الأصحاح الخامس عشر
1 وَلِلْوَقْتِ فِي الصَّبَاحِ تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْكَتَبَةُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ، فَأَوْثَقُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ وَأَسْلَمُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ. 2 فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ:«أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ:«أَنْتَ تَقُولُ». 3 وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيرًا. 4 فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ أَيْضًا قِائِلاً:«أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ اُنْظُرْ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ!» 5 فَلَمْ يُجِبْ يَسُوعُ أَيْضًا بِشَيْءٍ حَتَّى تَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ. 6 وَكَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ فِي كُلِّ عِيدٍ أَسِيرًا وَاحِدًا، مَنْ طَلَبُوهُ. 7 وَكَانَ الْمُسَمَّى بَارَابَاسَ مُوثَقًا مَعَ رُفَقَائِهِ فِي الْفِتْنَةِ، الَّذِينَ فِي الْفِتْنَةِ فَعَلُوا قَتْلاً. 8 فَصَرَخَ الْجَمْعُ وَابْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا كَانَ دَائِمًا يَفْعَلُ لَهُمْ. 9 فَأَجَابَهُمْ بِيلاَطُسُ:«أَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟». 10 لأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا. 11 فَهَيَّجَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْجَمْعَ لِكَيْ يُطْلِقَ لَهُمْ بِالْحَرِيِّ بَارَابَاسَ. 12 فَأجَابَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا وَقَالَ لَهُمْ:«فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بِالَّذِي تَدْعُونَهُ مَلِكَ الْيَهُودِ؟» 13 فَصَرَخُوا أَيْضًا:«اصْلِبْهُ!» 14 فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ:«وَأَيَّ شَرّ عَمِلَ؟» فَازْدَادُوا جِدًّا صُرَاخًا:«اصْلِبْهُ!» 15 فَبِيلاَطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ، أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ، بَعْدَمَا جَلَدَهُ، لِيُصْلَبَ. (عدد 1-15).
ان إنجيل مرقس يتكلم اختصارًا عن محاكمة ينبوع والقضاء عليهِ فهذا أمر مهم. فحين ينتهي هذا الإنجيلي من إيراد قصة رفضهِ من اليهود يتكلم عما جرى لدى بيلاطس وذلك ليأتي بما يلزم إيرادهُ في هذا المقام وليوضح ان يسوع قد حكم عليهِ هنا أيضًا لأجل الشهادة التي أداها بنفسهِ عن الحق على أن ذلك جرى بالحقيقية بواسطة خبث رؤساء اليهود لأن بيلاطس بذل الجهد بإطلاقهِ ولكن لم تكن لهُ قوة أدبية وكان يحتقر اليهود وكل ما يختص بهم فلذلك أسلم يسوع لمشيئتهم بدون ضمير. فلما سأل بيلاطس أ أنتَ مَلك اليهود؟ أجاب يسوع: أنت تقول. أما شكاوي رؤساء الكهنة فلم يُجيب عليها بشيء؛ لأنهُ كان قد أدى الشهادة.
ان الرب يسوع كان مزمعًا ان يُضحي نفسهُ في الحالة فهذه الشكاوي كلها لم تكن شيئًا وبيلاطس عَلمَ ذلك. غير أن اليهود كان لابد لهم ان يُظهروا الروح الذي حركهم على ذلك العمل. فحاول بيلاطس أن يتخلص من يسوع ومن المشكل بعادة كانت قد دخلت في ذلك الزمان وهي إطلاق أسير في الفصح لإرضاء اليهود فعرض ذلك على الشعب ليدرأ عنهُ خبث الكهنة وحقدهم غير أن ذلك كان عبثًا لأن لابد للسيد ان يتألم ويموت. فحرض الكهنة الشعب ان يطلبوا إطلاق باراباس وصلب يسوع. فحاول بيلاطس أيضًا إطلاقهُ ولكن عاد فأسلمهُ إرضاء للشعب.
