منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11 - 03 - 2014, 05:36 PM   رقم المشاركة : ( 11 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

ظهور السيد المسيح لمنوح وزوجته

كان ظهورًا عجيبًا لزوجين من الأبرار في العهد القديم، وقد وردت قصة هذا الظهور في الأصحاح الثالث عشر من سفر القضاة، إذ تبدأ القصة كما يلي: "ثم عاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عينيّ الرب؛ فدفعهم الرب ليد الفلسطينيين أربعين سنة. وكان رجل من صرعة من عشيرة الدانيين اسمه منوح وامرأته عاقر لم تلد" (قض13: 1، 2).
وقد ظهر السيد المسيح للمرأة وقال لها "ها أنت عاقر لم تلدي، ولكنك تحبلين وتلدين ابنًا.. فدخلت المرأة وكلّمت رجلها قائلة: جاء إلىّ رجل الله ومنظره كمنظر ملاك الله مُرهب جدًا، ولم أسأله من أين هو، ولا هو أخبرني عن اسمه" (قض13: 3، 6).
نلاحظ هنا أن المرأة قد شاهدت رجلًا يكلمها ولكن منظره كمنظر ملاك الله مُرهب جدًا، بمعنى أنه سفير إلهي لأن كلمة ملاك في اللغة العبرية (ملاخ) كما أوضحنا سابقًا تعنى "سفير أو مفوّض أو مُرسِل" ولا تعنى بالضرورة أحد الأجناد الملائكية مثل الملاك جبرائيل مثلًا، فمنظر السيد المسيح المرهب عند ظهوره قبل التجسد قد عبّر عنه البعض بأنه كملاك الله، وعبّر عنه البعض بأنه "شبيه بابن الآلهة" (دا3: 25) مثلما قال نبوخذ النصر الملك عندما رأى السيد المسيح في وسط الثلاثة فتية في أتون النار في مملكة بابل وسجل ذلك دانيال النبي في سفر نبوته.

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
وبعدما أخبرت امرأة منوح زوجها بما رأته وسمعته "صلى منوح إلى الرب وقال أسألك يا سيدي أن يأتي أيضًا إلينا رجل الله الذي أرسلته، ويعلّمنا ماذا نعمل للصبي الذي يولد. فسمع الله لصوت منوح" (قض 13: 8، 9).
وبعدما ظهر السيد المسيح أيضًا لزوجة منوح التي أسرعت ودعت زوجها وتكلّم معه بكل ما هو مطلوب للصبي الذي يولد كنذير للرب، قال له منوح: "دعنا نعوِّقك ونعمل لك جدي معزى" (قض13: 15).
فأجاب السيد المسيح قائلًا "ولو عوقتني لا آكل من خبزك، وإن عملت محرقة؛ فللرب أَصعِدهَا. لأن منوح لم يعلم أنه ملاك الرب. فقال منوح لملاك الرب: ما اسمك حتى إذا جاء كلامك نكرمك. فقال له ملاك الرب: لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب؟" (قض13: 16-18).
المقصود بملاك الرب هنا كما أوضحنا هو "سفير الرب" الذي في هذه الواقعة هو "الابن الوحيد" أي "السيد المسيح" الذي قال عنه الرب بفم إشعياء النبي "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام" (إش9: 6).
لقد سأل يعقوب أب الآباء السيد المسيح عن اسمه عندما صارعه طوال الليل عند مخاضة يبوق. فقال له السيد المسيح "لماذا تسأل عن اسمي؟" (تك32: 29).
وحينما سأل منوح أيضًا كما ذكرنا "ما اسمك؟" أجاب السيد المسيح: لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب. ولا غرابة في ذلك. فقد قال الآب عن ابنه "يدعى اسمه عجيبًا" (إش9: 6)،بل أكثر من ذلك لقد تساءل الكاتب في الأصحاح الثلاثين من سفر الأمثال عن الله وعن ابنه، فقال "من ثبَّت جميع أطراف الأرض ما اسمه وما اسم ابنه إن عرفت؟" (أم 30: 4).
إن اسم الله الذي أُعلن في العهد الجديد هو "الآب"، واسم ابنه الذي أُعلن في العهد الجديد هو "يسوع". وقال الملاك الذي أعلن الاسم: إن سبب ذلك إنه "يخلص شعبه من خطاياهم" (مت1: 21) لأن اسم "يسوع" في اللغة العبرية هو يهوشع أي "يهوه خلّص"بمعنى "الله خلّص".
بعد ذلك "أخذ منوح جدي المعزى والتقدمة وأصعدهما على الصخرة للرب، فعمل عملًا عجيبًا. ومنوح وامرأته ينظران. فكان عند صعود اللهيب عن المذبح نحو السماء؛ أن ملاك الرب صعد في لهيب المذبح، ومنوح وامرأته ينظران، فسقطا على وجهيهما إلى الأرض. ولم يعد ملاك الرب يتراءى لمنوح وامرأته حينئذ عرف منوح أنه ملاك الرب. فقال منوح لامرأته نموت موتًا لأننا قد رأينا الله" (قض13: 19-22).
إذًا فحينما عرف منوح أن السيد هو ملاك الرب؛ لم يكن المقصود ملاكًا عاديًا لأنه قال "قد رأينا الله" (قض13: 22). إذًا لقد فهم منوح أن سفير الرب هو المسيح، أي هو الله الابن الذي ظهر له ولزوجته التي طمأنته بقولها: "لو أراد الرب أن يميتنا لَما أخذ من يدنا محرقة وتقدمة. ولَمَا أرانا كل هذه، ولَمَا كان في مثل هذا الوقت أسمعنا مثل هذه" (قض13: 23).
إن صعود السيد المسيح في نار الذبيحة؛ قد أشار إلى تقديم نفسه صعيدة ومحرقة وقربان لله أبيه عند تجسده في ملء الزمان "المسيح الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب" (عب9: 14).
  رد مع اقتباس
قديم 11 - 03 - 2014, 05:37 PM   رقم المشاركة : ( 12 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

ظهور السيد المسيح لإشعياء النبي في الهيكل

بدأ سفر إشعياء بالنص التالي "رؤيا إشعياء بن آموص التي رآها على يهوذا وأورشليم في أيام عُزيّا ويوثام وآحاز وحزقيا ملوك يهوذا" (إش1: 1).
ثم جاء إلى رؤياه التي شاهد فيها السيد المسيح فقال: "في سنة وفاة عُزيّا الملك رأيت السيد جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل" (إش6: 1).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
السيد المسيح على عرشه

الذي رآه إشعياء هو السيد المسيح قبل تجسده من العذراء مريم. رآه جالسًا على عرشه في الهيكل ويطير حوله السرافيم يسبّحون تسبحة الثلاثة تقديسات، وشَعَر إشعياء بالخوف لأنه إنسان خاطئ وعيناه قد أبصرتا الملك رب الجنود.


وقد وصف الموقف كما يلي:

"رأيت السيد جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل. السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة: باثنين يغطى وجهه، وباثنين يغطى رجليه، وباثنين يطير. وهذا نادى ذاك وقال: قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض. فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت دخانًا. فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود. فطار إلىّ واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح. ومس بها فمى وقال إن هذه قد مسّت شفتيك فانتُزِع إثمك وكُفِّر عن خطيتك" (إش6: 1-7).
ونلاحظ في هذا النص الملاحظات التالية:

1- إن السيد الجالس على الكرسي العالي يحمل لقب "الملك رب الجنود"وهو من ألقاب الله الخاصة به وحده.
2- إن الذي رآه إشعياء ليس هو الآب السماوي لأن يوحنا الرسول الإنجيلي يقول: "الله لم يره أحد قط؛ الإله الوحيد الجنس (عبارة "الإله الوحيد" بحسب أقدم النسخ والترجمة القبطية) الذي هو في حضن الآب هو خبّر" (يو1: 18) والمقصود بقوله "الله" في هذا النص هو "الله الآب". بينما يقول إشعياء: "لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود" فالذي رآه هو الابن بالتأكيد.
3- إن الذي رآه إشعياء هو واحد من الأقانيم الثلاثة لأن الملائكة (السرافيم) قد سبّحوا قائلين: "قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض"، ويستحيل أن تُقال تسبحة الثلاثة تقديسات إلاّ للواحد من الثالوث القدوس.
4- إن الكرسي العالي في هذه الرؤيا لم يكن في السماء بل على الأرض. لأنه يقول عن السيد الجالس أن أذياله تملأ الهيكل، كما أن التسبيح قيل فيه فقط أن "مجده ملء كل الأرض"ومعروف طبعًا أن مجد الرب يملأ السماء أيضًا. ولكن هذه الرؤيا كانت على الأرض. كما ذُكر اهتزاز أساسات العتب وامتلاء البيت دخانًا. وكل هذا يدل على أن الرؤيا كانت في هيكل الرب في أورشليم في ذلك الزمان. يُضاف إلى ذلك وجود المذبح وعليه الجمرات المتقدة؛ وهذا أيضًا كان في خدمة الهيكل بأورشليم.

