01 - 02 - 2021, 04:25 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
18. وهكذا على المرء أن يقنع نفسه من أمثال هذه الأمور بأن لا يستخف بها[36] سيما إذا عرف أنه هو نفسه خادم الرب، ويجب أن يخدم سيده. وكما أن الخادم لا يتجاسر على القول : لن أعمل عملا اليوم لأنني عملت بالأمس، ولن أعمل عملاً فى المستقبل نظراً لما عملته فى الماضى، ولكنه كما هو مكتوب يظهر كل يوم نفس الاستعداد لإرضاء سيده وتجنب الخطر، هكذا يجب علينا كل يوم أن نلبث ثابتين فى نسكنا، عالمين بأننا إن تغافلنا يوما واحدا لا يغفر لنا الرب من أجل الماضي، بل يغضب علينا من أجل تغافلنا، كما سمعنا أيضا فى حزقيال[37]. وكما أضاع يهوذا تعبه السابق بسبب ليلة واحدة.
19. لذلك يا أبنائي وجب أن نتمسك بنسكنا وأن لا نتغافل. لأن الله عامل معنا فيه، كما هو مكتوب “كل الذين يختارون الخير يعمل الله معهم للخير”[38]. ولكن لكي نتجنب حالة التراخي والإهمال يحسن بنا أن نتذكر كلمة الرسول “أموت كل يوم”[39]. لأننا نحن أيضا إن كنا نعيش كأننا نمات كل يوم فإننا لا نخطئي. ومعنى هذا أننا عندما نستيقظ كل يوم يجب أن نذكر بأننا قد لا نبقى حتى المساء، وأيضاً عندما نعتزم الرقاد يجب أن نذكر بأننا قد لا نقوم. لأن حياتنا غير مؤكدة بطبيعة الحال، والعناية الإلهية تهبها لنا كل يوم. إن رتبنا حياتنا اليومية على هذا المنوال فلن نسقط فى الخطية، أو نشتهي أي شئ، أو نحقد على أحد، أو نكدس أي كنز على الأرض، بل ـ كأننا نتوقع الموت كل يوم ـ نكون بلا ثروة، ونغفر كل شئ لكل الناس، ولن تكون لنا على الإطلاق شهوة للنساء، أو لأية لذة قذرة أخرى. بل نتحول عنها كأنها قد عبرت وولت، ونجاهد دواماً متطلعين بصفة مستمرة إلى يوم الدينونة، لأن الخوف من العذاب يخلينا من الشهوات ويدعم النفس أن كانت على وشك السقوط. 20. وإذ قد بدأنا السير فى طريق الفضيلة فعلاً، وسرنا فيه، وجب أن نزداد جهاداً للحصول على تلك الأمور التي أمامنا، ويجب أن لا يلتفت أي امرئ إلى الأمور التي خلفه كامرأة لوط، سيما وقد قال الرب “ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله”[40] وهذا الالتفات إلى الوراء ليس إلا الشعور بالندم والتفكير فى العالم مرة أخرى. لكى لا تخافوا من أن تسمعوا عن الفضيلة، ولا يدهشكم اسمها، فهي ليست بعيدة عنا ولا هي خارجة عنا، بل هي فى داخلنا. وهى ميسورة لو أننا أردنا. لكي يحصل اليونانيون على المعرفة فانهم يعيشون فى الخارج ويعبرون البحار، أما نحن فلا داعي لكي نرتحل عن أوطاننا من أجل ملكوت السماء، أو نعبر البحار من أجل الفضيلة. لأن الرب سبق أن قال “ملكوت الله داخلكم”[41]. وطالما كانت الفضيلة فينا وتنشأ منا. لذلك فإنها لا تتطلب منا سوى الإرادة لأنه إذا أدت النفس وظيفتها الروحية فى حالة طبيعية نشأت الفضيلة. وهى تكون فى حالة طبيعية إذا لبثت كما أتت إلى الوجود، وحينما أتت إلى الوجود كانت جميلة ومتزايدة فى النبل. لأجل هذا قال يشوع بن نون للشعب فى نصحه “اجعلوا قلوبكم مستقيمة نحو الرب إله إسرائيل”[42] وقال يوحنا “اجعلوا سبلكم