07 - 11 - 2022, 04:07 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
في البنود العشر التعليمية المقال الرابع "انظروا أن لا يكون أحد يسبيكم "يفسدكم" بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم..." (كو 2: 8). دعوة للتمتع بروح التمييز 1. الرذيلة تحاكي الفضيلة، وذلك كما يجتهد الزوان أن يبدو قمحًا، فينمو مثله في مظهره، لكن يكتشفه عارفوه ويميزونه من طعمه. هكذا أيضًا يُغير الشيطان نفسه في شكل ملاك نور (كو 11: 14)، لا لكي يصعد مرة أخرى إلى حيث كان، إذ قلبه صلب كالسنديان(9)، فصارت إرادته عاجزة عن أن تتوب، إنما يفعل هذا بقصد إغراق السالكين في حياة ملائكية في ظلمات العمى والكفر المهلك. ذئاب كثيرة تجول في ثياب حملان (مت 7: 15)، نعم ثيابها ثياب حملان وليس أظافرها أو أسنانها. وإذ هم يسيرون في الجلد الناعم يخدعون الأبرياء بمظهرهم، فيبثّون فيهم من أنيابهم سم الدنس المهلك. إذن نحن نفتقر إلى نعمة إلهية وذهن علوي وبصيرة نفاذة، حتى لا نأكل الزوان علي أنه حنطة، فيصيبنا ضررُ من الجهل، ونسقط فريسة للذئاب التي نحسبها حملان، ويبيدنا الشيطان المهلك الذي نظنه ملاكًا مباركًا. إذ يقول الكتاب: "كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو" (1 بط 5: 8). هذا هو السبب لتحذيرات الكنيسة، وهو الدافع لتعليماتنا الحالية، الدروس التي تقرأ الآن. الحاجة إلى الإيمان العملي 2. لأن طريق الصلاح يحمل أمرين: تعاليم ورعة، وتدريب عملي للفضيلة. ولن تكون التعاليم مقبولة لدى الله بعيدًا عن الأعمال، ولا الأعمال دون أن تتكمّل بالتعاليم التقوية. لأنه ما الفائدة إن عرفت التعاليم الخاصة بالله معرفة حسنة ومع ذلك أنت زانٍ دنيء؟! أو أي أنفع أن تكون نبيل الطبع وأنت مجدف جاحد؟! لذلك فإن معرفة التعاليم تُعتبر مقتنيات ثمينة، لكنها في نفس الوقت تحتاج إلى نفسٍ متيقظةٍ، إذ كثيرون يفسدون بالفلسفة والخداع الباطل (كو 2: 8). فاليونانيون(10)، من ناحية يسحبون الناس خارجًا بلسانهم اللين، إذ يقطر العسل من شفتي الزانية (أم 5: 3). وأهل الختان(11)، من ناحية أخرى يخدعون من يلتقون بهم بتفسيرهم الكتاب المقدس تفسيرًا خاطئًا رغم دراستهم له منذ الطفولة حتى الشيخوخة (راجع إش 46: 3 LXX). أما الهراطقة فبأعمالهم الصالحة ولسانهم اللين يخدعون قلوب البسطاء (رو 16: 17) تحت ستار اسم المسيح، إذ يدسون أسهمًا مسمومة هي تعاليمهم المملوءة كفرًا. عن هؤلاء جميعًا يقول الرب "انظروا لا يضركم أحد" (مت 24: 4). لهذا نقوم بتعليم قانون الإيمان وشرحه لكم. 3. لكننى أظن أنه يليق قبل تسليمكم قانون الإيمان أن نقدم لكم ملخصًا مقتضبًا للتعاليم الضرورية حتى لا يسبب كثرة الكلام مع طول فترة أيام الصوم الكبير المقدس نسيانًا في أذهان البسطاء منكم. فأقوم بغرس بعض بذور التعاليم باقتضاب فلا تنسونها، نعالجها بأكثر إسهاب فيما بعد. ليت الناضجون ذهنيًا من الحاضرين الآن، والذين "لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر" (عب 5: 14)، يحتملون بصبر الإنصات إلى أمور تتناسب بالأكثر مع الأطفال، إذ هو حديث افتتاحي يُقدم مثل لبنٍ (للأطفال). بهذا ينتفع المحتاجون إلى التعليم، وفي نفس الوقت يتذكره جيدًا الذين لهم سابق معرفة به. الله الواحد 4. أولًا لنلقِ "التعليم عن الله" كأساس في أنفسكم. إنه الله (الآب)، واحد وحيد غير مولود، بلا بداية ولا تغيير، ليس فيه تنوع، ليس مولودُا من آخر، ولا يعقبه آخر، لم يبدأ في زمن للحياة ولا ينتهي قط. إنه صالح وعادل في نفس الوقت، فإن سمعت من هرطوقي ينادي بوجود إله عادل وآخر صالح(12) تذكر في الحال سهام الهراطقة المسمومة. إذ يتجاسر البعض في كفر أن يقسموا الله الواحد. وقال البعض إن واحد خالق للنفس وآخر إله الجسد(13). وهذا التعليم غامض وشرير. لأنه كيف يمكن لإنسان أن يصير خادمًا للسيدين، بينما يقول ربنا في الإنجيل "لا يقدر أحد أن يخدم سيدين؟!" (مت 6: 24؛ لو 6: 13) يوجد الله، واحد وحيد، خالق للنفوس والأجساد، واحد هو خالق السماء والأرض، صانع الملائكة ورؤساء الملائكة. هو خالق لكثيرين، لكنه أب لواحدٍ وحيد قبل كل الدهور، الابن الواحد الوحيد ربنا يسوع المسيح، الذي به خلق كل شيء، ما يُرى وما لا يُرى (يو 1: 3؛ كو 1: 16). سمو كمال الله 5. إن أبا ربنا يسوع المسيح، الذي لا يحده مكان، هو ليس بأقل من السماء، بل هي عمل يديه (مز 8: 3)، وكل الأرض في قبضته (إش 40: 12). إنه في كل شيء ومحيط بكل شيء! لا تظن أن الشمس أكثر منه بهاءً، ولا مساوية له في الضياء، بل يليق بموجدها أن يكون أعظم منها وأبهى بما لا يقاس! لقد سبق فعرف كل شيء قبل كونه. هو أقدر من الكل، عالم بكل شيء. يعمل ما يريده دون أن يخضع إلى حتمية إلزامية، ولا لحركات نجم(14)، ولا لمحض صدفة أو قضاء وقدر. إنه كامل في كل شيءٍ. يملك كل أشكال الفضائل في كمال مطلق متساوٍ، لا ينقص ولا يزيد. بل كما هو بلا تغيير... يُعد العقوبة للخطاة والإكليل للأبرار. الحفظ من عبادة الأوثان 6. لقد ضل كثيرون عن الله الواحد بطرقٍ متعددة، فعبد البعض الشمس حتى متى غابت يسكنون في الليل بغير الله. والبعض عبدوا القمر فلا يكون لهم الله في النهار(15). والبعض عبدوا أجزاء العالم الآخرى(16). والبعض عبدوا الفنون(17). وعبدَ البعض أنواع أطعمة مختلفة(18)، والبعض ملذاتهم(19)، وسُحر البعض بالنساء، فأقاموا تمثالًا لامرأة عارية ودعوها أفروديت(20)، وعبدوا شهواتهم بصورة منظورة. وبُهر البعض ببريق الذهب فعبدوه(21)، وآخرون عبدوا أنواعًا أخرى من هذه الأمور. أما من ألقى في قلبه تعليم وحدانية الله كأول أساس، ووثق فيه للحال ينزع عنه حصيلة(22)، شرور عبادة الأصنام وكل أخطاء الهراطقة. إذن ألقوا بالإيمان بهذا التعليم الديني الأول كأساس في أنفسكم. المسيح 7. آمن أيضًا بابن الله الواحد الوحيد، ربنا يسوع المسيح، المولود، إله من إله، حياة من حياة، نور من نور، مساوٍ لمن ولده في كل شيء(23)، لم يتقبل وجوده في زمان، بل هو أزلي قبل كل الدهر، مولود من الآب بطريقة لا تدرك. إنه حكمة الله وقوته، وبرّه، كائن فيه شخصيًا(24). جالس عن يمين الآب قبل كل الدهور. لأنه لم يتقبل العرش الذي عن يمين الآب كجزاء لاحتماله بصبرٍ كما يظن البعض، إنما تقبله بوجوده السرمدي... هو شريك الآب في عرشه بكونه الله والحكمة والقوة، وكما يقال عنه إنه يملك مع الآب... دون أن ينقص شيئًا من الكرامة الإلهية. إنه يعرف (الآب) الذي ولده، كما يعرف هو أيضًا أنه مولود منه. وباختصار أذكر ما جاء في الإنجيل: "لا يعرف أحد الابن إلاّ الآب، ولا الآب إلاّ الابن" (مت 11:27؛ يو 10: 15؛ 17: 25). واحد مع الآب 8. علاوة على هذا، لا تفصل بين الابن والآب(25). لا تعتقد في ابن شبيه بالآب Son - Fatherhood))... بل آمن أن الله الواحد ابن واحد وحيد، هو كلمة الله من قبل الدهور. ليس كلمة منطوقه(26) منتشرة في الهواء، ولا شبه الكلمات غير الذاتية، بل هو الكلمة الابن خالق كل المخلوقات العاقلة، يسمع الآب وهو نفسه يتكلم. ليت الله يسمح فنتكلم عن هذه الأمور بأكثر توسع في الوقت المناسب حتى لا ننسى هدفنا الحالي، أي تقديم تمهيد لعقائد الإيمان باختصار. ميلاده من عذراء 9. آمِنْ أن ابن الله الوحيد هذا نزل من السماء إلى الأرض من أجل خطايانا. لبس هذه الطبيعة البشرية وتشبه بنا (أع 14: 15؛ يع 5: 17)... وولد من العذراء القديسة من الروح القدس، وصار إنسانًا. لم يكن هذا خيالًا، ولا مجرد مظهر، بل بالحق صار هكذا(27)، ولا عبر في العذراء كما في قناة(28) بل صار منها جسدًا فعلًا "وانتعش باللبن فعلًا"(29)، وأكل مثلنا فعلًا، وبحق شرب، فلو كان التجسد خيالًا لصار الخلاص أيضًا خيالًا... الصليب 10. بحق صُلب عن خطايانا. فإن أردت إنكار هذا يرفضك بطريقة منظورة هذا المكان أي الجلجثة المباركة التي نجتمع فيها الآن (من أجل المصلوب هنا. وقد امتلأ العالم بأجزاء من خشبة الصليب)(30). لكنه لم يُصلب عن خطايا ارتكبها، بل لكي يخلصنا من خطايانا. وفي الوقت الذي فيه احتقره البشر فلطموه، كانت الخليقة تعرف أنه ابن الله، فانكسفت الشمس لما رأت ربّها مُهانًا، مرتعبة كيف تحتمل هذا المنظر؟! دفنه 11. بحق وُضع في قبرٍ منحوتٍ في الصخر، لكن الصخور تشققت مرتعبة بسببه! لقد نزل إلى أسافل الأرض ليخلص الأبرار(31). اخبرني، هل ترغب في أن يتمتع الأحياء وحدهم بنعمته ولا ترغب في أن ينالوا حريتهم من لهم زمان طويل مسجونون من آدم؟! لقد أعلن إشعياء النبي بصوت عالٍ عن أمورٍ كثيرة تخصه، ألاّ تريد أن ينزل الملك ويخلص رسوله؟! أيضًا داود وصموئيل وكل الأنبياء كانوا هناك، ويوحنا نفسه القائل خلال تلميذيه "أنت هو الآتي أم ننتظر آخر" (مت 11: 3)، أفما ترغب أن ينزل ويخلص أمثال هؤلاء؟! قيامته 12. لكن الذي نزل إلى طبقات الأرض السفلي قام أيضًا. يسوع الذي دفن بالحق قام في اليوم الثالث. وإن ضايقك اليهود في هذا اسألهم: هل يخرج يونان من جوف الحوت في اليوم الثالث ولا يقوم المسيح من الأرض في اليوم الثالث؟! إن كان الميت بلمسه عظام أليشع عاد إلى الحياة، أفليس بالأولي جدًا على خالق البشرية أن يقوم بالآب؟! حسنًا، إنه قام حقًا، وبعد قيامته رآه التلاميذ، وشهد الاثنا عشر بقيامته(32)، حاملين الشهادة لا بكلمات مفرحة، بل باحتمال الآلام والموت من أجل حقيقة القيامة. ماذا إذن؟ إن كان "على فم شاهدين أو على فم ثلاثة شهود يقوم الأمر" كقول الكتاب (تث 19: 15)، فهل لازلت غير مؤمن بقيامة المسيح وها اثنا عشر رسولًا يشهدون؟! صعوده 13. إذ تمم يسوع نصيبه من الاحتمال بصبرٍ، وخلص البشرية من خطاياها، صعد إلى السماوات مرة أخرى إذ رفعته سحابة، وإذ ارتفع صارت ملائكة بجواره والتلاميذ يتطلعون إليه. إن كان أحد لا يؤمن بهذه الكلمات التي أنطق بها، فليؤمن بقوة الأمور التي يراها الآن. لأن كل الملوك ينطفئ سلطانهم بموتهم، أي بانتهاء حياتهم، أما المسيح المصلوب فهو معبود من العالم كله. نحن نعلن عن المصلوب، والشياطين ترتعب منه! كثيرون صُلبوا في أزمنة مختلفة، لكن أي شخص آخر مصلوب صنع ابتهالًا يطرد الشياطين! قوة علامة صليب المسيح 14. ليتنا لا نخجل من صليب المسيح، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. وإن استحى منه البعض، فاطبعه بوضوح على جبهتك، فتهرب منك الشياطين مرتعبة، إذ ترى العلامة الملوكية(33). اصنع هذه العلامة عندما تأكل وعندما تشرب، عندما تجلس وعندما تنام وعندما تنهض، وعندما تتكلم وعندما تسير، وباختصار ارسمها في كل تصرف(34). لأن الذي صُلب هنا هو في السماوات في الأعالي. لو أنه بقي في القبر بعد صلبه ودفنه لكنا نستحي منه، لكن في الواقع الذي صُلب على الجلجثة صعد إلى السماوات من فوق جبل الزيتون من ناحية الشرق، فإنه بعدما نزل إلى الجحيم وصعد إلينا ارتفع من بيننا إلى السماوات، فيحدثه أبوه قائلًا: "اجلس عن يميني، حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك" (مز 110: 1). الدينونة المقبلة 15. يسوع المسيح الذي صعد يأتي لا من الأرض بل من السماوات، وأنا أقول "لا من الأرض، وذلك لأن مسحاء كذبه كثيرون يأتون في هذا الوقت من الأرض. وقد بدأوا فعلًا في المجيء قائلين: "أنا هو المسيح" (مت 24: 5)، مدعين لأنفسهم باطلًا اسم المسيح، وقد أوشكت "رجسة الخراب" أن تحل (مت 24: 15). لكن تطلع إلى المسيح الحقيقي، ابن الله، الابن الوحيد، إنه لا يأتي بعد من الأرض بل من السماوات، ظاهرًا للجميع أكثر لمعانًا من أي نورٍ مبرقٍ، تحيط به الجنود الملائكية، يأتي ليدين الأحياء والأموات ويملك مُلكًا سمائيًا أبديًا لا ينتهي. أرجوك أن تحتاط في هذا الأمر لأن كثيرين يقولون إن ملكوت المسيح له نهاية(35). الروح القدس 16. آمن أيضًا بالروح القدس، وما تسلمته بخصوص الآب والابن، واقبله بالنسبة للروح القدس. ولا تتبع المعلمين بتجاديف عنه(36). اعلم أن هذا الروح القدس هو واحد غير منقسم، له قوة ذات جوانب متعددة وأعمال كثيرة، أما هو فغير منقسم.- إنه يفحص كل شيء حتى أعماق الله (1 كو 2: 10)، نزل على الرب يسوع في شكل حمامة. عمل في الناموس والأنبياء، وهو يختم نفوسكم عند العماد. تحتاج كل خليقة عاقلة إلى قداسته، ومن يجدف عليه "لن يُغفر له، لا في هذا العالم ولا في الآتي" (مت 12: 32). هو مع الآب والابن(37)، مكرّم بذات اللاهوت. تحتاج إليه العروش والسيادات والرئاسات والقوات (راجع كو 1: 16). إذ يوجد الله واحد، أب المسيح، رب واحد هو يسوع المسيح الابن الوحيد لله الواحد، روح قدس واحد يقدس الجميع ويتعبدون له، هذا الذي تحدث في الناموس والأنبياء، في العهد القديم والعهد الجديد... ختم الروح القدس 17. هل تفكر في الختم الذي تلمسته لمسًا خفيفًا خلال مقالي المختصر عنه، والذي أعرضه بمشيئة الرب فيما بعد ببراهين الأسفار المقدسة قدر المستطاع، إذ لا يكفي أن نتحدث بعبارات عرضية فيما يختص بأسرار الإيمان الإلهية دون الرجوع إلى شهادات الأسفار المقدسة؟! حتى بالنسبة لي أنا الذي أخبرك عن هذه الأمور لا أقدم تصديقًا مطلقًا لما أقوله دون أن استند على الكتب الإلهية. لأن الخلاص الذي نؤمن به لا يعتمد على حذاقة الذهن بل برهان الأسفار المقدسة. النفس 18. بعد معرفة هذا الإيمان الموقر المجيد الكلّي القداسة يليق بك أن تعرف من أنت. الإنسان له طبيعة ذات جانبين، إذ يتكون من النفس والجسد. وكما سبق أن قلنا منذ قليل أن الله ذاته هو خالق النفس والجسد(38). اعرف أيضًا أن لك نفس سيدة ذاتها، هي أسمى أعمال الله، خُلقت على صورة خالقها. خالدة إذ وهبها الله الخلود. إنها كائن حيّ عاقل غير فاسدٍ، إذ وهبها الله هذه النعم. لها سلطان أن تفعل في حرية ما تشاء(39)، فأنت لا تخطئ حسب (تاريخ) ميلادك، أو ترتكب الزنا بمحض الصدفة، ولا تُجبر على ارتكاب الفجور حسب سير النجوم كما ينطق البعض بكلمات فارغة(40). لماذا تُحجم عن الاعتراف بأفعالك الشريرة، ناسبًا اللوم إلى النجوم البريئة؟! أرجوك إلاّ تعطي اهتمامًا للمنجمين، إذ يقول الكتاب المقدس الإلهي "ليقف الراصدون النجوم يخلصوك"، ثم يكمل: "ها إنهم قد صاروا كالقش. أحرقَتهم النار. لا ينجّون أنفسهم من يد اللهيب" (إش 47: 13، 14). مسؤولية النفس وحرية إرادتها 19. إننا نعلم أيضًا أن النفس لم ترتكب خطيئة قبل مجيئها(41)، بل جاءت بلا خطية(42)، إنما أخطأنا بإرادتنا الحرة. أرجوك إلاّ تجوي وراء من يفسر الكلمات التالية تفسيرًا خاطئًا "إن كنت أفعل ما لست أريده" (رو 7: 16)، بل تذكر القائل: "إن شئتم وسمعتم تأكلون خير الأرض، وإن أبيتم وتحررتم تأكلون بالسيف" (إش 1: 19-20). وأيضًا "كما قدّمتم أعضاءكم عبيدًا للنجاسة والإثم، هكذا الآن قدّموا أعضاءكم عبيدًا للبرّ للقداسة" (رو 6: 19). تذكر أيضًا الكتاب المقدس القائل: "وكما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم" (رو 1: 28). وأيضًا "إذ معرفة الله ظاهرة فيهم" (رو 1: 19). وأيضًا "غمضوا عيونهم" (مت 13: 15). تذكر أيضًا كيف اتهمهم الله مرة أخرى قائلًا: "أنا قد غرستك أفضل كرمة (سورق)، زرع حق كلها، فكيف تحولتِ إلى مرارة أيتها الكرمة الغريبة؟!" (راجع إر 2: 21). نفوس الرجال والنساء متشابهة 20. النفس خالدة. وكل نفوس الرجال والنساء متشابهة، إنما التمييز هو في أعضاء الجسد(43). لا يوجد أنواع معينة في النفوس، نوع يخطئ بالطبيعة، وآخر يمارس البرّ بالطبيعة(44). بل كلها تعمل بحريتها. فمادة النفوس واحدة، جميعها متشابهة. على أي الأحوال أنني أدرك أنني تكلمت كثيرًا، وأن الوقت فعلًا قد طال، لكن أي شيء أهم من الخلاص؟ أما تريد أن تتعب في الحصول على إمدادات في الطريق ضد الهراطقة؟! ألا تشاء أن تعرف الممرات الجانبية التي للطريق حتى لا تسقط في هوةٍ بسبب الجهل؟! إن كان معلموك يحسبون تعليم مثل هذه الأمور شيئًا نافعًا ليس بقليل، أما تتقبل بفرح ما نحدثك به ونحن مسرورون؟! حرية إرادة النفس والمكافأة 21. تتمتع النفس بحرية الإرادة. ومع أن الشيطان يقدر أن يقترح عليها، لكنه ليس له سلطان يلزمها بشيء بغير إرادتها. إنه يصور لك فكر الزنا، فإن أردت قبلته، وإن لم ترد تحتقره. لأنك لو كنت زانيًا قهرًا لما أعد الله جهنم؟! وإن كنت صانع بر بالطبيعة وليس بإرادتك لما أعد الله أكاليل مجد لا يُنطق بها؟! الغنم وديع، لكنه لا يكلل على وداعته، لأنها ليست باختياره بل بحكم الطبيعة. جمال الجسم البشري 22. لقد تعلمت أيها الحبيب عن طبيعة النفس قدر ما سمح الوقت، اجتهد أن تقبل التعليم الخاص بالجسد أيضًا. لا تقبل القائلين أن هذا الجسد ليس من عمل الله(45). لأن الذين يعتقدون بأن الجسد لا يعتمد على الله وأن النفس تسكن فيه كما في وعاءٍ غريبٍ، هؤلاء يدنسونه بالزنا. ومع هذا أي خطأ يجدونه في هذا الجسد العجيب؟! ماذا ينقصه في كماله؟! أما يحمل تكوينه مهارة كاملة؟! ألا يلزمهم أن يتأملوا تكوين العينين المضيئتين؟! وكيف توضع الإذن بميل لتستقبل الصوت بغير عائق؟! وكيف يميز الشم الروائح؟! وكيف يخدم اللسان غرضين: حاسة التذوق وقوة الكلام؟! وكيف تستنشق الرئتان غير المنظورتين استنشاق الهواء بغير انقطاع؟! من الذي جعل نبضات القلب غير منقطعة؟! ترى من الذي وزع (الدورة الدموية) بين أوردة وشرايين هذا عددها؟! من الذي ربط بمهارة بين العظام والعضلات؟ من الذي يحول جزء من الأطعمة إلى طبيعتنا وآخر إلى عصارات مناسبة؟! من الذي وهب البشرية أن تبقى خلال الاتصال الجسدي البسيط، مع أنها كانت ستنتهي وتموت؟! النفس هو وراء الخطية 23. لا تقل لي إن هذا الجسد هو علّة الخطية(46). فلو كان الجسد سبب الخطية، فلماذا لا تخطئ الجثة الميتة؟ ضع سيفًا في يمين إنسان مات حالًا، فإنه لا يرتكب جريمة قتل! ليقترب جمال ما من كل نوع نحو شابٍ ميت حالًا، فإنه لا تثور فيه شهوة دنسة. لماذا؟ لأن الجسد لا يخطئ بذاته، بل النفس تخطئ خلال الجسد. الجسد هو آلة، إنه بالنسبة للنفس بمثابة ثوب أو رداء لها. فإن غلبْته بالزنا تدنس، وإن قطنت فيه نفسًا مقدسة يصير هيكلًا للروح القدس. لست أنا القائل بهذا، بل الرسول بولس الذي قال: "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم؟!" (1 كو 6: 19). إذن اهتم بجسدك بكونه هيكل للروح القدس. لا تفسده بالزنا، ولا توسّخ ثوبك الجميل. وإن كنت دنسته فأغسله الآن بالتوبة. اغسله جيدًا إذ سمح الوقت. دعوة إلى البتولية 24. أما بخصوص التعليم عن العفة، فلنهتم أولًا بخصوص نظام المتوحدين والعذارى الذين يمارسون الحياة الملائكية في العالم. ليت بقية شعب الكنيسة يتمثل بهم. لأنه قد أعد لكم أيها الإخوة إكليل عظيم، فلا تستبدلوا شرفًا عظيمًا مقابل لذة زهيدة. اسمعوا قول الرسول: "لئلا يكون أحد زانيًا أو مستبيحًا كعيسو الذي لأجل أكلة واحدة باع باكوريته" (عب 12: 16). ليسجل (اسمك) هنا في الكتب الملائكية من أجل عمل العفة، ناظرًا أنك تمسحه مرة أخرى بارتكابك الزنا. كرامة الزواج 25. من ناحية أخرى لا تنتفخ بسبب عفتك (بتوليتك) أمام السالكين في طريق الزواج الذي هي أقل. إذ يقول الرسول: "ليكن الزواج مكرمًا عند كل أحدٍ، والمضطجع غير دنس" (عب 13: 4). ألم تولد من أناس متزوجين أيها المحافظ على عفتك (بتوليتك)؟! فإن كنت تملك ذهبًا، فلماذا تحتقر الفضة؟ بل ليكن المتزوجون منبسطي السريرة، هؤلاء الذين يستخدمون الزواج حسب الشريعة، حسب أقوال الله، وليس للفجور، طالبين شهوات بلا ضابط. هؤلاء الذين يعرفون أوقاتً للامتناع ليتفرغوا للصلاة (1 كو 7: 5)، الذين يحضرون اجتماعاتنا في الكنيسة بأجساد طاهرة وثياب نقية، إذ دخلوا قصدوا من الزواج إنجاب الأطفال لا للانغماس في متعة اللذة. شرعية الزواج 26. أيضًا لا يحتقر المتزوجون مرة واحدة الذين قبلوا الزواج الثاني (بعد وفاة الطرف الأول). فمع أن ضبط النفس أمر نبيل وعجيب، لكن الزواج الثاني مسموح به للضعيف كي لا يسقط في الزنا. يقول الرسول: "إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا، ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا، لأن التزوج أفضل من التحرق" (1 كو 7: 8، 9). اترك جميع الممارسات الأخرى من زنا ودعارة وكل أنواع الفسق. احفظ جسدك طاهرًا للرب فيكرم الرب في جسدك. لتنعش جسدك بالطعام لكي يعيش ويخدم دون أي عائق وليس لكي تدفعه للذات. الطعام 27. أما من جهة الطعام، فلتكن هذه هي قوانينك، إذ توجد عثرات كثيرة من جهته. فالبعض لا يبالي بما يقدم للأوثان. بينما يدرب البعض نفسه (على عدم أكله) لكنهم في نفس الوقت يدينون من يأكلون منه. وهكذا بطرق متنوعة تتدنس نفوس البشر في أمر الأطعمة بسبب جهلهم الأسباب المعقولة النافعة للأكل أو الامتناع عنه. فنحن نصوم ممتنعين عن الخمر واللحوم، ليس احتقارًا لهما كأشياء دنسة، بل أملًا في المكافأة. فنستهين بالأمور المادية لكي نتمتع بالوليمة الروحية العقلية، وإذ نزرع الآن بالدموع نحصد في العالم الآتي بالفرح (مز 126: 5). إذن لا تدنْ من يأكل، إذ بسبب ضعف جسده يشترك في الطعام (رو 14: 3). وأيضًا لا تلم من يستخدم قليل خمر من أجل معدته وأمراضه الكثيرة (1 تي 5: 23)، لا تحسبهم خطاة، ولا تبغض اللحم كطعام غريب، فإن الرسول عرف أناسًا من هذا النوع عندما قال: "مانعين عن الزواج وآمرين أن يمتنع عن أطعمة قد خلقها الله لتتناول بالشكر من المؤمنين" (1 تى 4: 3). فالامتناع لا يكون بالنظر إليها على أنها أمور دنسة(47) بل من أجل المكافأة. فتترك أمورًا صالحة بسبب تطلعك إلى أمور روحية أفضل. عدم الأكل مما يقدم الأوثان 28. احفظ نفسك في أمان فلا تأكل مما يقدم الأوثان... فإن هذا الأمر لست أنا وحدي أمنعك عنه، بل والرسل ويعقوب أسقف هذه الكنيسة كان مملوء غيرة من جهته. فلقد كتب الرسل والشيوخ رسالة جامعة لكل الأمم أنه ينبغي أن يمتنعوا أولًا عما ذبح للأصنام ثم عن الدم والمخنوق (راجع أع 15: 20، 29). لأن كثيرين يشربون الدم بصورة وحشية، سالكين مثل الكلاب. وأيضًا يتمثلون بالحيوانات المفترسة التي تفترس المخنوق. أما أنت يا خادم المسيح فاحترس في الأكل مراعيًا أن تأكل بوقار... ما قلته هذا يكفي بخصوص الأطعمة. الكساء 29. ليكن لباسك بسيطًا، لا للزينة، بل للسترة للضرورة، لا لكي تخدم غرورك بل لتدفئتك في الشتاء وإخفاء ما هو غير لائق من جسدك، لئلا في إخفاء ما هو غير لائق من جسدك تسقط في أمر غير لائقٍ بملبسك المغالي فيه. القيامة 30. أتوسل إليك أن تهتم بهذا الجسد، فإنك ستقوم من الأموات لتدان به. إن ساورك بعض الشك باستحالة هذا الأمر، تأمل بنفسك على ما تراه من الأحداث. اخبرني أين كنت منذ مائة عام ونيف؟ ومن أية مادة حقيرة جدًا وصغيرة للغاية أخذت هذه القامة العظيمة وصار لك هذا الجمال؟ ماذا إذن؟ الذي أوجدك من العدم أما يستطيع أن يقيمك مرة أخرى بعدما صرت موجودًا الآن وتفسد؟! الذي يقيم المحصول الذي يُزرع من أجلنا عامًا بعد عامٍ(48)، هل يجد صعوبة في إقامتنا نحن؟!... ها أنت ترى كيف تتجرد الأشجار من الثمار والأوراق شهورًا كثيرة، وإذ يعبر الشتاء تحيا من جديد كما من الموت! أو ليس بالأحرى والأسهل جدًا أن نعود نحن إلى الحياة؟! لقد تحولت عصا موسى بإرادة الله إلى طبيعة غير طبيعتها، إلى حيَّة، فالإنسان الذي مات أما يمكن أن يُعاد إلى ما هو عليه مرة أخرى؟ 31. لا تهتم بالقائلين إن هذا الجسد لا يقوم، فقد شهد إشعياء قائلًا: "تحيا أمواتك تقوم الجثث" (إش 26: 9). ودانيال يقول: "وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون، هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي" (دا 12: 2). ومع أن القيامة عامة للجميع لكنها ليست متشابهة بالنسبة للجميع. جميعًا يستلم أجسادًا أبدية، لكنها ليست متشابهة. فالبعض يتقبلها خلال الأبدية مرتبطين بجوقات الملائكة، وأمّا الأشرار فيتقبلونها لاحتمال عذابات خطاياهم. جرن المعمودية 32. لهذا السبب وهبنا الرب حسب محبته المترفقة التوبة عند العماد لحمايتنا. فننبذ الخطايا الرئيسية، بل بالأحرى نترك كل ثقل خطايانا، ونتقبل ختم الروح القدس لنكون ورثة الحياة الأبدية. وإذ تكلمنا بالأمس عن جرن المعمودية بما فيه الكفاية. ليتنا نعود الآن، فنثبت المواضيع التي ذكرناها في افتتاحية تعليمنا. الأسفار المقدسة 33. الأسفار المقدسة الإلهية الموحى بها: كل العهد القديم والعهد الجديد، هي التي تعلمنا. فإن إله العهدين هو واحد، فقد أخبرنا في العهد القديم عن المسيح، الذي يظهر في العهد الجديد، والذي قادنا خلال الشريعة والأنبياء إلى مدرسة المسيح... إذ "كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح" (غل 3: 24). إن سمعت أحد الهراطقة ينطق بشرٍ على الناموس والأنبياء أجبه بكلمات المخلص إذ جاء يسوع "لا لينقض الناموس بل ليكمله" (راجع مت 5: 17). اعرف أيضًا بمثابرة من الكنيسة ما هي أسفار العهد القديم وما هي أسفار العهد الجديد. ولا تقرأ من كتابات الأبوكريفا(49)، لأنه ما الداعي أن تتعب نفسك باطلًا في كتب مُتنازع فيها يا من لم تعرف بعد ما هو معروف للجميع. اقرأ الأسفار الإلهية الاثنين وعشرين سفرًا للعهد القديم التي قام بترجمتها اثنان وسبعون مفسرًا. تاريخ الترجمة السبعينية 34. فإنه بعد موت الإسكندر ملك مكدونية وتقسيم مملكته إلى أربعة أقسام بابليون ومكدونية، وآسيا، ومصر، فإن أحد الذين ملكوا مصر هو بطليموس الفيلادلفي كان مغرمًا بالقراءة، يجمع الكتب من كل بقعة، فسمع من أمين مكتبته ديمتريوس فيلادلفيوس عن الكتاب المقدس الذي يحوى الشريعة والأنبياء، وإذ يرى أنه من الأفضل جدًا إلاّ يأخذ الكتب من أصحابها عنوة بل خلال تقديم الهدايا والصداقات، إذ يعلم إن ما يؤخذ عنوة غالبًا ما لا يُسلم كما هو، أما ما يُقدم إليه بطيب خاطر فإنه يُقدم بإخلاص بغير تغيير. لهذا أرسل إلى اليعازر رئيس الكهنة هدايا كثيرة عظيمة للهيكل في أورشليم، وطلب منه أن يرسل عشرة مفسرين من كل سبط من أسباط إسرائيل الاثنى عشر للترجمة(50). وقد صنع تجربة لمعرفة أنه الكتاب الإلهي (أي لئلا يكونوا قد خدعوه)، فمن حذّره منع القادمين إليه من الاجتماع معًا بل جعل لكل واحد منهم حجرة مستقلة منفصلة في جزيرة فاروس مقابل الإسكندرية. وأمر كل واحد منهم أن يقدم ترجمة للكتب المقدسة. ولما انتهوا من العمل في اثنين وسبعين يومًا أحضر جميع الترجمات التي تمت في حجرات مختلفة، دون أن يرسل الواحدة إلى الأخرى فوجدها متشابهة لا في المعنى فقط، بل وفي الكلمات، لأن الترجمة لم تكن وسيلة لإبراز بلاغة بشرية، بل نطق بها الروح القدس وتمت به... أسفار العهد القديم 35. من هذه الترجمة اقرأ الاثنين وعشرين سفرًا... ادرس بشغف الأسفار التي تقرأ علانية في الكنيسة، لأن الرسل والأساقفة الأولون ورؤساء الكنيسة الذين سلمونا هذه الأسفار هم أكثر منك حكمة وتقوى.... فبخصوص العهد القديم -كما نقول- ادرس الاثنين وعشرين سفرًا التي متى كنت مشتاقًا للتعليم تحفظ أسماءها كما أتلوها لك: * الشريعة، أي أسفار موسى، الأسفار الخمس الأولى: التكوين والخروج واللاويين والعدد وتثنية. * بعد ذلك يشوع بن نون Nave(51) * سفر القضاة شاملًا راعوث محسوبًا السفر السابع. * الكتب التاريخية الأخرى: ملوك الأول والثاني(52)، وهما عند العبرانيين سفر واحد. والثالث والرابع سفر واحد. وبنفس الطريقة أخبار الأيام الأول والثاني سفر واحد. وأيضًا Esdras الأول والثاني (عزرا ونحميا) سفر واحد. أستير هو الكتاب الثاني عشر. هذه هي الكتب التاريخية. * أما الكتب الشعرية فهي خمسة: أيوب، المزامير، الأمثال، الجامعة، نشيد الأناشيد. وبهذا يكون العدد سبعة عشر سفرًا. * يأتي بعد هذا الكتب الخمس للأنبياء وهى: أ. الاثنا عشر نبيًا وهي تكوٌن سفرًا واحد. ب. إشعياء. ج. إرميا ويحوى باروخ ومراثي إرميا والرسالة(53). د. حزقيال. هـ. دانيال. هذه هي أسفار العهد القديم الاثنان وعشرون(54). أسفار العهد الجديد 36. يحوى العهد الجديد أربعة أناجيل فقط، أما بقية الأناجيل مزورة... فقد كتب أتباع ماني إنجيلًا دعوه "حسب توما" وقد أعطوه اسم الرسول لكي يفسدوا أرواح البسطاء. بعد ذلك سفر أعمال الرسول ومعه سبعة رسائل الجامعة ليعقوب وبطرس ويوحنا ويهوذا. وكخاتم لهذه كلها أخرى أعمال التلاميذ الأربعة عشر رسالة لبولس(55). أمّا ما تبقّى فهو من الدرجة الثاني. الأسفار التي لا تقرأها الكنيسة لا تقرأها أنت أيضًا، بل اقرأ ما تسمعه... حياة المسيحي في المسيح 37. أبطل كل عمل شيطاني ولا تصدق "الحية" المقاومة التي تغيرت عن طبعها الأصلي بإرادتها الحرة. والتي تستطيع أن تغري الإرادة دون أن تلزمها بشيء. أيضًا لا تنصت إلى أقوال التنجيم والعرافة والتكهنات ولا إلى خرافات الإغريق في الإلهيات(56). فإن العرافة والسحر واستحضار الأرواح لا تستحق حتى سماعها. ابتعد عن كل نوع من الإفراط ولا تنسق إلى النهم ولا إلى الفسق، ولتكن ساميًا فوق كل طمع ورِبا فاحش. لا تهلك نفسك بحضورك اجتماعات الوثنين في مشاهدهم العامة ولا تستخدم الاحجبة عند المرض. أبطل أيضًا كل فظاظة... لا تنزلق في مذهب السامريين أو اليهودية، لأن يسوع المسيح فاديك. ابتعد عن ملاحظة السبوت (غل 4: 10)، ولا تدع أطعمة ما أنها دنسة. على وجه الخصوص أبغض كل اجتماعات الهراطقة الأشرار. وفي كل طريق أمّن نفسك بالأصوام والصلوات والصدقات والقراءة في أقوال الله، فإذ تعيش بقية حياتك في الجسد في تعقل متمسكًا بالتعاليم الصادقة تتمتع بالخلاص الواحد الذي يفيض من العماد. بهذا تُحسب عضوًا في جيوش السماء بواسطة الله الآب، وتستحق أكاليل سمائية في المسيح يسوع ربنا الذي له المجد إلى أبد الأبد آمين. _____ |