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
5- إن تطهير فم إشعياء بجمرة من على المذبح يرمز إلى سر الافخارستيا حيث يؤخذ التناول من جسد الرب ودمه من على المذبح بواسطة الكاهن. ويُعطى خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه. وكل ذلك يجرى في الكنيسة الحاضرة هنا على الأرض كعربون للحياة الأبدية؛ وتكون الملائكة حاضرة حول المذبح في خدمة القداس الإلهي في الكنيسة التي هي بيت الله الحالى في الزمان الحاضر.
6- امتلأ البيت دخانًا، وهذا يرمز إلى البخور الذي يملأ الهيكل عند إصعاد القرابين في الكنيسة.
7- إن إشعياء النبي قد اعترف بخطاياه وخطايا شعبه قبل أن ينال التطهير والتكفير. وقد سمع السرافيم اعترافه، فلم يقدّم إشعياء هذا الاعتراف للسيد الرب وحده. لذلك قام الملاك الذي يرمز إلى خادم ذبيحة القداس الإلهي بأخذ الجمرة من على المذبح بملقط؛ ومس بها فمه. وهذا يرمز إلى خدمة الأسقف في الكنيسة (ملاك الكنيسة) بمساعدة القسوس في سر الافخارستيا.
وأكمل إشعياء النبي رؤياه فقال: "ثم سمعت صوت السيد قائلًا: من أُرسِلُ ومن يذهب من أجلنا. فقلت هأنذا أرسِلنِي" (إش6: 8).
شيء رائع أن يستمع إلى الدعوة ويستجيب لها بعد أن تطهّر من خطاياه بقوة المذبح. وها هو صوت الرب ينادى باستمرار "من أُرسِلُ ومن يذهب من أجلنا؟".. ألم يقل السيد المسيح إن "الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون، فاطلبوا إلى رب الحصاد أن يُرسل فَعَلة إلى حصاده" (مت9: 37، 38)؟
ليتنا نكون مستعدين للاستماع إلى صوت الرب ودعوته، ومستعدين أن نعمل معه في بناء الملكوت ونردد مع إشعياء إذ يدعونا عندما نكون مستعدين "هأنذا أرسِلني"..
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
الارتباط بين الرؤيا وتابوت العهد

كان تابوت العهد يوضع داخل قدس الأقداس في خيمة الاجتماع التي صنعها موسى النبي حسب أمر الرب، وأيضًا بعد ذلك في الهيكل الذي بناه سليمان الملك في أورشليم.
ومن الأمور اللافتة للنظر أن الملائكة الذين ذكرهم إشعياء في رؤياه؛ قد ورد عنهم عبارة "وهذا نادى ذاك"، مما لا يخفى على القارئ أنه يتكلم عن ملاكين يتبادلان تسبحة الثلاثة تقديسات.
في قبر السيد المسيح، بعد قيامته المجيدة من الأموات، أبصرت مريم المجدلية "ملاكين بثياب بيض جالسين واحدًا عند الرأس والآخر عند الرجلين" (يو20: 12). وقبل ذلك النسوة أيضًا اللواتي أتين إلى القبر بعد قيامة الرب ووجدن الحجر مدحرجًا عن القبر "فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع. وفيما هن محتارات في ذلك إذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة. وإذ كن خائفات ومنكسات وجوههن إلى الأرض قالا لهن لماذا تطلبن الحي بين الأموات. ليس هو ههنا لكنه قام" (لو24: 3-6)، وكان المنظر الذي رأته النسوة هو منظر ملاكين.
مسألة وجود ملاكين عند أو في قبر السيد المسيح، ووجود ملاكين في رؤيا إشعياء النبي ليست مصادفة لأن الرب أمر موسى أن يضع ملاكين على غطاء تابوت الشهادة (أي تابوت العهد) في قدس الأقداس،وقد ورد ذلك في وصف الرب لموسى كيف يعمل ذلك في سفر الخروج:
"وتصنع غطاءً من ذهب نقى طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف. وتصنع كروبين من ذهب صنعة خراطة تصنعهما على طرفيّ الغطاء. فاصنع كروبًا واحدًا على الطرف من هنا وكروبًا آخر على الطرف من هناك. من الغطاء تصنعون الكروبين على طرفيه. ويكون الكروبان باسطين أجنحتهما إلى فوق مظللين بأجنحتهما على الغطاء ووجهاهما كل واحد إلى الآخر نحو الغطاء يكون وجها الكروبين. وتجعل الغطاء على التابوت من فوق. وفي التابوت تضع الشهادة التي أعطيك. وأنا أجتمع بك هناك وأتكلم معك من على الغطاء من بين الكروبين اللذين على تابوت الشهادة بكل ما أوصيك به إلى بنى إسرائيل" (خر25: 17-22).
إذن فتابوت العهد يشير إلى العرش الإلهي الذي تحيط به مظلة الكاروبيم.
ولكن الأمر اللافت للنظر هو أنه في رؤيا إشعياء وفي وصف تابوت الشهادة (تابوت العهد) قد قيل أن الملاكين كانا فوق العرش أو فوق غطاء التابوت.
وما معنى أن يظلل الملائكة فوق العرش الإلهي "مظللين بأجنحتهما" (خر25: 20)؟
وقد وردت هذه العبارة أيضًا في سفر حزقيال إذ يقول الرب لزُهرة بنت الصبح "أنت الكروب المنبسط المظلل، وأقمتك" (حز28: 14، انظر إش14: 12).
هل يحتاج الرب إلى مظلّة. وما فائدتها..؟! إن المظلة تحمى من المطر أو من الشمس. ولكن الرب لا يحتاج لمثل هذه الأمور.
وقد قال بطرس للسيد المسيح على جبل التجلي: "يا معلّم جيد أن نكون ههنا فلنصنع ثلاث مظال لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليا واحدة وهو لا يعلم ما يقول. وفيما هو يقول ذلك كانت سحابة فظللتهم.. وصار صوت من السحابة قائلًا هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا" (لو9: 33-35). فماذا كان يقصد بطرس الرسول بعمل المظال..؟!
إن ما يمكننا أن نفهمه عن مظلة الكاروبيم فوق العرش الإلهي هو أنها لا تحمى العرش إطلاقًا، بل تعكس المجد والبهاء الصادر عن الله لتنبهر به الخليقة المتطلّعة نحو العرش. مثلما تحاط المصابيح والكشافات المتقدة بالنور بمظال تعكس ضوءها. لهذا قيل عن حادثة التجلي "إذا سحابة نيّرة ظللتهم" (مت17: 5).
ألم يقل السيد المسيح عن نفسه أنه هو نور العالم، ثم عاد يقول أنتم نور العالم. وقيل عن السيد المسيح "كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا إلى العالم" (يو1: 9). فالسيد المسيح هو النور الحقيقي، أما القديسون فيعكسون هذا النور لأنهم ليسوا هم مصدره (كما شرح ذلك قداسة البابا شنودة الثالث- أطال الرب حياة قداسته).
فوجود الملائكة فوق العرش لا يعنى أنها تعلوه في المقام، بدليل أن كل واحد منهم (كما ورد في سفر إشعياء النبي) بجناحين يغطى وجهه، وباثنين يغطى رجليه، وباثنين يطير. فهو يغطّى وجهه من بهاء عظمة مجد الرب الذي لا يحتمل التحديق فيه، ويغطى رجليه بمعنى الخجل والاحترام، ويطير باثنين ليكون قادرًا على تنفيذ مشيئة الرب في الحال، ويشبه في ذلك السيد المسيح معلقًا وهو فاتح ذراعيه على الصليب طاعةً لأبيه السماوي.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
رؤيا إشعياء كتمهيد للنبوات

