائل وهو رفض المخلص في العالم. فقد اتحد شعب الله أي اليهود مع الوثنيين واتفقوا معًا على طرد ابن الله الآتي بالنعمة لإنقاذهم فكان من الأمور المهمة ان يعرف التلاميذ نهاية معلمهم، وهي ان لابد من موتهِ كابن الإنسان. فهذا هو التعليم الذي هو أساس كل بركة ومصدرها. غير ان ذلك الأساس هدم كل آمال التلاميذ وأمانيهم وأوضح أيضًا شر الإنسان وجودة الله الغير المحدودة. فالآن قد وضحت أفكار التلاميذ على الفور وبدت بمظهر يُباين أفكار المخلص المقدسة كل المباينة. لا جُرم ان التلاميذ كانوا بعيدين عن إدراك هذا الحق حتى النهاية على أنهم بالنعمة احبوا المخلص، وفرحوا بامتلاكهُ كلام الحياة الأبدية. فكل هذه الأمور لم تكن كافية لمحو أفكار الملكوت الذي كانوا ينتظرونهُ على الأرض ولا لإزالة الطمع الجسدي بالحصول على مقامٍ سامٍ عند المسيح في هذا الملكوت. فلم يجد الرب إنسانًا واحدًا يقدر ان يدرك الأمور التي كان يفسرها لتلاميذهُ عن موتهِ في أورشليم حين انفرد معهم للحديث بهذا الشأن. فطلب يعقوب ويوحنا ان يجلسا الواحد عن يمينهِ والآخر عن يسارهِ في مجدهِ. ذلك كان لا يخلوا من الإيمان لأنهما اعتقدا بأنهُ سيملك غير ان شهوة الجسد كانت لا تكف عن العمل. أما الرب المفعم من الجودة والإحسان على خاصتهِ فحوَّل بجوابهِ ذلك السؤال الجسدي إلى موضوع مفيد لتعليم تلاميذهِ وانتهز الفرصة الملائمة. فلم يكن هو الشخص الوحيد المطلوب منهُ حمل الصليب. على انهُ هو وحدهُ يستطيع إتمام عمل الفداء بتقديم نفسهِ. فابن الله قد تنازل وأسلم نفسهُ بمحبتهِ ليكون حمل الله الرافع خطية العالم. ولكن كان من المفروض على التلاميذ ان يسيروا في نفس السبيل الذي سلكهُ إذا شاءوا ان يكونوا مثلهُ. أوضح الرب هنا أتضاعهُ الفائق وخضوعهُ التام لما كان مزمعًا ان يلمَّ بهِ. فقد أخلى نفسهُ وقبل تلك المنزلة الدنيا طوعًا واختيارًا ولم يكن عديم الشعور بعار الصليب وآلامهِ بل قَبِلَ كل شيء من يد أبيهِ وخضع لكل ما يصادفهُ في هذا سبيل. «فأجاب يسوع التلميذين. وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي ان أُعطيهِ إلا للذين أُعدَّ لهم من أبي» فليس لهُ حق تفضيل الواحد على الآخر في ملكوتهِ بل ترك لأَبيهِ حق الاختيار وإعطاء المجد الخاص المعين لعمل خاص لأولئك المُعدَّ لهم، والذين أعدتهم النعمة لذلك المجد. أما نصيبهُ هو فالصليب فإذا شاء أحد ان يتبعهُ كتلميذ نال المجد بالصليب. فهذا هو الدرس المطلوب من شعبهُ ان يتعلموهُ. وهو كان خاضعًا لأبيهِ وقبِلَ من يدهِ كل ما كان مُعدًّا لهُ بحسب مشيئتهِ، وإذا أراد التلاميذ اتباعهُ وجب عليهم حمل الصليب الغير المنفك عن هذا السبيل والملازم لهُ في كل الأحوال. وفضلاً عن ذلك يُطلب من كل تلميذ يتبع المخلص ان يضع نفسهُ كسيدهِ لا ان يُشابه عظماء هذا العالم المعظمين أنفسهم بالانفصال عن الله بل ان يكون خادم الكل بالمحبة كما كان الفادي المبارك وإن كان سيد الجميع بحقه الخاص. فالمحبة أقوى الفواعل وأقدرها وهي تود ان تَخدم لا ان تُخدَم. فعلى هذه الكيفية أعلن الله نفسهُ بالإنسان يسوع ومن واجباتنا ان نتبعهُ في هذا السبيل. فالأصغر في عيني نفسهِ إنما هو الأعظم عند الله. فهنا قد انتهى تاريخ خدمة المخلص على الأرض وبدأ تاريخ الحوادث المقترنة مع آلامهِ. غير انهُ يعرض نفسهُ أيضًا المدة الأخيرة في أورشليم كابن داود وغاية المواعيد المعطاة لإسرائيل وذلك لكي يقبلهُ شعبهُ وتقبلهُ المدينة المحبوبة، ولكنهم بالحقيقة رفضوهُ وقتلوهُ. فقد تكلم حتى الآن عن ابن الإنسان الآتي ليَخدم ويذل نفسهُ فدية عن كثيرين. أما الآن فصاعدًا فيعرض ذاتهُ بالنسبة الوحيدة التي يستطيع بها الاشتراك مع شعبهِ حسب النبوات. 46 وَجَاءُوا إِلَى أَرِيحَا. وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ أَرِيحَا مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَجَمْعٍ غَفِيرٍ، كَانَ بَارْتِيمَاوُسُ الأَعْمَى ابْنُ تِيمَاوُسَ جَالِسًا عَلَى الطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي. 47 فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ، ابْتَدَأَ يَصْرُخُ وَيَقُولُ:«يَا يَسُوعُ ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!» 48 فَانْتَهَرَهُ كَثِيرُونَ لِيَسْكُتَ، فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيرًا:«يَا ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!». 49 فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى. فَنَادَوُا الأَعْمَى قَائِلِينَ لَهُ:«ثِقْ! قُمْ! هُوَذَا يُنَادِيكَ». 50 فَطَرَحَ رِدَاءَهُ وَقَامَ وَجَاءَ إِلَى يَسُوعَ. 51 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟» فَقَالَ لَهُ الأَعْمَى:«يَا سَيِّدِي، أَنْ أُبْصِرَ!». 52 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«اذْهَبْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ». فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَ، وَتَبِعَ يَسُوعَ فِي الطَّرِيقِ. (عدد 46-52). فدخل إلى أريحا المدينة الملعونة ولكنهُ دخلها بحسب النعمة الفائقة اللعنة. على انهُ كان مزمعًا ان يحملها هو نفسهُ فقد وافى ابن داود بنعمتهِ وقوتهِ الإلهية واستطاع ان يُكمل كل شيء ولكن بالاتضاع والمسكنة. فأجاب إذًا حسب الاسم المُلقب بهِ أي ابن داود وأظهر بالنعمة سلطانهُ بشفاء الإنسان الأعمى. على ان الجمهور المصاحب المخلص لم يشأ انهُ ينزعج وأما هو فوقف وأصغى بنعمتهِ لاحتياجات شعبهُ وأمر بإحضار بارتيماوس الذي ركض إلى يسوع بفرح فان شعورهُ بالحاجة حملهُ على الإسراع إلى يسوع الشخص الوحيد القادر على القيام بحاجتهِ وأعطائهِ العلاج الفعال القاطع. فالإنسان الأعمى إنما كان صورة حية تُمثل حالة اليهود المظلمة، ولكننا نرى بما حدث عمل الرب بإنشاء الشعور بالحاجة بنعمتهِ فيقلب إنسان يهودي في ذلك الوقت. ولا ريب في ان ذلك بصدق في كل زمن ولا سيما في هذه الحالة وهي حالة اليهود في ذلك الحين. فلما سأل بارتيماوس عن تلك الأصوات أجابهُ الجمع ان يسوع الناصري مجتاز. فهذا اسم لم يفهم معناهُ اليهود لأن الناصرة كانت اسمًا مقترنًا بالتعيير. أما الإنسان الأعمى فكان قلبهُ ملأنًا من الإيمان وعارفًا المنزلة التي اختارها يسوع بالنسبة لشعبهِ فناداهُ يا ابن داود. ذلك يدل على انهُ علم ان وشفاهُ. ففاز بالبصر وتبع يسوع في الطريق. فهذه هي صورة مؤثرة تُمثل حال إسرائيل والعمل الجاري في وسط الشعب. فان ابن الله وابن داود حسب الجسد وغاية المواعيد كان قد آتى بنعمتهِ وكان قادرًا على إبراء إسرائيل، وقد أزال العمى بالقوة التي آتى بها معهُ وكانت حالة فيهِ في المكان الذي بالحقيقة أعمى. غير ان القوة الإلهية كانت مستعدة للشفاء عند وجود إيمان كافٍ للاعتراف بيسوع كابن داود. ذلك يُزيل العمى على الفور. فهذا مشهد بديع يُرينا عمل النعمة في المكان الذي حلت عليهِ اللعنة. غير ان تلك النعمة لا تعمل إلا حيث يُعترف بيسوع انهُ ابن داود وهي التي فتحت عيني الأعمى فأصبح منذ ذلك الحين تلميذًا ليسوع. |
||||
05 - 11 - 2012, 04:26 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: أنجيل مرقس ( شرح أية أية )
الأصحاح الحادي عشر 1 وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا، عِنْدَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، أَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، 2 وَقَالَ لَهُمَا:«اذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، فَلِلْوَقْتِ وَأَنْتُمَا دَاخِلاَنِ إِلَيْهَا تَجِدَانِ جَحْشًا مَرْبُوطًا لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ. فَحُلاََّهُ وَأْتِيَا بِهِ. 3 وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ: لِمَاذَا تَفْعَلاَنِ هذَا؟ فَقُولاَ: الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ. فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُ إِلَى هُنَا». 4 فَمَضَيَا وَوَجَدَا الْجَحْشَ مَرْبُوطًا عِنْدَ الْبَابِ خَارِجًا عَلَى الطَّرِيقِ، فَحَلاََّهُ. 5 فَقَالَ لَهُمَا قَوْمٌ مِنَ الْقِيَامِ هُنَاكَ:«مَاذَا تَفْعَلاَنِ، تَحُلاََّنِ الْجَحْشَ؟» 6 فَقَالاَ لَهُمْ كَمَا أَوْصَى يَسُوعُ. فَتَرَكُوهُمَا. 7 فَأَتَيَا بِالْجَحْشِ إِلَى يَسُوعَ، وَأَلْقَيَا عَلَيْهِ ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِ. 8 وَكَثِيرُونَ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَانًا مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ. 9 وَالَّذِينَ تَقَدَّمُوا، وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ:«أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! 10 مُبَارَكَةٌ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ الآتِيَةُ بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!». (عدد 1-10). فقد رأينا الرب أتخذ هنا لقب ابن داود وذلك الاسم يُنبئ عن إتمام المواعيد وعن يسوع إنما هو ملك إسرائيل الحقيقي أما الاسم الذي تلقب بهِ بالعادة والأفضلية فابن الإنسان. فهذا لهُ دلالة أعم جدًا لأنهُ يُخبر عن حق بسلطان وسيادة أعظم جدًا مما لابن داود. وذلك مما يجعل للمسيح علاقة متينة مع كل البشر ويؤكد حقهُ والأمجاد المختصة بابن الإنسان بحسب مشورة الله. ونرى في المزمور الثاني اللقبين معًا وهما ابن الله الاسم الذي أُعطي ليسوع بحسب كونهِ وُلِدَ هنا في هذا العالم، وملك إسرائيل وإن كان قد رُفض. ثم ان نرى في المزمور الثامن بعد إيضاح حالة شعبهِ في المزامير الثالث، والرابع، والخامس، والسادس، والسابع. مجدهُ وأتساع سلطانهِ بحسب كونهِ ابن الإنسان المُسلط على كل شيء. ونرى أيضًا في دانيال الإصحاح السابع انهُ أُتي بابن الإنسان أمام القديم الأيام فقبل من يدهِ السلطان على كل الأمم ومعنى ذلك انضمام هذين اللقبين معًا في تسلطهِ المطلق على كل المسكونة لا بل على كل شيء أيضًا لان المسيح هو ابن الإنسان والقديم الأيام أيضًا انظر (رؤيا 13:1، 14). ففي الإصحاح الحادي عشر، والثاني عشر من إنجيل يوحنا نرى بعد رفض البشر ليسوع ان الله شاء بتأدية شهادة كاملة لهُ في صفاتهِ وألقابهِ الثلاثة: وهي ابن الله، ابن داود، ابن الإنسان. فالأولى- تُمثلها إقامة لعازر، الثانية- دخولهُ إلى أورشليم راكبًا على جحش، الثالثة- لما أتى اليونانيون طالبين ان يروا يسوع. «فحينئذ قال السيد: قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان. الحق الحق أقول لكم: ان لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير» فلأجل الحصول على هذه الألقاب اقتضى ان يصاحب شركاءَهُ معهُ وان يموت. أما في هذا الإصحاح الذي نحن بصددهِ فيتخذ اللقب الثاني ويقدم نفسهُ للأمة اليهودية المدة الأخيرة على الأرض وفقًا لنبوة زكريا وسيعرض نفسهُ فيما بعد بالمجد ويتسلط على كرسي داود أبيهِ. أما الآن فكل ما يعملهُ إنما هو تقديم نفسهُ لشعبهِ كالذي وافى لإتمام المواعيد المتجهة نحوهم. وهو قد تيقن النتيجة وانهُ على وشك اتخاذ اللقب الاسمي وهو ابن الإنسان وذلك لكي يرافق شركاءَهُ في الميراث حين يتقلد بسلطتهِ العظمى ويملك بحسب مشورة الله أبيهِ، ولكن كانت الضرورة تدعو لأن تؤدي هذه الشهادة من قِبل الله إلى الناس من الجهة الأخرى بأفواه الأطفال والرضع لنوال المجد والتسبيح وعلى هذه الكيفية قد سبق فأنبأ عن توطيد مملكتهُ بالقوة فيما بعد. فهذا الملك كان عمانوئيل السيد نفسهُ ويسوع تصرف هنا على هذه الصفة فبعث بتلميذين ليأخذ أتانًا وجحشًا معهما من قرية مجاورة فإذا سأل أربابه التلميذين عما يفعلان وجب ان يُجيباهم حسب أمر يسوع ان السيد محتاج غليهِ فيُجاب الطلب على الفور. فكل ذلك كان لكي تتم كلمة الأنبياء لان دائمًا نرى في هذا الإنجيل الحقائق معروضة لدينا ليس فقط كنتائج النعمة الإلهية كما أنها هي كذلك بالحقيقة ولكنها ترد بمنزلة إتمام للمواعيد الموعود بها شعبهُ. فمن ثمَّ أتى التلاميذ بالأتان والجحش ثم دخل يسوع أورشليم كملك فتقدم واحتاط بهِ جمع عظيم قد تحرك بقوة الله. فإنهم كانوا قد رأوا آياتهِ ولا سيما قيامة لعازر وفرشوا ثيابهم في الطريق وقطعوا أغصانًا من الشجر ليلقوها في سبيلهِ ويعطوهُ مقام مَلك ومجدهُ وبالواقع ليعترفوا بهِ انهُ هو المَلك مسيَّا. فيا لعظمة ذلك المشهد! الذي لم تكدرهُ احتجاجات البشر الفلسفية ولم يكن نتيجة أعمال المسيح العجيبة وان كان أثمارها بل إنما كان من تأثير قوة الله في عقول الجموع وإلزامهِ إياها ان تشهد إلى وقت وجيز لابن الله المحتقر. وقد أُقتبست أيضًا شهادة المزمور المئة والثامن عشر تلك نبوة جديرة بالذكر عن أيام إسرائيل الأخيرة وقد تكرر اقتباسها في العهد الجديد. ويسوع نفسهُ يذكر ما يسبق الآيات التي وضعها الله بأفواه الشعب أي ان الحجر الذي رفضهُ البناؤون قد صار رأسًا للزاوية. فهنا الجموع استخدموا الآية المليئة بالإقرار بابن داود بواسطة بقية إسرائيل. وهي أُوصنا كلمة عبرانية معناها خلص الآن وهي كلمة جرى عليها الاصطلاح لطلب معونة الرب حين الاعتراف بالمسيح الحقيقي أو بمسيَّا. أُوصنا لابن داود مبارك الآتي باسم الرب أُوصنا في الأعالي. فهذا الهتاف إنما هو كناية عن الاعتراف بيسوع كابن داود، ومسيَّا. وهكذا كانت مشيئة الله ان لا يترك ابنهُ بدون شهادة صريحة وبدون ان يفوز بالكرامة على هذا الأسلوب. ثم تصرَّف يسوع في أورشليم وفقًا لهذا المركز والمقام. 11 فَدَخَلَ يَسُوعُ أُورُشَلِيمَ وَالْهَيْكَلَ، وَلَمَّا نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ إِذْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ أَمْسَى، خَرَجَ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ. 12 وَفِي الْغَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْيَا جَاعَ، 13 فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئًا. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا إِلاَّ وَرَقًا، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ التِّينِ. 14 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا:«لاَ يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَرًا بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ!». وَكَانَ تَلاَمِيذُهُ يَسْمَعُون. (عدد 11-14). ثم عاد إلى المدينة نظر شجرة التين على الطريق فطلب ثمرًا ولم يجد عليها إلا ورقًا فقط فلعنها قائلاً: لن يأكل منكِ أحد ثمرًا بعد فيبست شجرة التين في الحال. فهذا إنما كان كناية عن إسرائيل بحسب العهد القديم وكناية عن الإنسان بحسب الجسد. وهذه هي الحالة الإنسان الذي اتفق الله كل الوسائل والوسائط لخلاصهِ حتى اسلم ابنه الوحيد المحبوب لاستخراج شيء من الخير من قلبهِ والبلوغ إليهِ ليردهُ إلى نفسهِ وإلى السبيل القويم. غير ان تلك الوسائل قد ذهبت كلها عبثًا. كان قد عفا عن الشجرة هذه السنة أيضًا بتوسط خادم الكرم (لوقا 9:13) وحفر حولها وسمدها ولكنها لم تأتِ بثمر فماذا كان يستطيع ان يفعل لكرمهِ ولم يفعلهُ؟ فنحن لسنا خطاة فقط بل لم نزل كذلك بعد استخدم الله كل الوسائط الممكنة لإرجاع قلوبنا إليهِ فهذا مما يبين لنا أهمية تاريخ إسرائيل وتاريخنا أيضًا مبنيًا على شهادة الله وينبئنا عن صبرهُ العجيب وعن طرقهِ الفائقة. تلك بينة صريحة لا يسمو عليها إلا شهادة محبتهِ القاطعة بموت المسيح. فهذا مما يزيد إثمنا لدى الله إذا صررنا على عدم الإيمان. فقد كان على الشجرة ورق كثير ولكن لم يكن عليها ثمر قط. ذاك يُمثل الإدعاء بالتقوى والمظاهر الدينية أما الثمر الحقيقي الذي يطلبهُ قلب الله ويرجو أن يراهُ في خاصتهِ فمعدوم وغير موجود في الإنسان. فقد قضى إلى الأبد على إسرائيل بحسب العهد القديم أي على الإنسان بحسب الجسد لان الله غرسهُ واعتنى بهِ فلن يأتي بثمر لهُ؛ لأن بطلانهُ وضح وضوحًا صريحًا وظهر عجزهُ عن إيفاء عناية الله بهِ. لا جُرم ان الإنسان مقضي عليهِ طبعًا بالجدب والمحل الأبدي. فهذه المعجزات جديرة بالاعتبار لان عجائب المسيح ليست فقط أدلة على قوتهِ وسلطانهِ بل بينات على محبة الله. فالقوة الإلهية كانت حالة هنالك ولكنها قوة للشفاء والتحذير من سلطة إبليس والموت ونقص كل نتائج الخطية في العالم غير ان ذلك جميعهُ لم يُغير قلب الإنسان بل بالعكس قد أثار بإعلان حضرة الله ة العدوان الكامن فيهِ نحو الله. ذلك عدوان كثيرًا ما كان مكتومًا في أعماق القلب حتى عن الإنسان نفسهِ فلا نرى بين كل آيات المسيح آية لها صفة القضاء والدينونة مثل هذه المعجزة. فقد ظهرت حقيقة بهذه الحادثة كل الظهور وهي ان الإنسان ينبغي ان يُولد ثانيةً وان ينال حياة آدم الثاني, ويمكن لإسرائيل أيضًا ان يفوز بالرجوع بالنعمة حسب العهد الجديد غير ان الإنسان بنفسهِ حسب الجسد المقضي عليهِ بعد كل ما فعل لأجلهِ للإتيان بشيء صالح. فلا يخلص الإنسان ويخوَّ لهُ الحياة الأبدية إلا الله وحدهُ. فعندما يقبل الإنسان المسيح ينال حياة فيأتي بثمر. فالشجرة قد طعمت والله يطلب ثمرًا في الغصن المُطعَمْ لكنهُ خذل الإنسان في الجسد وانفصل عنهُ ولم تبقَ علاقة بينهُ وبين الله إلا العلاقة المختصة بالدينونة التي لابد من وقوعها عليهِ لأجل خطاياهُ. فالشكر لله لانه شاء ان يعتقهُ بالنعمة من هذا الرب، وينقذهُ بدم ابنهِ يسوع ويلدهُ ثانيةً ويصالحهُ مع نفسهِ ويتبناهُ كولدهِ ويجعلهُ بكر خلائقهِ. فيا لعظمة ذلك المشهد الذي يدخل بهِ المسيح ابن داود! عمانوئيل بيتهُ على الأرض حيث عيناهُ الطاهرتان تنظران كل ما يفعل فيهِ الإنسان ويعلن غيظهُ ضد تدنيس ذلك المكان وجعلهُ مغارة لصوص. فقد دافع عن مجد يهوه وسلطانهِ بطرد أولئك الذين دنسوا بيتهُ. ثم وجد نفسهُ وجهًا لوجه تلقاء خصومهِ الذين توافدوا زمرةً فزمرة للقضاء عليهِ فلم يعاينوا إلا النور والحكمة الكاشفة الحجاب عن خبث نواياهم فبدلاً من ان يقضوا اصبحوا مقضيًا عليهم فتخلص السيد من دسائسهم وتفرغ لمتابعة عمل النعمة والفداء في حضرة خصومهِ الذين أُرغموا على الصمت. غير ان كل فئة من أولئك القوم أظهرت شرها ومقاومتها لله قبل أن يحكم الرب عليها بأجوبتهِ ثم بعد ذلك أخذ يخاطب تلاميذهُ عن الصلاة التي يغلبون بها على الموانع التي سوف يضعها أولئك اليهود المقضي عليهم في سبيلهم لأنهم كانوا متقلدين بالسلطة والنظام الديني ومسلحين بها لمعارضة رسلهِ ومعاكسة أعمالهم وأما المبدأ الوحيد الموضوع لتصرف التلاميذ في خدمتهم فهو الإيمان الخالي من الريب والمصحوب بروح المسامحة والغفران كما يظهر فيما يأتي. 15 وَجَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ الْهَيْكَلَ ابْتَدَأَ يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَّبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ. 