مستقيمة”[43]. لأن تقويم النفس يتضمن جعل ناحيتها الروحية فى حالتها الطبيعية كما خلقت. ولكنها من الناحية الأخرى إن انحرفت وتباعدت عن حالتها الطبيعية فهذا ما يدعى رذيلة النفس. وهكذا ترى أن المسألة ليست عسيرة فأننا إن لبثنا كما خلقنا صرنا فى حالة الفضيلة. أما إذا فكرنا فى الأمور السالفة حسبنا أشراراً. ولذلك لو كان هذا الأمر لابد من الحصول عليه من الخارج لكان عسيراً حقاً. أما إذا كان فينا فلنحفظ أنفسنا من الأفكار الدنسة. وكما أننا قبلنا النفس وديعة فلنحفظها للرب لكي يدرك أن عمله هو بعينه كما خلقه. |
||||
01 - 02 - 2021, 04:25 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
21. ولنجاهد لكي لا يمتلك علينا الغضب. أو تغلبنا الشهوة. لأنه مكتوب “إن غضب الإنسان لا يصنع بر الله . ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطيه والخطية إذا كملت تنتج موتا”[44]
وإذ نعيش هكذا فلنأخذ كل حذرنا ، وكما هو مكتوب ” لنحفظ قلوبنا بكل حرص[45]“، لأن لنا أعداء مروعين في غاية الدهاء ـ الأرواح الشريرة ـ ومصارعتنا معها كما قال الرسول “ليست مع لحم ودم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاه العالم علي هذه الظلمة مع أجناد الشر الروحية في السماوات”[46]. وما أكثر عددها في الهواء المحيط بنا [47] وهي ليست بعيدة عنا. ويمكن ذكر الكثيرعن طبيعتها والفوارق التي بينها. علي أن وصفاً كهذا يترك لغيرنا ممن هم أقدر منا. أما في هذا الوقت فمن المحتم والضروري لنا أن نعرف فقط حيلها ضدنا. 22. لذلك يجب أولاً أن نعرف هذا. أن الشياطين لم تخلق بالحالة التي نعنيها عندما ندعوها بذلك الاسم. لأن الله لم يخلق شيئاً شريراً. بل حتى هي خلقت صالحة. ولكنها إذ سقطت من الحكمة السماوية فإنها منذ ذلك الوقت تعبث في الأرض فساداً. فهي أضلت اليونانيين (الأمم) بحبائلها المختلفة. ثم أنها بسبب حسدها لنا نحن المسيحيين تحرك كل الأشياء بحسب أهوائها. تصدنا عن دخول السماوات، لكي لا نصعد إلى المكان الذي منه سقطت. وهكذا تدعو الحاجة إلى كثرة الصلاة والنسك، حتى إذا ما حصل المرء ـ بالروح القدس ـ علي موهبة تمييز الأرواح كانت له القدرة علي معرفة مميزاتها ليدرك أيها أقل شراً وأيها أكثر، وما هي طبيعة جهاد كل منها… وكيف يمكن دحر وطرح الفاسد منها خارجا. لأن خبثها وحيلها كثيرة. ولقد عرف الرسول المغبوط وأتباعه أمثال هذه الأمور حينما قال “لأننا لا نجهل حيله” [48]. أما نحن فمما قاسيناه علي أيديها من التجارب وجب أن نصلح من شأن بعضنا البعض. لهذا فإنني أتحدث كما إلى نبي عن أمور لديَّ البرهان عليها باختبارات عملية . 