بالرغم من أن هذه الرؤيا قد وردت في الأصحاح السادس، إلاّ أنها تشير إلى بداية خدمة إشعياء النبي؛ بدء دعوة الرب له. لأن السيد قال على مسمع منه: "من أُرسِلُ ومن يذهب من أجلنا" (إش6: 8). فردّ إشعياء وقال: "هأنذا أرسِلني" (إش6: 8). وبالطبع فإن الدعوة تسبق الإرسالية.
لم يذكر إشعياء الرؤيا في بداية سفر نبوته لئلا يبدو الأمر وكأنه متمركز حول أموره الخاصة، ولكنه ذكرها بالروح القدس قبل أن يبدأ نبواته المحددة عن تجسُّد الكلمة (أي تجسُّد السيد المسيح وميلاده من العذراء مريم لأجل خلاصنا) والتي وردت في الأصحاحين السابع والتاسع.
وأراد الروح القدس بهذا أن يوضح أن رؤية إشعياء للسيد المسيح في الهيكل وسط تسابيح الملائكة هي التمهيد الطبيعي لنبواته عن التجسد الإلهي.
فظهورات السيد المسيح في العهد القديم كانت تمهيدًا واضحًا لظهوره بالتجسد الفعلي في ملء الزمان.
وكان ملء الزمان هو الموعد الذي أعدّ فيه الله الآب كل شيء لإرسال ابنه الوحيد إلى العالم متجسدًا وفاديًا ومخلصًا؛ كقول بولس الرسول "ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأةٍ، مولودًا تحت الناموس.. لننال التبّني" (غل4: 4، 5).
ولقداسة البابا شنودة الثالث -أطال الرب حياة قداسته- تأملات جميلة جدًا ونافعة حول موضوع ملء الزمان، وكيف أعد الله البشرية لاستقبال الكلمة المتجسد بكثير من الرموز والنبوات، وأعد الأشخاص الذين يعاصرون مجيئه في الجسد مثل العذراء القديسة مريم والقديس يوحنا المعمدان والتلاميذ الرسل القديسين، وحتى هيرودس الملك ويهوذا الإسخريوطي وقيافا وحنانيا وبيلاطس الحاكم الروماني، وغيرهم الكثيرين بحيث يؤدى كل واحد من هؤلاء دوره بإرادته الحرة؛ ويكون مسئولًا عن تصرفاته بدون إجبار.. إنها ملحمة رائعة لا يمكن احتواء أبعادها بفكرنا المحدود، ولكننا نقف أمامها مبهورين بما عمله الرب؛ وبما شرحه قداسة البابا.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
لماذا إشعياء بالذات؟

ولكن لماذا اختار الرب إشعياء بالذات ليظهر له في الهيكل، ويرسل واحدًا من السرافيم لتطهيره، ويدعوه ويرسله، ويسكب عليه هذا الفيض العجيب من النبوات عن السيد المسيح؛ حتى دُعى إشعياء النبي بالنبي الإنجيلي ودُعى سفر إشعياء بالإنجيل الخامس، لكثرة ما ورد فيه من نبوات عن المسيح الرب..؟!!
نلاحظ أن إشعياء كان من العابدين بعمق وملازمًا للعبادة؛ لأن الرؤيا التي ظهرت له كانت في الهيكل بأورشليم كما شرحنا..
وبالإضافة إلى ذلك كانت مخافة الرب واضحة في كلامه عندما قال: "ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عينيَّ قد رأتا الملك رب الجنود" (إش6: 5).
كان إشعياء إنسانًا متواضعًا معترفًا بخطاياه. ولكن الشيء العجيب أنه قد حمل هموم شعبه عند رؤيته للرب؛ فاعترف بخطاياه وخطاياهم معًا.
كان إشعياء مثقلًا بهموم شعب إسرائيل.. مثقلًا برؤيته لخطاياهم، وحيرته في أمر خلاصهم.. وحيرته في كيفية تحقيق وعد الرب بالخلاص لمثل هذه البشرية التي الجميع فيها قد "زاغوا وفسدوا معًا، ليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد" (رو3: 12).
لقد تمرر إشعياء بسبب خطايا شعبه وصلّى كثيرًا إلى الرب مذكّرًا إياه بمواعيده للآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب، ومن قبلهم وبعدهم كثير من الذين انتظروا خلاص الرب شاعرين بحاجتهم للخلاص.
كان إشعياء يتطلع نحو مجد الله، ويترجى شوقًا أن يصير مجد الرب راية للشعوب.. وانطلق ببصره النبوي خارج إطار الأمة اليهودية ومملكة إسرائيل إلى كل شعوب الأرض، مثل ما ورد في الآيات التالية:
"ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجدًا" (إش11: 10).
"التفتوا إلىَّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض، لأني أنا الله وليس آخر" (إش45: 22).
كان إشعياء قلب يشتعل بالحب نحو الله ونحو البشرية جمعاء. لذلك فعندما أوحى إليه الروح القدس بنبواته الرائعة "ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله. ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم؛ روح المشورة والقوة؛ روح المعرفة ومخافة الرب. ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضى بحسب نظر عينه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه. بل يقضى بالعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه. ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه" (إش11: 1-5).
وأيضًا "وتقول في ذلك اليوم: أحمدك يا رب لأنه إذ غضبت علىَّ ارتد غضبك فتعزيني. هوذا الله خلاصي فاطمئن ولا أرتعب لأن ياه يهوه قوتي وترنيمتي وقد صار لي خلاصًا. فتستقون مياهًا بفرحٍ من ينابيع الخلاص. وتقولون في ذلك اليوم: احمدوا الرب ادعوا باسمه، عرِّفوا بين الشعوب بأفعاله، ذكِّروا بأن اسمه قد تعالى. رنموا للرب لأنه قد صنع مفتخرًا ليكن هذا معروفا في كل الأرض. صوتي واهتفي يا ساكنة صهيون لأن قدوس إسرائيل عظيم في وسطك" (إش12: 1-6)؛ فقد شملت نبواته هذه جميع الأمم بصورة لم يكن يتقبلها الشعب اليهودي بسهولة، حتى في بدايات الكنيسة في العهد الجديد. وهو الأمر الذي عمل فيه الروح القدس حتى أوضح لكنيسة الرسل مقاصد الرب بصورة متدرجة.
واختص إشعياء في نبوته، مصر وشعبها بنبوات رائعة مثل قوله: "في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخمها" (إش19: 19)، وقوله: "بها يُبارِك رب الجنود قائلًا: مبارك شعبي مصر" (إش19: 25).

كان إشعياء شاعرًا وكانت حياته أنشودة حب؛ لذلك ظهر له الرب في رؤيا مع السرافيم أي المتقدين بالنار-نار الحب الإلهي. فالكاروب معناه "الممتلئ أعينًا" أي الممتلئ معرفة. والسرافيم معناه "المتقد بالنار" أي بالحب.
حقًا ينطبق على إشعياء النبي شعر قداسة البابا شنودة الثالث عن المتنيح الأرشيذياكون حبيب جرجس:
هذه تقواك: إيمانٌ فحب هذه دنياك: أشواكٌ وصلبُ
أنت، من أنت؟ رسولٌ ههنا؟ أنت أبهى من رسولٍ، أنت قلبُ
أنت قلبٌ واسعٌ في حضنه عاش جيلٌ كاملٌ أو عاش شعبُ
أنت نبعٌ من حنانٍ دافقٍ أنت عطفٌ، أنت رفقٌ، أنت حبُ
  رد مع اقتباس
قديم 11 - 03 - 2014, 05:39 PM   رقم المشاركة : ( 13 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

نبوة زكريا الكاهن

افتقد وصنع فداءً لشعبه

حينما ولد يوحنا المعمدان امتلأ زكريا أبوه الكاهن من الروح القدس وتنبأ قائلًا: "مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداءً لشعبه. وأقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه. كما تكلّم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر" (لو1: 68-70).
كان زكريا يتكلم عن تجسد الله الكلمة في بطن العذراء القديسة مريم الذي بدأ قبل كلامه هذا بنحو ثلاثة أشهر، ولم يكن السيد المسيح قد وُلد بعد من العذراء. ولكن الروح القدس نطق على لسانه بكلمات هذه النبوة.
والعجيب أنه قال إن الرب الإله قد افتقد وصنع فداءً لشعبه كما لو كان الخلاص قد تم. ولكن كثير من النبوات ذُكرت بصيغة الماضي قبل حدوثها بآلاف أو مئات السنين.
فمثلًا قيل عن مجيء السيد المسيح إلى مصر "من مصر دعوت ابني" (هو11: 1).
وقيل عن صلبه "ثقبوا يديّ ورجلي.. يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون" (مز22: 16، 18).
وقيل عن ذبح أطفال بيت لحم "صوت سُمع في الرامة نوح بكاء مر. راحيل تبكى على أولادها وتأبى أن تتعزى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين" (أر31: 15).