||||
07 - 11 - 2022, 04:15 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
الإيمان المقال الخامس "وأما الإيمان، فهو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى. فإنه في هذا شُهد للقدماء" (عب 11: 1-2) 1. يا لعظمة لقبك: "مؤمن"! أظهر الرسول بولس عظمة الشرف الذي يهبه لك الله بانتقالك من نظام الموعوظين إلى جماعة المؤمنين، مؤكدًا "أمين هو الله الذي به دُعيتم إلى شركة ابنه يسوع المسيح" (1 كو 1: 9). فإذ يُدعى "أمينًا Faithful"، هكذا أنت أيضًا تُدعى بنفس اللقب (أمينًا أو مؤمنًا faithful)، فتتقبل كرامة عظيمة. فكما يدعى الله صالحًا وعادلًا وقديرًا وخالق المسكونة، هكذا هو آمين. تأمل إذن أية كرامة ارتفعتَ إليها إذ صرت شريكًا في لقب يخص الله! 2. لتكن أمينًا أو مؤمنًا بالعمل بالأحرى يليق بكل واحدٍ منكم أن يكون أمينًا (مؤمنًا) في ضميره. "أما الرجل الأمين فمن يجده؟!" (أم 20: 6) أظهر صدق إيمانك (أمانتك) لله فاحص الكُلى والقلوب (مز 7: 9)، والعارف بأفكار البشر (مز 94: 11)، ولا تكشف ضميرك لي أنا، لأنك لا تُدان بحسب حكم إنسان (1 كو 4: 3-5). عظيم هو الإنسان المؤمن، وأغنى من جميع الأغنياء، لأن المؤمن يملك العالم بكل ثروته، إذ يستهين به ويطأه. أما الغني في المظهر صاحب الممتلكات الكثيرة فهو فقير في نفسه، إذ قدر ما يجمع يُنخس بالشوق إلى ما لم ينله بعد. يحمل المؤمن نقيضين غريبين. إنه غني وهو فقير، إذ يعلم أنه إن كان له قوت وكسوة فليكتف بهما (1 تى 6: 8)، وبهذا يطأ الغنى تحت قدميه. 3. أهمية الإيمان حتى في الأمور الزمنية بين غير المؤمنين ليس وحدنا نحن الذين نحمل اسم المسيح نعرف كرامة الإيمان العظيمة أن كل ما يجري في العالم -حتى ما يتم على أيدي الغرباء عن الكنيسة(1)- يحدث بإيمان(2). فبالإيمان تُربط شرائع الزوجية بين أطراف غرباء معًا، فيصير الغريب شريكًا لغريب عنه من جهة شخصه وممتلكاته... بالإيمان تقوم الزراعة أيضًا، فمن لا يؤمن أنه ينال محصولًا لا يتحمل المشاق. بالإيمان يثق البحارة في قطعة خشب رقيقة ويستبدلون الأرض الصلبة جدًا بأمواج لا تهدأ، معتمدين على آمال غير أكيدة، حاملين معهم إيمانًا أقوى من كل مرساة. إذن بالإيمان تتم أغلب شؤون البشر فيما بينهم، ليس بيننا نحن وحدنا بل كما أقول حتى بالنسبة للذين هم من خارج... فإن كانوا لا يقبلون الأسفار المقدسة، لكنهم تعلموا هذا من ذواتهم وقبلوها بإيمان... 4. بالإيمان نتحصن ضد إبليس القراءة التي تُتلى عليكم اليوم تدعوكم إلى الإيمان الحقيقي، فتقدم لكم الطريق الذي فيه يُسر الله بك إذ قد تؤكد أنه بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه (عب 11: 6). كيف يُقبل إنسان على خدمة الله إن لم يؤمن أنه واهب المكافأة؟! كيف تختار شابة حياة العذراوية أو يعيش شاب في تعقل ما لم يؤمن أن للعفة إكليلًا لا يفنى؟! (1 بط 5: 4) الإيمان بمثابة عين تنير كل ضمير وتهب الفهم، إذ يقول النبي: "إن لم تؤمنوا لا تفهموا" (إش 7: 9 LXX). الإيمان يسد أفواه الأسود (عب 11: 34)، كما حدث مع دانيال، إذ يقول الكتاب عنه: "فاصعد دانيال من الجب، ولم يوجد فيه ضرر، لأنه آمن بإلهه" (دا 6: 23). هل يوجد ما هو مرعب أكثر من الشيطان؟ نعم، فإننا في مقاومته لا نجد درعًا سوى الإيمان (1 بط 1: 9)، إذ هو ترس خفي ضد عدو غير منظور، يرشق سهامًا متنوعة في ليلٍ بهيمٍ (مز 11: 2) تجاه غير المتيقظين. فإذ لنا عدو غير منظور يلزمنا الإيمان كعدة حربية قوية، إذ يقول الرسول: "حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة" (أف 6: 16). فإذ يصوب إبليس سهم الشهوة الدنس الملتهب، يُقدم الإيمان صورة الدينونة، فيبرد الذهن وينطفئ السهم. 5. مثال من العهد القديم: إبراهيم إن لي كثيرًا أقوله عن الإيمان، ولا يكفيني اليوم كله لوصفه كما ينبغي. إنما لنكتفِ بإبراهيم كمثال من العهد القديم، ناظرين أننا قد صرنا أبناءه بالإيمان. لقد تبرر ليس فقط بالأعمال(3)، بل وأيضًا بالإيمان. فمع أنه صنع أعمالًا صالحة كثيرة، لكنه لم يُدع خليل الله إلاّ عندما آمن. وهكذا كما تبرر هو تتبرر أنت أيضًا. لقد مات جسده فعلًا من جهة النسل، وشاخت سارة، ولم يوجد بعد أي رجاء لهما لإنجاب أبناء. وإذ وعد الله الشيخ بابن، فإن إبراهيم "إذ لم يكن ضعيفًا في الإيمان لم يعتبر جسده وهو صار مماتًا" (رو 4: 19) إذ لم يتطلع إلى ضعف جسده، بل إلى قوة من وعده، إذ حسب الذي وعده صادقًا (عب 11: 11). هكذا بغير تردد اقتنى ابنه من الجسدين اللذين ماتا فعلًا. وعندما اقتنى ابنه أُمر أن يقدمه ذبيحة، ومع أنه سمع الكلمة "بإسحق يُدعى لك نسل" (تك 21: 12؛ 22: 2)، قدم ابنه الوحيد لله مؤمنًا أنه قادر أن يقيمه من الأموات (عب 11: 19). وإذ ربط ابنه ووضعه على الحطب، قدمه فعلًا بالنيّة، لكن خلال صلاح الله الذي أعطاه حملًا عوض ابنه، تقبّل (إبراهيم) ابنه حيًا. وإذ آمن إبراهيم في هذه الأمور ختم بره "وأخذ علامة الختان ختمًا لبرّ الإيمان الذي كان في الغرلة" آخذًا وعدًا أن يكون "أبًا لجمهور من الأمم" (رو 4: 11؛ تك 17: 5). إبراهيم أب لأمم كثيرة 6. إذن ليتنا نرى كيف صار إبراهيم أبًا لأمم كثيرة؟ (رو 4: 17، 18) فبالنسبة لليهود هو أب لهم كما هو معروف، إذ هم نسله حسب الجسد. لكننا إن أخذنا بالنسل حسب الجسد تكون الأقوال باطلة. لأنه حسب الجسد إبراهيم ليس أبًا لجميعنا، إنما نحن صرنا أبناء لإبراهيم على مثال إيمانه. كيف؟ وبأية طريقة؟ إنه بحسب البشر لا يُعقل قيامة إنسان من الأموات، ولا يُصدق أن يأتي نسل من شيخين متقدمين في السن كالأموات. هكذا أيضًا عندما كُرز بالمسيح أنه صُلب على شجرة، وإنه مات وقام آمنا نحن. فعلى مثال إبراهيم، بإيماننا صرنا أبناء له. ويتبع إيماننا أننا نتقبل مثله الختم الروحي، إذ نُختن بالروح القدس خلال المعمودية، ليس في غرلة الجسد بل في القلب، كقول إرميا: "اختننوا للرب في غرلة قلوبكم" (راجع إر 4: 4). وقول الرسول "بختان المسيح مدفونين معه في المعمودية..." (كو 2: 11، 12). 7. مثال من العهد الجديد: بطرس على المياه إن حفظنا هذا الإيمان نتحرر من الدينونة ونتزين بكل أنواع الفضائل. عظيم هو السير على البحر فبطرس إذ كان إنسانًا مثلنا له جسد ودم ويقتات بطعامٍ، عندما قال له يسوع: "تعال" (مت 14: 29) آمن وسار على المياه في أمان أكثر مما لو كان على الأرض، وارتفع جسده بفعل سمو إيمانه. ومع أن سيره على المياه كان فيه أمان طالما هو مؤمن، فإنه عندما شكّ في الحال بدأ يغرق. وعندما رأى يسوع -مخفف الآلام- هلاكه قال له: "يا قليل الإيمان لماذا شككت؟" (مت 14: 31) وإذ تقوّى من جديد بالذي أمسكه بيمينه. وعاد إليه إيمانه وهو ممسك بيد السيد، عاد إلى سيره على المياه. وقد أُشير إلى هذا بطريق غير مباشر إذ يقول: "ولما دخل السفينة" (مت 14: 36)، إذ لم يذكر أن بطرس سبح وعبر، بل نفهم أنه رجع إلى السفينة مرة أخرى نفس المسافة التي جاءها ليقابل يسوع. 8. بالإيمان يخلص الغير أيضًا نعم، الإيمان هكذا هو قدير، حتى أنه ليس فقط المؤمن وحده هو الذي يخلص، بل ويخلص البعض بإيمان الآخرين. فالمفلوج بكفر ناحوم لم يكن مؤمنًا، لكن الذين أحضروه كانوا مؤمنين ودلّوه من السقف (مر 2: 4)، إذ كان مرض نفسه مشتركًا في مرض جسده. لا تظن أنني أتهمه باطلًا، فإن الإنجيل نفسه يقول: "ولما رأى يسوع إيمانهم -وليس إيمانه- قال للمفلوج: قم" (مت 9: 2، 6). الحاملون آمنوا والمريض بالفالج انتفع ببركة الشفاء! أختا لعازر 9. أتريد دليلًا أقوى على أن البعض يخلص بإيمان آخرون؟! لعازر مات (يو 11: 14-44)،ومضى عليه يوم واثنان وثلاثة، وانحلت عضلاته، ودّب الفساد فعلًا في جسده. كيف يمكن لميت له أربعة أيام أن يؤمن، ويطلب بنفسه من المخلص؟ ولكن ما نقص عند الميت، وُجد عند أختيه الحقيقيتين، فعندما أتى الرب سجدت الأخت أمامه. وعندما قال: "أين وضعتموه؟" أجابته: "يا سيد قد أنتن، لأن له أربعة أيام". فأجابها: "إن آمنتِ ترين مجد الله". كأنه يقول لها: ليكن عندك الإيمان الذي يقيم جثة الميت. كان لإيمان الأختين قوة عظيمة هكذا حتى أعاد الميت من أبواب الجحيم! إن كان للبشر بالإيمان -واحد لحساب الآخر- يمكن أن يقوم الميت، أما يكون النفع أعظم إن كان لك إيمان خالص لأجل نفسك؟! بلى، حتى وإن كنت غير مؤمن أو قليل الإيمان فإن الله محب البشر يتعطف عليك عند توبتك.فمن جانبك يليق بك أن تقول بذهن أمين: "أؤمن يا سيد، فأعن عدم إيماني" (مر 9: 24). أما إذا حسبت أنك مؤمن بحق، لكنك لست في كمال الإيمان، فإنك محتاج أن تقول مثل الرسل: "يا رب زد إيماننا" (راجع لو 17: 5). فإذ لك نصيب من جانبك، تتقبل النصيب الأعظم من الله. الإيمان العقائدي 10. كلمة "الإيمان" من جهة اللفظ واحدة، لكنها تحمل معنيين متمايزين. يوجد نوع من الإيمان عقائدي dogmatic يحمل قبول النفس لأمورٍ معينة. وهو مفيد للنفس كقول الرب: "إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة" (يو 5: 34). وأيضًا من "يؤمن بالابن لا يدان بل انتقل من الموت إلى الحياة" (يو 3: 18، 5: 24). يا لمحبة الله المتحننة! لأنه كان الأبرار لسنوات طويلة موضع سروره، وما اقتنوه خلال السنوات العديدة لإرضائه يمنحه لك يسوع في ساعة واحدة. فإنك إن آمنت أن يسوع المسيح رب، وأن الله أقامه من الأموات تخلص، وينقلك في الفردوس الذي أدخل فيه اللص. لا تشك في إمكانية هذا، لأن الذي خلص اللص على هذه الجلجثة المقدسة بعد ساعة واحدة من إيمانه هو بنفسه يخلصك بإيمانك (لو 23: 24). الإيمان بحسب النعمة من الروح القدس 11. يوجد نوع آخر من الإيمان يمنحه المسيح كهبة للنعمة، "فإنه لواحد يُعطى بالروح كلام حكمة، ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد، ولآخر إيمان بالروح الواحد، ولآخر مواهب شفاء" (1 كو 12: 8، 9). هذا الإيمان المُعطى هو نعمة من الروح القدس وليس مجرد إيمان تعليمي، إنما يعمل أعمالًا فوق طاقة الإنسان. فمن له هذا الإيمان ويقول لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك ينتقل (راجع مر 11: 23). من يقول هذا بإيمان أنه يكون ولا يشك في قلبه يتقبل نعمة. وقد قيل عن هذا الإيمان: "لو كان لكم إيمان مثل حبة الخردل" (مت 17: 20). وحبة الخردل صغيرة الحجم لكنها متقدة في عملها حتى أنه وإن كانت تُزرع في موضع صغير لكن بنموها يصير لها مجموعة أغصان عظيمة تؤوي الطيور (مت 13: 32). هكذا أيضًا للإيمان فاعلية عظيمة في النفس في لحظة سريعة، فعندما تستنير تتمتع برؤى خاصة بالله، إذ تراه قدر ما تستطيع، وتهيم فوق رباطات العالم، وترى الدينونة ونوال المكافأة الموعود بها قبل نهاية هذا العالم. ألك الإيمان في الله الذي من جانبك(4) حتى تتقبل منه ذاك الإيمان الذي يعمل ما هو فوق حدود البشر؟!(5) أهمية قانون الإيمان الكنسي 12. عندما تتعلم "الإيمان" والاعتراف به، أطلب هذا الإيمان وحده الذي تسلمه لك الكنيسة الآن(6)، واحتفظ به، هذا المشيٌد من كل الكتاب المقدس تشييدًا قويًا. فإذ لا يستطيع الكل أن يقرأ الكتاب المقدس (بكامله)، فلكي لا تهلك النفس بسبب الجهل لحرمانها من المعرفة بسبب نقص تعلمها... نلخص كل تعليم الإيمان في سطورٍ قليلة. هذا الملخص أريد منك أن تتذكره عندما أتلوه عليك، وتردده أنت بكل اجتهاد. فلا تكتبه على ورق، بل انقشه بذاكرتك في قلبك، واحذر لئلا يسمعه أحد الموعوظين(7)... إنني أرغب في تقديمه لك كعونٍ يسندك كل أيام حياتك، لا تطلب آخر سواه حتى إن تغيّرنا نحن أنفسنا ونقضنا هذا التعليم الحالي، أو جاءكم ملاك مقاوم مغيرًا شكله إلى ملاك نوراني (2 كو 11: 54) لكي يضللكم. "ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما" (غل 1: 8-9). أنصت الآن إذا حدثك ببساطة ناطقًا قانون الإيمان. أودعه في ذاكرتك، وفي الوقت المناسب سأثبت كل بند من بنوده ببراهين من الأسفار المقدسة، لأن بنود الإيمان لم تُجمع حسبما يبدو صالحًا في عيني إنسان، بل جمعت البنود الهامة الواردة في الكتاب المقدس كله مكونة تعليمًا للإيمان واحدًا كاملًا. وكما تحمل حبة الخردل أغصانًا كثيرة في حبة واحدة صغيرة، هكذا يحتضن الإيمان كل معرفة الصلاح الواردة في العهد القديم والعهد الجديد مسطرًا في كلمات قليلة... يا إخوة، انظروا وتمسكوا بالتقاليد(8) التي تتسلمونها الآن. اكتبوها على ألواح قلوبكم. الإيمان كوديعة 13. كرموها (التقاليد) لئلا يُهلك العدو من يتراخى، أو يشوِّه أحد الهراطقة إحدى الحقائق المسلمة إليكم. فإن الإيمان يشبه إيداع الأموال في مصرف (مت 25: 27، لو 19: 23) كما نفعل نحن الآن، لكن اطلبوا الحسابات المودعة من الله. وكما يقول الرسول: "أوصيك أمام الله الذي يحي الكل، والمسيح يسوع الذي شهد لدى بيلاطس بنطس بالاعتراف الحسن أن تحفظ هذا الإيمان المسلم إليك بلا دنس إلى ظهور ربنا يسوع المسيح" (راجع 1 تي 13: 14). لقد تسلمت الآن كنز الحياة، ويطلب السيد منك أن تودعه إلى مجيئه، "الذي سيبينه في أوقاته، المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب، الذي وحده له عدم الموت، ساكنًا في نور لا يُدنى منه، الذي لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه، الذي له (المجد) والكرامة والقدرة" (1 تي 6: 15-16) إلى الأبد. آمين. |
||||
07 - 11 - 2022, 06:32 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
وحدانية الله: أؤمن بإله واحد | بخصوص الهراطقة "أما إسرائيل، فيخلص بالرب خلاصًا أبديًا، لا تخزون ولا تخجلون إلى الأبد. لأنه هكذا قال خالق السماوات...أنا الرب وليس آخر". (إش 45: 17-18) "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح" (2 كو 1: 3). مبارك أيضًا ابنه الوحيد(9). إذ نفكر في الله، فلنفكر في الحال في الآب دون أن نجزئ مجد الآب عن الابن، لأنه ليس للآب مجد والابن مجد آخر، بل هو مجد واحد بذاته، إذ هو أب الابن الوحيد. إذ يتمجد الآب يشاركه الابن مجده، لأن مجد الابن من كرامة الآب! وأيضًا عندما يتمجد الابن يُكرم الآب -الذي له بركة عظيمة- بكرامة علوية! إن كان الذهن يستوعب أفكاره في غاية السرعة، لكن اللسان يتطلب كلمات وإبراز حديث طويل كوسيط (للتعبير عما يجول في الذهن). العين تدرك عددًا من مجموعات الكواكب في لحظة واحدة، لكن متى رغب الإنسان في وصفها واحدة فواحدة، ليصف كوكب الصباح وكوكب المساء... يحتاج إلى كلمات كثيرة! وهكذا أيضًا في لحظة خاطفة يستوعب الذهن الأرض والبحر وكل أفق المسكونة، وما يدركه في لحظة يستلزم الكثير من الكلمات لوصفه(10). هذا المثال الذي قدمته قوي، لكنه أيضًا ضعيف وغير لائق، لأننا لا نتكلم عن الله كل ما ينبغي الحديث به (إذ لا يعرفه إلاّ الله وحده)، وإنما نتكلم حسبما تسعفنا الطاقة البشرية قدر ما يحتمل ضعفنا. إننا لا نشرح الله كما هو، بل في صراحة أقول إننا نشهد بأن معرفتنا لله كما هو غير دقيقة! إن أفضل معرفة هي اعترافنا بجهلنا فيما يخص الله!(11) إذن "عظموا الرب معي ولنُعلِّ اسمه معًا" (مز 34: 3). لنجتمع كلنا معًا في مجموعنا، لأن الإنسان ضعيف بمفرده. لا بل بالأحرى وإن اتحدنا جميعًا معًا لا نقوم بالعمل (تعظيم الله وتسبيحه) كما ينبغي! إنني لا أقصدكم أنتم فقط الحاضرين هنا، بل ولو اجتمع كل أبناء الكنيسة في العالم، سواء الموجودين الآن أو الذين سيكونون فيما بعد، فإن الجميع معًا يعجزون عن الترنم بتسابيح راعيهم! إبراهيم رجل عظيم ومكرم بمقارنته بالبشر فقط، لكنه متى امتثل أمام الله تكلم بحق قائلًا في صراحة: "أنا أرض ورماد" (تك 17: 27). إنه لا يقف عند حد قوله "أنا أرض" لئلا يكون قد لقب نفسه بعنصر عظيم بل أكمل "ورماد" معلنًا طبيعته الواهية. هل يوجد شيء أقل من الرماد وأهون منه؟ فلنقارن الرماد بالبيت، والبيت بالمدينة، والمدينة بمقاطعة الإمبراطورية الرومانية، والإمبراطورية الرومانية بكل الأرض، وكل الأرض بالسماوات التي تحيط بها... وعندما تستوعب بالفكر السماوات بأجمعها، ومع هذا فإن السماوات أيضًا لا تستطيع تمجيد الله كما يستحق، حتى ولو كانت أصواتها أقوى من الرعد. إن كانت هذه القوات السمائية العظيمة لا تقدر أن تتغنى بتسابيح الله كما ينبغي، فهل يقدر "الأرض والرماد" الذي هو أقل الأشياء وأصغرها أن يقدم التسبيح لله، أو يستحق الحديث عن "الجالس على كرة الأرض و(الممسك) سكانها كالجندب (نوع من الجراد)" (إش 40: 22). إن حاول أحد الحديث عن الله، فليبدأ أولًا بالحديث عن الأرض، فإن كنتَ وأنت تسكن الأرض لا تعرف حدودها... كيف تقدر أن تشكل فكرًا سليمًا عن خالقها؟! إنك تنظر الكواكب ولا ترى خالقها، أحصِ هذه الكواكب المنظورة، وبعد ذلك صف ذاك الغير منظور، إذ هو "يحصي عدد الكواكب، يدعو كلها بأسماء" (مز 47: 4). منذ فترة قليلة اجتاحتنا السيول متأخرًا وأهلكتنا. أحصِ قطرات الأمطار التي سقطت على هذه المدينة وحدها، لا بل أقول إن استطعت فأحصِ فقط القطرات التي سقطت على منزلك -وليس على المدينة- لمدة ساعة واحدة! إنك لا تستطيع! إذن، فلتعرف ضعفك ولتعلم من هذه اللحظة قدرة الله "المحصي قطرات الأمطار" (راجع أي 36: 27) على المسكونة كلها، ليس الآن فقط بل خلال كل الأزمنة. والشمس هي من صنع الله. ومع عظمتها فهي أشبه بنقطة وسط السماء. تأمل الشمس وبعد ذلك تفرّس في رب الشمس مندهشًا. "لاَ تَطْلُبْ مَا يُعْيِيكَ نَيْلُهُ، وَلاَ تَبْحَثْ عَمَّا يَتَجَاوَزُ قُدْرَتَكَ، لكِنْ مَا أَمَرَكَ اللهُ بِهِ، فِيهِ تَأَمَّلْ" (سفر يشوع بن سيراخ 3: 22). رب قائل يعترض: إن كان جوهر اللاهوت لا يقع تحت الحواس، فلماذا نتحدث في هذه الأمور؟ نعم، هل لأني لا أستطيع أن أشرب النهر كله يكون هذا سببًا في ألاّ أستقي منه باعتدال قدر ما يناسبني؟! هل لأن عينيَّ تعجزان عن استيعاب أشعة الشمس في كمالها ألاّ أنظر إليها قدر ما احتاج؟! وإذا دخلت حديقة عظيمة ولم أقدر أن آكل كل ثمارها هل تريد مني أن أخرج منها جائعًا؟! إذن لأسبح الله خالقنا وأمجده، إذ وُهبت لنا وصية إلهيه تقول: "كل نسمة فلتسبح الرب" (مز 50: 6). إنني أسعى الآن، أقوم بتمجيده دون أن أصفه، عالمًا أنه بالرغم من عجزي عن القيام بتمجيده حسبما يستحق، لكن حتى مجرد السعي هو من الأعمال التقوية. ويشجع الرب يسوع ضعفي بقوله: "الله لم يره أحد في أي زمان" (يو 1: 18). رب قائل يعترض: ماذا إذن، ألم يُكتب: "إن ملائكة الصغار كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السماوات؟" (أنظر مت 18: 10). نعم لكن الملائكة ترى الله ليس كما هو، بل قدر ما تحتمل. إذ يقول يسوع المسيح: "ليس أن أحدًا رأى الآب إلاّ الذي من الله، هذا قد رأى الآب" (يو 6: 46). لذلك فالملائكة ترى الله قدر ما تحتمل، ورؤساء الملائكة يرون قدر ما يحتملون، والعروش والسلاطين يرون أكثر من السابقين، لكنها لا ترى كما يستحق الله(12). فالابن -مع الروح القدس- هو وحده الذي يقدر أن يراه بحق كما هو، لأنه: "يفحص كل شيء حتى أعماق الله" (1كو 2: 10). هكذا الابن الوحيد مع الروح القدس يدركان الآب في كماله، إذ قيل: "لا أحد يعرف الآب إلاّ الابن، ومن أراد الابن أن يُعلن له" (مت 11: 27). إذ يري الكل حسب احتمالهم، لذلك فهو يرى الآب بكماله، معلنًا الله (الآب) خلال الروح، إذ الابن مع الروح شريك (واحد) مع الآب في اللاهوت. المولود يعرف الوالد، والوالد يعرف المولود. إن كان الملائكة جاهلين (بمعرفة الله في كماله)، فلا يخجل أحدكم من الاعتراف بجهله. حقًا إنني أتكلم الآن كما يتكلم أي إنسان في مناسبة ما، أما كيفية الكلام فلست أعرفه. إذن كيف أستطيع أن أخبركم عن واهب الكلام نفسه؟! وإذ لي نفس لا أقدر أن أخبركم عن سماتها المميزة لها، فكيف أصف واهب النفس؟! من أجل التقديس يكفينا أن ندرك في بساطة أن لنا إله، هذا الإله واحد حي، حيّ إلى الأبد، يشبه ذاته على الدوام "بلا تغيير"، ليس له أب غيره ولا أحد أقوى منه، لي ينازعه خليفة مملكته. له أسماء متعددة، سلطانه بلا حدود، جوهره بلا تغيير. وإذ يدعى صالحًا وعادلًا وقديرًا وصباؤوت(13)، فلا يفهم من ذلك أي تنوع أو أنه أخذ أشكالًا متغايرة. إنما هو واحد، يقوم بأعمالٍ كثيرة بفعل لاهوته دون زيادة أو نقص، بل في كل شيء شبيه بذاته بلا تغيير. إنه ليس عظيمًا في حبه المترفق وقليلًا في الحكمة، بل له قوة متساوية في الحكمة والحب المترفق. لا يُرى من ناحية معينة فيه دون أخرى، بل كله عين وكله إذن وكله ذهن(14). إنه ليس مثلنا يُدرك من جانب دون آخر. فإن مثل هذا تجديف لا يليق بجوهر الله الذي يعرف الأمور قبل كونها. قدوس وقدير، يفوق الكل في الصلاح والعظمة والحكمة. لا يمكننا أن نخبر عن بداية له أو شكل أو مظهر، إذ يقول الكتاب: "لم تسمعوا صوته قط، ولا أبصرتم هيئته" (يو 5: 37). وكما قال موسى: "احتفظوا جدًا لأنفسكم، فإنكم لم تروا صورة ما (يوم كلمتكم)"(15). فإذ يستحيل تمامًا رؤية شكله، كيف تفكر في الاقتراب من جوهره؟! كثيرون قدموا تصورات لله، وجميعهم فشلوا. فالبعض تخيلوه نارًا، وآخرون حسبوه إنسانًا مجنحًا، إذ أساءوا فهم العبارة الحقانية القائلة: "بظل جناحيك استرني" (مز 17: 8). لقد نسوا قول ربنا يسوع المسيح في حديثه إلى أورشليم عن نفسه: "كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا" (مت 23: 37). إنه يتطلع إلى قوة حماية الله كأجنحة، أما هم ففشلوا في فهم هذا، ساقطين في إدراكات بشرية (حسِّية)، ظانين غير المفحوص على شكل إنسانٍ! كذلك تجاسر البعض قائلين إن له سبع أعين، إذ مكتوب "إنما هي (سبع) أعين الرب الجائلة في الأرض" (زك 4: 10). فإن وضعت حوله سبع أعين منفصلة، يكون بهذا نظره منفصل وغير كامل. وفي هذا القول عن الله تجديف، إذ يليق بنا أن نعتقد في كمال الله في كل شيءٍ، كقول المخلص: "إن أباكم الذي في السماوات هو كامل" (مت 5: 48). إنه كامل في النظر، وكامل في القوة، وكامل في العظمة، وكامل في العدل، وكامل في المحبة المترفقة. ليس بمحصور بفراغٍ، بل هو خالق كل الفراغ، موجود في الكل، لا يحدّه شيء. حقًا "السماء كرسيه"، لكن ليس بجالسٍ عليها، "والأرض موطئ قدميه" (راجع إش 66: 80)، لكن قوته تبلغ إلى ما تحت الأرض... الله عظيم هكذا بل وأعظم (لأنه وإن تحول كل كياني إلى لسان لما استطعت التحدث عن سموّه. بلى ولو اجتمعت كل الملائكة معًا لما قدرت أن تتحدث عنه كما يستحق). ومع أنه عظيم هكذا في صلاحه وجلاله لكن الإنسان تجاسر وقال للحجر الذي نحته "لأنك أنت إلهي" (إش 44: 17). يا للعمى المريع، إذ نهوي من عظمة هذا قدرها إلى انحطاط هذا عمقه! الشجرة التي أوجدها الله وتعهدها بالأمطار، التي ستحرق وتصير رمادًا تُدعى الله، والله الحقيقي يُزدرى به! بل انتشر شر الوثنية بأكثر إسراف، فعُبدت القطة والكلب والذئب عوض الله!(16) عُبد الأسد مفترس الإنسان بدل الله صديق الإنسان المحب له إلى الغاية! عُبد الثعبان والحية(17) التي خدعته، وأخرجته من الفردوس، ومستهينًا بالذي غرس له الفردوس! إنني أخجل أن أقول، لكنني أقول إنهم عبدوا حتى البصل! لقد أُعطى الخمر ليبهج قلب الإنسان (مز 104: 10)، لكن ديوناسيوس (باخوس) عبده عوض الله (لأجل البهجة)! خلق الله القمح بقوله "لتنبت الأرض عشبًا" (تك 1: 11)، وتأتي البذور كل بنوعها، وبهذا يتقوّت قلب الإنسان بالخبز، فلماذا يعبده ديميتر Demeter! إلى يومنا هذا تتولد النار من احتكاك الحجارة معًا، فكيف يكون هيفاستوس (فولكان) خالق النار؟ (مز 104: 15) 11. كيف جاء الشرك بالله عند اليونانيين؟ الله ليس له جسد، فكيف وُجد بين المدعوين آلهة زناة؟! إنني لست أتكلم بخصوص تحول زيوس إلى خنزير. إنني أخجل من التحدث عن تحوله إلى ثور، لأن النعير لا يليق بإله! لقد وُجد عند الإغريق إلهًا زانيًا، وهم لا يخجلون من هذا، إذ كيف يدعى إلهًا من كان زانيًا؟! يتحدثون عن آلهة سقطوا في ميتات(18) وسقطات(19) وانحطاط. انظروا كيف سقطوا من علوّ شاهق هكذا إلى انحطاط شديد. إذن هل جاء ابن الله من السماء باطلًا؟! ألم يأتِ ليشفي جرحًا كان عظيمًا هكذا؟! هل جاء الابن باطلًا؟ أم جاء لكي يخبر عن الآب؟! لقد عرفت ما هو الدافع لمجيء الابن الوحيد من العرش عن يمين الآب فإذ هم احتقروا الآب جاء الابن يصلح الأمر. إذ به خُلق كل شيء التزم أن يحضر "الخليقة" بأسرها كتقدمة لرب الكون! لاق به أن يضمد الجراح، لأنه أي جرح أشر من أن يُعبد الحجر عوض الله؟! 12. لهم اسم المسيح وهم أعداء له! لا يصنع الشيطان هذه الحروب بين الوثنيين وحدهم، بل حتى بين كثيرين من المدعوين مسيحيين باطلًا، هؤلاء الذين ينتسبون خطأ إلى اسم المسيح العذب، إذ يخطئون في كُفر متجاسرين أن يُبعدوا الله عن خليقته. أقصد بذلك جماعة الهراطقة، أشر الناس، أصحاب الاسم الرديء، يتظاهرون بالصداقة مع المسيح، وهم مبغضون له تمامًا. إذ من يجدف على أبي المسيح يكون عدوًا للابن. لقد تجاسروا فنادوا بوجود إلهين: واحد صالح والآخر شرير. يا للعمى المريع! كيف ندعو من هو غير صالح إلهًا! الله بالتأكيد صالح؟! يُحسب الصلاح هكذا إذ هو من خصائص الله، فالله وحده يخصه الحب المترفق والبركة والقدرة والسلطان. فلهم أحد اختيارين، إما يربطون الاسم بالعمل لمن يدعونه الله، أو لا يعطونه الاسم مجردًا بغير عمل. 13. يتجاسر الهراطقة فينادون بوجود إلهين: مصدرين للخير والشر، وهما غير مولودين. فإن كانا غير مولودين، فهما متساويان وقديران، فكيف يبدد النور الظلمة؟! ثم هل يتواجدان معًا أم هما منفصلان عن بعضهما البعض؟ لا يمكن أن يكونا معًا، إذ يقول الرسول: "أية شركة للنور مع الظلمة؟!"(20) وإن كان أحدهما منفصلًا عن الآخر فبلا شك يحتل كل منهما مكانًا مستقلًا. وعلى هذا نكون تحت سيادة أحدهما، وبالتالي نعبد إلهًا واحدًا. إذن ننتهي إلى أننا حتى إن قبلنا غباوتهم نلتزم بالتعبد لله الواحد(21). لنسألهم عما يقولون في صدد الإله الصالح: هل هو قدير أم غير قدير؟ إن كان قديرًا، فكيف لا يستطيع أن يسحق الشر؟ وكيف يتأتى الشر على الرغم من إرادته؟ فإن كان يراه ولا يستطيع منعه، بهذا ينسبون إليه العجز. وإن كان يستطيع أن يمنعه ولا يفعل ذلك، فيُحسب غير صالح. اُنظر إذن إلى جنونهم؛ فإنهم يدّعون أحيانًا أنه إله الشر، لا علاقة له بإله الخير فيما يختص بالخليقة. يقولون أحيانًا إن له رُبع العالم. ويقولون أيضًا إن الإله الصالح هو أبو المسيح، ويُسمون المسيح بالشمس. فإن كان العالم -حسب عقيدتهم- من صنع إله الشر؛ وإذا كانت الشمس في العالم، فكيف يمكن لابن الله الصالح أن يخدم إله اشر مُكرها؟ إننا نتلوث بالحديث عن هذه الأمور، لكننا نتحدث عنها حتى لا يسقط أحد من الحاضرين في حمأة الهراطقة عن جهلٍ. أنا أعلم أن فمي قد تلوث، وكذلك آذان السامعين. لكن الأمر لا يخلو من فائدة، إذ من الأفضل أن نحثكم عن عقائد الآخرين الخاطئة، عن أن نترككم تسقطون فيها عن جهلٍ. عقيدة الهراطقة الشريرة متشعبة، وعندما يضل أحد عن طريق التقوى ينساق إلى إحدى شُعبها. مصدر كل هرطقة هو سيمون الساحر(22)، هذا الذي جاء عنه في سفر أعمال الرسل أنه فكَّر أن يشتري بمال نعمة الروح القدس، فسمع القول: "ليس لك نصيب في هذا الأمر" (أع 8:18-21)... وعنه أيضًا كُتب: "منا خرجوا، لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا" (1 يو 2: 19). هذا الإنسان بعدما طرده الرسل جاء إلى روما حيث استمال إليه زانية تدعى هيلين Helene(23). وقد تجاسر بفمه المملوء تجديفًا أن يدعي أنه هو الذي ظهر على جبل سيناء كالآب، وظهر كيسوع المسيح بين اليهود، ليس في جسدٍ حقيقيٍ، بل كان يبدو هكذا(24)، وبعد ذلك كالروح القدس الذي وعد المسيح أن يرسله كمعزٍ(25). لقد خدع مدينة روما حتى أقام له كلوديوس تمثالًا، نُقش عليه من أسفل بلغة الرومان: Simoni Deo Sancto وهى تعني "إلى سيمون الله القدوس"(26). 15. وإذ كان الضلال سينتشر لهذا وضع النبيلان -بطرس وبولس- من قادة الكنيسة(27) نهاية لهذا الخطأ. وعندما أراد سيمون مُدعي الألوهية أن يظهر نفسه أظهراه كجيفة ميتة، إذ وعد سيمون أنه يرتفع إلى السماوات ويأتي على مركبة شيطانية في الهواء... هذان طرحا إلى الأرض الإله المزعوم أنه من السماء، حتى يُحمل إلى طبقات الأرض السفلى. لقد ظهرت حيَّة الشر في هذا الرجل، وإذ قُطِع رأس كل منها وُجدت جذور الشر برؤوس أخرى عديدة... 