16 وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَجْتَازُ الْهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ. 17 وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلاً لَهُمْ:«أَلَيْسَ مَكْتُوبًا: بَيْتِي بَيْتَ صَلاَةٍ يُدْعَى لِجَمِيعِ الأُمَمِ؟ وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ». 18 وَسَمِعَ الْكَتَبَةُ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ فَطَلَبُوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوهُ، إِذْ بُهِتَ الْجَمْعُ كُلُّهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ. 19 وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ، خَرَجَ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ. (عدد 15- 19). نعلم من الأناجيل الأخرى ان المدينة كلها تحركت وسألت ماذا عسى ان يكون هذا؟ فقال الجمهور ان يسوع الناصري هو النبي الآتي فدخل يسوع الهيكل وطهرهُ بسلطان يهوه الحقيقي وطرد الذين دنسوهُ، وقضى على الأمة ورؤسائها بقولهِ: مكتوب ان بيتي بيت الصلاة يُدعى وأنتم جعلتموهُ مغارة لصوص ولكنهُ وإن كان حاضرًا في الهيكل بصفة يهوه لم ينفكَّ عن الحضور بنعمتهِ لسد احتياجات شعبهِ فشفى الأعمى والمقعد. غير ان تلك الشهادة لم تخرق حجاب عدم الإيمان السميك المغشى قلوب رؤساء الشعب عندما نظروا الآيات فلما سمعوا الأولاد يصرخون حنقوا فعلَّم المخلص تعليمًا مؤداهُ ان زمان الإقناع قد انقضى واستشهد بآية من المزمور الثامن تعني ان الله سبق فنظروا وأنبأ عن هذه الأمور وهي من أفواه الأطفال والرضع هيأت تسبيحًا فإذا كان الشعب قد رفضهُ واستخفت بهِ لم يتركهُ الله بدون التسبيح اللائق بشأنهِ من أفواه الأطفال. أما الشعب فكان قد انقضى زمان نجاتهِ إلى ان تأتي نعمة الله القادر، وتعمل في إيقاظ بعضهِ في وسط الأرزاء الحالَّة عليهِ بسبب عدم الإيمان. فحينئذ تهتف تلك البقية المنتهية للتوبة مثل الأولاد أُوصنا لابن داود وما ذلك إلا من عمل الشعب يعني ان الله لا يعود يعرض على إسرائيل أو على الإنسان ان يحصل على بركة بموجب الشريعة أو شرط يَشرط عليهِ. فهذا ما أوضحهُ السيد في الحادثة التابعة. فلم يشأ المكوث في أورشليم المُتمردة العديمة الإيمان بل انطلق إلى بيت عنيا حيث كانت قد ظهرت قوة القيامة وحيث وجد قلبهُ المُحبُّ موضعًا وملجًأ للراحة بين البشر بعدما رفضهُ الشعب. 20 وَفِي الصَّبَاحِ إِذْ كَانُوا مُجْتَازِينَ رَأَوْا التِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ مِنَ الأُصُولِ، 21 فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ:«يَا سَيِّدِي، انْظُرْ! اَلتِّينَةُ الَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ!» 22 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ :«لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِاللهِ. 23 لأَنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ قَالَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ وَانْطَرِحْ فِي الْبَحْرِ! وَلاَ يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ، فَمَهْمَا قَالَ يَكُونُ لَهُ. 24 لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ. 25 وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ، فَاغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ زَّلاَتِكُمْ. 26 وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا أَنْتُمْ لاَ يَغْفِرْ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَيْضًا زَّلاَتِكُمْ. (عدد 20-26). فلما عجب بطرس من يبس شجرة التين قال يسوع: ليكن لكم إيمان بالله لأن كل القوة المُضادة البادية لدى أبصار التلاميذ الضعفاء تضمحلُّ وتتلاشى أمام الإيمان. فهذا مبدأ خطير في سلوك المسيحي وخدمتهِ. ولكن لا يجب أن يخامر هذا الإيمان أدنى ريب بل لا بدَّ من الثقة الكلية بالله ولا ينبغي أن ينشأ من عاطفة الإرادة بل من الشعور بحضور الله ووساطتهِ. فحيثما وُجد الإيمان وتقدمت بهِ الطلبات ترتب على ذلك نتائج أكيدة لا مُحالة. ومع ذلك كُلهِ ليست حضرة الله إلاَّ كناية عن حضرة إله المحبة فحين نُصلي ونسأل تحقيق رغائبنا وإتمامها يجب أن نشترك معهُ روحيًا فحينئذٍ نشعر بقوتهِ بإجابة صلاة الإيمان وإذ ذاك يحلّ في القلب روح المغفرة للأعداء. فإذا كنت مثلاً حاقدًا على أعدائي وأضمرت لهم الانتقام لا أستطيع أن أرجو إجابة صلواتي حتى وإن سمعني الله يُجيبني بالقصاص لأن الله لا يستجيب في حالة كهذه بل يرفض هذه النية الشريرة كل الرفض حتى إذا شاء استجابة تلك الصلاة لا تأتي بالتأديب إلاَّ على أنفسنا. فالمولى عزَّ وجلَّ لا يتصرف بسيادتهِ إلاَّ وفقًا لصفاتهِ وطبيعتهِ الإلهية. فلننتبه جيدًا إلى هذا الموضوع لأن الله قد وضع لنا عرش نعمة لا عرش قضاء. فإذا أردنا أن نستمدَّ منهُ بركةً بالصلاة يجب أن نقترب إليهِ عند عرش النعمة من باب الرحمة ولا يليق بنا روح العدوان والانتقام. فلنحترز. فإننا إذا خامرنا شيءٌ من ذلك وجدنا أنفسنا حالاً عند عرش القضاء حيث خطايانا وقصوراتنا ظاهرة وطالبة القصاص علينا نحن قبل الكل. فلذلك ينبغي لنا أن نشعر دائمًا بحاجتنا الشديدة إلى النعمة ونظهرها لنحو الآخرين وحينئذٍ نفوز بأجوبة جيدة من قِبَل الله لصلواتنا وإن كانت الموانع والصعوبات عظيمة جدًّا في سبيلنا مثل الجبال فننقلها بالإيمان والصلاة. 27 وَجَاءُوا أَيْضًا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَفِيمَا هُوَ يَمْشِي فِي الْهَيْكَلِ، أَقْبَلَ إِلَيْهِ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَالشُّيُوخُ، 28 وَقَالُوا لَهُ:«بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هذَا؟ وَمَنْ أَعْطَاكَ هذَا السُّلْطَانَ حَتَّى تَفْعَلَ هذَا؟» 29 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«وَأَنَا أَيْضًا أَسْأَلُكُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً. أَجِيبُونِي، فَأَقُولَ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هذَا 30 مَعْمُودِيَّةُ يُوحَنَّا: مِنَ السَّمَاءِ كَانَتْ أَمْ مِنَ النَّاسِ؟ أَجِيبُونِي». 31 فَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ قَائِلِينَ:«إِنْ قُلْنَا: مِنَ السَّمَاءِ، يَقُولُ: فَلِمَاذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ؟ 32 وَإِنْ قُلْنَا: مِنَ النَّاسِ». فَخَافُوا الشَّعْبَ. لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ عِنْدَ الْجَمِيعِ أَنَّهُ بِالْحَقِيقَةِ نَبِيٌّ. 33 فَأَجَابُوا وَقَالوا لِيَسوع:«لاَ نَعْلَمُ». فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«وَلاَ أَنَا أَقُولُ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هذَا». (عدد 27-33). ثم دخل يسوع أورشليم ثانيةً لأنهُ ما أراد أن يبيت في مدينة أسلمها الله للهلاك. فبدأ الآن يُراجع ويمتحن كل رؤساء الشعب الذين أشرت إليهم وشرع أولاً بامتحان السلطان المدَّعي بالسمو والارتفاع عن سلطانهِ. فمشى في الهيكل وإذا برؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ أتوا إليهِ وسألوهُ بأي سلطان تفعل هذه الأشياء ومَنْ أعطاك هذا السلطان. فمن ثمَّ نراهم يُنازعونهُ السلطان ويُصادرونهُ عليهِ. أما السلطة الرسمية الخارجية فكانت في أيدي رؤساء الكهنة. أما الحق والطاعة لله فكانا بيسوع. فقد كانت قوتهُ قد أُعلنت في جميع عجائبهِ ولكن لم يبدُ منها دليل على النقمة في الحال فإذ ذاك قد كان ضربًا من العبث إعطاء آيات أخرى لأن الأُمة قد قضى عليها ورأت آية بعد أخرى فقست نفسها في عدم الإيمان فحان زمان القضاء فلم يُجب يسوع أولئك الرؤساء عن سؤالهم رأسًا. كان هو قد غار على طهارة بيت أبيهِ وطهرهُ. ثم سألوهُ بأي سلطان فعل ذلك. فلم يكن لهم شيءٌ من الغيرة على قداسة الله بل كانوا غيورين جدًّا على سلطانهم. ذلك يُصدق أيضًا على كثير من رؤساء الدين في أيامنا فإنهم يهتمون بسلطانهم لا بما لله. أما يسوع فلا يهتمُّ إلاَّ بسلطان الله وإن ما فعلهُ إنما كان نتيجة لذلك. فلو لم تكن ضمائر الرؤساء قد تقست لصمتوا، وإن كانوا لم يُسرُّوا بما فعلهُ الرب واعتراهم الخجل من الحالة التي كان عليها الهيكل المفوَّض لعنايتهم. ولكن بما أنهم كانوا قد رفضوا الرب لم يستطيعوا الاعتراف بسلطانهِ. فالأدلة والبينات كانت ضربًا من العبث من الآن فصاعدًا. غير أن حكمة يسوع الإلهية حملتهم على الاعتراف بعجزهم عن الحكم بمسائل تتعلق بالسلطان والشهادة الإلهية. فسألهم في ما إذا كانت خدمة يوحنا المعمدان إلهية. فقالوا: إذًا أجبنا إيجابًا كنا كمَنْ أقرَّ بسلطان يسوع لأنهُ شُهد لهُ وإذا أجبنا إيجابًا سلبًا عرَّضنا سلطاننا للأخطار لدى الشعب. على أنهم كانوا يُسرُّون بالحصول على هذه الكرامة المفقودة من زمان مديد وهي قيام نبي في وسط إسرائيل. ولكن لك يُلائمهم الإقرار بخطاياهم. فانطفأ ذلك النور في قلوبهم على الفور. أما الشعب فكان لم يفتأ يحسب يوحنا نبيًا. وعلى ذلك لم يتجرأوا على الجواب إيجابًا أو سلبًا. ومن ثمَّ قد اعترفوا أنهم عاجزون عن الحكم بدعوى إنسان أعلن أنهُ تقلَّد خدمة من الله لأنهم ما استطاعوا أن يقولوا إذا كان يوحنا نبيًّا أو لا. فما دامت هذه الحالة حالتهم لم تكن حاجة لأن يُجيبهم يسوع ويقنعهم بشأن خدمتهِ أو يحسبهم في منزلة قوم تقلَّدوا سلطانًا إلهيًا. كان الله قد أرسل يوحنا المعمدان إليهم فلم يستطيعوا أن يحزموا بإرساليتهِ وإذ ذاك فمن أين لهم وجه أن يسألوا يسوع عن إرساليتهِ؟ كأن لهم القدرة على الجزم بها. |
||||
05 - 11 - 2012, 04:29 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: أنجيل مرقس ( شرح أية أية )
الأصحاح الثاني عشر 1 وَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ بِأَمْثَال:«إِنْسَانٌ غَرَسَ كَرْمًا وَأَحَاطَهُ بِسِيَاجٍ، وَحَفَرَ حَوْضَ مَعْصَرَةٍ، وَبَنَى بُرْجًا، وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ. 2 ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى الْكَرَّامِينَ فِي الْوَقْتِ عَبْدًا لِيَأْخُذَ مِنَ الْكَرَّامِينَ مِنْ ثَمَرِ الْكَرْمِ، 3 فَأَخَذُوهُ وَجَلَدُوهُ وَأَرْسَلُوهُ فَارِغًا. 4 ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا عَبْدًا آخَرَ، فَرَجَمُوهُ وَشَجُّوهُ وَأَرْسَلُوهُ مُهَانًا. 5 ثُمَّ أَرْسَلَ أَيْضًا آخَرَ، فَقَتَلُوهُ. ثُمَّ آخَرِينَ كَثِيرِينَ، فَجَلَدُوا مِنْهُمْ بَعْضًا وَقَتَلُوا بَعْضًا. 6 فَإِذْ كَانَ لَهُ أَيْضًا ابْنٌ وَاحِدٌ حَبِيبٌ إِلَيْهِ ،أَرْسَلَهُ أَيْضًا إِلَيْهِمْ أَخِيرًا، قَائِلاً: إِنَّهُمْ يَهَابُونَ ابْنِي! 7 وَلكِنَّ أُولئِكَ الْكَرَّامِينَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: هذَا هُوَ الْوَارِثُ! هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ فَيَكُونَ لَنَا الْمِيرَاثُ! 8 فَأَخَذُوهُ وَقَتَلُوهُ وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْكَرْمِ. 9 فَمَاذَا يَفْعَلُ صَاحِبُ الْكَرْمِ؟ يَأْتِي وَيُهْلِكُ الْكَرَّامِينَ، وَيُعْطِي الْكَرْمَ إِلَى آخَرِينَ. 10 أَمَا قَرَأْتُمْ هذَا الْمَكْتُوبَ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ، هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ 11 مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا، وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا!» 12 فَطَلَبُوا أَنْ يُمْسِكُوهُ، وَلكِنَّهُمْ خَافُوا مِنَ الْجَمْعِ، لأَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهُ قَالَ الْمَثَلَ عَلَيْهِمْ. فَتَرَكُوهُ وَمَضَوْا. (عدد 1-12). إن عجز رؤساء اليهود وقصور فهمهم وضحا وضوحًا صريحًا. فقد ادَّعوا بالقضاء على يسوع غير أن الحكمة الإلهية الخارجة من فمهِ قضت عليهم وأرغمتهم على الاعتراف بعجزهم. فشرعَ السيد أن يُبين لكل رُتب اليهود في نويتهِ حالتهم الحقيقية وأوضح أولاً حال كل الشعب عمومًا. ولا يخفى أن إسرائيل كان كرم الرب فوضعهُ تحت عناية كرَّامين مُعينين ليأخذ أثمارهُ في حينها. فقد فعل كل ما يستطيع عليهِ لكرمهِ وكان يستحيل عليهِ أن يفعل أكثر مما فعل. وتمتع إسرائيل بكل الامتيازات والحقوق التي يمكن لأُمة أن تتمتع بها. ثم بعث السيد بعبيدهِ في إبان الثمر ليأخذ من الكرَّامين غلة الكرم. فإن الأنبياء طلبوا تلك الأثمار من الشعب بالنيابة عن الله الذي هو رب الكرم أما الكرَّامون فأخذوا عبدًا وضربوهُ وأخذوا آخر وقتلوهُ ورفضوهم جميعًا. وعلى هذا المنوال عامل إسرائيل خُدامهُ تعالى المُرسلين لإرجاعهم إلى سبيل الواجبات. فأرسل أخيرًا ابنهُ الوحيد المحبوب قائلاً: أنهم يهابون بني ولكنهم أخذوهُ وقتلوهُ وأخرجوهُ خارج الكرم. فإنهم أرادوا أن يملكوا الكرم بقتل الوارث الحقيقي. فلنتأمل قليلاً بهذا المَثل فبأية مهابة وسكون أوضح السيد سلوك الأمة الإسرائيلية في الزمان العابر وتصرُّفها في الوقت الحاضر أيضًا. على انهُ كان متأهبًا كل التأهب للآلام وقد آتى لتجرُّع كأس الموت ولكن كان لابد لهُ من بيان سلوك أعدائهُ بيانًا جليًا. فقد أملأُوا مكيال إثمهم بأعين مفتوحة فيا لسوء حالة الأمة اليهودية! على أن الله سيترأف عليها بنعمتهِ الفائقة ويعيدها بعهد جديد إلى مقامها كشعب الله المعترف بهِ. ان مرقس الإنجيلي يرد الحوادث بسرعة وإنما يدرج هنا العواقب المترتبة على خطية إسرائيل غير ان من الأناجيل الأخرى ان اليهود التزموا بجوابهم أن يفوهوا بدينونتهم الخاصة إذ فهموا كل الفهم معنى المَثل. فقد أنباهم الرب هنا عن حقيقة الأمر كما هي وما ذلك إلا الخراب والدمار المُتَحتم عليهما لرفضهم المسيح ابن الله. فإن سيد الكرم رب الجنود سوف يأتي ويُهلك أولئك الكرامين الأشرار ويسلم الكرم إلى آخرين. ثم اقتبس الرب مرة أخرى من المزمور المئة والثامن عشر وسأل رؤساء الشعب سؤالاً يُشير إليهِ كل الإشارة وهو أما قرأتم هذا المكتوب؟ الحجر الذي رفضهُ البناؤون هو قد صار رأس الزاوية. من قِبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا فما أجلى هذا الإعلان النبوي! للدلالة على حال إسرائيل والعواقب المترتبة عليها فإنهُ لهُ المجد أوضح بهذه الآيات الوجيزة مختصر التاريخ الإسرائيلي ووضعهُ على أتم منوال وبكلمات قليلة أعلن سلوك الأمة اليهودية من موسى حتى الصليب وخطيتها أيضًا نحو يهوه إلهها والمسيح والأنبياء والعواقب الهائلة الناشئة لها من ذلك وأفكار الله من نحوها. أي انهُ تعالى سوف ينزع منها كل امتيازاتها ويعطي الكرم إلى آخرين يعطونهُ الأثمار في حينها وقد أظهر انهُ بهذهُ الحقيقة العظمى وهي خطية الإنسان وعدم إيمان اليهود المدلول عليهِ برفض رب المجد وصلبهِ سيرتفع إلى يمين الله ويصير رأس الزاوية. ثم نرى بهذه الحادثة أيضًا كشف الحجاب عن أسرار العهد القديم المدرجة في النبوة لأن نشاهد بلمحة بصر إبلاغ طرق الله كلها للفهم الروحي. فلا تعلن لنا أفكار الله وأعمال الإنسان إلا الحكمة الإلهية والوحي السماوي فهما الواسطة لإبلاغ ذلك للبشر. فقد رأينا ان كل رتب اليهود أتت ليقضي عليها فتقدم الفريسيون والهيروديسيون أولاً- ليصطادوهُ بكلمة؛ لأنهم لم يتجرأوا ان يلقوا عليهِ يدًا على أنهم كانوا يرغبون في ان يفعلوا ذلك لمعرفتهم ان مَثل الكرم الكرامين إنما قيل عليهم. غير ان الشعب كانوا لم يزالوا تحت سطوة كلامهِ وأعمالهِ فكانوا يهابونهُ رغمًا عن عدم إيمان قلوبهم الغليظة. فكان الرؤساء يخشون الشعب فكانوا بذلك عبيدًا لا لاميالهم الطبيعية وعدم إيمانهم فقط بل للشعب نفسهِ أيضًا فكانوا يجزعون من ان يفعلوا شيئًا ضد يسوع معتقدين ان الشعب ينحاز إليهِ فلم تكن لهم قوة الإيمان ولا الحرية التي هي نتيجة الاستقامة بل كانوا يُراعون رضى الشعب. 13 ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ قَوْمًا مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالْهِيرُودُسِيِّينَ لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكِلْمَةٍ. 14 فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ، لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ، بَلْ بِالْحَقِّ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ. أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟ نُعْطِي أَمْ لاَ نُعْطِي؟» 15 فَعَلِمَ رِيَاءَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ:«لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟ اِيتُونِي بِدِينَارٍ لأَنْظُرَهُ.» 16 فَأَتَوْا بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ:«لِمَنْ هذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟» فَقَالُوا لَهُ:«لِقَيْصَرَ». 17 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ للهِ». فَتَعَجَّبُوا مِنْهُ. 18 وَجَاءَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنَ الصَّدُّوقِيِّينَ، الَّذِينَ يَقُولُونَ لَيْسَ قِيَامَةٌ، وَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: 19 «يَا مُعَلِّمُ، كَتَبَ لَنَا مُوسَى: إِنْ مَاتَ لأَحَدٍ أَخٌ، وَتَرَكَ امْرَأَةً وَلَمْ يُخَلِّفْ أَوْلاَدًا، أَنْ يَأْخُذَ أَخُوهُ امْرَأَتَهُ، وَيُقِيمَ نَسْلاً لأَخِيهِ. 20 فَكَانَ سَبْعَةُ إِخْوَةٍ. أَخَذَ الأَوَّلُ امْرَأَةً وَمَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ نَسْلاً. 