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
ولكن لأن مواعيد الله هي بلا ندامة ولأنه معلوم عند الله أعماله منذ الأزل وكما قيل عن صلب السيد المسيح "مُسلَّمًا بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق" (أع2: 23). لذلك فإن النبوة ترتفع فوق الزمان وتتكلم عن الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة، أو عن الأشياء التي بدأت وكأنها قد تمت بالفعل.
كان الخلاص قد بدأ بتجسد الكلمة في بطن العذراء وتكلم زكريابالروح القدس وقال إن الرب الإله قد "افتقد وصنع فداءً لشعبه" (لو1: 68).
وحينما دخلت السيدة العذراء إلى الهيكل وهى تحمل الطفل يسوع بعد ولادته بأربعين يومًا حمله سمعان الشيخ على ذراعيه وبارك الله وقال "الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام. لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب نور إعلان للأمم ومجدًا لشعبك إسرائيل" (لو2: 29-32). كان سمعان الشيخ قد "أتى بالروح إلى الهيكل" (لو2: 27) ونطق بهذه الكلمات بوحي من الروح القدس الذي كشف له أن هذا الطفل هو المسيح مخلص العالم. وقال إن عينيه قد أبصرتا خلاص الرب لأنه أبصر الكلمة المتجسد. وإن كان قد أوضح أيضًا أنه هو الخلاص المعد أمام وجه جميع الشعوب، فالخلاص من الناحية الزمنية لم يكن قد أكتمل بعد، ولكنه من ناحية تحقيق الوعد قد بدأ بتجسد الكلمة. والنبوة كما قلنا ترتفع فوق الزمان لأنها بوحي من الروح القدس.
ونلاحظ أن زكريا الكاهن قد أشار بالروح القدس إلى أهمية تحقيق النبوات التي أوحى بها الروح القدس بقوله "كما تكلّم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر" (لو1: 70).
لم تكن النبوات قد قيلت في زمن قريب بل منذ آلاف السنين، ودوِّنت في الأسفار أي الكتب المقدسة، بداية من سفر التكوين إلى سائر أسفار العهد القديم واستغرق كتابتها قرابة ألف وستمائة عام قبل مجيء السيد المسيح بالجسد.
إن أحد أسباب قوة المسيحية هو استنادها إلى عديد من الرموز والنبوات الواضحة التي تحققت في مجيء السيد المسيح، والتي مازالت محفوظة إلى يومنا هذا في أيدي اليهود الذين رفضوا السيد المسيح وناصبوه العداء وحكموا عليه بالموت.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
بأحشاء رحمة إلهنا

أكمل زكريا الكاهن أقواله النبوية الرائعة إلى قوله "بأحشاء رحمة إلهنا التي بها افتقدنا المشرق من العلاء ليضئ على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يهدى أقدامنا في طريق السلام" (لو1: 78، 79).
إن الله قد سبق أن قال لموسى النبي عندما ظهر له في هيئة نار مشتعلة في عليقة في البرية "إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم،إني علمت أوجاعهم فنزلت لأنقذهم" (خر3: 7، 8).
ما أجمل عبارة "بأحشاء رحمة إلهنا التي بها افتقدنا".. إن أحشاء رحمة الرب تعنى رحمته العميقة الناشئة عن محبته الجياشة والفياضة التي تتحرك نحونا باستمرار. وقد استخدم أيضًا القديس بولس الرسول هذا التعبير بقوله: "فإن الله شاهد لي كيف أشتاق إلى جميعكم في أحشاء يسوع المسيح" (فى1: 8).
إن الرب يشعر بآلامنا ومذلتنا وأوجاعنا.. وقد رأى كيف تمزّقت البشرية في مخالب الشيطان القاسي الذي لا يرحم.. وتحركت أحشاء رحمته ونزل ليخلصنا وينقذنا من فم الأسد، كما خلّص داود النبي أحد خرافه من فم الأسد والدب (انظر 1صم17: 34-37). ولازال الرب هو نفسه يرى آلام شعبه ويعمل من أجل راحتهم ونجاتهم.
والرب نفسه قال أيضًا: "من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين الآن أقوم يقول الرب أصنع الخلاص علانية" (مز11: 5).
إن صراخ البشرية قد وصل إلى أذني رب الجنود وقام الآب السماوي بتجهيز كل شيء من أجل خلاص البشرية، "لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة مولودًا تحت الناموس.. لننال التبني" (غل4: 4، 5). وفي إعداده للخلاص أعطى وعودًا وعهودًا.. وكان الثالوث القدوس يعمل بكل قوة من أجل إتمام الخلاص. فكل ظهورات الله في العهد القديم هي ظهورات للابن الوحيد قبل التجسد وكل النبوات نطق بها الروح القدس على فم الأنبياء القديسين الذين هم منذ الدهر. والآب السماوي أرسل ابنه الوحيد لإتمام الفداء، وأرسل موعده بالروح القدس ليقود الكنيسة لاقتناء الفداء، كما أنه قد دبّر مع الابن والروح القدس كل شيء من أجل خلاص البشرية ومنحها المواهب والعطايا النازلة من عند أبى الأنوار.
أما في قول زكريا الكاهن "المشرق من العلاء" فإن هذا يذكرنا بقول ملاخي النبي "ولكم أيها المتّقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها" (ملا4: 2). إن شمس البر هو السيد المسيح الذي فتح ذراعيه مثل جناحين على الصليب من أجل شفائنا من مرض الخطية. وهو الذي أظهر لنا نور الآب بل أنه هو نفسه بهاء مجد الآب "الذي وهو بهاء مجده.." (عب1: 3)، كما أن الروح القدس هو الذي ينير عقولنا وقلوبنا حتى نتغنى ونقول مع المرنم "بنورك نرى نورًا" (مز36: 9).
  رد مع اقتباس
قديم 11 - 03 - 2014, 05:40 PM   رقم المشاركة : ( 14 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

عجيبًا في ميلاده

السيد المسيح كان عجيبًا في ميلاده.. إذ وُلد بعيدًا عن مظاهر الكرامة العالمية. وُلد السيد المسيح بين الأغنام والحيوانات التي كانت تُقدَّم كذبائح للرب في الهيكل بأورشليم. مؤكّدًا منذ اللحظة الأولى لميلاده متجسدًا أنه هو حمل الله الذي يحمل خطية العالم كله. وهذا هو المشهد العجيب للميلاد:
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
الحمل في وسط الحملان والذبائح

# وُلد في الحظيرة لأنه ينبغي أن يكون الراعي وسط الخراف. إذ هو الراعي الصالح الذي "يبذل نفسه عن الخراف" (يو10: 11) وهل يمكن أن يوجد الراعي بعيدًا عن خرافه؟!
هو الحمل وهو الراعي في آنٍ واحد وهو عجيب في ميلاده! هو الهيكل الحقيقي وهو القربان! هو الكاهن وهو الذبيحة في آنٍ واحد! لذلك دعى اسمه "عجيبًا" (إش9: 6).
جاء السيد المسيح إلى العالم، وإذ لم يجد له مكانًا في قلوب غالبية البشر ولد بين الخراف غير الناطقة، ليحوّل الخراف غير الناطقة (أي البشر قبل الفداء) إلى خراف تعقل الحق؛ تنطق باسمه وتهتف لمحبته فتشاركه مجده الحقيقي!
# وحينما بشّرت الملائكة البشر في ليلة ميلاده، بشّرت الرعاة الذين يسهرون على رعاية الذبائح التي تقدم في هيكل الرب. لكي يأتي الرعاة لينظروا الراعي الحقيقي، راعي الرعاة، مخلص العالم، ابن داود الراعي الذي تعب وسهر في رعاية خرافه وحارب الأسد والدب ليخلّصها.

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
# وُلد السيد المسيح في بيت لحم مدينة داود. وهى أصغر مدن المملكة. وكان داود هو الأصغر بين إخوته لأن السيد المسيح قد اختار طريق الاتضاع ليملك على القلوب بتواضعه. "أما أنت يا بيت لحم أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي، الذي يكون متسلطًا على إسرائيل. ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (مى5: 2). "لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل" (مت2: 6).
وُضع الرب يسوع، كلمة الله المتجسد وهو طفل في المذود.. في الموضع الذي تأكل منه الحيوانات في الحظيرة. ليؤكّد أنه جاء طعامًا لحياة العالم الذي كان غارقًا في ظلمات الجهل والخطية،وكان البشر يسلكون فيه مثل البهائم التي تباد. وقال عن نفسه إنه هو الخبز "خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم.. فمن يأكلني فهو يحيا بي" (يو6: 33، 57).
هذه الحظيرة التي كانت حقيرة في مظهرها، تحوّلت بحلول الكلمة المتجسد فيها إلى كنيسة للمجد والبهاء، وهى كنيسة المهد في بيت لحم، حيث اقترب ملايين البشر من الأسرار المقدسة في التناول من جسد الرب ودمه على مر العصور.
عجيبة هي والدة الإله القديسة مريم العذراء التي شاهدت وسمعت وكانت تحفظ كل هذه الأمور متفكرة بها في قلبها (انظر لو2: 19). كانت الكنيسة -العروس المحبوبة- ممثلة في شخص السيدة العذراء وهى تعاين خلاص الله بين ذراعيها نورًا متألقًا لحياة العالم.
هذا هو مجد الروح الذي لم يبالِ بالمجد الخارجي، بل عاش متمتعًا في الاتضاع، والانسحاق، والبعد عن كل مظاهر العظمة والكرامة.
هناك في الحظيرة.. هناك بين الحيوانات.. هناك حيث لم يدرك البشر وقتذاك.. هناك تلتقي النفس بالحقيقة الخالدة أن "الكلمة صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيدٍ من الآب مملوءًا نعمةً وحقًا" (يو1: 14).
  رد مع اقتباس
قديم 11 - 03 - 2014, 05:41 PM   رقم المشاركة : ( 15 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