23. ولذلك إن رأت الشياطين كل المسيحيين، سيما الرهبان. مجدين بابتهاج، ومتقدمين، فإنها أولاً تهجم بالتجربة. وتضع الصعاب، أي الأفكار الشريرة، لعرقلة طريقنا. ولكن لا مبرر لنا للخوف من أغراءاتها، لأن هجومها يرتد خائبا في الحال بالصلاة والصوم والإيمان بالرب. وحتى أن ارتد خائبا فإنها لا تسكت، بل ترجع ثانية بمكر وخبث ودهاء. فهي إن عجزت عن خداع القلب باللذات الدنسة صراحة اقتربت في صور مختفية مختلفة، ومن ثم حاولت أن تبعث الرعب والفزع، مغيرة أشكالها، ومتخذة صور النساء. والوحوش البرية، والزحافات، والأجساد الضخمة، وفرق الجنود. ولكن حتى إذا ظهرت بهذه المظاهر لكم فإنكم يجب أن لا تخافوا مظاهرها الخداعة، لأنها ليست شيئا، ولا بد أن تختفي في الحال، سيما إن كان المرء قد سبق فحصن نفسه بالإيمان وعلامة الصليب[49]. ومع ذلك فهي وقحة ولا تستحي قط، لأنها إن غلبت علي أمرها هكذا هجمت بكيفية أخري، وادعت التنبؤ بالمستقبل. وأظهرت نفسها بأنها طويلة جداً بحيث تصل إلي السقف. وعريضة جداً وذلك لكي تخدع خلسة بهذه المظاهر من لم ينخدع بحجمها وإن وجدت بهذا أيضا أن النفس محصنة بالإيمان وبثبات العزيمة أحضرت زعيمها لمساعدتها. |
||||
01 - 02 - 2021, 04:26 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
24. ثم قال أنها كثيراً ما ظهرت كما كشف الرب إبليس لأيوب قائلاً “عيناه كهدب الصبح. من فمه تخرج مصابيح مشتعلة، شرار نار يتطاير منه. من منخريه يخرج دخان آتون متأجج مع جمر نار. نفسه يشعل جمراً. ولهيب يخرج من فمه”[50]. وعندما يظهر رئيس الشياطين علي هذا المثال. فإن المحتال الكثير الدهاء ينفث الرعب بالتكلم بعظائم، كما استذنبه الرب قائلاً لأيوب “يحسب الحديد كالتبن والنحاس كالخشب النخر، يحسب البحر كقدر عطارة، وعمق الهاوية كأسير، والهاوية كطريق مغطي”[51]. وكما قال علي لسان النبي “قال العدو أتبع أدرك”[52]. وبلسان آخر أيضا “أقبض علي كل الأرض في يدي كعش وأجمعها كما يجمع بيض مهجور”[53].
وهكذا نري بالإيجاز افتخارها وادعاءاتها لعلها تخدع الأتقياء. ومع ذلك يجب علينا نحن المؤمنين أن لا نخاف مظاهره، أو نأبه بكلماته. لأنه كذاب، ولا يتكلم كلمة واحدة صادقة علي الإطلاق. ورغم تعظمه في تبجحه بكلمات هذه كثرتها، فلا شك في أن المخلص قد اصطاده بشص كتنين[54]. وأوثقت خياشيمه بخزامه كهارب. وثقبت شفتاه بمثقب [55]. لقد أوثقه الرب كعصفور لكي نهزأ به. وقد وضعت معه الشياطين رفقاؤه كحيات وعقارب نطأها نحن المسيحيين تحت الأقدام. والدليل علي هذا أننا نعيش الآن بالرغم منه. لأن ذلك الذي هدد بأن يجفف البحر، ويقبض علي العالم، هوذا الآن لا يستطيع أن يثبت أمام نسكنا، ولا أمامي إذا أتكلم ضده. إذا فلا نأبه بكلماته لأنه كذاب. ولا نخش رؤياه. إنها في حد ذاتها مخادعة. لأن ما يظهر فيها ليس نوراً حقيقياً. بل هي بالأحرى مقدمة وعينه للنار المعدة للشياطين التي تحاول إزعاج البشر بتلك اللهب التي سوف تحترق فيها. لا شك في أنها تظهر، ولكنها في لحظة تختفي ثانية، دون أن تؤذي أحدا من المؤمنين ، بل تحمل معها شبه تلك النار التي سوف تنالها هي نفسها. لأجل هذه الأسباب لا يليق بنا أن نخشاها. فكل محاولاتها فاشلة بنعمة المسيح. 