16. صنع كيرنثوس(28) خرابًا في الكنيسة. وأيضًا Menander (29) وكربوقراط(30) وأبيونيت(31) ومرقيون فم الشر، لأنه أعلن عن وجود إلهين مختلفين، واحد صالح والآخر عادل، يناقض الابن القائل "أيها الآب البار" (يو 17: 25). وأيضًا من يقول إن الآب غير خالق المسكونة يناقض الابن القائل: "فإن كان العشب الذي يوجد اليوم في الحقل ويُطرح غدًا في التنور يلبسه الله"، "ويشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين" (لو 12: 28؛ مت 5: 45). كذلك يُعتبر مرقيون(32) مصدر ثانٍ لضرر أعظم. وقد دُحض بإبراز شهادات من العهد القديم اقتبست في العهد الجديد، إذ تجاسر وعزل العهدين عن بعضهما، تاركًا الكرازة بكلمة الإيمان بغير شاهدٍ، نازعًا الإله الحقيقي، طالبًا تخريب إيمان الكنيسة كأنّ لا بشائر لها. هذا تبعه آخر هو باسيليدس(33) الشرير صاحب الشخصية الخطيرة، والكارز بالأدناس. وجاء أيضًا فالنتينوس(34)معينًا للشر، هذا الذي نادى بوجود ثلاثين إلهًا. لقد تحدث الإغريق عن آلهة قليلة، أما هذا الإنسان الذي ادعى المسيحية باطلًا فقد بالغ في الفساد فجعلهم ثلاثين إلهًا. لقد قال أيضًا أن بيثوس Bythus الذي من الهاوية وُلد صامتًا والصمت ولد الكلمة... البيتوس هذا أشر من زيوس الذي للإغريق، هذا الذي اتحد بأخته... أما ترى السخافات التي اقترحها متسترًا تحت المسيحية؟! انتظر قليلًا فستصعق من شره، إذ يؤكد أن بيثوس هذا ولد ثمانية أيونات، ومنهم وُلد عشرة، كما ولد اثنا عشر ذكرًا وأنثى (8 +10 + 12=30) من أين يدلل على هذا!؟ من أين جاء بالثلاثين أيونا؟؟ إنه يجيب: مكتوب عن يسوع أنه اعتمد وهو في الثلاثين من عمره (لو 3: 23). إن كان قد اعتمد في الثلاثين من عمره، فهل في هذا دليل؟! هل يوجد خمسة آلهة لأنه كسر خمسة أرغفة لخمسة آلاف رجل؟! أو هل يلزم وجود اثني عشر إلهًا لأنه كان تلاميذه اثني عشر؟! 18. حتى هذه الأقوال لا تزال أقل شرًا من غيرها، فقد تجاسر قائلًا: إن آخر الآلهة الكائنة هو ذكر وأنثى، وهذا الإله يدعى الحكمة(35). أي شر هذا، فإنه حقّر حكمة الله (1 كو 1: 24)، أي المسيح الابن الوحيد، فدعاه أنثى، وجعله أحد ثلاثين (أيونا)، وآخر خالق! كذلك يقول إن الحكمة سعت لترى الإله الأول، وإذ لم تحتمل بهاءه سقطت من السماء وُطردت في ثلاثين، فتنهدت، ومن تنهدها وُلد الشيطان، ومن بكائها على سقوطها صنعت دموعها البحر. يا له من كفرٍ! كيف تخلق الحكمة الشيطان، والتعقل والشر، والنور والظلمة؟! كذلك قال إن إبليس ولد آخرين، ومن هؤلاء خلق العالم. وقد نزل المسيح لكي ما يُعّصي البشرية ضد خالق العالم. 19. لكن اسمع ماذا يقولون عن شخص يسوع المسيح، إذ يشوّهون أنفسهم أكثر بقولهم إن الحكمة بعدما انطرحت أسفل، فلكي لا يكون العدد ثلاثين كاملًا، فإن التسعة وعشرين أيونًا ساهم كل منهم بنصيبٍ قليلٍ وتكوّن المسيح(36). قد قالوا إنه ذكر وأنثى في نفس الوقت. هل يوجد كفر أشر من هذا؟! هل يوجد بؤس أكثر منه؟! إنني أصف لك ضلالهم حتى تمقتهم أكثر. ارفض كفرهم، ولا تسلم على من كان هذا حالهم (2 يو 10: 11)، لئلا تشترك معهم في أعمال الظلمة. لا تسألهم ولا تجاملهم(37). 20. أمقت كل الهراطقة، خاصة ذاك الذي يدعى بحق "ماني"، الذي قام من زمن ليس ببعيد في أيام حكم بروبس Probus. لقد بدأ ضلاله منذ تمام سبعين عامًا(38)، ولا يزال إلى يومنا هذا، أحياء رأوه بأعينهم... لقد طمح في أن يصير أول الأشرار، فأخذ بتعاليم الكل وربط بينها في هرطقة واحدة مملوءة تجاديف وكل شرور، وضع رمادًا في الكنيسة، بل بالأحرى أهلك الذين هم في الخارج، إذ كان زائرًا كالأسد مفترسًا من يجده (1 بط 5: 8). لا تُبالِ بكلماتهم الرقيقة، ولا بتواضعهم المزعوم، فإنهم حيات أولاد أفاعي (مت 3: 7). لقد قال يهوذا وهو يخون سيده "السلام يا سيدي" (مت 26: 49)، هكذا لا تهتم بقبلاتهم، بل أحذر خبثهم. ولئلا أبدو لك إنني اتهمه باطلًا، اسمح لي أن أميل وأخبرك من هو ماني؟ وأُحدثك قليلًا عما علُم به، وإن كان الوقت لا يسمح بالحديث عن كل تعاليمه الغبية بما فيه الكفاية. ولكن "لكي تجد عونًا في حينه" (عب 4: 16) تذكر ما سبق أن أخبرت به من قبل، وأكرره الآن حتى يعرفه من لم يسبق لهم معرفته، ويتذكره من سبق لهم معرفته. ماني ليس من أصل مسيحي. حاشا! ولا هو كسيمون محروم من الكنيسة، ليس هو هكذا ولا معلموه. إنما هو سرق شر الآخرين ونسب شرورهم إلى نفسه... 22. لقد كان في مصر إنسان يدعى سيتيانوس (سكيثيانوس) Scythianus عربي المولد(39)، لا علاقة له لا بالمسيحية ولا اليهودية. سكن في الإسكندرية وتمثل بحياة أرسطو، وصنف أربعة كتب(40)، ودعى أحدها إنجيلًا دون أن تحمل أعمال المسيح إنما حمل مجرد الاسم. والثاني دُعي "الفصول Chapters" والثالث "الأسرار" والأخير هو المتداول اليوم ويدعى "الكنز". ولما قصد سكيثيانوس الذهاب إلى اليهودية ليصنع فسادًا (بتعاليمه الوثنية) ضربه الرب بمرضٍ خطيرٍ موقفًا سمومه، وقد كان له تلميذ يدعى تريبنثوس Terebinthus. 23. ورث تلميذه خطأه الشرير كما ورث ماله وكتبه وهرطقته، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. فذهب إلى فلسطين، وهناك اشتهر، وقد أدين في اليهودية، لذلك وضع في نفسه أن يذهب إلى بلاد فارس، ولكي لا تُعرف شخصيته هناك استبدل اسمه مدعيًا أنه بيداس Buddas(41). على أي الأحوال صنع قلاقل بين كهنة ميثراس Mithras، وإذ دخلوا معه في نقاشٍ وفنّدوا أقواله ببراهين كثيرة ومجادلات، التجأ إلى أرملة معينة لتحميه. وإذ صعد إلى سطح بيتها استدعى شياطين الهواء، الذين لا يزال يستخدمهم أتباع ماني إلى اليوم، الذين صنعوا محفلًا تافهًا ممقوتًا، فضربه الله وسقط من السطح وأماته، وهكذا انقطع الوحش الثاني. 24. بقيت الكتب المسجلة لكفره، إذ ورثتها الأرملة مع أمواله، وإذ لم يكن لها قريب أو صديق قررت أن تشتري ولدًا يدعى كوبريكوس Cubricus(42)، تبنته وعلمته التعاليم الفارسية، فاستل سيفًا شريرًا أشهره ضد البشرية. نشأ العبد كوبريكوس بين الفلاسفة، وعند موت الأرملة ورث الكتب والمال. ولكي يخفي اسم العبودية دعى نفسه "ماني" التي تعني في الفارسية "مجادل"... إذ حسب نفسه باحثًا. لقب نفسه "ماني" كما لو كان سيدًا ممتازًا في الجدال. ومع أنه نسب لنفسه اسمًا مكرمًا في لغة الفارسيين، لكن عناية الله اتهمته، إذ هو ديان نفسه بغير إرادته، فإذ يظن أنه مُكرم عند الفرس إذ يدعى مانيًا "Manioe" عند اليونان، ومعناها "الجنون". 25. لقد تجاسر فادعى أنه "المعزي" بالرغم مما كتب: "أما من جدف على الروح القدس فلا يُغفر له" (مز 3: 29). لقد ارتكب تجديفًا بادعائه أنه الروح القدس. ليت هؤلاء الهراطقة ينظرون في اجتماعاتهم إلى ما ادعاه لنفسه...! لقد اشتهر فبدأ يتحدث بأمورٍ فوق طاقة الشر. حدث أن مرض ابن ملك الفرس، فوعد ماني أنه كإنسان إلهي يشفيه طالبًا الاستغناء عن الأطباء الذين يرعونه، وهنا انفضح كفره، وصار الفيلسوف سجينًا. لم يسجن من أجل انتهاره الملك لأجل الحق، ولا لرغبته في إبادة الأوثان، إنما سُجن بسبب كذبه وادعائه أنه يخلص، مع أنه كان يليق به أن يقول الحق ولا يرتكب جريمة، إذ قتل الطفل بحرمانه من الأطباء الذين كان يمكن أن ينقذوه بالعلاج. 26. هنا ظهرت شرور كثيرة أخبرك بها: أولًا: تذكر تجديفه. ثانيًا: عبوديته (إذ حسبها عارًا، فتنكر لها). ثالثًا: بطلان وعده. رابعًا: قتله الطفل. خامسًا: عار سجنه. ولم يقف الأمر عند عار السجن بل هرب منه، هرب الذي ادعى أنه "الباراكليت" و"قائد الحق". إنه لم يتبع يسوع الذي ذهب إلى الصليب، بل على العكس هرب. سادسًا: علاوة على هذا أمر ملك الفرس بعقاب حراس السجن. وهكذا كان سببًا في موت الطفل خلال عجرفته الباطلة، وسببًا في موت الحراس بسبب هروبه. فهل يُعبد من ساهم في جريمة قتل؟! أما كان يليق به أن يقتفي مثال يسوع القائل: "فإن كنتم تطلبونني، فدعوا هؤلاء يذهبون؟!" (يو 18: 8) أما كان يلزمه أن يقول مع يونان "خذوني واطرحوني في البحر... أنه بسببي هذا النوء العظيم عليكم؟!" (يونان 1: 12) لقد هرب إلى ما بين النهرين(43) وهناك تدرع الأسقف أرشلاوس بالبرّ واصطدم به. لقد جمع محفلًا من الأمم، واتهم ماني في حضرة الفلاسفة كقضاة، إذ خشي أن يصدر عليه المسيحيون حكمًا فلا يبالي به القضاة. قال أرشلاوس لماني: أخبرنا بماذا تبشر؟ تكلم ذاك الذي فمه مثل قبرٍ مفتوحٍ (مز 5: 9) بتجاديف ضد خالق الكل، إذ قال إنه إله العهد القديم مصدر الشرور، مدللًا بذلك أنه قال عن نفسه أنه "نار آكلة" (تث 4: 24). أفسد الحكيم أرشلاوس برهانه المملوء تجديفًا بقوله: إن كان إله العهد القديم كما تقول أنه يدعو نفسه نار آكلة، فإن ابنه أيضًا قال "جئت لألقي نارًا على الأرض" (لو 12: 49). وإن كنت تُخطّئ القائل: "الرب يحيي ويميت" (1 صم 2: 6) فلماذا تكرم بطرس الذي أقام طابيثا وجعل سفيره تموت (أع 5: 10). وإن كنت تجد فيه شرًا لأنه أعد نارًا، فلماذا لا تجد ذلك في (المسيح) "اذهبوا عني إلى النار الأبدية؟" (مت 25: 41) إن كنت تجد خطأ في القائل: "أنا الله، مبلغ السلام وموجد الشر" (إش 45: 7) فكيف تفسر قول يسوع: "ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا؟!" (مت 10: 34) فإن كان الاثنان تحدثا بكلام مشابه، بل الاثنان هما واحد. فإما أنهما صالحان، وإلا فلماذا لا تلوم يسوع على حديث نطق به، بينما تلوم ذات الحديث إن ورد في العهد القديم؟ 28. عندئذ أجابه ماني: "أي إله هذا الذي يسبب العمى"، إذ يقول بولس: "الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين، لئلا يضيء لهم إنارة إنجيل (مجد المسيح)" (2 كو 4: 4). لكن أرشلاوس قدم إجابة مفحمة صالحة بقوله اقرأ ما جاء قبل هذا بقليل: "ولكن إن كان إنجيلنا مكتومًا، فإنما مكتوم في الهالكين" (2 كو 4: 3). أنظر إذن، أنه مكتوم في الهالكين. فليس من الحق أن يُقدم القدس للكلاب (مت 7: 6). ثم هل إله العهد القديم وحده هو الذي أعمى أذهان غير المؤمنين؟ ألم يقل المسيح نفسه: "من أجل هذا أكلمكم بأمثال، حتى لا يبصروا (لأنهم مبصرين لا يبصرون)؟" (مت 13: 13) هل بدافع البغضة يريدهم إلاّ يبصروا؟ أم بسبب عدم استحقاقهم إذ هم "غمّضوا عيونهم؟!" (مت 13: 15)، فإذ يوجد شر إرادي، تُحجز النعمة عنهم، "لأن كل من له يُعطى فيزاد، ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه" (مت 25: 29؛ لو 8: 18). 29. هذا والبعض يفسره تفسيرًا محقًا يليق بنا أن نأخذ به. إن كان حقًا هو أعمى أذهانهم لكي لا يؤمنوا، فقد أعماهم من أجل غاية صالحة. إذ لم يقل: "أعمى أنفسهم" بل "أذهان غير المؤمنين" (2 كو 4: 4). وهذا معناه أنه يعمي الشهوانيين في ذهنهم الشهواني لكي يخلصوا، ويعمى خبث اللصوصية المستحوذ على أذهان السالبين لكي يخلص الإنسان نفسه. وإن كنت لا تقبل هذا التفسير، فإنه يوجد تفسير آخر. الشمس تعمي من كان ضعيف البصر. فمن كانت أعينهم متوعّكة يؤذيهم النور ويصبهم العمى. فليست طبيعة الشمس أن تعمي، بل العين غير قادرة على النظر. هكذا أيضًا غير المؤمنين كمرضى القلوب لا يستطيعون التطلع إلى بهاء اللاهوت. وإذ لم يقل: "قد أعمى أذهانكم لكي لا يسمعوا الإنجيل"، بل "لئلا يضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح..." لذلك فإن سماع الإنجيل مكفول للجميع، أما مجده فمحفوظ لأولاد المسيح الحقيقيين وحدهم. من أجل هذا تحدث الرب بأمثال مع الذين لم يقدروا أن يسمعوا (مت 13: 3)، أما التلاميذ ففسّر لهم الأمثال على وجه الخصوص (مز 4: 34)، لأن ضياء المجد هو للذين يستنيرون، والعمى للذين لا يؤمنون(44). هذه الأسرار التي تشرحها الكنيسة الآن يا من تعبر من فصل الموعوظين لم تشرحها للوثنيين. فلا نشرح للوثني الأسرار الخاصة بالآب والابن والروح القدس، وحتى أمام الموعوظين لا نتكلم عن الأسرار بوضوح، إنما نتحدث عن أمورٍ كثيرة بطريقة محجبة، يفهمها المؤمنون العارفون بها، ولا يتأذى منها غير العارفين. 30. بمثل هذه البراهين وغيرها تُطرح الحيّة خارجًا. هكذا قاوم أرشلاوس ماني وطرحه. فهرب من هذا المكان ذاك الذي سبق فهرب من السجن، وذهب إلى قرية صغيرة جدًا، متشبهًا بالحيّة التي في الفردوس، تركت آدم وذهبت إلى حواء. لكن الراعي الصالح أرشلاوس المهتم بقطيعه، ما أن سمع بهروبه حتى أسرع بالبحث عن الذئب. وإذ فوجئ ماني برؤية خصمه اندفع هاربًا، وكان ذلك آخر هروب له، إذ بحث عنه أتباع ملك الفرس في كل مكان، وقبضوا على الشارد. وهكذا إذ كان يلزم أن يحكم عليه أرشلاوس تم ذلك بواسطة أتباع الملك. ماني هذا الذي عبده تلاميذه أُلقي القبض عليه، وأُحضر أمام الملك. وبّخه الملك على بطلان ادعائه وهروبه، موبخًا إياه بعبوديته، ومنتقمًا لقتله ابنه، كما أدانه بسبب قتل الحراس، فأمر بسلخ جلده على النظام الفارسي، وقدّم جسده طعامًا للوحوش، أما جلده فعلق على الأبواب كما لو كان كيسًا (جرابًا). ذاك الذي ادعى أنه الباراكليت، وأنه عالم بالمستقبل، لم يكن يعرف بأنه سيهرب وسيُقبض عليه. 31. كان لهذا الرجل ثلاثة تلاميذ هم: توماس وباداس وهرماس. ليته لا يَقرأ أحد إنجيل توماس، فإنه ليس من عمل أحد الاثني عشر رسولًا، بل أحد تلاميذ ماني الثلاثة الأشرار. ليته لا يجتمع أحد مع أتباع ماني مهلكي النفوس... الذين يتكلمون بشرٍ على خالق الأطعمة، وهم يبتلعون ما لذَّ وطاب بنهمٍ. إنهم يُعلمون أن من يقطع عشبًا من نوعٍ أو آخر يتحول نفسه إلى ذات العشب. فإن كان أحد يجمع عشبًا أو أي نوع من الخضروات يتحول إليه. فإلى كم نوع يتحول المزارعون وأصحاب الحدائق؟! يستخدم البستاني منجله ليحصد أنواعًا كثيرة، فإلى أي نوع يتحول؟! راعي القطيع يصير قطيعًا، فإن قتل ذئبًا فإلى ماذا يتحول؟! كثيرون اصطادوا سمكًا وطيورًا فإلى أيهما يتحولون؟! 32. فليرد أبناء الكسل أتباع ماني الذين يأكلون من تعب العاملين. إنهم يرحبون ببشاشة بالذين يحضرون لهم أطعمة، ثم يعودون فيلعنوهم... فإذ يأتيهم أحد بسيط بشيء ما يقولون له: قف خارجًا إلى حين ونحن نباركك. وإذ يأخذ أحد أتباع ماني الخبز على يديه يقول: "أنا لم أصنعك"، ثم يصب اللعنات على العليّ، ويلعن خالق الخبز، وبعد هذا يأكل ما قد خلقه الخالق. إن كنت تبغض الطعام، فلماذا تبتسم لمن يقدمه لك؟! وإن كنت تشكر من أحضره لك، فلماذا تجدف على خالق الطعام وموجده؟! كذلك يقول: "أنا لم أزرعك، ليُزرع من زرعك! أنا لم أحصدك، ليُحصد من حصدك. أنا لم أخبزك، ليُخبز بالنار من خبزك..." 33. هذه أخطاء شنيعة لكنها ليست بشيءٍ إن قورنت بما تبقى. إنني لا أتجاسر فأصف لكم استحمامهم أمام الرجال والنساء. لا أجسر فأقول ماذا يحدث عندما يغطسون، وأية قباحات يتعاطون! فليُفهم بالتلميح ما أقوله... فإنه بالحق ندنس فمنا إن تحدثنا عن هذه الأمور المخزية. ألعل الوثنيين يستحقون أن يُمقتوا أكثر من هؤلاء؟! ألعل السامريين أكثر بؤسًا منهم؟! ألعل اليهود أكثر جحودًا منهم؟! ألعل الزناة أكثر دنسًا منهم؟! لأن الذي يستسلم للفسق، إنما يفعل ذلك للذة لمدة ساعة، لكنه يعود ويدين عمله، ويقر بأنه تنجس، ويشعر بالحاجة إلى التطهير، ويعترف بقباحة فعله. لكن الماني يقيم مذبحه(45) وسط الأدناس ويلوث فمه ولسانه. وأنت يا إنسان، أتقبل تعليمًا من فم كهذا؟ هل تسلم على إنسان كهذا بقبلة متى اجتمعت معه؟ وإني إذ لا أقول شيئًا عن شرهم الآخر، أما تهرب من دنسهم، إذ هم أشر من الفاجرين، تمجهم النفس أكثر من العاهرات؟! 34. هوذا الكنيسة تنصحك وتخبرك عن هذه الأمور المملوءة وحلًا حتى لا تتوحَّل. تحدثك عن الجراحات لكي لا تُجرح. يكفيك أن تعرف ما قلته لك دون أن تمارسه. الله يرعد وكلنا نرتعب، أما هم فيجدفون. الله ينير وجميعنا ننحني حتى الأرض، وهم يجدفون على السماوات. لقد كُتبت هذه في كتب أتباع ماني. ونحن نقرأها بأنفسنا، إذ لا يمكننا أن نصدق من يرويها لنا. نعم من أجل خلاصكم نحن استقصينا بتدقيق عن هلاكهم... 35. ليخلصنا الله من ضلال كهذا، ويعطيكم كراهية للحية، إذ هم يرقدون منتظرين عقبكم، فلتدوسوا أنتم على رأسهم. تذكروا ما أقوله: أي اتفاق يمكن أن يقوم بيننا وبينهم؟! أية شركة بين النور والظلمة؟! بين سمو الكنيسة ودنس أتباع ماني؟! هنا يوجد ترتيب ويقوم النظام، هنا السمو، هنا النقاوة، هنا من ينظر إلى امرأة ليشتهيها يُدان (مت 5: 28). هنا الزواج المقدس، والعفة ثابتة. هنا تُكرم البتولية كما بين الملائكة. هنا يؤخذ الطعام بشكرٍ. هنا يُحمد خالق العالم. هنا يُعبد أب المسيح. هنا نتعلم المخافة والخشوع أمام مرسل الأمطار. هنا نمجد صانع الرعد والبرق. لا تنفصل عن الكنيسة. ولتمقت الذين يشككون في هذه الأمور (أتباع بدعة ماني). وإن لم تدرك توبتهم، فلا تثق فيهم، مندفعًا بنفسك في وسطهم. إنه يُسلم إليك وحدانية الله. فتعلم أن تميز مراعي التعليم. كن صرافًا مزُكى. "تمسك بالحسن، وامتنع عن كل شبه شر" (راجع 1 تس 5: 21، 22). إن كنت تحبهم اعرف ضلالهم وأبغضه. إنه يوجد طريق الخلاص، إن ازدريت بالقيء ومقتهم من قلبك، وانفصلت عنهم بنفسك لا بشفتيك، إن تعبدت لأب المسيح إله الشريعة والأنبياء، إن عرفت أن الصالح والعادل إله واحد بنفسه. وإذ هو حافظكم كلكم، يحفظكم من السقوط والتعثر ويقيمكم في الإيمان في المسيح يسوع ربنا الذي له المجد إلى أبد الأبد.آمين. |
||||
07 - 11 - 2022, 06:36 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
في الله الآب المقال السابع "بسبب هذا أحني ركبتيّ لدى الآب الذي منه تسمى كل أبوة في السماوات وعلى الأرض" (راجع أف 3: 14-15). مقدمة 1. تحدثنا بالأمس عن الله العلة الوحيدة بما فيه الكفاية. وإني لا أقصد بـ"ما فيه الكفاية" من حيث استحقاق الموضوع، لكن حسبما وُهب لضعفنا. كذلك فندت عرضًا أخطاء الهراطقة الأشرار المتعددة الجوانب. والآن ليتنا ننفض عنا غباوتهم وتعاليمهم السامة للنفس. وإذ نتذكر ما يخصهم، لا لكي يصيبنا ضرر، إنما لكي نمقت خطأهم بمرارة، ونرجع إلى أنفسنا متقبلين تعاليم الإيمان الحقيقي المخلصة. فنرتبط خلال الأبوة التي للوحدانية، ونؤمن بالله الآب الواحد، إذ يليق بنا لا أن نؤمن بإله واحد فحسب، بل بخشوع نتقبله أبًا للابن الوحيد ربنا يسوع المسيح. اليهود رافضو المسيح 2. لنسمو بأفكارنا على اليهود، فإنهم حقًا يقرون بتعاليمهم بالله الواحد، (ولكن ماذا يكون هذا وهم ينكرونه خلال عبادتهم للأصنام؟!) لكنهم يرفضون أنه أبو ربنا يسوع المسيح. وهم بهذا ينقضون أنبياءهم الذين يؤكدون هذا في الأسفار المقدسة، إذ جاء فيها "الرب قال لي: أنت ابني وأنا اليوم ولدتك" (مز 2: 7). إنهم إلى يومنا هذا يرتجون مجتمعين على الرب ومسيحه (مز 2: 2)، حاسبين أنهم قادرون أن يكونوا أصدقاء للآب وهم منفصلون عن تعبدهم للابن، جاهلين أنه لا يأتي أحد إلى الآب إلاّ بالابن، القائل: "أنا هو الباب والطريق" (يو 14: 6؛ 10: 9). فمن يرفض الطريق الذي يقود إلى الآب وينكر الباب، كيف يتأهل للدخول لدى الله (الآب)؟! إنهم يناقضون ما جاء في المزمور الثامن والثمانين: "هو يدعوني أبي. أنت إلهي وصخرة خلاصي. أنا أيضًا أجعله بكرًا أعلى من ملوك الأرض" (مز 89: 26-27). فلو أصروا أن هذا قيل عن داود أو سليمان أو واحدٍ من نسلهم، فليظهروا كيف يكون عرشه حسبما وُصف في النبوة، كأيام السماء وكالشمس قدام الله وكالقمر يقوم إلى الأبد؟ كيف يكون هذا ولا يخجلون مما كتب: "قبل كوكب الصبح أنا ولدتك"(1). وأيضًا أنه "يثبت مع الشمس وقدام القمر إلى دور فدور"(2). الإيمان بالآب يمهد للإيمان بالابن 3. على أي الأحوال، لقد بقي اليهود في جحودهم الشرير كعادتهم، سواء في تفسيرهم لهذه العبارات أو غيرها... أما نحن فلنتقبل تعاليم إيماننا الورعة، متعبدين لله الواحد، أبي المسيح (لأن تجريده من مثل هذه الكرامة، ذاك الذي يهب الكل نعمة البنوة يكون جاحدًا). لنؤمن بالله الآب الواحد، حتى أننا قبل أن نتعرض لتعليمنا بخصوص المسيح يزرع الإيمان بالابن الوحيد في نفوس السامعين دون أن يحدث ارتباك في تعاليمنا بخصوص الآب. عدم الفصل بين الآب والابن 4. فإذ ننطق باللقب "الآب" يوحي لنا ضمنًا أن نفكر في "الابن". وهكذا من يدعو "الابن" يفكر ضمنًا في "الآب"(3). لأنه إن كان الآب فهو أب الابن، بالتأكيد الابن هو ابن الآب. لذلك في حديثنا في قانون الإيمان نقول "نؤمن بإله واحد، الآب القدير خالق السماء والأرض ما يرى"، نكمل "نؤمن بربنا يسوع"، قد يظن أحد في سخافةٍ أن الابن يأتي في المرتبة الثانية في السماء وعلى الأرض، لهذا قبلما نبدأ بدعوتهما نقول: "نؤمن بالله الآب"، فإذ نفكر في "الآب" للحال نفكر في الابن، إذ لا يوجد فاصل بين الآب والابن. أبوة طبيعية 5. إذن يقال أن الله أب لكثيرين في معنى غير لائق (غير طبيعي)، أما بحسب الطبيعة وبالحق فهو أب لواحد وحده، الابن الوحيد، ربنا يسوع المسيح. لم يوجد في زمن ليصير فيه أبًا بل منذ الأزل هو أب الابن الوحيد(4). لم يكن قبلًا بدون الابن، ولا بتغيير في قصده صار أبًا. إنما قبل وجود أية مادة وأي فهم، وقبل الزمان والدهور كان للآب الأبوة، ممجدًا نفسه في هذا أكثر من كل الكرامات الأخرى التي له. إنه ليس أبًا خلال شهوة، ولا باتحاد، ولا في جهلٍ، ولا بحدوث زيادةٍ فيه أو إصابته بنقصٍ، ولا في تعاقب زمني، إذ "كل عطية صالحة وموهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 1: 17). أب كامل ولد ابنًا كاملًا، وسلم كل شيء للمولود، إذ قال: "كل شيء قد دُفع لي من أبي" (مت 11: 27)، وتمجد بواسطة الابن الوحيد، إذ يقول الابن: "أكرم أبي" (يو 8: 49)، وأيضًا: "كما إني أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته" (يو 15: 10). لذلك فنحن نقول مع الرسول: "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح أبو الرأفة وإله كل تعزية" (2 كو 1: 3). ونحني ركبنا لدى الآب الذي منه تسمى كل أبوة ما في السماوات وما على الأرض (أف 3: 14-15). فنمجده مع الابن الوحيد، لأن "الذي ينكر الابن ليس له الآب أيضًا ومن يعترف بالابن، فله الآب أيضًا" (1 يو 2: 23)، عالمين أن "يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" (في 2: 11). رد على أتباع ماني المسيئين إلى إله العهد القديم 6. لذلك فنحن نعبد الله بكونه أب المسيح، خالق السماء والأرض، "إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب" (خر 3: 6)، الذي من أجل تكريمه بني الهيكل القديم، الذي هو ضدنا الآن (إذ صار اليهود أصحاب الهيكل القديم ضد المسيحيين). إننا لا نسكت على الهراطقة الذين يفْصلون العهد القديم عن العهد الجديد. إنما نؤمن بالمسيح القائل عن الهيكل: "أما تَعلمان أنه ينبغي أن أكون في بيت أبي" (راجع لو 2: 49). وأيضًا: "ارفعوا هذه من ههنا، لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة" (يو 2: 16). هنا يعترف بأكثر وضوح أن الهيكل السابق في أورشليم هو بيت أبيه. ولكن إن طلب أحد في جحود براهين أخرى على أن أب المسيح هو خالق العالم. فليسمع ما قاله أيضًا: "أليس عصفوران يباعان بفلسٍ وواحدٍ منهما لا يسقط بدون أبي الذي في السماوات؟!"(6) وأيضًا قوله: "انظروا إلى طيور السماء، أنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن. وأبوكم السماوي يقوتها" (مت 6: 26). وأيضًا قوله: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أيضًا أعمل" (يو 5: 7). أبي وأبيكم 7. ولئلا يظن أحد في بساطة أو عن سرعة خاطر مع عنادٍ أن في قول المسيح: "أصعد إلى أبي وأبيكم" (يو 20: 17) أنه مساوٍ في الكرامة مع الأبرار، لهذا يجدر بنا أن نصنع تمييزًا. وهو أن اسم "الآب" هو واحد (أي أب لابن واحد)، أما عمله متعدد (أي يعطى البنوة بالتبني لكثيرين). وإذ يعلم المسيح نفسه هذا قال في عصمة عن الخطأ: "أصعد إلى أبي وأبيكم"، ولم يقل: "أبينا"، بل مميزًا بينهما. فقال أولًا بما يليق به "إلى أبي" الذي هو بالطبيعة، وبعد ذلك أضاف: "وأبيكم" الذي هو بالبنوة. لأنه مهما بلغ سمو الامتياز الذي تقبلناه بقولنا في صلواتنا: "أبانا الذي في السماوات"، إلاّ أن العطية هي من قبيل محبة الله المترفقة. فنحن ندعوه أبًا ليس لأننا ولدنا بالطبيعة من أبينا السماوي، بل انتقلنا من حالة العبودية إلى البنوة بنعمة الآب خلال الابن والروح القدس. لقد سمح لنا أن ننطق بهذا من قبيل محبة الله المترفقة غير المنطوق بها. بنوتنا له بالتبني 8. لكن إن أراد أحد أن يتعلم كيف ندعو الله "أبًا" فليصغِ إلى موسى المعلم الممتاز، إذ يقول "أليس هذا هو أباك ومقتنيك، هو عملك وأنشأك؟!" (تث 32: 6) وأيضًا إشعياء النبي يقول: "والآن يا رب أنت أبونا نحن الطين... وكلنا عمل يديك" (إش 64: 8). لقد أعلنت العطية البنوية في أكثر وضوح أننا ندعوه أبًا ليس حسب الطبيعة، بل بعمل نعمة الله بالتبني. العهد الجديد يعلن عن بنوتنا له بالتبني 9. ولكي تتعلم بأكثر تدقيق من الكتاب المقدس الإلهي أنه ليس فقط يُدعى "أبًا" من هو أب طبيعي بل وغيره أيضًا، اسمع ماذا يقول الرسول؟ "لأنه وإن كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح لكن ليس آباء كثيرون، لأني ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل" (1 كو 4: 15). كان بولس أبًا للكورنثويين، ليس لأنه ولدهم حسب الجسد، بل خلال التعليم، وولدهم مرة أخرى حسب الروح. اسمع أيضًا أيوب: "أب أنا للفقراء". لقد دعا نفسه أبًا، ليس لأنه ولدهم جميعًا، بل من أجل اهتمامه بهم. وابن الله الوحيد نفسه عندما سُمر على الشجرة وقت الصلب، لما نظر مريم أمه حسب الجسد ويوحنا تلميذه المحبوب جدًا من تلاميذه، قال له: "هوذا أمك". وقال لها: "هوذا ابنك" (يو 19: 26، 27)، معلمًا إياها أن تصب حبها الأبوي "الأموي"(7) فيه، شارحًا بطريقة غير مباشرة ما قيل في لوقا: "وكان أباه وأمه يتعجبان منه"(8) هذه الكلمات التي يتصيدها الهراطقة قائلين أنه وُلد من رجل وامرأة. فكما دعيت مريم أمًّا ليوحنا من أجل حبها الأموي وليس لأنها أنجبته، هكذا دُعي يوسف أبًا للمسيح من أجل عنايته بتربيته، وليس لأنه أنجبه، إذ يقول الإنجيل: "لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر" (مت 1: 25). أبوة بالطبيعة وأبوة بالتبني 10. وهكذا يمكنني أن أذكركم بأمور كثيرة الآن بطرق مغايرة، لكن على أي الأحوال أقدم لكم شهادة أخرى حتى تتأكدوا أن الله يدعى "أبًا للبشر" في معنى غير مناسب (أي ليس بالطبيعة). هكذا خوطب الله في إشعياء: "فإنك أنت أبونا، وإن لم يعرفنا إبراهيم" و"سارة لم تتمخض بنا" (إش 63: 6). وإن كان المرتل يقول "ليضطربوا من هيئته، أب لليتامى (للذين بلا أب) قاضي الأرامل" (مز 68: 5 LXX)، أليس من الواضح للجميع أنه يدعو الله أبًا للذين فقدوا آباءهم متأخرًا، ليس لأنه ولدهم، بل من أجل اهتمامه بهم وحمايته لهم؟! ولكن بينما نحن ندعو الله أبًا للبشر في معنى غير مناسب، فهو أب المسيح وحده بالطبيعة لا بالتبني. فبالنسبة للبشر هو أب في زمان، أما بالنسبة للمسيح أب قبل كل زمان، إذ يقول: "والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو 17: 5). الابن يرى الآب في كماله 11. إذن نحن نؤمن بإلهٍ واحدٍ، الآب غير المفحوص، غير المنطوق به، الذي "لم يره أحد من الناس" (1 تى 6: 16)، بل "الابن الوحيد هو خبر" (يو 1: 28)، لأن "الذي من الله يرى الآب" (يو 6: 46)، هذا الذي ترى الملائكة وجهه على الدوام في السماوات (مت 18: 10) حسب درجة كل منهم. أما استنارة وجه الآب (في كماله) فتبقى في نقاوتها للابن مع الروح القدس. لنطلب أبانا السماوي 12. إذ أبلغ هذه النقطة في حديثي، متذكرًا العبارات التي سبق لي الإشارة إليها حالًا، والتي فيها خوطب الله كأب للبشر اندهش للغاية أمام جمود البشر. إن الله بحنوه المترفق غير المنطوق به تلطف، فدُعي "أب للبشر" مع أنه في السماء وهم على الأرض. هو خالق سرمدي وهم خُلقوا في زمان، هو الممسك الأرض في قبضة يده، وهم في الأرض كالعشب والجندب(9). ومع هذا فإن الإنسان يبحث عن أبيه السماوي، قائلًا: للعود "أنت أبي وللحجر أنت ولدتني" (إر 2: 27). لهذا السبب أظن أن النبي يخاطب البشرية قائلًا: "انسي شعبك وبيت أبيك" (مز 45: 10) أي انسي من اخترتيه أبًا لك، الذي تطلبه نفسك لأجل هلاكك. الأشرار يطلبون أبوة إبليس 13. لا يقف الأمر عند العود والحجارة بل اختار الإنسان حتى الشيطان مهلك النفوس ليكون أبًا له. لهذا انتهر الرب قائلًا: "أنتم تعملون أعمال أبيكم" (يو 8: 41، 44) أي الشيطان، أب البشر بالخداع لا بالطبيعة. فكما صار بولس بتعليمه الصالح أبًا للكورنثيين (1 كو 4: 15)، هكذا دُعي الشيطان أبًا للذين وافقوه بإرادتهم الحرة. إننا لا نقبل الشرح الخاطئ للعبارة: "أولاد الله ظاهرون، وأولاد إبليس" (1 يو 3: 10)، قائلين أنه بالطبيعة يخلص البعض وبالطبيعة يهلك آخرون. إنما نحن ندخل في بنوة مقدسة كهذه ليس عن إلزام بل باختيار، كما لم يكن يهوذا الخائن ملزمًا أن يكون ابنًا للشيطان والهلاك، وإلا ما كان يمكنه أن يُخرج الشياطين باسم المسيح، لأن الشيطان لا يخرج شيطانًا" (مر 3: 23). ومن جانب آخر ما كان لبولس أن يتحول من الاضطهاد ليكون مبشرًا. لكن التبني في قوتنا "أي بإرادتنا"، إذ يقول يوحنا إن كثيرين "قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنين باسمه" (يو 1: 12)، أي لم يكونوا قبل الإيمان أولاد الله، إنما باختيارهم بالإيمان تأهلوا لذلك. لنسلك كما يليق بالبنوة 14. إذ نعرف هذا، فليكن حديثنا روحيًا حتى نحسب مستحقين لبنوتنا لله، إذ كثيرون "ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله" (رو 8: 14). إننا لا ننتفع شيئًا من دعوتنا مسيحيين دون أن تكون لنا أعمال لائقة. إنه يقال "لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم"، "وإن كنتم تدعون أبًا الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحدٍ، فسيروا زمان غربتكم بخوف"، "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب" (يو 8: 39؛ 1 بط 1: 17؛ 1 يو 2: 15). إذن ليتنا أيها الأبناء الأحباء نمجد أبانا السماوي بأعمالنا الصالحة. "لكي يروا أعمالنا الحسنة ويمجدوا أبانا الذي في السماوات"، "ملقين كل همنا على أبينا، لأنه يعلم ما نحتاج إليه" (مت 5: 16؛ 1 بط 5: 7؛ مت 6: 8). بنوتنا لله لا تنفي بنوتنا لوالدينا 15. لكن ليتنا ونحن نمجد أبانا السماوي، نمجد أيضًا "آباء أجسادنا" (عب 12: 9). وقد أشار الرب بنفسه بوضوح إلى هذا الأمر في الناموس والأنبياء قائلًا: "أكرم أباك وأمك لكي يكون لك الخير، وتطول أيام حياتك على الأرض" (راجع تث 5: 16). ليلاحظ الحاضرون هذه الوصية باهتمام... "أيها الأولاد أطيعوا والديكم في كل شيء لأن هذا مرضي في الرب" (كو 3: 20). فلم يقل الرب: "من أحب أبًا أو أمًّا فلا يستحقني" لكي بجهلك تخطيء معاندًا ما كُتب بحق، بل أضاف: "أكثر مني" (راجع مت 10: 37). فمتى كان آباؤنا الأرضيون مضادين في الفكر لأبينا السماوي عندئذ نلتزم بالطاعة للمسيح. أما إن وضعنا عائقًا لصنع البرّ بجحودنا، ناسين بركاتهم علينا، مستهينين بهم، عندئذ تجد الوصية التالية مكانًا: "من يلعن أبًا أو أمًّا موتًا يموت" (راجع خر 21: 17؛ لا 20: 9؛ مت 15: 4). إكرام الوالدين 16. فضيلة المسيحيين الأولى هي إكرام الوالدين ومكافأتهم عن متاعب من أنجبوهم، مقدمين لهم كل راحة قدر ما يستطيعون... فيستريحون بالراحة التي نقدمها لهم، وعندئذ يثبتون لنا البركات التي نالها يعقوب بمكرٍ عوض أخيه، ويتقبل أبونا السماوي هدفنا الصالح، ويحكم علينا باستحقاق أن "يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم" (مت 13: 43)، الذي له المجد مع الابن الوحيد مخلصنا يسوع المسيح ومع الروح القدس المحيى الآن والي الأبد والي أبد الأبد. آمين. |