مسيح بيت لحم

حملت مدينة بيت لحم اسمًا نبويًا يشير إلى ميلاد السيد المسيح حيث "بيت لحم" باللغة العبرية معناها "بيت الخبز". ونظرًا لأن السيد المسيح قد قال عن نفسه "أنا هو خبز الحياة" (يو6: 35). وقال أيضًا "لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم" (يو6: 33). وأضاف "هذا هو الخبز النازل من السماء، لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء إن أكل أحد هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطى هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" (يو6: 50، 51).
أراد السيد المسيح أن يوضح لليهود الفرق بين الخبز الذي أكله آباؤهم في برية سيناء وماتوا وبين الخبز الحي النازل من السماء الذي يهب الحياة الأبدية. لذلك قال لهم: "آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء، لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت" (يو6: 49، 50).
وقارن بين ما أعطاه موسى لشعب إسرائيل في برية سيناء وعطية الله في العهد الجديد في المسيح الذي ولد في بيت لحم (بيت الخبز) "فقال لهم يسوع: الحق الحق أقول لكم: ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء، بل أبى يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء" (يو6: 32). من خلال حوار السيد المسيح مع اليهود نلمس شدة اهتمامه بإبراز العلاقة بينه وبين الخبز- ولكن ليس أي خبز بل الخبز السماوي.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
مدينة بيت لحم

بيت لحم هي مدينة صغيرة مبنية على أكمة تبعد 6 أميال إلى الجنوب من أورشليم وهى محاطة بتلال تكسوها الأشجار والنباتات الجميلة. وفيها مياه عذبة تتفجر من أراضيها المخصبة.
وقد ولد داود النبي والملك في بيت لحم ونشأ وتربى فيها وكان راعيًا لغنم أبيه في مراعيها الخضراء. وكان داود في الجوانب المقدسة من حياته رمزًا للسيد المسيح.
وقد ورد في سفر راعوث أن أليمالك رجل من بيت لحم ذهب ليتغرب في بلاد موآب هو وامرأته وابناه. وبعد وفاته تزوج ابناه من عُرفة وراعوث، وبعد موت الابنين عادت نعمى وأصرّت راعوث أن تعود معها وقالت لحماتها "شعبك شعبي وإلهك إلهي" (را 1: 16). فذهبتا كلتاهما حتى دخلتا بيت لحم في ابتداء حصيد الشعير. وجمعت راعوث وراء الحصادين من السنابل في حقل لرجل من عشيرة أليمالك اسمه بوعز. وكان رجلًا فاضلًا وتزوج راعوث، وأنجب منها عوبيد الذي هو أبو يسى أبى داود (انظر را 4: 17).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
إن أمام الرب مسيحه


كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
قال الرب لصموئيل النبي "املأ قرنك دهنًا وتعال أرسلك إلى يسى البيتلحمى، لأني قد رأيت لي في بنيه ملكًا" (1صمو16: 1).. "ففعل صموئيل كما تكلم الرب.. وقدّس يسى وبنيه ودعاهم إلى الذبيحة. وكان لما جاءوا أنه رأى اليآب، فقال: إن أمام الرب مسيحه. فقال الرب لصموئيل: لا تنظر إلى منظره وطول قامته لأني قد رفضته.. وعبرّ يسى بنيه السبعة أمام صموئيل، فقال صموئيل ليسى: الرب لم يختر هؤلاء. وقال صموئيل ليسى: هل كملوا الغلمان؟ فقال: بقى بعد الصغير وهوذا يرعى الغنم. فقال صموئيل ليسى: أرسل وأتِ به.. فقال الرب: قم امسحه لأن هذا هو. فأخذ صموئيل قرن الدهن ومسحه في وسط إخوته. وحل روح الرب على داود من ذلك اليوم فصاعدًا. ثم قام صموئيل وذهب إلى الرامة" (1صم 16: 4-13).
في بيت لحم ولد الملك داود.. وفي بيت لحم مسح صموئيل النبي داود ملكًا، وبدأت مملكة داود التي كملت بمجيء السيد المسيح.
لذلك قال الملاك جبرائيل للعذراء مريم عن المسيح الرب الذي سوف يولد منها "ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية" (لو1: 32، 33).
وحينما دخل السيد المسيح أورشليم راكبًا على أتان وعلى جحش ابن أتان استقبلته الجموع بهتاف قائلين "مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب" (مر11: 10)"أوصنا لابن داود، مبارك الآتي باسم الرب، أوصنا في الأعالي" (مت21: 9).
وعندما بشّر الملاك الرعاة في مراعي بيت لحم بميلاد السيد المسيح قال لهم: "ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. أنه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلّص هو المسيح الرب" (لو2: 11). وتنبأ ميخا النبي عن مولد السيد المسيح في بيت لحم قائلًا "أما أنت يا بيت لحم أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل" (ميخا 5: 2).
إن مدينة بيت لحم قد اكتسبت عظمتها ليس لأن داود الملك قد ولد فيها، بل لأن الله الظاهر في الجسد قد وُلد فيها ليملك إلى الأبد على قلوب شعبه. حتى وإن كان داود قد صار رمزًا للسيد المسيح من حيث رعايته للأغنام وللشعب بعد ذلك كملك، وبالرغم من أن مزاميره قد حملت الكثير من النبوات عن السيد المسيح. ولكن لم تعد بيت لحم بعد أن تم تحقيق النبوات هي مدينة داود بل هي مدينة الخبز الحي النازل من السماء الذي هو مخلص كل العالم.
  رد مع اقتباس
قديم 11 - 03 - 2014, 05:42 PM   رقم المشاركة : ( 16 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

زيارة المجوس

المجوس كانوا حكماء مملكة بابل، وأيضًا حكماء مملكة مادي وفارس، وكُتِبَ عن دانيال النبي في حديث الملكة إلى بلطشاصر ملك بابل ما نصه "يوجد في مملكتك رجل فيه روح الآلهة القدوسين، وفي أيام أبيك وجدت فيه نيّرة وفطنة وحكمة كحكمة الآلهة. والملك نبوخذ نصَّر أبوك جعله كبير المجوس والسحرة والكلدانيين والمنجمين. أبوك الملك من حيث أن روحًا فاضلة ومعرفة وفطنة وتعبير الأحلام وتبيين ألغاز وحل عُقد وجدت في دانيال هذا الذي سماه الملك بلطشاصر" (دا5: 11، 12)
واستمر شأن دانيال مرتفعًا بعد ذلك في مُلك داريوس المادي وفي مُلك كورش الفارسي كقول الكتاب"فنجح دانيال هذا في مُلك داريوس وفي مُلك كورش الفارسي" (دا6: 28). واستمرت نبوات دانيال ومواهبه وإعلانات الله له "في السنة الثالثة لكورش ملك فارس كشف أمر لدانيال الذي سُمى باسم بلطشاصر. والأمر حق والجهاد عظيم وفهم الأمر وله معرفة الرؤيا" (دا10: 1).
تعين دانيال كبيرًا للمجوس ولكنه لم يلجأ إلى السحر مثل السحرة، بل كان يشع بنور الإعلان الإلهي في وسط ظلمات الوثنية القاتمة.
وتنبأ دانيال عن مجيء السيد المسيح وعن مملكته وحدد زمن مجيئه، وترك كل نبواته الصادقة في سفره المسمى باسمه. واحتفظ شعب إسرائيل بهذا السفر، كما احتفظ به المجوس الذي كان دانيال كبيرًا لهم في ممالك السبي.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
وقد ورد في نبوة دانيال ما يلي:
"سبعون أسبوعًا قضيت على شعبك، وعلى مدينتك المقدسة، لتكميل المعصية وتتميم الخطايا، ولكفارة الإثم، وليؤتى بالبر الأبدي. ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين. فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعًا.. يُثبِّت عهدًا مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يُبطّل الذبيحة والتقدمة" (دا9: 24، 25، 27).
والمقصود بالأسابيع هنا أسابيع سنين وليس أسابيع أيام (أي أن الأسبوع يساوى سبع سنين). وقد تمت هذه النبوة بالفعل كما ذكرها دانيال النبي.
وقد انتظر المجوس متوارثين عبر الأجيال مجيء السيد المسيح الرئيس ملك اليهود مشتهى الأجيال.