16 فَمَضَى بِهِ الْعَسْكَرُ إِلَى دَاخِلِ الدَّارِ، الَّتِي هِيَ دَارُ الْوِلاَيَةِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الْكَتِيبَةِ. 17 وَأَلْبَسُوهُ أُرْجُوَانًا، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَيْهِ، 18 وَابْتَدَأُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: «السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!» 19 وَكَانُوا يَضْرِبُونَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِقَصَبَةٍ، وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْجُدُونَ لَهُ جَاثِينَ عَلَى رُكَبِهِمْ. 20 وَبَعْدَمَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الأُرْجُوانَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ. 21 فَسَخَّرُوا رَجُلاً مُجْتَازًا كَانَ آتِيًا مِنَ الْحَقْلِ، وَهُوَ سِمْعَانُ الْقَيْرَوَانِيُّ أَبُو أَلَكْسَنْدَرُسَ وَرُوفُسَ، لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ. 22 وَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَوْضِعِ «جُلْجُثَةَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ مَوْضِعُ «جُمْجُمَةٍ». 23 وَأَعْطَوْهُ خَمْرًا مَمْزُوجَةً بِمُرّ لِيَشْرَبَ، فَلَمْ يَقْبَلْ. 24 وَلَمَّا صَلَبُوهُ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا: مَاذَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ؟ 25 وَكَانَتِ السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ فَصَلَبُوهُ. 26 وَكَانَ عُنْوَانُ عِلَّتِهِ مَكْتُوبًا: «مَلِكُ الْيَهُودِ». 27 وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ، وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. 28 فَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ:«وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ». 29 وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ قَائِلِينَ:«آهِ يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ! 30 خَلِّصْ نَفْسَكَ وَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!» 31 وَكَذلِكَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَهُمْ مُسْتَهْزِئُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَعَ الْكَتَبَةِ، قَالُوا: «خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا! 32 لِيَنْزِلِ الآنَ الْمَسِيحُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَنِ الصَّلِيبِ، لِنَرَى وَنُؤْمِنَ!». وَاللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ كَانَا يُعَيِّرَانِهِ. (عدد 16-32).
ففي كل هذه الأمور كان اليهود مذنبين على انهُ كان من واجبات ذلك الحاكم الروماني أن يكون ثابتًا وأن يتصرف بالعدل وأن لا يغادر يسوع معرضًا لعدوان الكهنة فقد كان عديم المبالاة وبدون ضمير واحتقر يهوديًا بائسًا لا أصدقاء لهُ وحسب إرضاء القوم المشاغبين من الأمور المهمة. ففي إنجيل مرقس نرى ان كل البغض والعدوان منسوبًا للكهنة. فهم أبدًا وفي كل مكان أعداء الحق وأعداء ذلك الذي هو نفسهُ الحق متجسدًا. فلم يكن لمقاومة بيلاطس تأثيرًا؛ لأن مشيئة الله كانت ان يتألم يسوع لانه وافى لهذه الغاية ولهذا القصد بذل نفسهُ فدية عن كثيرين. أما الكلام الوارد هنا فيُنبئ عن وحشية قلب الإنسان الذي يسرُّ بأن يقسو على المسلَّمين لإرادتهِ وليس لهم اقتدار على المحاماة عن أنفسهم وفضلاً عن ذلك كان لابد للرب ان يُحتقر ويرفض من اليهود والأمم. ذلك دليل على ان الإنسان لا يقبل الله ولا يُسر بجودتهِ وصلاحهِ.
ثم كان لابد للأمة اليهودية من أن تُذل وتُهان لأن الجنود هزأت بالأمة كلها بهزئِها بملكها. فألبسوا يسوع كمَلك ثوبًا أرجوانيًا وضربوهُ وهزءوا بهِ تحت رداء الكرامة الكاذبة، ثم قادوهُ للصليب وكتبوا على الصليب مَلك اليهود وقد أُحصي السيد بين الأثمة. فالأمر الواضح خاصة في هذه القصة إنما هو إهانة ملك إسرائيل. فقد قال رؤساء الكهنة: لينزل المسيح ملك إسرائيل عن الصليب فنؤمن بهِ واستهزاءَ بهِ المصلوبان معهُ. على أن أحدهما تاب بعدئذٍ واعترف بيسوع ربًا ومخلصًا.