21 فَأَخَذَهَا الثَّانِي وَمَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ هُوَ أَيْضًا نَسْلاً. وَهكَذَا الثَّالِثُ. 22 فَأَخَذَهَا السَّبْعَةُ، وَلَمْ يَتْرُكُوا نَسْلاً. وَآخِرَ الْكُلِّ مَاتَتِ الْمَرْأَةُ أَيْضًا. 23 فَفِي الْقِيَامَةِ، مَتَى قَامُوا، لِمَنْ مِنْهُمْ تَكُونُ زَوْجَةً؟ لأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً لِلسَّبْعَةِ». 24 فَأَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُمْ:«أَلَيْسَ لِهذَا تَضِلُّونَ، إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللهِ؟ 25 لأَنَّهُمْ مَتَى قَامُوا مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يُزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ. 26 وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الأَمْوَاتِ إِنَّهُمْ يَقُومُونَ: أَفَمَا قَرَأْتُمْ فِي كِتَابِ مُوسَى، فِي أَمْرِ الْعُلَّيْقَةِ، كَيْفَ كَلَّمَهُ اللهُ قَائِلاً: أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ؟ 27 لَيْسَ هُوَ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ. فَأَنْتُمْ إِذًا تَضِلُّونَ كَثِيرًا!». (عدد 13-27). إن ساعة آلام الرب لم تكن قد أتت. فأرسلوا جواسيس يصطادونهُ بكلمة؛ لأن الفريسيين كانوا مفعميين بالكبرياء والافتخار بامتيازات أمة اليهود ومتأهبين لإثارتها ضد الرومانيين وكانوا يستخدمون التمليق والتدليس لأهاجة أطماعها، وكانوا خاضعين لغير الأمم بسبب خطاياهم ولم يكونوا يُحسبون بعد في منزلة شعب الله. أما مسيا الموعود بهِ فكان قد آتى من قِبل الآب فلم يشأوا أن يقبلوهُ لأنهُ أعلن الله ومثَّلهُ على الأرض ولم تصبو قلوبهم القاسية لله بل أرادوا ان يتباهوا ويُمجدوا أنفسهم بأنهم شعب الله ولكنهم لم يقبلوهُ تعالى ويخضعوا لهُ. فكان عصيان قلوبهم على الله مقترنًا بتمردهم القلبي على حكومة الأمم وكبريائهم الوطنية. أما الهيرودسيين فبالعكس لأنهم قبلوا السلطة الرومانية ولم يتعبوا أنفسهم بامتيازات إسرائيل بل كانوا يصبون جدًا للفوز برضى ذلك الشعب القوي الذي ضبط إسرائيل تحت نير دينونة الله الثقل. فلو قال الرب: أنهم لا يجب ان يؤدوا الجزية لأظهر نفسهُ عدوًا للسلطة الرومانية وباَدرَ الهيرودسيين للشكوى عليهِ، ولو قال بلزوم تأديتها لم يكن هو المسيا المنتظر ان يُعتقهم من النير الروماني المقوت؛ لأنهم لم يكونوا يعتقدون بإمكانية وجود وسيلة أخرى للنجاة ومن ثم كان يفقد رضى الشعب ومحبتهم. فقد اتفق الهيرودسيون والفريسيون واجتمعت كلمتهم للإيقاع بيسوع غير ان الحكمة الإلهية لا تعجز عن حل المشاكل العسرة. فكان ينبغي ان اليهود يخضعون للنير الذي وضعهُ الله نفسهُ على أعناقهم إلى ان يُحررهم الله بنعمتهِ، وكان يجب ان يقبلوا التأديب من يدهِ، ولكنهم لم يفعلوا هذا ولا ذاك لأنهم كانوا مرائين أمام الله ومتمردين نحو البشر فطلب منهم يسوع ان يروهُ قطعة من النقود المرسوم عليها رأس الإمبراطور وسألهم لمن هذه الصورة والكتابة فأجابهُ اليهود: لقيصر. فقال لهم: يسوع أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله فذهب اليهود منذهلين من حكمتهِ الباهرة وما كان ذلك الجواب إلا عادلاً لأنهُ لم يدفع شكاويهم فقط بل أعلن حالة إسرائيل الحقيقية ودينونة الله عليهِ. ثم آتى الصدوقيون بعدئذ وهم طائفة أخرى من اليهود لا تعتقد بعالم غير منظور ولا بالملائكة ولا بالقيامة بل كانوا يذهبون إلى ان الله أعطى الناموس لشعبهِ إسرائيل وان هذا هو كل الوحي والإعلان. فكانوا قد أعتقادوا على مجادلة الناس ولم يتوقعوا ان يصادفوا الحكمة الإلهية ولا قوة كلمة الله المستحيلة مقاومتها. فأتوا بذكر حادثة صورها لهم الوهم فلو صدقت لجعلت تعليم القيامة أمرًا متعذر وجدير بالاستخفاف ؛ لأنهم خالوا ان نسبة الإنسان وحالهُ في هذا العالم تستمر ان على ما كانتا عليهِ في العالم الآتي. فهذا هو طبقَ ما يفعلهُ الناس لا سيما الذين يميلون إلى الكُفر فإنهم يمزحون أفكارهم مع كلام الله وبما ان هذه الأفكار لا تتفق مع تلك فيظنونها غير مفهومة ويرفضونها، وأما قيامة الأموات فمن الحقائق الأساسية الجوهرية التي يجب الاعتقاد بها فالسيد لم يُسَكت أعدائهُ فقط بحكمة جوابهِ واكتشاف ريائهم بل أعلن الحق نفسهُ الوارد تحت حجاب في تعليم العهد القديم مثبتًا إياهُ بقوة سلطانهِ ذلك لحق خطير أي القيامة وعليهِ تتعلق كل الأشياء فإنها برهان على أن يسوع هو ابن الله وان ابن الله قَبِلَ ذبيحتهُ وهي أيضًا كناية عن غلبة الموت وأن كل الأمور المختصة بحال الإنسان الساقط السيئة قد تُركت، وغض النظر. عنها ودخل الإنسان حديثًا حسب مشورة الله في حالة جديدة وفي أمجاد أبدية وأصبح بشبه صورة المسيح. لا شك بأن الأشرار يقومون للدينونة ولكن الرب إنما ينظر هنا إلى خاصتهِ وأحوالهم ولاهتمام بهم كما في (كورنثوس الأولى إصحاح 15) فكأنهُ قال: ان العهد القديم يتضمن إعلان هذا الحق. أما النظر لشخصهِ فقد تنبئ عنهُ صريحًا في المزمور السادس عشر. ولكن يُقال ان الصدوقيين لم يعتقدوا إلا بناموس موسى. فذلك الناموس يتعلق أولاً- بما أسسهُ الله على الأرض لشعبهُ الأرضي أما الحياة وعدم الفساد فأُعلنا بالإنجيل وبقيامة يسوع نفسهُ غير ان النور في العهد القديم وإن كان أحيانًا تحت غمام لكنهُ لم يكن ناقصًا للسُيَاح، والغرباء على الأرض الطالبين موطنًا أفضل ومدينة سماوية. فالتعليم الوارد هنا يُشير إلى سيادة الله وحكومتهِ على الأرض. غير أن قلوب المؤمنين تَجد بها بالإيمان كل ما تفتقر إليهِ للاستدلال على وطن أبدي وسماوي. ان الفريسيين آمنوا بالقيامة ولم يكونوا أغبياء بفهم هذه الحقيقة. غير أن السيد أراد أن يُبين ان الصدوقين إذا كانوا يقبلون الناموس فقط فالناموس نفسهُ المُعطى من الله كان كافيًا لإنارة الفهم الروحي وحملهِ على توقُّع أمور أفضل من الأشياء الأرضية وأن يزيد علاقتهُ معهُ تعالى زيادة أعظم مما يستطيع الإنسان ان يتمتع بها في سلطة الله على العالم أو على شعبهِ وإن كان كانت هذه السلطة مما لا ريب فيهِ. ثم عنف الرب الصدوقيين تعنيفًا عامًا لجهلهم الكتب وقوة الله وأعلن أولاً- هذا الحق وهو أن الإنسان حالما يُقام من الأموات يكون مثل الملائكة ولا علاقة لهُ بالزواج. ثم أوضح نسبة الله للإنسان الفائقة بحياة وراء الموت فينشأ من ذلك بالضرورة تعليم القيامة؛ لأن الإنسان مركب حسب مشورة الله من روح وجسد. فإبراهيم وإسحاق ويعقوب كانوا قد أسلموا الروح مذ زمن مديد غير أن الله لم ينفكَّ عن كونهِ إلهًا لهم فمن ثمَّ كانوا لم يزالوا أحياء لهُ لأن الموت إنما يستولي على الجسد إلى حين ولا يستطيع ان ينقص علاقة الروح مع الله فإذًا لابد من إقامة أجساد الذين هم خاصة الله. فالصدوقيين المعتقدون بناموس موسى فقط كانت تعوزهم بينة صريحة على هذه الحقيقة مقتبسة من الناموس نفسهِ. أما نحن فيهمنا فهم هذه الحقيقة أيضًا كيفما كانت علاقتها مع الصدوقيين وعلينا ان نذكر ان الله لما دخل منذ البدء بنسبة مع الإنسان ودخلت الخطية والموت جعل تعليم القيامة أساسًا أوليًا في جميع إعلاناتهِ. ولا أساس آخر حقيقيًا للبركة فإن المواعيد نفسها المعطاة لإسرائيل إنما كانت مؤسسة على هذا الحق ولا سيما إتمامها انظر (أعمال الرسل 34:13) فالأمر الأول المُعلن بالإنجيل مؤسس بوحي الله الأول الصريح على نسبتهِ تعالى للبشر تلك نسبة مقترنة كل الاقتران بالفداء على أنها كانت لإسرائيل على سبيل الرموز ولكنها تمت إتمامًا حقًا بالمسيح ومؤبدًا فكما أن حق الديانة المسيحية العظيم اعني بهِ حالة الإنسان الجديدة قد توطد بكلمة الله كذلك أيضًا كمال الناموس الذي هو دستور الواجبات الإنسانية قد أنجلى جلاء بينًا كما سيظهر في الفصل القادم. 28 فَجَاءَ وَاحِدٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَسَمِعَهُمْ يَتَحَاوَرُونَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ أَجَابَهُمْ حَسَنًا، سَأَلَهُ:«أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَوَّلُ الْكُلِّ؟» 29 فَأَجَابَهُ يَسُوعُ:«إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. 30 وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. 31 وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ». 32 فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ:«جَيِّدًا يَا مُعَلِّمُ. بِالْحَقِّ قُلْتَ، لأَنَّهُ اللهُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ. 33 وَمَحَبَّتُهُ مِنْ كُلِّ الْقَلْبِ، وَمِنْ كُلِّ الْفَهْمِ، وَمِنْ كُلِّ النَّفْسِ، وَمِنْ كُلِّ الْقُدْرَةِ، وَمَحَبَّةُ الْقَرِيبِ كَالنَّفْسِ، هِيَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْمُحْرَقَاتِ وَالذَّبَائِحِ». 34 فَلَمَّا رَآهُ يَسُوعُ أَنَّهُ أَجَابَ بِعَقْل، قَالَ لَهُ:«لَسْتَ بَعِيدًا عَنْ مَلَكُوتِ اللهِ». وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ بَعْدَ ذلِكَ أَنْ يَسْأَلَهُ! (عدد 28-34). فسمع أحد الكتبة المحاورة الجارية بين الرب والصدوقيين وعلمَ انهُ أجاب بحكمة إلهية حقيقية فدنا منهُ وسألهُ أية وصية هي أول الكل. فقد ذهب الكتبة إلى ان الوصايا تمتاز عن بعضها قيمة وأهمية وأن بعضها يسمو على بعض لينال الإنسان بمجموعها البر المطلوب منهُ البلوغ إليهِ فأجاب الرب: الآن هذا السؤال جوابًا صريحًا بدون ان يحوَّلهُ لتحيير سائلهُ بل شادَ الدعامتين العظيمتين المتعلقة عليهما المسئولية الإنسان وهما وحدة الله وواجبات الإنسان نحوهُ تعالى ونحو قريبهِ فعلى هذا بُنىَ إيمان إسرائيل وواجباتهِ نحو الجميع. فلم يقتبس السيد الوصايا العشر بل مبدأ أي الناموس المقترن بواجبات الإنسان جميعها. فقد علمَ لهُ المجد كيف يجلوها ويُعلنها من تحت حجاب الوحي الإلهي وفقًا لما ورد في (تثنية 4:6؛ 12:10؛ لاويين 18:19) فلم يعوز الرب شيء من معرفة الواجبات الإنسانية بل كمل بهِ ذلك ككمال النعمة والمحبة الإلهية أيضًا. لانه كان كإنسان يشعر شعورًا تامًا بالمسئولية الإنسانية نحو الله، والقريب أيضًا فما أجمل النظر بهذه الكمالات في شخص المسيح! فأن نعمة الله ومحبتهِ ظهرتا في حياتهِ كلها كما رأينا. ولكنا نرى هنا قانون سلوك الإنسان وواجباتهِ على الأرض حسب الناموس ليس كما كان معروفًا عند البشر أي الوصايا العشر التي هي أول ما يخطر في بال الإنسان بل المبادئ المقترنة في أكمة مختلفة في أسفار العهد القديم التي كان الرب يُفهمها كونهُ حاويًا كمال الناسوت لدى الله ومظهرًا للكمال الإلهي لدى البشر. فقد أدرك قلبهُ الأمر الواحد أما التعبير عن الأمر الثاني فقد نشأ طبعًا من ذلك القلب نفسهُ فتأثر ضمير الكاتب وقلبهُ وشهد بكمال جواب الرب وزاد على ذلك بقولهِ: ان القيام بذلك أفضل من المحرقات والذبائح. فلم يكن بعيدًا عن ملكوت الله لآن القلب الفاهم أفكار الله عن الإنسان يحب ما يحبهُ تعالى ويصبو إليهِ غير ان الإنسان البالغ إلى حالة كهذه يعسر عليهِ بعد ان يقبل قبولاً تامًا ما يعلنهُ الله لخير شعبهُ وبركتهُ. فلم يتجاسر أحد منذ الآن ان يسألوهُ سؤالاً؛ لأن حكمة الله أسمى من مدارك قلوبهم. 35 ثُمَّ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ:«كَيْفَ يَقُولُ الْكَتَبَةُ إِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ دَاوُدَ؟ 36 لأَنَّ دَاوُدَ نَفْسَهُ قَالَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي، حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ. 37 فَدَاوُدُ نَفْسُهُ يَدْعُوهُ رَبًّا. فَمِنْ أَيْنَ هُوَ ابْنُهُ؟» وَكَانَ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ يَسْمَعُهُ بِسُرُورٍ. 38 وَقَالَ لَهُمْ فِي تَعْلِيمِهِ:«تَحَرَّزُوا مِنَ الْكَتَبَةِ، الَّذِينَ يَرْغَبُونَ الْمَشْيَ بِالطَّيَالِسَةِ، وَالتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ، 39 وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ، وَالْمُتَّكَآتِ الأُولَى فِي الْوَلاَئِمِ. 40 الَّذِينَ يَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ، وَلِعِلَّةٍ يُطِيلُونَ الصَّلَوَاتِ. هؤُلاَءِ يَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ». 41 وَجَلَسَ يَسُوعُ تُجَاهَ الْخِزَانَةِ، وَنَظَرَ كَيْفَ يُلْقِي الْجَمْعُ نُحَاسًا فِي الْخِزَانَةِ. وَكَانَ أَغْنِيَاءُ كَثِيرُونَ يُلْقُونَ كَثِيرًا. 42 فَجَاءَتْ أَرْمَلَةٌ فَقِيرَةٌ وَأَلْقَتْ فَلْسَيْنِ، قِيمَتُهُمَا رُبْعٌ. 43 فَدَعَا تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ لَهُمُ:«الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ الْفَقِيرَةَ قَدْ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِن ْجَمِيعِ الَّذِينَ أَلْقَوْا فِي الْخِزَانَةِ، 44 لأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا. وَأَمَّا هذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِهَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا، كُلَّ مَعِيشَتِهَا». (عدد 35-44). أما السيد فسألهم في نوبتهِ سؤالاً يتعلق على جوابهِ حق جوهري مختص بشخصهِ لهُ المجد وبحالتهم الطبيعية لدى الله وهو المسيح ابن مَنْ هو؟ فإن اليهود كانوا يقولون انه: ابن داود ذلك مما لا ريب فيهِ. غير أن السيد قال أيضًا: فداود نفسهُ يدعوهُ ربًا فمن أين هو ابنهُ؟ فيسوع كان ابن داود ولكن لابد لهُ ان يجلس عن يمين الله بالطبيعة الإنسانية ذلك هو سر المسألة كلها. أما نسبتهُ لليهود فكانت قد انقضت بحسب الجسد. فقد حضرت لديهِ فرق اليهود كلها فقضى على جميعها قضاءً عادلاً. ثم عنف الرب الكتبة الذين أفسدوا كلمة الله وحرفوها وهم يدَّعونَ تفسيرها. فقد كانت لهم صورة التقوى وطلبوا مجدهم الذاتي وسلب أموال الأرامل اللواتي تقربوا إليهن تحت رداء التقوى والدين. ولذلك كانت دينونتهم أشد هولاً وورعًا. غير ان السيد لا ينسى خاصتهُ في وسط رياء القوم المتظاهرين بالتدين والتقوى فربما أخطأ هؤلاء وربما ان فلس الأرملة كان من الدراهم المعطاة ليهوذا الخائن ولكنهُ كان معطى للرب بغض النظر عن ذلك الفلس المعطى بخصوص نية وسلامة تسلب بل شهد بمحبتهِ لسخاء تلك الأرملة البائسة وكرامة صنيعها. فالأغنياء كانوا أعطوا كثيرًا أما الأرملة فقدمت نفسها لله كذبيحة حية فقد أعطت كل معيشتها فربما كانت تستطيع ان تستخدم وسائل أخرى أفضل ولكنها أعطت الفلس للرب من أعماق قلبها فقبلهُ منها كل القبول. ذلك أمر جوهري علينا ان نذكرهُ ونتأمل بهِ. |
||||
05 - 11 - 2012, 04:31 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: أنجيل مرقس ( شرح أية أية )
الأصحاح الثالث عشر 1 وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنَ الْهَيْكَلِ، قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَامُعَلِّمُ، انْظُرْ! مَا هذِهِ الْحِجَارَةُ! وَهذِهِ الأَبْنِيَةُ!» 2 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«أَتَنْظُرُ هذِهِ الأَبْنِيَةَ الْعَظِيمَةَ؟ لاَ يُتْرَكُ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ». 3 وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تُجَاهَ الْهَيْكَلِ، سَأَلَهُ بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ عَلَى انْفِرَادٍ: 4 «قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ الْعَلاَمَةُ عِنْدَمَا يَتِمُّ جَمِيعُ هذَا؟» 5 فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ وَابْتَدَأَ يَقُولُ:«انْظُرُوا! لاَ يُضِلُّكُمْ أَحَدٌ. 6 فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: إِنِّي أَنَا هُوَ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. 7 فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَبِأَخْبَارِ حُرُوبٍ فَلاَ تَرْتَاعُوا، لأَنَّهَا لاَبُدَّ أَنْ تَكُونَ، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ. 8 لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ زَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَاضْطِرَابَاتٌ. هذِهِ مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ. 9 فَانْظُرُوا إِلَى نُفُوسِكُمْ. لأَنَّهُمْ سَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَتُجْلَدُونَ فِي مَجَامِعَ، وَتُوقَفُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ، مِنْ أَجْلِي، شَهَادَةً لَهُمْ. 10 وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاً بِالإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ. 11 فَمَتَى سَاقُوكُمْ لِيُسَلِّمُوكُمْ، فَلاَ تَعْتَنُوا مِنْ قَبْلُ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ وَلاَ تَهْتَمُّوا، بَلْ مَهْمَا أُعْطِيتُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَبِذلِكَ تَكَلَّمُوا. لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلِ الرُّوحُ الْقُدُسُ. 12 وَسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ. 13 وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلكِنَّ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ. 14 فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ، قَائِمَةً حَيْثُ لاَ يَنْبَغِي. *لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ* فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، 15 وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ إِلَى الْبَيْتِ وَلاَ يَدْخُلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا، 16 وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجِعْ إِلَى الْوَرَاءِ لِيَأْخُذَ ثَوْبَهُ. 17 وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ! 18 وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ. 19 لأَنَّهُ يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ضِيقٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْخَلِيقَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ إِلَى الآنَ، وَلَنْ يَكُونَ. 