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
الذين آمنوا من المجوس بإله دانيال كانوا يحترمون ما كتبه دانيال من أقوال إلهية. ويتضح احترامهم لذلك الإله من قول الكتاب "ثم كتب الملك داريوس إلى كل الشعوب والأمم والألسنة الساكنين في الأرض كلها. ليكثر سلامكم. من قِبَلي صدر أمر بأنه في كل سلطان مملكتي يرتعدون ويخافون قدام إله دانيال لأنه هو الإله الحي القيوم إلى الأبد وملكوته لن يزول وسلطانه إلى المنتهى. هو ينجى وينقذ، ويعمل الآيات والعجائب في السماوات وفي الأرض" (دا6: 25-27).
كان المجوس الذين عاشوا في مملكة فارس يعلمون ما هو الوقت الذي صدر فيه الأمر لتجديد أورشليم وقاموا بحساب الزمان وعرفوا متى يأتي السيد المسيح على وجه التقريب فهو سيبدأ عمله عند مسحه في سن الثلاثين، وهذا في بداية الأسبوع الأخير من السنين المذكورة. أي بعد تسعة وستين أسبوعًا من السنين من خروج الأمر لتجديد أورشليم. أي 483 سنة. وبطرح 30 سنة التي هي عمر السيد المسيح في بداية خدمته تكون المدة هي 453 سنة من خروج الأمر لتجديد وبناء أورشليم إلى ميلاد الفادي يسوع المسيح.
كان لابد أن يُمسح السيد المسيح في سن الثلاثين حسب شريعة موسى لأن بنى لاوي لم يمارسوا عملهم في الخدمة إلا بعد سن الثلاثين كقول الكتاب "جميع المعدودين اللاويين الذين عدهم موسى وهرون ورؤساء إسرائيل حسب عشائرهم وبيوت آبائهم. من ابن ثلاثين سنة فصاعدًا إلى ابن خمسين سنة. كل الداخلين ليعملوا عمل الخدمة وعمل الحمل في خيمة الاجتماع" (عد4: 46، 47). وهكذا أيضًا بالنسبة لبنى هرون من الكهنة من سبط لاوي.
وأيضًا داود الذي اختاره الرب ومسحه ملكًا على شعبه والذي جاء السيد المسيح ملكًا من نسله حسب وعد الرب له كان قد ملك على يهوذا وهو في سن الثلاثين كقول الكتاب "كان داود ابن ثلاثين سنة حين ملك. وملك أربعين سنة. في حبرون ملك على يهوذا سبع سنين وستة أشهر وفي أورشليم ملك ثلاثًا وثلاثين سنة. على جميع إسرائيل ويهوذا" (2صم5: 4، 5).
ولهذا كُتب عن السيد المسيح "ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة" (لو3: 23).
حينما اقترب موعد ميلاد السيد المسيح حسب النبوات كان المجوس الذين آمنوا بنبوات دانيال وحفظوها ينتظرون شيئًا يخبرهم عن هذا المجيء.
وأراد الرب أن يكلمهم باللغة التي يفهمونها فأرسل إليهم كائنًا مميزًا، له صفات عجيبة؛ ربما يكون ملاكًا لامعًا يبدو في هيئة نجم.
كان النجم واضحًا مميزًا عن باقي النجوم وفهموا من منظره ومساره أنه نجم ملك عظيم هو ملك ملوك الأرض.
لهذا أعدوا العدة لرحلة طويلة من بلاد فارس في المشرق إلى اليهودية لينالوا بركة هذا المولود الإلهي الذي كتب عنه دانيال النبي ما نصه:
"كنت أرى في رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطى سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض" (دا7: 13، 14).
كانت دعوة صريحة لهؤلاء المجوس الأمميين لكي يتعبدوا للمولود الموعود به من الله. وكان أمرًا واضحًا أن يتعبدوا له ليصيروا أعضاءً في ملكوته الأبدي.
إذن لم يكن السيد المسيح ملكًا لليهود فقط بل دعى "ملك اليهود" واتسع مفهوم هذا اللقب ليشمل جميع الذين آمنوا به "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" (يو1: 12). صار المعنى بالمفهوم الروحي هو لكل من يقبل حب الله المعلن بواسطة تجسد ابنه الوحيد مخلص العالم فيملك الله على قلبه وحياته ويصير مسكنًا لروحه القدوس.
قال الملاك جبرائيل للعذراء مريم "ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية" (لو1: 32، 33).
وصار بيت يعقوب هو كل شعب الله وليس نسل يعقوب فقط لأن بولس الرسول يقول "ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون. ولا لأنهم من نسل إبراهيم هم جميعًا أولاد.. أي ليس أولاد الجسد هم أولاد الله. بل أولاد الموعد يحسبون نسلًا.. ولكي يبين غنى مجده على آنية رحمة قد سبق فأعدها للمجد. التي أيضًا دعانا نحن إياها ليس من اليهود فقط بل من الأمم أيضًا. كما يقول في هوشع أيضًا سأدعو الذي ليس شعبي شعبي، والتي ليست محبوبة محبوبة. ويكون في الموضع الذي قيل لهم فيه لستم شعبي أنه هناك يدعون أبناء الله الحي" (رو9: 6-8، 23-26).
هكذا تحققت النبوات الإلهية وجاء الرعاة من اليهود معترفين بملكهم ومخلصهم في ليلة ميلاده،كما جاء المجوس من الأمم يقودهم النجم العجيب بعد مولده بفترة وقبل هروب العائلة المقدسة إلى مصر ليتعبدوا ويسجدوا للابن المولود "ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤ19: 16).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
أتينا لنسجد له

لماذا جاء المجوس من المشرق إلى أورشليم قائلين "أين هو المولود ملك اليهود، فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له" (مت2: 2)؟
لقد سجد المجوس للسيد المسيح وهو طفل، وسجد له تلاميذه في السفينة قائلين له "بالحقيقة أنت ابن الله" (مت14: 33)، وسجد له المولود أعمى بعد أن خلق له عينين ووجده السيد المسيح بعد أن طرده اليهود وقال له "أتؤمن بابن الله؟ أجاب ذاك وقال: من هو يا سيد لأؤمن به؟ فقال له يسوع قد رأيته والذي يتكلم معك هو هو. فقال أؤمن يا سيد وسجد له" (يو9: 35-38).
وقيل عن السيد المسيح "لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" (فى2: 10-11).
وأيضًا قيل عنه "متى أَدخَل البكر إلى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله" (عب1: 6).
وفى رؤيا القديس يوحنا إذ ارتفع بالروح إلى المشهد السمائي قال "وكل خليقة مما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر؛ كل ما فيها سمعتها قائلة: للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين. وكانت الحيوانات الأربعة تقول آمين. والشيوخ الأربعة والعشرون خرّوا وسجدوا للحي إلى أبد الآبدين" (رؤ5: 13-14).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
السجود للمسيح

إن عبادة السيد المسيح هي شيء لازم وضروري مهما تكلّف الإنسان في سبيل ذلك من مشقات.
وها هم المجوس وقد جاءوا من بلاد فارس إلى جبال اليهودية لينالوا شرف وبركة السجود أمام القدوس الحق الذي جاء إلى العالم فاديًا ومخلصًا. وليعلنوا أن الله قد أعطاهم العلامة المؤيدة بنبوات دانيال النبي "كبير المجوس" (دا4: 9) عن هذا العظيم الذي ملكوته ملكوت أبدى لا يزول. كما أخبر دانيال النبي وقال: "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطى سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دا 7: 13-14).
وقد تحققت هذه النبوة بصورة مبدئية بسجود المجوس للسيد المسيح؛ وكانوا في ذلك رمزًا لكل الشعوب والأمم والألسنة إلى جوار شعب إسرائيل.
أما سمعان الشيخ "كان قد أعلم بوحي من بالروح القدس أنه لن يرى الموت قبل أن يعاين المسيح الرب، فأقبل بالروح إلى الهيكل. ولما دخل بالطفل يسوع أبواه ليصنعا له كما يجب في الناموس، حمله سمعان على ذراعيه وبارك الله قائلًا: الآن يا سيدي تطلق عبدك بسلام حسب قولك لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام جميع الشعوب. نورًا تجلى للأمم ومجدًا لشعبك إسرائيل" (انظر لو2: 26-32).
لم يغفل سمعان الشيخ في كلامه إذ كان منقادًا بالروح القدس؛ أن السيد المسيح هو نور إعلان للأمم إلى جوار مجيئه لخلاص بنى اسرائيل ولتحقيق وعود الله للآباء؛ لإبراهيم ونسله من بعده.
والكنيسة لا تغفل في صلواتها أهمية السجود للسيد المسيح وتقديم العبادة له مع الآب والروح القدس.
ففي القداس الإلهي يصلّى كل الشعب في نهاية لحن "بشفاعة والدة الإله القديسة مريم" ويقول: (نسجد لك أيها المسيح مع أبيك الصالح، والروح القدس؛ لأنك أتيت وخلّصتنا).
وهكذا أيضًا في قانون الإيمان نقول (نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحي المنبثق من الآب، نسجد له ونمجده مع الآب والابن).
فالسجود يقدَّم للآب والابن والروح القدس الإله الواحد. وأيضًا التمجيد يعطى للثالوث القدوس. ففي كل قطع صلوات الساعات نقول بعد القطعة الأولى من كل صلاة [المجد للآب والابن والروح القدس].
نقدم عبادة واحدة للثالوث، ونقدم ذوكصا (تمجيد) واحد للثالوث.. وهكذا.
إن الخضوع للمسيح فيه خضوع للآب والروح القدس أيضًا (لسبب وحدانية الجوهر الإلهي).
وتكريم السيد المسيح فيه تكريم للآب والروح القدس أيضًا (لسبب وحدانية الجوهر الإلهي).
والسجود للمسيح فيه سجود للآب والروح القدس أيضًا (لسبب وحدانية الجوهر الإلهي).
وعبادة المسيح فيها عبادة للآب والروح القدس أيضًا (لسبب وحدانية الجوهر الإلهي).
المسيح هو الذي أظهر السجدة للثالوث بظهوره في العالم، وهو الذي أظهر الثالوث في معموديته في نهر الأردن (عيد الظهور الإلهي = الإبيفانيا).
اعتقادنا بوحدانية الجوهر للأقانيم الثلاثة لا يمنعنا إطلاقًا من فهم حقيقة التمايز الأقنومي بينهم. فلكل أقنوم دوره المتمايز في العمل الواحد. ولكل أقنوم خاصيته الخاصة التي تميّزه عن الأقنومين الآخرين. والحب المتبادل بين الأقانيم الثلاثة هو من أبرز الدلائل على تمايزهم الأقنومي بالرغم من جوهرهم الواحد واسمهم الفريد الواحد، وهو "الكائن" أي "يهوه" الذي كينونته غير منقسمة.
  رد مع اقتباس
قديم 11 - 03 - 2014, 05:43 PM   رقم المشاركة : ( 17 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