33 وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ السَّادِسَةُ، كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ. 34 وَفِي السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً:«إِلُوِي، إِلُوِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ 35 فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ لَمَّا سَمِعُوا:«هُوَذَا يُنَادِي إِيلِيَّا». 36 فَرَكَضَ وَاحِدٌ وَمَلأَ إِسْفِنْجَةً خَّلاً وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاهُ قَائِلاً:«اتْرُكُوا. لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُنْزِلَهُ!». (عدد 33-36).
أننا نرى حتى العدد الثالث والثلاثين إهانة الرب وغلبة الشر بحسب الظاهر. فقد أبدى البشر عمومًا وإسرائيل خصوصًا كأمة سرورهم حين ظنوا أنهم قد تخلصوا من حضور المسيح في الأرض وفازوا بقتلهِ لأنهُ كان الشاهد الأمين لله ما عدا كونهِ ملك إسرائيل الحقيقي أيضًا، ولكنهم بمحاولتهم تذليل يسوع لم يذللوا إلا أنفسهم غير أن المُخلص واظب على إتمام العمل الذي أعطاهُ إياهُ أبوه ليعمل في وسط تعدي الشعب الإسرائيلي، وعماهُ، وحماقتهِ، وشرهِ. فقد املأوا وا أسفاه مكيال إثمهم! أما محبة يسوع فكانت أقوى من عدوان الإنسان وجهلهِ. فالمجد لاسمهِ المبارك. غير أننا من العدد الثالث والثلاثين فصاعدًا نرى عملاً أسمى من آلام المُخلِّص الخارجية وإن كانت تلك الآلام حقيقية ومُبرحة. فقد تُرك وحدهُ ولم يكن أحد يرثي لهُ وليس حولهُ إلاَّ الجفاء والوحدة والقسوة ولكن يوجد فرق عظيم بين قسوة الإنسان وقصاص الخطية المُنصبُّ على يسوع من يد الله.
فغشَّت في تلك الساعة الظلمة الأرض فإن المسيح كان وحدهُ مع الله محجوبًا عن الأشياء المنظورة لينفرد كل الانفراد مع الله. فاحتمل قصاص خطايانا وتجرَّع عنا كأس اللعنة وقد أصبح الذي لم يعرف خطيةً خطيةً لأجلنا. فنرى في المزمور الثاني والعشرين أن السيد شعر كل الشعور بعدوان الإنسان وشره كما أنهُ كان قد سبق فرأى ما هو عتيد أن يحدث وأصبح عرقهُ كنقطات دم جاريًا على الأرض فالتفت إلى الله أبيهِ وهتف قائلاً لا تبتعد عني غير أن الله تركهُ لألم نفسهِ وحجب وجههُ عنهُ. على أنهُ لم يكن في زمانٍ أكثر قيمةً لدى الله وأعزَّ عليه مما كان الآن وهو الطاعة الكاملة. غير أن هذه الطاعة قد تمت حين صار خطيةً لأجلنا. ولم يُمجد أباهُ ببرهِ ومحبتهِ كما مجدهُ الآن. فقد أمسى ذبيحة خطية وشعر في أعماق نفسهِ بغضب الله على الخطية ولذلك احتمل قصاصها فالتزم الله أن يحجب وجههُ عن ذلك الذي صار خطية لأجلنا ذلك كان ضروريًّا لمجد الله وجلالهِ كما أنهُ كان لازمًا لنا أيضًا. ولكن مَنْ يستطيع أن يقيس أعماق آلام المُخلِّص. فإن ذلك الذي كان موضوعًا لمسرَّة الآب قد تُرِك الآن. وذلك الذي كان القداسة نفسها صار خطيةً لدى الله. ولكن قد انقضى العمل كلهُ فقد تَممَ الفداء الذي شاءت إرادة الله إتمامهُ. فيا لبهجة هذا الفكر وقداستهُ وهو أنهُ بزيادة آلامهِ ازدادت عزتهُ وقيمتهُ لدينا! فكل ما تأملنا بمحبتهِ الكاملة وبكمال شخصهِ كل ما ازدادت محبتنا لهُ. فقد زالت بموتهِ كل الآلام وأصبح بقيامتهِ إنسانًا جديدًا لنا وغُفِرت خطايانا كلها وأمسينا مُتحدين معهُ في حضرة الله وحينما يأتي نكون مثلهُ في المجد. ولكن وإن مات لم يكن ذلك الفراغ قوتهِ الحيوية. فهتف بصوتٍ عالٍ وأسلم الروح. فقد انقضى الأمر كلهُ وأسلم الروح ليد أبيهِ وقد مات لأجلنا حقيقةً. وقدَّم نفسهُ لله بدون عيب ووضع الله عليهِ إثم كثيرين. فكان لا بدَّ لهُ أن يموت ولكن لم ينزع أحد حياتهُ بل بذلها هو نفسهُ طوعًا حين أكمل العمل.