20 وَلَوْ لَمْ يُقَصِّرِ الرَّبُّ تِلْكَ الأَيَّامَ، لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ، قَصَّرَ الأَيَّامَ. 21 حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. 22 لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، لِكَيْ يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. 23 فَانْظُرُوا أَنْتُمْ. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ. (عدد 1-23). أننا قد رأينا دينونة القوم، وكيف أن الله أحضر بعنايتهِ كل فئة إلى حضرة السيد فقضيّ على كلٍ منها ورأينا أن كل فرقة قد دينت أدبيًا بكلمة الله، وبحكمة يسوع الفائقة. غير أن الإثم الباعث على إجراء ذلك القضاء لابدَّ أن يسبّب مصاعب في سبيل التلاميذ. فكان عليهم أن يسيروا في طريق مليء بالأخطار. فحذَّرهم لهُ المجد وأراهم كيف يستطيعون الفرار من تلك الدينونة المُزمعة أن تلمّ بالشعب المحبوب لأجل خطاياهُ. فالرب حينئذٍ لا يكون حاضرًا بالجسد لإرشادهم غير أن قلبهُ المُحب لم يتركهم في الجهالة بل أنباهم عن السبيل، والمُشاق التي كانت تترصدهم. فالشهادة التي أداها كان من شأنها أن تجعل تلك المصاعب والأخطار دليلاً عن صحة كلامهِ، وتشجيعًا لقلوبهم حين يجدون أنفسهم في قلق واضطراب. غير أن الرب لم يقتصر في كلامه على القضاء العتيدان يتمّ بل أوضح طرق الله العتيدة أن تُكمل إلى حين إتيانهِ إذ ينال إسرائيل البركة أيضًا بعد أن تلمّ بهِ تلك الدينونة ولا تُترك منهُ إلاَّ بقية فقط وتباد قوة الوحش أي ممالك الأمم ويُقيَّد إبليس، ويستريح العالم في سلام وأمن. على أن هذا القول ليس إلاَّ بمنزلة تحذير لتلاميذهِ. لأنهُ لا يوضح هنا أحوال الملكوت مدة الألف سنة حين تكون الراحة التامة قد حلَّت على المسكونة بل إنما ينبئُ التلاميذ الاضطرابات التي ستسبق ذلك. أما التلاميذ فلأنهم كانوا قد تعودوا أن يروا الهيكل بيت الله، ومركز ديانتهم المجيد أشاروا وهم متعجبون إلى جمال البناء، وعظمة الحجارة فانتهز الرب الفرصة كما جرت عادتهُ لإبلاغهم أفكار الله بشأن تلك الأزمنة، وحال تلك الأمة الأثيمة فأنبأهم صريحًا عن خراب الهيكل، وأن تلك حادثة حقيقية، وتكلم عن حال الشعب إلى حين إتيانهِ بحسب تعلقها مع خدمة تلاميذهِ. فما قيل يضارع بمعنى عام الأقوال الواردة في إنجيل مَتَّى بهذا الصدد. غير أن الروح القدس يرينا الرب هنا كأنهُ مُشتغل بتعلَّيم تلاميذهِ بصفاتهِ كنبي، ومُعلَّم، ولا يشرح أمجادهُ كملك إسرائيل وديان الأمم كما في إنجيل مَتَّى. فنرى هنا تعليمًا عامًا كما في إنجيل مَتَّى يستمرُّ إلى ختام زمان النعمة المُعلنة ثم ذكر علامة خراب أورشليم الأخيرة الخاصة التي تسبق إتيان الرب بالمجد. فهذا الاهتمام المُتعلق بشهادة التلاميذ وخدمتهم يوافق صفات هذا الإنجيل الذي يبين لنا تاريخ خدمة الرب نفسهِ. فلم يُجبْ يسوع تلاميذهُ على هذهِ المسألة على الفور بل حذرهم من الأخطار التي تعترضهم في خدمتهِ بعد إنصرافهِ. فأن الشيطان سيقيم مُسحاءَ كذبة ليخدعوا اليهود، وكثيرون سيخدعون. ومن واجباتهم أن ينتبهوا لهذا الأمر. وستحدث حروب وأخبار حروب، ولكن لا ينبغي أن يقلقوا من ذلك فأن هذه الأشياء لابدَّ من حدوثها، ولكن ليس المُنتهى بعدُ. فأن هذه بداءة الأحزان فقط، وليست نهايتها. أن الرب لم يتكلم هنا عن خدمة بولس الرسول الخصوصية المُتعلقة بإبلاغ بشارة الخلاص باسم المسيح إلى جميع الأمم وبتأسيس الكنيسة المسيحية بل عن خدمة التلاميذ الاثنى عشر بين اليهود. فقط ينبغي أن يكرز بالإنجيل لكل الأمم قبل النهاية. ونعلم أن ذلك إنما هو إنجيل الملكوت كالذي كُرز بهِ أثناء حياة الرب. فالآيات الواردة هنا تدل على أنباء بسيط عن شهادة الإنجيل المُسلة إلى الأمم قبل المُنتهى. غير أن العاقبة المترتبة على تلك الشهادة التي سوف يؤديها التلاميذ تتعلق بالاضطهاد المُزمع أن يلمّ بهم. فأنهم سيُضربون في المجامع، ويُشكى عليهم أمام ملوك وولاة شهادة لهم. فهذه هي الواسطة التي يستخدمها الله لإبلاغ الإنجيل المملوك ولعظماء الأرض. فالكارزون ليسوا من عظماء العالم ومن واجبات تلاميذهِ أن يحافظوا دائمًا على صفاتهم الحقيقية. فأنهم سيقفون بهذه الصفات نفسها بمنزلة أسرى لدى الملوك ليؤدوا شهادةً عن إيمانهم. وعلى هذه الصفة وقف بولس أمام مجمع اليهود وأما فستُس وأغريباس ثم أمام قيصر غير أن نتيجة الكرازة بالإنجيل ليست كل المطلوب. فأن إعلان الله بشخص المسيح أو بالكلمة المكروز بها لتحرّك عدوان القلب الإنساني. فما دام هذا الإعلان مكتومًا لا خوف من القلاقل والمقاومات، ولكن حين يُعلن الله ينهض الإنسان لمقاومة سلطانهِ، ولمضادة الأثقال التي يضعها هذا الإعلان على الضمير المضطرب، وكلما زادت هذه العلاقة اشتدَّت البغُضة، وعظمت. ولا يُخفى أن هذا العدوان يقطع كل علائق الطبيعة، ويفصم عراها فينهض الأولاد على والديهم، ويقتلونهم، ويكون التلاميذ مُبْغَضين من كل الناس لأجل اسمهِ. فما أقطع هذه الشهادة على حال القلب الإنساني. لأنَّهُ إذا فاه الإنسان باسم يسوع، ونطق بمحبتهِ، وقال أنَّهُ أتى لخلاصنا هدمت بُغضة قلب الإنسان كل الحواجز فأبى الاعتراف بالمحبة الطبيعية وداسها تحت الأقدام. غير أن وقت النجاة لابدَّ من إتيانهِ إنما تلك نجاة أُناس على الأرض وحفظهم لكي يتمتعوا ببركات الملكوت هنا لا في السماء. على أن الأفضل لنا لو تجرعنا غصص المنون لأجل اسمهِ فأننا سننطلق لنكون معهُ. إنما الرب يتكلم هنا عن شهادة التلاميذ وخدمتهم في وسط اليهود. فإذا تأملنا بهذا الكلام من سائر وجوههِ رأيناهُ يدلُّ على بقاء راحة لشعب الله. وسواء أن فسرناهُ على التلاميذ باعتبار خدمتهم العامة لجميع الناس أثناء غياب السيد أو خدمتهم الخاصة في الدائرة الإسرائيلية في الظروف المذكورة هنا فلهم الغبطة فأن الله نفسهُ سيكون معهم، ويرافقهم في الطريق، ونحن كذلك في خدمتنا، وشهادتنا كيفما كانت ظروف أحوالنا. فأنهم حين يقفون أمام الحكام لا يجب أن يفتكروا بماذا يقولون، ولا يلزمهم أن يعدُّوا خطبًا لأن الروح القدس يكون معهم، وسيعطي لهم ماذا يتكلمون بهِ حينئذٍ. فهذه هي الصورة التي رسمها السيد عن خدمة تلاميذهِ في وسط اليهود حتى المُنتهى. ثم زاد على ذلك بأن قال: أن الإنجيل يكرز بهِ إلى أقاصي الأرض. ثم ذكر في العدد الرابع عشر تنبيهًا قاطعًا مجزومًا بهِ على أسلوب أقطع مما قال سابقًا يتعلق بالحوادث المُزمعة أن تُجرى في أورشليم إذ قال فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة حيث لا ينبغي؛ ليفهم القارئ. وحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال. فيجب أن نراجع هنا نبوة دانيال المُتكلمة عن هذه الرجسة فنجدها في (دانيال 25:9-27) والضيق العظيم المُقترن بذلك(إصحاح 1:12) فكلمة رجسة إنما تفيد صنمًا، وقد دُعيت رجسة الخراب؛ لأنها السبب لخراب أورشليم، وهلاك أمة اليهود. أن اليهود سيقبلون ضد المسيح. كقول الرب أنا قد أتيتُ باسم أبي، ولستم تقبلونني إن أتى آخر باسم نفسهِ فذلك تقبلونهُ. فسيعودون تحت سطوة ضد المسيح إلى عبادة الأصنام. فأن هذا الروح النجس الذي خرج منهم بعد سبي بابل سيدخل فيهم أيضًا مع سبعة أرواح أُخر أشر منهُ فتكون الحالة الأخيرة أشر من الأولى (مَتَّى 42:12-45). وحينئذ سيَقيمون صنمًا في المكان المقدَّس حيث لا ينبغي؛ فتحل دينونة الله على الشعب، وعلى المدينة، ويكون الخراب كاملاً، وحينئذٍ سيكون ضيق لم يكن مثلهُ فأن دانيال يقول، وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك، ويكون زمان ضيق لم يكن مثلهُ منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت. وهذا الضيق يستمرُّ زمانًا وزمانين ونصف زمان أي ثلاث سنين يهودية ونصف سنة أو 1260 يومًا أو 42 شهرًا وفي ذلك الوقت يُنجى كل من يوجد مكتوبًا في السفر أي أولئك الذين كابدوا المصاعب، والآلام والمظالم من ضد المسيح، والأمم وفقًا لِما أنبأ بهِ السيد، ولم يحيدوا عن الإيمان. ولكن في خلال خدمة التلاميذ العامة سيعطيهم الروح القدس حكمةً لا يفتقرون لمعرفة نصوصها قبل الوقت المعيَّن. فنرى بهذا الكلام جودة الرب على أسلوب جدير بالاعتبار؛ لأنهُ سبق فأفتكر حتى في حالة الهواء أثناء تلك الدينونة الهائلة، ذلك قضاء رايع حتى أنهُ لن يحدث شئ يُضارعهُ في تاريخ العالم. فيوصيهم أن يصلوا لكي لا يكون هربهم في شتاء. ولا يتكلم هنا عن السبت كما في إنجيل مَتَّى لأنَّ الأمور اليهودية غير واردة هنا كما في ذلك الإنجيل. وقد أهتمَّ الرب أيضًا بالحبالى، والمرضعات في تلك الأيام. فيا لعظمة رأفتهِ! فأنهُ لم ينمحِ شئ من ذاكراتهِ. فأنهُ بينَما كان يحذّر تلاميذهُ من القضاء الهائل أهتم بالمصاعب المُزمعة أن تعترضهم في السبيل الذي علَّمهم أن يسيروا فيهِ. غير أن السيد قصَّرَ تلك الأيام، وإلاَّ لِما خَلَصَ كل ذي جسد، ولكنهُ إنما قصَّرها لأجل مُختاريهِ. ثم أنبأ عن قيام مُسحاء كذبة، وأنبياء كذبة يجترحون معجزات، وآيات، وإلى هذا الحد تتصل قوة الشيطان التي يسمح بها الله لإضلال الناس حتى المُختارين إذا أمكن. وقد ذكر ذلك لإعطاء رجاء النجاة من الآلام، والأوجاع. فقد حذَّر الرب تلاميذهُ على هذا الأسلوب. فحين تأتي هذه الضربات العديمة المثال على أورشليم حينئذٍ تأتي نهاية النظام، وتنقلب بقضاء الله كل السلطة المقررة، وتهدم الرتبة التي أسسها لحكومة العالم، ويعتريها الارتباك، والاختلال فتظهر وقتئذٍ علامات قضائهِ كما نرى في الفصل القادم. 24 «وَأَمَّا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بَعْدَ ذلِكَ الضِّيقِ، فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، 25 وَنُجُومُ السَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ، وَالْقُوَّاتُ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. 26 وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ، 27 فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ السَّمَاءِ. 28 فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقًا، تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. 29 هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذِهِ الأَشْيَاءَ صَائِرَةً، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ. 30 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ. 31 اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ، وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ. 32 «وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ. 33 اُنْظُرُوا! اِسْهَرُوا وَصَلُّوا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ الْوَقْتُ. 34 كَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ تَرَكَ بَيْتَهُ، وَأَعْطَى عَبِيدَهُ السُّلْطَانَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ، وَأَوْصَى الْبَوَّابَ أَنْ يَسْهَرَ. 35 اِسْهَرُوا إِذًا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَأْتِي رَبُّ الْبَيْتِ، أَمَسَاءً، أَمْ نِصْفَ اللَّيْلِ، أَمْ صِيَاحَ الدِّيكِ، أَمْ صَبَاحًا. 36 لِئَلاَّ يَأْتِيَ بَغْتَةً فَيَجِدَكُمْ نِيَامًا! 37 وَمَا أَقُولُهُ لَكُمْ أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ: اسْهَرُوا». (عدد 24-37). هذه العلامات في الأجرام السماوية ترافق الاضطرابات والانقلابات الحادثة حينئذٍ على الأرض كما قد رأينا بتفصيل إصحاح 24 من إنجيل مَتَّى. فلا حاجة هنا إلى إطالة الشرح على هذا الموضوع. فلابد ان الرب يظهر بقوة ومجد ليسود على الأرض التي لم يخلقها فقط بل حصل عليها بحق التملك أيضًا بواسطة موتهِ كابن الإنسان. فالقضية المُشار إليها هنا خاصة هي انهُ يرسل ملائكتهُ ليجمعوا مُختاريهِ من كل أطراف الأرض فالمسألة تتعلق هنا بأرض إسرائيل والمختارون هم من أسباط إسرائيل المتفرقين. على ان البركة المختصة بالأمم وبالعالم بأسرهِ لابد من حلولها في ذلك الوقت، وإنما يذكر الحوادث المتعلقة بإسرائيل والعالم ولا يُشير إلى اختطافنا. فان لنا دعوة ومنزلة أخص من أولئك لأننا سنظهر مع الرب في المجد ونكون معهُ ومثلهُ انظر (كولوسي 4:3؛ يوحنا الأولى 4:3) فالسيد يكون حينئذ قد جمعنا لملاقاتهِ في الهواء ويكون قد مجدنا وجعلنا مثلهُ وفقًا لنعمتهِ الغير المحدودة التي أنالتنا ذلك المجد حسب مشورة الله العادلة الأبدية وسنكون مثل الابن ومعهُ إلى الأبد فهو البكر بين أخوة كثيرين. لكنهُ يتكلم هنا عن المختارين في وسط إسرائيل المتشتتين بين الأمم. فكل كلام المسيح هنا إنما هو متجه للشعب الأرضي. فهذا الجيل الوارد ذكرهُ في عدد 31 ليس إلا الجيل الملتوي الغير المؤمن من أمة اليهود الباقية حتى الآن جنسًا منفصلاً عن سائر الأمم وهي قاطنة بين شعوب العالم ولكنها باقية مفروزة ومحفوظة لإتمام مشورات الله. ثم أن نجد معنى كلمة جيل وقوتها واردة في (تثنية 2:32) حيث قِيلَ جيل معوج وملتوِ فقد قيل في العدد العشرين بشأن الدينونة الواقعة تحتها الأمة بعد نُطق الرب بهذه الكلمات اني احجب وجهي عنهم وانظر ماذا تكون أخرتهم لأنهم جيل متقلب أولاد أمانة فيهم. فالثلاثة أزمنة ونصف أو الثلاث سنين ونصف إنما هي كناية عن الزمان الذي قصرهُ الله من رحمتهِ وجودهِ وهي نصف أسبوع دانيال الذي لم يزل غير مكمَّل بعد. وبعد ذلك ستُقام رجسة الخراب في المكان الذي لا ينبغي ذلك يستغرق ثلاث سنين ونصف ويعقب ذلك بضعة أيام لتطهير الهيكل فعلى هذه الكيفية ستحصل بقية اليهود على العزاء لمعرفتها في وسط الضيقات العظيمة ان تلك الأيام لا تدوم إلا مدة قصيرة ولكنها تجهل كل الجهل زمان تلك الساعة العظيمة لأنها لم تعلن لنا فالله وحدهُ يَعلم متى يكون؟ وقد بعث السيد بتلاميذهِ للخدمة بين اليهود. فحين يرون تلك الحوادث آخذة في أن تتم حينئذٍ يَعلَمون ان الزمان قد اقترب نرى مَثل شجرة التين مدرجة هنا كما في (مَتَّى 32:24) وهو من الأمثال المتعلقة بالأمة الإسرائيلية. قال الرب: السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول. ولا يُخفى ان خراب أورشليم بواسطة تيطس الإمبراطور الروماني يُشير بعض الإشارة إلى ما قِيل غير ان نبوة الرب لم تُكمَل بعد بدليل ان المسيح لم يأتِ بعد تلك الحادثة ولم تتم الأمور التي تكلم عنها دانيال. فإذا حسبنا بعد خراب أورشليم 1260 يومًا أو 1260 سنةً لم يحدث شيء في ذلك الزمان يجوز لنا ان نحسبهُ تكميل هذه النبوة. ثم لا يمكن ان تكون ضيقتان لم تكن مثلهما. فنرى في إنجيل لوقا أولاً خراب أورشليم وحال اليهود الحاضرة على انهُ لا يتكلم عن رجسة الخراب لكنهُ يميز حصار أورشليم تحت قيادة تيطس عن إتيان الرب بعد ذلك بزمان مديد تمييزًا صريحًا. أما إنجيل مرقس فيتكلم أولاً عن خدمة التلاميذ إلى المنتهى ثم عن الضيقة الأخيرة مبتدئًا بحادثة رجسة الخراب. لا يُخفى ان اليهود لم ينجوا في زمان الضيقة التي وقعت عليهم في أيام تيطس ولكنهم يفوزون بالنجاة في وقت الضيق العظيم المذكور هنا فإن الله يتداخل بواسطة رئيس الملائكة ميخائيل. فذلك سيحدث في إتيان المسيح الثاني. فالآيات الوحيدة المشيرة إلى الضيقة العظيمة التي لا مثيل لها توجد في (إرميا 7:3؛ دانيال 1:12؛ ومَتَّى 24؛ ومرقس 13) فكلها تُشير إلى الأيام الأخيرة المختومة باستعلان المسيح. فأخيرًا حرضهم الرب على السهر والصلاة لأنهم لا يعلمون الساعة التي تتم بها تلك الأمور. وقد شبه نفسهُ بإنسان مسافر ترك بيتهُ وأعطى عبيدهُ السلطان ولكل إنسان عملهُ وأوصى البواب ان يسهر. فهذه هي صورة الخالة التي ترك عليها السيد تلاميذهُ في وسط اليهود الذين هم البيت الذي تركهُ السيد ووكلَّ تلاميذهُ على خدمة خصوصية فيهِ أثناء غيابهِ. لا شك أنهم خدموا أيضًا بين المسيحيين باعتبار كونهم بيت الله وكان يجب عليهم في كل نوع من خدمتهم ان يكونوا أُمناء ولكن ما يقولهُ لهم يقولهُ للجميع اسهروا، وهذا هو تنبيه وتحذير لنا فقد دُعينا لانتظار الرب ولا نعلم متى يعود لئلا يجدنا نائمين. فلنطلب منهُ تعالى ان يسبغ نعمتهِ في قلوبنا كي ننتظر مجيئهُ بأشواق حارة لملاقاتهِ ونسلك في سبيل يحملنا على الفرح دائمًا عند ذكر قدومهِ ولا نمل من الانتظار. |
||||
05 - 11 - 2012, 04:33 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: أنجيل مرقس ( شرح أية أية )
