|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الروحانية والمقارنة بالمستوي النفساني والمستوي الجسداني الروحانية هي أولًا سلوك بالروح. وقد ورد الكثير عن هذا الأمر في رسالة بولس الرسول إلي روميه إذ قال (لا شيء من الدينونة الآن علي الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد، بل حسب الروح) (رو1:8). وقال أيضًا "فإن الذين هم حسب الجسد، فبما للجسد يهتمون. ولكن الذين حسب الروح، فبما للروح (يهتمون). لأن اهتمام هو موت ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام. ولان اهتمام الجسد هو عداوة لله".. فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله. إذن الروحانية هنا هي ارتفاع عن مستوي السلوك بالجسد. هنا واجب أن أقول لكم إن الإنسان يتكون من ثلاثة عناصر: الروح والنفس والجسد. وقد وضح القديس بولس هذا الأمر، حينما قال في رسالته الأولي إلي أهل تسالونيكي "إله السلام نفسه يقدسكم بالتمام. ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم.." (1تس23:5) إن الإنسان تكون من روح ونفس وجسد. وهنا نقول إن الإنسان الروحاني لا يسلك حسب الجسد، ولا حسب النفس. السلوك حسب الجسد واضح جدًا للجميع.. كالإنسان الذي يسلك في شهوات الجسد كشهوة الزنى، أو شهوة الطعام، أو شهوة الملبس.. ألخ. ولكن ماذا إذن عن السلوك النفساني؟ نقول اولًا: لقد حارب الآباء الرسل السلوك النفساني وأدانوه. فالقديس يهوذا الرسول يقول في رسالته "إنه في الزمان الأخير سيكون قوم مستهزئون سالكون بحسب شهوات فجورهم. هؤلاء هم المعتزلون بأنفسهم نفسانيون لا روح لهم" (يه19:18). لاحظوا إذن قوله: نفسانيون لا روح لهم. هؤلاء "سالكون بحسب شهوات فجورهم "ولعله يفهم من هذا ان شهوات الجسد تقودها عوامل نفسانية خاطئة، بعيدة عن اتجاه الروح.. والقديس يعقوب الرسول يفرق بين الحكمة الإلهية، وحكمة أخري يقول عنها إنها "ليست نازلة من فوق بل هي أرضية نفسانية شيطانية" وإنها تسبب الغيرة المرة والتخرب والتشويش وكل أمر ردئ (يع3: 14-16). لاحظوا أن صف نفسانية ارتبط أيضًا بعبارة "أرضية شيطانية".. ما أصعب هذا الوصف.. ربما هذا التفصيل غير مستخدم كثيرًا. فالناس غالبًا ما يتحدثون فقط عن السلوك الروحاني، والسلوك الجسدي. ونادرًا ما يتحدثون عن السلوك النفساني الممقوت... الإنسان النفساني تقوده النفس وغرائز النفس وعقلية النفس ومشاعرها بدون روح. وهذا أمر فيه أخطاء وخطايا كما سنري. والإنسان الجسداني تقوده شهوات الجسد ورغباته. فماذا إذن عن الإنسان الروحاني؟ الإنسان الروحاني يتصف بصفتين وهما: 1- ينتصر علي الجسد وعلي النفس، ويسلك حسب الروح. 2- الصفة الثانية أن روحه تخضع لروح الله... يوجد إنسان في داخله صراع بين شهوات الجسد وشهوات الروح (غل5: 16،17). أما الروحاني فقد خضع فيه الجسد تمامًا للروح. ولكن هذا وحده لا يكفي، لأن اخطاء الإنسان ليس سببها فقط شهوات الجسد. فهو قد يخطئ بروحه وحدها.. ولا تتعجبوا من هذا فالشيطان روح، ومع ذلك فقد أخطأ. فهو روح متمردة وروح شريرة. والكتاب يتحدث كثيرًا عن الأرواح الشريرة. والسيد المسيح أعطي تلاميذه سلطانًا علي أخراج الأرواح الشريرة، اي أرواح الشياطين. إذن ممكن أن الأرواح تخطئ. وممكن أن الإنسان يخطئ بروحه.. إذن الإنسان الروحي، إنه لا يخطي بروحه، لأن روحه خاضعة تمامًا لروح الله.. إذن الإنسان الروحي: نفسه وجسده يخضعانه لوحه، وروحه تخضع لروح الله. ولذلك نقرًا في الرسالة إلي رومية عبارة جميلة جدًا وهي "لأن كل الذين ينقادون بروح اله، فأولئك هم أولاد الله" (رو14:8). هؤلاء هم الروحانيون، الخاضعون لروح الله. الذين يقودهم روح الله، وهم طائعون لقيادة روح الله. ولكن تنقاد بروح الله ينبغي ان يكون روح الله ساكنًا فيك. من أجل هذا، جعل الله روحه يسكن فينا. فقال الكتاب "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله ساكن فيكم" (1كو16:3). وروح الله الذي فيك يعطي روحك معرفة، ويعطيها إرشادًا. ويقودها في الطريق.. يوبخها علي خطية، ويحثها علي الخير، ويذكرها بكل ما قاله الرب ويعلمها كل شيء (يو26:14). لذلك الكنيسة تمنحك المسحة المقدسة، مسحة الروح. وعن هذه المسحة تحدث القديس يوحنا الحبيب مرتين في رسالته الأولي، فقال "وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء" (وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم) (1يو2: 20،27). ونحن ننال هذه المسحة في سر الميرون المقدس. وكانوا ينالونها في بداية العصر الرسولي بوضع اليد. إذن تعتمد علي قيادة روح الله لك، وليس علي الحكمة البشرية وحدها... الحكمة البشرية وحدها هي جهالة عند الله (1كو19:3). وقد شرح القديس بولس الرسول هذا الأمر بعمق شديد وتفصيل، في رسالته الأولي إلي أهل كورنثوس، في الإصحاح الثاني... أمثلة للمستويات الثلاثة: الشهوة هناك شهوات للجسد والنفس والروح. شهوة الجسد هي الخطية كشهوة الحواس، وشهوة الزني، وشهوة البطن. وشهوة النفس أحيانًا تكون نوعًا من الذات وحب النفس. ولنضرب مثالًا في كل ذلك بسليمان الحكيم. لقد سلك في هذه الشهوات فقال "مهما اشتهته عيناي، لم أمنعه عنهما" (جا10:2)،وشرح تفاصيل ذلك فقال "بنيت لنفسي بيوتًا. غرست كرومًا. عملت لنفسي جنات وفراديس، وغرست فيها أشجارًا من كل ثمر. عملت لنفسي برك مياه. قنيت عبيدًا وجواري.. جمعت لنفسي فضة وذهبًا.. اتخذت لنفسي مغنين ومغنيات وتنعمات بني البشر سيدة وسيدات" (جا2: 4-8). هنا شهوة الجسد، وشهوة العيون، وشهوات باقي الحواس.. هذه هي شهوة الجسد، ووجدها باطلة وقبض الريح. وماذا إذن عن شهوات النفس؟ يقول "لم أمنع قلبي من كل فرح. لأن قلبي فرح بكل تعبي. وهذا كان نصيبي من كل تعبي. وهاذ كان نصيبي من كل تعبي..".. وهنا نقول: فرح سليمان بكل غناه وشهوات جسده كان فرحًا نفسانيًا. ولم يكن فرحًا روحيًا علي الإطلاق. فما هو الفرح الروحي. الفرح الفرح النفساني، هو فرح بشهوات الجسد، كما فرح سليمان بكل متعه وغناه. أما فرح الروح فهو الذي يقول عنه الكتاب: "أفرحوا في الرب كل حين.. (في4:4). الفرح بالرب هو فرح روحاني. تفرح لأنك عرفت الله، تفرح لأن لك صلة بالله وعشرة، تفرح بسكني روح الله فيك وإرشاده لك. تفرح لأنك نلت مذاقة الملكوت، تفرح لانتصار روحك التي حررها الله (يو36:8). تفرح لأنك استطعت أن توصل الناس إلي الله. تقرأ عن فرح سليمان في (جا). فلا تجد اسم الرب إطلاقًا..! إنه فرح بالجنات والفراديس، والشجر، والبقر، والذهب، والفضة، والسيدات والمغنيات. وليس بروح وصله روحه بالله. إنه مجرد نفساني، باطل وقبض الريح.. لهذا نحن نفرق في امور الفرح بين تعبيرات عديدة مثل اللذة (وهي خاصة بالجسد والحواس). والسرور والفرح (وبعضها خاص بالنفس والآخر بالروح). تلاميذ المسيح وقعوا أحيانًا في الفرح النفساني. إنه فرح ليس من نوع فرح سليمان، بل هو نوع ارقي منه، ولكنه مرفوض أيضًا. رجع السبعون إلي الرب فرحين، بعد إرساليتهم التبشيرية، وقالوا له "حتى الشياطين يا رب تخضع لنا باسمك" (لو17:1). فوبخهم الرب علي هذا الفرح النفساني، وقال لهم "لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم. بل افرحوا بالحري أن أسماءكم قد كتبت في السموات" (لو20:10). وهكذا فرق الرب بين نوعين من الفرح: نوع وبخ عليه ونوع دعا إليه. مثال آخر وهو الفرح البعض بموهبة الألسنة وما يشابهها. إنه فرح بشئ يمجده أمام الناس ويرفع شأنه!! يريد أن يتعظم علي حساب مواهب الله.. وكان الأفضل أن يهتم بنقاوة قلبه وإمتلاء القلب بثمار الروح. وفي ذلك قال الرسول "لو كنت اتكلم بألسنة الناس والملائكة، وليس لي محبة، فقد صرت نحاسًا يطن وصنجًا يرن" (1كو13). إذن افرح بثمار الروح، أكثر مما تفرح بالمواهب. ثمار الروح التي هي "محبة وفرح وسلام، وطول أناة ولطف صلاح إيمان وداعة تعفف (غل5: 22،23). وهذه توصلت إلي الملكوت بينما المواهب والآيات والرؤي ربما لا توصل..! يقول السيد الرب: "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب، أليس بإسمك تنبأنا وبإسمك أخرجنا شياطين، وبإسمك صنعنا قوات كثيرة، فحينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم قط اذهبوا عني يا فاعلي الآثم" (مت7: 22،23). قيل عن القديس يوحنا المعمدان أنه لم يصنع آية واحدة (يو41:10) ومع ذلك شهد له الرب إنه أعظم من ولدته النساء (يو11:11). وفي التبشر بمولده قيل عنه إنه "من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس (لو15:1). فلا تفرح إذن بالآيات. القديس بولس الرسول خاف من كثرة الرؤى والاستعلانات. لأنها خطيرة، ربما ترفع قلبه. ولذلك قال "ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات، أعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع" (2كو7:12). وصلي ثلاث مرات أن يرفع الله عنه هذه الضربة، ولم يقبل صلاته في ذلك... أم يعقوب ويوحنا الرسولين وقعت في الفرح النفساني الباطل. فجاءت إلي السيد تطلب أن يجلس أحد إبنتيها عن يمينه، والآخر عن يساره في ملكوت (مت20: 20، 21).ولكن الرب لم يشأ أن يكون لها فرح بالعظمة، بل أن يكون لإبنيها فرح بالألم. فقال لهما "لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي اشربها، وأن تصطبغًا بالصبغة التي أصطبغ بها" (مت22:20). واستجاب الرب لطلبة هذه القديسة، فكان إبنها أول الشهداء من الرسل الإثنتي عشر (أع2:12)، وجلس مع الرب عن يمينه.. حقًا إن الفرح بالألم هو جزء من الفرح الروحي. ولذلك بعدما سجنوا التلاميذ وجلدوهم، يقول الكتاب عنهم "وأما هم فذهبوا فرحين، لنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه" (أ41:5). ويقول القديس بولس الرسول "لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضربات والاضطهادات لأجل المسيح" (2كو10:12). وهكذا كان سرور الشهداء والمعترفين القديسين بملاقاة العذابات والموت. إنه فرح روحاني. ولعل من الأمثلة البارزة تلك القديسة العظيمة التي ذبحوا أبناءها الخمسة علي حجرها وهي تشجعهم علي الاستشهاد، لكي يفرحوا مع الرب في ملكوته. وهي أيضًا فرحت باستشهادهم. إن الذي يفرح بأن ينال موهبة المعجزات والآيات، هو ما يزال في مستوي الفرح النفساني. أما الفرح الروحاني، فهو بالرب وليس بمواهبه، وما تجلبه المواهب من عظمة.. إن المستوي الروحي، والمستوي النفساني، والمستوي الجسداني يمكن تطبيقها علي كثير من المشاعر والعمال، وعلي كثير من إتجاهات البشر وأعمالهم. ولكننا ذكرنا ما ذكرنا كمثال.. والأمثلة كثيرة.. |
20 - 01 - 2014, 04:20 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
تأثر حياة الفضيلة بالقراءة والسمع وباقي الحواس الفكر والحواس فكر الإنسان أمر هام في حياتية الروحية، والفكر ينبع من مصا، ويصب في أخري. وحواس الإنسان هي من منابع الفكر. ما يقرأه أو يسمعه يولد له أفكارًا. وما يراه أيضًا ينشغل به العقل والفكر.. الحواس توصل للعقل أفكارًا. وما يفكر فيه العقل، يوصله إلي القلب كمشاعر وأحاسيس. وما أسهل أن مشاعر القلب تصل إلي الإرادة، ومنها إلي العقل.. الحواس لا تؤثر علي العقل الواعي فقط، إنما علي العقل الباطن أيضًا. ما تجمعه العين والأذن، من مناظر وسماعات وقراءات، كثيرًا ما يتطبع -حسب عمقها- في العقل الباطن. وتظهر فيما بع كأحلام أو ظنون أو أفكار أخري. لأن الفكر يلد فكرًا، أو أفكارًا كثيرة. والعقل دائم العمل لا يتوقف.. حسب الغذاء الذي تقدمة للعقل، تكون أفكاره... قد تجلب له الحواس أفكارًا خيرة، وقد تجلب له أفكارًا شريرة.. وحس نوعية الوقود، أتون النار.. فاحرص علي حواسك، لتضمن سلامة فكرك. وأسأل نفسك أي نوع من الفكر يدور في عقلك؟ أهو فرك خطية، أم فكر تافه، من أمور العالم الزائلة؟؟ والكنيسة تستخدم الحواس كواسطة روحية: فتجد في الكنيسة الأيقونات مثلًا. تقف أمام الأيقونة، فتأتيك أفكارًا عن حياة صاحبها، وقداسته وجهاده وآلامه.. نسمع عن المهاتما غاندي اكبر زعيم روحي للهند: أنه عندما زار فرنسا، وقف أما أيقونة السيد المسيح المصلوب وبكي.. الكنيسة أيضًا تقدم للحواس الألحان والموسيقي، ولها تأثيرها في القلب والفكر. وتقدم البخور، وهو صاعد إلي فوق برائحة زكية. وتقدم للعن أيضًا الملابس الكهنوتية البيضاء، والشموع المضاءة، وتحركات الكهنة والشمامسة، ومناظر الوقوف الركوع والسجود.. وكل ذلك يجلب للعقل أفكارًا، وللقلب وأحاسيس.. وهكذا مع باقي الطقوس الكنسية.. وبالإضافة إلي هذه القراءات، وتأثيرها: القراءاتالقراءات تؤثر كثيرًا في حياتك وشخصيتك. · يمكن أن تغرس في النفس مبادئ وقيمًا، حسب نوعية القراءة. فالشاب الذي يقرأ كثيرًا عن الحرية، تغرس فيه أفكار غير الذي يقرأ عن الواجبات والالتزام والتضحية. والذي يقرأ عن النسك والزهد والموت عن العالم، تكون أفكاره غير الذي يقرأ عن غيرة والعمل والحماس والجهاد.. إن القراءة يمكنها أن تشك شخصية الإنسان. · كذلك القراءة توسع الفكر، وتعمق مفاهيم معينة،؟ وتزيد المعارف. وما أصدق الشاعر الذي قال عن القراءة في التاريخ: ومن وَعَى التاريخ في صدره أضاف أعمارًا إلي عمره * القراءة تستطيع أن تبعد الفكر عن التوافه. فالمرأة التي لا تقرأ، ربما لا تعرف سوي الحديث عن الطبيخ والملابس والحفلات وأخبار الناس، بعكس المرأة المثقفة التي تجيد الكلام في موضوعات لها عمق.. وبالمثل الرجل الذي لا يعرف سوي المقهى والنادي ودروب اللهو، تكون شخصيته سطحية، وأحاديثه بلا نفع أو قد تضر، وعلي عكسه الرجل الذي يقرأ ويدرس ويثقف نفسه... ولهذا نحن نفرح بتعليم المرأة، ونحث الناس علي القراءة حتى الأطفال.. ونشجع علي تكوين المكتبات. ونطلب من الآباء والمرشدين أن يوجهوا أبناءهم في نوعية القراءة التي تفيدهم والتي تناسبهم. * الكتب النافعة تؤثر علي الروح، وتقودها إلي الله. فهي تشرح للعقل موضوعات ما كان يعرفها، وتناقش معه أفكارًا ربما كان يتقبلها بالتسليم، فأصبح بدخلها في نطاق الحوار. وما كنا نقوله منذ سنوات عن مراحل السن عند الأطفال، تغير حاليًا عن ذي قبل تغيرًا كبيرًا جدًا، بقدر ما يقدمه المجتمع للطفل والشاب من معلومات، وما يقدمه أيضًا لرجل الشارع. وبازدياد المطبوعات سواء في الكتب أو الجرائد أو المجلات، تغير الفكر عن ذي قبل، بحسب نوعية القراءة ونوعية الثقافة.. والقراءة تمنح العقل لونًا من النمو والنضوج. فهي تشرح للعقل موضوعات ما كان يعرفها، وتنافس معه أفكارًا ربما كان يتقبلها بالتسليم، فأصبح يدخلها في نطاق الحوار. وما كنا نقوله منذ سنوات عن مراحل السن عند الأطفال، تغير حاليًا عن ذي قبل تغيرًا كبيرًا جدًا، يقدر ما يقدمه المجتمع للطفل والشاب من معلومات، وما يقدم أيضًا لرجل الشارع. وبازدياد المطبوعات سواء في الكتب أو الجرائد أو المجلات، تغير الفكر عن ذي قبل، بحسب نوعية القراءة ونوعية الثقافة... مستوي المعرفة ازداد. ولكن أية معرفة؟ حسب قراءاتك تكون معرفتك، وحسب معارفك حياتك. فما هو نوع قراءاتك؟ السياسة والاقتصاد والأخبار؟ أم القراءة عن الجرائم والأحداث والانحرافات؟ أم القراءة في العقيدة والإيمان؟ أم القراءة في الروحيات؟ أم في النسك أو في سير القديسين....؟ ما تقرأ سيؤثر فيك، ويدفع حياتك في اتجاه معين. لا تقل أنا لا أتأثر. فقد تأثرت عقليات جبارة جدًا. مثال ذلك أوريجانوس، أعظم عالم لاهوتي في القرن الثالث، وعلي مدي قرون كثيرة تأثر بقراءاته الفلسفية، وتأثر بالأفلاطونية والأفلاطونية الحديثة. وظهر ذلك واضحًا في كتابته عن الرواح، وعن الوجود السابق لها. وتأثره في كلامه حتى عن الملائكة، وعن الخلاص، والحياة الأخرى.. وحرمته الكنيسة، وحرمته مجامع...!! وكثيرون ممن قرأوا كتبًا غربية أو غريبة، تأثروا بها. وظهر هذا التأثير واضحًا في أفكارهم؟؟ سواء الذين انحرفوا نحو طوائف أخري، أو الذين تأثروا بالقراءات الفلسفية، أو كتب الشيوعية والإلحاد، أو بكتب أخري تغرس الشكوك، كالذين قرأوا كتب شهود يهوه، أو كتب السبتيين وأمثالهم.. ومن هذا النوع كثيرون، أذكرهم وأنا باك كما قال الرسول ولعل في مقدمتهم شخص كان الأول علي كلية اللاهوت، ثم وضع كتابًا عنوانه (الإنسان هو الذي خلق الله علي صورته)!! لهذا كله كانت الكنيسة تحرم كتب الهراطقة: لا تحرم الهراطقة فقط، وإنما كتبهم أيضًا، وتأمر بحرقها. وهكذا قيل في سفر أعمال الرسل (وكان كثيرون من الذين يستعملون السحر، يجمعون الكتب ويحرقونها امام الجميع)(أع9:19). لهذا كله ينبغي تنقية المكتبات في الكنائس، حرصًا علي أفكار القراء وعلي إيمانهم وتكون القراءة تحت أرشاد. ومن يعرض -علي سبيل المعرفة- فكرًا خاطئًا، ينبغي في نفس الوقت أن يقدم الرد عليه، ويكون الرد قويًا.. كذلك من يتعرضون للنقد الكتابي Biblical Criticismلابد أن يكونوا علي مستوي القوة في مناقشة الأفكار. هناك أمثلة كثيرة للمعرفة الخاطئة المضللة:ولعله بسببها قال الحكيم في سفر الجامعة إن الذي يزداد علمًا، يزداد غمًا (جا8:1)،يقصد العلم بأشياء تضر أو تشكك أو تتعب الفكر. ولعله عن تلك المعرفة الضارة قال فستوس الوالي للقديس بولس الرسول "الكتب الكثيرة تحولك إلي الهذيان" (أع24:26). طبعًا كان يظلم القديس. في هذه العبارة ما كانت تنطبق عليه. ولكنها يمكن أن تنطبق علي غيره. الهدف من القراءة(*) هناك من يقرأ لمجرد الرغبة في المعرفة. (*) ومن يقرا للدراسة، وللبحث عن الحقيقة. (*) وهناك من يقرأ مقررات مفروضة عليه كالطلبة في الجامعات والمدارس، وذلك لكي ينجحوا ويحصلوا علي شهادات. (*) نوع آخر يقرأ للتسلية وللمتعة، كمن يقرأ قصصًا وحكايات. (*) وآخر يقرأ للتدريب علي الذكاء، كمن يقرأ الألغاز لحلها. (*) نوع آخر لإشباع شهوة معينة في نفسه. (*) وآخر يقرأ لمعالجة نفسه من شهوة أو من فكر ضاغط، وذلك باستبداله فكر بفكر، لعل قراءته تنقله إلي جو آخر من التفكير، وتخلصه من افكاره التي تتعبه، أو من الشهوات التي تضغط عليه، أو تقيم توازنًا لقتل الوقت. (*) وهناك من يقرأ للهروب من الفراغ أو لقتل الوقت. (*) ومن يقرأ للتعمق في العقيدة والإيمان، أو لتدريس ما يقرأ للغير. (*) ونوع آخر يقرا لبناء نفسه، وللتفوق علي غيره في المعرفة. (*) والنوع الأسمى هو الذي يقرأ لفائدته الروحية، لكي تكون القراءة له روحًا وحياة كما قال الرب عن كلامه (يو63:6). فمن أي نوع أنت؟ وهل تستفيد روحيًا من قراءاتك؟ كيف تقرأ* أولًا إقرأ بفهم، وبفحص، ولا تعتنق كل تقرأ. فكثير من الناس يقبلون كل ما يقرأون باقتناع تلقائي، دون دراسة ودون تفكير، كما لو كان مكتوبًا بوحي!! أما أنت فضع أمامك قول القديس بولس الرسول "امتحنوا كل شيء وتمسكوا بالحسن" (1تس21:5). وأيضًا قول القديس يوحنا الرسول "لا تصدقوا كل روح. بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله؟" (يو1:4). وأعرف أن الحكيم عيناه في رأسه، أما الجاهل فيسلك في الظلام" (جا14:2). لذلك لا تقبل كل شيء. وحبذا لو أنك وزنت كل ما تقرأه في ضوء كلمة الله التي تحكمك للخلاص (2تي15:3). * ولا تنشر كل تقرأه... لأن البعض لا يكتفون بتأثرهم بأفكار معينه، بل يتحمسون لها بالأكثر لدرجة أنهم ينشرونها في كل المحيط الذي يعيشون فيه وربما يكونون بذلك عثرة لغيرهم من جهة الفكر. * ولا تعجب بكل جديد مما يقرأ. المهم أن هذا الجديد لا يتعارض مع المسلمات القديمة الثابتة في الكنيسة التي تسلمناها من الآباء القديسين. والكتاب يأمرنا قائلًا "لا تنقل التخم القديم الذي وضعه آباؤك" (أم28:22) (أم10:23). وهنا تبدو الصول القوية في الكنائس التقليدية التي تحافظ علي الإيمان المسلم من القديسين (يه3) فلا تضيف إليه ما يتعارض معه... * ولتكن قراءتك باتضاع.. لأنه أحيانًا: العلم ينفخ: (1كو1:8). كما قال الرسول: وكثير من الناس يرتفع قلبهم بقراءاتهم، ويرون أنهم صاروا أعلي فكرًا وأوسع عقلًا من الآخرين. فينتفخون، ويتعالون علي غيرهم، ويصفون الغير بالجهل. وتكون لهم المعرفة مجالًا للافتخار. ويفقدون اتضاعهم حتى في حديثهم مع من هم أكبر منهم. السماعاتأنت تسمع كثيرًا في الاجتماعات العامة والخاصة، وفي محيط الأقرباء والأصدقاء والمعارف. وتسمع من وسائل الإعلام: الراديو التلفزيون، والفيديو، والكاستات. ولكن المهم هو أمران: أن تتخير ما تسمع، وتتحكم فيما تسمع: الله وهب لك أذنين، لكي تسمع الرأي، والرأي الآخر. ولا تكون عبدًا لرأي واحد، أو لكل ما تسمع. فبين أذنيك وضع الله العقل ليزن ويحكم، يفحص ويدقق، ويقبل ما يصلح، ويرفض ما يضر، فلا تجعل عقلك في أذنيك، ولا تكن سماعًا.. ولا تصدق كل ما تسمعه. بل افحص كل شيء، وابحث عن الحقيقة. تذكر أن أول خطية للبشرية جاءت نتيجة السماع. حينما سمع أمنا حواء كلامًا خاطئًا معثرًا من الحية، وكانت الحية أحيل حيوانات البرية (تك3) وآخاب الملك أضاع نفسه نتيجة سماعه خاطئًا ظالمًا من زوجته إيزابل (1مل21). ونحن نقول في القداس علي المتآمرين الخاطئين "بدد مشورتهم يا الله الذي بدد مشورة أخيتوفل "فلا يكون في حياتك أخيتوفل يضرك... ولتكن أذنك مصغية إلي السماع المفيد. إلي كلمة النصح، وكلمة المنفعة، وكلمة التوبيخ المخلص، وكلمة الإرشاد من الحكماء، وعمومًا إلي الكلمة التي تبني.. تبنيك روحيًا وفكريًا، وتثبتك في الحياة مع الله. واحترس من كلام المديح الضار، أو الملق، أو كلام الإغراء.. في السماع أيضًا لا ننس تأثير الموسيقي. وقد اهتمت الكنيسة بالألحان والموسيقي، لأن لها تأثيرها العميق في النفس. وقال الرسول عن ذلك "مكلمين بعضكم بعضًا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب" (أف19:5). ليتك تجعل التسابيح والألحان من الوسائط الروحية التي تبنيك. واهتم بالترتيل وتأثيره علي أن تكون ألحانه سليمة. وليست مأخوذة من الأغاني العالمية كما يفعل البعض.. واحترس مما يسميه البعض "غسيل المخ". وذلك بوقوع البعض تحت تأثير فكري معين، يضيع منه كل ما أخذه من قبل، وكل ما آمن به واقتنع. ويزرع فيه شكوكًا لا تحصي، ويغرس فيه أفكارًا أخري، دون أن يعطيه فرصة لمعرفة الرد أو الاتصال بالرأي الآخر.. إلي أن يخرج آخر الأمر شخصًا مختلفًا تمامًا عما كان، يفكر آخر غير فكره الأول في كل شيء.. وهذا ما كانت تفعله الشيوعية وغيرها من المذاهب. ولذلك أيضًا تخبر أصدقاءك الذين تسمع منهم وتسمع لهم. ولا تردد كل ما تسمع وتصبه في آذان غيرك. إلا بعد أن تتحقق من صحة وفائدة ما قد سمعته، لئلا تصبح عثرة لغيرك وتفقده فضيلة. أحترس إذن من أسلوب الببغاوات، لئلا تنقل شائعات أو معلومات قد تكون ضارة. باقي الحواساحترس من النظر وتأثيره عليك. وتذكر أن خطية داود الكبرى، كان هو بدايتها (2صم2:11). والنظر قاد إلي الشهوة التي قادته إلي الزنا والقتل. وربما نظرة تقود إلي خطية إدانة. ونظرة تقود إلي خطية حسد. النظر يؤثر علي مشاعر القلب. وكذلك فإن مشاعر القلب تشكل نوعية النظر. ولا ننسي في خطية أمنا حواء أنها -بعد أن تغير قلبها بحديث الحية- نظرت فإذا الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون، وأنها شهية للنظر (تك6:3). وقد قال القديس يوحنا الرسول عن محبة العالم التي هي عداوة لله "كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العين وتعظم المعيشة" (1يو16:2). وكما تؤثر حاسة النظر، تؤثر أيضاُ حاسة اللمس وحاسة الشم. لكل هذا، دقق القديسون علي حفظ الحواس، وضبط الحواس، حتى لا تقود الإنسان إلي مشاعر معينة تخرجه عن حياة البر. |
||||
20 - 01 - 2014, 04:24 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
حياة الفضيلة تتبرهن بالاختبارات لابد من اختبارات يجتازها كل شخص لكي يثبت أنه فاضل بالحقيقة إن نجح في تلك الاختبارات التي تقيم بها شخصيته، وتتحد بها ابديته، ودرجته في تلك الأبدية. قد تكون فترة الاختبار قصيرة بالنسبة إلي البعض: يوحنا المعمدان مثلًا، ربما خدمته كانت حوالي سنة أو ربما أزيد قليلًا، ولكنه عبر فيها عن نجاح هائل في الخدمة، وتواضع وإنكار ذات، وشجاعة.. وقد إكتفي الله بقترة الاختبار القصيرة هذه، واخذه إليه وهو في سن الثانية والثلاثين تقريبًا. نفس الوضع بالنسبة إلي فترة اختبار القديسين مكسيموس ودوماديوس، الذين انتقلا إلي الفردوس في شبابهما. وكذلك القديس ميصائيل السائح الذي وصل إلي درجة السياحة، وهو في حوالي الخامسة عشرة من عمره. كانت فترة اختبار قصيرة، ولكنها كافية.. كافية للتعبير عن نوعية الشخصية، وروحانيتها، وجهادها، ومدي المحبة الكائنة في القلب من نحو الله.. أيتساءل أحد ويقول: لماذا يا رب تأخذ مثل هذه النفوس الطاهرة، في هذه السن المبكرة؟ فيجيب الرب: لقد نجحوا في اختبارهم، ويكفي هذه الجهاد.. بالمثل الاختبار الذي تم بالنسبة إلي بعض الشهداء والمعترفين. لقد تم اختبار إيمانهم، وثباتهم فيه، واحتمالهم من أجله.. ربما في ايام أو شهور.. وكان ذلك يكفي، إنتقلوا بعده إلي الفردوس. علي أنه بصفة عامة، نقول بالنسبة إلي اختبار الناس: إنه تؤخذ الحياة كلها للاختبار، وليست مجرد فترة منها. لأن البعض قد تمر عليه فترة ضعف مثلًا، ولكنها لا تدل علي طبيعة حياته كلها، وإنما هي فترة فتور أو سقوط، استقام بعدها ونما في النعمة. وربما تكون فترة البداية سيئة، مثل أوغسطينوس أو موسى الأسود أو مريم القبطية، ولكن تدخل التوبة وتغير مجرد الحياة كلها.. ذلك قال الرسول: "أنظروا إلي نهاية سيرتهم، فتمثلوا بإيمانهم" (عب7:13). إن الله يأخذ الحياة في جملتها، وبخاصة في نهايتها. لأنه في اختبار الإنسان يعطيه فرصة لتصحيح، أو فترة للنمو. ولا يأخذه فجأة في ساعة ضعف طارئة..! وكل إنسان إجتاز الاختبار بما في تلك ذلك أبوانا الأولان. اختبرهما الله بوصية تبدو بسيطة.. إنهما لا يأكلاون من ثمرة معينة. وهذه الوصية تبين مدي طاعة الإنسان، ومدي التزامه بالوصية، ونوعية القلب أمام الإغراءات والشهوة والحروب الخارجية.. المهم ليس في نوع الاختبار، غنما في موقف الإنسان منه. آدم وحواء اختبر بالامتناع عن ثمرة، أمام أبونا إبراهيم فكان اختباره أصعب. أن يترك أهله وعشيرته وبين أبيه، ويخرج "وهو لا يعلم أين يذهب" (عب8:11). وكان الاختبار ألصعب من ذلك لطاعة أبينا إبراهيم هو تقديم ابنه محرقة للرب (تك22: 1، 2). يوسف الصديق وداود اختبرا بالنساء. واحد منهما كان أعزب، وضغطت عليه الحرب من الخارج بشدة، ومع ذلك نجح في الاختبار. والثاني كان متزوجًا وله عدد كبير من الزيجات، ومع ذلك فشل، وأضاف إلي خطيته مع المرأة خطايا أخري تبعت ذلك. ولعل البعض يتساءل: لماذا سمح الله أن يدخل داود في اختبار يعرف مقدمًا أنه سوف يفشل فيه. نقول إن هذا السقوط، كان سببًا لانسحاق داود واتضاعه. حيث بكي طول عمره بسبب هذه السقطة، وبلل فراشه بدموعه (مز6) واتضع بسببها كثيرًا، وانتفع روحيًا. ونقول أيضًا إن الله لم يجرب داود بذلك. وكما يقول القديس يعقوب الرسول "لا يقل أحد إذا جرب: إني أجرب من قبل الله ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته.." (يع14:13). وكذلك بم يجرب الله يوسف بامرأة فوطيفار، إنما شر هذه المرأة كان اختبارًا له... غن ظروفًا معينه تحدث في حياة إنسان، تكون اختبار له. وقد يأتي الاختبار من حسد الشياطين وحيلهم. وحدث ذلك في قصة أيوب الصديق، حينما اشتكي عليه الشيطان، وطلب أن يقع في بيديه، مدعيًا إن زالت نعمة الله عنه "فإنه في وجهه يجدف عليه" (أي11:1). وما أكثر الاختبارات التي يقع فيها الإنسان لحروب الشياطين ومؤامراتهم. وقد يأتي الاختبار بسبب مضايقات من البشر. برما تعيش امرأة مع زوج قاس متعب، وتصرخ إلي الله "يا رب لماذا تتركه يتعبني هكذا؟! وقد تكون إجابة الرب "مثل هذا الزوج هو اختبار لاحتمالك.. وإن نجحت في الاحتمال، أما تكسبين الزوج، أو علي الأقل تنالين أكاليل.. والأكاليل هي أحدي منافع الاختبارات.. وعلي راي أحد القديسين، الذي قال "لا يكلل إنسان إلا إذا انتصر. ولا ينتصر إلا الذي حارب"... نفس الوضع نقوله بالنسبة للتلميذ أو طالب العلم، توضع له اختبارات. وهذه تبين نوع عقليته وذاكرته وجهده في تحصيل العلم. وبناء عليه يكافأ بالنجاح أو التفوق.. وفي كل نواحي الحياة ومجالات العمل، نجد اختبارات لكفاءة الإنسان ومقدرته... وفي السماء يأخذ الإنسان الأكاليل المعدة للغالبين. كما ورد ذلك في رسالة من رسائل الرب إلي الكنائس السبع. وقد سجل ذلك في سفر الرؤيا (رو3:2). والاختبارات هي تقييم لحياة الإنسان وعمله وروحياته. تبين صلابته أو ليونته، قوته أو ضعفه.. فإن فشل ينطبق عليه قول الوحي الإلهي "وزنت بالموازين فوجدت ناقصًا" (دا27:5). وهذا واضح في مثل البيتين.. البيت المبني علي الصخر، اختبرت صلابته الرياح والأمطار. هبت كلها عليه فلم يتزعزع، وظل ثابتًا بعكس البيت المبني علي الرمل. لما صدمته الرياح وسقط عليه الأمطار، سقط وكان سقوطه عظيمًا.. هذه الرياح والأمطار كانت اختبار للبيت.. أظهرته علي حقيقته. والله يعرف حقيقتنا دون أن يختبرنا... فلماذا الاختبار إذن؟ وما حكمته؟ علي الأقل؟، بهذا الاختبار يعرف الإنسان ذاته، وأن سقط يعرف ضعفه. وإن عوقب لا يشتكي علي عدل الله. وإنما يقول مع اللص اليمين "نحن بعدل جوزينا" (لو41:23). وأيضًا إذا عرف ضعفه، يتضع ويحترس ويدقق فيما بعد... وقد يكون اختبار الشخص الناجح درسًا لغيره. إن الله كان يعرف قدرة أيوب احتمال الاختبار. فسمح بذلك لكي يعطي به درسًا للأجيال به نطوِّب الصابرين (يع11:5). وكان السيد المسيح يعرف تمامًا قدرة المرأة الكنعانية علي سماع كله صعبة (مت26:15). وأنها ستنجح في الاختبار، فسمح بذلك، وقال لها بعد إجابتها المنسحقة "عظيم هو إيمانك "وصارت بإجابتها درسًا لنا. طرق للاختبار 1) قد يختبر الإنسان بنقطة ضعف فيه: الشاب الغني كان يحفظ الوصايا منذ حداثته، وكان يشتاق إلي الحياة الأبدية ويسعي إليها،وعلي الرغم هم هذا، كانت فيه نقطة ضعف، وهي محبته للمال. وقد اختبر في هذه النقطة بالذات "اذهب وبع كل مالك وأعطه للفقراء" (مت21:19). فمضي حزينًا، وفضل في الاختبار... ابحث إذن: ما هي نقطة الضعف التي فيك، التي تسقطك. 2) وقد يختبر الإنسان بأخذ شيء منه: مثال ذلك أن يطالبك الرب بالعشور وبالبكور، ويري هل تدفع أم لا، وهل تتحايل علي الأمر؟ وهل تعتذر بأسباب؟ علي اقل هل تؤجل؟ وما هو مدي إلتزامك بالوصية. وقد يختبرك بيوم الرب. هل تحفظه وتعطي وقتك للرب؟ 3) وقد يختبر الإنسان بالأمراض: كما حدث في تجربه ايوب (أي2). وكما حدث بالنسبة إلي بولس الرسول الذي قال "ولئلا أرتفع من فرط الإعلانات، أعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع" (2كو7:12). ويري الله هل الإنسان يحتمل أم لا؟ هل يقبل أم يتذمر؟ 4) وقد يختبر الإنسان بعدم استجابة الصلاة. كما صلي بولس الرسول من أجل أن يخلصه الله من هذه الشوكة التي في الجسد. وقال "إلي الله تضرعت ثلاث مرات "ومع ذلك استبقي الله الشوكة في القديس بولس وقال له "تكفيك نعمتي" (2كو12: 8، 9). ولم يتذمر هذا القديس. 5) وقد يختبر الإنسان بتأخر الله عليه!! أقصد ما يظنه هذا الإنسان تأخرًا... ويختبر الله هذا الإنسان ماذا يفعل؟ هل يلجأ إلي الطرق البشرية، مثلما لجأت سارة إلي هاجر، لما تأخر حبلها (تك2:16). ومثلما لجأت رفقة إلي حيلة بشرية لخدع إسحق، حتى يمنح البكوريةليعقوب (تك27). أم أن الإنسان لا يتعبه التأخر، ويستمر في اللجاجة، مثلما فعل إيليا النبي، لما صلي من أجل سقوط المطر، فلم يستجيب الرب إلا في الصلاة السابعة (1مل44:18). إذ استمر في صلاته ولم ييأس... 6) وقد يكون الاختبار بالاضطهاد أو سوء المعاملة: كما اختبرت الكنيسة الاستشهاد الذي استمر من عهد نيرون إلي حكم ديوقلديانوس، أكثر من 250 سنة، بأقصى ألوان التعذيب... وصمدت الكنيسة في هذا الاختبار، ونجحت، فكوفئت بمرسوم ميلان سنة 313. أما عن سوء المعاملة، فهو اختبار يحدث في محيط المجتمع، أو الأسرة، أو العمل، في جو الرؤساء أو الزملاء. ويري به معدن الإنسان... 7) وقد يكون اختبار إنسان عن طريق العتاب أو الصراحة: فهناك أشخاص لا يحتملون العقاب ويثورون وينفعلون. وأشخاص لا يحتملون الصراحة، ويعتبرونها اتهامًا أو إهانة. وتظهر طبيعتهم التي كانت تخفيها عبارات المجاملة أو المديح. ولذلك قال أحد أصحاب أيوب له "أن امتحن أحد كلمة معك، هل تستاء؟" (أي2:4). 8) والإغراءات هي اختبار آخر للإنسان: سواء كانت إغراءات جسدية، أو مالية، أو خاصة بالمناصب والألقاب، أو أية شهوة آخري يتعرض لها الإنسان. والشهداء لم يحاربوا بالتعدي بالتعذيب فقط، وغنما بالإغراءات أيضًا، 9) كذلك فإن النجاح والعظمة هي اختبار للإنسان. هل يرتفع قلبه إن نجح في حياته؟ وهل يتعالي علي غيره؟ وهل يفقد تواضعه ام يبقي كما هو.. كما قال أحد الأدباء عمن ينجح في هذا الاختبار إنه "يكبر دون أن يتكبر، ويحتفظ بثباته في وثباته.. " وقد فشلت هاجر في هذا الاختبار. فلما صار لها ولد، بل مجرد حبلت، صغرت مولاتها في عينيها (تك4:16). 10) المواهب أيضًا أختبار للإنسان: أولًا كيف يستخدمها: هل في الخير أم الشر؟ كالذكاء مثلًا، والجمال والفن.. وثانيًا هل يرتفع قلبه بها؟ كما حدث أن التلاميذ في بعثتهم التبشيرية الولي، فرحوا بإخراج الشياطين، وقالوا للرب "حتى الشياطين تخضع لنا بإسمك" فوبخهم قائلًا "لا تفرحوا بهذا" (لو10: 17، 20). هل يستخدمونها لبنيان الكنيسة (1كو5:14). لتبشير الأمم الذين لسان آخر.. ام يرونها مجالًا للظهور والافتخار والمجد الباطل. 11) من الاختبارات التي تتعرض لها البشرية التمدي (الـModernism): فهل في زحمة التهافت علي التجديد، يحتقرون كل ما هو قديم، من غرف وتقاليد، بل من تراث مجيد، ويريدون أن يجدوا كل شيء بتحطيم كل التخم القديمة (أم22: 28). ويدخل (التجديد) حتى في اللاهوتيات والعقائد. 12) يدخل الاختبار أيضًا في المحبة: وكما اقل القديس يوحنا الرسول "لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق" (1يو18:3). إن بطرس الرسول قال للسيد المسيح: إن شك فيك الجميع فأنا لا اشك... ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك.. (مت26: 33، 35). ولكن لما اختبرت محبته، أنكر وجدف، وقال "لا أعرف الرجل" (مت74:26). وبنفس الوضع نختبر الطاعة، إذا تلقي الإنسان أمرًا لا يوافقه. لأنك غن تلقيت أمرًا يوافق رغبتك وأطعته، وربما قد تكون نفذت رغبتك وليس المر الصادر إليك. أما إذا تلقيت أمرًا ضد رغبتك، فهنا تظهر الطاعة. وإذا غيرت رغبتك بسبب الأمر، ورأيت أن العكس هو النافع لك، تكون قد ارتفعت من مستوي الطاعة إلي التسليم.. |
||||
20 - 01 - 2014, 04:26 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
الثمر في حياة البر والفضيلة أهمية الإثمار الحياة الروحية لابد أن يكون لها ثمر في حياتنا،بل وفي حياة الآخرين أيضًا. وقد اهتم الرب بهذا الثمر فقال "أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام. كل غصن في لا يأتي بثمر ينزعه. وكل ما يأتي بثمر، ينقيه ليأتي بثمر أكثر.. أنا الكرمة وأنتم الأغصان. ووصية الإثمار موجودة من بدء الخليقة. إذ قال الرب: "أثمروا وأكثروا، واملأوا الأرض" (تك28:1). وأم كانت هذه الآية تتعلق بالإثمار الجسدي، أي التوالد، إلا أنها من الناحية الرمزية يمكن أن نتناولها بمعني روحي.. كأنها دعوة إلي المؤمنين أن يثمروا روحيًا، ويكثر عملهم الروحي حتى يملأ الأرض.. وفي قصة الخليقة يقول سفر التكوين أيضًا أن تنبت الأرض "شجرًا ذا ثمر يعمل ثمرًا كجنسه"، "شجرًا يعمل ثمرًا بذره فيه كجنسه" (تك1: 11، 12). إذن ينبغي أن يكون كل منا شجرة مثمرة في جنة الرب، شجرة ذات ثمر تصنع ثمرًا بذره فيه كجنة.. ومادمنا أشخاصًا روحيين، إذن لابد أن يكون ثمرنا روحيًا. وليس جسديًا. فالكتاب يقول "من يزرع لجسده، فمن الجسد يحصد فسادًا. ومن يزرع للروح، فمن الروح يحصد حياة أبدية" (غل8:6). وهكذا يحدثنا الكتاب عن ثمر الروح. فيقول "وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف" (غل23:22). ويشدد الكتاب علي أهمية الثمر، وعقوبة من ل يثمر، فيقول: "كل شجرة لا تصنع، تقطع وتلقي في النار". هذا قاله السيد المسيح في العظة علي الجبل (مت 19:7). ونفس الكلام قاله أيضًا يوحنا المعمدان: والآن قد وضعت الفأس علي أصل الشجرة. فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تقطع وتلقي في النار" (مت10:3). ولقد لعن الرب شجرة التين التي ليس فيها ثمر (مت19:21). الثمر الجيد شدد الرب علي أهمية الثمر الجيد" أجعلوا الشجرة جيدة وثمرها جيدًا"، "لأن من الثمر تعرف الشجرة" (مت33:12). وقال: "من ثمارهم تعرفونهم" (مت20:7). كل شجرة جيدة تصنع أثمارًا جيدة. وأما الشجرة الرديئة فتصنع أثمارًا رديئة. لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارًا رديئة ولا شجرة رديئة أن تصنع أثمارًا جيدة" (مت7: 17،18). لأنهم لا يجتنون من الشوك تينًا، ولا يقطفون من العليق عنبًا" (لو6: 43،44). إذن يا أخي، انظر ما هو نوع ثمرك؟ وما مقدراه؟ قال الرب عن الأرض الجيدة إنها "أعطيت ثمراُ: بعض مئة، وآخر ستين، وآخر ثلاثين" (مت8:13). من تواضع الرب أنه ذكر الثمر الذي أعطي ثلاثين..! طوبه لأنه ثمر، ولو انه قليل. إذن لابد أن تعطي ثمرًا ولو قليلًا..... وماذا الرب إن وجدك تعطي ثمرًا ولو كان قليلًا؟! يقول إنه: "ينقيه ليأتي بثمر أكثر" (يو2:15). إذن لا أن تكون أرضك جيدة، وتعطي ثمرًا. وماذا؟ يقول الرب "أنا اخترتكم وأقمتكم، لتذهبوا وتأتوا بثمر، ويدوم ثمركم" (يو16:15). ومع داود هذا الثمر، ينقيه الرب ليأتي بثمر ليأتي بثمر أكثر.. إذن ينبغي أن يكون لك ثمر دائم، غير منقطع. وما اشبع الصورة التي رسمها القديس يهوذا غير الأسخريوطي إذ قال "أشجار خريفية بلا ثمر ميتة" (يه12). فاعتبر أن الشجرة التي بلا ثمر هي شجرة ميتة.. ولقبها بشجرة خريفية، اي من النوع الذي يتساقط ورقة في الخريف. ولذلك حسنًا قيل عن الشجرة الجيدة في المزمور الأول: "تعطي ثمرها في حينه، وورقها لا ينتثر" (مز3:1). "في حينه" أي لا يتأخر في إعطاء الثمر، أو في حينه بمعني أن يعطي الثمر في وقته المناسب.. ولماذا وصف الشجرة بهذا الوصف الجميل؟ يقول: لأنها "مغروسة علي مجاري المياه".. وهنا نتحدث عن عوامل الإثمار: عوامل الإثمار 1) لكي تعطي الشجرة ثمرًا، لابد أن تكون الأرض جيدة. وهذا ما قاله الرب في مثل الزارع، فقال عن البذار، فقال عن البذار "وسقط البعض علي أرض جيدة فأعطي ثمرًا.. (مت8:13). فلا تكون الأرض محجرة، علي الطريق، ولا مملوءة بالأشواك، ولا ضحلة بغير عمق، كما ورد في المثل. فالكلام الذي قال الرب للشاب الغني، لم يقع علي أرض جيدة، وإنما علي نفسية محبة للمال، لذلك سمع الشاب الكلام "ومضي حزينًا" (مت22:19). بينما نفس العبارة سمعها في الكنيسة شاب آخر غني، ولكن أرضه جيدة، فمضي وباع أملاكه ووزع علي الفقراء. وصار له ثمر كثير.. عشرات الآلاف من الرهبان، ومن النساك تبعوا طريقة، وسلكوا مثله، لأن بذره كان يصنع ثمرًا كجنسه (تك11:1). الأرض الطيبة تعني أن الإنسان يميل إلي الخير بطبيعته، يقبل كلمة الرب بفرح وباستعداد للعمل، ويعطي ثمرًا. أما الأرض المحجرة فتمثل القلب القاسي الذي لا يتأثر بسرعة، وربما لا يتأثر إطلاقًا، مهما سمع من عظات، ومهما قرأ من كلام روحي لذلك يقول الرسول عن نداء الله في القلب "إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" (عب3: 7، 8). الأرض الطبية تكون من الداخل غير محجرة. ومن الخارج لا تحيط بها الأشواك وتخنق زرعها. سليمان الحكيم كان أرضًا طيبة. ومع ذلك أحاطت به الأشواك. أعني زوجاته الأجنبيات غير المؤمنات اللائن "أملن قلبه وراء آلهة أخري"، فلم يعد قبله كاملًا أمام الرب. وأخطأ كثيرًا، وأقام مرتفعات لآلهة الأمم" (1مل11: 4-8). وشمشون في أول حياته "ابتدأ روح الرب يحركه" (قض25:13). وحل عليه روح الرب (قض6:14). ثم أحاطت الأشواك بهذه الأرض الجيدة أعني صاحبته دليلة، حتى فقد نذره، وقص شعره، وقلعوا عينيه وصار يطحن في بيت السجن (قض21:16). وقبل وقتذاك "إن الرب قد فارقه" (قض20:18). 