37 فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. 38 وَانْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ إِلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ. 39 وَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ الْوَاقِفُ مُقَابِلَهُ أَنَّهُ صَرَخَ هكَذَا وَأَسْلَمَ الرُّوحَ، قَالَ:«حَقًّا كَانَ هذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللهِ!» 40 وَكَانَتْ أَيْضًا نِسَاءٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ، بَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ الصَّغِيرِ وَيُوسِي، وَسَالُومَةُ، 41 اللَّوَاتِي أَيْضًا تَبِعْنَهُ وَخَدَمْنَهُ حِينَ كَانَ فِي الْجَلِيلِ. وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ اللَّوَاتِي صَعِدْنَ مَعَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 42 وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ، إِذْ كَانَ الاسْتِعْدَادُ، أَيْ مَا قَبْلَ السَّبْتِ، 43 جَاءَ يُوسُفُ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، مُشِيرٌ شَرِيفٌ، وَكَانَ هُوَ أَيْضًا مُنْتَظِرًا مَلَكُوتَ اللهِ، فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. 44 فَتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعًا. فَدَعَا قَائِدَ الْمِئَةِ وَسَأَلَهُ:«هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟» 45 وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ الْمِئَةِ، وَهَبَ الْجَسَدَ لِيُوسُفَ. 46 فَاشْتَرَى كَتَّانًا، فَأَنْزَلَهُ وَكَفَّنَهُ بِالْكَتَّانِ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ كَانَ مَنْحُوتًا فِي صَخْرَةٍ، وَدَحْرَجَ حَجَرًا عَلَى بَابِ الْقَبْرِ. 47 وَكَانَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ أَيْنَ وُضِعَ. (عدد 37-47).
فانشق حينئذٍ حجاب الهيكل إلى اثنين من الأعلى إلى الأسفل فرأينا طريق الأقداس مفتوحة للمؤمنين الذين كانوا تحت الناموس. فإن الحجاب بين القدس وقدس الأقداس إنما يدل على ان الإنسان لا يستطيع الدخول إلى حضرة الله انظر (عبرانيين 19:10-20) فيا لعظمة هذه الحقوق وبهجتها! فالآن نستطيع الدخول إلى حضرة الله بلا خوف مبيضين كالثلج لنسرَّ بتلك المحبة التي رفعتنا إلى ذلك المقام. فقد صنع المسيح السلام بدم صليبهِ وأتى بنا إلى الله نفسهِ والبار مات بدلنا نحن الآثمة.
ثم بذبيحة واحدة قد أكمل إلى الأبد المقدَّسين. فلا يستطيع أن يُقدم نفسهُ ثانيةً. فإذا كانت خطايانا لم تُمحَ بهذه الذبيحة لن تُمحا إلى الأبد لآن يسوع لا يستطيع أن يموت أيضًا فالمسألة لا تتعلق على الرش لأن بدون سفك دم لا تحصل مغفرة، والرسول يوضح هذا الحق المقدس بقولهِ فإذ ذاك كان يجب ان يتألم مرارًا كثيرة منذ تأسيس العالم، ولكنه الآن قد أُظهرَ مرة عند انقضاء الدهور ليُبطل الخطية بذبيحة نفسهِ (عبرانيين 26:9) فحين يؤمن الإنسان يحرز هذه البركة ويكمل إلى الأبد لدى الله بالمسيح. فالخطية لا تستطيع ان تنسب إليهِ بعد لأن المسيح حملها وكفرَ عنها وهو في حضرة الله دائمًا بدلهُ شاهدًا بأن خطاياهُ قد نزعت وأن الذي يأتي إلى الله بالمخلص يُقبل كل القبول بواسطتهِ.