الأصحاح الرابع عشر 1 وَكَانَ الْفِصْحُ وَأَيَّامُ الْفَطِيرِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ. وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَطْلُبُونَ كَيْفَ يُمْسِكُونَهُ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُونَهُ، 2 وَلكِنَّهُمْ قَالُوا:«لَيْسَ فِي الْعِيدِ، لِئَلاَّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي الشَّعْبِ». 3 وَفِيمَا هُوَ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ، جَاءَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ. فَكَسَرَتِ الْقَارُورَةَ وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ. 4 وَكَانَ قَوْمٌ مُغْتَاظِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالُوا:«لِمَاذَا كَانَ تَلَفُ الطِّيبِ هذَا؟ 5 لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هذَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ». وَكَانُوا يُؤَنِّبُونَهَا. 6 أَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ:«اتْرُكُوهَا! لِمَاذَا تُزْعِجُونَهَا؟ قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَنًا!. 7 لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَمَتَى أَرَدْتُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِمْ خَيْرًا. وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. 8 عَمِلَتْ مَا عِنْدَهَا. قَدْ سَبَقَتْ وَدَهَنَتْ بِالطِّيبِ جَسَدِي لِلتَّكْفِينِ. 9 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هذِهِ، تَذْكَارًا لَهَا». (عدد 1-9). ثم لنرجع إلى تاريخ حياة الرب وإلى الأيام الأخيرة من تلك الحياة المُباركة. فكان الفصح بعد يومين وطلب رؤساء اليهود أن يقتلوهُ ولكنهم كانوا يخشون أن يُثيروا شغبًا بين الشعب لأنهم رأوا أن تعليمهُ ومُعجزاتهِ قد أنشأت تأثيرًا عظيمًا في قلوبهم فقالوا ليس في العيد لئلا يكون شغب في الشعب. تلك هي أفكارهم ولكنها لم تكن أفكار الله فإن يسوع كان لا بدَّ أن يموت كخروف الفصح الحقيقي المذبوح لأجلنا. وفضلاً عن ذلك كان ينبغي أن يموت في يوم الفصح نفسهِ ليفوق ذبيحة الفصح المُمثلة النجاة من مصر المرموز بها إلى نجاة أثمن بما لا يُقدَّر من المُشار إليها أي النجاة من الإثم لدى الله ومن سلطة الخطية. فدنا زمان موت المُخلِّص وظهرت عواطف المحبة من الجهة الواحدة وشر الإثم من الجهة الأخرى بكل صورها وألوانها. فانَّا نرى مريم التي أَلَّفت الجلوس عند قدمي يسوع لتسمع كلامهُ وتفهم معناهُ وقلبها ينهل من تلك التعاليم الصافية. وكان يسوع ينبوع كل بركة الموضوع الذي وجهَّت إليهِ قلبها واستولى على عواطفها كل الاستيلاء. فإن نعمة يسوع ومحبتهُ أنشأتا فيها المحبة لهُ وأنشأت كلمتهُ في قلبها فهمًا وإدراكًا روحيًّا.وحملتها تلك المحبة على الشعور ببُغض اليهود المُتزايد لمُخلّصها. على أن التلاميذ عرفوا أن اليهود يطلبون أن يقتلوهُ أما مريم فشعرت بذلك. ليس أنها كانت نبيه غير أن قلبها شعر بذلك ودلها على ما يصبو إليهِ البُغض الإنساني فعملت كل ما عندها للشهادة على عواطفها المُباينة لتلك. فجعل السيد عمل المحبة المُشار إليهِ يتكلم حيثما يُكرز بالإنجيل في كل العالم. فما أحلى الدخول إلى ذلك البيت الذي قطنت فيهِ تلك العائلة أما هذه الحادثة فجرت في بيت سمعان الأبرص فكانت هذه العائلة المحبوبة من المُخلِّص ملجًأ لقلبهِ حين كان يُرفض من الشعب. فإنه لم يستطع بعد الاعتراف بتلك المدينة التي أحبها مذ زمن مديد وكان مُعتادًا أن يسكن مع هذه العائلة المحبوبة. وكانت مرثا أكبر الأختين مُشتغلةً بالخدمة. فلقد كانت أمينة ومحبوبة من السيد ولكنها لم تكن ذات عواطف روحية كثيرًا ولم تفهم الأفكار التي أفعمت قلبهُ إلاَّ بعض الفهم. أما مريم فجلست عند قدميهِ تسمع تعليمهُ وكان الرب أقام من الأموات أخاها لعازر ومن ثمَّ تعلق قلبها بالمُخلِّص وأصبحت تُمثل تلك البقية القليلة التي اتَّحدت بيسوع نفسهِ وتابعت السير في الطرق الإلهية حتى النهاية ولم تقف عند آمال اليهود وأفكارهم على أن الإدراك الروحي المُعطى من الروح القدس وإن كان لم يزل ناقصًا فقد تبعت الرب عن قُرب ومن ثمَّ كانت مُتأهبةً لقبول الإعلان المُزمع أن يتمَّ. فقد قبل أن مريم هذه لم تكن عند قبر يسوع تطلب المُخلِّص الحي بين الأموات. غير أن القلوب المُتحدة مع يسوع بالمحبة والراغبة في الالتصاق بهِ تقبل منهُ إعلان محبتهِ ومجدهِ في الزمان المُعيَّن لذلك فهكذا هي الحالة دائمًا مع هؤلاء القوم المُخلص الوداد ليسوع. ومما هو جدير بالتأمل أيضًا أن يسوع وإن كان الله حقيقةً كان أيضًا إنسانًا حقيقيًا كاملاً وقدُّوسًا في كل شيء وفي كل الأفكار والعواطف بل كان ينبوع كل الأفكار الصالحة. فلم يكن عديم الشعور بهذه الأميال الودية. فقد أحبَّ ذلك التلميذ حُبًّا خاصًّا أُعني يوحنا وأحبَّ أيضًا مرثا ومريم ولعازر وكان يُرفض من العالم الكنود والشعب المُتمرد ذلك لا ريب من أثمار نعمتهِ غير أن محبة قلبهِ لم تنقص بهذا السبب بل كان مثل هؤلاء أعزاء عليهِ وموضوع ودادهِ واهتمامهِ. لكن وا أسفاه! إن ما هو رائحة حياة لحياة هو أيضًا رائحة موت لموت. فإن الذي أنفقتهُ مريم بالمحبة للسيد حرَّك روح البُخل والطمع في يهوذا وحسب ذلك خسارة. وقد سقط غيرهُ بهذا الداء العضال نفسهِ وأصبحوا تحت سطوة هذه الأفكار الشريرة. أما السيد فبرَّر المرأة وقال أنها فعلت كل ما عندها وما ذلك القول إلاَّ من نعمتهِ الفائقة وصرح بوجوب الاعتراف بما فعلتهُ في كل الأجيال تذكارًا لها. فإنها أبدت عواطف قلبها المُكرس بالنعمة في زمان كان بهِ المُخلِّص عازمًا على تسليم نفسهِ بالمحبة لفداء الأثمة فأصبح اسمها غير منفك عن عمل المسيح في تأدية الشهادة القاطعة لمحبتهِ الأبدية. فالذي فعلتهُ وإن كان قليلاً إنما السيد لا ينسى القليل المُقدَّم لهُ بالقلب الأمين المخلِص. 10 ثُمَّ إِنَّ يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ، وَاحِدًا مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، مَضَى إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ. 11 وَلَمَّا سَمِعُوا فَرِحُوا، وَوَعَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً. وَكَانَ يَطْلُبُ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ فِي فُرْصَةٍ مُوافِقَةٍ. (عدد 10-11). أما الآن فقد أمست كل الأمور تسير نحو النهاية فأسرع يهوذا مسوقًا ربما بقوة الرشوة وبالحري بقوة إبليس إلى تسليم الرب. فقد تمَّ بذلك الخير والشر معًا وقد كملا على الصليب. وأما رؤساء اليهود فلم يكن فيهم شيءٌ من الضمير الصالح يمنعهم عن إجراء أعمالهم الشريرة ومُقاومتهم لرب المجد ولم يدَّهم خوف الله عن ذلك فأنفقوا مع يهوذا على إعطائهِ دراهم لتسليم يسوع. فكان يطلب فرصة لتسليمهِ إلى أيدي الكهنة بسكونٍ وهدوءٍ. فيا للعمل القبيح الفظيع! 12 وَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الْفَطِيرِ. حِينَ كَانُوا يَذْبَحُونَ الْفِصْحَ، قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ:«أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نَمْضِيَ وَنُعِدَّ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ؟» 13 فَأَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمَا:«اذْهَبَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَيُلاَقِيَكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ. اِتْبَعَاهُ. 14 وَحَيْثُمَا يَدْخُلْ فَقُولاَ لِرَبِّ الْبَيْتِ: إِنَّ الْمُعَلِّمَ يَقُولُ: أَيْنَ الْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي؟ 15 فَهُوَ يُرِيكُمَا عِلِّيَّةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً مُعَدَّةً. هُنَاكَ أَعِدَّا لَنَا». 16 فَخَرَجَ تِلْمِيذَاهُ وَأَتَيَا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا. فَأَعَدَّا الْفِصْحَ. (عدد 12-16). ولكن كان لا بدَّ للمُخلِّص من أن يوضح لتابعيهِ الطريقة التي أسلم بها نفسهُ لأجلهم فسنَّ ذلك التذكار الثمين لموتهِ ليُحملنا على ذكر ذلك على الدوام لا لنؤمن فقط بكفاءة ذبيحتهِ المُكملة مرة وإلى الأبد على الصليب بل لتتحد قلوبنا بالمُخلِّص الذي أحبنا وأسلَّم نفسهُ لأجلنا ونَذكُرهُ ونُخبر بموتهِ الكريم إلى أن يجيءَ. فانَّا نحن المسيحيين قائمون بين الصليب وإتيان المسيح ومؤسسون كل التأسيس على عمل الصليب الكامل ومُنتظرون تلك الساعة التي يعود بها إلينا بالأشواق الحارَّة. فالرب وإن كان قد وصل إلى زمان إتضاعهِ الكلي ما فنيّ مُحافظًا كل المُحافظة على مجدهِ الذاتي وعلى حقوقهِ وسيادتهِ على كل الأشياء. فأمر اثنين من تلاميذهِ أن يدخلا المدينة حيث يريان إنسانًا حاملاً جرَّة ماءٍ فيجدا قلبًا مُستعدًّا بالنعمة لِقُبولهِ فيقولان لهُ: يقول المُعَلِّم: أين المكان الذي آكُل فيهِ الفصح مع تلاميذي؟ فإنهُ لهُ المجد يَعلَّم كل الأحوال وكل القلوب. فوجد التلميذان الرجل كما أخبرهم وأعدا الفصح. 17 وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ جَاءَ مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ. 18 وَفِيمَا هُمْ مُتَّكِئُونَ يَأْكُلُونَ، قَالَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي. اَلآكِلُ مَعِي!» 19 فَابْتَدَأُوا يَحْزَنُونَ، وَيَقُولُونَ لَهُ وَاحِدًا فَوَاحِدًا:«هَلْ أَنَا؟» وَآخَرُ:«هَلْ أَنَا؟» 20 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:«هُوَ وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يَغْمِسُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ. 21 إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْرًا لِذلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ!». (عدد 17-21). فلما كان المساءُ أتى يسوع مع الاثنى عشر وكان ذلك العيد تذكارًا لنجاة بني إسرائيل من عبودية المصريين غير أن يسوع كان مُزمعًا أن يُتمم فداءً أفضل فسنَّ تذكارًا أسمى من ذلك بما لا يُقدَّر ولكن كان لا بدَّ لهُ أن يموت للقيام بذلك. فكانوا معًا على المائدة فتطلع السيد وهو مُفعم بالمحبة بالتلاميذ وشَعرَّ كل الشعور بأن واحدًا يُسلمهُ ممن كانوا مُتمتعين بعِشرتهِ وحضرتهِ المُقدَّسة. فقد عَلَمَ من هو الخائن، ولكنهُ عَبَّرَ عن الألم الحال في قلبهِ فقال: إن واحدًا منكم يُسلَّمني فإنهُ أراد أن يمتحن قلوبهم أيضًا وأن يُعلِنْ ما هو كامن داخلهُ. فصدقوا كلمات الرب فقال: كلٌّ منهم واثقًا كل الوثوق بالرب لا بنفسهِ هل أنا هو يا سيد؟ تلك شهادة جميلة على قلوب مُمتحنة تهتم بفظاعة ذلك الإثم وإمكانية حُدوثهِ وتثق بيسوع أكثر مما بنفسها. ولكن لا بدَّ للسيد من احتمال تلك الأحزان كلها فلم يكتمها بكبرياء عن خاصتهِ. ولكن رغب كإنسان في إبدائها للقلوب الإنسانية لأن المحبة تستند على المحبة. على أنهُ توجد أحزان يتعذر إبلاغها إلى قلوب البشر غير أن مشيئة الله اقتضت فليكن اسمهُ مُباركًا إلى الأبد أن نعرف آلام ابنهِ فهي وإن كانت تفوق إدراكنا لكنها عُرِضَتْ على قلوبنا للتأمل والتَبصُّر. وبُناءً على ذلك نسمع المُخلِّص صارخًا، إلهي إلهي لماذا تركتني؟ فإذا لم نستطع البلوغ إلى أعماق آلامهِ نستطيع أن نفهم شيئًا منها ونعرف أنها كانت غير محدودة. ثم أعلن لهم الرب على المائدة قُرب انصرافهِ من العالم وفقًا للنبوات وأنبأهم عن دينونة يهوذا الهائلة. ولا يُخفى أن إتمام مشورات الله لا ينزع الإثم عن القائمين بإتمامها، وإلاَّ كيف يستطيع الله أن يدين العالم؟ لأن كل الأشياء تعمل معًا لإتمام مشوراتهِ. لا جرم أن إرادة الإنسان الشريرة لا تنفكُّ من عمل الشر على الدوام. أما غاية الرب البادية في هذا الإنجيل بإخبارهم عن الإنسان المُرتكب هذه الخيانة فليست الإشارة إلى شخصهِ بل ليُعرفهم أن الذي يفعل ذلك إنما هو واحد من الاثنى عشر. 22 وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ، أَخَذَ يَسُوعُ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ، وَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ:«خُذُوا كُلُوا، هذَا هُوَ جَسَدِي». 23 ثُمَّ أَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ، فَشَرِبُوا مِنْهَا كُلُّهُمْ. 24 وَقَالَ لَهُمْ:«هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ، الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ. 25 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ بَعْدُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ اللهِ». 26 ثُمَّ سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ. (عدد 22-26). ثم سنَّ يسوع الآن العشاء الرباني وهو علامة ثمينة وتذكار كريم عن محبتهِ وموتهِ. فكان الفصح إلى الآن تذكارًا عن نجاة الشعب من عبودية مصر وكان يُمثل ذلك دم الخروف المرشوش على أساكفة أبواب الإسرائيليين. أما الآن فقد رُشَّ دم الحمل أسمى جدًا على قدس الأقداس السماوية أمام عيني الله وذلك حين أتمَّ حمل الله كل شيء لمجد الله وخلاص المؤمنين فقد كمل العمل وقد تجرع يسوع بذبيحة الصليب كأس اللعنة فلا يتجرعها بعدُ. وقد مَجَّد الله كل التمجيد بفداء الخاطئ فيستحيل أن يُزاد على ذلك كأن العمل ناقص ويفتقر للإكمال. فقد حَمَلَ خطايا الكثيرين فلا يحملها بعدُ. ولا يستطيع أن يُقدم نفسهُ أيضًا وقد جلس إلى الأبد عن يمين الله (عبرانيين 24:9-26). فإنهُ لو فعل ذلك لالتزم أن يتألم مرارًا. فلو لم تكن ذبيحتهُ الواحدة على الصليب قد نزعت خطية المؤمنين إلى الأبد لاقتضى أن يُكرّر ذلك العمل لأنهُ بدون سفك دم لا يحصل مغفرة. لا جرم أن مغفرة خطايا المؤمنين بواسطة عمل المسيح إنما هي تامة وكاملة وأبدية. فإذا أخطأنا بعد قُبول المغفرة صلى المسيح لأجلنا فهو شفيعنا بكفارتهِ ويظهر أمام وجه الله لأجلنا كبرّنا (يوحنا الأولى 1:2،2). أما نتيجة شفاعتهِ لأجلنا فهي أن الروح القدس يعمل في قلوبنا فنتضع ونعترف لله بخطايانا فتعود شركتنا مع الآب والابن. غير أن الخطية لا تُحسب علينا كإثمٍ لأن المسيح قد حملها بنفسهِ فحُسِبت عليهِ. وذلك كما كانت الحالة في فصح بني إسرائيل في مص فإن الله قال: فأرى الدم وأعبر عنكم. فدم المسيح لا يزال لدى عيني الله على الدوام ولا يبرح من ذاكرتهِ. وعلى ذلك يمسح يسوع أقدامنا بماء كلمتهِ لأجل السلوك اللائق بنا كوننا خُلِصنَا مجانًا بالإيمان بدمهِ الذي سُفك لأجلنا مرة واحدة على الصليب. فإذا كان الله لا ينسى دم المسيح المسفوك مرةً لأجلنا لا يُريدنا أن ننساهُ. ويسوع بنعمتهِ الفائقة الحد يرغب في أن نُفكر بهِ وأن نذكرهُ. ذلك من البينات الثمينة القاطعة على محبتهِ إيانا، بأنهُ يُسرّ بذكرنا إياهُ وأنهُ ترك لنا تذكارًا مؤثرًا عن نفسهِ وعن محبتهِ. فيا لبهجة هذا الفكر! وهو أن يسوع يصبو لأن نُفكر بهِ وبمحبتهِ. فالذبيحة لا يمكن تكرارها غير أن قيمتها هي هي دائمًا لدى الله ويسوع جالس عن يمين الله مُنتظرًا إلى أن توضع أعداؤُهُ تحت موطئ قدميهِ ونحن ننتظرهُ إلى أن يأتي ويأخذنا إلى بيت أبيهِ. وفي العشاء الرباني نذكر موتهُ إلى أن يجيء. ومن الأمور الخطيرة الواجب مُلاحظتها أن لا ذبيحة في الوقت الحاضر وأن المسيح ليس بحاضر شخصيًا في الخبز والخمر. أما كنيسة رومية فتقول: أن العشاء الرباني أو بالحري القُدَّاس هو الذبيحة نفسها التي تقدمت على الصليب. ولكن حين قال يسوع: هذا هو جسدي … اصنعوا هذا لذكري لم يكن عُلّق بعدُ على الصليب، ودمهُ لم يكن قد سُفك بعدُ، ولما كسر الخبز لم يمسك نفسهُ بيدهِ ، فكيف يمسك نفسهُ بيدهِ مصلوبًا وهو لم يكن قد سُمر بعد على الصليب؟ فالمسيح ليس على الصليب الآن بل هو جالس عن يمين الله، ولا يوجد سفك دم الآن. ومن دواعي السرور والشكر أن يسوع رَسمَ لنا هذا العشاء ذِكرًا لمحبتهِ وموتهِ. فإستحالة الخبز والخمر إلى جسد الرب ودمهِ الحقيقيين من الأمور الغير الممكنة المضادة للعقل والكتاب لأن ذبيحة المسيح واحدة ولا تتجدد ولا تتكرر. فنحن نُبين في العشاء موت يسوع ودمهُ المسفوك لأجلنا فالمُخلِّص قد تمجد فلا يمكن أن يكون ذبيحة بعد ولا يستطيع النزول من السماء ليموت أيضًا. فإذا إستحال الخبز إلى جسدهِ ووُجد فيهِ نفس لزم أن تكون نفس أخرى وهذا مُحال. فيقولون: أن اللاهوت موجود في كل مكان وإن جوهر الجسد موجود في العنصرين ولكن يُجاب أن النفس مُفردة وهي تحي وتشعر وتحب وهي واحدة لا تنقسم فبموجب تعاليم رومية أن نفس يسوع تترك السماء وتأتي الأرض لتتألم وتموت فلا يمكن أن تكون تلك النفس بعينها وإذا كانت هي نفسًا أخرى كان ذلك مُحالاً. فقد قال يسوع في إنجيل لوقا هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي، أي أنها تدل على الدم لأن الكأس نفسها ليست العهد الجديد. وعلى هذا المنوال يُمثل الخبز بنوع مؤثر جسد يسوع المصلوب ويُمثل الخمر دمهُ المسفوك لأجلنا. وأخيرًا أعطى السيد لتلاميذهِ من ثمر الكرمة ليشربوا فقد سماهُ بذلك بعد أن قال: في العدد الرابع والعشرين هذا هو دمي للعهد الجديد فيتضح من ذلك جليًّا أنهُ لما قال: لا أشربهُ معكم أيضًا أعني عن الخمر في حالهِ الطبيعية. ثم بعد العشاء رنموا ترنيمة وخرجوا إلى جبل الزيتون ويسوع ساكنًا بالروح. فحذَّر تلاميذهُ أنهم كلهم يعثرون بهِ تلك الليلة، وأنهم يتركونهُ حسب نبوة زكريا القائلة: أني أضرب الراعي فتتبدَّد الغنم، ولكنهُ أنباهم أيضًا عن قيامتهِ، وأنهُ بعد نهوضهِ يسبقهم إلى الجليل فنجد فرقًا بين ظهور يسوع في الجليل، وظهورهِ في بيت عنيا. فهذا المكان الأخير مذكور في إنجيل لوقا. فقد صعد إلى السماء من بيت عنيا أما وجودهُ في الجليل فكأنهُ يمثل دوام وجودهِ على الأرض، وإن كان قد نهض من الأموات. وأعطى لتلاميذهِ خدمة الكرازة بالإنجيل، ومعمودية كل الأمم. فهذه الخدمة لم يقم بها الرسل بل تركوها بعدئذٍ لبولس أي الكرازة بالإنجيل للأمم لأنهم عاينوا وعرفوا انتخاب الرب إياهُ لهذه الخدمة وإرسالهِ لهُ للقيام بهذا العمل. ونرى في إنجيل مرقس أن هذه الخدمة تختلف أيضًا عما قيل. فهي مقترنة مع قوة يسوع السماوية. لأن عملهُ صُنع بالأكثر في الجليل، وهنالك عرف البقية اليهودية، وجمعها، وقبلها ثم بعث بتلاميذهِ ليأتي بالأمم إلى الخلاص المُنتظر من الله. فالأنباء بالبركات السماوية، والخلاص المُعلن بالروح القدس المُرسل من السماء حين صعود يسوع إلى هنالك هو أمر آخر يختلف عن ذاك. ولكن سواء كانت البركات أرضية أو سماوية لا يمكن الحصول عليها بالإنسان الأول بل الإنسان الثاني إنما هو الأساس الوحيد الممكن لكل خير. 27 وَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«إِنَّ كُلَّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ الْخِرَافُ. 28 وَلكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ». 29 فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ:«وَإِنْ شَكَّ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ!» 30 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». 