السيد المسيح كخادم للختان

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
كان الختان هو علامة العهد بين الله وإبراهيم (انظر تك17: 10-14). وقد صار السيد المسيح خادمًا للختان، ليؤكد أن العهد هو بسفك دمه المقدس الذي سوف يتم سفكه بالكامل على الصليب.
ولكن ما رآه الناس في ذلك الوقت -حسب الظاهر- هو أنه اختتن حسب الوصية السابقة ليحسب ضمن شعب الله.
فلنتأمل أيها الأحباء "قدوس القدوسين" (دا9: 24) وهو يطلب الانتماء بعلامة العهد إلى شعب الله.. أي اتضاع يكون مثل ذلك بعيدًا عن العظمة الظاهرية!!
  رد مع اقتباس
قديم 11 - 03 - 2014, 05:44 PM   رقم المشاركة : ( 18 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

تقديم ذبيحة عن المسيح في الهيكل

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
كانت حياة الابن البكر الذكر ملكًا للرب "كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوسًا للرب" (لو2: 23)، وذلك بحكم أن الرب كان قد افتدى الأبكار في ليلة خروج الشعب من أرض مصر (ليلة الفصح والعبور).
وقد استعاض الرب عن أولئك الأبكار بتقديم ذبيحة عنهم في الهيكل، وهذه الذبيحة ترمز بالطبع إلى ذبيحة الفداء، حيث إن الرب قد اشترانا من الموت حينما وفىّ دين الخطية الذي علينا في الصليب.
فما أعجب أن نرى السيد المسيح الذي هو الذبيحة الحقيقية والمخلص الفادي، يُقدِّم عن نفسه وعن نجاته مع الأبكار ذبيحة في الهيكل، مع أنه هو موضوع النجاة وبدونه لم يخلص بشر على الإطلاق، وكل الذبائح كانت رمزًا لذبيحته المانحة للحياة، ولم يكن هو محتاجًا إلى النجاة ولا إلى الخلاص، لأنه بلا خطية وحده وقدّم نفسه عن آخرين.
ألا يقف العقل حائرًا أمام اتضاع السيد المسيح الذي تمم عنا كل بر..؟!
البعض يقدمون الذبائح في الهيكل ويتباهون بها وبعظمتها وكبر حجمها.. كلٌ بحسب غناه واقتداره.
أما السيد المسيح فقد قدّم ذبيحة بسيطة جدًا، تماثل بساطة موضع مولده العجيب في الحظيرة مع الخراف.
كانت أقل ذبيحة تقدم في الهيكل من حيث مظهرها هي "يمامتين أو فرخيّ حمام" (لا12: 8، انظر لو2: 24)، وهذا بالفعل قدّمه من جاء فقيرًا ليغنينا بمجده الذي فاق كل أمجاد العالم الظاهرة،لأن المجد الحقيقي هو مجد الروح المتضع والقلب النقي الخاضع لمشيئة الآب السماوي.
  رد مع اقتباس
قديم 11 - 03 - 2014, 05:46 PM   رقم المشاركة : ( 19 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

الهروب إلى مصر

كما رأى المجوس الذين جاءوا من المشرق السيد المسيح وقدموا له العبادة والقرابين والسجود، هكذا ذهب السيد المسيح بنفسه إلى أرض مصر حيث عاش سنوات ارتجفت فيها أوثان مصر، ومن المصريين من قدَّم له الضيافة والعبادة والسجود. وتم تهيئة المجال لينتشر الإيمان بالمسيح فيما بعد بكرازة مار مرقس. ولكن السيد المسيح قد وضع بنفسه أساسات الكنيسة العتيدة في مصر.
كانت السحابة السريعة هي مريم العذراء القديسة والدة الإله التي سبق أن قيل عنها بعد البشارة بميلاد المخلص "فقامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا ودخلت بيت زكريا وسلمت على أليصابات" (لو1: 39، 40).
كانت العذراء مريم دائمًا سريعة في استجابتها لقيادة الروح القدس. وكانت هي المركبة المطوبة جدًا أكثر من الشاروبيم والسرافيم.
لقد اختار السيد المسيح مصر ليحضر إليها بنفسه وليراه المصريون بأعينهم.. هناك حيث كان معقل العبادة الوثنية العريقة العاتية. وكان ذلك كله ليهز مملكة الشيطان ويمهد الطريق لانتشار المسيحية حتى تغنى إشعياء النبي وقال "مبارك شعبي مصر وعمل يدي أشور وميراثي إسرائيل" (إش19: 25).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
الرب في مصر

جاء السيد المسيح إلى أرض مصر تحقيقًا للنبوات. فقد تم بذلك قول الكتاب "من مصر دعوت ابني" (هو11: 1، مت2: 15). وكذلك نبوءة إشعياء النبي "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه" (إش19: 1).
وقد أكّد القديس متى الإنجيلي أن النبوة التي وردت في سفر هوشع (11: 1) قد تحققت بمجيء السيد المسيح إلى مصر إذ قال إن "ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلًا: قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك. لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه. فقام وأخذ الصبي وأمه ليلًا وانصرف إلى مصر. وكان هناك إلى وفاة هيرودس. لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: من مصر دعوت ابني" (مت2: 13-15).

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
إن مجيء الرب يسوع المسيح إلى مصر قد هز العبادة الوثنية الجبارة التي عاشت في مصر آلافًا من السنين، ولم يكن من السهل إطلاقًا اقتلاعها من حياة المصريين. كانت الحضارة المصرية عميقة جدًا في جذورها وتعانقت هذه الحضارة مع عبادة ذات فلسفة قوية تداخلت معها الفلسفة الهللينية، بداية من عصر الإسكندر الأكبر وفي عصور البطالمة، وكذلك الفلسفة الرومانية في العصر الروماني. وتكوّنت بذلك مجموعات عجيبة من الآلهة المصرية واليونانية والرومانية جعلت من أرض مصر مرتعًا للعبادة الوثنية في أقوى معانيها. وهكذا ارتجفت أوثان مصر من وجه الرب لأن "كل آلهة الأمم شياطين" (مز95: 5).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
مذبح للرب في مصر