||||
07 - 11 - 2022, 06:39 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
القدير: الله العظيم القوي المقال الثامن "الله العظيم القوي، رب المشورة العظيمة، القدير في أعماله، الله العظيم، الرب القدير ذو اسم عظيم" (إر 19: 18-19 LXX) مقدمة 1. بإيماننا بالله الواحد نهدم كل اعتقاد شرير في آلهة كثيرة، مستخدمين ذلك كدرعٍ ضد اليونانيين وكل قوة الهراطقة المقاومين. وإذ نضيف "نؤمن بإله واحد الله الآب" نناقض أهل الختان الذين ينكرون ابن الله الوحيد، إذ كما تحدثنا بالأمس أن بقولنا "الآب" نوضح ضمنا الحقائق الخاصة بربنا يسوع المسيح قبل أن نشرحها، إذ هو أب للابن، حتى حيث ندرك وجود الله ندرك ضمنا "الابن". ونضيف إلى ذلك أنه "قدير (ضابط الكل)" مؤكدين هذا بسبب اليونانيين واليهود(10) معًا وكل الهراطقة. قدرته وسلطانه على السماء والأرض 2. فمن جهة اليونانيين يقول البعض إن الله نفس (Soul) العالم(11). وآخرون قالوا إن سلطانه يسود السماء وحدها دون الأرض. ويشترك البعض معهم في خطأهم مسيئين استخدام العبارة القائلة "حقك إلى السحاب"(12)، فتجاسروا بتحديد عناية الله بالسحب والسماوات، عازلين الله عن شؤون الأرض، ناسين المزمور القائل: "إن صعدت إلى السماوات، فأنت هناك، وإن نزلت إلى الجحيم، فأنت هناك" (مز 139: 8). فإن كان ليس شيء أعلى من السماوات والجحيم أدنى من الأرض، فإن من يدير أمور الجحيم السفلي يهتم بالأرض أيضًا. قدرته وسلطانه على النفس والجسد 3. سبق أن قلت أن الهراطقة لا يعرفون إلهًا واحدًا قديرًا، فإنه يُحسب قدير إن كان يدبر كل الأمور وله سلطان على كل شيءٍ. أما القائلون بوجود إله هو رب النفس وآخر رب الجسد، فإنهم يجعلون منهما إلهين غير كاملين، يحتاج كل منهما للآخر. كيف يكون قديرًا من كان له سلطان على النفس دون الجسد، أو الجسد دون النفس؟! لكن الرب يدحض هؤلاء بقوله: "بل خافوا بالأحرى من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (مت 10: 28). فلو لم يكن لأبي ربنا يسوع المسيح سلطان عليهم أما كان يخضعهما للعقاب؟! إذ كيف يأخذ الجسد الذي تحت سلطان آخر ويلقيه في جهنم "إن لم يربط القوى أولًا وحينئذ ينهب بيته؟!" (مت 12: 29) بين قدرة الله وطول أناته 4. تعرفنا الأسفار المقدسة وتعاليم الحق بإله واحد وحده، مدبر كل الأمور بقدرته، يتحمل كثيرًا بإرادته. إنه صاحب سلطان على الوثنيين وبطول أناته يحتملهم. له سلطان على الهراطقة الذين لا يقيمونه عليهم إلهًا، وبطول أناته يحتملهم. له سلطان على الشياطين وبطول أناته يحتملهم، ليس لأنه محتاج إلى سلطان كمن هو ضعيف... لقد سمح للشياطين أن تعيش لغرضين: 1. لكي تخزى نفسها بنفسها بالأكثر في حربها. 2. لكي يتكلل البشر بالنصرة. يا لعناية الله الحكيمة! التي تستخدم نيّة الشرير كأساس لخلاص المؤمنين! فكما استخدم نيّة إخوة يوسف التي لا تحمل أخوّة كأساس لتدبيره، وإذ سمح لهم ببيع أخيهم بدافع الكراهية، وجعلها فرصة ليقيمه ملكًا، الأمر الذي يريده الله. هكذا سمح الشيطان أن يصارع لكي يتكل المنتصرون. وإذ تتحقق النصرة يخزى هو بالأكثر إذ هزمه الضعفاء، ويُكَّرم البشر بالأكثر بالنصرة على من كان يومًا ما رئيس ملائكة. لا يفلت شيء من سلطان الله 5. إذن لا شيء يفلت من سلطان الله، إذ يقول الكتاب: "لأن الكل عبيدك" (مز 119: 91). الكل سواء كخدم لله، لكن من هذه الأشياء كلها فقط واحد وحده هو ابنه الوحيد، وواحد هو روحه القدوس، كلاهما مستثنيان. أما الباقي فجميعهم يخدمون الله بالابن الوحيد في الروح القدس. إذن الله يحكم الكل، وبطول أناته يحتمل حتى المجرمين واللصوص والزناة، محددًا وقتًا معينًا لمجازاة كل أحدٍ، لكن إن أصر من يحذرهم على عدم التوبة من القلب ينالون دينونة عظيمة. الغنى والذهب لله القدير 6. الغنى والذهب والفضة لا تخص الشيطان كما يظن البعض(13)، بل "كل غنى العالم هو للمؤمن، وأمّا الكافر فليس له فلس" (أم 17: 6 LXX)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. ليس أحد كافر مثل الشيطان، ويقول الله بوضوح: "لي الذهب ولي الفضة لمن أعطيها؟!" (راجع حجي 2: 8) فإذ تستخدم هذه الأمور حسنًا لا تخطيء عندما تمتلكها، لكنك إذ تسيء استخدام ما هو صالح فلكي لا تلم تدبيرك في جسارة تلقي باللوم على الخالق(14). إذن يمكن للإنسان أن يتبرر بواسطة المال، إذ يسمع القول: "كنت جوعانًا، فأطعتموني" (مت 25: 35، 36)، وهذا يتحقق بالمال. وأيضًا قوله: "كنت عريانًا فكسوتموني" يتحقق أيضًا بالمال. أتريد أن تتعلم أن المال يمكن أن يكون بابًا للدخول في ملكوت السماوات؟! إنه يقول "بع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء" (مت 19: 21). الغنى ليس خاصًا بالشيطان 7. لقد ذكرت هذه الملاحظات بسبب الهراطقة الذين يحسبون الممتلكات والمال وأجساد البشر ملعونة. فإنني لا أريدك عبدًا للمال، ولا تنظر إلى ما وهبك الله لاستخدامه كعدو لك. ليس لك أن تقول عن الغنى إنه خاص بالشيطان، لأنه وإن قال لك: "أعطيك هذه جميعها، لأنه قد دفع إلي" (مت 4: 9، لو 4: 8) فلتحتقر كلامه إذ لسنا محتاجين لتصديق الكذاب. فإنه وإن التزم أن ينطق بالصدق إنما لحضور الله، إذ لم يقل: "أعطيك هذه جميعها"، بكونها ملك له، بل "قد دفع إليّ" أي ليس له سلطان عليها، بل يعترف أنه عُهد إليه بها، وصار واهبًا لها إلى زمانٍ، وفي نفس الوقت يتساءل المفسرون ما إذا كان قوله باطلًا أم صادقًا؟! تجديف الهراطقة 8. إذن الله واحد، الآب القدير، الذي تجاسر الهراطقة بالتجديف عليه. نعم تجاسروا بالتجديف على رب الصباؤوت(15)، الجالس على الشاروبيم (مز 80: 1). تجاسروا أن يجدفوا على أدوناى(16). تجاسروا بالتجديف على من أعلن عنه الأنبياء أنه الله القدير. أما أنتم فاعبدوا الله الواحد القدير، أبا ربنا يسوع المسيح. اهربوا من خطأ الإيمان بآلهة كثيرة. اهربوا من كل هرطقة، وقولوا مع أيوب: "اطلب من الرب القدير، الفاعل عظائم لا تُفحص، وعجائب لا تُعد" (راجع أي 5: 8، 9)... الذي له المجد إلى أبد الأبد. آمين. |
||||
07 - 11 - 2022, 06:47 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
نؤمن برب واحد يسوع المسيح المقال العاشر "لأنه وإن وجد ما يسمى آلهة، سواء كان في السماء أو على الأرض. لكن لنا إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء، ونحن له، ورب واحد يسوع المسيح. الذي به جميع الأشياء ونحن به" (1 كو 8: 5-6). مقدمة 1. من يتعلم أن يؤمن "بإله واحد، الله الآب القدير"، يلتزم بالإيمان بابنه الوحيد لأن كل من ينكر الابن ليس له الآب أيضًا (1 يو 2: 23). يقول يسوع: "أنا هو الباب"، "ليس أحد يأتي إلى الآب إلاّ بي" (يو 14: 6؛ 10: 9)، "لا أحد يعرف الآب إلاّ الابن، ومن أراد الابن أن يعلن له" (مت 11: 27)، فإن أنكرت من يعلن لك تبقى في جهلٍ. لقد جاءت العبارة التالية في الإنجيل: "الذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة، بل يمكث عليه غضب الله" (يو 3: 36). فالآب يغضب عندما يُستهان بالابن الوحيد. فإن الملك يحزن لمجرد إهانة أحد جنوده. أما إن احتقر أحد ابنه الوحيد، فمن يقدر أن يطفئ غضب الأب من أجل ابنه الوحيد؟! الآب يوصينا بالابن 2. فإن رغب أحد في إظهار ورع لله فليعبد الابن، عندئذ يتقبل الله خدمته. لقد نادى الآب بصوتٍ عالٍ قائلًا: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت" (مت 3: 17). لقد سُر الآب به، فإن لم تكن أنت موضع سروره في الابن لا تكون لك حياة. لا يخدعنك اليهود بقولهم في مكر "يوجد إله واحد وحده" لكن لتعرف أن الله واحد، ولتعلم أن ابن الله وحيد. لا أقول هذا مني بل هو قول المرتل في شخص الابن: "الرب قال لي: أنت ابني" (مز 2: 7). إذن لا تبالِ بما يقوله اليهود بل اهتم بقول الأنبياء. هل تتعجب من ازدرائهم بكلمات الأنبياء، هؤلاء الذين رجموا الأنبياء وقتلوهم! رب واحد، يسوع المسيح 3. آمن بربٍ واحدٍ، يسوع المسيح ابن الله الوحيد إذ نقول: "نؤمن برب واحد يسوع المسيح". بنوته فريدة لهذا نقول عنه: "واحد" حتى لا نفكر في آخر غيره. ندعوه "واحدًا" حتى لا تسقط في الضلال المنتشر بطلب أسماء كثيرة بسبب أعماله تجاه الأبناء الكثيرين (البشر). إنه يُدعى "الباب" (يو 1: 7، 9). لا تأخذ المعنى الحرفي للكلمة كمادة خشبية، بل المعنى الروحي. إنه "باب حيّ" يميز الداخلين فيه. يُدعى "الطريق" (يو 14: 6) لا أن يُداس بالأقدام، بل يقودنا للآب السماوي. يُدعى “الحمل" (يو 1: 29؛ إش 53: 7، 8؛ أع 8: 32) لا كغير عاقلٍ، بل لأن بدمه الثمين يطهر العالم من خطاياه، ويقف صامتًا أمام جازيه. هذا الحمل دُعي مرة بـ"الراعي" إذ يقول: "أنا هو الراعي الصالح" (لو 10: 11). هو حمل من جهة ناسوته، وراعٍ بالحب المترفق الذي للاهوته. هل تريد أن تعرف حملان عاقلة؟ اسمع المخلص يقول للرسل: "ها أنا أرسلكم كحملانٍ بين ذئاب" (مت 10: 10، 16). إنه يُدعى "أسدًا" (تك 49: 9؛ رؤ 5: 5)، ليس مفترسًا للبشر، بل كرامة شخصه الملكية وثباته وقوته. لقد دعي أسدًا، لأنه يقف قبالة الأسد المقاوم الذي يزأر ملتمسًا أن يفترس من يخدعهم (1 بط 5: 8). لأن المخلص في مجيئه لم يغير وداعة طبيعته، بل بكونه "الأسد الخارج من سبط يهوذا" (مز 118: 22) يخلص المؤمنين ويطأ على المقاوم. يُدعى "حجرًا"، ليس بلا حياة، مقطوع بيدٍ بشرية، بل "حجر الزاوية الرئيسي" (إش 28: 16)، من يؤمن به لن يخزى. تبع أسماء المسيح 4. يُدعى "المسيح"، ليس ممسوحًا بيد بشرية، بل سرمديًا، ممسوح من الآب لكهنوته العلوي من أجل البشر. دُعي "ميتًا"، لا كمن هو بين الأموات الذين في الجحيم جميعهم، بل وحده الحر بين الأموات (مز 88: 25). يُدعى "ابن الإنسان"، ليس لأنه من أصل أرضي مثلنا جميعًا، إنما لأنه آت على السحاب ليدين الأحياء والأموات (يو 5: 27). يدعى "ربًا" ليس عن عدم لياقة مثل أولئك الذين يدعوهم البشر هكذا، إنما هو رب من أجل طبيعته الإلهية السرمدية. يدعى "يسوع" باسم لائق، إذ دُعي هكذا من أجل العلاج (الخلاص) الثمين الذي يقدمه. إنه يدعى "ابنًا"، ليس لأنه نال البنوة بالتبني، بل هو مولود طبيعيًا. كثيرة هي ألقاب مخلصنا، لكن لا تظن بسبب كثرة أسمائه أنه يوجد أبناء كثيرون، كما ظن بعض الهراطقة الذين قالوا أن يسوع غير المسيح، وآخر هو "الباب"(24) وهكذا. فإن قانون الإيمان يؤكد أنه هو "يسوع المسيح". فالألقاب كثيرة لكن موضوعها شخص واحد. المسيح رب حقيقي 5. يظهر المسيح لكل واحد حسب احتياجه(25). فالمحتاجون إلى البهجة يتقدم إليهم ككرمة، والمحتاجون إلى الوجود في حضرة الآب يأتيهم كبابٍ، والمحتاجون إلى من يقدم صلواتهم يجدونه الشفيع فيهم الكاهن العلي، وللخطاة هو الحمل (المذبوح) لأجل تقديسهم. إنه كل شيءٍ لكل واحد (1 كو 9: 22) دون أن تتغير طبيعته بل يبقى كما هو. هو باقٍ، وعمل بنوته لن يتغير، لكنه يكيف نفسه حسب ضعفنا، بكونه طبيبًا ممتازًا أو معلمًا مملوء حنوًا. إنه الرب نفسه، لم يقبل الربوبية عن تقدم(26)، إنما عمل بنوته طبيعي. لم يُدعَ ربًا بغير لياقة مثلنا(27)، بل بالحقيقة هو هكذا... فنحن نُدعى أرباب على أناس مثلنا، لهم ذات الحقوق وفيهم نفس العواطف. وأحيانًا ندعى أربابًا على شيوخ، إذ كثيرًا ما يحكم سيد شاب على خدم مسنين. أما ربوبية يسوع المسيح فهي ليست هكذا بل هو خالق فرب(28)، خلق كل الأشياء بإرادة الآب... الابن في العهد القديم (سفر التكوين) 6. المسيح الرب هو ذاك الذي وُلد في مدينة داود (لو 2: 11). أتريد أن تعرف أن المسيح هو رب مع الآب قبل تجسده حتى تتقبل العبارة ليس فقط بالإيمان وإنما ببرهان من العهد القديم؟ عد إلى أول سفر "التكوين" يقول الله "نعمل الإنسان" لا على صورتي بل "على صورتنا" (تك 1: 26). وبعد خلقة آدم يقول الكتاب المقدس، "فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه" (زك 1: 27). فإنه لم يقصر شرف اللاهوت على الآب وحده بل شمل الابن أيضًا، مظهرًا أن الإنسان ليس من عمل الله (الآب) وحده بل أيضًا هو عمل ربنا يسوع المسيح الذي هو الله نفسه. هذا الرب الذي يعمل مع الآب، عمل معه في حالة سدوم أيضًا إذ يقول الكتاب المقدس "فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من عند الرب من السماء" (تك 19: 24). هذا الرب هو الذي رآه موسى قدر ما يستطيع أن يرى. لأن الرب محب البشر ينزل إلينا حسب ضعفاتنا. الابن في العهد القديم (سفر الخروج) 7. علاوة على هذا، فلكي تتأكد أنه هو بنفسه الذي رآه موسى، اسمع شهادة بولس القائل: "لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح" (1 كو 10: 4). وأيضًا قال: "بالإيمان موسى ترك مصر"، وبعد ذلك بقليل يقول: "حاسبًا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر"(29). موسى هذا قال له: "أرني ذاتك". إنك ترى أن الأنبياء أيضًا في ذلك الإيمان رأوا المسيح بمعنى أن كلًا منهم رآه قدر ما يحتمل (خلال الأنبياء). "أرني ذاتك لكي أعرفك بفهم" (خر 33: 13). لكن الله قال: "الإنسان لا يرى وجهي ويعيش" (خر 33: 20). لهذا السبب إذن، إذ لا يستطيع أحد أن يرى وجه لاهوته ويعيش. أخذ الرب وجه الطبيعة البشرية حتى نراه ونعيش. لكن حتى عندما أراد أن يظهر بأن هذه عظمة قليلة، فإن التلاميذ إذ رأوا وجهه يضيء كالشمس (مت 2:17) سقطوا مرتعبين. فإن كانت هيئته الجسدية (الناسوتية) تضيء، ليس في كمال قوته بل حسب طاقة التلاميذ، ومع ذلك ارتعبوا غير محتملين هذا، فكيف يقدر أحد أن يحملق في جلال لاهوته؟! يقول الرب: إنه لأمر عظيم الذي تطلبه يا موسى، وأنا أحقق لك رغبتك التي لا تُشبع. ما أفعل لك هذا الأمر، ولكن قدر احتمالك. "إني أضعك في نُقرة من الصخرة (تك 33: 22)، فإذ أنت صغير أن أحميك في موضع صغير". الابن في العهد القديم (تبع سفر الخروج) 8. ...عندئذ قال الرب لموسى: "حتى أجتاز بك بمجدي، وأنادي اسم الرب قدامك". وإذ هو الرب، أي رب هو ينادي؟ أنظر، فإنه يتحدث بطريقة خفية عن التعليم بالآب والابن. مرة أخرى انظر ما جاء بعد ذلك كلمة فكلمة "فنزل الرب في السحاب فوقف عنده هناك، ونادى باسم الرب. فاجتاز الرب قدامه ونادي الرب إله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء. حافظ الإحسان إلى ألوف. غافر الإثم والمعصية والخطية" (تك 34: 5-7). وبعد ذلك "فأسرع موسى وخرّ إلى الأرض وسجد"(30) أمام الرب الذي نادى الآب، وقال "ليَسِر الرب (السيد) في وسطنا"(31). الابن في العهد القديم (سفر المزامير) 9. هذا برهان أول، تقبل برهانًا آخر واضحًا. "قال الرب لربي أجلس عن يميني" (مز 110: 1). قال الرب هذا للرب، لا لعبدٍ، بل لرب الكل، ابنه الذي أخضع كل شيء له. "ولكن حينما يقول إن كل شيء قد أُخضع، فواضح أنه غير الذي أَخضع له الكل". وماذا يلي هذا؟ "كي يكون الله الكل في الكل". الابن الوحيد هو رب الكل، لكن ابن الآب المطيع لم ينل لاهوته (كأمرٍ جديدٍ)، بل هو ابن بالطبيعة حسب إرادة الآب. فليس الابن ناله، ولا الآب حسده لكي يغتصبه. فالابن يقول: "كل شيء قد دُفع إليّ من أبي" (مت 11: 27؛ لو 10: 22). "دفع إليّ" ليس كما لو كان ليست لي من قبل. وأنا أحفظه حسنًا ولا أسلبه من الذي أعطاه لي. الابن في العهد الجديد 10. ابن الله هو الرب: إنه الرب الذي وُلد في بيت لحم اليهودية، كقول الملاك للرعاة: "ها أنا أبشركم بفرحٍ عظيمٍ، إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود المسيح الرب" (لو 2: 10، 11). وفي موضع آخر يقول عنه الرسول: "الكلمة التي أرسلها إلى بني إسرائيل يبشر بالسلام بيسوع المسيح، هذا هو رب الكل" (أع 10: 36). ولكن عندما يقول "الكل" هل تُستثنى ربوبيته على أحد، لأنه سواء ملائكة أو رؤساء ملائكة أو رؤساء أو سلاطين أو أي مخلوق آخر دعاه الرسول، يخضع الكل لربوبية الابن... مقارنة بين يسوع وكل من هارون ويشوع 11. يحمل يسوع المسيح اسمين: يسوع لأنه يخلص، والمسيح لأنه كاهن. إذ عرف موسى النبي المُلهم هذا، دعى اللقبين على شخصين ساميين اختارهما من جميع الشعب، فدعا الذي يخلفه في الحكم Auses "يسوع (بن نون)"، ودعا أخاه "مسيحًا". وخلال هذين الرجلين المزكين تمامًا يقدم لنا في وقت واحد الكهنوت العلوي والمملكة، كرمز للواحد يسوع المسيح الآتي. فالمسيح هو كاهن مثل هارون، إذ "لم يمجد نفسه ليصير رئيس كهنة، بل الذي قال له أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق" (عب 5: 5-6). وكان يشوع بن نون رمزًا له في أمور كثيرة لأنه عندما بدأ يحكم على الشعب بدأ من الأردن (يش 3: 1)، وبدأ المسيح أيضًا الكرازة بالإنجيل بعد العماد. ويشوع بن نون عين اثني عشر ليقسموا الميراث (يش 14: 1)، وأرسل المسيح اثني عشر رسولًا كرسل للحق في كل العالم. أنقذ يشوع الرمز راحاب الزانية عندما آمنت، ويسوع الحقيقي قال: "إن العشارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله" (مت 21: 31). في أيام الرمز بمجرد التصويت بالبوق تهدمت حصون أريحا، لأن المسيح قال: "لا يُترك حجر على حجرٍ إلاّ وينقض" (مت 24: 2) سقط الهيكل اليهودي أمامنا، والسبب في ذلك هو عصيانهم. إشعياء يدعو يسوع مخلصًا 12. يوجد رب واحد يسوع المسيح، اسم عجيب، سبق أن أخبر به الأنبياء بطريقة خفية. إذ يقول إشعياء النبي: "يأتي المخلص، ومعه مكافأته" (إش 62: 11). كلمة "يسوع" في العبرية معناها "مخلص". فإن العطية النبوية، إذ سبق فرأت روح القتل عند اليهود وأنهم ضد الرب، حجب اسمه عنهم، لئلا إذا عرفوه من قبل يتدبرون ضده فورًا. لكنه دُعي صراحة "يسوع"، ليس فقط من الناس بل ومن الملاك الذي لم يأتِ من ذاته، بل بسلطان الله. قال ليوسف: "لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس، فستلد ابنًا، وتدعو اسمه يسوع" (مت 1: 20)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. وفي الحال ذكر سبب اسمه قائلًا: "لأنه يخلص شعبه من خطاياهم"... اليونانيون يدعون يسوع طبيبًا 13. "يسوع" في العبرية معناها "مخلص"، أما في اليونانية فتعني "الشافي"، إذ هو طبيب الأنفس والأجساد. هو شافي الأرواح، فتح عيني المولود أعمى، وقاد الأذهان إلى النور. يشفي العرج المنظورين، ويقود الخطاة في طريق التوبة. يقول للمفلوج: "لا تخطئ"، وأيضًا: "احمل سريرك وامشِ" (يو 5: 14، 8)، لأن الجسد كان مفلوجًا بسبب خطية النفس. شفى النفس أولًا حتى يمتد بالشفاء إلى الجسد. لذلك إن كان أحدكم متألمًا في نفسه من خطايا، فإنك تجده طبيبًا لك. وإن كان أحدكم قليل الإيمان، فليقل له: "أعن عدم إيماني" (مر 9: 24). وإن أصابت أحدكم آلام جسدية، فلا يكن غير مؤمنٍ، بل يقترب، فإن يسوع يعالج مثل هذه الأمراض، وليعلم أن يسوع هو المسيح. اليهود يرفضون المسيح 14. يقبله اليهود على أنه يسوع. لكنهم يرفضون كونه المسيح. لهذا يقول الرسول: "من هو الكذاب إلاّ الذي ينكر أن يسوع هو المسيح" (1 يو 2: 22). لكن المسيح هو كاهن عليَّ، "له كهنوت لا يزول" (عب 7: 24). لم يبدأ كهنوته في زمان، إذ ليس له سلف في كهنوته العلوي، وذلك كما سمعت في يوم الرب عندما ناقشنا عبارة "على رتبة ملكي صادق" في المجمع(32). لم يتسلم كهنوته عن سلف بشري، ولا مُسح بزيت أعدّه إنسان، بل هو ممسوح من الآب قبل كل الدهور. هكذا هو يعلو على غيره، فقد صار كاهنًا بقسمٍ (عب 7: 21)، أما هم فبغير قسم... إن هدف الآب المجرد كان كافيًا ليكون مؤكدًا، لكن استخدم وسيلة مضاعفة للتأكيد، إذ تبع الهدف قسم أيضًا، "حتى بأمرين عديمي التغير لا يمكن أن الله يكذب فيهما تكون تعزية قوية" (عب 6: 18) في إيماننا الذي هو أن يسوع المسيح ابن الله. رفض اليهود له 15. عندما جاء المسيح رفضه اليهود، بينما اعترفت به الشياطين. داود جده لم يجهله عندما قال: "رتبت سراجًا لمسيحي" (مز 132: 7)، هذا السراج الذي فسره البعض أنه بهاء النبوة (2 بط 1: 19)، وفسره البعض أنه الجسد الذي أخذه من العذراء... لم يجهل النبي أمر المسيح إذ قال: "وأعلن بين البشر بمسيحه His Anointed" (عا 4: 13 LXX). موسى أيضًا عرفه، وإشعياء، وإرميا. لم يجهله أحد من الأنبياء، بل حتى الشياطين عرفته إذ انتهرها... رئيس الكهنة لم يعرفه، والشياطين اعترفت به. رئيس الكهنة لم يعرفه، والسامرية أعلنت عنه قائلة: "انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت، ألعل هذا هو المسيح؟!" (يو 4: 29) اسم جديد يبارك الأرض 16. هذا هو يسوع المسيح الذي جاء "رئيس كهنة للخيرات العتيدة" (عب 9: 11)، الذي من أجل غنى لاهوته وهبنا نحن جميعًا لقبه الخاص به. فالملوك بين البشر لهم طابعهم الملكي الذي لا يشاركهم فيه أحد غيرهم، أما يسوع المسيح فكابن لله أعطانا كرامة أن ندعى "مسيحيين". قد يقول قائل إن اسم مسيحيين هو اسم جديد لم يستخدم من قبل والعبارات ذات الطابع الجديد غالبًا ما تدعى كعلامة على أن الإنسان غريب. لقد سبق أن أشار النبي إلى هذا من قبل، إذ قال: "ويسمى عبيده اسمًا آخر (جديدًا) يبارك في كل الأرض" (إش 65: 15-16 LXX). لنسأل اليهود: هل أنتم عبيد الرب أم لا؟ أين اسمكم الجديد. لقد دُعيتم يهودًا وإسرائيليين في أيام موسى وبقية الأنبياء، وأيضًا بعد الرجوع من سبي بابل إلى يومنا هذا، فأين هو اسمكم الجديد؟ أما نحن فقد صرنا عبيد الرب، ونحمل اسمًا جديدًا حقًا يبارك الأرض... بولس مضطهد الكنيسة يشهد لها 17. لكن هل تريد أن تعرف أن الرسل عرفوا اسم "المسيح" وبشروا به أو بالأحرى كان المسيح فيهم؟ يقول بولس: "أم تطلبون برهان المسيح المتكلم فيّ" (2 كو 13: 3). ويعلن بولس عن المسيح قائلًا: "فإننا لسنا نكرز بأنفسنا، بل بالمسيح يسوع ربًا، ولكن بأنفسنا عبيدًا" (2 كو 4: 5)... من هو هذا المتكلم؟ إنه المضطهد السابق! يا للقدرة العجيبة! المضطهد السابق يكرز بالمسيح! لكن لماذا؟ هل كان مرتشيًا؟ لا بل لم يكن من يستخدم هذه الوسيلة للإغراء هل رآه وهو على الأرض...؟ لقد ذهب ليضطهد وبعد ثلاثة أيام صار مبشرًا في دمشق، بأية قوة؟ الآخرون يأتون بأصدقائهم كشهودٍ، أما أنا فأقدم لكم عدوًا سابقًا كشاهدٍ. إن شهادة بطرس ويوحنا بالرغم من قوتها لكن قد تجد بابًا للشك، لأنه صديقه، أما ذاك الذي كان قبلًا عدوًا، فيقبل بعد ذلك أن يموت من أجله، من يقدر أن يشك في الحق بعد ذلك؟! المضطهد يكتب أربع عشرة رسالة 18. في هذه النقطة امتلئ دهشة من تدبير الروح القدس الحكيم، كيف قلل عدد رسائل الباقين، بينما أعطى لبولس المضطهد السابق الامتياز ليكتب أربع عشرة رسالة... لنكون نحن جميعًا هكذا مؤمنين، إذ الجميع اندهشوا منه قائلين: أليس هذا هو المضطهد السابق؟! (راجع أع 9: 21) ألم يأتِ إلى هنا لكي يقودنا مقيدين إلى أورشليم؟! يقول بولس: لا تندهشوا، فإنني اعلم أنه صعب عليّ أن أرفس مناخس. إنني أعلم إنني لست أهلًا أن أُدعى رسولًا لأنني اضطهد كنيسة الله (1 كو 15: 9)، لكنني فعلت هذا في جهلٍ (1 تي 1: 13). إذ ظننت أن التبشير بالمسيح يحطم الشريعة، وأعرف أنه جاء ليكمل الناموس لا لينقضه (مت 5: 17)، لكن "تفاضلت نعمة ربنا جدًا في" (1 تى 1: 14). الكل يشهد للمسيح 19. كثيرون يا أحبائي كانوا شهودًا حقيقيين للمسيح. الآب حمل شهادة من السماء لابنه. والروح القدس شهد بنزوله في هيئة جسمانية على شكل حمامة. ورئيس الملائكة جبرائيل شهد، جالبًا بشائر صالحة للعذراء. والعذراء والدة الإله (ثيؤتوكوس) qeotokoc تحمل شهادة. وموضع المزود المقدس يحمل شهادة. مصر تشهد له، حيث استقبلت الرب وهو بعد صغير في الجسد. سمعان حمل شهادة له إذ حمله على ذراعيه، وقال: "الآن يا سيدي تطلق عبدك بسلام حسب قولك، لأن عينيّ قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه كل الشعب" (لو 2: 29-30). حنة النبية، الأرملة الورعة للغاية في حياة طاهرة شهدت له. يوحنا المعمدان حمل شهادة، العظيم في الأنبياء وقائد العهد الجديد، الذي بطريقةٍ ما وحّد بين العهدين في نفسه. الأردن شاهد له بين الأنهار، وبحيرة طبرية بين البحار. العمي والعرج شهدوا له، والأموات الذين قاموا، والشياطين التي قالت: "ما لنا ولك يا يسوع، نحن نعرفك، أنت قدوس الله" (مز 1: 24). الرياح شهدت له بصمتها كأمره، والخمس خبزات تزايدت لتشبع خمسة آلاف... خشبة الصليب المقدسة تحمل شهادة، هذا الذي يُرى بيننا إلى اليوم. ويمتلئ هذا الموضع وافدون من كل بقاع العالم ليأخذ الكل بإيمان نصيبًا منه(33)... |
||||