31 فَقَالَ بِأَكْثَرِ تَشْدِيدٍ:«وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!». وَهكَذَا قَالَ أَيْضًا الْجَمِيعُ. (عدد 27-31). أما الآن فلزم أن ينفرد يسوع في عملهِ وآلامهِ، وكان لابدَّ لهُ أن يبين حالة الإنسان الحقيقية حين يتركهُ الله، ويكف عن حفظهِ وصيانتهِ. فأنبأ تلاميذهُ عن ذلك، وحذرهم، أما بطرس الواثق بأمانتهِ، وقد كان مخلصًا بذلك، والمُتكل على قوتهِ فلم يصدق كلام سيدهِ. وأما يسوع فيجد نفسهُ متروكًا ومنكرًا، وكان لابدَّ للإنسان، وإن أخلص المحبة أن يعترف بضعفهِ، وعجزهِ الكامل. ذلك مثال يحملنا على الاتضاع، والتذلُّل لكنهُ يفيدنا كل الفائدة لأنهُ يوضح بأجلى بيان حالتنا الحقيقية، ونعمة يسوع، وصبرهِ، وهو من الأمور المهمة الواجب علينا ذكرها فنتعلَّم جليًّا بهذه الحادثة أن الإخلاص ليس بكافٍ لصيانتنا في السبيل القويم فهو من الصفات الإنسانية، ولكننَّا نفتقر أيضًا لقوة المسيح لحفظنا من مكر إبليس، وخوف العالم فإذا لم يكن يسوع معنا استطاعت فتاة صغيرة أن تُوقع رسولاً في شرك الجحود. لا جرم أن الخوف من البشر إنما هو شرك هائل للنفس فذلك الخوف أثر كل التأثير في قلب بطرس. حتى بعد حلول الروح القدس عليهِ فأنهُ لما أتى بعض اليهود المؤمنين من أورشليم إلى إنطاكية حاد عن خطة الاستقامة، وأرتكب خطية الرياء. ثم تأملوا كيف أن السيد هيَّأ الرسولين العظيمين للقيام بعملهِ. فأن بولس حاول أن يتلف اسم يسوع من الأرض، وبطرس أنكرهُ جهارًا بعد معرفتهِ إياهُ، وبعد أن صنع معجزات باسمهِ. ومن ثمَّ كان يستحيل عليهما أن يعلَّما تعليمًا آخر سوى تعليم النعمة لأن الثقة الكاذبة بأنفسهما كانت قد هُدمت، وتلاشت. فقد استطاعا أن يشجعا الآخرين من اختبارهما الذاتي لنعمة يسوع، وطول أناتهِ عليهما، ومغفرتهِ لهما. وقد تعلَّما أيضًا بالاختبار شر القلب الإنساني، وضعفهِ حتى أن المسيحي لا يَسْلَمْ من السقوط بدون النعمة الإلهية. وعلى ذلك قال يسوع لبطرس: وأنت مَتَى رجعت ثبّت أخوتك، ولكنهُ سقط بعد ذلك حتى ألتزم بولس أن يقاومهُ مواجهةً. وبولس نفسهُ ألتزم أن يحمل شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمهُ لئلا يرتفع. فالجسد لا يكفُّ عن المقاومة للروح. فكم يجب على المسيحيين الضعفاء أن يسهروا، وأن يعرفوا ضعفهم، وأن يطلبوا تلك القوة التي تَكْمُل في الضعف، ونعمة يسوع الثمينة التي هي كافية لنا. على أن سقوطنا ليس من الأمور المحتومة لأن الله أمين، ولا يدعنا نُجرَّب فوق ما نستطيع أن نحتمل، ولكن من واجباتنا أن نصلي لئلا ندخل في تجربة. 32 وَجَاءُوا إِلَى ضَيْعَةٍ اسْمُهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ:«اجْلِسُوا ههُنَا حَتَّى أُصَلِّيَ». 33 ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ. 34 فَقَالَ لَهُمْ:«نَفْسي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ! اُمْكُثُوا هُنَا وَاسْهَرُوا». 35 ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُرَ عَنْهُ السَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ. 36 وَقَالَ:«يَا أَبَا الآبُ، كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ». 37 ثُمَّ جَاءَ وَوَجَدَهُمْ نِيَامًا، فَقَالَ لِبُطْرُسَ:«يَا سِمْعَانُ، أَنْتَ نَائِمٌ! أَمَا قَدَرْتَ أَنْ تَسْهَرَ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 38 اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ، وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ». 39 وَمَضَى أَيْضًا وَصَلَّى قَائِلاً ذلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ. 40 ثُمَّ رَجَعَ وَوَجَدَهُمْ أَيْضًا نِيَامًا، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً، فَلَمْ يَعْلَمُوا بِمَاذَا يُجِيبُونَهُ. 41 ثُمَّ جَاءَ ثَالِثَةً وَقَالَ لَهُمْ:«نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا! يَكْفِي! قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ! هُوَذَا ابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. 42 قُومُوا لِنَذْهَبَ! هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ!». (عدد 32-42). فنرى في المشهد لدينا يسوع يصلي بشدَّة اللجاجة، وبطرس نائمًا، ولما أَسْلَمَ السيد نفسه كَحَمَلْ صامت أمام جازيهِ سلَّ بطرس السيف ليضرب. ولما اعترف يسوع بالحق أمام أعدائهِ بسكون وثبات؛ أنكره بطرس. فهذه هي حالة الجسد الحقيقية، وثمر الثقة الكذبة بالنفس على أن السيد حذَّر بطرس تحذيرًا جليًا وأنبأه أولاً وثانيًا أنهُ قبل أن يصيح الديك مرتين ينكرهُ ثلاث مرات غير أن بطرس أتكل على نفسهِ فقال: وإن اضطررت أن أموت معك لا أتركك. أما إبليس فلا ينفكُّ عن العمل بمكرهِ فشاء أن يغربلهُ كالحنطة غير أن الروح القدس يحوّل التفاتنا إلى الثقة الكاذبة بالقلب الإنساني حسب حالتهِ الجسدية. ولكن لنحوّل أبصارنا الآن نحو سيدنا المبارك فنعاين بهِ مثالاً للأمانة الكاملة، كما أننا نرى في سلوك بطرس مثالاً للثقة الكاذبة بالذات، وضعف الجسد. فنشاهد في يسوع إنسانًا حقيقيًّا على أن القوة الإلهية كان لابدَّ من وجودها لتقوية الطبيعة الإنسانية على احتمال الآلام المُبرّحة، وعدم السقوط تحت أثقالها الشديدة. فشاء السيد أن يرافقهُ ثلاثة تلاميذ أولئك الذين كانوا يصاحبونهُ في بعض الحوادث الخاصة، وصاروا بعدئذٍ من أعمدة الكنيسة، وأن يسهروا بينما هو يُصلي. فثقلت عليهِ مرارة الكأس المُزمع أن يتجرعها، وانتصبت لدية آلام الموت وقضاء الله على الخطية، وقد جعل الشيطان هذه الآلام تثقل عليهِ ليمنعهُ إن أمكن عن إتمام عمل الخلاص. فشعر يسوع بذلك كلهِ، وكان أمينًا في كل شئٍ. فابتدأ أن يدهش ويكتئب. أما اسطفانوس فلم يشعر حين استشهادهِ بألم لأن موتهِ لم يكن إلاَّ نصرة مقترنة بالسلام والمحبة، فقد ذهب لملاقاة سيدهِ الذي كان ينتظرهُ على يمين الله في السماء، وكان يُصلي مثل مُعَلِّمْهِ لأجل أعدائهِ. فنزع المُخلص شوكة الموت، لشهيدهِ الأول، ولكل مؤمن، وأصبح ذلك مثالاً ينبئنا عن حقيقة عملهِ حين حَمَلَ خطايانا بجسدهِ على الخشبة. أما الآن في بستان جَثْسَيْمَانِي فلم يكن قد حمل بعدُ خطايا البشر غير أن الشعور بما كان عتيدًا أن يكابدهُ ثقل على قلبهِ فأحسَّت روحهُ بثقل الخطية واللعنة التي نستوجبها نحن من الله لأنهُ كان لم يزل في شركة مع أبيهِ. فلزم أن لا يخضع فقط لبرّ الله ويصير خطية لأجلنا مُحتملاً قصاصها بل ألتزم أن يتألم من أجل تقواهُ أيضًا (انظر عبرانيين 7:5، 8) فالشعور بما كان عتيدًا أن يحتملهُ من الآلام ثقل عليهِ قبلما كابد أوجاع الصلب. فقد قدَّم نفسهُ طوعًا باختيارهِ لمجد أبيهِ، وحبًا بخلاصنا، وأطاع حتى الموت. فالسبح كل السبح لاسمهِ إلى الأبد. أما استفانوس ففرح؛ لأن المسيح كان قد تألم وفتح لهُ الطريق إلى السماء، باحتمالهُ عنهُ وعنا قضاء الخطية وقصاصها. ذلك شأنهُ أن يحملنا على أدراك قيمة موتهِ لدى الله، فنستطيع أن نراهُ كما رآهُ استفانوس حين امتلأ من الروح القدس، وتفرَّس بالسماء. أن يسوع كان قد ترك تلاميذهُ عند مدخل البستان، وأخذ أولئك الثلاثة معهُ، وأوصاهم أن يسهروا بينما هو يُصلي. فصلى أن تعبر عنهُ الساعة إن أمكن. على أنهُ كان قد تجرع كؤُوس آلام من أيدي الخطاة، ولم يشكُ، ولم يضجر لأن رضى أبيهِ كان كافيًا لتعزيتهِ. غير أنهُ تجرع هذه الكأس المرة وصير لعنةً، وكون البار أصبح خطية، وكونهُ أمسى متروكًا من الله بعد أن كان في شركة أبيهِ وموضوع محبتهِ لأجل تقواهُ فكل هذه ثقلت عليهِ حتى أراد أن يحجم عن شرب تلك الكأس إن أمكن. ولكن كان لابدَّ لهُ من احتمال تلك الآلام لخلاصنا؛ لأن لا وسيلة أخرى لنوال تلك الغاية التي وافى لأجلها. فذلك القصاص لم يكن إلاَّ واسطة لخضوع المخلص الكامل وطاعتهِ ودليلاً عليهما، ولكنه مع ذلك قال: ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت فقد شعر بتلك الآلام كلها، ولكنه وضعها لدى أبيهِ، وكابدها على سبيل الامتحان إطاعةً لأبيهِ. غير أن ذلك الامتحان انقضى الآن وأُعلنت إرادة الله، وكَمُلَتْ طاعة يسوع، وإن كان العمل نفسهُ لم يتم بعدُ. أما التلاميذ فلم يطيقوا حتى ولا ظلّ ذلك الامتحان، وكان الكل حينئذٍ أعدائهُ. وكان إبليس حاضرًا هنالك بملء قوتهِ وفوق الكل كان عليهِ أن يحتمل اللعنة المُنتصبة أمامهُ. فكل الحوادث وقتئذٍ إنما كانت امتحانًا لهُ غير أنهُ بخضوعهِ لإرادة أبيهِ أظهر محبتهُ لهُ. فقد سُمح لنا بالعناية الإلهية أن نُشاهد عواطف قلب المُخلص، وأعمال محبتهِ، وأن نشترك بضعفنا بآلام قلبهِ، وأن كان منفردًا وحدهُ في احتمال تلك الامتحانات. فيا للنعمة العُظمى! فكان لابدَّ لهُ أن ينفرد بالعمل كما أنفرد هنا في التأهب لهُ، ولكننا نستطيع أن نصغي بقلوب خاشعة لهتافهِ حين كشف قلبهُ لأبيهِ بشأن آلامهِ. فقد دُعينا لأن نتفرَّس بهِ ونفهم ما عملهُ لأجلنا، وأن نتمتع بعواطف قلبهِ الإنساني، وكمال محبتهِ كإنسان لأجلنا. فإذا كان السلام الذي نملكهُ المُختص بهذه الحالة الجديدة، والمؤسس على عملهِ الكامل عظيمًا بهذا المقدار! كان امتيازنا بسماع هتافهِ الناشئ من حزنهِ ليس بأقلَّ عظمةً من ذلك. ثم تأملوا بالكلمات اللطيفة التي وبخ بها يسوع تلاميذهُ. فقد بيَّن لبطرس بأرق طريقة الفرق بين الشجاعة الحارة في غياب العدو، وعدم الاقتدار على السهر ساعة واحدة مع مُعَلَّمْهِ المُتضايق. ثم عذر التلاميذ بهذه الكلمات العذبة أن الروح نشيط أما الجسد فضعيف، ولكن لعلْمِهِ بأخطار تلك الساعة وأهميتها حرَّض تلاميذهُ على السهر والصلاة لئلا يدخلوا في تجربة. فلا نرى أن آلام المُخلص منعتهُ من الاهتمام بالآخرين، فقد اعتنى باللص على الصليب كأنهُ لم يكن فيألم. ومع أنهُ لم يكن لهُ أحيانًا وقت للأكل كان لهُ وقت كافٍ لأن يعلن للجموع التي تبعتهُ الحق الإلهي. فقد جلس مُتعبًا على بئر يعقوب، ولكن قلبهُ لم يتعب من التكلم عن الماء الحي، ولا من النظر إلى ضمير تلك المرأة السامرية البائسة. فلم يتعب قط من عمل الخير. فهو هو أمس واليوم وإلى الأبد. 43 وَلِلْوَقْتِ فِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ أَقْبَلَ يَهُوذَا، وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَالشُّيُوخِ. 44 وَكَانَ مُسَلِّمُهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلاً:«الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ، وَامْضُوا بِهِ بِحِرْصٍ». 45 فَجَاءَ لِلْوَقْتِ وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَائِلاً:«يَا سَيِّدِي، يَاسَيِّدِي!» وَقَبَّلَهُ. 46 فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ وَأَمْسَكُوهُ. 47 فَاسْتَلَّ وَاحِدٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ السَّيْفَ، وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ. 48 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ لِتَأْخُذُونِي! 49 كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ مَعَكُمْ فِي الْهَيْكَلِ أُعَلِّمُ وَلَمْ تُمْسِكُونِي! وَلكِنْ لِكَيْ تُكْمَلَ الْكُتُبُ». 50 فَتَرَكَهُ الْجَمِيعُ وَهَرَبُوا. 51 وَتَبِعَهُ شَابٌّ لاَبِسًا إِزَارًا عَلَى عُرْيِهِ، فَأَمْسَكَهُ الشُّبَّانُ، 52 فَتَرَكَ الإِزَارَ وَهَرَبَ مِنْهُمْ عُرْيَانًا. 53 فَمَضَوْا بِيَسُوعَ إِلَى رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَاجْتَمَعَ مَعَهُ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْكَتَبَةُ. 54 وَكَانَ بُطْرُسُ قَدْ تَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ إِلَى دَاخِلِ دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَكَانَ جَالِسًا بَيْنَ الْخُدَّامِ يَسْتَدْفِئُ عِنْدَ النَّارِ. 55 وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةً عَلَى يَسُوعَ لِيَقْتُلُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا. 56 لأَنَّ كَثِيرِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ زُورًا، وَلَمْ تَتَّفِقْ شَهَادَاتُهُمْ. 57 ثُمَّ قَامَ قَوْمٌ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ زُورًا قَائِلِينَ: 58 «نَحْنُ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: إِنِّي أَنْقُضُ هذَا الْهَيْكَلَ الْمَصْنُوعَ بِالأَيَادِي، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِي آخَرَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِأَيَادٍ». 59 وَلاَ بِهذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ تَتَّفِقُ. 60 فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ فِي الْوَسْطِ وَسَأَلَ يَسُوعَ قِائِلاً:«أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هؤُلاَءِ عَلَيْكَ؟» 61 أَمَّا هُوَ فَكَانَ سَاكِتًا وَلَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ أَيْضًا وَقَالَ لَهُ:«أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟» 62 فَقَالَ يَسُوعُ:«أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ». 63 فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَالَ:«مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ 64 قَدْ سَمِعْتُمُ التَّجَادِيفَ! مَا رَأْيُكُمْ؟» فَالْجَمِيعُ حَكَمُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ. 65 فَابْتَدَأَ قَوْمٌ يَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، وَيُغَطُّونَ وَجْهَهُ وَيَلْكُمُونَهُ وَيَقُولُونَ لَهُ:«تَنَبَّأْ». وَكَانَ الْخُدَّامُ يَلْطِمُونَهُ. (عدد 43-65). غير أن الوقت كان قد أتى. فوجد تلاميذهُ هذه المرَّة الأخيرة نائمين كالمرات الأولى. فكان لابدَّ لهُ أن يختبر تلك الوحدة الأدبية التي لم ينفكَّ عنها بين الناس حتى في وسط تلاميذهِ. ولا يُخفى أنهُ توجد وحدة يختبرها الإنسان أدبيًا وإن وُجد فعلاً بين جماهير الناس. فقال السيد ناموا الآن قد اقترب الخائن قوموا لنذهب فقد اقترب الذي يُسلمني فكان لابد للمُخلص من أن يقبل الشهادة الأخيرة لضعف القلب الإنساني حين يُترك لنفسهِ ويُقسي من إبليس. فلمسهُ يهوذا بقبلة فهذه هي حالة القلب الإنساني الهائلة إذا ترك لذاتهِ. فقال يهوذا: خذوهُ وسوقوهُ بآمن أما يسوع فكابد ذلك كلهُ ونفسهُ في شركة كاملة مع الله أبيهِ وفي سلام تام بين الناس في هذه الأحوال العديمة المثال. فتكلم مع الجمهور الآتي لإلقاء القبض عليهِ قائلاً اني كنت بينكم يوميًا في الهيكل ولم تمسكوني ولكن لابد ان تكمل الكتب فقد أراد أن يشهد لسلطان الأسفار المقدسة وصحتها لأنها تعلن عن آلامهِ وموتهِ فهي كناية عن إعلان مشورات الله، ومقاصدهُ، وأفكارهُ. فقد اتخذ يسوع أيضًا تلك الأفكار والمقاصد دستورًا ومحركًا لكل ما فعل وقال. على انه كان دائمًا في شركة لا يعبر عنها مع أبيه فتلك الأسفار إنما تمثل أفكار الله على الأرض لأجل الإنسان الساكن عليها، وهي تعلن أيضًا قضاء الله وقدرهُ السماوي وتُبين ما هية الأمور السماوية. فما أعظم البركات الناشئة لنا من إحرازها! فتركهُ التلاميذ كلهم وهربوا. أما بيلاطس فتبعهُ بعدئذٍ من بعيد ثم أتى بلاط رئيس الكهنة. ثم خضع المخلص بملء الرزانة والسكون. فإنهُ كان قد زان الأمور وقاسها في حضرة أبيهِ؛ فأوضح له لهُ كل الحوادث وبيَّنها كل البيان ولكن لا يستطيع أحد أن يتبعهُ إلى وادي الموت ولا يقف لدى قوة العدو فلا يقدر إنسان أن يفعل ذلك إلا المُخلص الأمين نفسهُ. فكان ذلك الوقت من الساعة التي سمح بها للشرير ان يستخدم قوتهِ ليستطيع السيد أن يسلم نفسهُ لأيدي القوم الأثمة. أما التلاميذ فهربوا. فأراد شاب أن يتبعهُ ولكن كل ما اقتحم أحد هذا السبيل التزم ان ينكص عنهُ بالعار والخجل فأرادوا ان يمسكوا ذلك الشاب لكنهُ فرَّ منهم عريانًا. غير أن بطرس تبعهُ إلى مكان ابعد ولكن لم يكن ذلك إلا لسقوطهِ سقوطًا أعظم فتعَلَّم بهذه الحادثة درسًا أنباهُ عن حالتهِ الحقيقية وحالتنا نحن. فالفكر بالآم المسيح لدى الله من الأمور المؤدية لخيرنا. فحين يَكشف قلبه لأبيهِ نرى آلامهُ الشديدة وسكونهُ الكامل لدى البشر وذلك من أثمار خضوعهِ التام. على أن البشر المشتركين بهذا العمل يحسبون عندهُ كل شيء، وإبليس لا يستطيع ان يفعل شيئًا لأن يسوع أخذ الكأس من يد أبيهِ فهذا تعليم لنا خطير جدًا. ومن واجباتنا أن نذكر ان قضاء الله كان أمرًا محتومًا فرؤساء اليهود لم يطلبوا إلا الوسائط للقيام بالإثم والقتل تحت رداء العدل. فطلبوا عليهِ شهادةً ليُميتوهُ. غير أن تلك الشهادة كانت كاذبة ولم تتفق الشهود. على أن كثيرين كانوا مستعدين لتأدية الشهادة غير ان شهادتهم لم تنفع شيئًا بل كان لابد للسيد ان يُقضى عليهِ بشهادتهِ الخاصة. فالنظر إلى عدوان القلب الإنساني ومضادتهِ للمُخلص من الأمور المكدَّرة فأن السيد لم يفعل للبشر إلا الخير. فقد شفى المرضى وأشبع الجياع وانهض الأموات وأخرج الشياطين وأعلن سلطانهُ الإلهي بعمل الخير. فلما تجسد ابن الإنسان ظهرت القوة الإلهية الكافية لإزالة كل نتائج الخطية على الأرض ومحوها حتى الموت. فقد عمل يسوع حسب سلطانهِ الإلهي وربط القوي في القفر ونهب بيتهُ. فحلت قوة على الأرض كافية لإزالة كل عواقب الخطية لأن قوة الله أعلنت بجودتهِ غير ان ذلك أهاج عليهِ عدوان القلب البشري. فلم تكن علة لموت يسوع إلا هذا العدوان فالذي نزع نتائج الخطية المُحزنة لم ينزع الخطية نسها من قلب الإنسان بل أعلن صفات الله إعلانًا كافيًا لأن يًثير عدوان القلب ويُبين حالتهُ الحقيقية. فقد قِيل في (لوقا 13:4) ففارقهُ الشيطان إلى حين ولكنهُ سيعود ثانية كرئيس هذا العالم فليس لهُ شيء في يسوع، ولكن ليَعلم العالم انهُ أحب الآب وكما أوصاهُ كذلك يفعل (يوحنا 3:14-31) فكان الشيطان قال ليسوع: إذا استطعت الثبات في المحاماة عن دعوى الإنسان فلي عليك حق الموت. لا جُرم ان لعنة الله حلت على البشر فكان لابد ليسوع أن يجتاز وسط الموت الهائل واللعنة. كلا بل تجرعهُ وشعر بمرارتهِ حبًا بأبيهِ وبنا بالطاعة الكاملة. فقد دخل بالطاعة والنعمة إلى حيث كنا ليحتمل عنا الخطية والعصيان فذلك الذي لم يعرف خطية صار خطيةً لأجلنا وذلك الحَمَلْ الذي بدون عيب قدمّ نفسهُ لله عنا. أننا في هذا الإصحاح نرى يسوع كحَملْ صامت أمام جازيهِ فلم يُجيِب على شكاوي أعدائهِ فقد عزموا ان يُميتوهُ وهو علمَ بذلك وقصد ان يُقدم حياتهُ فديةً عن كثيرين. فلم يُجِيب على الشكاوي المفعمة من الخبث والكذب ولكن لما سألهُ رئيس الكهنة إذا كان هو المسيح ابن المبارك أدى شهادة تامة لأجل الحق. فقد رُفض وصُلب لأجل شهادتهِ الخاصة للحق، ولكن وإن اعترف بالحق طبقًا لسؤال رئيس الكهنة لم يتجاوز مقامهُ بحسب كونهِ مسيا اليهود الموعود بهِ. ثم زاد على ذلك شهادتهُ لمقامهِ كابن الإنسان ان يتألم فالآن نشاهد إتمام هذه النبوة فقد وردفي المزمور الثاني أن المسيح معروف بابن الله ولكنهُ مذ الآن كان مزمعًا ان يتخذ مقامًا جديدًا وهو ابن الإنسان كما ورد في المزمور الثامن فلم يرَ اليهود بعد المسيح بينهم بالنعمة بعد ان رفضوهُ كما قِيل في المزمور الثاني بل ابن الإنسان جالسًا عن يمين الله وآتيًا في سحاب السماء معلنًا سلطانهُ للدينونة. إنما ينتظر وهو جالس عن يمين الله حتى توضع أعدائهُ تحت قدميهِ (مزمور 11) أما الآن فنراهُ في السماء بعد أن أكمل العمل الذي أعطاهُ إياهُ أبوهُ ليعمل. ونعاينهُ عن يمين الله وقد محا خطايانا منتظرًا إلى ان توضع أعدائهُ تحت قدميهِ. فقد اعترف بالحق حين دعتهِ لذلك ضرورة السلطان الفائق فهو مثال للكمال المطلق بل هو الحق نفسهُ متجسدًا. فلم يستطيع إبليس ان يفعل شيئًا في هذه الحالة إلا ان يجلو الحق ويوضحهُ بفم يسوع وان يكون آلة لإتمام عمل الفداء الذي شاء الله إجراءهُ. فالشكر كل الشكر لاسمهِ تعالى. أما البشر فذهبوا إلى ان يسوع يستوجب الموت لأنهُ نطق بالحق ذلك حق ينبئ عن محبة الله بإرسال ابنهِ. فقد اصبح حق الله وشخص ابنهِ والله نفسهُ موضوعًا لبغض القلب الإنساني غير أن الحق الذي ظهر بيسوع المسيح، والنعمة المُعلنة بقوة الله الفائقة وحكمتهِ كملا بواسطة هذا البغض والعدوان. ذلك عدوان دلَّ على ان الإنسان المتدين الأكليريكي وحق الله ونعمتهِ. 