2) ومن عوامل الإثمار أن يتمتع الشجر بالغذاء والري. ومن أمثلة هذا الغذاء، ما قيل عن الشجرة التي لم تصنع ثمرًا ثلاث سنوات "أتركها هذه السنة أيضًا، حتى أنقب حولها وأضع زبلًا، فإن صنعت ثمرًا، وإلا ففيما بعد تقطعها" (لو13: 8، 9). والزبل هو من أجود أنواع السماد البلدي... أن كل إنسان يحتاج إلي غذاء روحي لكي يثمر... والأغذية الروحية اللازمة للإثمار كثيرة ومنها: قراءة الكتاب المقدس والكتب الروحية، كلمة اله التي يحيا بها الإنسان (مت4:4). كذلك التأملات الروحية والتداريب الروحية، والصلاة والتناول من سر الإفخارستيا المقدس.. لقد قيل عن الشجرة التي لا تعطي ثمرها في حينه. "إنها مغروسة علي مجاري المياه.. والماء يمثل عمل الروح القدس في القلب (يو38:7). إنه الماء الحي الذي يروي النفس. إذن لكي تثمر لابد من عمل الله فيك. لابد من ثباتك في الله، كما يثبت الغصن في الكرمة،ولهذا قال السيد الرب "كما إن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته، إن لم يثبت في الكرمة، كذلك انتم أيضًا إن لم نثبتوا في"، "الذي يثبت في وأنا فيه، هذا يأتي بثمر كثير، عن كان احد لا يثبت في، يطرح خارجًا كالغصن، فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق (يو15: 4- 6). تثبت في الله معناها ان تثبت في محبته (لو9:15). ومعناها أيضًا أن تشترك مع روحه في العمل، فتدخل في شركة الروح القدس (2كو14:13). فهل حياتك الروحية مغروسة علي مجاري المياه؟ وهل باستمرار تمتص من الله الماء الحي (ار2)؟ هل تأخذ من الماء الحي الذي وعد به المرأة السامرية؟ (يو4: 10،11) هذا الماء الذي "ينبع إلي حياة أبدية".. هل أنت مستمر علي غذائك الروحي، لا ينقطع عنك بل تنمو به نفسك.. وماذا أيضًا: 3- لكي تعطي الشجرة ثمرًا، لابد أن تمنع عنها الآفات. سواء الآفات البشرية أو الأعشاب المتطفلة المؤذية، أو الأمراض الزراعية. وهكذا تنتقي الأرض ويتبقي الشجر، فيثمر ولا يتلف ثمره.. افحص نفسك، ما هي الآفات التي تعطل ثمرك الروحي؟ وهل أنت تلاحظ نفسك وتحرص ان تنتقي باستمرار من هذه الآفات: سواء كانت أخطاء روحية أو نفسية أو فكرية، أو عادات مسيطرة عليك، أو صداقات تجرك إلي اسفل.. وتذكر قول الشاعر: متى يبلغ البنيان يومًا إذا كنت تبنه وغيرك يهدم ما فائدة أن تعطي أرضك الطيبة غذاءها الروحي، ثم يأتي الطير فيلتقط ثمرها، أو تحل عليه لطع تفسد الثمر، أو تدخل الديدان فتأكله أو تتعرض لقول الكتاب: أن المعاشرات الرديئة تفسد الجيدة (1كو33:15). فهل تتعرض إلي عثرات تفسد كل تأثيراتك الروحية؟ ** لابد أن تموت نفسك عن كل أمور العالم. وكمل يقول الكتاب عن حبة الحنطة أنها "إن ماتت تلتي بثمر كثير" (يو24:12). ثمار متعددة هناك أنواع كثيرة من الثمر في حياة الإنسان: بعضها نافع له والبعض غير نافع... هناك ثمر عقلاني، مجرد فكر يعمل، وله إنتاج فكري، ولا علاقة له بالروح، وليس له ثمر في حياة الإنسان الروحية وهناك ثمر إجتماعي: إنسان دائب العمل داخل المجتمع ومشاكله. وقد يكون لهذا النشاط الاجتماعي ثمر في حياته وقد لا يكون. وهناك ثمر روحي، وهو بروجك، أو بعلاقتك بالله، أو بعلاقتك بالناس: فالخاص بعلاقتك بالله هو المحبة والإيمان. والثمر الخاص بك هو الفرح والسلام والصلاح. والثمر الخاص بعلاقتك بالناس هو الوداعة والتعفف واللطف، وكل الأناة، والمحبة أيضًا. كل هذه ثمار روحية (غل5: 22، 33). إذا ظهرت في حياتك يعرفك الناس بها.. وهذه الثمار يسمونها أحيانًا ثمر البر. وعن هذه يقول الرسول "لكي تكونوا مخلصين وبلا عثرة إلي ويوم المسيح، مملئين من ثمر البر الذي بيسوع المسيح لمجد الله" (في1: 10، 11). ويقول الكتاب "وثمر الروح يزرع في السلام" (يع18:3). ومن ثمر البر، ثمار التوبة، كما قال المعمدان: "اصنعوا ثمارًا تليق بالتوبة (مت8:3). وثمر التوبة يظهر في انسحاق القلب وفي الدموع، كما قيل في المزمور الخمسين. "القلب المنسحق والمتواضع لا يرذله الله". وكما قيل أيضا "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج" (مز125). ومن ثمار التوبة الحرارة الروحية، والعمل علي إصلاح الأخطاء الماضية والشفقة علي المخطئين وعدم إدانتهم (عب3:13). وبهذه الثمار وأمثالها، لا يعود التائب يرجع إلي الوراء. ومن الثمار الروحية أيضًا ما قال عنه القديس بولس الرسول إن الرب: لم يترك نفسه بلا شاهد. وهو يفعل خيرًا. يعطينا من السماء أمطارًا، وأزمنة مثمرة، ويملًا قلوبنا طعامًا وسرورًا" (أع17:14). إذن الأزمنة القاحلة هي الخالية من كل خير. أما المثمرة فهي المملوءة بالعمل الصالح.. البعيدة عن أعمال الظلمة غير المثمرة (أف11:5). ومن الثمار الروحية ثمر الخدمة في كسب النفوس إلي الرب. أتراك يا أخي لك ثمر في خدمتك، وثمر كثير يفرح به الرب، كما يقول الرسول "من رد خاطئًا عن طريق ضلاله، يخلص نفسًا من الموت، ويستر كثرة من الخطايا" (يع20:5).أعلم إذن أن كل نفس تخلصها، تكون ثمرة في شجرة حياتك تقدمها حلوة إلي الله.... وهي ثمرة لمجد الله، كمل قال الرب "بهذا يتمجد أبي أن تأتوا بثمر كثير، فتكونون تلاميذي" (يو8:15). بل حتى حياتنا الروحية وأعمالنا الصالحة، يكون ثمرها تمجيد الله أيضًا، كما قال الرب أيضًا: لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت16:5). أن الكلمة الطيبة، كلمة المنفعة أو كلمة التسبيح، يسميها الكتاب ثمر الشفاه. فيقول "فلتقدم به في كل حين لله ذبيحة التسبيح، أي ثمر شفاه معترفة باسمه" (عب15:13). فما هي الثمار التي تقدمها شفتاك للرب. كما يقول الكتاب "الصديق ينبوع حياة" (أم:11:10). "فم الصديق ينبت الحكمة" (ام31:10). ومن أمثلة الثمار في الخدمة، أرسل القديس بولس الرسول إلي أهل رومية يقول لهم قصدت مرارًا كثيرة أن آتى إليكم.. ليكون لي ثمر فيكم أيضًا كما في سائر الأمم" (رو13:1). أخيرًا يا أخوتي، أن الثمر بركة من الرب. كما قال الرب لمن يطيع وصاياه "مباركة تكون ثمرة أرضك، وثمرة بطنك، وثمرة بهائمك: نتاج بقرك وإناث غنمك" (تث4:28). ويقول في المزمور "إمرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك" (مز3:128). حقًا إنها بركة من الرب، ولكنها بسبب رضاه. ورضا الله بسبب حياة الإنسان الصالحة المقبولة أمامه. فلنسك إذن حسنًا قدامه، لكيما يعطينا ثمرًا في حياتنا الروحية، وثمرًا في خدمتنا.. يعطينا ثمر الروح القدس العامل في أرواحنا البشرية هذا الذي شرحه القديس بولس الرسول في (غل23:22). |
||||
20 - 01 - 2014, 04:29 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
أكاليل لمكافأة حياة الفضيلة والبر حياة الفضيلة والبر، هي حياة جهاد مع النفس، وجهاد ضد المادة والعالم والشيطان. والغالبون أو المنتصرون يكللون في الأبدية بأكاليل... والسيد المسيح في رسائله إلى الكنائس السبع التي في آسيا، يقول لملاك كنيسة فيلادلفيا "تَمَسَّك بما عندك، لئلا يأخذ أحد إكليلك" (رؤ11:3). ونوم اليوم أن نتحدث عن هذه الأكاليل.. ليكما تسأل نفسك أي إكليل ستحصل عليه، أو أية كاملة... أكليل البر يقول القديس بولس الرسول "جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيرًا وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الديان العادل. وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا" (2تي8:4). فما هو إكليل البر هذا؟ ما معني أن نتكلل بالبر؟ معناه أننا نحيا في البر الدائم. لا نعود نخطئ. تتكلل طبيعتنا البشرية بالبر، فتنتهي علاقتها تمامًا بالخطية. ونصير كالملائكة الذين جازوا فترة الاختبار وانتصروا، فتكللت طبيعتهم بالبر، وما عادت تخطئ، بعكس الشياطين الذين سقطوا ومازالوا يخطئون. الأبرار في الأبدية، ليسو فقط لا يقعون في خطية، إنما حتى مجرد معرفة الخطية تزول من ذاكرتهم تمامًا. كان آدم في الفردوس بارًا. وكان بسيطًا طاهرًا لا يعرف شرًا، وكذلك حواء ولكنهما لما أكلا من شجرة معرفة الخير والشر، تعكر صفو الطبيعة البشرية، وبدأت تعرف الشر، ثم تطورت إلي أن صارت تشتهي الشر، ودخلت محبة الخطية إلي النفس البشرية. فهل ستظل الخطية قائمة أو سائدة إلي الأبد؟ طبعًا لا. الأبرار في الأبدية، ستنتهي علاقتهم بالخطية. سوف لا يعرفون سوي الخير فقط وتنتهي الخطية من معرفتهم ومن ذاكرتهم ومن عقولهم. يعود المنتصرون إلي البساطة الأولي التي كانت للبشرية حينما كانت علي صورة الله ومثاله، قبل الخطية. بل يصيرون في بساطة ونقاوة أمس من حالة آدم وحواء.. وأبوانا الأولان كان في حالة بساطة كاملة ونقاوة كاملة. ولكن معها حرية قابلة للسقوط... أم حرية الأبرار في الأبدية، فهي حرية غير قابلة للسقوط. إنها "حرية مجد أولاد الله" (ور21:8). لأ، الخليقة "ستعتق من الفساد"، وتتكلل بالبر. هذا العتق من الفساد، يشمل القلب والفكر والإرادة، يشمل الحياة كلها.. وبالبر نحيا في المتعة بالله باستمرار. هنا إكليل آخر وهو: إكليل الحياة: إنه الذي وعد به السيد المسيح ملاك كنيسة سميرنا، حينما قال له "كن أمينًا إلي الموت، فسأعطيك إكليل الحياة" (رو10:2). إكليل الحياة يعني أن يحيا الإنسان إلي الأبد، ويحيا في الرب. ففي الأبدية تنتهي الخطية، وينتهي أيضًا الموت. وكما قال الرسول في الإصحاح الخاص بالقيامة "آخر عدو يبطل هو الموت" (1كو26:15). وهذا طبيعي، لأنه مادامت "أجرة الخطية هي موت" (رو23:6). فحينما تبطل الخطية في الأبدية، يبطل معها الموت. ولا يعني (إكليل الحياة) مجرد الخلود، أو الحياة الدائمة، التي يشتهيها الكل ولا يعني فقط مجرد انتهاء الموت، الذي يخافه كل إنسان مهما علا قدره في العالم. إنما إكليل الحياة، يعني أيضًا الحياة في الله، ومعه. لأن "فيه كانت الحياة" (يو4:1). وهو الذي قال "أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي لو مات فسيحيا" (يو25:11). حقا ما أجمل قول الرسول "لي الحياة هي المسيح" (في20:2). حقًا، أن الحياة في الأبدية، حياة غير عادية، إنها إكليل. كيف تكون هذا الحياة؟ هذا سر لم يعلن لنا بعد. إنها "ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر علي بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه" (1كو9:2). أنها حياة اللذين تعبوا هنا واحتملوا. يقول في ذلك معلمنا يعقوب الرسول "طوبي للرجل الذي يحتمل التجربة. لأنه إن تزكي ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب الذين يحبونه" (يع12:2). إذن إكليل الحياة، هو للذين يحيون الرب. الذين كانوا من أجل محبته يسلمون دائما للموت، والموت يعمل فيهم (2كو4: 11،12). ولكنهم بالموت ههنا من اجله، يحيون معه إلي الأبد.. ولن تمح أسماؤهم من سفر الحياة (رؤ5:3). بل يأكلون من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله (رؤ7:2). إكليل المجد: في الواقع إن الله حينما خلق الإنسان، إنما خلقه للمجد، فجعله علي صورته، وجعل له سلطانًا علي الطبيعة (تك26:1). وعن هذا قال المزمور "بالمجد والكرامة كللته، وعلي أعمال يديك أقمته، أخضعت كل شيء تحت قدميه" (عب2: 7،8)، (مز5:8). فكانت لآدم خشية علي كل الكائنات وهكذا كان نوح أيضًا في الفلك. الإنسان فقد كرامته بالخطية. ولكن الله في الأبدية، سيرة إلي رتبته الأولي يعيد إليه الصورة الإلهية، ويكلله بالمجد. قد يتعرض البعض ويقول "المجد لله وحده". ونحن نقول في صلواتنا "لأن لك المجد والقوة..(فنجيب: أن مجد الله شيء آخر، مجد غير محدود، ولا ينطق به. وعم ان الله له المجد، إلا أنه من محبته للإنسان، منحه أيضًا مجدًا: "الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم. وهؤلاء دعاهم أيضًا، وبررهم، ومجدهم أيضًا" (رو30:8). بل ما أروع وأجمل قول السيد المسيح لله الآب: "وأنا أعطيهم المجد الذي أعطيتني" (يو22:17). نعم، إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجد أيضًا معه" (رو17:8). وفي ذلك يقول الرسول "إن الآم الزمان الحاضر، لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا" (رو18:8). "لأن خفة ضيقتنا الأرضية، تنشي لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديًا" (2كو17:4). كان عربون هذا المجد علي جبل التجلي (مر9: 3-5). وهناك أيضًا مجد القيامة ومجد الابدية. فعن القيامة يقول الرسول "نزرع في هوان، ونقام في مجد". ويشرح ذلك بأن الجسد سيقام جسدًا روحيًا، وجسدًا سماويًا (1كو15: 43، 50). "علي صورة جسد مجده" (في 21:3). ويقول القديس بطرس الرسول للرعاة "ومتي ظهر رئيس الرعاة، تنالون إكليل المجد الذي لا يبلي" (1بط4:5)،ويقول الكتاب أيضًا "الفاهمون يضيئون كضياء الجلد، والذين ردوا كثيرين إلي البر، كالكواكب المجد الذي لا يبلي" (1بط4:5). ويقول الكتاب أيضًا "الفاهمون يضيئون كضياء الجلد، والذين ردوا كثيرين إلي البر، كالكواكب إلي أبد الدهور" (دا3:12). ويشبه الأبرار في السماء بالنجوم ويقول "لأن نجمًا يمتاز عن نجم في المجد" (1كو41:15). ومن المجد الذي يهبه الله لمحبيه، أنهم يجلسون علي عروش معه في مجده! قال لرسله القديسين "متى جلس أبن الإنسان علي كرسي مجده، تجلسون انتم أيضًا علي أثني عشر كرسيًا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" (مت28:19). والقديس يوحنا في رؤيا، رأى عرش الله "وحول العرش أربعة وعشرين عرشًا، ورأى عليها أربعة وعشرين قسيسًا جالسين متسربلين بثياب بيض، وعلي رؤوسهم أكاليل من ذهب" (رؤ4:4). أي أكاليل مجد هذه؟! ولكن لئلا يظن البعض أن هذا المجد هو للرسل فقط ومن فم مستواهم، هوذا الرب يقول: "من يغلب، فسأعطيه أن يجلس معي في عرش، كما غلبت أنا، وجلست مع أبي في عرشه (رؤ21:3). وهذا المجد سيكون في المجئ الثاني حينما يأتي الرب "علي سحاب السماء بقوة ومجد كثير" (مت30:24)." وجميع الملائكة القديسين معه" (مت31:25). وليس مع هؤلاء فقط، بل سيأتي "في ربوات قديسيه" (يه14). والقديسون سيلبسون ثيابًا بيضًا (رؤ9:3). رمزًا لبرهم... حقًا عن مجد الأبدية قال المرتل "وبعد مجد تأخذني" (مز24:73). وماذا غير إكليل المجد؟! إكليل البهاء (الجمال) الذين لم ينالوا جمالًا علي الأرض، سينالون في الأبدية. ففي الأبدية كل شيء جميل.. جمال في الجسد الروحاني النوراني السماوي، وجمال في الروح أيضًا - وليس فقط في الأبدية، بل حتى علي الأرض. يقول الرب للخاطئة أورشليم في عمل نعمته معها "وضعت تاج جمال علي رأسك. فصلحت لمملكة. وخرج لك اسم لجمالك، لأنه كان كاملًا. ببهائي الذي جعلته عليك، يقول السيد المسيح" (خر16: 12، 13). ما أعجب أن بهاء الله، يجعله علي إنسان. وعل هذا يذكرنا بعبارة، عجيبة قالها أشعياء النبي "في ذلك اليوم يكون رب الجنود إكليل جمال، وتاج بهاء، لبقية شعبه" (أش5:28). ولعله يذكرنا بالثياب التي امر الرب بصنعها لهارون رئيس الكهنة، إذ قال لموسى النبي "اصنع ثيابًا مقدسة لهرون أخيك للمجد والبهاء" (خر2:28). وكذلك لبنيه "تصنع لهم قلانس للمجد والبهاء" (خر40:2). ماذا أيضًا غير إكليل المجد والبهاء.. أكاليل أخرى لعل شخصًا كبولس الرسول قد تحلي بأكاليل: منها إكليل الرسولية، وإكليل الكهنوت، وإكليل البتولية، وإكليل الجهاد، وإكليل الشهادة، وبالإضافة إلي أكليل البر. أن القديس بولس الرسول يعتبر خدمته إكليله. فيقول لشعبه في فيلبي "يا سروري وإكليلي" (في1:4). ولعل أول إكليل يناله الإنسان يكون في المعمودية، حينما يخرج منها في بر، وقد لبس المسيح (غل27:3). وهكذا يلبس أكاليل فضه، وأكاليل حجر كريم، وضعها الرب علي المعمدين الأطهار... أن أجمل إكليل قد لبس، هو أكليل الشوك الذي لبسه السيد المسيح له المجد (مز17:15). وبهذا الإكليل في الألم والبذل، يمنحنا كل الأكاليل الأخرى. |