11 - 11 - 2022, 05:59 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، به كان كل شيء المقال الحادي عشر "الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديمًا في أزمنة متنوعة وطرق مختلفة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه" (عب 1: 1-2). يسوع هو المسيح الوحيد 1. قدمنا لكم بالأمس، مظهرين لكم بما فيه الكفاية، قدر استطاعتنا، أن رجاءنا هو في يسوع المسيح. لكن يليق بنا ألاّ نؤمن به ولا نقبله كواحدٍ من مسحاء كثيرين يدعون هكذا بلا لياقة. فإن هؤلاء المسحاء رمزيّون، أما هو فالمسيح الحقيقي، لم يرتفع إلى الكهنوت عن تقدم(1) بين صفوف البشر، بل له شرف الكهنوت من الآب. من أجل هذا فإن قانون الإيمان يرشدنا مقدمًا حتى لا نظنه واحدًا من المسحاء العاديين، فيضيف الاعتراف بهذا الإيمان أننا نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد. الابن الوحيد الجنس 2. وأيضًا عندما تسمع "ابن" لا تحسبه أنه مُتبنى، بل ابنًا بالطبيعة، الابن الوحيد، ليس له أخ. من أجل هذا دعي "الوحيد الجنس"، إذ ليس له أخ من جهة شرف اللاهوت ونسبته للآب(2). ونحن لا ندعوه "ابن الله" من عندياتنا، بل الآب دعي المسيح (دون غيره) ابنه وما يدعوه الآباء لأبنائهم هو اسم حق. الابن المتأنس 3. ربنا يسوع صار إنسانًا، لكن كثيرين لم يعرفوه. وإذ رغب في تعليم من لم يكونوا قد عرفوه دعا تلاميذه وسألهم: "من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟! (مت 13: 6) لم يسأل حبًا في المجد الباطل، إنما بقصد إظهار الحق لهم، لئلا بإمعان النظر في الله وابن الله يظنون بخفة أنه مجرد إنسان عادي. وعندما أجابوه أن البعض قالوا بأنه إيليا وآخرون إرميا، أجابهم أنهم معذورون في إجابتهم من أجل عدم معرفتهم، أما أنتم -يا رسلي- يا من باسمي تطهرون البرص وتخرجون الشياطين وتقيمون الموتى، فيلزمكم ألاّ تجهلوا (اسمي) الذي خلاله تفعلون هذه العجائب. وعندما صمت الكل (إذ كان الأمر أعظم من أن يتعلمه إنسان) أجاب بطرس الرسول(3)... دون أن يرشده كشف بارع ولا فكرٍ بشري، إنما أضاء الآب ذهنه، فقال: "أنت هو المسيح"، بل وأيضًا قال: "ابن الله الحي" وقد تبع هذا تطويب من أجل حديثه كختم على أن ما قاله هو إعلان من الآب. إذ قال المخلص: "طوباك يا سمعان بن يونا، فإن لحمًا ودمًا لم يُعلن لك، بل أبي الذي في السماوات" (مت 16: 17). لذلك فمن يعرف ربنا يسوع المسيح أنه ابن الله يشترك في هذا التطويب، أما من ينكر ابن الله فهو فقير وبائس! نور سرمدي من نور سرمدي 4. مرة أخرى أقول عند سماعك عن الابن لا تفهم هذا في معنى غير لائق بل هو ابن بالحق. أنه ابن بالطبيعة بلا بداية، لم يأتِ من حالة العبودية إلى التبنّي، أي انتقل إلى حالة أعظم، بل هو ابن أبدي مولود بنسب لا يُفحص ولا يدرك. وبنفس الطريقة عند سماعك "البكر" لا تفكر في هذا الأمر بمستوى بشري، لأن البكر في البشر له إخوة آخرون. لقد قيل "إسرائيل ابني البكر" (خر 4: 22) لكن إسرائيل كان مثل رأوبين الذي صعد إلى مخدع أبيه "أي كان خائنا"، فقد طرد إسرائيل ابن الآب خارج الكرم (وصلبوه). قيل عن آخرين: "أنتم أبناء الرب إلهكم" (تث 14: 1). وقيل في موضع آخر "أنتم آلهة، وكلكم بني العلي تُدعون" (مز 72: 6). هؤلاء عندما يقول لهم الله هكذا إنما يتقبلون بنوّة لم تكن لهم من قبل. أما هو فلم يولد ليصير على حال لم يكن عليه من قبل، بل هو مولود من البدء ابن الآب. هو فوق كل بداية وكل العصور، ابن الآب مشابهًا(4) للآب الذي ولده في كل شيء، أبدي من أب أبدي، حياة من حياة، نور من نور، حق من حق، حكمة من الحكيم، ملك من ملك، الله من الله، قوة من قوة. تقبل البنوة حسب الجسد "لداود" 5. فإن سمعت الإنجيل يقول: "كتاب ميلاد يسوع المسيح بن داود بن إبراهيم" (مت 1: 1) حسب الجسد. فهو ابن داود "في ملء الأزمنة" (عب 9: 26)، ولكنه ابن الله قبل الدهور بلا بداية. قد تقبل البنوة "لداود" إذ لم تكن له، أما البنوة للآب فهي له سرمديًا. إن له أبين، داود حسب الجسد، والآخر أي الله أباه في اللاهوت. بكونه ابن داود يخضع للزمن وللتدبير والتنازل النسبي، لكن من جهة اللاهوت فلا يخضع لا لزمانٍ ولا لمكانٍ. "جيله من يعلنه؟ الله روح" (راجع إش 53: 8؛ يو 4: 24). فذاك الذي هو روح قد وُلد روحيًا بكونه غير جسدي بنسب غير مدرك ولا مفحوص. الابن نفسه يقول للآب: "قال الرب لي: أنت ابني، وأنا اليوم ولدتك" (مز 2: 7) هذا "اليوم" ليس زمنيًا بل سرمديًا. اليوم هنا غير زمني، بل قبل كل الدهور. "من الرحم قبل كوكب الصبح ولدتك"(5). آمن بيسوع المسيح 6. إذن آمن بيسوع المسيح، ابن الله الحي، الابن الوحيد. حسب الإنجيل القائل: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية (يو 3: 16؛ يو 3: 18؛ 5: 24؛ يو 3: 36؛ يو 1: 14؛ لو 4: 34). وأيضًا: "الذي يؤمن به لا يُدان، إذ يعبر من الموت إلى الحياة". وأمّا الذي لا يؤمن به فلن يرى الحياة بل يمكث عليه غضب الله". ويشهد يوحنا عنه قائلًا: "ورأينا مجده مثل مجد ابن وحيد للآب. مملوء نعمة وحقا". إذ ترتعب منه الشياطين وتقول "ما لنا ولك يا يسوع. أنت ابن الله الحي". ابن الله بالطبيعة وليس بالتبنّي 7. إذن هو ابن الله بالطبيعة وليس بالتبنّي، مولود من الآب، "وكل من يحب الوالد يحب المولود منه" (1 يو 5: 1)، ومن يحتقر المولود يسيء إلى الوالد. عندما تسمع عن الله "الوالد" (يو 4: 24) لا تفكر في أمور جسدية، ليس في توالد فاسد حتى لا تسقط في خطأ الكفر. "الله روح"، نسبه روحي، لأن الأجساد تلد أجسادًا، وولادة الأجساد تحتاج إلى زمان، أما ولادة الابن من الآب فلم يدخل فيها زمن. في حالتنا نحن ما يولد، إنما يولد غير كامل، أما ولادة الابن من الآب فهي ولادة كاملة، لأن ما هو الآن كان منذ البدء، إذ هو مولود بلا بداية. نحن مولودون هكذا لنعبر من جهل الطفولية إلى التعقل. مولدك يا إنسان غير كامل ونموك يزداد. لكن لا تفكر هكذا في حالة الابن، ولا تنسب الضعف إلى الوالد، لأنه إن كان الذي ولد غير كامل ويحتاج كماله إلى زمان، فإنك بهذا تنسب ضعفًا إلى الوالد... ولادة غير بشرية 8. لهذا لا تفكر في هذه الولادة على أنها بشرية، ولا كما ولد إبراهيم إسحق، لأنه في ميلاد إسحق لم يلد إبراهيم حسب إرادته، بل ولد ما قد منحه له غيره. أما الله، فإن ما ولده الآب لم يكن عن جهلٍ ولا احتاج إلى وسيطٍ(6). لأن القول بأنه كان يجهل ما كان يفعله هو كفر. والقول بأنه أصبح أبًا خلال أزمنة، هو أيضًا كفر. لأن الله لم يكن قط بدون الابن، وقد أصبح أبًا مع الزمن. إنما كان له الابن أزليًا، ولده ليس كما يلد البشر بشرًا، بل كما هو وحده يعرف، ولده قبل كل الدهر، إلهًا حقًا. البنوة بالتلمذة 9. فالآب، إذ هو الله ذاته ولد الابن شبهه(7)، الله ذاته، إذ لم يلد كما يلد المعلمون تلاميذ، ولا كما يقول بولس للبعض: "لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل" (1 كو 4: 15). إذ لا يكون في هذه الحالة ابنًا بالطبيعة بل بالتلمذة. أما في الحالة السابقة فهو أب بالطبيعة لابن حقيقي. إنه ليس مثلكم أنتم الذين تستنيرون، فتصيرون أبناء الله... إذ أنتم أبناء بالتبنّي، كما هو مكتوب: "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه، الذين ولدوا ليس من دمٍ ولا من مشيئة جسدٍ، ولا من مشيئة رجلٍ، بل من الله" (يو 1: 12، 13). حقًا إننا نولد من الماء والروح، لكن المسيح لم يُولد من الآب هكذا. إذ في وقت عماد خاطبه قائلًا: "هذا هو ابني" (مت 3: 17). لم يقل "صار ابني"، بل "هذا هو ابني"، معلنًا أنه "ابن" حتى قبل العماد. 10. المسيح كلمة الله ولد من الآب "الابن" ليس كما بين البشر يلد الذهن كلمة. لأن الذهن موجود فينا جوهريًا، أما الكلمة فتنتشر في الهواء عندما ننطق بها وتنتهي"(8). لكننا نعلم أن المسيح لم يولد كمثل كلمة منطوق بها، بل هو كلمة جوهرية حية، لا تُنطق بشفتين، ولا تنتشر فتبدد، بل هو مولود من الآب أبديًا، لا يُوصف في الجوهر. إذ "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله" (يو 1: 1). إنه جالس عن يمين الله، الكلمة فاهم إرادة الآب، خالد، كل الأشياء كائنة بأمره. الكلمة الذي نزل وصعد، أما الكلمة التي ننطق نحن بها فإنها تنزل ولا تصعد. "الكلمة" ينطق قائلًا: "أنا أتكلم بما رأيت عند أبي" (يو 8: 38). الكلمة له سلطان، يملك على كل شيءٍ، إذ أعطى الآب كل شيء للابن (مت 11: 27؛ يو 5: 22). من يقدر أن يعرف كيفية الولادة الأزلية؟ 11. الآب الذي ولد ليس بطريقة يُمكن لإنسانٍ أن يفهمها، بل يقدر وحده أن يفهمها. فإننا نعرف ألاّ نخبر عن الطريقة التي ولده بها، بل نصر أنها ليست بهذه الكيفية وليس فقط نحن نجهل مولد الابن من الآب، بل نجهل حتى كل طبيعة مخلوقة. "أو كلم الأرض فتعلمك" (أي 12: 8). وبالرغم من أنك تسأل كل الأشياء التي على الأرض، فإنها تعجز عن أن تخبرك. لأن الأرض لا تقدر أن تخبر عن جوهر الذي شكَّلها كخزاف صنعها. وليس فقط الأرض بل الشمس أيضًا... والسماء أيضًا لا تعلن ذلك... ولا سماءٍ السماوات... إذن هل تنحط يا إنسان، إن كنت تجهل ما لا تعرفه حتى السماوات؟! لا. ليس فقط السماوات تجهل طبيعة هذه الولادة بل وكل الطبائع الملائكية، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. فلو صعد أحد إلى السماء الأولى، وأدرك الرتب الملائكية، وسألهم:" كيف ولد الآب الابن؟" ربما يجيبونه؟ "إن هناك من هم أعظم منا وأسمى، اسألهم". أذهب إلى السماء الثانية والثالثة. ابلغ إن أمكنك إلى العروش والسلاطين والرئاسات والقوات، فإنه حتى أن وصل أحد إليهم -وهذا مستحيل- فإنهم يمتنعون عن الإجابة لعدم معرفتهم. جسارة الذين يحاولون أن يفحصوا الخالق ذاته 12. فمن جهتي أنا دائمًا أعجب على جرأة المتجاسرين الذين بوقارهم المتخيل يسقطون في الكفر. فإذ لا يعرفون شيئًا عن العروش والسلاطين والقوات وأعمال المسيح، يحاولون أن يفحصوا الخالق ذاته! أخبرني أولًا أيها الإنسان الجسور: ما هو الاختلاف بين العروش والسلاطين وبعد ذلك افحص ما يخص المسيح! اخبرني: ما هي الرئاسات وما هي القوات وما هي الفضيلة(9)Virtue، وما هو الملاك، وعندئذ ابحث في خالقهم الذي "به كان كل شيء" (يو 1: 3)... من يعرف "أعماق الله" (1 كو 2: 10، 11)، إلاّ الروح القدس الذي تكلم به الكتاب المقدس؟ بل حتى الروح القدس لم يتحدث في الأسفار المقدسة بخصوص ميلاد الابن من الآب، فلماذا تشغل نفسك بالأمور التي لم يكتبها الروح القدس في الكتاب المقدس؟! هناك أمور كثيرة وردت في الكتب الإلهية، منها ما لا نفهم كنهه، فلماذا نشغل أنفسنا بما لم يُكتب؟! إنه يكفينا أن نعرف أن الله ولد الابن الواحد الوحيد. لا تخجل من الاعتراف بجهلك 13. لا تخجل من الاعتراف بجهلك مادمت تشترك في هذا مع الملائكة. الوالد وحده هو الذي يعرف المولود، والمولود يعرف الوالد. ويشهد الكتاب المقدس أن المولود هو الله. "لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته، كذلك أعطى الابن أيضًا أن تكون له حياة في ذاته" و"لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب" و"كما أن الآب يُقيم (من يشاء) كذلك الابن أيضًا يحيى من يشاء" (يو 5: 26، 23، 21). فالذي وَلد لم يحدث له نقصان، ولا ينقص المولود شيئًا(10)... ميلاد أزلي 14. إذن نحن نؤمن بابن الله الوحيد المولود من الآب الله ذاته. نقول إن الله الحقيقي لا يلد إلهًا باطلًا، ولا هو تَمَعَّن في الأمر وبعد ذلك ولد، بل ولد أزليًا بأكثر سرعة عن ولادة كلماتنا وأفكارنا. إذ نحن نتكلم في زمان، ونخضع للزمان، لكن بخصوص القوة الإلهية، فالميلاد يتم خارج الزمن(11). وكما قلت مرارًا أن الابن لم يأتِ من عدم إلى التبني الإلهي. ولكن كما أن الآب أزلي، فقد وُلد الابن منه منذ الأزل، بطريقة لا توصف... نبوات عن التجسد 15. أتريد أن تعرف أن المولود من الآب وقد صار إنسانًا هو الله؟ اسمع النبي يقول: "هذا هو إلهنا ولا يعتبر حِذائُه آخر. هو وجد طريق التأديب (المعرفة) بكماله، وجعله ليعقوب عبده... وبعد ذلك تراءى على الأرض، وتردد بين البشر" (با 3: 36-38). أما ترى هنا أن الله صار إنسانًا بعد أن قدم الشريعة بواسطة موسى؟ اسمع أيضًا شهادة أخرى عن لاهوت المسيح، إذ قُرأ الآن حالًا "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور" (عب 1: 8). ولئلا بسبب حضوره هنا بالجسد قد يُظن أنه ارتقى إلى اللاهوت، يوضح الكتاب المقدس بجلاء "مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج أكثر من شركائك" (عب 1: 9). أما ترى المسيح أنه الله ممسوحًا بواسطة الله الآب؟! شهادة إشعياء عن لاهوت المسيح 16. أتريد شهادة ثالثة عن لاهوت المسيح؟! اسمع إشعياء يقول: "تعب مصر وتجارة كوش (إثيوبيا)" وبعد ذلك "إليك يتضرعون قائلين: فيك وحدك الله وليس آخر سواك. أنت هو الله ولم نعرف...المخلص" (إش 45: 14، 15). إنك ترى أن الابن هو الله، فيه الله الآب، إذ يقول نفس العبارة التي وردت في الإنجيل "إني في الآب والآب فيَّ" (يو 14: 11). إنه لم يقل: "أنا هو الآب"، بل "الآب فيّ وأنا في الآب". أيضًا لم يقل: "الآب وأنا هما أنا"، بل "أنا والآب واحد"، حتى لا نفصل بينهما دون أن نضع خلطًا في ابن الآب. إنهما واحد من جهة شرف وحدة اللاهوت، إذ ولد الله الله. هما واحد في ملكوتهما لأن الآب لا يملك على هؤلاء، والابن على أولئك، متكبرًا على أبيه كما فعل أبشالوم، إنما ملكوت الآب هو ملكوت الابن. إنهما واحد، إذ لا يوجد بينهما اختلاف ولا انقسام، بل ما يريده الآب يريده الابن. إنهما واحد، لأن أعمال الخلقة التي للمسيح ليست غير ما للآب، إنما خالق كل الأشياء هو واحد، خلقها الآب خلال الابن. وكما يقول المرتل: "هو قال فكانوا. هو أمر فخلقوا" (مز 33: 9، 5:148). تمايز بين الآب والابن لا انفصال 17. الابن هو الله بعينه Very God، له الآب فيه، دون أن يصير هو الآب، لأن الآب لم يتجسد بل الابن... الآب لم يتألم من أجلنا بل أرسل من يتألم... فليس بقصد تكريم الابن ندعوه "الآب"، ولا لتكريم الآب نتصور الابن أحد خلائقه. إنما هو آب واحد نعبده خلال ابن واحد دون أن نفصل العبادة بينهما. ليعلن عن الابن الواحد، جالسًا عن يمين الآب قبل كل الدهور في العرش ليس عن تقدم ناله في زمان بعد الآلام بل منذ الأزل. لا تفصلهما، ولا تصنع تشويشًا 18. "الذي رآني فقد رأى الآب" (يو 14: 9). لأنه في كل شيء الابن شبيه (واحد مع) من ولده. مولود حياة من حياة، نور من نور، قوة من قوة، إله من إله، وسمات اللاهوت غير متغيرة في الابن. من يتأهل للتطلع إلى ربوبية الابن ينعم بربوبية الآب. هذا الكلام ليس من عندي، بل هي كلمات الابن الوحيد القائل: "أنا معكم زمانًا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس؟ الذي رآني فقد رأى الآب". وباختصار لا تفصلهما، ولا تصنع تشويشًا. لا تقل قط إن الابن غريب عن الآب، ولا تقبل القائلين أن الآب في وقت ما هو الآب وفي وقت آخر هو الابن. فإن هذه العبارة غريبة وجاحدة وليست من تعاليم الكنيسة. لكن الآب بولادته الابن بقي الآب ولم يتغير، ولد الحكمة ولم يفقد الحكمة. ولد القوة دون أن يصير ضعيفًا. ولد الله ولم يخسر ربوبيته. لم يفقد شيئًا بالنقص أو التغير، ولا المولود ناقص في شيء. كامل هو الوالد، وكامل هو المولود. الله هو الوالد، الله هو المولود، الله من الله، ولكنه يُدعى الآب إلهه دون أن يخجل من القول: "اصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يو 20: 17). تفسير: "أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" 19. ولكن لئلا يُظن أنه من جانب ما هو أب للابن وللخليقة معًا صنع المسيح تميزًا كما يلي: إنه لم يقل: "اصعد إلى أبينا"، لئلا تصير الخليقة شريكة للابن الوحيد (على مستواه الطبيعي)، بل قال: "أبي وأبيكم" أي هو أبي بالطبيعة وأبوكم بالتبنّي. مرة أخرى يقول: "إلهي وإلهكم"، فمن ناحية هو إلهه بكونه ابنه الوحيد الحقيقي(12)، وبطريقة أخرى هو إلههم بكونهم عمل يديه... آمن أن الله له ابن، لكن ليس في تطفل (لإدراك هذا)، إذ بالبحث لا تبلغ شيئًا. لا تنتفخ لئلا تسقط. "لا تبحث عما يتجاوز قدرتك لكن ما أمرك الله به" (ابن سيراخ 3: 22)، ونص الآية هو: "لاَ تَطْلُبْ مَا يُعْيِيكَ نَيْلُهُ، وَلاَ تَبْحَثْ عَمَّا يَتَجَاوَزُ قُدْرَتَكَ، لكِنْ مَا أَمَرَكَ اللهُ بِهِ، فِيهِ تَأَمَّلْ" (سفر يشوع بن سيراخ 3: 22)... مخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل 20. يكفيك من أجل الصلاح أن تعرف، كما قلنا، إن الله له ابن واحد وحيد مولود طبيعيًا. الذي لم يبدأ وجوده عندما وُلد في بيت لحم، بل قبل كل الدهور. اسمع النبي ميخا يقول: "أما أنتِ يا بيت لحم أفراته، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنكِ يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (مي 5: 2). إذن لا تفكر في ذاك الذي هو خارج الآن من بيت لحم (ولا تحسبه حديثًا)، بل اعبده، إذ هو مولود من الآب أزليًا. لا تسمح لأحد أن يقول إن للابن بداية في زمان... أتريد أن تعرف أن ربنا يسوع المسيح هو ملك أزلي؟ اسمعه يقول: "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي، فرأى وتهلل" (يو 8: 56). وعندما استصعب اليهود قبول هذا، قال لهم إن هذا ليس بصعب، فإنه "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يو 8: 58). مرة أخرى يقول: "والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو 17: 5). قال بوضوح: "بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم". وأيضًا عندما قال "لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم" (يو 17: 24)، معلنًا أن مجده أزلي. خالق الكل 21. إذن نحن نؤمن بربنا يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من أبيه الله عينه قبل كل الدهور، الذي به كان كل شيء لأن "فيه خلق الكل... سواء كان عروشًا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين" (كو 1: 16). ولم تفلت خليقة ما من سلطانه. لتصمت كل هرطقة بخصوص الخالق 22. لتصمت كل هرطقة تنادى بآلهة مختلفة وصانعين للعالم. ليصمت كل لسان يجدف على المسيح ابن الله. ليصمت القائلون إن الشمس هي المسيح، وإنه شمس الخالق(13)... ليصمت القائلون إن العالم هو من عمل الملائكة لكي يلبسوا كرامة الابن الوحيد، إذ كل شيء، ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشًا أو رئاسات أو أي شيء هكذا يدعى إنما كان بالمسيح(14)... عمل الآب والابن في الخلق 23. لكن دعنا نسترجع اعترافنا بقانون الإيمان لننهي مقالنا. المسيح صنع كل الأشياء... لا بمعنى أن الآب تنقصه قوة لخلق أعماله إنما لأنه أراد أن يحكم الابن على أعماله، فأعطاه الله رسم الأمور المخلوقة، إذ يقول الابن مكرمًا أبيه: "لا يقدر الابن أن يعمل شيئًا إلا ما ينظر الآب يعمل. لأنه مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك" (يو 5: 19). وأيضًا: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو 5: 17). فلا يوجد تعارض في العمل إذ يقول الرب في الأناجيل: "كل ما هو لي فهو لك. وما هو لك فهو لي" (يو 17: 10). هذا نعلمه بالتأكيد من العهدين القديم والجديد، لأن الذي قال: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك 1: 26) بالتأكيد تكلم مع أقنوم معه. وأوضح من هذا كلمات المرتل: "هو قال فكانت، وهو أمر فخُلقت" (مز 148: 5). فكما لو أن الآب أمر وتكلم والابن صنع كل شيء كأمر الآب... يسوع المسيح خالق الكل بأمر الآب 24. إذن المسيح هو ابن الله الوحيد. خالق العالم لأنه "كان في العالم، والعالم به كونّ" و"إلى خاصته جاء" كما علمنا الإنجيل (يو 1: 10، 11). لقد خلق المسيح كأمر الآب ليس فقط الأشياء التي تُرى بل وما لا يُرى، إذ يقول الرسول: "فإن فيه خلق الكل ما في السماوات وما على الأرض ما يُرى وما لا يرى سواء كان عروشًا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خلق. الذي هو قبل كل شيء، وفيه يقوم الكل" (كو 1: 16، 17). حتى إن تحدثت عن العوالم، فإن يسوع المسيح أيضًا هو خالقها بأمر الآب، إذ "كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثًا لكي شيءٍ، الذي به أيضًا عمل العالمين" (عب 1: 2)، هذا الذي له المجد والإكرام والقدرة الآن وإلى أبد الأبد آمين. |
||||
11 - 11 - 2022, 06:05 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
تجسد وتأنس "ثم عاد الرب فكلم آحاز قائلًا: "اطلب لنفسك آية... ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل" (إش 7: 10-14). 1. بشفاهٍ مملوءة طهرًا، وبفكرٍ عفيفٍ ننشد تسبيحنا للإله ابن البتول. لنستحق أن ننال الشركة في جسد الحمَل الروحي: لنشترك في الرأس مع القدمين(16)، مدركين أن الرأس هو لاهوت المسيح والقدمان تعنيان ناسوته. لنصغ أيها المستمعون إلى الأناجيل المقدسة، إلى يوحنا اللاهوتي، إذ يقول: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله" (يو 1: 1.)، ويكمل قائلًا: "والكلمة صار جسدًا". لأنه ليس حسنًا أن نتعبد لإنسان عادي، ولا أن نقول إن المسيح إله فقط ناكرين ناسوته. لأنه إن كان المسيح هو الله فهذا حق، لكن إن قلنا إنه لم يأخذ الطبيعة البشرية يصير الخلاص غريبًا عنا. إذن لنتعبد له بكونه إله مؤمنين بتأنسه، لأنه لا نفع من القول عنه إنه إنسان وليس الله، أو أي خلاص لنا إن رفضنا الاعتراف ببشريته مع ألوهيته. لنعترف بحضوره إذ هو ملك وطبيب. لأن يسوع الملك، إذ صار طبيبًا، اتزر بكتان ناسوتنا، وشفى من كان مريضًا. المعلم الكامل للرُضع، صار رضيعًا بينهم (رو 2: 20)، لكي يعطى حكمة للجهلاء. خبز السماء نزل إلى الأرض لكي يُطعم الجياع! 2. لكن أولاد اليهود الذين لم يبالوا بالذي جاء، متطلعين إليه كبشرٍ، احتقروا المسيح الحقيقي وانتظروا المخادع فخدعوا أنفسهم. يقول المخلص الحقيقي: "أنا أتيت باسم أبي ولستم تقبلونني. إن أتى آخر باسم نفسه تقبلونه" (يو 5: 43). حسنًا! لنسأل اليهود: هل كان النبي إشعياء الذي قال إن عمانوئيل يولد من عذراء صادق أم كاذب؟ فإن وسموه بالكذب فلا تعجب، لأنهم قد اعتادوا لا أن يزيفوا الأقوال فحسب، بل ويرجموا الأنبياء. أما إن قالوا إنه صادق، فأشر إلى عمانوئيل وقل: هل الذي يأتي وتقبلونه يكون مولودًا من عذراء أم لا؟! فإن قلتم إنه لا يولد من عذراء تتهمون النبي بالكذب، وأمّا إن كنتم تتوقعون فيه هذا، فلماذا رفضتم من جاء فعلًا؟! 3. ليضل اليهود إذ هم أرادوا هذا، ولتتمجد الكنيسة. فقد قبلنا الرب الكلمة الذي صار إنسانًا حقيقيًا، وهو لم يأتِ عن مشيئة رجل وامرأة كما يدعى الهراطقة، بل من العذراء والروح القدس. ويقول الإنجيل إنه "صار جسدًا" حقيقيًا وليس خيالًا. أما عن كونه إنسانًا حقيقيًا من عذراء ففي الوقت المناسب أقدم الأدلة في هذا المقال إذ أخطاء الهراطقة متعددة. فالبعض يدعي أنه لم يُولد من عذراء قط. والبعض يدعي أنه وُلد ليس من عذراء بل من امرأة تقطن مع زوج. وآخرون ادعوا أن المسيح ليس إلهًا متأنسًا، بل إنسان متأله، فيقولون إنه ليس "الكلمة الأزلي" قد صار جسدًا بل إنسان تقدم فنال إكليلًا. 4. آمن أنه ابن الله الوحيد، هو هو بنفسه الذي عاد فولد من العذراء. صدق يوحنا الإنجيلي القائل: "والكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا". ذلك لأن الكلمة أبدي، مولود من الآب قبل كل الدهور، وقد أخذ حديثًا جسدًا من أجلنا. كثيرون يعترضون متشككين، قائلين: ما هو السبب العظيم الذي يدعو أن يصير الله إنسانًا! وأن تكون للطبيعة الإلهية علاقات مع البشرية! هل يمكن لعذراء أن تحبل بدون رجلٍ! ولما كانت الاعتراضات كثيرة، والمعركة متعددة الجوانب، لهذا فإنني أجيب على كل سؤال بنعمة المسيح وصلوات الحاضرين. 5. دعنا أولًا نبحث عن سبب مجيء المسيح. لا تبالِ ببراهين من عندي كي لا تضل الطريق، بل إن لم تتقبل شهادة الأنبياء فلا تصدقني. ما لم تتعلم من الكتاب المقدس بخصوص البتول وعن مكان الميلاد وزمانه وطريقته، فلا تقبل شهادة إنسان (يو 5: 34). لأن تعليم إنسان قد يؤدى إلى الشك، لكن كيف يشك أحد في نبوات أعلنت منذ حوالي ألف سنة ونيف؟! إن أردت أن تعرف عن سبب مجيء المسيح ارجع إلى أول أسفار الكتاب المقدس. في ستة أيام صنع الله العالم. بَيد أن العالم كان من أجل الإنسان، الشمس تبرق بضيائها لكي تنير له، وكل الخليقة وُجدت من أجل خدمتنا. العشب والشجر لكي نستمتع به. كل أعمال الخليقة صالحة، لكن لم يُخلق على صورة الله سوى الإنسان وحده. الشمس وُجدت بمجرد أمر، أما الإنسان فإنه عمل يديّ الله، إذ قال "لنعمل الإنسان على صورتنا ومثالنا". إن كانت قطعة خشب منحوتة على صورة ملك تنال شرفًا، فكم بالحري صورة الله العاقلة؟! لكن إذ وُضع هذا المخلوق العظيم في الفردوس سرعان ما طرده حسد إبليس. ابتهج العدو بسقوطه، فهل يُترك العدو مستمرًا في بهجته؟! هذا العدو الذي لم يجسر أن يتكلم مع الرجل بقوته فاستضعف حواء التي كانت لا تزال عذراء، إذ عرف آدم حواء امرأته بعد الطرد من الفردوس. 6. جاء قايين وهابيل في الجيل الثاني للبشرية، وكان قايين القاتل الأول. وبعد ذلك غمرت آثام البشر الأرض. فنزلت نار من السماء على شعب سدوم بسبب تعدياتهم. وبعد زمن اختار الله شعب إسرائيل، لكن إسرائيل حاد عن الطريق، وصار الشعب المختار جريحًا. إذ بينما كان موسى يقف أمام الله على الجبل إذا بالشعب يعبد ثورًا عوض الرب. وفي أثناء حياة موسى مستلم الشريعة القائل "لا تزن"، تجاسر الإنسان ودخل أماكن الخلاعة مرتكبًا الإثم. وبعد موسى جاء الأنبياء لشفاء إسرائيل، وإذ بهم يولولون ويندبون عدم قدرتهم على التغلب على الأمراض حتى قال فيهم أحدهم" ويل لي... لأنه قد باد التقي من الأرض وليس مستقيم بين الناس" (مي 7: 2). وأيضًا "الكل قد زاغوا وفسدوا ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد" (مز 14: 3؛ رو 3: 12). وأيضًا "لعن وسرقة وفسق وقتل غمر الأرض" (هو 4: 2)... "كانوا يقدسون أولادهم وبناتهم قرابين للشياطين فاستخدموا السحر والجان" (2 أي 31: 6). وأيضًا "يتمدّدون على ثياب مرهونة بجانب كل مذبحٍ، ويشربون خمر المغرمين في بيت إلههم"(17). 7. ما أعمق جرح الطبيعة البشرية "من القدم إلى الرأس. ليس فيه صحة، ليس من يقدر أن يستخدم دهنًا أو زيتًا أو عصائب" (راجع إش 1: 6). لذلك ولول الأنبياء قائلين: "هل من صهيون خلاص إسرائيل؟!"(18)... كما يتضرع أحد الأنبياء فيقول: "يا رب طأطئ سماواتك وانزل" (مز 144: 5). إن جروح الطبيعة البشرية لا تلتئم. "نقضوا مذابحك، وقتلوا أنبياءك" (1 مل 19: 10)، وصرنا عاجزين عن إصلاح الشر، محتاجين إليك لتصلحه. 8. سمع الرب صلوات الأنبياء واهتم الآب ألاّ يهلك جنسنا، فأرسل ابنه من السماء كشافٍ. يقول أحد الأنبياء: "يأتي بغتة السيد الذي تطلبونه" (مل 3: 1) إلى أين؟ "إلى هيكله"! يقول نبي آخر عند سماعه هذا: "على جبلٍ عالٍ اصعدي يا مبشرة صهيون... قولي لمدن يهوذا". ماذا أقول؟ "هوذا إلهك. هوذا السيد الرب بقوة يأتي" (إش 40: 9، 10). والرب نفسه يقول: "هأنذا آتي وأسكن في وسطكم" (زك 2: 10). لكن الإسرائيليين رفضوا الخلاص، لهذا "جئت لأجمع كل الأمم والألسنة" (إش 66: 18). إذ "جاء إلى خاصته، وخاصته لم تقبله" (يو 1: 2). إنك تجيء، فماذا تهب الأمم؟ "جئت لأجمع كل الأمم والألسنة وأجعل فيهم آية" (إش 66: 19). لأنه متى علقت على الصليب أعطي جميع جنودي ختمًا على جباههم. يقول نبي آخر "طأطأ السماوات ونزل، (ضباب) تحت رجليه" (مز 18: 9)، لأن نزوله من السماء لم يكن معروفًا من البشر. 9. إذ يسمع سليمان أباه داود ينطق بهذه الأمور، ويبني بيتًا عجيبًا، في دهشة يتساءل: هل يسكن الله حقًا على الأرض مع الإنسان؟! (1 مل 8: 27) بلى، يجيب داود متنبأ في المزمور المنسوب لسليمان "ينزل مثل المطر على الجزة" (مز 71: 5). "مثل المطر" لطبيعته السمائية، و"على الجزة" لناسوته. ولأن المطر ينزل على الجزاز بغير ضوضاء. لهذا فإن المجوس وهم لا يدركون سرّ الميلاد يتساءلون: أين هو المولود ملك اليهود؟ وإذ سمع هيرودس ذلك اضطرب، وأراد أن يعرف من هو هذا المولود فسأل: أين يولد المسيح؟! 10. لكن من هذا الذي ينزل؟ "إنه يدوم مع الشمس، وقبل القمر بأجيال الأجيال" (مز 71: 4). ويقول نبي آخر: "ابتهجي جدًا يا ابنة صهيون. اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك عادل ومعه الخلاص" (زك 9: 9). ما أكثر الملوك، فعن من تتكلم أيها النبي؟ لتعطنا علامة ينفرد بها عن باقي الملوك. إن قلت إنه مكسو بالأرجوان لا يكون فريدًا، وإن قلت إنه محاط بحاملي السلاح، أو يجلس على مركبة ذهبية، فإن هذا يتميز به باقي الملوك. إذا فلتعطنا علامة ينفرد بها ذلك الملك الآتي، الذي تخبرنا عنه؟ يجيب النبي "هوذا ملكك يأتي إليك، عادل ومعه الخلاص وديع وراكب على جحش ابن أتان" وليس على مركبة. إنه يسوع الوحيد بين الملوك، يجلس على أتان بغير سرج، ويدخل أورشليم بحفاوة كملك. وعندما يأتي هذا الملك ماذا يفعل؟ "وأنت أيضًا فإني بدم عهدك قد أطلقت أسراكِ من الجيب الذي ليس له ماء" (زك 9: 11). 11. لكن ربما حدث هذا مصادفة أن الملك ركب أتانا؟ أعطنا علامة أخرى. أين يحل هذا الملك! ولتكن هذه العلامة داخل المدينة ذاتها، ولتكن العلامة معلومة لدينا، ولتكن واضحة أمام عيوننا حتى نتعرف عليها؟ يجيب النبي: "وقفت قدماه في ذلك اليوم على جبل الزيتون الذي قدام أورشليم من الشرق" (زك 14: 4). هل يصعب على أي إنسان في داخل المدينة أن يتطلع إلى الموضع؟! 12. لدينا علامتان ونريد أن نعرف علامة ثالثة. أخبرنا ماذا يفعل الرب عند مجيئه؟ يقول نبي آخر "هوذا إلهنا يأتي ويخلصنا حينئذ تنفتح عيون العمي، وتسمع آذان الصم، حينئذ يقفز الأعرج كالإيل، ويترنم لسان الأخرس" (إش 35: 4-6). لنأخذ شهادة أخرى. إنك تقول أيها النبي أنه سيأتي ويعمل ما لم يعمله آخر، وماذا أيضًا!" الرب يدخل في المحاكمة مع شيوخ شعبه ورؤسائهم" (إش 3: 14). يا لها من علامة جديرة بالأهمية. فإن السيد حاكمه خدامه الشيوخ وخضع لهم! 13. هذه الأمور قرأها اليهود ولكنهم لم يعوها، إذ سدوا آذان قلوبهم كي لا تسمع. أما نحن فلنؤمن بيسوع المسيح أنه جاء في الجسد وتأنس، لأننا لا نقدر أن نقبله بغير ذلك فإن لم يكن في استطاعتنا أن نتطلع إليه كما هو، ولا نتمتع به، صار واحدًا منا حتى نتمتع به. لأنه إن كنا لا نستطيع أن نمعن النظر تمامًا في الشمس المخلوقة في اليوم الرابع فكيف نستطيع إمعان النظر في الله خالقها؟! لقد نزل الرب في لهيب نار على جبل سيناء، فلم يستطع الشعب أن يتحملوا ذلك، وطلبوا من موسى: تكلم أنت معنا ونحن نسمع، "ولا تجعل الله يكلمنا لئلا نموت" (خر 20: 19). "لأنه من هو من البشر الذي سمع صوت الله الحي يتكلم من وسط النار مثلنا وعاش" (تث 5: 6). فإن كان سماع صوت الله يُميت أفلا تدفع رؤية الله إلى الموت؟! وأي عجب، فإن موسى نفسه يقول: "أنا مرتعد ومرتعب" (عب 12: 21). 14. ماذا تريد إذن! الذي جاء إلى خلاصنا يصير خادم هلاك، لأن الناس لا يحتمّلونه! أو يحد نعمته لقياسنا! دانيال لم يحتمل رؤية ملاك، فهل تقدر أنت أن تحتمل رؤية رب الملائكة؟ عندما ظهر جبرائيل سقط دانيال. في أية طبيعة أو مظهر ظهر؟ لقد كان على شكل نور (دا 5: 6). لكن ليس كالشمس. عيناه مثل مصباح نور، لكنهما ليسا كشعلة لهيب. صوته كصوت جمهور، لكن ليس كصوت اثني عشر ربوة من الملائكة، ومع ذلك سقط النبي فجاءه الملاك قائلًا: "لا تخف يا دانيال، قم وتشجع فقد سمعت كلماتك". قال دانيال: "قد وقفت مرتعدًا"، بل حتى هذه الكلمات لم ينطق بها إلى أن لمسته يد تشبه اليد البشرية، ولما تحوّل ذاك الذي ظهر له إلى صورة إنسان عندئذ تكلم دانيال. ماذا قال؟ يا سيدي، بالرؤيا "انقلبت عليّ أوجاعي لم تثبت فيّ قوة، ولم تبقَ فيّ نسمة" (دا 10: 16، 17). إن كان مجرد ظهور ملاك لنبي لم يبقِ فيه صورة ولا قوة، فهل ظهور الله بنفسه سيبقي له نسمة؟! يقول الكتاب المقدس: "فعاد ولمسني كمنظر إنسان" وإلى أن لمسني الملاك لم تلازم الشجاعة دانيال قط. هكذا رأى الرب أنه لكي يمكن للإنسان أن يسمع له يتعين له أن يكون في طلعة الإنسان وملامحه، لذلك أخذ المخلص الطبيعة البشرية بانفعالاتها حتى يمكن أن يرشد بأكثر سهولة. 15. لنتعلم أيضًا عله أخرى. جاء المسيح ليعتمد ويقدس العماد. جاء لكي يصنع عجائب ويسير على مياه البحر. فإن كان قبل ظهوره في الجسد "البحر رآه فهرب... الأردن رجع إلى الخلف" (مز 114: 3)، أخذ المخلص جسدًا لكي يقدر البحر علي رؤياه ويستقبله الأردن بلا خوف. هذا سبب لمجيئه، هناك سبب آخر: وهو أنه خلال حواء العذراء سار الموت وخلال العذراء تصير الحياة. وكما أغوت الحيّة القديمة العذراء الأولى، جُعل جبرائيل البشارة الطيبة للثانية. هجرت البشرية الرب وتخلت عنه وسجدت لصور بشرية منحوته، عبدت صورة الإنسان باطلًا على أنه الله، فصار الله إنسانًا حقيقيًا حتى ينزع الزيف بعيدًا. استخدام إبليس الجسد كسلاح ضدنا، وقد عرف بولس ذلك فقال: "أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني..." (رو 7: 23)، وبنفس الأسلحة التي أراد إبليس أن يهزمنا بها خلّصنا الرب. أخذ الرب شبهنا حتى يخلص البشر. أخذ مالنا حتى يهبنا نعمة أعظم تنقصنا، فتصير البشرية الآثمة مشاركة "فحيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًا" (رو 5: 20). لاق بالرب أن يتألم لأجلنا، لكن لو عرفه إبليس لما تجاسر أن يقترب إليه. "لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1 كو 2: 8). لذلك صار جسده طُعمًا للموت، وإذ صار موضع أمل للوحش أن يقبض على المخلص، قبض المخلص عليه. لأنه "يَبْلَعُ الموت إلى الأبد، ويمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه" (إش 25: 8). 16. هل معتقداتنا مجرد عبارات منمقة وادعاءات بشرية؟ أليس الكتاب المقدس ونبوات الأنبياء هي لخلاصنا؟ لهذا اطلب إليك أن تحفظ هذه الوديعة بغير عيب ولا يثنيك أحد عنها. آمن أن الله صار إنسانًا. إن كان من السهل إمكانية أن يصير الله إنسانًا، إلاّ أن اليهود لا يزالون غير مؤمنين. لهذا نسوق لهم هذا القول: أي غرابة في القول إن الرب تأنس وأنتم تقولون أن إبراهيم استقبل الرب كضيفٍ؟ (تك 10: 1) أي غرابة فيما نقول إن كنتم تقولون إن يعقوب صارع مع الرب وجهًا لوجه (تك 32: 30)... الرب الذي أكل مع إبراهيم أكل معنا... 17.... يقول موسى النبي "نبيًا مثلي سيُقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم له تسمعون" (تث 18: 15؛ أع 7: 37). لنترك الآن كلمة "مثلي" إلى حين لبحثها في موضعها. ولكن متى يأتي هذا النبي المنتظر؟ انظر ما كتبه وابحث بتدقيق نبوة يعقوب الموجهة إلى يهوذا: "إياك يحمدك إخوتك". ثم يقول: "لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون، وله يكون خضوع (ويكون منتظرًا من الشعوب)" (تك 49: 8، 10)، لا من اليهود. بهذا أعطى علامة لمجيء المسيح هو انقطاع الحكم من اليهود. فلو لم يكونوا تحت حكم الرومان لما كان المسيح قد جاء بعد. لو كان لليهود ملك من يهوذا من نسل داود لما جاء المسيح بعد... إنه المنتظر من جميع الشعوب. وما هي علامته؟ "رابطًا بالكرمة جحشه" (تك 49: 11). لاحظ الجحش الذي يعلنه زكريا بصراحة. 18. إذن نبحث بأكثر تدقيق عن شهادة خاصة بزمان مجيئه، إذ يصعب إقناع الشخص ما لم يُقدم له حساب دقيق للزمان بالسنوات. فما هو وقت وحال زمان مجيئه؟ إنه في زمان انحلال ملوك يهوذا وسقوطهم، حيث بلغ هيرودس الأجنبي المُلك. لهذا قال الملاك الذي خاطب دانيال... "فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبناءها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعًا" (دا 9: 25). والتسعة والستون أسبوعًا يحملون 483 سنة (69×7). فكأنه يقول أنه بعد بناء أورشليم بـ483 سنة حيث يسقط الحكام، ويأتي عوضًا عنهم ملك من جنس آخر من زمان يولد المسيح. وقد بني داريوس المادى Mede (دا 5: 31) المدينة في السنة السادسة من حكمه، والسنة الأولى من الأولمبي (Olympiad) الـ66 طبقًا للإغريق. والأولمبي هي كلمة إغريقية معناها احتفالات للألعاب، تقام كل 4 سنوات، وذلك بسبب اليوم الذي فيه تؤدى دورة الشمس إلى 3 ساعات إضافيا... أما هيرودس فهو الملك الذي تولى الحكم في الأولمبي الـ186 في السنة الرابعة منه. فمن الأولمبي الـ66 إلى الأولمبي 186 يكون هنا 120 أولمبي أي 480 سنة، وبإضافة 3 سنوات ربما الفترة ما بين السنة الأولى والرابعة للأولمبي يكون عدد السنوات 483. وبهذا يكون لديك شهادة طبقًا لقول الكتاب المقدس "إنه من خروج الأمر..." 20. لنصغِ الآن إلى مكان الموعد، إذ يقول ميخا: "وأما أنتِ يا بيت لحم أفراته وأنت صغيرة وأن تكوني بين ألوف يهوذا..." (مى 5: 2)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. وإذ أنت ساكن في أورشليم تعرف ما جاء في المزمور 131: "هوذا قد سمعنا به في أفراته ووجدناه في موضع الغابة"، إذ من سنين قليلة كانت المنطقة مشجرة (غابة). 21. لنسأل أكثر من هذا: ممن يأتي؟ وبأية كيفية؟ يخبرنا إشعياء النبي بهذا "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعون اسمه عمانوئيل" (إش 7: 14). وهنا يتعثر اليهود الذين هم منذ القدم يقاومون الحق فإنهم يقولون إنه لم يكتب "عذراء" بل "فتاة". لنتمشى مع اليهود فإننا نصل إلى الحق. لنسألهم: إن أُكرهت فتاة فصرخت طالبة النجدة، هل يكون ذلك قبل الاعتداء أم بعده؟ فإنه يقول الكتاب المقدس في موضع آخر "الفتاة المخطوبة صرخت فلم يكن من يخلصها" (تث 22: 27). أم يتكلم هنا عن عذراء؟! ولكن ما يجب أن تعرفه بوضوح أن العذراء تدعى في الكتاب المقدس فتاة، إذ يتحدث عن ابيشج الشونمية "كانت الفتاة جميلة جدًا" من أجل هذا اختيرت وقد صارت موضع إعجاب داود. 22. لكن اليهود يقولون إن هذا قيل لآحاز مشيرًا إلى حزقيا. حسنا لنقرأ الكتاب المقدس، ماذا يقول؟ "اطلب من الرب إلهك آية في العمق وفي العلو" (راجع إش 7: 11). والآية بكل تأكيد يجب أن تكون عجيبة مثل خروج المياه من الصخرة أو انشقاق البحر أو رجوع الشمس إلى الوراء، وما أشبه ذلك، لكن ما أشير إليه بأكثر وضوح لدحض اليهود أن إشعياء هذا كان في أيام آحاز. وآحاز ملك فقط 16 سنة. فإن كان النبي يتنبأ خلال هذه المدة فإن دعوى اليهود تبطل أنه يقصد الملك الذي جاء بعده حزقيا بن آحاز، إذ كان عمرة 25 عامًا يوم تولية الحكم. فإذ كانت النبوة خلال 16 عامًا فإنه من المفروض أن يكون حزقيا قد ولد بالغًا من العمر تسعة سنوات (على الأقل) قبل النبوة. فما الحاجة إلى النبوة عن شخص ولد فعلًا حتى قبل أن يملك أباه آحاز، فإن النبي لم يقل "حبلت" بل "ها العذراء تحبل" متحدثًا عن أمور ستحدث. 23. عرفنا أن الرب يولد من عذراء، بقي لنا أن نعرف عائلة هذه العذراء. "أقسم الرب لداود بالحق ولن يندم، من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك". وأيضًا "وأجعل إلى الأبد نسله وكرسيه مثل أيام السماوات". وأيضًا "حلفت بقدسي إني لا أكذب لداود. فله إلى الدهر يكون وكرسيه كالشمس والقمر أمامي" (مز 132: 11؛ مز 89: 29؛ مز 89: 35). ها أنت ترى الحديث عن المسيح لا سليمان، لأن عرش سليمان لا يبقي كالشمس. أما إن أنكر أحد قائلًا: إن المسيح لم يجلس على كرسي داود المادي، فإننا نقدم له هذا القول "على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيّون" (مت 23: 2)، فهم لم يجلسوا على كرسي خشبي، بل صارت لهم سلطة التعليم، هكذا لا تنظر إلى كرسي داود أنه كرسي خشبي، بل المُلك نفسه. أيضًا خذوا الأطفال كشهودٍ،ٍ إذ يصرخون: "أوصنا يا ابن داود. مبارك (الآتي) ملك إسرائيل" (مت 21: 9؛ يو 12: 13). كذلك الأعميان قالا: "ارحمنا يا ابن داود" (مت 20: 30). وقد شهد جبرائيل لمريم بصراحة قائلًا: "يعطيه كرسي داود أبيه" (لو 1: 32). وأيضًا يقول بولس: "اذكر يسوع المسيح المقام من الأموات من نسل داود بحسب إنجيلي" (2 تي 2: 8). وفي بداية الرسالة إلى أهل روميه يقول: "الذي صار من نسل داود من جهة الجسد" (رو 1: 3). اقبل المولود ابن داود آمن بالنبوة القائلة: "ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى داود القائم يحكم الشعوب وفيه تثق الشعوب" (راجع إش 11: 10؛ رو 15: 12). 24. لكن يضطرب اليهود كثيرًا بسبب هذه الأمور. لقد سبق إشعياء فعرفها، قائلًا: "لأنه يكون مأكلًا للنار، لأنه يولد لنا (وليس لهم) ولد ونعطى ابنًا" (إش 9: 5)، لاحظ أنه أولًا ابن الله ثم يعطى لنا. بعد هذا بقليل يقول "سلامه بلا حدود". مملكة الرومان محدودة، أمّا مملكة المسيح ابن الله فبلا حدود. دولة فارس ومادي لها حدود، أما ابن الله فمملكته بلا حدود. ثم يكمل قائلًا: إنه علي كرسي داود يجلس، وعلى مملكته يديرها. لذلك فإن العذراء هي من نسل داود. 25. يليق بكلي الطهارة ومعلمها أن يتجسد في أحشاء عروس الطهارة. إن كان كاهن المسيح في الخدمة يمتنع عن المضجع، فكيف يولد المسيح من امرأة ورجل؟! إنه يقول بنفسه في المزمور "أخرجتني من الرحم" (مز 22: 1)، مظهرًا أنه مولود بغير زرع رجل، إنما يحمل الجسد عن عذراء، الأمر الذي يختلف عن المولودين من زرع بشري. 26. إذ أخذ الرب جسدًا لم يخجل منه إذ هو مكوّن الأجساد. لكن من الذي أخبرنا بهذا؟ يقول الرب لإرميا: "قبلما صورتك في البطن عرفتك. وقبلما خرجت من الرحم قدستك" (إر 1: 5). فإن كان لم يخجل من خِلْقَة جسد الإنسان، أفيخجل من الجسد الذي أخفي فيه لاهوته. الذي يخلق الأطفال في الأحشاء كما كتب أيوب: "ألم تَصُبَّني كاللبن وَخَثَّرتني كالجبن، كَسَوتَني جِلدًا ولَحمًا فَنَسَجْتَني بِعِظامٍ وعصب؟!" (أي 10: 10، 11) ليس شيء نجسًا في هيكل الإنسان بل هو يفسده بالزنى والدعارة. الذي خلق آدم خلق حواء أيضًا، فإن يد الله هي التي خلقت الرجل والمرأة. ليس عضو من الأعضاء التي خلقها منذ البدء نجسًا. ليصمت جميع الهراطقة الذين يهينون أجسادهم ويغتابون صناعها. لنذكر قول بولس "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم؟!" (1 كو 6: 19). أيضًا سبق النبي فتكلم عن شخص يسوع فقال: "جسدي مأخوذ منهم" (راجع هو 9: 12 LXX). كتب في موضع آخر: "لذلك يسلمهم إلى حين تكون ولدت والدة" (مى 5: 3). وما هي العلامة؟ إنه يخبرنا بعد ذلك فيقول: "تلد ثم ترجع بقية إخوته". وماذا عن العروس القديسة العذراء؟ "أخطبك لنفسي بالأمانة فتعرفين الرب" (هو 2: 20). لذلك عندما تكلمت أليصابات مع مريم قالت لها "طوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب" (لو 1: 45). 27. لكن كلًا من اليهود واليونانيين يزعجوننا قائلين: إنه من المستحيل أن يولد المسيح من عذراء. أما بالنسبة لليونانيين، فإننا نخرس ألسنتهم من أساطيرهم. يا من تقولون إن الحجارة صارت بشرًا، كيف تستبعدون إمكانية ولادة المسيح من العذراء. يا من تعتقدون أن فتاة ولدت من عظام كيف لا تقدرون أن تصدقوا أن المسيح يولد من أحشاء عذراء. يا من تعتقدون باطلًا أن ديونيسيوس ولد من فخذ زيوس كيف تستبعدون الحق. إنني أعلم أن ما انطق به الآن هي أمور يستخف بها الحاضرون، لكنني أذكرها لكي توبخوا اليونانيين في حينه، تجيبونهم من أساطيرهم. 28. أما أهل الختان فإننا نواجههم بهذا السؤال: أيهما أصعب، أن تلد عاقر وفي سن الشيخوخة أم أن تحبل صبية عذراء؟! سارة كانت عاقرًا وانقطعت عن أن يكون لها كعادة النساء، لكن على خلاف الطبيعة ولدت طفلًا. فإن ولدت عاقر طفلًا، فليس غريبًا أن تحبل عذراء. فإمّا أن تقبل الاثنين أو ترفضهما. لأن الله ذاته الذي جعل العاقر تلد هو الذي جعل العذراء تحبل. لا تقدر إن تقول إن الله قادر في الحالة الأولى وغير قادر في الحالة الثانية. أيضًا كيف يمكن لذراع إنسان أن تتحول في ساعة معينة إلى صورة أخرى ثم تشفى مرة ثانية؟! كيف يمكن أن تصير يد موسى بيضاء كالثلج ثم تعود لطبيعتها مرة أخرى؟! إنك تقول إنها إرادة الله صنعت هذا. فهل في هذه الحالة إرادة الله قادرة، وفي الحالة الأخرى إرادة الله بلا قوة؟! خاصة وأنه في حالة موسى كانت الآية للمصريين وحدهم، أما في حالة العذراء فهي للعالم كله. أيهما أصعب أيها اليهود، أن تلد عذراء، أم أن تصير العصا الجماد مخلوقًا حيًا؟! إنكم تقولون إن عصا موسى صارت حيَّة، وقد هرب منها ليس خوفًا، لكن لأنها صارت حيَّة. العصا أخرجت عيون وأسنان كالحية، فهل إرادة الله تُخرج من العصا عينين، ولا يمكن أن يولد طفل من عذراء؟! إنني لم أقل شيئًا عن عصا هارون التي أثمرت في ليلة، الأمر الذي ما كان يمكن أن يتم مع الشجر إلاّ خلال سنين. من لا يعرف أن الغصن متى فقد حياته لا يعود يفرخ حتى وإن زرع في مجاري الأنهار؟! لكن الله الذي لا يعتمد على طبيعة الأشجار بل هو خالق هذه الطبيعة جعل العصا الجافة التي بلا أوراق أو ثمار أن تزهر وتثمر. فإن كان الرب من أجل رئيس الكهنة أعطى ثمرًا بطريقة معجزية، أفلا يقدر من أجل رئيس الكهنة الأعظم أن يجعل العذراء تلد ابنًا؟! 29. هذه أدلة قوية، لكن اليهود يرفضونها ولا يريدون الخضوع للشهادات الخاصة بالعصا ما لم يروا ميلاديات عجيبة وفريدة. اسألهم: من الذي ولد حواء؟ أي أم ولدت من هي بلا أم؟ الكتاب المقدس يقول إنها وُلدت من جنب آدم. فهل ولدت حواء بدون أم من جنب وكثير أن يُولد طفل بلا أب من أحشاء عذراء؟ لهذا كان على جنس المرأة دين إزاء الرجل... لذا دفعت مريم هذا الدين، وردت هذا الجميل عندما حبلت ليس برجلٍ بل وحدها حين حبلت بالروح القدس بطريقة سرية بقوة الله(19). 30. لننظر عظمة هذا: إنه لأمر عجيب أن تولد الأجسام من أجسام أخرى. وإن كان هذا الأمر عجيبًا لكنه ممكن، لكن العجب كل العجب أن يتحول التراب إلى إنسان له عيون وعظام وهيكل ورئتان يتنفس ويتحرك ويتكلم ويملك. أيها الأغبياء كيف خُلق آدم؟ ألم يأخذ الله حفنة من التراب؟!... العجب كل العجب أن تنشأ الأنسجة والعيون الرائعة من طين لا شكل له، وأن تنتج العظام الصُلبة والرئات الرقيقة، ومختلف الأعضاء الأخرى من التراب ذاته... أيها اليهود الأغبياء، من أين أتى آدم؟ أليس الله الذي أخذ من تراب الأرض ورسم هذا الشكل العجيب؟ (تك 2: 7)، إن كان الطين تحوَّل إلى عين، ألا تستطيع العذراء أن تلد ابنًا...؟ 31. أخيرًا دعنا نرد على القائلين إنه ولد من رجل وامرأة، من يوسف ومريم قائلين إنه ذكر في الكتاب المقدس "يوسف أخذ امرأته" (مت 1: 24). لنرى ماذا قال يعقوب قبل أن يستلم راحيل "أعطني زوجتي" (تك 29: 21). لأنه حتى قبل الارتباط، لكن بمجرد الوعد صار يعقوب يطلق عليها "زوجته". كذلك مريم إذ كانت مخطوبة دُعيت زوجة يوسف. لاحظ قول الكتاب المقدس: "في الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك إلى عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف" (لو 1: 26). كما يقول صعد يوسف من الجليل ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى" (لو 2: 54)، إذ حتى وهي حبلى بولد دُعيت زوجته "المخطوبة". وكما يقول بولس الرسل: "أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة" (غل4: 4)، فقط وليس من رجل وامرأة. 32. لا تعجب أيها الحبيب، فالعذراء سبق أن تعجبت قائلة لجبرائيل: "لست أعرف رجلًا". فقال لها الملاك: "الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، ولهذا فالمولود منك يُدعى ابن الله" (لو 1: 34، 35). لقد كانت ولادة طاهرة وبلا دنس، لأنه حيث يحل الروح القدس يزول كل دنسٍ. ولادة ابن الله الوحيد بالجسد من عذراء ولادة بلا دنس. إن اعترض الهراطقة على هذه الحقيقة فسيلومهم الروح القدس، وتغضب عليهم قوة العليّ، ويثور عليهم جبرائيل في يوم الدين. وسيفحمهم مكان المزود الذي تقبَّل الرب، وسيشهد ضدهم الرعاة الذين بشروا بالفرح العظيم، وأيضًا جيش الملائكة الذين سبحوا الله، قائلين: "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة" (لو 2: 24). سيشهد عليهم الهيكل الذي حُمل إليه في اليوم الأربعين، وزوجا اليمام اللذان قُرِّبا مكانه، وسمعان الذي حمله على ذراعيه، وحِنة النبية التي حضرت تلك الساعة. 33. إذن، ليشهد الله، ويشهد الروح القدس، وسيقول المسيح: "الآن تطلبون أن تقتلوني، وأنا إنسانٌ قد كلَّمكم بالحق" (يو 8: 40). إذن، ليصمت الهراطقة الذين يعارضون في طبيعته البشرية، لأنهم يناقضون القائل: "جسُّوني واُنظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي" (لو 24: 39). فليُسجد للرب المولود من العذراء، ولتعترف العذارى بإكليل جماعتهن، ولتعترف طغمة المتوحدين بمجد العفة، فإننا لم نُحرم من كرامة العفة. لقد مكث المخلص تسعة أشهر في أحشاء العذراء؛ وأصبح الرب رجلًا في الثالثة والثلاثين من عمره، بحيث إنه إذا كانت العذراء تفتخر بحملها إياه تسعة شهور، فإننا قد حظينا به لسنوات كثيرة. 34. لنسرع جميعًا بنعمة الله إلى سباق الطهارة، شبابًا وعذارى، شيوخًا وأطفالًا (مز 148: 12). لنسبح اسم المسيح بعيدين عن الشراهة، ولا ننكر مجد العفة. إنها إكليل ملائكي، وفضيلة تسمو بالإنسان. لنوقر أجسامنا التي يلزم أن تضيء كالشمس (مت 13: 3). ولا ندنس هذا الجسم العظيم من أجل لذةٍ طفيفة؛ فالخطية زائلة تدوم لساعةٍ. أما العار فجسيم يدوم إلى الأبد. الذين يمارسون العفة هم ملائكة سالكون على الأرض. وللعذارى نصيب مع مريم العذراء. لنبتعد عن كل تبرُّج، وكل نظرةٍ شريرة]، وكل حديثٍ باطلٍ، وكل زينةٍ وعطر مثير للأهواء. ليقتصر عطرنا على راحة صلاتنا الذكية، وممارسة أعمال الخير، وتقديس الأجسام. حتى يتسنى للرب المولود من العذراء أن يقول عنا نحن الذين نمارس العفة، من رجالٍ ونساءٍ؛ "إني سأسكن فيهم، وأسير بينهم، وأكون لهم إلهًا، وهم يكونون لي شعبًا" (2 كو 6: 16). له المجد إلى الأبد، آمين. |
||||
18 - 11 - 2022, 01:13 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
القديس كيرلس الأورشليمي صلب ودفن المقال الثالث عشر "من صدق خبرنا؟ ولمن أُستعلنت ذراع الرب...؟ كشاة تساق إلى الذبح" (إش 13: 1-7). الصليب أعظم أعجوبة 1. كل عمل قام به المسيح، إنما يمجد الكنيسة الجامعة. ولكن أعظم كل الأمجاد للكنيسة هو الصليب. وإذ عرف بولس ذلك قال: "وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلاّ بصليب ربنا يسوع المسيح" (غل 6: 14). عجيب أن يرى المولود الأعمى من بطن أمه النور في سلوام، لكن هذا العمى كيف يُقارن بعمى العالم كله؟! انه أمر عظيم وخارق للطبيعة أن يقوم لعازر من الموت في اليوم الرابع، لكن النعمة شملته وحده، فكيف يُقارن بالذين ماتوا بخطاياهم في العالم كله؟! أي معجزة هذه أن يُطعم خمسة آلاف بخمس خبزات، ولكن ماذا يكون هذا بالنسبة للذين يتضورون جوعًا في المسكونة كلها؟! حقًا إنها لمعجزة أن تحل المربوطة بالشيطان 18 عامًا من قيودها هذه، لكن ماذا يكون هذا بالنسبة لنا نحن جميعًا الذين تقيدنا برباطات آثامنا؟! لكن مجد الصليب قادر أن يبعث النور في هؤلاء العميان في جهلهم، ويحل عنهم وثاقات الإثم، ويفتدي العالم البشرية أجمع؟! يا لعظمة إمكانية المصلوب! 2. لا تعجب من أن العالم كله اُفتدى، لأن الذي مات من أجله لم يكن مجرد إنسان بل ابن الله الوحيد! فإذ جلب عصيان آدم الموت على العالم، لكن كما أنه "بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد. فبالأولى كثيرا الذين ينالون فيض النعمة وعطية البرّ سيملكون في الحياة بالواحد" (رو 5: 17). وإذا كان بسبب شجرة طعام قد طُردوا من الفردوس، أفلا يدخل المؤمنون الآن بأكثر سهولة إلى الفردوس بشجرة يسوع. إن كان الإنسان الأول المخلوق من الطين جلب الموت العام، أفلا يستطيع الذي صنعه من التراب أن يعيده إلى الحياة الأبدية، هذا الذي هو بنفسه "الحياة"؟! وإذا كان فينحاس عندما زادت غيرته ذبح فاعل الشر فرد سخط الرب، فهل يسوع الذي لم يذبح غيره بل بذل نفسه فدية (1 تي 2: 6) لا يرد السخط الذي كان من جهة الجنس البشري؟! لا تخجل من الصليب 3. لا تخجل من صليب مخلصنا، بل بالأحرى افتخر به. لأن "كلمة الصليب عند اليهود عثرة، وعند الأمم جهالة، أما بالنسبة لنا فخلاص" (1 كو 1: 2، 3). إنه "عند الهالكين جهالة، وأمّا عندنا نحن المخلصين فهو قوة الله" (1 كو 1: 18، 23). لأنه كما سبق أن قلت أنه لم يكن ذاك الذي مات عنا إنسانًا مجردًا، بل هو ابن الله، الله المتأنس. بالأحرى إن كان الحمل في أيام موسى جعل المُهلك يعبر بعيدًا، أفلا ينزع عنا خطايانا ذاك الذي هو حمل الله الذي يرفع خطايا العالم؟! (يو 1: 29) دم الخراف غير الناطقة وهب خلاصنا، أليس بالأحرى دم ابن الله الوحيد يخلص؟! من ينكر قوة المصلوب، فليسأل الشياطين! من لا يؤمن بالكلام، فليؤمن بما يرى. فكثيرون صُلبوا في العالم، لكن الشياطين لم تفزع من واحدٍ منهم، لكنها متى رأت مجرد علامة صليب المسيح الذي صُلب عنا يُصعقون. لأن هؤلاء الرجال صُلبوا بسبب آثامهم، أما المسيح فصُلب بسبب آثام الآخرين... "لأنه لم يعمل ظلمًا، ولم يكن في فمه غش" (إش 53: 9؛ 1 بط 2: 22). لم ينطق بهذه العبارة وحده، وإلا لشككنا في أنه منحاز لمعلمه. ولكن إشعياء قالها أيضًا، ذاك الذي لم يكن حاضرًا معه بالجسد، لكنه تنبأ بالروح عن مجيئه بالجسد. ما بالنا نستشهد بالنبي وحده هنا؟ فها هو بيلاطس نفسه الذي حكم عليه يقول: "لا أجد في هذا الإنسان علّة" (لو 23: 14). ولما أسلمه غسل يديه قائلًا: "أنا بريء من دم هذا البار". توجد شهادة أخرى عن يسوع البار الذي بلا خطية، هي شهادة اللص أول الداخلين الفردوس، إذ بكَّت زميله منتهرًا إيّاه قائلًا: "أمّا نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا، وأمّا هذا فلم يفعل شيئًا ليس في محله" (لو 23: 41)، لأن كلينا تحت قضائه. آلامه وصلبه حقيقة وليس خيالًا 4. بالحقيقة تألم يسوع من أجل البشر، لأن الصليب لم يكن وهمًا، وإلا صار فداؤنا وهمًا أيضًا. لم يكن موته مجرد خيال، وإلا كان خلاصنا واهن أيضًا. فلو كان موته مجرد مظهر لكان على حق أولئك الذين قالوا "لقد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حيّ إني بعد ثلاثة أيام أقوم" (مت 63:27). كانت آلامه حقيقة. لأنه بالحقيقة صُلب، ونحن لا ننكر هذا. لقد صُلب ونحن نذكره بل نفتخر به. فإنني إن أنكرته ها هي الجلجثة التي احتشدنا بالقرب منها تبكتني. خشبة الصليب التي وزّعت قطعًا مختلفة على العالم كله تُفحمني. إنني اعترف بالصليب إذ أعرف القيامة. لأنه لو كان بعد الصليب بقى كما هو ربما لم أكن أعترف به. بل لكنت أنكره وأحاول إخفاء الصليب وإخفاء سيدي. لكن إذ تبعت القيامة الصليب، فإنني لا أخجل من إعلانه. لم يصلب بسبب خطية! 5. إذ كان قد صُلب بالجسد كالآخرين، لكنه لم يكن مثلهم في الخطية. إنه لم يصلب بسبب الطمع، إذ كان معلمًا للافتقار. لم يحكم عليه بسبب شهوة، بل بنفسه قال في وضوح: "وأمّا أنا فأقول لكم إن كل من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (مت 5: 28). ولا حُكم عليه لغضب أو هياج سريع، إذ هو مدير الخد الآخر لمن يلطمه، ولا لكسر الشريعة إذ هو منفذها. ولا لسب نبي، إذ هو نفسه موضوع نبوة الأنبياء. ولا لغشه أحد في أجرته، إذ خدم مجانًا دون مكافأة. ولا لخطية ارتكبها بكلام أو عمل أو فعل، إذ "لم يفعل خطية، ولا وجد في فمه مكر، الذي إذ شُتم لم يشتم عوضًا. وإذ تألم لم يكن يهدد" (1 بط 2: 22-23). الذي تألم بإرادته وليس رغمًا عنه. نعم فإنه إلى الآن متى قال له أحد "حاشاك يا رب"، يجيبه "اذهب عني يا شيطان" (مت 16: 22-23). تألم بإرادته 6. أتريد أن تقتنع أنه تألم بإرادته؟ آخرون لا يعلمون ماذا يحدث لهم لذلك ماتوا بغير إرادتهم، أما هو فسبق وقال: "ابن الإنسان يسلم ليُصلب" (مت 26: 2). ألاّ تعرف لماذا "صديق الإنسان" هذا لم يمنع الموت؟ لكي لا يهلك العالم كله في خطاياه. "ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان يُسلم ويصلبوه" وأيضًا: "تقدم صاعدًا إلى أورشليم" (مت 20: 18، لو 19: 28). أتريد حقًا أن تعرف أن الصليب مجد يسوع؟ استمع إلى كلماته لا إلى كلماتي، فإذ كان يهوذا خائن رب البيت على وشك القيام بالخيانة، وقد جلس على مائدته، وشرب كأس نعمته، عوض الخلاص تقدم ليسفك الدم البريء. "رجل سلامتي الذي وثقت به، آكل خبزي رفع عليّ عقبه" (مز 41: 9). لم تكن يده بعد قد تركت عطية نعمته حتى أسرع ليسلمه إلى الموت، حبًا بثمن الخيانة. وبّخه، وإذ سمع: "أنت قلت" (مت 26: 5) خرج ليسلمه. عندئذ قال يسوع: "قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان" (يو 12: 23). لترى يا عزيزي، كيف عرف أن الصليب هو المجد اللائق به. إن كان إشعياء لم يخجل من نشره إلى أجزاء، أفيخجل المسيح لموته عن العالم؟! "الآن يتمجد ابن الإنسان" (يو 13: 3)، لا لأنه لم يكن ممجدًا من قبل، بل كان ممجدًا بالمجد الذي له من قبل كون العالم (يو 17: 5). كان ممجدًا على الدوام، إذ هو الله، والآن يتمجد حاملًا صبره. إنه لم يسلم حياته رغمًا عنه، ولا قبل الموت قسرًا، بل بموافقته. اسمع ماذا يقول؟ "لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان أن آخذها أيضًا" (يو 10: 18). إنني أسلمها لأعدائي باختياري، وإلا ما كان يتم ذلك. لقد جاء بغرضٍ وضعه هو بنفسه أن يتألم، مسرورًا بعمله النبيل، مبتسمًا بتاجه، معتزًا بخلاص البشرية، دون خجلٍ من الصليب، إذ هو لخلاص هذا العالم. لم يكن إنسانًا عاديًا بل الله المتأنس... اعتراض اليهود 7. لكن اليهود يعترضون على ذلك وهم على استعداد دائمًا أن يغالطوا ويرتدوا عن الإيمان. لهذا السبب يقول النبي إلى يومنا هذا "من صدق خبرنا؟" (إش 53: 1) آمن الفارسيون، والعبرانيون لم يؤمنوا. "الذين لم يُخبروا به سيبصرون والذين لم يسمعوا سيفهمون" (رو 15: 21؛ إش 5: 1). الذين كانوا يدرسون هذه الأمور كأنهم لم يدرسوها. إنهم يتكلمون ضدنا قائلين: "أيتألم الرب؟ ماذا؟ هل ليد الإنسان سلطان على جبروته؟" اقرأ المراثي التي فيها يرثيك النبي... إذ رأى خرابك. لقد نظر سقوطك، فانتحب أورشليم على ما كانت عليه، وليس على ما هي عليه الآن، إذ صلبت المسيح أما الآن فتتعبد للرب. إنه يقول في رثائها "مسيح الرب أُخذ في حفرهم"(1). هل هذه وجهة نظري أنا؟ إذ يشهد النبي بالقبض على الرب يسوع. ثم ماذا يتلو ذلك؟ قل لنا أيها النبي: "الذي قلنا عنه في ظله إنّا نعيش بين الأمم"، وهو يعني أن عطية الحياة لم تعد تقطن في إسرائيل بل بين الأمم. شهادات عن آلامه 8. لكننا إذ نجد منهم مقاومة شديدة، لذلك فإنني بصلواتكم أقدم بنعمة الله قليلًا من الشهادات عن آلامه. فإن الأمور التي تتعلق بالمسيح قد سبق أن كُتبت، ولم يترك منها دون شاهد، إنما أعلن على فم الأنبياء. وكُتبت هذه الأمور بصراحة لا على لوحي حجر بل بالروح القدس. لذلك عندما تسمع الإنجيل يتحدث عن يهوذا، أما يليق أن تطلب شهادة عن ذلك؟ لقد سمعت أنه طعن بالحربة في جنبه، أما يلزم أن تعرف عما إذا كان قد كتب عنه هذا؟ سمعت أنه بيع بثلاثين من الفضة، ألاّ تريد أن تعلم أي نبي نطق بهذا؟! سمعت أنه أعطى خلًا للشرب... وأن جسده ألقي في صخرة وأقيم عليها حجر... وأنه صلب بين لصوص أما تريد أن ترى هذا مكتوبًا؟! إنك سمعت أنه دُفن أتريد أن تعرف كل ظروف الدفن كيف سجلت بدقة؟! لقد سمعت عنه أنه قام أيضًا أتريد أن تعرف إن كنا نسخر بك في هذا التعليم؟! لأن" كلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية" (1 كو 2: 4). فنحن لا ننشئ كلامًا سوفسطائيًا بل "نكرز بالمسيح مصلوبًا" (1 كو 1: 23) الذي سبق فتكلم الأنبياء عنه... التنبؤ بخصوص خيانة يهوذا 9. لنطلب الشهادات الخاصة بآلام المسيح... لقد تقبلت مني الشهادات الخاصة بمجيئه وبسيره على البحر، إذ كتب "في البحر طريقك" (مز 77: 19). لنبدأ الآن بالألم. كان يهوذا خائنًا ووقف ضد المسيح. فمع أنه كان يحدثه بكلمات السلام كان يدبر حربًا. لهذا يقول المرتل: "أحبائي وأصحابي يقفون تجاه ضربتي" (مز 38: 11). وأيضًا: "ألين من الزيت كلماته، وهي سيوف مسلولة" (مز 55: 21). قال: "السلام يا سيدي" (مت 26: 49) وهو يخون سيده إلى الموت. إذ لم يرتدع من تحذير سيده القائل "يهوذا، أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟!" (لو 22: 48) إن ما قاله الرب له هو تأويل اسم "يهوذا" الذي يعني "اعتراف". لقد تآمرت وقبضت الثمن اعترف بسرعة. "يا إله تسبيحي لا تسكت. لأنه قد انفتح عليّ فم شرير، وفم الغش. تكلموا معي بلسان كذب. بكلام بُغض أحاطوا بي، وقاتلوني بلا سبب" (مز 109: 1-3). كان بعض رؤساء الكهنة حاضرين، وقد تم القبض عليه عند أبواب المدينة، وبهذا تحقق قول المزمور "يَعُودُونَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، يَهِرُّونَ مِثْلَ الْكَلْبِ، وَيَدُورُونَ فِي الْمَدِينَةِ." (سفر المزامير 59: 6، 14). ثمن الخيانة وحقل الفخاري 10. لتسمع أيضًا بخصوص الثلاثين من الفضة. "فقلت لهم أن حسُن في أعينكم فأعطوني أجرتي وإلا فامتنعوا" (زك 11: 12). انظر كيف تنبأ الكتاب المقدس عن هذه الأمور، فقال: "فوَزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة". يا لدقة النبوة! يا لحكمة الروح القدس العظيمة الذي لا يخطئ! لأنه لم يقل عشرة أو عشرين ولكنه حدد بالضبط ثلاثين. اخبرنا أيضًا ماذا يتم بهذا الثمن أيها النبي؟ هل يحتفظ بها من استلمها؟ أم يرده...؟ يقول "فأخذت الثلاثين من الفضة، وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب" (زك 11: 13). قارن قول الإنجيل بهذه النبوة! "لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم... فطرح الفضة في الهيكل وانصرف"(2)... 12. محاكمة الرب قيدوا يسوع وأحضروه إلى دار رئيس الكهنة، أتريد أن تعرف كيف سبق أن كتب هذا أيضًا؟ يقول إشعياء "ويل لنفوسهم لأنهم يصنعون لنفسهم شرًا قائلين: لنقيد البار لأنه مغلق لنا" (راجع إش 3: 9-10) نعم ويل لنفوسهم. لترى كيف هذا فإن إشعياء نُشر إلى أجزاء، وبعد ذلك شُفي الشعب. إرميا طُرح في جب من طين، لكن جرح اليهود شفي، إذ أن آثامهم كانت قليلة لأنها موجهة ضد إنسان. لكن عندما أخطأ اليهود إلى الله المتأنس "ويل لنفوسهم... لنقيد البار!" ألم يكن قادرًا على إطلاق سراح نفسه؟! قد يقول قائل: الذي حل لعازر من رباطات الموت في رابع يوم، وأطلق سراح بولس من قيود السجن الحديدية، أما كان قادرًا على إطلاق سراح نفسه؟ لقد وقفت الملائكة مستعدة تقول "لنقطع قيودهم" (مز 2: 3)، لكنهم أحجموا لأن سيدهم شاء أن يقبل هذا. اقتيد إلى المحكمة أمام الشيوخ. وهذه شهادة عن ذلك "الرب يدخل في المحاكمة مع شيوخ شعبه ورؤسائهم" (إش 3: 14). المحاكمة 13. لكن إذ سأله رئيس الكهنة وسمع الحق أظهر خسة. فضربه موظفوه (عبد رئيس الكهنة)... وأتى آخرون وبصقوا على وجهه هذا الذي ببصاقه شفي المولود أعمى. "ألْرَّبَّ تُكَافِئُونَ بِهذَا يَا شَعْبًا غَبِيًّا غَيْرَ حَكِيمٍ؟" (سفر التثنية 32: 6) لهذا يتعجب النبي جدًا فيقول: "من صدق خبرنا"؟! (إش 50: 6)، لأن الذي لا يُنطق به، ابن الله، ذراع الرب (1 تس 53: 1) يحتمل هذا! أمّا الذين يؤمنون، فإنهم يخلصون، إذ سبق فكتب الروح القدس في شخص المسيح قائلًا: "بذلت ظهري للسياط، وخديّ للناتفين، وجهي لم أستر عن العار والبصق" (إش 53: 1)... كأن يسوع يقول: بالرغم من إنني أعرف مقدمًا أنهم يلطمونني لكنني لم أدر عنهم خدي. لأنه كيف أخاف من الموت أنا الذي أعلم تلاميذي ألاّ يخافوا من الموت من أجل الحق؟! فلو أحببت حياتي كيف أعلم بما لا أُمارسه؟! لهذا وهو الله أحب أن يحتمل من الأيدي البشرية حتى لا نخجل نحن إذا تألمنا من أجله مثل هذه الآلام من البشر... في محاكمته صالحَ المتخاصمين 14. وإذ ربط (يسوع)، أُرسل من قيافا إلى بيلاطس. هل كتب هذا أيضًا؟ نعم "إذ قيد اُقتيد كهدية إلى الملك باريم Jarim" (هو 10: 6). لكن قد يعترض سامع حاذق فيقول: لم يكن بيلاطس ملكًا، (لكن نترك هذا الاعتراض إلى حين) فإنه كيف اُقتيد كهدية لملك؟ يقول الإنجيل "فلما سمع بيلاطس ذِكْر الجليل سأل: هل الرجل جليلي...؟ أرسله إلى هيرودس (لو 23: 6) "لأن هيرودس كان ملكًا، وكان في أورشليم في ذلك الوقت. لاحظ دقة النبي: لأنه يقول أُرسل كهدية. لقد "صار بيلاطس وهيرودس صديقين مع بعضهما البعض في ذلك اليوم، لأنهما كانا من قبل في عداوة بينهما" (لو 23: 12). نعم الذي صار صلحًا بين السمائيين والأرضيين صالح أيضًا المتخاصمين ضده، إذ كان الرب نفسه بينهما هذا "الذي يصالح قلوب رؤساء شعب الأرض" (راجع أي 2: 24). لاحظ دقة الأنبياء وصدق شهادتهم. على مَنْ تفغرون الفم؟ 15. تطلع باهتمام إلى الرب وهو يُحَاكَم، فقد سمح لنفسه أن يقوده الجنود. بيلاطس جلس في الحكم؛ والذي يجلِس عن يمين الآب يقف ليُحاكم! الشعب الذي حَرَّرهُ من أرض مصر... يصرخ: "خذه أصلبه" (يو 19: 15). لماذا أيها اليهود؟ هل لأنه شفى عميانكم؟ أم لأنه جعل العُرْج منكم يمشون؟ ووهب البركات للآخرين؟! يدهَش النبي فيقول: "على من تفغرون الفم وتدلعون اللسان؟" (إش 57: 4) ويقول الرب نفسه في الأنبياء: "صار لي ميراثي كأسد في الوعر. نطق عليّ بصوته. من أجل ذلك أبغضته" (إر 12: 8). لم أرفضهم لكنهم رفضوني، لهذا أقول: "قد تركت بيتي" (إر 12: 7). صمته في المحاكمة 16. في أثناء محاكمته أعلن سلامه إلى حد قال فيه بيلاطس: "أما تسمع كم يشهدون عليك؟" (مت 27: 13). يقول المرنم: "وأكون مثل إنسان لا يسمع وليس في فمه حجة" (مز 109: 25). وأيضًا "كأصم لا يسمع وكأبكم لا يفتح فاه" (مز 38: 13)... سخرية الجنود به 17. لكن الجنود الذين تجمهروا حوله كانوا يسخرون به. صار أضحوكة لهم. "ينظرون إليّ، وينغضون رؤوسهم" (مز 38: 14). كانت تظهر ملوكيته حتى في سخريتهم له حيث كانوا يركعون قدامه. وقبل الصلب ألبسه الجنود ثوبًا من الأرجوان ووضعوا على رأسه إكليلًا. لماذا ألبسوه تاجًا ولو أنه من الشوك؟ لأن كل ملك يظهر مُلكه بواسطة جنوده. فيسوع كملك تُوِّج رمزيًا خلال الجنود. لهذا يقول الكتاب في نشيد الأناشيد: "أخرجن يا بنات أورشليم، وانظرن الملك سليمان بالتاج الذي توجته به أمه" (نش 3: 11). وقد كان التاج سريًا إذ هو غفران الخطايا ومزيل اللعنة. بالشوك أزال اللعنة 18. تلقى آدم هذا الحكم: "ملعونة الأرض بسببك. شوكًا وحسكًا تنبت لك" (تك 3: 17، 18). لهذا السبب كان يليق بيسوع أن يقبل الشوك حتى يزيل هذا الحكم. ولهذا السبب دُفن يسوع في الأرض حتى تقبل الأرض التي لُعنت البركة عوض اللعنة. في زمن الخطية ارتديا (آدم وحواء) أوراق التين، لهذا جعل يسوع شجرة التين آخر علاماته (قبل الصلب). فقبل آلامه لعن شجرة التين، ليس كل شجر التين، بل شجرة واحدة لكي تكون رمزًا. قال: "لا يأكل أحد منك ثمر بعد" (مر 11: 14). وإذ كانا قبلًا قد سُترا بأوراق الشجرة، جاء يسوع في وقت لا تعطى فيه شجرة التين ثمرًا. من لا يعرف أن شجر التين لا يحمل ثمرًا في فصل الشتاء؟! هل كان يسوع جاهلًا بهذا الأمر الذي يعرفه الجميع؟! لا، لكن مع معرفته بذلك جاء كمن يبحث عن ثمرٍ لهذه الشجرة، ليس جهلًا، ظانًا أنه يجد فيها ثمرًا، بل لكي يظهر اللعنة الظاهرية التي تلحق بالأوراق... بين الفردوس والبستان 19. مادمنا قد لمسنا موضوعات تتعلق بالفردوس، فإنني أعجب من حقيقة المقارنات... في الفردوس كان السقوط، وفي البستان كان خلاصنا. من الشجرة جاء إثمنا، وإلى مجيء الشجرة انتهت آثامنا. في المساء إذ كان الرب يتمشى في الجنة اختبأ (آدم وحواء) (تك 3: 8)، وفي المساء قبل يسوع اللص في الفردوس... الحيّة النحاسية كرمز للصليب 20. هذا هو الرمز الأصلي، الحيّة التي رفعها موسى على صليب، لكي يشفي كل من لدغته حية، فبالنظر إلى الحيّة النحاسية يُشفى بالإيمان (عد 21: 9؛ يو 3: 14). فهل الحيّة النحاسية تشفي بصلبها، وابن الله المتجسد المصلوب لا يُخلص؟! على أي الأحوال كانت الحياة تأتي من وسائط خشبية، ففي زمان نوح كانت الحياة تُحفظ خلال فلك خشبي. وفي أيام موسى كان عبور البحر بواسطة عصا موسى الخشبية التي ضرب بها البحر. هل لعصا موسى قوة وصليب المخلص بلا قوة؟! بالخشبة في أيام موسى صار الماء حلوًا، أمّا مع يسوع فقد تدفقت على خشبة الصليب المياه "من جنبه". الماء والدم 21. الماء والدم هما بداية الرموز عند موسى، وهما آخر علامة تركها يسوع. فأولًا حوَّل موسى النهر إلى دمٍ، وآخر ما قدمه المسيح ماءً ودمًا من جبنه. وكأنهما يشيران إلى اثنين من المتحدثين: الذي حاكم (الرب) والذين صرخوا ضده، إذ هما رمزّا للمؤمنين وغير المؤمنين، بيلاطس غسل يديه بالماء قائلًا: "إني بريء"، والشعب صرخ "دمه علينا" (مت 27: 24، 25). لهذا تدفق الاثنان من جبنه. ويمكننا أن نفهم هذا الأمر بصورة أخرى: الدم لليهود والماء للمسيحيين. لأن على هؤلاء الذين هم يُدانون من الدم (الذي سفكوه)، أما لك يا من تؤمن حديثًا فتنال الخلاص بالماء. لم يحدث شيء بغير معنى، وقد أورد آباؤنا سببًا آخرًا لذلك. قالوا إنه حسب الإنجيل تتم نعمة المعمودية بطريقتين: أحدهما بالماء للاستنارة، والثانية للشهداء القديسين في الاضطهاد خلال سفك دمائهم. لهذا خرج من جنب المخلص دم وماء، حتى يؤكد نعمة الاعتراف بالمسيح، إما بالعماد أو الاستشهاد في أيام الاضطهاد. يوجد معنى آخر وهو أن المرأة التي خرجت من جنب الرجل جلبت الخطية، لذلك طُعن المسيح في جنبه من أجل المرأة حتى يغفر الإثم، مانحًا الغفران للرجل والمرأة على السواء. صلبه على الجلجثة 22. من يبحث يجد أسبابًا أخرى كثيرة لكنني أظن أن ما قلته فيه الكفاية من أجل ضيق الوقت، حتى لا يقلق السامعون. وإن كان لا يتعبنا قط الاستماع بخصوص تتويج الرب ونحن على هذه الجلجثة المقدسة للغاية. فإن غيرنا يسمعون فقط، أما نحن فنرى ونلمس. لا يقلق أحد. احمل سلاحك(3) ضد الأعداء بالصليب ذاته. احمل الإيمان بالصليب كنصرة على المقاومين. فعندما تذهب لمجادلة غير المؤمنين بخصوص صليب المسيح، ارسم بيدك علامة صليب المسيح فيصمتون. لا تخجل من الاعتراف بالصليب. فالملائكة تمجده، إذ تقول: "نحن نعلم من تطلبان: يسوع المصلوب!" (مت 28: 5) لماذا لم تقل أيها الملاك: "نحن نعلم من تطلبان: سيدنا!" لكن في شجاعة قلت: "نحن نعلم... يسوع المصلوب"، لأن الصليب تاج لا عار! لا تهرب من الصليب وقت الضيق! 23. ...لا تعرض عنه وقت الاضطهاد. لا تفرح بالصليب وقت السلم فقط، بل تمسك بذات الإيمان وقت الاضطهاد أيضًا. لا تكن صديقًا ليسوع وقت السلم، وعدوه وقت الحروب. إنك تتقبل منه غفران خطاياك وغنى مواهب الملك الروحية، فإذا جاء وقت الحرب حارب(4) بنبل من أجل ملكك. يسوع الذي بلا خطية صُلب من أجلك، ألاّ تصلب من أجله!؟ ليس لك فضل في هذا، فقد سبق هو وابتدأ، إنما أنت ترد له الجميل، ترد له الدين الذي عليك، لأنه صلب من أجلك على الجلجثة. "الجلجثة" تترجم "موضع الجمجمة"، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. إذ هكذا دُعيت بروح نبوية، لأن المسيح هو الرأس الحقيقي قد احتمل الصليب هناك. وكما يقول الرسول: "الذي هو صورة الله غير المنظور" (كو 1: 15، 18). وبعد ذلك بقليل يقول: "وهو رأس جسد الكنيسة". وأيضًا "رأس كل رجل هو المسيح" (1 كو 11: 3). وأيضًا "الذي هو فوق كل رياسة وسلطان" (كو 2: 10). تألمت الرأس في "موضع الجمجمة". يا للظهور النبوي العجيب! كأن هذا المكان يذكرك قائلًا: لا تظن أن الذي صُلب هنا مجرد إنسان، لكنه رأس كل رياسة، رأسه الآب؛ لأن رأس الإنسان المسيح، ورأس المسيح الله (1 كو 11: 3). الظلمة في الظهيرة 24. إذن صلب المسيح من أجلك، إذ حُوكم في ليلة باردة، لهذا أُوقدت النيران (يو 18: 18) صُلب في الساعة الثالثة "ومن الساعة السادسة كان ظلام حتى التاسعة" (مت 27: 45). ومن الساعة التاسعة كان نور مرة أخرى. هل سبق أن كتبت هذه الأمور؟ تعال نسأل النبي زكريا إذ يقول "ويكون في ذلك اليوم أنه لا يكون نور... وأنه معروف للرب" (زك 1: 6، 7). ماذا؟ ألاّ يعرف الرب بقية الأيام أيضًا؟ نعم لكن الأيام كثيرة، لكن هذا يوم صبرالرب الذي صنعه... إنه "لا نهار ولا ليل" (زك 14: 6، 7). أي ظلام يقصده النبي؟ إنه ذلك اليوم الذي "لا نهار ولا ليل"، فبماذا نسمّيه إذن؟ يفسر لنا الإنجيل هذا حيث يروى لنا هذا الأمر. إنه لم يكن نهارًا، لأن الشمس لم تشرق فيه من بدايته إلى وقت الغروب، بل انكسفت من السادسة حتى التاسعة، كان هناك عارض في منتصف النهار. لكن الرب دعا الظلام ليلًا (تك 1: 5)، لهذا لم يكن نهارًا ولا ليلًا. لأنه لم يكن كله نور حتى يُحسب نهارًا، ولا كله ظلامًا فيحسب ليلًا. لأنه بعد الساعة التاسعة ظهرت الشمس مرة أخرى. وهذا أيضًا ما سجله النبي لأنه بعدما قال "لا نهار ولا ليل" أضاف "بل يحدث أنه في وقت المساء يكون نور" ها أنت ترى دقة النبوة. إنك ترى حقيقة الأمور التي كتبت مقدمًا. أُغيب الشمس في الظهر 25. هل تسأل عن الساعة التي أظلمت فيها الشمس بالضبط؟ هل كان في الساعة الخامسة أم الثامنة أم العاشرة؟ قل أيها النبي لليهود غير الراغبين في الاستماع عن موعد غروب الشمس تمامًا! يجيب عاموس قائلًا: "ويكون في ذلك اليوم، يقول السيد الرب، إني أُغيب الشمس في الظهر (إذ كانت الظلمة في السادسة) وأُقتم الأرض في يوم نور" (عا 8: 9). أي فصل أو موسم وأي يوم أيها النبي؟ يقول "وأحوِّل أعيادكم نوحًا"، وقد تحقق ذلك في أيام الفطير وفي عيد الفصح. إنه يقول بعد ذلك: "وأجعلها كمناحة الوحيد، وآخرها يوم مرّ". وفعلًا تحقق هذا حين بكت نساء أورشليم، وكان ذلك في أيام الفطير وفي عيد الفصح، واختبأ التلاميذ أنفسهم وكانوا في مرّ. يا لها من نبوة عجيبة! اقتسام ثيابه 26. قد يقول آخر: أعطني علامة أخرى تحققت بدقة. يسوع صلب، ولم يكن له سوى لباس واحد. الثوب اقتسمه العسكر فيما بينهم إلى أربعة أجزاء، أما اللباس فلم يُقسم إذ كان يفقد نفعه لو اقتسم، فطرحوا قرعة علية كقطعة واحدة... يقول المزمور: "اقتسموا ثيابي وعلى لباسي ألقوا قرعة" (مز 22: 18؛ يو 19. ألبسوه ثوبًا أرجوانيًا 27. في محاكمته أمام بيلاطس كان يرتدي ثوبًا أحمر، إذ ألبسوه ثوبًا من الأرجوان. هل كُتب هذا أيضًا؟ يقول إشعياء: "من ذا الآتي من آدوم بثياب حمر من بصره؟" (أي من هو هذا الذي يلبس ثوبًا أرجوانيًا في عارٍ، لأن بصره Bosor في العبرية تحمل هذا المعنى) "ما بال لباسك حمر، وثيابك كدائس المعصرة؟!" (إش 63: 1-2) لكنه يجيب قائلًا: "بسطت يدي طول النهار إلى شعب متمرد سائر في طريق غير صالح" (إش 65: 2). فاعل الخلاص في وسط الأرض 28. لقد بسط يديه على الصليب حتى يعانق العالم أجمع، إذ الجلجثة هي مركز العالم. هذا ليس من عندي بل يقول النبي: "فاعل الخلاص في وسط الأرض" (مز 74: 12). بسط يديه البشريتين هذا الذي بيديه الروحيتين أوجد السماء. وسُمرتا بالمسامير، حاملًا آثام البشر، حتى إذ سمر في خشبة مات، فيموت الإثم لنقوم في برّ. "لأنه بإنسانٍ واحدٍ دخل الموت، وهكذا بإنسان واحد تكون الحياة" (رو 5: 12، 17)، بإنسان واحد -المخلص- مات بإرادته. لعلك تذكر ما قاله: "لي سلطان أن أضع نفسي ولي سلطان أن آخذها" (يو 10: 18). أنا عطشان 29. بالرغم من احتمال كل هذه الآلام إذ جاء لخلاص الجميع إلاّ أن الشعب (اليهودي) جازاه مجازاة شريرة. قال يسوع "أنا عطشان". هذا الذي أخرج لهم الماء من الصخرة الصماء، يطلب ثمر كرمته التي زرعها، فماذا فعلت كرمته؟ هذه الكرمة التي بحسب الطبيعة هي من الآباء القديسين، لكنها بحسب قلبها مثل سدوم. "لأن جفنة سدوم جفنتهم، ومن كروم عمورة" (تث 32: 32). قدمت هذه الكرمة لسيدها إسفنجًا مغموسًا خل فوق قصبة. "ويجعلون في طعامي علقمًا، وفي عطشي يسقونني خلًا" (مز 69: 21). ها أنت ترى وضوح النبوة وصفاءها! لكن أي نوع من العلقم وضعوا في فمه؟ "أعطوه خمرًا ممزوجًا بمرّ" هذا المر طعمه كالعلقم شديد المرارة. أبهذا تجازي الرب أيتها الكرمة؟! أهذه تقدمتك له؟! بالحقيقة قال إشعياء في القديم مولولًا عليك: "كان لحبيبي كرم على أكمة خصبة. فنقبّه ونقّىّ حجارته وغرسه كرم سورق... فانتظر أن يصنع عنبًا (إذ عطش طالبًا عنبًا) فصنع شوكًا" (راجع إش 5: 1-2). هل رأيت الإكليل التي تزينت به؟! لكن ماذا أفعل؟ "سأوصي السحب أن لا تمطر عليه مطرًا" (راجع إش 50: 6). لأن السحب هي الأنبياء الذين نُزعوا من بينهم وصاروا للكنيسة... صلبه بين لصين 30. وفيما يتعلق باللصين اللذين صُلبا مع يسوع، فقد كُتب عنهما: "أحصيَ مع أثمه" (إش 23: 12). كلاهما كانا أثيمين، لكن أحدهما لم يظل هكذا، فواحد منهما بقي أثيمًا إلى النهاية رافضًا الخلاص. فبالرغم من أن يديه موثقتان فقد أطلق لسانه بالتجديف. فكانا يسبه مع اليهود الذين كانوا يعبرون ويهزون رؤوسهم ساخرين بالمصلوب، محققين المكتوب: "ينظرون إليّ، وينغضون رؤوسهم" (مز 109: 25). انتهره الثاني مؤنبًا إياه. وبهذا ختم حياته الأثيمة وبدأ حياة الإصلاح. كانت نفسه أول من اشتركت في الخلاص، إذ بعدما وبخ رفيقه التفت إلى يسوع وقال "اذكرني يا رب" لأكون معك. لا تبالِ يا رب بعيني فهم هذا الإنسان إذ هي عمياء، لكن اذكرني. لست أقول اذكر أعمالي، لأنني من جهتها أنا خائف. لكن كما أن لكل إنسان مشاعر تجاه رفيق سفره، هكذا مسافر معك نحو الموت، اذكرني يا رفيق سفري. إنني لا أقول اذكرني الآن، بل "إذا جئتَ في ملكوتك". أيّة قوة قادتك إلى النور أيها اللص؟ 31. من علمك أن تمجد رفيقك المصلوب معك؟ النور الأبدي الذي يضيء لمن هم في الظلمة! سمع اللص هذه الكلمات: "تهلل". ليست أعمالك حسنة، لكن هنا يوجد ملك يوزع هبات. سؤالك جاء في وقته. النعمة معك تلحقك سريعًا جدًا. "الحق أقول لك: اليوم تكون معي في الفردوس". "لأنك اليوم سمعت صوتي، ولم تقسِ قلبك" (مز 95: 7-8). فبسرعة أنا حكمت على آدم، وبسرعة عفوت عنك. فاليوم يكون خلاصك. آدم بالشجرة سقط، وأنت بالشجرة دخلت الفردوس. لا تخف من الحيّة، فإنها لن تطردك إذ سقطت من السماء (لو 10: 8). إنني لم أقل لك اليوم ترحل، بل قلت "اليوم تكون معي". تشجع فلن تُطرد خارجًا. لا تخف من السيف المسلول لحراسة الجنة (تك 3: 24). يا لقدرة عطيتك غير الموصوفة يا رب! إبراهيم المؤمن لم يدخل بعد واللص دخل! موسى والأنبياء لم يدخلوا بعد واللص كاسر الناموس دخل! بولس أيضًا يتعجب من جهتك، فيقول: "حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًا" (رو 5: 20). الذين احتملوا حر النهار لم يدخلوا، وصاحب الساعة الحادية عشر دخل! لا يتذمر أحدكم على رب البيت الصالح، فإنه يقول: "يا صاحب ما ظلمتك، أو ما يحل لي أن أفعل ما أريد بمالي؟!" (مت 20: 12) كان للّص إرادة لعمل البرّ، لكن الموت منعه، فلا أنتظر منه عملًا (إذ مات) إنما أقبل أيضًا إيمانه. إنني جئت كراعٍ بين السوسن (نش 6: 3). جئت لأطعمهم في الحدائق. لقد وجدت الخروف الضال (لو 15: 5، 6). وأنا أضعه على منكبي، لأنه يؤمن. لهذا قيل: "ضللت كمثل شاةٍ ضالة. أُطلب عبدك لأنني لم أنس وصاياك" (مز 119: 176). نعم "اذكرني يا رب إذا جئت في ملكوتك" (لو 23: 42). الدخول إلى الأقداس بدم يسوع 32. في هذا الفردوس غنيت لعروسي في نشيد الأناشيد: "قد دخلت جنتي يا أختي العروس" (إش 5: 1)، (فقد كان مكان الصلب بستانًا) (يو 19: 41). ماذا أخذت من هناك؟ "قطفت مري مع طيبي"، إذ شرب المر مع الخل، وبعد ذلك قال: "قد أُكمِل". لأن السرّ تم، والمكتوب تحقق، والآثام غُفرت. لأن المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة. فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد. أي الذي ليس من هذه الخليقة، وليس بدم تيوس وعجول، ولكن بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس، فوجد فداءًا أبديًا: لأنه إن كان بدم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين يقدس إلى طهارة الجسد، فكم بالأحرى يكون دم المسيح؟!" (عب 9: 11-14). وأيضًا فإذ لنا أيها الإخوة "ثقة في الدخول إلى الأقداس بدم يسوع، طريقًا كرسه لنا حديثا حيًا بالحجاب أي جسده" (عب 10: 19، 20). ولأن جسده -هذا الحجاب- غير ممجد، لذلك شق حجاب الهيكل كما هو مكتوب: "وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل" (مت 27: 51)، ولم يترك فيه شيء. لأن يسوع قال: "هوذا يترك بيتكم خرابًا" (مت 23: 38). لقد خرب البيت كله! عاملًا الصلح بدم صليبه 33. احتمل المخلص هذا كله، "عاملًا الصلح بدم صليبه بواسطته سواء كان ما على الأرض أم في السماوات" (كو 1: 20). لأننا كنا أعداء الله خلال الخطية وحكم الله على الخاطئ هو الموت. لهذا كان لابد من تحقيق أحد أمرين: إما أن الله في عدله يبيد كل البشرية، أو في محبته المترفقة يزيل الحكم! أنظر حكمة الله، فقد حفظ الحكم، وفي نفس الوقت حقق محبته! لقد حمل المسيح آثامنا في جسده على الخشبة لكي "نموت عن الخطايا فنحيا للبرّ" (1 بط 2: 24). إنه لم يكن بالهيّن ذاك الذي مات عنا، فليس هو مجرد حمل حرفي ولا إنسان عادي، بل أعظم من ملاك، أنه الإله المتأنس، لم تكن خطايا البشر أعظم من برّ الذي مات بسببها. لم تكن هذه الآثام كثيرة بالنسبة لبرّ من بإرادته وضع نفسه وبإرادته أخذها. لقد صرخ إلى الآب: "في يدك استودع روحي"، استودعها لكي أخذها مرة أخرى. وإذ قال هذا أسلم الروح، لكن ليس لزمانٍ طويلٍ، إذ سرعان ما قام من الأموات. الظروف التي صاحبت الصلب 34. لقد أظلمت الشمس (لو 23: 45) من أجل "شمس البرّ" (مل 4: 22). والصخور تشققت من أجل الصخرة الروحية (1 كو 10: 4). القبور تفتحت والموتى قاموا بسبب هذا الذي هو "حر بين الأموات" (مز 88: 5). إذ حرر أسراه من الحفرة التي بلا ماء (زك 9: 11). تشجع ولا تخجل من الصليب، بل بشجاعة قل: "أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمّلها وبحُبره شفينا" (إش 53: 4، 5). لا نكن جاحدي المعروف، إذ هو "ضُرب، من أجل ذنب شعبي، وجعل مع الأشرار قبره، ومع غنى عند موته" (إش 53: 8، 9). لهذا يقول بولس بوضوح "المسيح مات لأجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دفن وقام في اليوم الثالث حسب الكتب" (1 كو 15: 3، 4). دفن المسيح 35. لنبحث حتى نعرف بتدقيق أين دُفن؟ وهل صُنعت مقبرته بأيادٍ؟ وهل هي مُقامه فوق الأرض مثل مقابر الملوك أم منحوتة بحجارة؟ وماذا وضع عليها؟ أخبرونا بالحقيقة أيها الأنبياء فيما يتعلق بمقبرته! أين وضع؟ وأين نبحث عنه؟ إنهم يقولون "انظروا إلى الصخر الذي منه قطعتم" (إش 51: 1). وفي الأناجيل قيل: "ووضعوه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخر" (مت 27: 60)... أيضًا يقول النبي "قرضوا في الجب حياتي" (راجع مرا 3: 53؛ إر 37: 16). وألقوا عليّ حجارة. أنا حجر الزاوية المختار الكريم (1 بط 2: 6-10) أُوضع في حجر إلى حين. أنا هو حجر العثرة لليهود وحجر خلاص للمؤمنين. لقد زُرعت أنا شجرة الحياة (تك 2: 9، 3: 22) في الأرض، حتى تتمتع الأرض التي لُعنت بالبركة، وينطلق أمواتها. رشم علامة الصليب 36. إذن ليتنا لا نخجل بالاعتراف بالمصلوب. لنرسم علامة الصليب ختمنا بشجاعة، بأصابعنا على جباهنا وعلى كل شيء: على الخبز الذي نأكله وعلى الكأس التي نشربها، في دخولنا وفي خروجنا، قبل النوم وعندما نركض وعندما نستيقظ، في الطريق وحيثما حللنا. عظيم هو هذا الفعّال. هو مجانًا من أجل الفقراء، يتم بغير عناء من أجل المرضى. إنه علامة المؤمنين، ورعب الشياطين، إذ غلبهم ظافرا بهم جهارًا (كو 2: 15). لأنهم إذ يرون الصليب يتذكرون المصلوب، فيرتعبون من ذاك الذي كسر رؤوس التنانين (مز 74: 13). لا تحتقر الختم من أجل مجانية العطية، بل بالأحرى كرموا صاحب الفضل(5)... إن قال أحد أما الصليب فاعرض عنه. اترك القائلين إن المسيح صلب خيالًا فقط. لأنه لو كان الأمر هكذا، لكان الخلاص الذي هو من الصليب أيضًا خيالًا. لو كان الصلب خيالًا، لكانت القيامة هكذا، وإن كان المسيح لم يقم فنحن بعد تحت خطايانا (1 كو 15: 7). إن كان الصليب خيالًا، يكون الصعود خيالًا... فهل مجيئه الثاني أيضًا خيالٌ وبهذا يصير كل شيء غير قائم؟! 38. إذن خذ الصليب كأساس متين يُبنى عليه كل بقية بنود الإيمان. لا تنكر المصلوب، لأنك إن أنكرته فإن أمورًا كثيرة توبخك(6)... عمل الصليب 40. لديك الإثنا عشر رسولًا شهود للصليب، وكل الأرض وعالم البشر الذين يؤمنون بالمصلوب عليه. ليقنعك وجودك نفسه هنا الآن بقوة الصليب. لأنه من الذي قادك إلى هذا الاجتماع؟ أي جنود؟ أية سلاسل ألزمتك؟ أي حكم من أحكام القضاء قادتك إلى هنا؟ إنه بالحري شعار حضرة الخلاص، أي صليب يسوع، الذي جمعكم كلكم هنا. هو الذي قهر الفرس ولجَّم السكِّيثيين، ووهب المصريين معرفة الله عوض القطط والكلاب، وأضاليلهم العديدة. إنه إلى اليوم يشفي الأمراض، ويطرد الشياطين ويفسد مفعول السموم والسحر. راية الصليب 41. ستظهر (هذه العلامة) في السماء مع يسوع (مت 24: 30)، لأن الراية تسير دائمًا قدام الملك. فيندم اليهود ويحزنون عندما ينظرون إلى الذي طعنوه (يو 19: 37؛ زك 12: 10؛ رؤ 1: 7)... سيندمون وينوحون ولكن لا مجال للتوبة، أما نحن فسنتمجد ونفتخر بالصليب ونسجد للرب الذي جاء وصُلب لأجلنا، ونسجد أيضًا لله أبيه الذي أرسله مع الروح القدس، الذي له المجد إلى أبد الأبد. آمين. |
||||
18 - 11 - 2022, 01:20 PM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