من بعد إقامة الهيكل في أورشليم لم يكن مُصَرّحًا حسب شريعة العهد القديم بتقديم ذبائح خارج الهيكل. فالعبادة التي أمر بها الرب موسى في خيمة الاجتماع الراحلة في البرية قد استقرت في وضعها الثابت حينما بُني الهيكل ووُضع فيه تابوت العهد وباقي محتويات خيمة الاجتماع. والعجيب أن إشعياء النبي قد تنبأ عن مذبح للرب في وسط أرض مصر في وقت لم يكن مسموحًا لبنى إسرائيل أن يقيموا مذبحًا مثل ذلك خارج أورشليم. ومازال اليهود يقرأون سفر إشعياء النبي إلى يومنا هذا ويعترفون به كأحد أسفار الكتاب المقدس الموحى بها من الله، ولكن للأسف لا يفهمون معنى هذه النبوة التي صارت حقيقة في العهد الجديد بعد إتمام الفداء في أورشليم وانتشار المسيحية في أرجاء المسكونة ووصول المسيحية إلى مصر.
وقد اكتُشِفَت نسختان كاملتان من سفر إشعياء في حفريات البحر الميت بوادي قمران داخل أواني من الفخار، ويرجع تاريخها إلى القرن الثاني قبل الميلاد. وهذه المخطوطات موجودة حاليًا في الجامعة العبرية عند اليهود ووجدت مطابقة للنص العبري المتداول لسفر إشعياء.
والآن لنتابع ما ورد في هذه النبوة العجيبة الواردة في سفر إشعياء:
"وحي من جهة مصر: هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر، فترتجف أوثان مصر من وجهه، ويذوب قلب مصر داخلها.. في ذلك اليوم يكون في أرض مصر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان وتحلف لرب الجنود، يُقال لإحداها مدينة الشمس (هليوبوليس)، في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر، وعمود للرب عند تخمها. فيكون علامة وشهادة لرب الجنود في أرض مصر.. فيُعرف الرب في مصر، ويعرف المصريون الرب في ذلك اليوم، ويقدمون ذبيحة وتقدمة، وينذرون للرب نذرًا ويوفون به" (إش19: 1، 18-21).
والعجيب في نبوة إشعياء أنه لم يقل إن المصريين يقدمون ذبائح للرب عندما يعرفونه بل "يقدمون ذبيحة وتقدمة" وذلك لأن المسيحيين في العهد الجديد لا يقدمون ذبائح عديدة ومتكررة مثلما كان يحدث مع شعب إسرائيل في العهد القديم، بل يقدمون ذبيحة وصعيدة أي تقدمة واحدة هي ذبيحة الشكر في القداس الإلهي التي هي نفسها ذبيحة صليب ربنا يسوع المسيح بجسده ودمه الأقدسين. وذبيحة الشكر (الإفخارستيا) هذه هي ليست تكرارًا لذبيحة الصليب، بل امتدادًا أو استعلانًا لها في سر الشكر تحت أعراض الخبز والخمر. لذلك دُعي السيد المسيح رئيس كهنة على طقس (نظام) ملكي صادق الذي قدّم قربانًا من الخبز والخمر عندما بارك إبراهيم (انظر تك14: 18-20).
بالنسبة لليهود يجب أن يسألوا أنفسهم السؤال التالي: كيف يمكن أن يوجد مذبح للرب في وسط أرض مصر؟ وكيف تقدم عليه ذبيحة وتقدمة؟
إن اليهود قد مضى عليهم قرابة ألفى عام منذ هدم الهيكل في أورشليم وهم لا يقدمون ذبائح على الإطلاق. بينما تقدم ذبيحة الخلاص الحقيقية في مصر وفي كل مكان انتشرت فيه المسيحية والإيمان المسيحي المستقيم.
ألا يدعو هذا الأمر اليهود إلى مراجعة النفس وكيف هُدم الهيكل حسب قول السيد المسيح لهم "هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا" (لو13: 35)؟ وكيف صارت الذبيحة تقدم في مصر حسب نبوة الكتاب. بل كيف وصل الأمر أن يقول الرب في نفس الموضع من السفر "بها يبارك رب الجنود قائلًا: مبارك شعبي مصر" (إش19: 25). فلماذا يحاول اليهود بناء الهيكل القديم؟
إن اليهود يعتقدون أنهم هم شعب الله. أفلا يسألون أنفسهم عن معنى هذه العبارة "شعبي مصر"؟ كيف صار في مصر شعب لله يفرح به قلبه ويبارك به؟ مصر التي كانت ترزح تحت نير الوثنية الرهيبة كيف صارت محبوبة ويُعرف الرب فيها "ويعرف المصريون الرب في ذلك اليوم، ويقدمون ذبيحة وتقدمة، وينذرون للرب نذرًا ويوفون به" (إش19: 21).
أما عن عبارة "وسط أرض مصر" الواردة في النبوة فهي تشير إلى انتشار المسيحية في مصر كلها، كما أنها تشير إلى مذبح كنيسة العذراء الأثرية بالدير المحرق حيث جلس السيد المسيح ووعد أمه العذراء مريم بأن يصير هذا الحجر الكبير مذبحًا له على اسمها، وكنيسة مباركة.
كذلك فقد أوردت النبوة عبارة "عمود للرب عند تخمها". وهذا العمود هو عمود مار مرقس الرسول عند تخوم مصر الشمالية في الإسكندرية. العمود الحقيقي الذي بدأ مع مار مرقس واستمر إلى يومنا هذا عبورًا بالقديس أثناسيوس الرسول والقديس كيرلس عامود الدين.
  رد مع اقتباس
قديم 11 - 03 - 2014, 05:47 PM   رقم المشاركة : ( 20 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

مصر وأشور

كما اهتم الرب بتهيئة الأوضاع لنشر الكرازة بالإنجيل في الإمبراطورية الرومانية وباللغة اليونانية التي انتشرت منذ فتوحات الإسكندر الأكبر. كما شرح لنا قداسة البابا شنودة الثالث (عن مجلة الكرازة فبراير 1996 (العدد 3، 4صفحة 4)).
هكذا اهتم أيضًا بحضارتين رئيسيتين من العالم القديم هما الحضارة الأشورية والحضارة المصرية.
وكانت الحضارة والديانات الأشورية في مملكة بابل ومن بعدها مملكة مادي وفارس لا تقل في ثقلها عن حضارة وقوة الديانات في مصر القديمة الفرعونية.
كان السيد المسيح قد جاء إلى العالم، ليخلص العالم كله من ظلمات العبادة الوثنية التي استطاع الشيطان أن ينشرها في أجزاء كبيرة من العالم. ولهذا اهتم بالشعوب الأممية كما اهتم بشعب إسرائيل.
على الصليب كان مكتوبًا عنوان علّته فوق رأسه بأحرف عبرية ويونانية ولاتينية. وهى أهم اللغات التي سادت في منطقة الشرق الأوسط والإمبراطورية الرومانية. لتأكيد أن السيد المسيح قد صلب فداءً عن الجميع.

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
ومنذ البداية ارتبط ميلاد السيد المسيح بسجلات الدولة الرومانية إذ صدر أمر من أوغسطس قيصر في روما بأن يكتتب كل المسكونة. وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان كيرينيوس والي سورية. فذهب يوسف خطيب العذراء مريم إلى بيت لحم وهى مدينة داود ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهى حُبلى لكونهما من بيت داود وعشيرته وفيما هما هناك تمت أيامها لتلد (انظر لو2: 1-6). وتم تسجيل المولود الجديد في سجلات الدولة الرومانية بناءً على الأمر الذي أصدره أوغسطس قيصر. وثبت رسميًا أن يسوع الناصري قد ولد في بيت لحم اليهودية.
أما كتابة غالبية أسفار العهد الجديد فقد كانت باللغة اليونانية الغنية بتعبيراتها اللاهوتية العميقة،والتي كتب بها أيضًا أعظم لاهوتي الكنيسة في القرون الأولى للمسيحية أمثال القديسين أثناسيوس وكيرلس وساويرس.
وكما شرح لنا قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الله حياته- فقد دبر الرب ترجمة أسفار العهد القديم من اللغة العبرية التي لم تكن منتشرة في العالم إلى اللغة اليونانية وذلك بأمر بطليموس فيلادلفوس، البطليموس الثاني من خلفاء الإسكندر الأكبر في مدينة الإسكندرية بالترجمة التي عرفت باسم الترجمة السبعينية. وساعدت في إعداد الفكر اليوناني لقبول ما في العهد القديم من تمهيد لميلاد السيد المسيح.
وكما اهتم الرب بالعالم الحديث في وقت ميلاده -أي الرومان واليونانيين- كذلك اهتم بالعالم القديم أي الأشوريين والمصريين.
وقد وردت نبوة عن ذلك في سفر إشعياء في الأصحاح 19 هذا نصها:
"في ذلك اليوم تكون سكّة من مصر إلى أشور.. ويعبد المصريون مع الأشوريين. في ذلك اليوم يكون إسرائيل ثلثًا لمصر ولأشور بركةً في الأرض. بها يبارك رب الجنود قائلًا: مبارك شعبي مصر وعمل يديَّ أشور وميراثي إسرائيل" (أش19: 23-25).
وقد تحقق قول إشعياء النبي "تكون سكة من مصر إلى أشور.. ويعبد المصريون مع الأشوريين" أولًا حينما انتشرت المسيحية في بلاد مصر وأشور، وبعد ذلك توثقت العلاقة بين كنيسة الإسكندرية وكنيسة أنطاكيا السريانية الأرثوذكسية
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
من كتاب مشتهى الأجيال: صعود المسيح
من كتاب مشتهى الأجيال: من القدس إلى قدس الأقداس
من كتاب مشتهى الأجيال: التجربة على الجبل
من كتاب مشتهى الأجيال: مصير العالم يتأرجح
من كتاب مشتهى الأجيال: يأس المخلص


الساعة الآن 04:26 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024