||||
20 - 01 - 2014, 04:35 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
فضائل، ولكنها وحدها لا تكفي أحيانًا يقول البعض: أنني أصوم واصلي، وأعترف وأتناول، واقرأ الكتاب المقدس والكتب الروحية، وأخدم وأتصدق، واسلك في فضائل كثيرة.. ومع ذلك فحياتي الروحية متوقفة لا تنمو...! فلماذا؟ لعلها فضائل ناقصة. تنقصها صفة جوهرية. أما ناقصة في طبيعتها أو في هدفها، أو تنقصها فضائل أخري يجب أن ترتبط بها.. وعلي هذا الأساس، سنتناول فضائل كثيرة ونحللها.. الصوم في فترة الصوم: كثيرًا ما يقول الواحد ما: صمت هذا الصوم سنوات عديدة، كما صمت غيره في الأصوام أيضًا. ومع ذلك حياتي كما هي! لماذا إذن لم استفد من الرب (مت21:17). ولكن اي صوم تصوم أنت؟ ربما تظن أن الصوم هو صوم الجسد. وربما تظن أن الصوم هو الامتناع عن الأكل! ولكن الإمتناع عن الطعام وحده لا يكفي. إن الزهد في الطعام هو الأهم. الزهد هو الذي يدل علي إرتفاع القلب فوق مستوي المادة، وفوق مستوي الأكل، وهذا هو الأهم، وهو المفيد لك روحيًا.. لأنك بهذا تدخل في روحانية الصوم. وصوم الجسد وحده لا يكفي، لابد أن يصحب الصوم بصوم النفس. لابد أن تصوم فكرك عن الأخطاء، وتصوم قلبك عن المشاعر والعواطف الردية، وكذلك تصوم لسانك عن الكلام الباطل. ومع ذلك فكل الفضائل في الصوم لا تكفي. إنها تمثل فقط العنصر السلبي من الصوم، وهو البعد عن أخطاء الفكر واللسان والقلب وشهوات النفس. صوم الجسد والنفس لا يكفي. لابد أن يضاف إليه غذاء الروح. ولذلك نقول في صلوات القداس الإلهي "الصوم والصلاة هما اللذان يخرجان الشياطين، وليس الصوم وحده. أننا نصوم لكي نخرج من نطاق الجسد والمادة، وندخل في نطاق الروح.. فيجب أن نعطي الروح فرصتها أثناء الصوم. ويجب أن نعرف حقيقة هامة وهي: الصوم ليس فضيلة للجسد، إنما هو فضيلة للروح. ننتقل بعد هذا إلي مثال، وهو: الصلاة فضيلة من أهم الفضائل، حتى أن كثيرًا من القديسين تفرغوا لها.. ولكن ما هي الصلاة في مفهومك؟ أترها مجرد الكلام مع الله؟! إن الكلام مع الله وحده لا يكفي. فهناك خصائص روحية، إن لم ترتبط بالصلاة، فالصلاة، وحدها لا يكفي! ينبغي أن يضاف إلي الصلاة عنصر الحب، كما قال داود النبي "محبوب هو إسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" (مز119). "باسمك أرفع يدي، فتشبع نفسي كما من شحم ودسم" والصلاة بغير حب ليست صلاة، وهي غير مقبولة من الله الذي قال "هذا الشعب يكرمني بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عن بعيدًا" (مر6:7). يجب أن تضاف مشاعر كثيرة للصلاة، لأنها وحدها لا تكفي. الحب، والخشوع، والفهم، والحرارة، والإيمان.. وكذلك أيضًا نقاوة القلب، لأن "صلاة الأشرار مكرهة للرب "كما يقول الكتاب. وقد قال الرب لبني إسرائيل ايام أشعياء النبي "حين تبسكون أيديكم، استر وجهي عنكم. وإن أكثرتم الصلاة، لا أسمع. ايديكم ملآنة دمًا (أش15:1). إذن الصلاة وحدها لا تكفي، بدون نقاوة القلب. ولا يقل إنسان "أنا اصلي "ويظن أن الصلاة مجرد ألفاظ! الاعتراف الاعتراف بالخطية فضيلة، وله فوائده الكثيرة، روحيًا وعقائديًا.. ومع ذلك الاعتراف وحده لا يكفي، إذ ليس هو مجرد سرد للخطايا في سمع الأب الكاهن وفي كلمات الصلاة.... ينبغي أن يضاف إلي الاعتراف عنصر الندم والخزي. مثلما فعل العشار الذي وقف من بعيد، لا يجسر أن يرفع عينيه نحو السماء وقرع صدره قائلًا: ارحمني يا رب فإني خاطئ (لو13:18). لذلك خرج مبررًا. إن بطرس الرسول بعد خطيته بكي بكاء مر (مت75:26) وداود النبي بلل فراشه بدموعه (مز6). وأنت هل تعترف بعين جافة، ولا ندم. أنظر إلي دانيال وهو يقول "لك يا سيد البر. أما لنا فخري الوجوه.. لنا خزي الوجوه.. لأننا أخطأنا إليك" (دا9: 7،8). كذلك فالإعتراف وحده لا يكفي، إن كان بلا توبة. لذلك سر الاعتراف في الكنيسة يسمي سر التوبة. يمارسة الإنسان بروح التوبة، بعزيمة صادقة أنه لا يعود إلي الخطية مرة أخري باذلًا كل جهده في ضبط نفسه وفي البعد عن كل أسباب الخطية وعثراتها. وفي إعترافه يحاول أن يصلح نتائج خطيته. مثلما قال زكا العشار في أعترافته توبته: إن كنت ظلمت أحد في شيء، ارد أربعة أضعاف" (لو8:19). وهكذا لا يقتصر الاعتراف علي الماضي، وإنما يتدرج للعمل بكل جده من اجل المستقبل. والاعتراف مفيد إن كان مصحوبًا أيضًا بالإتضاع. إنسان معترف بخطيئته، يعامل نفسه كخاطئ، وبغير مستحق. لا يرتفع علي غيره ولا يتعالي، لأنه عارف بضعفه وبأنه أيضًا خاطئ. ولا يعود يفتخر في المستقبل، لأنه يذكر ماضيه. ويصنع خطيئته أمامه في كل حين (مز50). ويحتمل كل ما يأتيه، لأنه معترف بخطيئته وشاعر بأنه يستحق كل جزاء.. مثلما حدث لداود النبي لما شتمه شمعي بن جيرا، وسبه باسلوب جارح.. فقال هذا النبي العظيم المعترف بخطيئته: "الرب قال له سب داود" (2صم10:16). من كل هذا يبدو أن الاعتراف وحده لا يكفي. فرعون قال اكثر من مره "أخطأت" ولكن بلا توبة. قال لموسى وهرون "أخطأت إلي الرب إلهكما وإليكما. والآن اصفحا عن خطيئتي هذا المرة فقط.." (خر16:10). وقال قبل ذلك "أخطأت هذه المرة. الرب هو البار، وأنا وشعبي الأشرار" (خر27:9). ولكنه كان اعترافا بلا توبة، وبلا رجوع إلي الحق. وظل قلبه قاسيا وهلك.. القراءة القراءة في الكتاب المقدس والكتب الروحية لها تأثيرها الكبير في اللقب. وهي فضيلة نافعة، لأنها واسطة من وسائط النعمة. فالقراءة وحدها لا تكفي، لا فهم لا روح ولا تطبيق. فالمفروض أن الإنسان الروحي يقرأ بعمق، ويدخل إلي روح الكلمة ويحولها إلي حياة، كما قال الرب "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يو63:6)،لذلك لكي تكون القراءة الروحية نافعة، ينبغي أن ترتبط بالممارسة العملية والتدرايب الروحية، ولا تكون مجرد معلومات، أو مادة للوعظ أو التباهي بالمعرفة، أو لمجرد الدراسة. وإنما الإنسان يقرأ، ويطبق علي نفسه ويجعل القراءة تكشف له أخطاءه، وتحثه علي تركها.. العطاء العطاء فضيلة جميلة، بسببها قال الرب لكثيرين "تعالوا يا مباركي ابي، رثوا الملك المعد لكم.. لأني كنت جوعانًا فأطعمتموني، عطشانًا فسقيتموني عريانًا فكسوتموني.."(مت25: 34، 35). ومع ذلك فالعطاء وحده لا يكفي. لماذا؟ لابد أن تمتزج العطاء بالفرح، ولا يكون بتذمر. كقول الكتاب: "المعطي المسرور يحبه الرب" (2كو7:9). لأن كثيرين يعطون عن اضطرار، ويدفعون العشور بتضرر...! كذلك ينبغي أن يكون العطاء في الخفاء, أن يعطي الإنسان بسخاء. ولا يقتصر في عطائه علي ما يفضل عنه، أو يعطي فقط الأشياء المرفوضة. وتظهر فضيلة العطاء، أن كان الإنسان يعطي أفضل ما عنده. أو يعطي من أعوازه. كما أعطيت الأرملة من أعوازها، فأمتدحها الرب (مز44:12). وكما قدم هابيل محرقة من أبكار غنمه ومن سمانها (تك4:4). كذلك يشعر في عطائه أنه سيعطي المسيح، ويقول له في عطائه "من يدك أعطيناك (1أي14:29). والعطاء بغير هذه المشاعر كلها، يكون فيه نقص كفضيلة. الإيمان يظن البعض أن الإيمان كل شيء، ويقتصر علي مجرد الإيمان النظري أو الإسمي بالمسيح. ولا يفيده هذا الإيمان كثيرًا، كما قال القديس يعقوب الرسول: "إيمان بدون اعمال ميت" (يع2: 17، 20). وأيضًا قال القديس بولس الرسول "أن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، وليست لي محبة، فلست شيئًا" (1كو2:13). فماذا ينتفع الإنسان إن كان له إيمان بدون ثمر؟!. أن كان إيمانه غير عامل بالمحبة؟! (غل6:5). لا يخلصك مجرد الإيمان بالمسيح، إنما بالأكثر أن يحيا المسيح فيك. وفي ذلك تترنم مع القديس بولس قائلًا "لكي أحيا لا أنا بل المسيح في" (غل20:2). نؤمن بالمسيح، هذا حسن جدًا، ولكنه لا يكفي. بل ينبغي أن تتبعه، وكما يلك ذاك، تحاول أن تسلك أنت أيضًا (1يو6:2). ويكون لك شركة معه، وتتناول من جسد ودمه، وتموت وتقوم معه، وتكون لك أيضًا شركة مع الروح القدس. وتسلمه حياتك حتى يعمل هو فيك، ثم تنظر إلي كل ما عمله فيك. أنا الرب من ذاتي لم اعمل شيئًا. وإنما كل شيء بك كان، وبغيرك لم يكن شيء مما كان (يو3:1). العبادة العبادة فضيلة بلا شك. ولكنها وحدها لا تكفي، إن كانت بعيدة عن الله، ولا تصدر عن نقاوة قلب. وقد وبخ الرب شعبه علي هذه العبادة الباطلة في أيام إشعياء النبي فقال لهم عن هذه العبادة "أبغضتها نفسي. صارت علي ثقلًا. مللت حملها"، "لا تعودوا تأتون إلي بتقدمة باطلة.. لست أطيق الإثم والاعتكاف" (أش1: 13، 14). كذلك العبادة لا تكفي، إن كانت بلا روح، بلا حكمة، بلا اتضاع. النشاط ما أكثر الذين يملأون الدنيا حيوية ونشاطًا، ولهم الكثير من الإنجازات والأعمال في مجالات متعددة.. ولا شك أن هذه فضيلة، ولكنها وحدها لا تكفي، إن لم تكن مقرونة بالاتضاع والهدوء لأن النشاط الذي يرتبط بالافتخار والمجد الباطل ليس فضيلة. وكذلك النشاط الذي يحتك فيه الإنسان بالغير ويجور عليه، ليس فضيلة... |
||||
20 - 01 - 2014, 04:36 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال (مت3:18). إنها وصية عجيبة وخطيرة كشرط أساسي وهام لدخول ملكوت السموات بحثت إن لم نسلك في الطفولة الروحية فلن ندخل الملكوت. خطورة الوصية هناك أمور جوهرية تمنع الملكوت. مثال ذلك قول الرب "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو5:3). وقوله أيضًا "أن لم تأكلوا جسد إبن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم" (يو35:6). وقوله كذلك "إن لم تؤمنوا إني أنا هو، تموتون في خطاياكم" (يو24:8). وكذلك "أن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لو13: 3، 5). وهكذا جعل الرب هذه الأمور كلها لازمة للخلاص: المعمودية، والتناول، والإيمان، والتوبة. ونراه يضع شرط الرجوع إلي شبه الأطفال لازما لدخول الملكوت. بنفس عبارة "إن لم" التي قالها عن المعمودية والتناول والإيمان والتوبة نراه يقول لتلاميذه القديسين "الحق أقول لكم أمن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال فلن تدخلوا ملكوت السموات" (مت3:18). وهذا يدل علي خطورة هذه الوصية. ويجعلنا نتساءل: ما هي الصفات التي يتصف بها الطفل، حتى تحاول أن نتشبه به ونصير مثله؟ نحن نظن أننا نعلم الأطفال، ونقف أمامهم كقدرة، وهوذا الرب يعكس الأمر، ويضع الأطفال أمامنا كقدوة، حتى نتشبه بهم، وإلا.. فإنه يقدم لنا تحذيرًا خطيرًا، وهو عدم دخول الملكوت. طبعًا لا نتشبه بالطفل في العقل، وإنما في القلب والروح والنفسية. والمقصود طبعًا أن نتشبه بالطفل السوي، وليس الذي ولد بميول أو طباع منحرفة، سواء بالوراثة أو لأسباب أخري. صفات الأطفال * أول صفة للأطفال هي البراءة والبساطة. وهكذا كان أبونا آدم قبل أن يعرف وهكذا كانت أمنا حواء. إذن كأن الرب يقول لنا إن لم ترجعوا إلي البراءة والبساطة فلن تدخلوا الملكوت... الطفل في بدء حياته، لا يشك في شيء. يقبل الأمور في براءة وثقة، إلي أن يغيره المجتمع، ويدخل الشك إلي قلبه، وفي طباعه فتتعكر نقاوته. وقد يزيد الشك عنده فيصبح مرضًا، سواء وجد سبب للشك أم لم يوجد. * الطفل يتصف أيضًا بحب المعرفة والتعليم. فهو يسأل ويريد أن يعرف. ولا يخجل من السؤال والإقرار بعدم المعرفة. وهو يقبل التعليم، وعن طريقة ينمو في المعرفة يومًا بعد يوم. أما الكبار، فقد يمنعهم عن التعليم إما كبرياء لا تريد أن تظهر أنها لا تعرف، أو يمنعهم الخجل، أو الاكتفاء بما هم فيه من معرفة. وكلما كبر الإنسان في سنة، قد يخجل من التعلم لئلا يخطئ أثناء تدربه فيخجل من خطئه. لذلك فالطفل اقدر علي تعلم اللغة من كبير السن، لأنه لا يخجل أن ينطق ولو نطقًا خاطئًا يصححه له معلمه، بينما الكبير لا يعقل. حاول إذن ان تنمو في المعرفة، واقصد المعرفة النافعة لك. وما دمت قد كبرت في السن، أمامك ألوان أساسية في المعرفة غير ما يسعي إليه الطفل. عليك أن تعرف نفسك، وأن تعرف الله، وتعرف الحق، وتعرف الطريق السليم الذي يوصلك. وليكن لك التواضع الذي به تسال وتطلب المعرفة، دون أن تخجل. ودون أن ترتئي فوق ما ينبغي، ظانًا انك تعرف.. ودون أن تكون حكيمًا في عيني نفسك... * من صفات الطفل دائم النمو. قيل عن يوحنا المعمدان في طفولته "أما الصبي فكان ينمو ويتقوي بالروح. وكان في البراري إلي يوم ظهوره لإسرائيل" (لو80:1). وقيل أيضًا عن الطفل يسوع "وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (لو52:2). من جهة القامة، يصل الكبار إلي حد معين لا تنمو فيه قامتهم. ولكن هناك مجال آخر ينبغي ان يمارسوا فيه صفة النمو. وهو النمو في الروح في العقل، في المعرفة، في الحكمة، في كل فضيلة وعمل صالح. * تعجبني في الطفل أيضًا صفة البشاشة. هو باستمرار يحب البشاشة، يحب المرح، يحب ان يضحك، ويحب من يضحكه. إنه لا يحمل هموم الدنيا فوق كتفيه كما يفعل الكبار. ولا يحمل همًا، ولا يفكر في مشاكل الغد ومشاكل المستقبل، إنما يلقي كل ذلك -إن صادفه- على أبيه أو أمه. ويملك السلام علي قلبه، حتى في أشد الأوقات خطورة، تجد البيت كله منزعجًا، متوقعًا شرًا، ما عدا الطفل. أريد لك يا أخي هذا السلام وهذا الفرخ، فهما من ثمار الروح (غل22:5). * من الصفات الجميلة في الطفل أنه لا يحمل حقدًا. قد يوجد ما يغضبه أو يضايقه أو يحزنه - ولكن هذا كله يأخذ وقته وينتهي في وقته دون أن يخزيه في قلبه أو في مشاعره. وما أسرع أن يتصافي ويلعب مع طفل آخر كان يتعارك معه منذ لحظات. الذين يخزنون الإساءة هم الكبار، في ذاكرتهم التي كثيرًا ما تنسي الخير، ولكن لا تنسي الإساءة. ويتحول الغضب عندهم إلي حقد وإلي عداوة، وربما رغبة في الانتقام. وهؤلاء يقول لهم الرب "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال... "أن الطفل سريع التصالح. وقد يضربه ابوه أو أمه. وبسرعة يأتي فيرتمي في حضنهما. وفي العطف والحنان الذي يأخذه، ينسي كل ما حدث. ليتنا نكون أيضًا مثل الطفل في حبه الكبير. الحب الذي يتسع لكثيرين. والذي فيه يتصادق بسرعة مع كثيرين ويزيد عدد معارفه وأحبائه. ويجعل الآخرين يحبونه، دون أن يعرف تحزبًا. وقد يتشاجر الأب والأم معًا. بينما الطفل يحب الاثنين معًا بل قد يعمل علي مصالحتهما... * والطفل عنده الإيمان والثقة. بعض الطوائف لا تعمد الأطفال، وتنتظر إلي أن يؤمنوا أولًا. ولكنني أقول ليتنا جميعًا نكون مثل الأطفال في عمق إيمانهم. الأطفال الذين يقبلون كل حقائق الإيمان دون أدني شك أو سؤال. إن الطفل يولد مؤمنًا، تقول له نصلي،يصلي. ترفع يدك إلي السماء وتقول يا رب، يفعل مثلك،يؤمن أن الله قادر علي كل شيء، ولا يشك في ذلك. بل يؤمن أن أباه الجسدي يقدر أن يعطيه كل شيء، وأن يحميه من كل خطر ولا شك. إيمان الطفل إيمان عجيب لا يفسده إلا الكبار، حينما يدخلون إلي ذهنه أمور تؤذيه. * الطفل أيضًا يتميز بالصدق، ول يجامل علي حساب الحق. وهو لا يعرف الرياء. فإن كلن يحبك يقول لك إنه يحبك. ويكون ذلك من قلبه، وهو صادق فيما يقول. وإن كان يخافك أو قد آذيته قبلًا، لا يمكن أن يجاملك كذبًا ويقول لك إنه يحبك. بل يقول لك رأيه فيك بصراحة. إنه لا يعرف النفاق. هو صادق في التعبير عن مشاعره. محبه الأطفال محبة حارة أكثر من محبة الكبار. وهي محبة بريئة وطاهرة. أنه يرتمي في حضن من يحبه بكل عواطفه. وقد يبكي من كل قلبه. لأنه قد غاب عنه أو أمه قد غابت عنه. ولا يستريح إلا إذا وجد من يحبه. ليتنا نحب مثلما الأطفال يحبون. * والطفل يشتهي المثل العليا. إنه يستطيع أن يميز بفطرته. لذلك فهو يحب الخير بطبيعته. وله ضمير لم يفسده المجتمع يميز به بين من يحبه، وبين الإنسان الخير الذي يتصف بالروح الطيبة وغير ذلك، وهو يستطيع أن يحكم عليك من مجرد النظر إلي ملامحك. يعرف داخلك من نظرة عينيك، ومن تقاطيع وجهك، ومن نبرة صوتك، وهو حساس جدًا، وحسه سليم. أنه لا يقبل أن يري اباه غاضبًا أو ثائرًا مقطب الملامح أو الجبين، أو محتد الصوت. كل هذا ضد مثله العليا. * ومن الأشياء الجميلة في الطفل أن فضائله طبيعية تلقائية. بلا تصنع، بلا تمثيل، بلا جهاد في الوصول إلي الفضائل، فهي فيه بالفطرة. لا يحاول أن يظهر في زي فضيلة ليست فيه. لا يجاهد ليحصل علي البساطة، فهو بسيط بطبيعته. وهكذا باقي الفضائل. * الطفل ليس عنده غرور. حتي عندما تمدحه. يرضي لكي يشعر بأنه تصرف حسنًا، دون أن يتكبر. الغرور رذيلة تتعب الكبار.. المسيح والأطفال كان السيد المسيح يحب الأطفال. وكان يحتضنهم ويباركهم (مز16:10). وكان يحذر الناس من أن يسببوا لهم عثرة. وهكذا قال "من اعثر أحد هؤلاء الصغار فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر" (مت6:18). وقال في محبته للأطفال "أنظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار" (6:18). وقال في محبته للأطفال "أنظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء.. (مت10:18). بل جعلهم مثالًا يتشبه الكبار بهم. والتاريخ وضع أمامنا أمثله لأطفال قديسين. مثل الطفل أبانوب تبني علي اسمه كنائس في مصر والمهجر. ومثل الطفل قرياقوص إبن القديسة يوليطة. ومثل صمؤئيل الطفل الذي كلمه الله وأرسله يحذر عالي الكاهن العظيم. ومثل القديس شنوده رئيس المتوحدين في طفولته.. والأمثلة كثيرة. ليتنا نرجع ونصير مثل الأطفال في فضائلهم. إن طبيعة الطفل الفاضلة هي أمثولة طيبة قبل أن تغرس فيه البيئة والتربية صفات أخري لم تكن من طبيعته الأصلية. وقبل أن يتعلم ممن حواليه أمورًا يريدونها له لكي يصبح مثلهم في طباعهم، وقد لا تكون طباعهم مقدسة ولا صالحة ولا فاضلة..! إنما السيد المسيح حينما أوصانا أن نرجع ونصير مثل الأطفال، إنما قصد أن نرجع عما أكتسبناه من صفات غرستها فينا البيئة والتربية والتعليم، ونصير في الطبيعة التي أرادها الله لنا، في البراءة التي كانت لآدم وحواء قبل الخطية، وقبل أن يأخذا من مصدر خارجي هو الحية.. |
||||
20 - 01 - 2014, 04:39 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
فضيلة ضبط النفس قال سليمان الحكيم "البطيء الغضب خير من الجبار، ومالك روحه خير ممن يملك مدينة" (أم32:16). فمن هو إذن الذي يملك روحه؟ أي الذي يضبط نفسه؟ لاشك أن ضبط النفس يشمل عناصر كثيرة منها: ضبط اللسان، وضبط الفكر، وضبط الحواس، وضبط البطن (من جهة الأكل)، وضبط الرغبات والشهوات، وضبط الأعصاب (من جهة الغضب)، وضبط لك تصرفات الإنسان. ضبط اللسان يقول الحكيم أيضًا "كثرة الكلام لا تخلو من معصية، أما الضابط شفتيه فعاقل" (ام19:10). ويقول القديس يعقوب الرسول "وأما اللسان فلا يستطيع أحد أن يذلله. هو شر لا يضبط مملوء سمًا مميتًا" (يع8:3). لذلك قال الرسول أيضًا: إن كان احد ل يعثر في الكلام، فذلك رجل كامل، قادر أن يلجم كل الجسد أيضًا" (يع2:3). ومن أجل هذا كان المرنم يلتمس معونة الله قائلًا: "ضع يا رب حافظًا لفمي، بابًا حصينًا لشفتي". والذي يضبط لسانه ينجو من خطايا عديدة جدًا. فلا يقع في إهانة الآخرين بالشتيمة أو التهكم أو التوبيخ القاسي، أو التهديد، أو الترفع عليهم. ولا يقع في الكذب ولا المبالغة ولا الحلفان ولا التجديف.. ولا في كلام المجون، ولا في الثرثرة.. ولا المعلومات الخاطئة، ولا في الافتخار والبر الذاتي، والحديث عن النفس، ولا في إدانة الآخرين، ولا كلام الغضب بل أن الكتاب يقول: "بل الأحمق إذا سكت، يحسب حكيمًا" (أم28:17). وضبط الشفتين له فوائد إيجابية كثيرة: فالذي يضبط شفتيه، يعطي نفسه فرصة للتروي والتفكير قبل أن يتكلم، ويأخذ فرصة أيضًا لانتقاء الألفاظ واختيار الكلمة المناسبة، وحسبان ردود الفعل لكل ما يقول. لأن الكلمة التي تقولها تحسب عليك، مهما اعتذرت عنها. فمادمت قد لفظتها، ووصلت إلي آذان الناس وإلي أذهانهم ومشاعرهم، لم تعد ملكًا لك وحدك تتصرف فيها! لقد كنت تحكم عليها قبل أن تقولها. أما بعد كلامك فقد أصبحت هي التي تحكم عليك "لأنه بكلامك تتبرر، وبكلامك تدان" (مت37:12). يكفي ان القديس أرسانيوس قال مرة. "كثيرًا ما تكلمت فندمت. أما عن سكوتي فما ندمت قط". لذلك أضبط لسانك. القديسون أيضًا كانوا يسكتون لكي يعطوا أنفسهم فرصة للصلاة وللتأمل، كما قال الشيخ الروحاني "سكت لسانك لكي يتكلم قلبك " وأيضًا "كثير الكلام يدل علي أنه فارغ من الداخل، أي من عمل الصلاة "قال حكيم: "ليس كل ما يسمع يقال. وليس كل يقال يكتب". فليس كل ما تسمعه، تردده علي آذان غيرك، وإلا فإنك قد توقع بذلك بين الناس. وتصل إلي النميمة أو إلي الغبية؟ وأخطر من ذلك ما تكتبه، لأنه يصير وثيقة عليك. ضبط الفكر فاحرس إذن أفكارك. ولا تقبل كل فكر يأتي إليك. واحرص علي أن تكون أفكارك نقية. وإن وصل فكر خاطئ. أحذ من التمادي فيه والتعامل معه. اطرده بسرعة لئلا يسيطر عليك، ويتحول إلي مشاعر في قلبك. احذر من أفكار الغضب والانتقام والشهوة، ومن أفكار الإدانة وأفكار الأباطيل، وأيضًا من فكر الحسد والغيرة والحقد، ومن أفكار الكبرياء والمجد الباطل.. ومن كل فكر لا يمجد الله. وإن لم تستطع، فأنصت إلي المقل الذي يقول: إن لم تستطع أن تمنع الطير من أن يحوم رأسك، فعلي الأقل لا تجعله يعشش في شعرك. لا تستبق في داخلك فكر خاطئًا. وحاول أن تشغل ذهنك باستمرار بأفكار نافعة، أو بتأملات روحية، حتى إن حارب الشيطان أفكارك لا يجدها متفرغة له.. وهناك وسيلة أخري لحفظ الفكر وهي ضبط الحواس: ضبط الحواس الحواس هي أبواب للفكر. فأحرس هذه الأبواب: أضبط السمع والنظر واللمس. حتى لا تدخل إليك فكرًا خاطئًا. ولتكن حواسك طاهرة. وما تقع عليه حواسك بدون إرادتك، لا تفكر فيه، ولا تعد إليه بإرادتك... قد تكون النظرة الأولي مصادفة أو بغير إرادتك. ولكن النظرة الثانية لا شك أنها إرادية تحاسب عليها. اعرف أن حواسك لا تجلب لك أفكارًا فقط، وإنما قد تتسرب في عقلك الباطن، وتتحول إلي أحلام وظنون. فضبط الحواس يساعد إذن علي نقاوة الفكر، ونقاوة الأحلام والظنون. بل يساعد علي نقاوة المشاعر أيضًا. ضبط المشاعر لتكن مشاعرك منضبطة. وإن وجدت شعورًا خاطئًا قد دخل إلي قلبك، فلا تتجاوب معه. بل اطرده بسرعة، قبل أن يرسخ فيك. وحاول باستمرار أن تحتفظ بنقاوة قلبك. لا تستسلم لأية شهوة أو رغبة خاطئة. بل قاومها، قال القديس بولس الرسول "لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية" (عب4:12). لا تجعل الأمر يتطور معك إلي أسوأ.. أضبط حواسك حتى لا تجلب لك فكرًا. وإن وصل إليك الفكر، إضبطه حتى لا يتحول إلي شعور وإلي شهوة. وإن وصلت إلي مستوي الشهوة، اضبطها حتى لا تتحول إلى عمل.. وإن تدرجت إلي العمل، فامتنع عنه بسرعة، حتى لا يتحول إلي عادة ويسيطر عليك... أغصب نفسك باستمرار واعرف أن التغصب يدربك علي قوة الإرادة... أغصب نفسك علي تنفيذ الوصية، وعلي الطاعة والخضوع. أضبط نفسك في طاعة الرب، وفي طاعة القانون والنظام العام،ولا تتحايل علي مخالفة قانون، أو مخالفة ضميرك، ولا تجلب لنفسك الأعذار. ولا تسمح أن يتسع ضميرك ليقبل أشياء كثيرة.. أعرف أن الأعذار والتبريرات هما عداون خطيران لضبط النفس. فلا تعذر نفسك في اي خطأ من الأخطاء. وبدلًا من أن تدلل نفسك، حاول أن تقومها، وترغمها علي عمل الخير، وتبعدها عن كل شر وشبه شر. محبة الذات أضبط نفسك من جهة محبة الذات. فقد قال الرب "من يحب نفسه يهلكها. ومن يبغض نفسه في هذا العالم، يحفظها إلي حياة ابدية" (يو25:12). أبعد عن محبة الذات، وعن محبة النصيب الأكبر، وعن محبة المتكآت الأولي. ولا تفضل ذاتك علي غيرك. ولا تجعل راحتك علي تعب الأخرين. وإن وجدت ذاتك منقادة في طريق خاطئ، أضبط مسيرتها بكل حزم. وأضبط نفسك من جهة الاندفاع والتهور، ومن جهة إتخاذ اي قرار سريع. إن وجدت نفسك منفعلًا، أضبط أعصابك، وأضبط لسانك، وأضبط ملامحك، وأضبط حركاتك، ولا تسمح لنفسك بأن تخطئ في حق غيرك، مهما أخطأ هو في حقك. واضبط نفسك من جهة استخدام الحرية. حسن أن تتمنع بالحرية. ولكن لتكن حريتك منضبطة. لتكن حرية طاهرة لا تفعل فيها ما لا يليق. ولتكن حرية مسالمة وعاقلة، لا تتعدي فيها علي حريات الغير ولا علي حقوق الغير، ولا علي النظام العام. ليتحرر قلبك أولًا من كل خطأ. فإن تحررت من الداخل، يمكنك أن تستخدم حريتك الخارجية بحكمة وسلام. الضبط الخارجي | الانضباط أعرف أنك إن لم تنضبط من الداخل، فسوف ترغ علي الانضباط من الخارج. كإنسان يرغمه إلى الانضباط: القانون والعرف والعقوبة. وكابن لا ينضبط من تلقاء نفسه، فيضبطه التأديب والديه له. وكأي إنسان يضطر إلي الانضباط بطريق الخوف.... وهناك من يضطر إلي الانضباط بدافع الخجل من الناس، أو الخوف من الانكشاف ومن الفضيحة. أو لص يضطر إلي الانضباط مؤقتًا خوفًا من الحراس. أو إنسان يضطر إلي الانضباط نتيجة للتوبيخ. أو نتيجة لوجود موانع كعدم وجود قدرة، أو عدم وجود فرصة، أو لمقاومة الآخرين له. كلها أسباب غير روحية. أما الشخص الروحي فينضبط من الداخل، بإراداته، حبًا منه للخير، وحبًا منه لله وتقويمًا منه لنفسه. وانضباطه الداخلي يساعده علي الانضباط من الخارج أيضًا. أو أن انضباطه الخارجي يكون هو العبير العملي علي الانضباط الداخلي. علي أنه باستمرارية الانضباط الخارجي، سواء أكان الإنسان مرغمًا عليه من الخارج أو أنه يغضب نفسه علي ذلك. بهذا الاستمرار قد يتعود الإنسان أن يكون منضبطًا... |