فربما قال البعض: إذ نستطيع ان نعيش في الخطية فهذا الاعتراض نفسهُ أُعترض بهِ على الإنجيل الذي يُبشَّر بهِ بولس وجوابهُ وارد في رسالة رومية الإصحاح السادس. فإذا كان لنا إيمان بالمسيح حقيقة كنا مولودين ثانية ولنا طبيعة جديدة وقد خلعنا الإنسان العتيق لبسنا الجديد، وقدمتنا عن الخطية متنا مع المسيح بالإيمان وصلبنا معهُ حتى لا تُحي بعد بل المسيح يحيا فينا وقد أصبحنا خليقة جديدة والعمل الإلهي يعمل فينا لأجلنا. فإذا كان يسوع برنا هو أيضًا حياتنا، وقد أُعطي لنا الروح القدس ونحن مطالبون ومدعوون للسلوك في السبيل الذي سلكهُ سيدنا. غير ان هذا لا يتداخل بعمل المسيح لأجلنا، ذلك عمل كامل قد قبلهُ الله ولذلك يجلس عن يمين الله كإنسان في ذلك المجد الذي كان لهُ عند أبيهِ قبل خلق العالم. ولا يُخفى انهُ قبل إتيان المسيح لم يظهر الله نفسهُ ولم يستطيع الإنسان الدخول إلى حضرتهِ بحسب برّهِ في المسيح.
فبين كان الكل واقفين بعيدًا صامتين تكلم ضمير قائد المائة فالكل كان أعدائهُ إلا التلاميذ الذين هربوا. فإن صوت يسوع العالي الخالي من كل علامة الضعف وتسليم نفسهِ للآب على الفور أثرَّا بنفس ذلك القائد كل التأثير فاعترف بيسوع المائت انهُ ابن الله. فالآن قد تمَّ العمل أجرى الله مشيئتهُ بأن يُحصى في دفنهِ بين الأغنياء كما أُحصي في موتهِ بين الأثمة ويعامل في مواراته التراب بالكرامة والوقار. أما النساء اللواتي تبعتهُ من بعيد حين صلبهِ فاشتركنَ بذلك التكريم ومنهنَّ مريم المجدلية ومريم الأخرى أم يوسي ونظرنا المكان حيث وضع جسدُ في القبر؛ لأن يوسف من الرامة كان قد مضى إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع. فقد كان شجاعًا في موت سيدهِ أكثر مما كان في حياتهِ. ذلك كثيرًا ما يحدث وهو أن عظمة الشر تحمل على إظهار الإيمان والمجاهرة بهِ.
ولكن أمعنوا النظر تروا انهُ كان للنساء مقام يسو على ما ذكر فأنهنَّ كنَّ تبعن يسوع من الجليل وخدمنهُ بأموالهنَّ ثم نراهنَّ دانيات من يسوع حين تركهُ التلاميذ. فهن لم يرسلن للكرازة غير أن شدة تعلقهنَّ بيسوع وأمانتهنَّ ومحبتهنَّ الدائمة لهُ حين الأخطار والأرزاء تتألق كالدراري في تاريخ حياة مخلصنا. ثم أننا نجد دليلاً أخر على ان السيد أسلم حياتهُ طوعًا وأنها لم تنزع منهُ بأن بيلاطس تعجب انهُ مات كذا سريعًا فدعى قائد المائة ليؤكد لهُ هذه الحادثة. فحين علمَ بذلك أعطى الجسد ليوسف فوضعهُ في قبرهِ الجديد إلى أن يعبر السبت.