66 وَبَيْنَمَا كَانَ بُطْرُسُ فِي الدَّارِ أَسْفَلَ جَاءَتْ إِحْدَى جَوَارِي رَئِيسِ الْكَهَنَةِ. 67 فَلَمَّا رَأَتْ بُطْرُسَ يَسْتَدْفِئُ، نَظَرَتْ إِلَيْهِ وَقَالَتْ: «وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ!» 68 فَأَنْكَرَ قَائِلاً: «لَسْتُ أَدْرِي وَلاَ أَفْهَمُ مَا تَقُولِينَ!» وَخَرَجَ خَارِجًا إِلَى الدِّهْلِيزِ، فَصَاحَ الدِّيكُ. 69 فَرَأَتْهُ الْجَارِيَةُ أَيْضًا وَابْتَدَأَتْ تَقُولُ لِلْحَاضِرِينَ:«إِنَّ هذَا مِنْهُمْ!» 70 فَأَنْكَرَ أَيْضًا. وَبَعْدَ قَلِيل أَيْضًا قَالَ الْحَاضِرُونَ لِبُطْرُسَ:«حَقًّا أَنْتَ مِنْهُمْ، لأَنَّكَ جَلِيلِيٌّ أَيْضًا وَلُغَتُكَ تُشْبِهُ لُغَتَهُمْ!». 71 فَابْتَدَأَ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: «إِنِّي لاَ أَعْرِفُ هذَا الرَّجُلَ الَّذِي تَقُولُونَ عَنْهُ!» 72 وَصَاحَ الدِّيكُ ثَانِيَةً، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ الْقَوْلَ الَّذِي قَالَهُ لَهُ يَسُوعُ:«إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». فَلَمَّا تَفَكَّرَ بِهِ بَكَى. (عدد 66-72). ولكن لننظر الآن إلى المُخلص المبارك المسوق كَحَملْ صامت أمام جازيهِ والخاضع لافتراء القوم الأثمة وتعديهم عليهِ بدون أدنى مقاومة. على انهُ لو أرادا كان يستطيع الحصول على أكثر من اثني عشر جيشًا من الملائكة ولكنهُ لم يستعمل سلطانهُ بل كان في حالة الحب المقترن بالصبر والطاعة، ولم يؤلمهُ شيء أكثر من إنكار تلميذهِ إياهُ ذلك كان عليهِ أشد من تعديات الجهلة وأعمالهم الوحشية. ولكن وإن آلمهُ ذلك فقد حملهُ ضعف التلميذ المذكور على إلقاء النظر عليهِ ليشجع إيمانهُ ويؤيد ثقتهُ بهِ ويُنشئ فيهِ دموع التوبة بدلاً عن إبداء عواطف قلبهِ العجيبة. فالسُبح لاسمهِ إلى الأبد. |
||||
05 - 11 - 2012, 04:37 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: أنجيل مرقس ( شرح أية أية )
الأصحاح الخامس عشر 1 وَلِلْوَقْتِ فِي الصَّبَاحِ تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْكَتَبَةُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ، فَأَوْثَقُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ وَأَسْلَمُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ. 2 فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ:«أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ:«أَنْتَ تَقُولُ». 3 وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيرًا. 4 فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ أَيْضًا قِائِلاً:«أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ اُنْظُرْ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ!» 5 فَلَمْ يُجِبْ يَسُوعُ أَيْضًا بِشَيْءٍ حَتَّى تَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ. 6 وَكَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ فِي كُلِّ عِيدٍ أَسِيرًا وَاحِدًا، مَنْ طَلَبُوهُ. 7 وَكَانَ الْمُسَمَّى بَارَابَاسَ مُوثَقًا مَعَ رُفَقَائِهِ فِي الْفِتْنَةِ، الَّذِينَ فِي الْفِتْنَةِ فَعَلُوا قَتْلاً. 8 فَصَرَخَ الْجَمْعُ وَابْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا كَانَ دَائِمًا يَفْعَلُ لَهُمْ. 9 فَأَجَابَهُمْ بِيلاَطُسُ:«أَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟». 10 لأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا. 11 فَهَيَّجَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْجَمْعَ لِكَيْ يُطْلِقَ لَهُمْ بِالْحَرِيِّ بَارَابَاسَ. 12 فَأجَابَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا وَقَالَ لَهُمْ:«فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بِالَّذِي تَدْعُونَهُ مَلِكَ الْيَهُودِ؟» 13 فَصَرَخُوا أَيْضًا:«اصْلِبْهُ!» 14 فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ:«وَأَيَّ شَرّ عَمِلَ؟» فَازْدَادُوا جِدًّا صُرَاخًا:«اصْلِبْهُ!» 15 فَبِيلاَطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ، أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ، بَعْدَمَا جَلَدَهُ، لِيُصْلَبَ. (عدد 1-15). ان إنجيل مرقس يتكلم اختصارًا عن محاكمة ينبوع والقضاء عليهِ فهذا أمر مهم. فحين ينتهي هذا الإنجيلي من إيراد قصة رفضهِ من اليهود يتكلم عما جرى لدى بيلاطس وذلك ليأتي بما يلزم إيرادهُ في هذا المقام وليوضح ان يسوع قد حكم عليهِ هنا أيضًا لأجل الشهادة التي أداها بنفسهِ عن الحق على أن ذلك جرى بالحقيقية بواسطة خبث رؤساء اليهود لأن بيلاطس بذل الجهد بإطلاقهِ ولكن لم تكن لهُ قوة أدبية وكان يحتقر اليهود وكل ما يختص بهم فلذلك أسلم يسوع لمشيئتهم بدون ضمير. فلما سأل بيلاطس أ أنتَ مَلك اليهود؟ أجاب يسوع: أنت تقول. أما شكاوي رؤساء الكهنة فلم يُجيب عليها بشيء؛ لأنهُ كان قد أدى الشهادة. ان الرب يسوع كان مزمعًا ان يُضحي نفسهُ في الحالة فهذه الشكاوي كلها لم تكن شيئًا وبيلاطس عَلمَ ذلك. غير أن اليهود كان لابد لهم ان يُظهروا الروح الذي حركهم على ذلك العمل. فحاول بيلاطس أن يتخلص من يسوع ومن المشكل بعادة كانت قد دخلت في ذلك الزمان وهي إطلاق أسير في الفصح لإرضاء اليهود فعرض ذلك على الشعب ليدرأ عنهُ خبث الكهنة وحقدهم غير أن ذلك كان عبثًا لأن لابد للسيد ان يتألم ويموت. فحرض الكهنة الشعب ان يطلبوا إطلاق باراباس وصلب يسوع. فحاول بيلاطس أيضًا إطلاقهُ ولكن عاد فأسلمهُ إرضاء للشعب. 16 فَمَضَى بِهِ الْعَسْكَرُ إِلَى دَاخِلِ الدَّارِ، الَّتِي هِيَ دَارُ الْوِلاَيَةِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الْكَتِيبَةِ. 17 وَأَلْبَسُوهُ أُرْجُوَانًا، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَيْهِ، 18 وَابْتَدَأُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: «السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!» 19 وَكَانُوا يَضْرِبُونَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِقَصَبَةٍ، وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْجُدُونَ لَهُ جَاثِينَ عَلَى رُكَبِهِمْ. 20 وَبَعْدَمَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الأُرْجُوانَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ. 21 فَسَخَّرُوا رَجُلاً مُجْتَازًا كَانَ آتِيًا مِنَ الْحَقْلِ، وَهُوَ سِمْعَانُ الْقَيْرَوَانِيُّ أَبُو أَلَكْسَنْدَرُسَ وَرُوفُسَ، لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ. 22 وَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَوْضِعِ «جُلْجُثَةَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ مَوْضِعُ «جُمْجُمَةٍ». 23 وَأَعْطَوْهُ خَمْرًا مَمْزُوجَةً بِمُرّ لِيَشْرَبَ، فَلَمْ يَقْبَلْ. 24 وَلَمَّا صَلَبُوهُ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا: مَاذَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ؟ 25 وَكَانَتِ السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ فَصَلَبُوهُ. 26 وَكَانَ عُنْوَانُ عِلَّتِهِ مَكْتُوبًا: «مَلِكُ الْيَهُودِ». 27 وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ، وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. 28 فَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ:«وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ». 29 وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ قَائِلِينَ:«آهِ يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ! 30 خَلِّصْ نَفْسَكَ وَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!» 31 وَكَذلِكَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَهُمْ مُسْتَهْزِئُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَعَ الْكَتَبَةِ، قَالُوا: «خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا! 32 لِيَنْزِلِ الآنَ الْمَسِيحُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَنِ الصَّلِيبِ، لِنَرَى وَنُؤْمِنَ!». وَاللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ كَانَا يُعَيِّرَانِهِ. (عدد 16-32). ففي كل هذه الأمور كان اليهود مذنبين على انهُ كان من واجبات ذلك الحاكم الروماني أن يكون ثابتًا وأن يتصرف بالعدل وأن لا يغادر يسوع معرضًا لعدوان الكهنة فقد كان عديم المبالاة وبدون ضمير واحتقر يهوديًا بائسًا لا أصدقاء لهُ وحسب إرضاء القوم المشاغبين من الأمور المهمة. ففي إنجيل مرقس نرى ان كل البغض والعدوان منسوبًا للكهنة. فهم أبدًا وفي كل مكان أعداء الحق وأعداء ذلك الذي هو نفسهُ الحق متجسدًا. فلم يكن لمقاومة بيلاطس تأثيرًا؛ لأن مشيئة الله كانت ان يتألم يسوع لانه وافى لهذه الغاية ولهذا القصد بذل نفسهُ فدية عن كثيرين. أما الكلام الوارد هنا فيُنبئ عن وحشية قلب الإنسان الذي يسرُّ بأن يقسو على المسلَّمين لإرادتهِ وليس لهم اقتدار على المحاماة عن أنفسهم وفضلاً عن ذلك كان لابد للرب ان يُحتقر ويرفض من اليهود والأمم. ذلك دليل على ان الإنسان لا يقبل الله ولا يُسر بجودتهِ وصلاحهِ. ثم كان لابد للأمة اليهودية من أن تُذل وتُهان لأن الجنود هزأت بالأمة كلها بهزئِها بملكها. فألبسوا يسوع كمَلك ثوبًا أرجوانيًا وضربوهُ وهزءوا بهِ تحت رداء الكرامة الكاذبة، ثم قادوهُ للصليب وكتبوا على الصليب مَلك اليهود وقد أُحصي السيد بين الأثمة. فالأمر الواضح خاصة في هذه القصة إنما هو إهانة ملك إسرائيل. فقد قال رؤساء الكهنة: لينزل المسيح ملك إسرائيل عن الصليب فنؤمن بهِ واستهزاءَ بهِ المصلوبان معهُ. على أن أحدهما تاب بعدئذٍ واعترف بيسوع ربًا ومخلصًا. 33 وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ السَّادِسَةُ، كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ. 34 وَفِي السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً:«إِلُوِي، إِلُوِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ 35 فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ لَمَّا سَمِعُوا:«هُوَذَا يُنَادِي إِيلِيَّا». 36 فَرَكَضَ وَاحِدٌ وَمَلأَ إِسْفِنْجَةً خَّلاً وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاهُ قَائِلاً:«اتْرُكُوا. لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُنْزِلَهُ!». (عدد 33-36). أننا نرى حتى العدد الثالث والثلاثين إهانة الرب وغلبة الشر بحسب الظاهر. فقد أبدى البشر عمومًا وإسرائيل خصوصًا كأمة سرورهم حين ظنوا أنهم قد تخلصوا من حضور المسيح في الأرض وفازوا بقتلهِ لأنهُ كان الشاهد الأمين لله ما عدا كونهِ ملك إسرائيل الحقيقي أيضًا، ولكنهم بمحاولتهم تذليل يسوع لم يذللوا إلا أنفسهم غير أن المُخلص واظب على إتمام العمل الذي أعطاهُ إياهُ أبوه ليعمل في وسط تعدي الشعب الإسرائيلي، وعماهُ، وحماقتهِ، وشرهِ. فقد املأوا وا أسفاه مكيال إثمهم! أما محبة يسوع فكانت أقوى من عدوان الإنسان وجهلهِ. فالمجد لاسمهِ المبارك. غير أننا من العدد الثالث والثلاثين فصاعدًا نرى عملاً أسمى من آلام المُخلِّص الخارجية وإن كانت تلك الآلام حقيقية ومُبرحة. فقد تُرك وحدهُ ولم يكن أحد يرثي لهُ وليس حولهُ إلاَّ الجفاء والوحدة والقسوة ولكن يوجد فرق عظيم بين قسوة الإنسان وقصاص الخطية المُنصبُّ على يسوع من يد الله. فغشَّت في تلك الساعة الظلمة الأرض فإن المسيح كان وحدهُ مع الله محجوبًا عن الأشياء المنظورة لينفرد كل الانفراد مع الله. فاحتمل قصاص خطايانا وتجرَّع عنا كأس اللعنة وقد أصبح الذي لم يعرف خطيةً خطيةً لأجلنا. فنرى في المزمور الثاني والعشرين أن السيد شعر كل الشعور بعدوان الإنسان وشره كما أنهُ كان قد سبق فرأى ما هو عتيد أن يحدث وأصبح عرقهُ كنقطات دم جاريًا على الأرض فالتفت إلى الله أبيهِ وهتف قائلاً لا تبتعد عني غير أن الله تركهُ لألم نفسهِ وحجب وجههُ عنهُ. على أنهُ لم يكن في زمانٍ أكثر قيمةً لدى الله وأعزَّ عليه مما كان الآن وهو الطاعة الكاملة. غير أن هذه الطاعة قد تمت حين صار خطيةً لأجلنا. ولم يُمجد أباهُ ببرهِ ومحبتهِ كما مجدهُ الآن. فقد أمسى ذبيحة خطية وشعر في أعماق نفسهِ بغضب الله على الخطية ولذلك احتمل قصاصها فالتزم الله أن يحجب وجههُ عن ذلك الذي صار خطية لأجلنا ذلك كان ضروريًّا لمجد الله وجلالهِ كما أنهُ كان لازمًا لنا أيضًا. ولكن مَنْ يستطيع أن يقيس أعماق آلام المُخلِّص. فإن ذلك الذي كان موضوعًا لمسرَّة الآب قد تُرِك الآن. وذلك الذي كان القداسة نفسها صار خطيةً لدى الله. ولكن قد انقضى العمل كلهُ فقد تَممَ الفداء الذي شاءت إرادة الله إتمامهُ. فيا لبهجة هذا الفكر وقداستهُ وهو أنهُ بزيادة آلامهِ ازدادت عزتهُ وقيمتهُ لدينا! فكل ما تأملنا بمحبتهِ الكاملة وبكمال شخصهِ كل ما ازدادت محبتنا لهُ. فقد زالت بموتهِ كل الآلام وأصبح بقيامتهِ إنسانًا جديدًا لنا وغُفِرت خطايانا كلها وأمسينا مُتحدين معهُ في حضرة الله وحينما يأتي نكون مثلهُ في المجد. ولكن وإن مات لم يكن ذلك الفراغ قوتهِ الحيوية. فهتف بصوتٍ عالٍ وأسلم الروح. فقد انقضى الأمر كلهُ وأسلم الروح ليد أبيهِ وقد مات لأجلنا حقيقةً. وقدَّم نفسهُ لله بدون عيب ووضع الله عليهِ إثم كثيرين. فكان لا بدَّ لهُ أن يموت ولكن لم ينزع أحد حياتهُ بل بذلها هو نفسهُ طوعًا حين أكمل العمل. 37 فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. 38 وَانْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ إِلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ. 39 وَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ الْوَاقِفُ مُقَابِلَهُ أَنَّهُ صَرَخَ هكَذَا وَأَسْلَمَ الرُّوحَ، قَالَ:«حَقًّا كَانَ هذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللهِ!» 40 وَكَانَتْ أَيْضًا نِسَاءٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ، بَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ الصَّغِيرِ وَيُوسِي، وَسَالُومَةُ، 41 اللَّوَاتِي أَيْضًا تَبِعْنَهُ وَخَدَمْنَهُ حِينَ كَانَ فِي الْجَلِيلِ. وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ اللَّوَاتِي صَعِدْنَ مَعَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 42 وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ، إِذْ كَانَ الاسْتِعْدَادُ، أَيْ مَا قَبْلَ السَّبْتِ، 43 جَاءَ يُوسُفُ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، مُشِيرٌ شَرِيفٌ، وَكَانَ هُوَ أَيْضًا مُنْتَظِرًا مَلَكُوتَ اللهِ، فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. 44 فَتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعًا. فَدَعَا قَائِدَ الْمِئَةِ وَسَأَلَهُ:«هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟» 45 وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ الْمِئَةِ، وَهَبَ الْجَسَدَ لِيُوسُفَ. 46 فَاشْتَرَى كَتَّانًا، فَأَنْزَلَهُ وَكَفَّنَهُ بِالْكَتَّانِ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ كَانَ مَنْحُوتًا فِي صَخْرَةٍ، وَدَحْرَجَ حَجَرًا عَلَى بَابِ الْقَبْرِ. 47 وَكَانَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ أَيْنَ وُضِعَ. (عدد 37-47). فانشق حينئذٍ حجاب الهيكل إلى اثنين من الأعلى إلى الأسفل فرأينا طريق الأقداس مفتوحة للمؤمنين الذين كانوا تحت الناموس. فإن الحجاب بين القدس وقدس الأقداس إنما يدل على ان الإنسان لا يستطيع الدخول إلى حضرة الله انظر (عبرانيين 19:10-20) فيا لعظمة هذه الحقوق وبهجتها! فالآن نستطيع الدخول إلى حضرة الله بلا خوف مبيضين كالثلج لنسرَّ بتلك المحبة التي رفعتنا إلى ذلك المقام. فقد صنع المسيح السلام بدم صليبهِ وأتى بنا إلى الله نفسهِ والبار مات بدلنا نحن الآثمة. ثم بذبيحة واحدة قد أكمل إلى الأبد المقدَّسين. فلا يستطيع أن يُقدم نفسهُ ثانيةً. فإذا كانت خطايانا لم تُمحَ بهذه الذبيحة لن تُمحا إلى الأبد لآن يسوع لا يستطيع أن يموت أيضًا فالمسألة لا تتعلق على الرش لأن بدون سفك دم لا تحصل مغفرة، والرسول يوضح هذا الحق المقدس بقولهِ فإذ ذاك كان يجب ان يتألم مرارًا كثيرة منذ تأسيس العالم، ولكنه الآن قد أُظهرَ مرة عند انقضاء الدهور ليُبطل الخطية بذبيحة نفسهِ (عبرانيين 26:9) فحين يؤمن الإنسان يحرز هذه البركة ويكمل إلى الأبد لدى الله بالمسيح. فالخطية لا تستطيع ان تنسب إليهِ بعد لأن المسيح حملها وكفرَ عنها وهو في حضرة الله دائمًا بدلهُ شاهدًا بأن خطاياهُ قد نزعت وأن الذي يأتي إلى الله بالمخلص يُقبل كل القبول بواسطتهِ. فربما قال البعض: إذ نستطيع ان نعيش في الخطية فهذا الاعتراض نفسهُ أُعترض بهِ على الإنجيل الذي يُبشَّر بهِ بولس وجوابهُ وارد في رسالة رومية الإصحاح السادس. فإذا كان لنا إيمان بالمسيح حقيقة كنا مولودين ثانية ولنا طبيعة جديدة وقد خلعنا الإنسان العتيق لبسنا الجديد، وقدمتنا عن الخطية متنا مع المسيح بالإيمان وصلبنا معهُ حتى لا تُحي بعد بل المسيح يحيا فينا وقد أصبحنا خليقة جديدة والعمل الإلهي يعمل فينا لأجلنا. فإذا كان يسوع برنا هو أيضًا حياتنا، وقد أُعطي لنا الروح القدس ونحن مطالبون ومدعوون للسلوك في السبيل الذي سلكهُ سيدنا. غير ان هذا لا يتداخل بعمل المسيح لأجلنا، ذلك عمل كامل قد قبلهُ الله ولذلك يجلس عن يمين الله كإنسان في ذلك المجد الذي كان لهُ عند أبيهِ قبل خلق العالم. ولا يُخفى انهُ قبل إتيان المسيح لم يظهر الله نفسهُ ولم يستطيع الإنسان الدخول إلى حضرتهِ بحسب برّهِ في المسيح. فبين كان الكل واقفين بعيدًا صامتين تكلم ضمير قائد المائة فالكل كان أعدائهُ إلا التلاميذ الذين هربوا. فإن صوت يسوع العالي الخالي من كل علامة الضعف وتسليم نفسهِ للآب على الفور أثرَّا بنفس ذلك القائد كل التأثير فاعترف بيسوع المائت انهُ ابن الله. فالآن قد تمَّ العمل أجرى الله مشيئتهُ بأن يُحصى في دفنهِ بين الأغنياء كما أُحصي في موتهِ بين الأثمة ويعامل في مواراته التراب بالكرامة والوقار. أما النساء اللواتي تبعتهُ من بعيد حين صلبهِ فاشتركنَ بذلك التكريم ومنهنَّ مريم المجدلية ومريم الأخرى أم يوسي ونظرنا المكان حيث وضع جسدُ في القبر؛ لأن يوسف من الرامة كان قد مضى إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع. فقد كان شجاعًا في موت سيدهِ أكثر مما كان في حياتهِ. ذلك كثيرًا ما يحدث وهو أن عظمة الشر تحمل على إظهار الإيمان والمجاهرة بهِ. ولكن أمعنوا النظر تروا انهُ كان للنساء مقام يسو على ما ذكر فأنهنَّ كنَّ تبعن يسوع من الجليل وخدمنهُ بأموالهنَّ ثم نراهنَّ دانيات من يسوع حين تركهُ التلاميذ. فهن لم يرسلن للكرازة غير أن شدة تعلقهنَّ بيسوع وأمانتهنَّ ومحبتهنَّ الدائمة لهُ حين الأخطار والأرزاء تتألق كالدراري في تاريخ حياة مخلصنا. ثم أننا نجد دليلاً أخر على ان السيد أسلم حياتهُ طوعًا وأنها لم تنزع منهُ بأن بيلاطس تعجب انهُ مات كذا سريعًا فدعى قائد المائة ليؤكد لهُ هذه الحادثة. فحين علمَ بذلك أعطى الجسد ليوسف فوضعهُ في قبرهِ الجديد إلى أن يعبر السبت. |