25. ثم هي أيضا مخادعة، وهي مستعدة لتغيير نفسها في كل الأشكال، واتخاذ كل المظاهر. وهي أيضاً ـ دون أن تظهرـ كثيراً ما قلدت نغمات القيثارة والصوت، ورددت كلمات الكتاب المقدس. وفي بعض الأحيان أيضاً عندما نقرأ تردد في الحال مرارا كثيرة ما قرئ كأنه صدي الصوت. وهي توقظنا من نومنا للصلاة. وتفعل هذا بصفة مستمرة، بحيث لا تدعنا ننام علي الإطلاق. وفي وقت آخر تتخذ شكل الرهبان. وتتظاهر بكلام القديسين، لعلها بأشباههم تخدع فرائسها وتجرها حيث أرادت. ولكن يجب أن لا يؤبه لها. حتى إذا أيقظتنا للصلاة، وحتى إذا أوعزت إلينا أن لا نأكل علي الإطلاق، أو وبختنا وأخجلتنا من أجل تلك الأمور التي أباحتها لنا في الماضي، لأنها لا تفعل هذا من أجل التقوى والحق، بل لكي تحمل البسطاء علي اليأس، ولكي تقول أن النسك لا فائدة منه. وتجعل الناس يكرهون حياة الوحدة كأمر شاق وحمل ثقيل، وتعطل أولئك الذين يسلكون فيها بالرغم منها. |
||||
01 - 02 - 2021, 04:26 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
26. لهذا أعلن النبي المرسل من الله بأنها تعسة قائلاً: “ويل لمن يسقي صاحبة هلاكا طينيا”[56]. لأن مثل هذه التصرفات والحيل تدمر الطريق المؤدي إلى الفضيلة.
والرب نفسه، حتى مع تَكَلمُ الشياطين بالحق، لأنها بحق قالت “أنت ابن الله”[57]. كمم أفواهها، ولم يدعها تتكلم، لئلا تزرع شرها مع الحق، ولكي يعودنا علي أن لا نبالي بها علي الإطلاق، حتى إذا بدا أنها تتكلم بالحق، لأنه لا يليق بنا، بعد الحصول علي الأسفار المقدسة والحرية من المخلص، أن تتعلم من إبليس الذي لم يحفظ رتبته، بل انتقل من فكر إلى آخر. ولذلك، فمع استعماله لغة الكتاب المقدس، منعه الرب قائلاً: “وللشرير قال الله مالك تحدث بفرائضي وتحمل عهدي علي فمك”[58]. لأن الشياطين تفعل كل شئ، فهي تهذر وتربك، وتتنكر، وتحيرـ ذلك لتخدع البسطاء ـ وهي تطن وتضحك بجنون، وتصفر. وإذا لم يلتفت إليها تبكي في الحال وتنوح كأنها قد غلبت. 27. لذلك أبكم الرب ـ كإله ـ أفواه الشياطين. وخليق بنا إذ قد تعلمنا من القديسين، أن نفعل مثلهم، ونقتدي بشجاعتهم. لأنهم عندما كانوا يرون هذه الأمور كانوا يقولون: “عندما قام عليَّ الخاطئ صمتُ صمتاً، وتواضعت وسكت عن الكلمات الطيبة”[59] وأيضا “ولكني كنت كأصم لا أسمع وكأبكم لا يفتح فمه وصرت كإنسان لا يسمع “[60]. لذلك ينبغي أن لا نصغي للشياطين لأنها غريبة عنا ولا ننتبه إليها، حتى ولو أيقظتنا للصلاة، وتكلمت عن الصوم، بل لنتمسك بالأحرى بتصميمنا علي النسك، ولا ننخدع بمن يفعلون كل شئ بخداع حتى ولو هددونا بالموت فهم ضعفاء. ولا يقدرون أن يفعلوا شيئا سوي التهديد. 28. سبق أن تحدثنا عن هذه الأمور بالإيجاز. أما الآن فيجب أن لا أتردد عن التحدث عنها بتوسع. لأن تذكيركم مصدر أمان لكم. منذ افتقد الرب الأرض سقط العدو، وضعفت قوته. وإذ عجز عن أن يفعل شيئا فإنه كطاغية لم يحتمل سقوطه بهدوء بل هدد، رغم أن تهديده لم يكن سوى كلمات. وليذكر كل واحد منكم هذا، فيستطيع أن يحتقر الشياطين. وإن كانت قد غلبت أمامنا نحن الأجساد فيمكنها أن تقول “عندما يختبئ الناس فإننا لا نقدر أن نجدهم، ولكن عندما نجدهم فإننا نقدر أن نؤذيهم” . ونحن أيضاً إذ نختبئ فإننا نقدر أن ننجو منها، عندما نغلق الأبواب في وجوهها. لكن إن لم تكن هذه هي طبيعتها. بل تقدر أن تدخل، وأن كانت الأبواب مغلقة. وتتحول في كل الجو، هي