القديس كيرلس الأورشليمي وقام من الأموات في اليوم الثالث وصعد إلى السماوات وجلس عن يمين الآب "وأعرفكم أيها الاخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به... وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب" (1كو 15: 1-4) ليمتلئ فمنا فرحًا وتهليلًا به 1. افرحي يا أورشليم. اصنعوا عيدًا عظيمًا يا جميع محبي يسوع لأنه قام. افرحوا يا من نُحتم من قبل، حين رأيتم جسارة اليهود وشرّهم، لأنه قد قام ذاك الذي حنقوا عليه. وإذ كان المقال عن الصليب محزنًا، فليفرح السامعون بأخبار القيامة المبهجة. ليتحول الحزن إلى فرحٍ، والنوح إلى سرورٍ، وليمتلئ فمنا فرحًا وتهليلًا به، إذ قال بعد قيامته "افرحوا"(8). وإذ أعلم حزن أصدقاء المسيح في هذه الأيام الماضية، إذ توقف مقالنا (السابق) عند صلبه ودفنه دون أن نذكر أخبار القيامة السارة، لهذا تعلقت أذهانكم لكي تسمعوا ما تشتاقون إليه. الآن قد قام الميت الذي كان "حرًا بين الأموات" وهو مخلص الأموات. ذاك الذي أُهين محتملًا بصبر إكليل الشوك. لقد قام مُتوّجًا بإكليل النصرة على الموت. شهادة الكتاب المقدس عن قيامته 2. وكما تحدثنا قبلًا عن الشهادات الخاصة بصليبه، فلنتحقق الآن من الأدلة الخاصة بقيامته، مادام الرسول سبق فأكد: "أنه دفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب" (1 كو 15: 4). فإذ يرجعنا الرسول إلى شهادات الكتب، جيد لنا أن نعرف كل شيء يخص رجاء خلاصنا، وأن نتعلم أولًا ما تخبرنا عنه الأسفار المقدسة بخصوص قيامته، إن كانت في الصيف أو الخريف أو بعد الشتاء، وفي أي موضع قام المخلص، وما أعلنه الأنبياء العجيبون بخصوص اسم مكان قيامته، وعن فرحة النسوة اللواتي بحثن عنه ولم يجدنه، وحين وجدنه تهللن، حتى إذ ما قرأنا البشائر لا نأخذ هذه القصص على أنها تلفيقات أو مجرد حكايات. بخصوص دفن المخلص 3. فبخصوص دفن المخلص، سمعتم في المقال السابق بوضوح ما قاله إشعياء "دفنه في سلام"(9). إذ في دفنه صنع سلامًا بين السمائيين والأرضيين، مقدمًا الخطاة في حضرة الله، و"من وجه الشر يُضم الصديق" (إش 57: 1)... جاءت أيضًا نبوة يعقوب في الكتاب المقدس تقول "جثا وربض كأسد وكلبؤة، من ينهضه؟!" (تك 49: 9) وجاء أيضًا في سفر العدد نفس القول: "جثم كأسد ربض كلبؤة من يقيمه؟!" (عد 24: 9) وأيضًا المزمور الذي تسمعونه كثيرًا يقول: "وإلى تراب الموت تضعني" (مز 22: 15). وقد درسنا هذا الموضوع بالأكثر حين اقتبسنا القول "انظروا إلى الصخر الذي منه قُطِعتم" (إش 51: 1). أما الآن فلنحمل في طريقنا البراهين الخاصة بالقيامة. البراهين الخاصة بالقيامة 4. أولًا يقول المزمور الحادي عشر: "من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين الآن أقوم يقول الرب" (مز 12: 5). لكن هذه العبارة لا زال يشك البعض في تفسيرها إذ غالبًا ما يقوم الرب أيضًا في الغضب لينتقم من أعدائه(10). تعالوا إذن إلى المزمور الخامس عشر الذي يقول: "احفظني يا الله، لأني عليك توكلت" (مز 15). وبعد هذا يقول "لا أجمع مجامعهم من الدماء، ولا أذكر أسماءهم بشفتيّ" إذ رفضوني طالبين قيصر ملكًا لهم". وأيضًا ما جاء بعد ذلك: "تقدمت فرأيت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني كي لا أتزعزع"، وما جاء: "وأيضًا إلى الليل أدبتني كليتاي". عندئذ يتكلم بوضوح جدًا "لأنك لا تترك نفسي في الجحيم، ولا تدع قدوسك يرى فسادًا". إنه لم يقل "لا تدع قدوسك يرى موتًا"، وإلا ما كان قد مات، لكنه يقول: "فسادًا" أي لا يرى فسادًا ولا يبقى في الموت. ثم يكمّل "قد عرّفتني سُبل الحياة"... تأملوا أنه يكرز بوضوح عن الحياة بعد الموت! تعالوا معي أيضًا إلى المزمور التاسع والعشرين: "أعظمك يا رب، لأنك احتضنتني ولم تشمت بي أعدائي" (مز 29). ما الذي حدث هل أُنقذت من أعداء أم نجوت مما كنت تضرب به؟ لقد أعلن بوضوح: "يا رب أصعدت من الجحيم نفسي". (في المزمور السابق) ينطق متنبأ: "لا تترك نفسي في الجحيم"، أما هنا فيتحدث عما يتم كأنه قد حدث فعلًا "أصعدت... خلصتني من الهابطين في الجب". متى حدث هذا؟ "في العشاء يحل البكاء، وبالغداة السرور"، لأنه في المساء حزن التلاميذ، وفي الصباح فرحوا بالقيامة. أتريد أيضًا أن تعرف المكان؟ 5. يعود فيقول في نشيد الأناشيد "نزلت إلى جنة الجوز" (نش 6: 11)، إذ صُلب السيد في البستان (يو 19: 41). فإنه وإن كان الموضع الآن مزينًا بالهبات الملكية، لكنه كان قبلًا بستانًا، ولا تزال العلامات والآثار قائمة. إنه "جنة مغلقة، وينبوع مختوم" (نش 4: 12). هؤلاء الذين قالوا: "تذكّرنا أن ذلك المضل قال وهو حيّ إني بعد ثلاثة أيام أقوم، فمرْ أن يُضبط القبر" وعلى هذا "مضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر" (مت 27: 63، 65). ويخبر واحد عن هذا بدقة قائلًا: "وفي النهاية تدينهم"(11). من هو هذا الينبوع المختوم الذي يعني "ينبوع الماء الحيّ"؟! إنه المخلص نفسه الذي قيل عنه: "لأن ينبوع الحياة عندك" (مز 36: 9). شهادة صفنيا عن القيامة 6. ولكن ماذا يقول صفنيا في شخص المسيح للتلاميذ؟ "تهيأوا، استيقظوا عند الفجر. كل بقاياهم محطمة"(12). إنه لم يبقَ لليهود عنقود واحد ولا تُرك لهم بقايا للخلاص، إذ قُطعت كرمتهم. انظر كيف يقول للتلاميذ "تهيأوا، استيقظوا عند الفجر"، في الفجر انتظروا القيامة. يقول أيضًا في نفس السفر: "لذلك فانتظروني يقول الرب إلى يوم أقوم في الشهادة"(13). ها أنت ترى أن النبي سبق فرأى مكان القيامة أيضًا، فدعاه "الشهادة". لأن ما السبب في أن مكان الجلجثة والقيامة لم يدعَ كنيسة كباقي الكنائس بل بـ"الشهادة" إلاّ لأن النبي قال: "إلى يوم أقوم في الشهادة؟!"(14) صفنيا يقدم علامة عن القيامة 7. من هو هذا إذن؟ وما هي علامة الذي يقوم؟ يقول النبي بوضوح فيما بعد: "لأني حينئذ أقدم للشعوب لغة"(15). إذ بعد القيامة أُرسل الروح القدس، وأعطيت موهبة الألسن "ليعبدوه بكتف (نير) واحد". لذلك تنبأ النبي نفسه قائلًا: "ليعبدوه بكتفٍ واحد، ومن عبر أنهار كوش يقدمون تقدمتي" (صف 3: 10). إنكم تعلمون ما جاء في سفر الأعمال حينما جاء الخصي الحبشي عبر أنهار أثيوبيا "كوش". فإذ تُخبركم الكتب عن وقت قيامته وطبيعة مكانها والعلامة التي تبعتها فليتقوَ إيمانكم في القيامة، ولا يزحزحكم أحد عن الاعتراف بأن "المسيح قام من بين الأموات". صرت حرًا بين الأموات 8. خذوا لكم شهادة أخرى، المزمور السابع والثمانين(16)، حيث يتكلم المسيح في الأنبياء (هذا الذي بعدما تكلم هكذا حلّ بيننا)، "يا رب إلهي بالنهار والليل صرخت أمامك". ثم أكمل بعد قليل: "صرت مثل إنسان ليس له معين، صرت حرًا بين الأموات". لم يقل "صرت إنسانًا ليس له معين"، بل قال: "صرت مثل إنسانٍ ليس له معين". لأنه بالحق لم يُصلب عن ضعف بل صلب بإرادته، وما كان موته عن ضعف لا إرادي. "حسبت مثل الهابطين في الجب". وما هي العلامة؟ "أبعدت عني معارفي". ثم يتحدث بعد قليل قائلًا: "صرخت إليك يا رب. بالغداة أقف أمامك". انظروا كيف يتحدث بدقة عن الوقت وعن الآلام القاسية وعن القيامة! تحديد مكان القيامة (كهف الصخرة) 9. ومن أين قام المخلص؟ يقول في نشيد الأناشيد "قم يا قريبي وتعال"(17)، وبعد ذلك "في كهف الصخرة"(18). إنه يدعو ذلك الكهف الذي كان قبلًا أمام باب قبر المخلص وقد نُحت في الصخرة نفسها، كما كانت العادة هنا قبلًا... ولكن أين هي الصخرة التي كان فيها الكهف؟ هل هي في وسط المدينة أم ملحقة بالأسوار والحدود؟! هل هي بداخل الأسوار القديمة، أم داخل الأسوار الخارجية التي بنيت فيما بعد؟! يقول في النشيد "في كهف الصخرة قريبًا من السور الخارجي"(19). تحديد فصل السنة 10. في أي فصل قام المسيح؟ هل في فصل الصيف أم في فصل آخر؟! جاء في نشيد الأناشيد قبل الكلمات السابق اقتباسها "لأن الشتاء قد مضى، والمطر مرّ وزال، الزهور ظهرت في الأرض، بلغ أوان القضب" (نش 2: 11، 12). أليست الأرض ملآنة بالزهور الآن؟ أما تُحصد الكروم الآن؟ ألا ترون أن الشتاء قد مضى لأنه متى حل شهر نيسان Xanthicus(20) حيث يكون الربيع. هذا هو الفصل أو الشهر الأول عند العبرانيين الذي فيه تم العبور كرمز للعبور الحقيقي... في هذا الفصل قال الله: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك 1: 26)، فأخذ الإنسان الصورة، وبالعصيان أفسد الشبه. وفي ذات الفصل استرد الإنسان الشبه ثانية. في نفس الموسم الذي فيه طُرد الإنسان المخلوق من الفردوس بسبب عصيانه، رجع إليه الإنسان المؤمن خلال طاعته. فخلاصنا حدث في نفس الوقت الذي فيه كان سقوطنا، إن "الزهور ظهرت وبلغ أوان القضب". تحديد مكان القيامة (في البستان) 11. في بستان كان دفنه، حيث زُرعت هناك كرمة، إذ قال عن نفسه: "أنا هو الكرمة" (يو 15: 1). لقد زُرع في الأرض لكي يقتلع اللعنة التي حلّت بسبب آدم، حيث سُلِّمت الأرض للشوك والحسك. لقد طلعت الكرمة من الأرض، ليتم القول: "الحق من الأرض أشرق، والعدل من السماء اطلع" (مز 84: 10). وماذا يقول ذاك المدفون في البستان؟ "قطفتُ مرّي مع طيبي" (نش 5: 1). وأيضًا "مرْ وعود مع كل أنفس الأطياب" (نش 4: 14). وهذه هي علامات للدفن، إذ جاء في الأناجيل "أتين (النسوة) إلى القبر حاملًات الحنوط الذي أعددنه" (لو 24: 1). "وأحضر نيقوديموس أيضًا خليطًا من مرّ وعود" (يو 19: 39)، ومكتوب أيضًا: "أكلت خبزي مع عسلي"(21). إذ أكل المر قبل الصليب والعسل بعد القيامة. بعد القيامة دخل والأبواب مغلقة، وإذ لم يصدقوا أنه هو إذ ظنوا أنهم رأوا روحًا (لو 24: 37)، قال لهم "جسّوني وانظروا" (لو 24: 39). ضعوا إصبعكم في آثار المسامير كطلب توما "وبينما هم غير مصدقين من الفرح متعجبون، قال لهم: "أعندكم ههنا طعام؟! فناولوه جزء من سمك مشوي وشيئًا من شهد عسل فأخذ وأكل قدامهم" (لو 41:24، 42). انظروا كيف تحقق القول "أكلت خبزي مع عسلي"! بحث مريم عن القائم من الأموات 12. لكن قبل أن يدخل والأبواب مغلقة، بحثت النسوة النبيلات الشجاعات عن عريس النفوس وطبيبها. لقد أتت هؤلاء المباركات إلى القبر، وبحثن عن الذي قام ودموعهن تسيل من أعينهن مع أنه كان يجب عليهن بالأولى أن يرقصن فرحًا من أجل الذي قام. بحسب ما جاء في الإنجيل جاءت مريم تحدثه فلم تجده. لقد سمعت الملائكة أولًا وبعد ذلك رأت المسيح... هل هذه الأمور سبق أن كُتب عنها؟ يقول نشيد الأناشيد "على فراشي طلبت من تحبه نفسي". في أي وقت؟ "في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي" (نش 3: 1). وقد قيل: "جاءت مريم والظلام باقٍ" (يو 10: 1)، "في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته". وفي الأناجيل تقول مريم "أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه؟!" (يو 20: 13) وإذ كان الملاكان موجودان لمعالجة نقصها في المعرفة، قالا لها "لماذا تطلبين الحيّ بين الأموات؟!" (لو 24: 5) إنه ليس فقط قام بل وأقام معه موتى (مت 27: 52). أما هي فلم تفهم ذلك. ويقول سفر نشيد الأناشيد في شخصها متحدثة مع الملائكة: "أرأيتم من تحبه نفسي؟! فما جاوزتهم إلاّ قليلًا حتى وجدت من تحبه نفسي، فأمسكته ولم أُرخِه" (نش 3: 3، 4). فرح النسوة بالقائم من الأموات 13. بعد رؤية الملائكة جاء يسوع كوعد ملاكه، وتقول الأناجيل: "إذا يسوع لاقاهما، وقال: سلام لكما، فتقدمتا وأمسكتا بقدميه" (مت 28: 9). أمسكتا به حتى يتم القول: "فأمسكته ولم أُرخِه". فمع أن المرأة كانت ضعيفة حسب الجسد، لكن روحها كانت مملوءة رجولة. "مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة، والسيول لا تغمرها" (نش 8: 7). لقد كانت تبحث عن من كان ميتًا، لكن رجاء القيامة لم ينطفئ. يقول لهن الملاك ثانية: "لا تخفن أنتن"، لكنني لا أقول للجنود "لا تخافوا" بل لكُن لا تخفن. فهم يليق بهم أن يخافوا، فيتعلموا مختبرين شاهدين قائلين: "بالحقيقة كان هذا ابن الله" (مت 27: 54). أما أنتن فلا تخفن "لأن المحبة الكاملة تطرد الخوف إلى خارج" (1 يو 4: 18). "اذهبا سريعًا قولا لتلاميذه أنه قد قام... فخرجتا... بخوف وفرح عظيم" (مت 28: 7). هل هذا أيضًا مكتوب؟ نعم فإن المزمور الثاني الذي يتكلم عن آلام المسيح يقول "اعبدوا الرب بخشية، وهللوا (افرحوا) له برعدة" (مز 2: 7). افرحوا للإله القائم، لكن برعدة من أجل الزلزلة والملاك الذي ظهر مضيئًا! عرف الأنبياء ضعف إيمان رؤساء الكهنة 14. ومع أن رؤساء الكهنة والفريسيين ختموا القبر عن طريق بيلاطس، لكن النسوة تطلعن إلى ذاك الذي يقوم. وقد عرف إشعياء ضعف إيمان رؤساء الكهنة وقوة إيمان النسوة، فقال: "أيتها النسوة الآتيات، انظرن هنا لأن ليس شعبًا ذا فهم"(22). هوذا رؤساء الكهنة يحتاجون إلى الفهم، بينما صارت النسوة شاهدات عيان. وعندما أتى الجنود إلى المدينة وأخبروهم بكل ما حدث، قالوا لهم: "قولوا أنتم إن تلاميذه جاءوا ليلًا وسرقوه ونحن نيام" (مت 28: 13). هل سبق إشعياء فتنبأ عن هذا؟ إنه يقول "أخبرونا وانسبوا لنا خديعة أخرى"(23). الذي قام من الأموات مرتفع، لكن بالنقود خدعوهم. إنما لا يقدرون أن يخدعوا ملوك أيامنا هذه. لقد باع الجنود الحق بالفضة، لكن ملوكنا الصالحين بنوا كنيسة قيامة الرب ومخلصنا المقدسة مرصعة بالفضة والذهب، هذه التي نجتمع نحن فيها، وقد تزينت بكنوز الفضة والذهب والأحجار الكريمة. "وإذا سُمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه" (مت 28: 14). حقًا لقد أقنعتم الجنود، لكنكم لن تقنعوا العالم، لأنه لماذا لم يُحاكم الحراس الذين حرسوا يسوع المسيح، بينما دين حراس بطرس حين هرب من السجن؟ حراس بطرس عاقبهم هيرودس لجهلهم، إذ ليس لهم ما يدافعون به، أما حراس القبر الذين رأوا الحقيقة وأخفوها بالمال، فقد احتموا برؤساء الكهنة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. ومع أن قليلًا من اليهود اقتنعوا بذلك، لكن العالم كله أطاع (الحق). الذين أخفوا الحقيقة اختفوا، أما الذين قبلوها فقد ظهروا بقوة المخلص الذي قام من الأموات، بل وأقام الموتى بنفسه. هؤلاء الذين يقول على لسانهم هوشع النبي: "يُحيينا بعد يومين، في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه" (هو 6: 2). كيف ينكر اليهود العصاة قيامة مخلصنا؟! 15. لكن مادام اليهود العصاة لا يقتنعون بالأسفار المقدسة، بل ينسون كل المكتوب وينكرون قيامة يسوع، فجيد أن نسألهم هكذا: على أي أساس تقولون إن أليشع وإيليا أقاما موتى، بينما تنكرون قيامة مخلصنا؟! أليس لدينا شهادات حيّة من هذا الجيل لما نقول؟ حسنًا وأنتم تقدمون شهادة التاريخ عن ذلك الوقت. إن كان مكتوبًا عمّا تقولونه فإنه مكتوب أيضًا عن هذا (قيامة المخلص)، فلماذا تقبلون شهادة دون الأخرى؟ إن الذين كتبوا التاريخ هم عِبرانيون، والرسل جميعهم عبرانيون، فلماذا لا تصدقونهم؟ متى كتب الإنجيل بالعبرية، وبولس المبشر كان عبرانيًا، والاثني عشر جميعهم عبرانيون، والخمسة عشر أسقفًا لأورشليم الذين رسموا بالتتابع كانوا عِبرانيين(24). فلماذا تقبلون ما هو لكم، وترفضون ما هو لنا الذي كتبه عبرانيون منكم؟! القيامة ممكنة 16. قد يقول قائل: يستحيل أن يكون ميتًا! لقد أقام أليشع ميتًا مرتين، مرة وهو حيّ، وأخرى وهو ميت. فهل تصدق أن أليشع وهو ميت أقام الميت الذي ألقي عليه ولمسه ولا تصدق أن المسيح قام؟! لكن في تلك الحالة حين لمس الميت أليشع قام بينما بقىَ أليشع ميتًا... وأمّا هنا فقد قام الميت الذي نتحدث عنه، وأقام معه كثيرين من الموتى دون أن يلمسوه. لأنه "قام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة (واضح أنها ذات المدينة التي نحن فيها الآن) وظهروا لكثيرين" (مت 27: 52، 54). لقد أقام أليشع ميتًا، لكنه لم يهزم العالم. لقد أقام إيليا ميتًا، لكن الشياطين لا تخرج باسم إيليا. إننا لا نقول شرًا في الأنبياء، لكننا نعظم سيدهم بالأكثر جدًا، فإننا لا نكرم عجائبنا بامتهاننا عجائبهم، بل نحن نكسب ثقة أكثر بما حدث معهم. يونان في الحوت كرمزٍ للقيامة 17. لكنهم قد يقولون أيضًا: جثة ميتة في الحال يقيمها حي، لكن أرنا كيف يمكن لميت أن يقوم بعد ثلاثة أيام، بعدما يدفن يقوم بعد ثلاثة أيام؟ إن كنا نطلب شهادة من الكتاب لإثبات هذه الحقيقة، فقد سبق الرب يسوع المسيح نفسه فأمدّنا بها في الأناجيل قائلًا: "لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" (مت 12: 40). وإذ نفحص قصة يونان نجد شبهًا عظيمًا. فقد أرسل يسوع ليكرز بالتوبة، وهكذا كان يونان. لكن الواحد هرب غير عالم بما آتٍ عليه، والآخر بإرادته جاء ليعطي توبة للخلاص. يونان كان نائمًا في السفينة، غارقًا في النوم وسط البحر العاصف، بينما نام يسوع أيضًا، وبدأ البحر -بعنايته وتدبيره- يرتفع ليعلن قدرة ذاك النائم. قيل للواحد: "ما لك نائمًا؟! قم اصرخ إلى إلهك عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك!" (يونان 1: 6) أما الثاني فقالوا له: "يا رب نجنا" (مت 8: 25، 29). هناك يقول "اصرخ لإلهك" وهنا يقولون: "نجنا أنت". الواحد يقول: "خذوني واطرحوني في البحر فيسكن البحر عنكم" (يونان 1: 12)، أما الآخر فبنفسه "انتهر الرياح والبحر فصار هدوء عظيم" (مت 8: 25، 26). أُلقي الواحد إلى بطن الحوت، والآخر بإرادته نزل هناك حيث يوجد وحش الموت غير المنظور، نزل بإرادته لكي يطرد الموت خارجًا عن أولئك الذين ابتلعهم، كما هو مكتوب: "من قوة القبر أفديهم، من يد الملاك أخلصهم"(25). بقاء يونان حيًا في بطن الحوت والقيامة 18. في هذه النقطة من مقالنا، دعونا نتأمل أيهما أصعب أن يقوم أحشاء من الأرض بعد ثلاثة أيام من دفنه، أم ينجو من الهلاك من دخل في بطن الحوت في الهياج العظيم الذي لهذا المخلوق الحيّ، لأنه من لا يعرف أن هياج أحشاء عظيمة كهذه كفيلة بتحطيم العظام التي تُبتلع؟!... لكن يجيب اليهود قائلين إن قوة الله نزلت مع يونان حين ألقي في الجحيم. فهل يعطي الله حياة لعبده بمساندته بقوته، ولا يعطيها لنفسه أيضًا؟!... إنني أرى أن كليهما جديران بالتصديق، أنا أصدق أن يونان قد حُفظ لأن "عند الله كل شيء مستطاع" (مت 19: 26). أؤمن كذلك أن المسيح قام من الأموات، إذ لنا شهادات كثيرة من الكتب الإلهية، ومن القوة العملية في اليوم الذي قام فيه ذاك الذي نزل إلى الجحيم وصعد بصحبته كثيرون، إذ نزل إلى الموت وخلاله "قام كثير من أجساد القديسين الراقدين". المسيح ينزل الجحيم 19. لقد صُدم الموت برعدة، إذ رأى زائرًا جديدًا ينزل الجحيم دون أن يرتبط بسلاسله. ما لكم يا حراس الجحيم ارتعبتم عند رؤيته؟! ما هو هذا الخوف غير المعتاد الذي تملككم؟! الموت هرب وبهروبه انكشف جبنه. لقد جرى إليه الأنبياء القديسون وموسى مستلم الشريعة، وإبراهيم، وإسحق، ويعقوب، وأيضًا داود وصموئيل وإشعياء ويوحنا المعمدان الذي شهد له حين سُئِل: أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ لقد أفتدى كل الصالحين الذين ابتلعهم الموت. إنه يليق بالملك أن يخلص مرسليه النبلاء، فيقول كل منهم: أين غلبتك يا موت؟! أين شوكتك يا قبر؟! لأن الغالب قد خلصنا. يونان مثال السيد المسيح في الجحيم 20. كان النبي يونان في هذا مثالًا لمخلصنا عندما صلى في بطن الحوت، وقال: "دعوت من ضيقي"، وأيضًا: "صرخت من جوف الجحيم" (يونان 2: 2). ومع أنه كان في داخل الحوت، لكنه يقول إنه في الجحيم، لأنه كان مثالًا لمخلصنا الذي كان لزامًا أن ينزل إلى الجحيم. وبعد قليل يتحدث في شخص المسيح بوضوح جدًا، قائلًا: " نزلت (رأسي) إلى أسافل الجبال" (يونان 2: 6). لقد كان في بطن الحوت، فأي جبال تحيط بك؟ إنه يقول إنني أعلم أنني مثال لذاك الذي يُدفن في قبرٍ منحوتٍ في الصخر. ومع أنه كان في البحر يقول يونان إنه نزل إلى الأرض، إذ كان مثالًا للمسيح الذي نزل في قلب الأرض. كما يتنبأ يونان عن أعمال اليهود الذين أقنعوا الجنود أن يكذبوا قائلين لهم: "قولوا إنهم سرقوه"، إذ يقول النبي "الذين يراعون أباطيل كاذبة يتركون رحمتهم (نعمتهم)" (يونان 2: 8)، لأن الذي كان رحيمًا معهم جاء وصلب وقام ثانية، واهبًا دمه الغالي لليهود والأمم، أما هم فقالوا: "قولوا إنهم سرقوه" مستخدمين أباطيل كاذبة. أما عن قيامته، فيقول إشعياء أيضًا: "هو الذي أقام من الأرض راعي الخراف العظيم"(26). لقد أضاف كلمة "العظيم" حتى لا يظن أنه في مستوى الرعاة الذين سبقوه. شهود قيامة السيد المسيح 21. فإذ لنا النبوات، فليثبت معنا الإيمان. يسقط غير المؤمنين ماداموا يريدون هكذا، أما أنتم فلتثبتوا على صخرة الإيمان بالقيامة. لا تتركوا هرطوقي يتكلم بشرٍ عن القيامة، لأنه حتى هذا اليوم يقول المانيوّن إن قيامة المخلص كانت كخيالٍ وليست حقيقة، غير منتبهين إلى قول بولس: "الذي صار من نسل داود من جهة الجسد... بقيامة ربنا يسوع المسيح من الأموات" (راجع رو 1: 3، 4)، كذلك يقصدهم قائلًا: "لا تقل في قلبك من يصعد إلى السماء؟! أو من يهبط إلى العمق، أي ليُصعِد المسيح من الأموات" (رو 10: 6، 7). وبنفس الطريقة يحذر في موضع آخر: "اذكر يسوع المسيح المُقام من الأموات" (2 تى 2: 8). وأيضًا: "وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطلة كرازتنا، وباطل أيضًا إيمانكم، ونوجد نحن أيضًا شهود زور لله، لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسيح وهو لم يقمه" (1 كو 15: 14-15). ويكمل بعد ذلك: "ولك الآن قد قام المسيح من الأموات، وصار باكورة الراقدين" (1 كو 15: 20)، "وظهر لصفا ثم للاثني عشر" (1 كو 15: 5)، حتى إن لم تصدقوا شهادة واحد فلكم اثنا عشر شاهدًا. "وبعد ذلك ظهر ليعقوب" أخيه أسقف أورشليم الأول. فإن عرفت أن هذا الأسقف رأى المسيح يسوع حين قام فلا تشك أنت تلميذه. لكنكم تقولون إن أخاه يعقوب لم يشهد بوضوح. يقول الرسول: "وآخر الكل ظهر لي أنا" (1 كو 15: 8) بولس عدوه. وأية شهادة لا تُصدق إن كان العدو يشهد بها؟! "أنا الذي كنت قبلًا مضطهدًا" (1 تي 1: 13)، أكرز الآن بأخبار القيامة المفرحة. شهادة الأمور المادية لقيامة المخلص 22. يوجد أيضًا شهود كثيرون يشهدون بقيامة المخلص: الليل مع ضوء القمر الساطع (إذ كانت في الليلة السادسة عشرة)(27)، صخرة القبر الذي تقبله، فستقف الصخرة شاهدة ضد اليهود... الحجر الذي دحرج يحمل شهادة عن قيامة المخلص، وهو لا يزال إلى يومنا هذا. ملائكة الله الذين شهدوا بقيامة الابن الوحيد، بطرس ويوحنا وتوما وبقية الرسل، بعضهم جرى إلى القبر ورأى الأكفان التي كان ملفوفًا بها باقية كما هي بعد القيامة، وآخرون لمسوا يديه ورجليه وتحسسوا آثار المسامير. والكل تمتع بنفخة المخلص هذه، وتأهلوا أن يغفروا الخطايا بقوة الروح القدس. النسوة أيضًا كن شاهدات، فقد أمسكن بقدميه وأحسسن بزلزلة قوية، بهاء الملاك الذي وقف بهن شاهدًا بالقيامة، الملابس الكتانية الذي كان ملفوفًا بها وقد تُركت حين قام، الحراس والنقود التي أُعطيت لهم، هذا المكان الذي ترونه، وهذه الكنيسة المقدسة التي تذكرها الإمبراطور قسطنطين في محبته، فبناها وزينها كما ترون. طابيثا تشهد لقيامة المخلص 23. يوجد أيضًا دليل على قيامة يسوع هو طابيثا التي باسمه قامت من الأموات (أع 9: 40). كيف لا يُصدق أن المسيح قام من الأموات، إن كان حتى اسمه أقام الموتى؟! البحر أيضًا يشهد بقيامة المسيح كما سمعتم قبلًا، والسمك المُصطاد والحجر والسمك الموضوع هناك وبطرس الذي أنكره ثلاث مرات ثم اعترف به أيضًا ثلاث مرات بعد قيامته فأوصاه أن يرعى غنمه الروحي. إلى يومنا هذا يقف جبل الزيتون أمام أعين المؤمنين جميعًا شاهدًا للذي صعد إلى السماء من هناك، من المكان الذي بدأ فيه آلامه بين الناس وانتهى بتتويجه بينهم. ها هي شهادات كثيرة: مكان القيامة ذاته، موضع الصعود نحو المشرق، الملائكة الذين شهدوا أيضًا، السحابة التي صعد عليها، الرسل الذين كانوا هناك. صعود المخلص يشهد لقيامته 24. قادنا الحديث في تعليمنا عن قانون الإيمان إلى الحديث عن الصعود. وقد دبرت نعمة الله أن تسمعوا بالأمس في يوم الرب عنه بأكثر توسع حسب ضعفنا... وما قد قيل وُجه إلى الجميع، إلى المؤمنين المجتمعين جميعهم، لكنه كان بالأكثر يخصكم أنتم. والسؤال هو: هل انتبهتم إلى ما قيل؟ إذ كلمات قانون الإيمان تعلمكم "الذي قام من الأموات في اليوم الثالث، وصعد إلى السماوات وجلس عن يمين الآب". أظن أنكم تذكرون التفسير، لكنني استرجع أذهانكم إلى ما قيل. تذكروا ما قاله المزمور بوضوح: "صعد الله بهتاف" (مز 47: 5). تذكروا أيضًا ما جاء في المزمور من حديث القوات الإلهية مع بعضها البعض "ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم" (مز 24: 7). تذكروا أيضًا المزمور القائل: "صعد إلى العلا وسبى سبيًا" (مز 68: 18). تذكروا النبي القائل: "الذي يبنى صعوده نحو السماء..."(28). وغير ذلك من الأمور التي سبق ذكرها بسبب مغالطات اليهود. الصعود ورموزه 25. فإذ يتكلمون ضد صعود المخلص كأمر مستحيل، فليذكروا كيف حمل ملاك حبقوق من شعر رأسه(29)، فبالأحرى جدًا يستطيع إله الملائكة والأنبياء أن يصعد على سحابة من جبل الزيتون بقوته الخاصة. يمكنكم أن تتذكروا عجائب كهذه لكن لتعط المكانة الأولى لله صانع العجائب. فهؤلاء رُفعوا أما هو فرافع كل الأشياء. تذكروا أن أخنوخ نقُل أما يسوع فصعد. تذكروا ما قيل بالأمس عن إيليا أنه أُصعد في مركبة نارية (2 مل 2: 11)، أما مركبات المسيح فربوات ألوف (مز 68: 17). إيليا أخذ ناحية شرق الأردن، أما المسيح فصعد شرق وادي قدرون. إيليا ذهب كما إلى السماء، أما المسيح ففي السماوات. إيليا قال أن يُعطى لتلميذه الطوباوي نصيب مضاعف من الروح القدس، أما المسيح فمنح رسله نعمة الروح القدس هكذا حتى أنهم لم يأخذوه لأنفسهم وحدهم بل وهبهم أن يمنحوا المؤمنين أن يشتركوا معهم فيه بوضوح الأيدي. الرسل ليسوا بأقل من الأنبياء 26. ولكن حينما تناضلون مع اليهود هكذا، وحينما تجاوبونهم بأمثلة متشابهة يلزمكم بالأحرى أن تُظهروا عظمة مجد المخلص، إذ هؤلاء خدام أما هو فابن الله. وهكذا يمكنكم أن تذكروا سموه بالتفكير في أن خادم المسيح قد بلغ السماء الثالثة. فإن كان إيليا قد بلغ السماء الأولى فإن بولس بلغ الثالثة، فحصل على كرامة أعظم. لا تخجلوا من رسلكم! أنهم ليسوا أقل من موسى، ولا يأتون بعد الأنبياء. إنما هم نبلاء بين نبلاء، نعم بل وأكثر نبلًا. لأنه حقًا أُخذ إيليا إلى السماء، ووُهب بطرس مفاتيح ملكوت السماوات. إذ سمع هذه الكلمات "ما تحلِّه على الأرض يكون محلولًا في السماء" (مت 16: 19). إيليا أُخذ إلى السماء، أما بولس فإلى السماء والفردوس (2 كو 12: 2، 4)، (إذ يليق أن يكون لتلاميذ المسيح نعمة مضاعفة)، "وسمع كلمات لا يُنطق بها، ولا يسوغ لإنسانٍ أن يتكلم بها". لكن بولس نزل ثانية من فوق ليس لعدم استحقاقه أن يبقى هناك، إنما لكي ما بعد أن تمتع بالأمور التي تعلو على الإنسان يعود ويكرز بالمسيح ويموت لأجله فيأخذ إكليل الشهادة... الجلوس عن يمين الآب 27. تذكروا أيضًا ما كنت أتحدث عنه كثيرًا بخصوص جلوس الابن عن يمين الآب، حيث جاء في قانون الإيمان: "وصعد إلى السماوات، وجلس عن يمين الآب". ليتنا لا نتطفل في معرفة معنى "العرش"، لأنه غير مدرك. لكننا لا نقبل أبدًا القائلين كذبًا أن الابن بدأ يجلس عن يمين أبيه بعد صلبه وقيامته وصعوده إلى السماوات، لأن الابن لم يتمتع بالعرش بالتقدم (أي ترقى إليه)، بل هو دومًا على العرش حيث كائن. وقد عرف إشعياء النبي هذا العرش قبل مجيء المخلص في الجسد فيقول "رأيت السيد جالسًا على عرش عالٍ ومرتفع" (إش 6: 1). وقد قيل أن الآب لم يره أحد قط (يو 1: 18)، فكأن النبي رأى الابن. يقول أيضًا المرتل: "كرسيك مثبت منذ القدم، منذ الأزل أنت" (مز 93: 2). وإذ توجد أدلة كثيرة على هذا لكن لسبب تأخر الوقت اكتفي بما قلته. قال الرب لربي اجلس عن يميني 28. لكن الآن يجب أن أذكركم بقليل من كثير مما يُقال بخصوص جلوس الابن عن يمين الأب، فالمزمور المائة والتاسع يقول: "قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئ قدميك" (مز 109: 1). ويؤكد المخلص هذا في الأناجيل، ذاكرًا أن داود لم ينطق بهذا من نفسه بل بوحي الروح القدس قائلًا: "كيف يدعوه داود بالروح ربًا قائلًا: قال الرب لربي أجلس عن يميني؟!" (مت 22: 43)، وقد استخدم بطرس والأحد عشر رسولًا هذا الدليل بنفس كلمات المزمور المائة والتاسع في سفر الأعمال في يوم البنطقسطي (حلول الروح القدس) عندما وقف ووعظ الإسرائيليين. شهادات أخرى خاصة بجلوس الابن عن يمين الآب 29. لكن يليق بنا أن نذكركم بشهادات أخرى خاصة بجلوس الابن عن يمين الآب. جاء في إنجيل متى: "وأيضًا أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوة..." (مت 26: 64). وتبعًا لهذا يكتب الرسول بطرس قائلًا: "بقيامة يسوع المسيح الذي هو في يمين، الله إذ قد مضى إلى السماء" (1 بط 3: 21، 22). ويكتب الرسول بولس إلى أهل رومية: "المسيح هو الذي مات، بل بالأحرى قام أيضًا، الذي هو أيضًا عن يمين الله" (رو 8: 34). وإلى أهل أفسس: "حسب عمل شدة قوته الذي عمله في المسيح إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه..." (أف 1: 19، 20). كما علّم أهل كولوسي بهذا: "إن كنتم قد قمتم مع المسيح، فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله" (كو 3: 1). وفي الرسالة إلى العبرانيين يقول: "بعدما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي" (عب 1: 3). ثم أيضًا: "لمن من الملائكة قال قط: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك؟!" (عب 1: 13) ثم أيضًا: "أما هذا فبعدما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الأبد عن يمين الله، منتظرًا بعد ذلك حتى يُوضع أعداؤه موطئًا لقدميه" (عب 10: 12). وأيضًا "ناظرين إلى رئيس إيماننا ومكمله يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزي، فجلس في يمين عرش الله" (عب 12: 2). ربنا يسوع المسيح يملك العرش عن يمين الآب قبل كل الدهور 30. بالرغم من أنه توجد نصوص أخرى كثيرة بخصوص جلوس الابن الوحيد عن يمين الله، إلاّ أننا نكتفي بهذه الآن، مكررًا ملاحظتي أن الابن لم يحصل على كرامة هذا المكان بعد مجيئه بالجسد بل الابن الوحيد ربنا يسوع المسيح قبل كل الدهور يملك العرش عن يمين الآب على الدوام... إذًا اثبتوا غير متزعزعين في رجائكم في الذي قام. قوموا معه جميعًا من خطاياكم المميتة إلى عطيته السمائية. احسبوا أنفسكم أهلًا للاختطاف في السحب لملاقاة الرب في الهواء" (1 تس 4: 17)، في حينه، حين يأتي وقت ظهوره الثاني المجيد. اكتبوا أسماءكم جميعًا في سفر الحياة ولا تمسحوها أيضًا (لأن أسماء الكثيرين تُمحى بسقوطهم). ليهبكم جميعًا أن تؤمنوا بالذي قام، وتتطلعوا إلى الذي صعد وسيأتي (ولكن ليس من الأرض، إذ يلزمك أن تحترسوا من الكذابين الذين سيأتون)، إنما يأتي ذاك الذي يجلس في العلا وهو معنا جميعًا، "ناظرًا ترتيبكم ومتانة إيمانكم" (كو 2: 5). فلا تظنوا أنه بغيابه بالجسد غائب عنا بالروح، بل هو موجود في وسطنا، يسمع ما يُقال عنه، متطلعًا إلى أفكاركم الداخلية، فاحصًا القلوب والكلى (مز9:7)، الذي هو الآن مستعد أن يحضر الآتين إلى العماد، بل ويحضركم جميعًا في الروح القدس للآب، قائلًا: "ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم الله" (عب 2: 13، إش 8: 18). هذا الذي له المجد إلى الأبد. آمين. |
||||
|