||||
20 - 01 - 2014, 04:41 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
نفوس مريحة ونفوس غير مريحة النفوس المريحة هي التي تريح غيرها. قد يجلس إنسان معك، فتستريح لوجوده معك، وتود لو أن جلسته تطول مهما مر الوقت. بينما يجلس إليك آخر، فتظل تعد الدقائق وتتمني لو أنه رحل عنك. ذلك لأن أحدهما مريح والآخر متعب. إنسان يمر عليك كالنسيم الهادئ أو النسيم العطر. وآخر يمر بك، وكأنه عاصفة هوجاء. فما هي إذن النفس المريحة؟ وما هي صفاتها؟ ولماذا تكون نفوس بعض الناس متعبة وغير مقبولة؟ أول نفس مريحة في تاريخ كل إنسان هي أمه. يري الطفل راحته في صدرها الدافئ، وفي رضاعته منها، وفي نظراتها الحانية، وفي ابتسامتها، وفي استجابتها لاحتياجاته.. ومعها يشعر بالاطمئنان والأمن. واللطف الرضيع الذي نظن أنه لا يدرك شيئًا، ومن العجيب أنه يستطيع أن يميز أمه -أو مرضعته- عن أي امرأة أخري. فهي حينما تحمله تبش له، ويبتسم هو لها في فرح وبشاشة وبراءة. بينما تحمله امرأة أخري، فيصرخ... الطفل حساس جدًا من جهة ملامح الناس. هو لا يتضايق مما يقال له من كلام، لأنه لا يفهمه، ولكنه يفهم الملامح: يميز النظرة المريحة من النظرة المتعبة. ويميز الملامح البشوشة من الملامح المزعجة. يطمئن إلي النفس المريحة من نوع النظرة، وشكل الملامح، ونبرة الصوت. ويميز النفس المريحة التي تداعبه وتلاعبه. لذلك احترسوا في ضبط ملامحكم حينما تقابلون الأطفال. واحترسوا من جهة الانتهار والتوبيخ لأن الملامح فيه لا تكون مريحة. وصدقوني، نفس الأمر يكون في معاملة الكبار. هم أيضًا يحتاجون إلي التعامل مع النفوس المريحة. يريحهم شكل الإنسان، كما تريحهم أيضًا ملامحه، ومعاملاته. وربما تري شخصًا لأول مرة، فلا تستريح هم أيضًا يحتاجون إلي التعامل مع النفوس المريحة. يريحهم شكل الإنسان، كما تريحهم أيضًا ملامحه، ومعاملاته. وربما تري شخصًا لأول مرة، فلا تستريح إليه... لا تستريح إلي تعبيرات وجهه، ولا إلي نبرة صوته، ولا إلي حركاته، ولا إلي شكله جملة.. يوحي إليك بعدم الاطمئنان وعدم الثقة. ويحدث هذا أحيانًا في اختيار الأصدقاء. هناك من تنجذب إليه، وتشعر من أول مرة كما لو كنت تعرفه منذ زمان. وآخر تنفر منه تلقائيًا. نفس الكلام نقوله أيضًا عن الأطباء. هناك طبيب يستريح إليه المريض: في بشاشته من جهة، وفي شرحه للمرض وللعلاج. وفي إعطائه ريقًا من الأمل والرجاء مهما كان خطيرًا. ويشعر المريض بالاطمئنان إلي أنه في يد أمينة، ومع قلب عطوف... بينما طبيب أخر -بعد مقابلته للمريض- يخرج المريض منهارًا. ونفس الوضع بالنسبة إلي أب الاعتراف. أب الاعتراف المرح، هو الذي يعرف نفسية المعترف وظروفه وحروبه، ويعطيه من الإرشادات ما يمكنه تنفيذها، ويقود إلي التوبة وإلي الحياة الروحية في هدوء وفي تدرج معقول. ويشعره بالحب والحنو، ويفتح له باب الرجاء مهما كانت خطاياه. ويقوده إلي فتح قلبه في الاعتراف بكل اطمئنان. أما أب الاعتراف غير المريح، فهو الذي يرتبك لمعترف أمامه، ولا يدري ما يقوله. وربما يخاف ولا يستطيع أن يكمل اعترافه. يخشي انتهاره له، أو قسوته عليه، أو تغيير فكرته عنه، أو حرمانه من التناول أو قسوة عقوبته... بينما أب الاعتراف المريح قد يعاقب ولكن في احتمال المعترف، مقنعًا إياه بأن العقوبة نافعة له في تقويم حياته وفي إراحة ضميره... من صفات النفوس المريحة * الإنسان البشوش نفسه مريحة. الناس يحبون البشاشة، ويستريحون للوجه البشوش الذي من فيض سلامه القلبي يفيض بالراحة والسلام علي كل من يقابله.. البشاشة هي فرح ينتقل من نفس إلي نفس. لذلك فإن غالبية الناس يحبون أصحاب النفوس المرحة التي تدخل البهجة إلي القلب. ومن أمثلة ذلك القانون الذين يرسمون الرسوم الكاريكاتيرية مع فكاهات لطيفة، طالما أن الفكاهة بريئة ولطيفة ولا خطأ فيها. ولأن البشاشة والفكاهة تريح النفوس، لذلك فإن المصورين قبل أن يلتقطوا الصور يطلبون إلي الناس أن يبتسموا أولًا، لأن الوجه المبتسم هو وجه مريح لمن يراه. والبعض يبتسمون بطريقة مصطنعة أثناء التصوير. غير أن البعض لهم بطبيعتهم وجوه مبتسمة بشوشة في كل المناسبات، وبدون تصنع هؤلاء أصحاب نفوس مريحة. * كذلك الإنسان الوديع الهادئ هو من النفوس المريحة. بهدوئهم يدخلون الهدوء إلي قلوب الآخرين. ومهما كانت الأمور تبدو صعبة، يعلمون علي تهوينها وتخفيف وقعها، وبهذا يريحون غيرهم. وفي جو من الطمأنينة يبحثون معهم الأمور بهدوء للوصول إلي حل. كذلك الإنسان الوديع هو إنسان مريح في معاملته. لأنه يأخذ الأمور ببساطة. لا يغضب أحدًا، ولا يغضب من أحد. ويتعامل مع الناس في سهوله ويسر، ولا تتعقد الأمور مطلقًا في التعامل معه. * المبشرين بالخير هم من أصحاب النفوس المريحة. لإن الناس يحبون من يبشرهم بخير طيب.. يعتبرونه بشرة خير. ويستبشرون به ولذلك يقول الكتاب "ما أجمل قدمي المبشر بالخيرات" (أش7:25)(نا15:1). بعكس الذي يجلب الحزن للنفوس بأخبار سيئة ينقلها إليهم. إنهم يعتبرونه كالبوم التي تنذر بالخراب. ومن أمثلة هؤلاء من ينقلون أخبارًا بتعليقات متعبة للنفوس. إت الإخبار التي تنشر في الجرائد، تختلف من واحدة إلي أخري.. فمنها ما يريح النفوس بأخبارها، ومنها ما تزعج الناس وتخيفهم، وتشعرهم بأخطار مقبلة ومصائب يتوقعونها. * صانعو الخير هم من أصحاب النفوس المريحة: وفي ذلك ما أجمل ما قيل عن السيد المسيح إنه كان يجول يصنع خيرًا (أع38:10). كان يكرز بالإنجيل، ويشفي كل مرض وكل في الشعب" (مت23:4). وهكذا كان تلاميذه وهكذا كان القديسون في كل زمان، يصنعون الخير ويقومون بأعمال البر نحو كل واحد. إن الناس يحبون من يعمل معهم خيرًا. عكس ذلك الذين يعقدون الأمور، والذين يكون بإمكانهم أن يصنعوا خيرًا ولا يفعلون. ما أخطر قول الكتاب "من يسمع صراخ المسكين ولا يستجيب، يصرخ هو أيضًا ولا يستجاب له. من صفات النفوس غير المريحة 1) من صفاتها القسوة. سواء القسوة في الألفاظ، أو القسوة في الأحكام، وفي التعامل مع الأخطاء بطريقة تعب المخطئين دون أن تقومهم، أو بأسلوب يحطم نفسياتهم، ويتسبب في هبوط معنوياتهم. وقد يحدث هذا من بعض الآباء والأمهات في توبيخهم ومعاقبتهم علي أخطائهم بأسلوب ربما يجعلهم يبحثون عن صدر حنون خارج البيت، مع ما يترتب علي ذلك من نتائج خطيرة. وربما تصدر هذه القسوة من الذين يقومون بأعمال الإدارة فيصدرون الجزاء علي أتفه الأخطاء،أو قد تصدر هذه القسوة من الذين يشرفون علي أعمال التدريب أو علي الاختبارات الشخصية فيحكمون علي الشخص بعدم الصلاحية. أو قد تصدر من بعض الأساتذة والمدرسين، فيخشي الطالب أن يقع في يد أحد منهم. ولكن من الأمثلة الصالحة، ما قلناه عن الأرشيدياكون حبيب جرجس. يا حكيمًا أدب الناس وفي زجره حب وفي صوته عطف لك أسلوب نزيه طاهر ولسان أبيض الألفاظ عف لم تنل بالذم إنسان ولم تذكر السوء إذا ما حل وصف إنم بالحب والتشجيع قد تصلح الأعرج، والأكدر يصفو 2) ومن صفات النفوس عير المريحة: النكد. هناك أشخاص -وبخاصة في المجال العائلي- يحاولون حل المشاكل عن طريق النكد، ويضفون علي المنزل جوًا من الكآبة والحزن يبحث بعض أفراد الأسرة عن سلامهم القلبي بالهروب من البيت. وقد ينتهي الأمر بالزوجين إلي محاكم الأحوال الشخصية أو إلي المجلس الإكليريكي. يشعر كل طرف في الأسرة أنه يتعامل مع نفوس عير مريحة. 3) ومن صفات هذه النفوس غير المريحة: كثرة التحقيقات. بحيث يشعر الشخص أنه محاصر بجو من الأسئلة تضيق الخناق عليه لتعرف تفاصيل التفاصيل. ماذا فعلت؟ وأين كنت؟ ومن قابلت؟ ومتى؟ وما موضوع الحديث؟ وماذا قلت وماذا قال؟ وما النتيجة؟ وماذا فعلت؟ ومهما بدا علي الشخص أنه تضايق، تلاحقه التحقيقات بغير هوادة، وبغير مراعاة لنفسيته وإحساساته، مما يؤدي به الأمر إلي الهروب من أمثال هؤلاء الأشخاص الذين لهم هذا الأسلوب من التحقيق. وربما لا تكون لبعضهم صفة تسمح له بكل هذه الأسئلة. ويقودنا هذا إلي نقطة أخري وهي. 4) التدخل في خصوصيات الغير. كل إنسان له خصوصياته التي يحب أن يحتفظ بها، ولا يحب أن يكشفها لك واحد. بل يجب أن يحترمها الآخرين. لهذا نجد في كثير من البلاد الغربية: إذا وصل خطاب لابن في البيت، لا يستطيع الأب أو الأم أن يفتحه. وكذلك إن وصل خطاب للزوجة، لا يفتحه الزوج. وإنما بالحب، الذي بين أفراد الأسرة، صاحب الخطاب يكشف ما جاء فيه، أو بعضًا مما جاء فيه لأسرته دون أن يطالبوه بذلك. ولكن المتعب أن بعضًا من المعارف في خصوصيات غيرهم بطريقة يريدون بها أن يعرفوا كل شيء عنه، سواء في حياته الخاصة، أو حياته العائلية، أو في مجال العمل، كما لو كانوا يترصدون حركاته، ويرهقونه بالأسئلة أو يرسلون من يتتبع أخباره ويقولها لهم. بحيث يشعر أن هؤلاء يتطفلون علي حياته وخصوصياته، بغير وجه حق وبطريق متعبة.. وإن لم يخبرهم يتهمونه بعدم الحب، وبعدم الإخلاص في صداقته، ويسألونه: ما هذا الشيء الذي تكتمه؟ وهل فيه خطر أو خطأ؟ قل لنا ونحن ننصحك. إنه لون من التطفل غير معقول، ويتعب النفس، ويسئ إلي العلاقات. 5) من صفات النفوس المتعبة أيضًا: الشك. هناك نفوس في طبيعتها الشك: يشكون في صدق غيرهم وفي محبته. ويشكون في أقواله وفي أخباره. بل يشكون أيضًا في سلوكه. ويبدو الشك في طريقة كلامهم، وفي لهجة صوتهم، وفي نظراتهم، وفي نوع أسئلتهم؟ وبندر أن يقبل أحد أن يكون موضع شك. لذلك يعتبر الذين يشكون فيه من النفوس غير المريحة، ويحاول أن يتجنبهم. ويعتبر شكهم نقصًا في محبته. فالكتاب يقول المحبة لا تظن السوء (1كو5:13). 6) وعكس ذلك الذي يقابل غيره بروح الثقة والاحترام. إنها صفة من صفات النفوس المريحة. والثقة تولد ثقة، وتدل علي الاحترام. كما أن الاحترام يولد احترامًا. وهكذا يعيش الناس مع بعضهم البعض بأسلوب سوى. وكل إنسان يستريح للذي يثق به. 7) أيضا من صفات النفوس غير المريحة: الإلحاد والمجادلة. هناك أشخاص -من كل ما يريدون- يستخدمون أسلوب الإلحاد والضغط. فإن أرادوا شيئًا من أحد، يلحون عليه بطريقة متواصلة متتابعة، في كل يوم، وربما مرات كل يوم. ولا يعطونه فرصة للتفكير أو التدبير. ولا يعطونه مجالًا للاعتذار، وربما ما يطلبونه يكون فوق طاقته، أو لا يريح ضميره.. ويتوالى إلحاحهم وضغطهم بطريقة متعبة، وربما تجعل من يلحون عليه يهرب من لقائهم بكافة الطريق. وربما يكون الإلحاح والضغط في معرفة خصوصياته، كما حدث مع دليلة في معرفة سر قوة شمشون (قض16). 8) ومن صفات النفوس غير المريحة أيضًا: فرض الرأي. وفي هذا ضغط علي الفكر، وضغط علي التصرف. ومحاولة من هؤلاء أن يسير غيرهم في تيارهم الفكري أو السلوكي علي الرغم منه، مما يشكل ضعفًا علي حريته الخاصة، بشيء من السيطرة. وقد يحدث فرض الرأي من أحد الأبوين، بالنسبة إلي زواج ابنتهما، ضغطًا عليها في الزواج بمن لا تحب، مما يتسبب عنه تعاسة أو فشل في حياتها الزوجية. وفي فرض الرأي نوع من السيطرة هو صفة أخري للنفوس غير المريحة. 9) ومن الصفات الأخرى للنفوس غير المريحة: كثرة الجدل. بحيث لا يمر أمر من الأمور سهلًا، مهما كان بسيطًا. كل فكر وكل تصرف يتخذونه موضوعًا للجدل، وربما يستغرق وقتًا طويلًا، كما أنه يرهق الأعصاب ويضيع الوقت. أمثال هؤلاء قد لا يحاول أحد أن يفتح لهم موضوعًا أو بيدي رأيًا، لأنه لن يخلص من مجادلاتهم العميقة. وإن تكلموا هم ربما يلجأ إلي الإجابات التقليدية: "مثل ربنا يعمل ما فيه الخير"، "نشكر ربنا علي كل حال "أو أن يقول "هذا الموضوع لا أعرفه وليس لي فيه رأي يقيني". كل ذلك ليهرب من الجدال. وصدق الكتاب حينما قال "أفعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة" (في14:2). وقد يسأم الإنسان ويقول لمثل هؤلاء "ألا يمكن أن يتم شيء بدون مجادلة؟! أو يقول فيما بينه وبين نفسه "هل يستحق هذا الأمر البسيط كل هذا الجدل والنقاش". نصيحتي لك: لا تجادل إلا في أمر هام أو أمر خطير يستحق ذلك. وأيضًا لاحظ في نقاشك هل الذي تناقشه يقبل الكلام أو لا يقبله، أو هو يريد النقاش لمجرد حب الجدل وتقضية الوقت، أم ينطبق علي هذا النقاش قول الرسول "المباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها، عالمًا أنها تولد خصومات" (2تي23:2). وقد يكون الغرض من المجادلة هو فرض الرأي. كإنسان يريد فرض رأيه في إدارة الأمور، أو في تصريف أمور الكنيسة إن كان المناقش عضوا في لجنة ما في كنيسة، أو مجرد فرض رأيه كشخص يقول إنه صاحب رأي، وإنه باستمرار علي حق وذو علم ومعرفة. وربما يكون فرضه لرأيه مصحوبًا بالتهديد وبالتشهير. 10) ومن النفوس غير المريحة من لا تقدر ظروف الآخرين. كأن يكلمك إنسان في وقت أنت مشغول فيه، فتعتذر إليه بضيق الوقت، وتؤجل الموضوع إلي موعد آخر، فيصر إصرارًا شديدًا لأن الموضوع مهم ولا يحتمل التأجيل، ولا يبالي بأهمية مشغولياتك، مما يجعلك تستمع إليه مضطرًا وأنت شاعر بضغطه عليك، بينما الموضوع لا يستحق ذلك كله. وربما يأتيك شخص وأنت مريض، ويطلب نمك ما لا تحتمله ظروفك الصحية. أو يظل يكلمك وأنت علي فراش المرض، مما يؤذيك صحيًا وهو غير مقدر ذلك. مما جعل كثير من المستشفيات تحدد أوقاتًا تمنع فيه زيارة بعض المرضي. أو قد يكلمك إنسان في التليفون، وقد تكون مشغولًا. ولكنه لا يبالي ويظل يتكلم ويتكلم مهما طال الوقت. ومهما حاولت أن تؤجل المكالمة أو تشرح ظروفك، لا يهمه ذلك ويستمر في حديثه. فتشعر أنه من النفوس المتعبة التي لا تقدر ظروف الآخرين، وتتخذ منه موقفًا في أحاديثه التالية. يذكرنا هذا الأمر بالذين يزورون العائلات في أوقات الامتحانات النهائية للتلاميذ. ويتكلمون ويرفعون صوتهم، ويوجدون جوًا من الضوضاء لا يساعد علي المذاكرة، غير مبالين بمشاعر الطلاب وامتحاناتهم ويصبحون من النفوس المتعبة. وكذلك الذين يقيمون احتفالات ويرفعون أصوات الميكروفونات... 11) من النفوس المتعبة من تتصف بالغضب. سواء سرعة الغضب، أو حدة الغضب، أو الغضب بدون سبب معقول، أو الغضب المصحوب بأخطاء أو إهانات أو اعتداءات. أمثال هؤلاء الناس يتجنبهم غيرهم لاتقاء شرهم. أو علي الأقل عملًا بقول الكتاب: "لا تستصحِب غضوبًا، ومع صاحب سخط لا تجيء" (ام24:22). |