||||
05 - 11 - 2012, 04:42 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: أنجيل مرقس ( شرح أية أية )
الأصحاح السادس عشر 1 وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ، حَنُوطًا لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ. 2 وَبَاكِرًا جِدًّا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ إِذْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ. 3 وَكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ:«مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ؟» 4 فَتَطَلَّعْنَ وَرَأَيْنَ أَنَّ الْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ! لأَنَّهُ كَانَ عَظِيمًا جِدًّا. 5 وَلَمَّا دَخَلْنَ الْقَبْرَ رَأَيْنَ شَابًّا جَالِسًا عَنِ الْيَمِينِ لاَبِسًا حُلَّةً بَيْضَاءَ، فَانْدَهَشْنَ. 6 فَقَالَ لَهُنَّ:«لاَ تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ ههُنَا. هُوَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ. 7 لكِنِ اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ: إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُمْ». 8 فَخَرَجْنَ سَرِيعًا وَهَرَبْنَ مِنَ الْقَبْرِ، لأَنَّ الرِّعْدَةَ وَالْحَيْرَةَ أَخَذَتَاهُنَّ. وَلَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ. (عدد 1-8). أن تاريخ القيامة في إنجيل مرقس مختصر وبسيط جدًا. ولا ريب في أن نساء كثيرات من اللواتي تبعنَ يسوع زرنَ القبر، الواحدة بعد الأخرى. ولا يُخفى أن مريم المجدلية وصلت إليهِ قبل غيرها، وأن مريم الأخرى وسالومة كانتا معًا ثم أتت الأخريات. فكل إنجيل كتب لنا ما هو لازم لإيماننا حسب التعليم الخاص الذي شاء الله أن يعرضهُ علينا في ذلك الإنجيل. فأننا نرى في إنجيل يوحنا مثلاً: قصة مريم المجدلية وذلك الخبر التمثيل المُلائم لذلك الإنجيل. على أن العدد التاسع من هذا الإصحاح يتكلم عن ذلك أيضًا. فقد أتت مريم المجدلية حين كان لم يزل ظلامًا بعدُ أما هنا في إنجيل مرقس فقد قيل: أنها أتت عند شروق الشمس. والنساء الأخريات ابتعنَ اطيابًا لتحنيط جسد يسوع فربما كنَّ ابتعنَ بعضها قبل السبت ليسترحنَ فيهِ حسب الوصية ولا ريب في أنهنَّ انتظرنَ بعد انقضاء السبت حتى الصباح ليطيبنَ يسوع. ولكن لما أتت مريم المجدلية القبر كان الملاك النازل من السماء قد دحرج الحجر الكبير، ولم يكن السيد بعدَ هناك، فأنهُ كان قد قام بالقوة الإلهية بغاية السكون، وكانت كل ثياب القبر بترتيب وانتظام. وقد قصَّ مَتَّى في الإصحاح الثامن والعشرين بعض الحوادث التي أجراها الله لكي يجتذب التفات البشر إلى حقيقة قيامة يسوع غير أن يسوع لم يكن في القبر حين وصول النساء إليهِ. فالحجر الكبير لم يكن مانعًا لقيامة يسوع وخروجهِ؛ فأن القوة الإلهية التي أقامتهُ من الأموات والجسد الروحي الذي حصل عليهِ حينئذٍ جعلا غيابهُ عن القبر واحتجابهُ سهلاً. 9 وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِرًا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ، الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ. 10 فَذَهَبَتْ هذِهِ وَأَخْبَرَتِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَهُمْ يَنُوحُونَ وَيَبْكُونَ. 11 فَلَمَّا سَمِعَ أُولئِكَ أَنَّهُ حَيٌّ، وَقَدْ نَظَرَتْهُ، لَمْ يُصَدِّقُوا. 12 وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ. 13 وَذَهَبَ هذَانِ وَأَخْبَرَا الْبَاقِينَ، فَلَمْ يُصَدِّقُوا وَلاَ هذَيْنِ. (عدد 9-13). أن مرقس وحدهُ يذكر في العدد التاسع زيارة مريم المجدليَّة الأولى القبر، وفي العدد الثاني يذكر عن مريم الأخرى وسالومة. على أن مريم المجدليَّة كانت قد ذهبت من القبر؛ لتُعلن لبطرس ويوحنا أن جسد الرب ليس بعد في القبر. فدخل النساء القبر ووجدن الحجر مُدحرجًا ورأينَ ملاكًا جالسًا إلى يمين المكان حيث كان يسوع موضوعًا. فخاطبهنَّ تشجيعًا لهؤلاء النساء المرتعدات الأمينات، وقال: لا تندهشنَ أنتنَّ تطلبنَ يسوع الناصري المصلوب قد قام ليس هو ههنا ثم أراهنَّ المكان الذي كان موضوعًا فيهِ. ذلك من الأمور المجيدة الجديرة بالاعتبار الدالة على جودة الله وإحسانهِ. فأنهُ كان لم يزل فيهنَّ شيء من عدم الإيمان، وكان يجب أن يفهمنَ أن يسوع قد قام لأن الملاك أخبرهنَّ بذلك. غير أن هذا كان أمرًا يفوق أدراك إيمانهنَّ فقد آمنَّ بشخص المخلص، وأنهُ ابن الله غير أن القيامة كانت حقًّا مجيدًا يسمو على إيمانهنَّ. على أن قلوبهنَّ كانت مُخلصة. ولكن طلبن الحي بين الأموات فوافتهنَّ نعمة الله ورحمتهُ بالبشرى الصالحة، وظمنت قلوبهنَّ. فهؤلاء النساء لم يجدنَ يسوع مائتًا بل أدَّبنَ شهادة صالحة عن أن المخلص المحبوب كان حيًّا. فقد صرنَ رسولات للتلاميذ وبشَّرنهم بكلام المخلص بفم الملاك. لا جرم أن تكريس القلب لله يأتي للنفس بالنور والمعرفة وذلك إذا طلبنا الحق ويسوع نفسهُ. فقد ظهر من مريم المجدليَّة أنها كرست قلبها للمسيح أكثر مما فعل غيرها؛ ولذلك نراها عند القبر قبل شروق الشمس، وقد كانت أول من رآهُ بعد قيامتهِ. وفضلاً عن ذلك قد فُوّضتْ إبلاغ رسالة أسمى مما ذكر هنا، وهي أن تذهب إلى التلاميذ أنفسهم، وتعلن لهم الحصول على مقام أسمى، وحقوق وامتيازات أثمن قيمة. وفضلاً، فقد قال لها يسوع: أذهبي إلى أخوتي وقولي لهم: أني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم (يوحنا 17:20). فقد دُعي التلاميذ هنا أخوة المسيح- المرَّة الأولى-أي أخوة المسيح الناهض من الأموات. فهؤلاء النساء وأن كان عاملهنَّ يسوع بالكرامة لم تكن لهنَّ بعدُ حقوق عظيمة كما كانت لمريم المجدليَّة بل تسلمنَ رسالة أخرى. فأن يسوع الناهض من الأموات لهُ صفتان متميزتان وهما نسبتهُ لبقية إسرائيل ومقامهُ الجديد كإنسان مُمجد لدى الآب. ففي الصفة الأولى ظهر لتلاميذهِ في الجليل حيث صرف أكثر زمان ظهورهِ معهم وفي النسبة الثانية صعد إلى السماء من بيت عنيا. أما خدمة التلاميذ فتختلف عن هذه أيضًا، ومَتَّى يتكلم عن الصفة الأولى؛ ولذلك لا نرى هنالك تاريخ الصعود، وأما لوقا فيتكلم عن الصفة الثانية حيث صعد السيد وقُبِلَ في السماء. 14 أَخِيرًا ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ وَهُمْ مُتَّكِئُونَ، وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ، لأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا الَّذِينَ نَظَرُوهُ قَدْ قَامَ. 15 وَقَالَ لَهُمُ:«اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. 16 مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ. 17 وَهذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ. 18 يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئًا مُمِيتًا لاَ يَضُرُّهُمْ، وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ». 19 ثُمَّ إِنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ. 20 وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ. آمِينَ. (عدد 14-20). ثم ان هذا الإنجيل يذكر ملخص الجزء الأخير من تاريخ حياة يسوع الناهض المدون في إنجيلي يوحنا ومرقس ويتكلم أيضًا عن مريم المجدلية، والتلميذين الآخرين المنطلقين إلى عمواس، وخدمة الرسل العامة الذين كانوا مزمعين ان يذهبوا ويكرزوا بالإنجيل للعالم كلهِ، وقِيلَ أيضًا أن مَنْ آمن وأعتمد خلُص وأن الآيات تتبع ليس الرسل فقط بل الذين يؤمنون بواسطتهم. وأنهم سيعلنون بالمعجزات التي يجترحونها قوة الرب الذي قد آمنوا بهِ. ثم صعد الرب أخيرًا إلى السماء وجلس عن يمين الله وانطلقوا الرسل ليكرزوا في العالم وكان الرب يعمل معهم ويُثبت الكلام بالآيات التابعة. إذًا الخلاص يتعلق على الإيمان والاعتراف بيسوع، وقد شهد الرب لحق الإنجيل بالآيات العظيمة ذلك يسرَّ سبيل الإيمان وسهلهُ وجعل كل من لم يؤمن بلا عذر. أخيرًا أقول أني ما تكلمت كثيرًا في شرحي على الفصل الأخير من هذا الإنجيل عن آلام المسيح والحوادث المتعلقة بقيامتهِ لأنهُ ليس المقصد بهذا الإنجيل أن يوضح لنا هذه الحقائق. ولكن الروح الواحد الذي أعطانا إياهُ قد أنعم علينا بالثلاثة الأناجيل الأخرى أيضًا لكي تكون الفائدة تامة وكاملة. وقد رأينا مرارًا كثيرة في هذا الإنجيل أنهُ يخبرنا بما يتعلق بحياة سيدنا يسوع المسيح كالنبي، والخادم الكامل الأمين الذي أظهر الطاعة التامة لمشيئة الذي أقامهُ في هذا المقام في وسط البشر الذين داوموا على المعصية والتعدي منذ وقت السقوط. فمرقس الإنجيل إنما اُلهم من الله أن يتتبع حوادث حياة الرب باعتبار خدمتهِ الأمينة، فظلَّ طائعًا حتى الموت وكأنهُ إنما أسلم روحهُ طوعًا حين لم يبقَ لهُ شيءٌ بعد ليفعلهُ. سبيل الطاعة جلب عليه عار العالم وقادهُ إلى الصليب وكان في كل حالٍ يكمل مشيئة الله أبيهِ. فليس لهُ داعٍ للبقاء بعد في عالم مشحون من المعاصي حيث لا يوجد شيءٌ بعد من مشيئة الله غير مُكمل. وياللعجب من حياة كهذه في عالم كهذا. قد رأيناهُ في الفصل الأخير من إنجيل مَتَّى موصوفًا كالذبيحة القدوسة قائمًا مقامنا لدى العدل الإلهي وأما في هذا الإنجيل فنراهُ مُكملاً طاعتهُ بالموت. وكان لابدَّ للبشر جميعًا أن يظهروا ما فيهم على كل حالٍ وأما يسوع فأظهر ما فيهِ ونعمَّ الإظهار. وأما من جهة قيامتهِ من بين الأموات فنرى في هذا الإنجيل أنها تأكدت كل التأكيد لتلاميذهِ لأجل تثبيت إيمانهم وذلك على طريقين أعني المشاهدة والشهادة. فأنهم شاهدوهُ البعض بعد الآخر ثم ذهبوا وأخبروا رفقاءهم أن الرب قد قام وقد ظهر لهم وكان يجب على الآخرين أن يصدقوا شهادة كهذه غير أن إيمان الجميع كان ضعيفًا. لا يوجد هنا ذكر زلزلة الأرض التي حدثت وقت نزول الملاك من السماء ودحرجة الحجر من باب القبر لأن الحوادث الخارقة العادة في الطبيعة ذاتها لم تكن مما يلزم لتوطيد إيمان التلاميذ الذي كان من الأمور الأولية لهم، أولاً- لأجل تطمين أفكارهم وراحة قلوبهم، وثانيًا- لأجل خدمتهم حيث تكلفوا بخدمة الكرازة للعالم. وأما خدمة الكرازة المذكورة هنا فهي المناداة ببشارة الخلاص بمجرد الإيمان بالمسيح والاعتراف باسمهِ في نوال المعمودية. والآيات المذكورة هنا هي مما يتعلق بالإيمان وتخصُّ المؤمنين جميعًا ولاريب أنها حدثت بعدئذٍ كما نرى في التاريخ المدون في الأعمال. قيل هنا. وهذه الآيات تتبع المؤمنين. يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة جديدة، ويحملون حيات وإن شربوا شيئًا مُميتًا لا يضرُّهم، ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأُون. معلوم أن الآيات جرت عن يد مؤمنين كثيرين في الأول، ولكنها انقطعت شيئًا فشيئًا من أجل الضعف الذي اعترى الإيمان عند مضي الزمان، وإذ ذاك فضعفت الشهادة المسيحية للعالم كما لايُخفى عند القارئ. فأن صنع المعجزات لم يكن للمؤمنين بل لغير المؤمنين. حتى التكلم بألسنة جديدة كان على سبيل آية للذين لم يكونوا قد حصلوا على الإيمان بعد وليس لأجل الكرازة والتعليم (انظر كورنثوس الأولى 22:14). على أنهُ مذكور في التواريخ المسيحية ان بعض الآيات لم يزل موجودًا في العصر الثالث فأن المسيحيين كانوا يشفون المرضى ويخرجون الشياطين باسم المسيح. وإن سأل القارئ لماذا لا نقدر ان نجترح الآيات في أيامنا. أُجيب وأقول: انهُ من الأمور الواضحة كل الوضوح ان المواهب المتعلقة بإجراء الآيات ليست موجودة الآن لأنها قد انقطعت حقيقيةً ولا يوجد وعد واحد برجوعها وانهُ ليس من العلامات الحسنة أننا نهتم بها ونطلب الحصول عليها حتى لما كانت موجودة كانت المواهب المتعلقة بالبنيان الروحي محسوبة أفضل منها انظر (كورنثوس الأولى 1:14) ويجب أن نشكر الله لمداومة ما هي الأفضل عندنا. وعدا ذلك أقول: أولاً- انهُ ما بقى موضوع مناسب لإجراء الآيات فيهِ من وقت انفصال المسيحيين بعضهم عن البعض وتسميتهم بطوائف متعددة فإنهُ لو ظهر شيء من القوة الآن يُنسب حالاً فضلها إلى الطائفة ما أو على الأقل للرجل الظاهر القوة عن يدهِ، وذلك لا يكون لمجد اسم المسيح. ثانيًا- اجتراح الآيات كان مثل زينة أو حُلي للكنيسة في الأول قد ألبسها الرب إياها لدى العالم ولكن لما خانتهُ بمخالطتها العالم نزعها الرب عنها وأهانها نوعًا من الكرامة. ثالثًا- ربما قائل يقول: ولكننا قد سمعنا بحدوث شفاء بعض مرضى وإخراج شياطين في أيامنا فإذًا كيف نجزم بانقطاع هذه القوة تمامًا؟ فأقول: أن الله قادر ان يفعل كما يشاء في أي وقتٍ كان. هذا القبيل ليس من باب القوة والمواهب مطلقًا فإنما يُنسب للصلاة فقط. ويوجد فرق عظيم جدًا جدًا بين القوة لاجتراح عجائب وبين نوالنا أجوبة حسنة لصلواتنا، يجوز لنا بل يجب علينا أن نواظب على الصلوات والتضرعات لله لأجل كل الأمور التي تهمنا كأولادهِ وربما صلَّينا لأجل مريض فشُفي أو لأجل مُصاب بروح نجس فخرج منهُ، ولكنهُ لا ينتج من ذلك أننا نقدر أن نشفي كل مريض أتى إلينا أو نُخرج جميع الأرواح التي نُلاقيها. إن كان أحد يدعي بقوة لفعل ذلك يوجد كذابًا سريعًا. إن كنا نُصلي في الضيق فهذا من الضعف لا من القوة ولنا مواعيد كثيرة من قِبل الله بإجابة الصلاة. فإذًا إذا حصلنا على جواب للصلوات يظهر انهُ عجيب كإقامة واحدٍ من مرض مرضًا شديدًا فيجب ان نحترز جدًا من الانتفاخ كأن ذلك يُبرهن وجود قوة فينا دون غيرنا أو كأننا نستطيع شفاء أي مريض كان لأنهُ إن وقعنا في وهم كهذا لا يلبث الرب ان يُخجل وجوهنا على قدر افتخارنا. ثم ان الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله، وأما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم ويُثبت الكلام بالآيات التابعة. فختم مرقس إنجيلهُ بهذه الإشارة المختصرة إلى خدمة التلاميذ لأنهم بمعونة النعمة أظهروا نوعًا من الأمانة في خدمتهم كما كان قد ظهر في خدمة سيدهم. معلوم أنهم لبسوا قوة بعد حلول الروح القدس عليهم ولكن لا يوجد ذكر لذلك في هذا الإنجيل. فارتفع السيد إلى السماء وجلس عن يمين الله ولكن الخدمة المتعلقة بالمحبة الإلهية لم تنقطع عن العمل في هذا العالم الشقي المحتاج إلى ذلك كل الاحتياج. ويا للنعمة التي شاءت وجعلتنا آنية لهذه الخدمة! وكم يجب علينا ان نسلك مع الله بضمير طاهر لكي نستطيع أن نكرز للآخرين بالمحبة التي أفعمت نفوسنا؛ لأن كل من يأخذ ينادي بالإنجيل بدون ان يشعر بقوتهِ في نفسهِ فليس إلا نحاسًا يطن أو صنجًا يرنُّ. وكأنه يجول يصف دواء للآخرين وهو لم يشربهُ مع انهُ مُصاب بمرضهم بعينهِ. نعم لسنا نقدر على اجتراح العجائب وذلك ليس بمطلوب منا ولكننا نستطيع بالنعمة أن نُنادي بمحبة الله التي أظهرها بعطية ابنهِ العزيز والإيمان يأتي بالخبر والخبر بكلمة الله. المحتمل انهُ سيظهر في هذه الأيام الأخيرة بعض علامات قوة ولكنها تُنسب إلى إبليس لا إلى المسيح فعينا أن نحترز من الضلال، والخداع ونمتحن كل شيء بكلمة الله واسم المسيح. إذا كنا ننصب وراء علامات قوة نُصبح في خطر عظيم من أن ننغش من العدو ونشتبك بشباكهِ. ولكن إذا كنا نسعى في طريق الاتضاع والطاعة نشبه سيدنا العزيز ونَسَلم من حيل إبليس. |
||||
06 - 11 - 2012, 12:14 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: أنجيل مرقس ( شرح أية أية )
مجهود جبااااااااااااااار قوى قوى منك وسيم
ربنا يباركك |
||||
18 - 01 - 2013, 06:16 AM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: أنجيل مرقس ( شرح أية أية )
أشكرك جدا جدا يا روشا على المرور والتشجيع ربنا يباركك ويفرح قلبك |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أنجيل مرقص - يوم في كفرناحوم |
أنجيل مرقص - سر الحياة |
أنجيل مرقص - فلس الأرملة |
أنجيل مرقص - خادم الجميع |
أنجيل مرقص - من أنا في رأيكم |