وقائدها إبليس، وتميل إلى الشر والإيذاء، وكما قال المخلص” إبليس قتال الناس من البدء وأبو الرذيلة “[61] وطالما كنا نحن ـ رغم هذا ـ لا نزال أحياء. ونقضي حياتنا في مقاومته بقوة أشد، فواضح من هذا أنها ضعيفة وعديمة القوة، لأن المكان لا يعرقل مؤامراتها، ثم هي لا تنظر إلينا كأصدقاء حتى تعفو عنا، ولا هي محبة للخير حتى تصلح من شأنها، بل بالعكس هي شريرة، ولا تسعي وراء شئ سوي جرح من يحبون الفضيلة ويتقون الله. نظراً لأنها لا قوة لها لتعمل أي شئ، فأنها لا تفعل شيئا سوى التهديد. ولو كانت قادرة لما ترددت، بل لفعلت الشر في الحال (فهذه هي كل رغبتها)، سيما ضدنا. هوذا نحن الآن مجتمعون معاً، ونتكلم ضدها، وهي تعلم بأننا كلما تقدمنا ازدادت هي ضعفاً. فلو كانت لديها قوة لما سمحت لأي واحد منا نحن المسيحيين بأن يعيش. لأن التقوى مكرهة الخاطئ [62]، ولأنها لا تقدر أن تفعل شيئاً فإنها تجرح نفسها أكثر فأكثر، إذ أنها لا تقدر أن تتمم شيئا من تهديداتها. وبعد هذا لنذكر بأننا يجب أن لا نخافها وأنها لو كانت لها القدرة لما جاءت في جموع، ولا ظهرت بمظاهر مختلفة، ولا حاولت أن تخدع بتغيير منظرها، بل لكان يكفي أن يأتي شيطان واحد فقط ويتمم ما يقدر أن يفعله، وما يريد أن يفعله. سيما وأن كل من توافرت لديه القوة لا يقتل متخفياً، ولا يبعث الخوف بالجلبة والضوضاء، بل يستخدم كل سلطانه في الحال كما يريد. أما الشياطين، فلأنها لا قدرة لها، فهي كالممثلين علي المسرح تغير شكلها، وتخيف الأطفال بأشباحها المخيفة، وأشكالها المختلفة، الأمر الذي يبعث بالأحرى علي احتقارها لأنها تظهر ضعفها. فعلي الأقل أن ملاك الرب الحقيقي الذي أرسل ضد الآشوريين لم يكن في حاجة لكي يحدث جلبة أو ضوضاء، أو يغير منظره الخارجي، أو يبعث أصواتاً أو قعقعة، بل استخدم قوته في هدوء، وللحال قتل مائة وخمسة وثمانين ألفا [63]، أما أمثال تلك الشياطين عديمة القوة فإنها تحاول أن تخيف علي الأقل بأشكالها المصطنعة. |
||||
01 - 02 - 2021, 04:26 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
29. ولكن إن قال واحد، وهو يذكر قصة أيوب، لماذا إذا خرج إبليس وتمم كل شئ ضده، وجرده من كل ممتلكاته، وقتل بنيه، وضربه بقروح ردية؟ فليذكر مثل هذا من الناحية الأخرى، إن إبليس لم يكن هو القوي، بل الله الذي سلم إليه أيوب لامتحانه. يقينا أنه لم تكن لديه قوه لعمل شئ، ولكنه طلب، وإذ أجيب إلى طلبه فعل ما فعل. ومن هذا أيضاً يزداد افتضاح العدو، إذ أنه لم يقدر علي شخص بار واحد رغم أنه أراد إيذاءه. لأنه لو كانت له قوة لما طلب الأذن. أما وقد طلب، لا مرة واحدة بل مرة أخري أيضاً، فقد بين ضعفه وافتقاره إلي القوة. وليس عجيبا أن عجز عن أن يفعل شيئا ضد أيوب. إن كان الهلاك لم يحل بمواشيه أو لم يكن الله قد سمح بذلك وليس لدية سلطان علي الخنازير، لأنه مكتوب في الإنجيل أن الشياطين طلبت من الرب قائلة: إئذن لنا أن ندخل الخنازير[64]. وإن لم يكن لها سلطان حتى علي الخنازير فبالأولي جداً ليس لها سلطان علي البشر [65]، الذين قد تكونوا علي صورة الله.