||||
20 - 01 - 2014, 04:43 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
من له أذنان للسمع فليسمع من له أذنان للسمع فليسمع (مر4: 9،23). الرسائل التي أرسلها الرب إلي الكنائس السبع التي في آسيا كل منها تشمل عبارة أنا عارف أعمالك وتنتهي بعبارة "من له أذنان للسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائس، ونريد اليوم أن نتأمل هذين الأمرين. رسائل للكل جميل أن الله يرسل رسائل للناس، يبعث كلمته للكل، للأبرار وللأشرار معًا، للذين يحبونه وللذين تركوا محبتهم الأولي. يرسل حتى إلي ملاك كنيسة ساردس الذي قال له الرب "إن لك اسمًا أنك حي وأنت ميت" (رؤ1:3). وإلي ملاك كنيسة لاوديكية الذي قال له "لست حارًا ولا باردًا. بل أنت فاتر، أنا مزمع أن أتقيأك من فمي" (رؤ3: 15،16). ومع ذلك يرسل إلي كل منها رسالة. كل إنسان في الحياة، لأبد أن تصله رسالة من الله. يتكلم في قلبه،يرسل له كلمه تناسبه بأية الطرق، عن طريق الكتاب، عظة، عن طريق نصيحة من إنسان. تصوروا أنه كلم حتى قايين، قبل أن يقتل أخاه. وقال له عند الباب خطية رابضة، وإليك اشتياقها، وأنت تسود عليها" (تك7:4). خذ حذرك مازال الأمر في إرادتك. أحترس من تلك الخطية.. ومن إشتياقك، أحترس من مشاعرك وطرق شتي، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه" (عب1:1، 2). بأنواع وطرق شتي. لا تستطيع أن تقول إن صوت الله لم يصل إليك. البعض قد يكلمهم الله بالرؤى والأحلام. ولكن ليست كل الرؤى والأحلام من الله! وهناك من كلمهم الله بصوته شخصيًا كما حدث للأنبياء... والبعض كلمهم عن طريق الرسل، والكتاب يقول "إلي أقطار المسكونة بلغت أقوالهم" (مز19). ومن كلمهم الرب عن طريق الوحي المقدس، الكتاب المقدس، الذي هو كلمة الله إليك.. وهناك من كلمهم الرب عن طريق الملائكة.. والكل عن طريق الوعظ. كما كان بولس يقول "كان الله يعظ بنا.. نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله" (2كو5: 19،20). جائز الكلمة التي يرسلها لك الرب تكون كلمة بركة، أو كلمة تعزية، أو تعليم، أو كلمة إنذار... وياليتك تسأل نفسك باستمرار: ما هي كلمة الله إليَّ؟ إنك تسمع كثيرًا من الناس... ولكن ما هي كلمة الله إليك؟ تصوروا أن السيد المسيح يقو: أكتب إلي ملاك كنيسة أفسس.. إلي ملاك كنيسة سميرنا.. إلي برغامس.. إلي ثياتيرا.. إلي فلادلفيا. إلي سادرس.. إلي لاوديكية.. أكتب كل واحد له رسالة، الله يوجهها إليه. إنها وصية إلهية: من له أذنان للسمع فليسمع. هذه العبارة قالها السيد المسيح مرات عديدة غي الإناجيل. قالها بعد كلامه عن يوحنا المعمدان (مت15:11). وبعد مثل الزارع (مت9:13). (مر9:4). وبعد شرح مثل الحنطة والزوان (مت43:13). (مر22:4). وبعد كلامه عن أن ما يخرج من الفم هو الذي ينجس الإنسان (مر16:7). وبعد كلامه عن الملح الذي يفسد (لو35:14). وهكذا قال في سفر الرؤيا للكنائس السبع "من له أذنان فليسمع ما يقوله الروح للكنائس "سبع مرات (رؤ3:2). وعبارة ما يقوله الروح للكنائس عبارة معزية: تعني أن الروح القدس مازال يكلم الكنائس. الروح يعمل فينا، ويرشدنا إلي جميع الحق (يو13:16). ويذكرنا بكل ما قاله الرب لنا (يو26:14). أذنان للسمع هناك أشخاص كانت لهم آذان تسمع وتستجيب وتطيع. مثل إبرآم أبو الآباء، حينما قال له الرب "أخرج من أهلك ومن عشيرتك" (تك12). وحينما قال "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه، إسحق، وقدمه لي محرقة.."(تك22). أطاع، ولم يناقش. له أذنان للسمع.. لوط لما قال له الملاك أخرج من سادوم.. لا تقف في كل الدائرة (تك19). سمع وأطاع... من أكثر خلق الله سمعًا: الملائكة. يقول عنهم المرتل في المزمور "باركوا الله يا ملائكته.. الفاعلين أمره، عند سماع صوت كلامه" (مز20:103). بمجرد سماع الكلمة ينفذون، سواء للإنقاذ أو للعقاب.. لذلك ونحن نريد أن نكون سامعين لكلمة الله، منفذين لمشيئته نقول: كما في السماء، كذلك علي الأرض"، أي نطلب أن تكون لنا آذان للسمع. ومن أمثلة الذين سمعوا الكلمة واستجابوا، تلاميذ المسيح. مؤتي (لاوي) حالما سمع كلمة الله "اتبعني "ترك مكان الجباية وتعبه (مت9:9). وكذلك بطرس وأخوه أندراوس تركا السفينة والشباك والأهل، حالما سمعا عبارة هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس (مر1: 17،18). وكذلك فعل يوحنا ويعقوب.. ونفس الوضع أيضًا من شاول الطرسوسي (أع9). ولهذا قال السيد المسيح مطوبًا تلاميذه: "أما انتم فطوبي لآذانكم لأنها تسمع". ذلك لأن هناك آخرين لهم آذان لا تسمع (مز11:8) (رؤ21:28). وما أكثر الأمثلة لهذا النوع وما أكثر أسبابها.. السيد المسيح نفسه، كان كثير من معاصريه، لهم آذان ولكنها لا تسمع آذان لا تسمع. أول أذن لم تسمع، كانت لآدم وحواء. سمعا الوصية، وكأنهما لم يسمعا. تذكرا الوصية بحذافيرها، وعملا العكس! (تك3) لماذا؟ لأن كلمة أخرى قالتها الحية، غطت علي كلمة إليهما، وكانت أكثر تأثيرًا وأكثر إغراء، وإذا كلمة الله وكأنها لم تسمع. لذلك احترس من أم الكلمة، يخطفها أحد منك. كما قيل في مثل الزرع أن بذارًا خطفها الطير فلم تنبت (مت4:13). ألقيت البذار، أي نزلت علي الآذن، ولكن هناك من خطفها.. تسمع النصيحة أو العظة، وتتأثر، ويأتي إنسان آخر، تأثير آخر يغطي علي الكلمة ويخطفها منك، ويترك عندك تأثيره هو. قايين سمع الإنذار من الله، وكأنه لم يسمع! فلماذا؟ كانت هناك مشاعر وانفعالات في القلب، غطت علي كلمة الله، وأزالت تأثيرها وكأنه لم يسمع! كانت مشاعر الحسد والحقد والغضب التي في قلبه، كأنها حاجز قوي يمنع كلمة الله من أن تدخل. فسمعها، وكأنه لم يسمع.. كان مشغولًا بسماع صوت الحقد والحزن الذي في قلبه.. قال له الله احترس، الخطية أمامك، ولا تزال تسود عليها. أحرص ألا تخطئ.. ولكن الانفعالات الداخلية كانت تمنعه من سماع النصيحة. وبعد أن كلمه الله، ذهب وقتل أخاه!! أحترس إذن من انفعالاتك الداخلية، ومن سيطرتها. الشاب الغني، كلمة المسيح، وقدم له كلمة منفعة. ولكنه مضي حزينًا، ولم يسمع للرب (مت22:19). فلماذا؟ لأن هناك شهوة في القلب، تمنع وصول الكلمة للقلب. مع أن هذا الشاب كان يحفظ الوصايا منذ حداثته. ولكنة عند الوصية الخاصة بالمال، لم يستطع أن يسمع. لأن هنا كانت الشهوة المسيطرة التي تحجب كل وصية وكل كلمة وتصد وترد.. كإنسان مستعد أن يسمع لك في كل شيء، ما عدا شيئًا واحدًا لا يستطيعه. هنا عدم السمع ليس مطلقًا، ولكنه في شيء واحد. في نقطة الضعف، في الشهوة المسيطرة.. مثال سليمان الحكيم، كان أحكم الناس جميعًا، وقد أخذ الحكمة من الله.. ولكنه من جهة شهوة النساء والتزوج بالنساء الغريبات، لم يستطع أن يسمع كلمة الله، ولم يكن قلبه أمينًا للرب مثل أبيه (1مل 11: 1-10). ولم يحفظ ما أوصى به الرب... إذا وجدت أذنك لا نسمع، ابحث ما هو السبب؟ اذهب إلى طيب آذان يعالجك، بل اذهب بالأكثر إلى طبيب قلب، يكشف ما في قلبك من شهوات. مثل أي إنسان يخالف أباه وأمه، ويخالف الوصية والكنيسة، يخالف القانون أيضًا، لأن هناك شهوة في قلبه يريد أن يحققها. والشهوة تصم أذنيه عن السماع... أحيانا يكون عدم السماع بسبب قساوة القلب.. ولذلك يقول الكتاب "إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" (عب 3: 15).. فرعون كان من هذا النوع القاسي القلب، الذي لم يستطع أن يسمع لكل إنذارات الله، ولم تؤثر فيه كل الضربات. وكم من مرة صرخ إلى موسى وهرون، ووعد بأن ينفذ، ثم عاد كما كان. والقساوة تولد العناد. والعناد يمنع من سماع الكلمة. العناد الذي يغلق القلب، ويغلق الفكر، مهما قيل له من كلام نافع ومقنع، لا يسمع! إنسان متشبث بفكره، مهما كلمته، كأنك لم تتكلم،لأن في التشبث بالفكر نوعًا من الكبرياء. تغلق الأذن عن السماع، بعكس الوديع المتواضع يمكن أن يسمع. حتى إن أخطأ، يقبل التأديب والنصيحة، ويصلح طريقه ويسمع. الهراطقة كانت لهم آذان لا تسمع، أغلقها العناد والكبرياء. آريوس مثلًا، لم يسمع لصوت بطريركه، ولا لصوت المجمع المحلى الذي عقد في الإسكندرية من مائة أسقف، ولم يسمع لإقناعات القديس أثناسيوس، ولم يسمع لقرار المجمع المسكوني. كان عناده يغلق أذنيه، وكانت كبرياؤه تغلق أذنيه. ومات في هرطقته دون أن يسمع.. تمنعه العزة بالذات، والتمسك بالفكر... وكذلك كل حوار لاهوتي من نفس النوع. قد تحاور إنسانًا، وتجده متحفزًا للرد قبل أن تكمل كلامك. لسانه أسرع من أذنيه، لا رغبة لدية في السماع، ولا رغبه في الاقتناع. يمنعه التشبث والعناد. له آذان ولكنها لا تسمع. وبالمثل كل إنسان متمسك بفكره الخاص، مصر عي فكره، كأنك تكلم صخرًا صلبًا. لا توجد منافذ تدخل منها الكلمة... ونفس الوضع مع كل إنسان معتز بكرامته. قديشعر أن نصيحتك كأنها تهينه، وتهز كرامته، وتشعره بخطأه، وتتعب نفسيته فلا يكون مستعدًا إطلاقًا، لأن السماع يحتاج إلي تواضع. ولهذا ليس كل عتاب يأتي بنتيجة: المتواضع المحب تعاتبه فتكسبه. والمتكبر المعتز بكرامته، تعاتبه فيزداد الأمر سوءًا... هيرودس الملك، لم يستطع أن يسمع كلمة يوحنا المعمدان. كلام يوحنا المعمدان واضح "لا يحل لك أن تكون لك امرأة أخيك" (متي4:14). إنها وصية إليهة واضحة في موانع الزواج (لا18:16). والكتاب يعتبرها نجاسة (لا21:20). ولكن هيرودس لا يسمع. إغراء هيروديا يمنعه. كما كان إغراء دليلة يمنع شمشون من بقاء وصية النذير في أذنيه (قض7:13). هناك تأثير آخر، يمنع تأثير كلمة الرب عليه. هناك محبة أخري طغت علي محبة الله، فمنعت الأذن من أن تسمع.. كم نسمع كلام الله في القراءات وفي العظات في كل قداس، وكأننا لم نسمع، والطبع هو نفس الطبع. شعب اليهود كانت تتلي عليه البركات من فوق جبل جزريم، واللعنات من فوق جبل عيبال باستمرار (تث28:27). ومع ذلك ما كان يعبًا!! السيد المسيح كان يكلم علماء اليهود، فلا يسمعون، علي الرغم من قوة إقناعاته، ولكنهم تشبثوا بآرائهم. كانت الحرفية وتقاليد آبائهم الخاطئة وتعاليمهم، تمنعهم من السماع... وربما كانت هناك مشاعر الحسد التي في قلوبهم التي كانت تدفعهم إلي محاولة التخلص من السيد المسيح، وليس سماع كلامه. ماذا أيضًا. هل أسباب أخري تمنع من السماع؟ الخوف أيضًا يسد الأذن أحيانًا عن السماع. بيلاطس البنطي كان مقتنعًا ببراءة المسيح، وقال إنه لا يجد فيه علبة تستوجب الموت (لو22:23). وقد حذرته زوجته قائلة "إياك وذلك البار، لأني تألمت اليوم كثيرًا في حلم لأجله" (مت19:27). ولكنه لم يسمع، لأن الخوف كان يمنعه من السماع. كان يخاف أن يشكوه إلي قيصر. الخوف علي المركز وربما نفس الخوف منع أغريباس الملك من سماع تبشير القديس بولس الرسول، مع أنه قال له "بقليل تقنعني أن أصير مسيحيا" (أع28:2).. إن قبل أغريباس المسيحية، سيضيع منه منصب الملك. كثيرون يضيعون البعض بالخوف.. إن فتحت فمك لتتكلم، إن هربت منا، إن كشفت المؤامرة، إن لم تخضع، سيحدث كذا وكذا منن التهديد. وبهذا الخوف لا تنفع معه كل نصيحة لإنقاذه! تكلمه لا يسمع... الخوف يسد أذنيه... هناك سبب آخر يمنع الأذن من السماع، وهو الاستهتار واللامبالاة. أهل سدوم نصحهم لوط أن يخرجوا من المدينة فبل أن تحترق، فقابلو كلامه باستهزاء "وكان كنماذج في وسط أصهاره" (تك14:19). ونفس الوضع حينما تكلم بولس الرسول في مدينة أثينا، قابلوه بنفس التهكم قائلين "ماذا يريد هذا المهذار أن يقول" (أع18:17). إنه أيضًا نوع من الاستهتار، لم يأخذوا فيه الكلام بجدية. لذلك لم تكن آذانهم للسمع.. كإنسان تنصحه، فيقابلك بتهكم، أو يحول الجو إلي عبث.. ولا يسمع بل يتهكم ويهزأ... إنسان أيضًا لا يسمع، لأنه يعرج بين الفرقتين. آخاب إن سمع كلمة من إيليا تستطيع إيزابل أن تعمل له غسيل مخ، وتحوله إلي الناحية الأخرى.. فإن أردت أن تعطي نفسك فرصة للسماع، لابد أن تبعد عن الجو الذي يمكنه أن يحولك... كشاب يشمع عظة، فيضيع تأثيرها بسبب أصدقائه. أصعب مثل في عدم السماع، هو مثال يهوذا، الذي كانت تمنعه الخيانة من السماع. كم مرة أنذر السيد المسيح.. ولكن الخيانة كانت تصم أذنيه، مضافة إليها شهوة المال. القلب كان في تلف، كذلك تلفت أذناه فلم تسمع. لكي تسمع أذناك، ينبغي أن تكون لك رغبة في أن تسمع، وتكون لك الجدية في التنفيذ. وتكون مشتاقًا أن تسمع الكلمة، ولو أدي الأمر أن تبذل حياتك من أجلها, إن أتاك الصوت الإلهي، احتفظ به في قلبك وفي إرادتك. كما فعل القديس أنطونيوس لما سمع كلمة الرب، وللحال نفذها في جدية، بغير إبطاء بغير توان. ولنحاسب أنفسنا، كم مرة سمعنا ولم نعمل، وكأننا لم نسمع. |
||||
|