30. إذا وجب أن نخاف الله فقط ونحتقر الشياطين، ولا نرهبها. بل كلما ازدادت هي في عمل هذه وجب أن نضاعف نحن نسكنا ضدها، لأن الحياة الصالحة والإيمان بالله سلاح قوي. وعلي أي حال فهي تخشى الصوم، والسهر، والصلوات، والوداعة، والهدوء، واحتقار المال، والمجد الباطل، والتواضع، ومحبة المساكين، والصدقة، وتحرر النساك من الغضب، وفوق الكل تقواهم نحو المسيح، لذلك فهي تفعل كل شئ لكي لا يكون لا يكون هناك من يطأها إذ تعرف النعمة المعطاة للمؤمنين ضدها بواسطة المخلص حينما قال” ها أنا أعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو[66]. 31. وإن ادعت التنبؤ بالمستقبل وجب أن لا يلتفت إليها أحد، لأنها كثيرا ما تعلن مقدما أن الأخوة قادمون بعد بضعة أيام، فيأتون فعلاً، وعلي أي حال فإن الشياطين لا تفعل هذا لاهتمامها بالسامعين، بل لكي تنال ثقتهم. وبعد ذلك قد تهلكهم إذ تستحوذ عليهم في سلطتها. لهذا يجب ألا نصغي إليها، بل بالأحرى أن نخرسها إذ تتكلم، فنحن لسنا في حاجة إليها. لأنه أي عجب إن كانت، هي بأجسادها الأكثر دهاء من أجساد البشر[67]، عندما تري الأخوة يبدءون أسفارهم تسبقهم بسرعة وتعلن مجيئهم؟ وكما أن راكب الحصان عندما يسبق السائر علي قدميه يعلن مقدما قدوم هذا الأخير، كذلك لا داعي للتعجب منها في هذا الصدد، لأنها لا تعرف شيئا لم يوجد بعد في الوجود، ولكن الله وحده هو الذي يعرف كل الأشياء قبل ولادتها[68]، أما هذه فإنها تركض أولا وتعلن ما ترى. فلقد أعلنت خدمتنا للكثيرين، أعلنت أننا مجتمعون معا نتناقش في بعض الإجراءات ضدها، وذلك قبل أن يستطيع أي واحد منا أن يذهب وينبئ بهذه الأمور. والواقع أن هذا ما يستطيع فعله أي فتى رشيق الحركة عندما يسبق شخصا أقل حركة. ولكن ما أقصده هو هذا، أنه إن بدا شخص يسير من طيبة أو من أية منطقة أخري، فإنها لا تستطيع معرفة إتجاه مسيره قبل أن يبدأ المسير. ولكنها عندما تراه سائراً تسرع وتعلن اقتراب وصوله قبل أن يصل. وهكذا يحدث أن يصل المسافرون بعد ذلك ببضعة أيام. ولكن كثيرا ما يحدث أن السائرين يرجعون فيتضح كذب الشياطين. |
||||
01 - 02 - 2021, 04:26 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
32. وهكذا أيضا فيما يختص بمياه النهر. فالشياطين في بعض الأحيان تعطي بيانات خاطئة. فإذا رأت أمطارا كثيرة في مناطق أثيوبيا، وهي تعرف أنها هي سبب فيضان النهر، فإنها تسرع وتعلن الأمر قبل وصول المياه إلى مصر. وهذا ما يستطيع البشر أن يخبروا به لو كانت لهم نفس قوة الركض كالشياطين. وكما أن جاسوس داود إذ صعد إلى مكان مرتفع رأي الرجل يقترب أسرع مما رآه من كان ماكثا في مكان منخفض، وهكذا الراكض نفسه يعلن، قبل وصول غيره، لا الأشياء التي لم تحدث، بل تلك التي حدثت وكانت في الطريق مع حامليها، هكذا تسعي هذه لكي تعلن للآخرين ما هو حادث، وذلك لكي تخدعهم. إما إن رتبت العناية الإلهية شيئاً مخالفا للمياه، وللسائرين في الطريق، لأن العناية الإلهية تقدر أن تفعل هذا، فإن الشياطين تخدع، والذين أصغوا إليها ينخدعون.
33. هكذا انتشرت في الأيام الماضية أقوال اليونانيين(الوثنيين)، وبهذا أضلتهم الشياطين، علي أن ضلالاتهم قد وضعت عند حد بمجيء الرب.[69] الذي أباد الشياطين ومكايدها لأنها لا تعرف شيئا من تلقاء ذاتها، بل كلصوص لنقل ما يتصادف أن تعرفه من الآخرين، وهي لا تتنبأ بالحوادث بل بالأحرى تتكهن. ولذلك فإن تكلمت بالصدق أحيانا وجب أن لا يعجب أحد بها من أجل هذا. فالأطباء المحنكون أيضا إن رأوا مرضاً واحداً في أشخاص مختلفين كثيراً ما ينبئون به، ويكشفون عنه بخبرتهم، وربابنة السفر والفلاحون، لتعودهم علي الجو، يستطيعون بنظرة واحدة بسيطة أن يخبروا عن حالة الجو، ويتنبئوا أن كان الجو سيصير عاصفاً أم لطيفاً. ولن يستطيع أحد القول أنهم يفعلون هذا بوحي أو الهام، إنما من الاختبار والتمرين. وهكذا إن فعلت الشياطين بعض الأحيان نفس الأمر بالتكهن فلا يتعجب أحد من الأمر أو يصغي إليها. لأنه أية منفعة للسامعين أن يعرفوا منها قبل الوقت ما سوف يحدث؟ أو أية أهمية أن تعرف مثل هذه الأمور حتى ولو كانت المعرفة صحيحة؟ فهي ليست ثمرة للفضيلة، ولا هي أية علامة علي الصلاح. لأنه لن يدان أحدنا بسبب ما لا يعرفه، ولا يقال علي أحد أنه مبارك لأن لديه علماً ومعرفة. بل يدعو كل واحد للدينونة في هذه الناحية، هل حفظ الإيمان واتبع الوصايا بحق ؟ 34. لذلك لا حاجة لكي نعطي هذه الأمور أهمية كبيرة، أو نمارس حياة النسك والتعب من أجلها، بل أن نرضي الله بحياتنا الطيبة. ويجب ألا نصلي لكي نعرف المستقبل. أو نطلب هذه المعرفة كأجر لنسكنا، بل لتكن صلاتنا لكي يكون الرب معيناً لنا للنصرة علي إبليس، وإن حدث أننا رغبنا مرة في معرفة المستقبل فلنكن طاهري الذهن، لأنني أعتقد أنه إن تطهرت النفس تماما، وكانت في حالتها الطبيعية، استطاعت أن تري أكثر وأبعد من الشياطين[70] لنقاوة نظرها، لأن لها الرب الذي يعلنه لها، كنفس إليشع التي رأت ما فعله جيحزي[71] وأبصرت جيوش الملائكة واقفة بجوارها.[72] |
||||
01 - 02 - 2021, 04:27 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
35. لذلك فإن أتتكم ليلاً وأرادت أن تخبركم عن المستقبل، أو قالت نحن ملائكة، فلا تصغوا إليها، لأنها كاذبة، حتى إن مدحت نسككم ودعتكم مباركين فلا تصغوا إليها، ولا تكن لكم معاملات معها، بل بالأحرى ارشموا ذواتكم وبيوتكم، وصلوا، تجدوها قد انقشعت. لأنها في غاية الجبن. وتخشي جداً علامة صليب الرب، طالما كان الرب قد جردها فيه حقاً، وأشهرها جهارا[73]. أما إذا ثبتت بلا خجل، مغيرة هيئتها وتشكلها فلا تخشوها، ولا تنزعجوا، ولا تستمعوا إليها كأنها أرواح صالحة، لأنه بمساعدة الله يسهل تمييز وجود الخير أو الشر فرؤية القديسين لا تقترن بالذهول أو الحيرة “لأنهم لا يخاصمون ولا يصيحون ولا يسمع أحد في الشوارع صوتهم.[74] إذ تأتي بهدوء ورقة، حتى أنه للحال يحل في النفس الفرح والبهجة والشجاعة، لأن معهم الرب الذي هو فرحنا، ومعهم قوة الله الآب. فتبقى أفكار النفس غير مضطربة أو منزعجة، ونرى أنفس هؤلاء الذين يظهرون كأنها قد استنارت بأشعة نورانية، لأنها تتملكها محبة الإلهيات ومحبة الأشياء العتيدة، وتبتغي أن تنضم معهم بكليتها إن استطاعت أن ترتحل معهم. ولكن إن كان البعض ـ وهم بشر ـ يخافون رؤية الصالحين، فإن الذين يظهرون ينزعون الخوف في الحال، كما فعل جبرائيل في حالة زكريا.[75] وكما فعل الملاك الذي ظهر للنسوة عند القبر المقدس[76]، وكما فعل ذلك الذي قال للرعاة في الإنجيل “لا تخافوا”[77]، فخوفهم لم ينشأ عن الجبن، بل عن الإحساس بحضور كائنات أعلي. إذاً فهذه هي طبيعة رؤية القديسين.
36. أما غارات الأرواح الشريرة ومظاهراتها فتكون مقترنة بالاضطراب، والطنين، وأصوات وصراخ، كالشغب الذي يحدث مع الصبية الأردياء، أو اللصوص. ومن ذلك ينشأ الخوف في القلب، والاضطراب في الفكر، والكآبة وكراهية الذين يعيشون حياة النسك، وعدم المبالاة، والحزن، وتذكر الأهل، والخوف من الموت، وأخيراً الرغبة في الشرور، وعدم احترام الفضيلة، والعادات غير المستقرة. ولذلك فكما رأيتم أي شئ وخفتم، فإن انتزع خوفكم في الحال، وحل محله الفرح الذي لا يعبر عنه، والغبطة والشجاعة والقوة المتجددة، وهدوء الفكر، وكل ما ذكرته سابقا، والجرأة والمحبة من نحو الله، فتشجعوا وصلوا. لأن الفرح واستقرار النفس وطمأنينتها تدل علي قداسة ذاك الذي حل. هكذا فرح إبراهيم عندما رأي الرب[78]، ويوحنا أيضاً فرح وارتكض بابتهاج عند سماع صوت مريم[79]حاملة الله. أما إذا حدث عند ظهور أية شخصية اضطراب، وصخب ومظاهر عالمية، وتهديد بالموت، وما سبق أن ذكرته فاعلموا أن هذا هو هجوم من الأرواح الشريرة . 37. ولتكن هذه أيضاً علامة لكم، إذا ما بقيت النفس منزعجة كان هذا معناه وجود الأعداء. لأن الشياطين لا تنزع الخوف المنبعث من حلولها، كما فعل رئيس الملائكة العظيم جبرائيل مع مريم وزكريا، وكما فعل الذى ظهر للنسوة عند القبر، ولكنها بالأحرى كلما رأت الناس خائفين ازدادت في طغيانها لكي يزدادوا خوفاً، وفي آخر هجوم تهزأ بهم قائلة خروا واسجدوا. وهكذا أضلت اليونانيين (الوثنيين)، وهكذا اعترفوا بها آلهة، زوراً وبهتانا. أما الرب فلم يسمح لنا بأن يضللنا إبليس. لأنه كلما صوب نحوه ضلالات كهذه انتهره قائلا: “أذهب عنى يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد”[80]. إذن فلنحتقر المضل أكثر فأكثر، لأن ما قاله الرب، تممه من أجلنا، حتى إذا ما سمعت الشياطين منا كلمات مماثلة هربت من قبل الرب الذى انتهرها بتلك الكلمات |
||||
01 - 02 - 2021, 04:27 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
38. ثم لا يليق الافتخار بإخراج الشياطين، ولا الانتفاخ بشفاء الأمراض. كذا لا يليق بأن من يخرج الشياطين يمجد وحده، أو يحقر من شأن من لا يخرجها، بل ليعرف المرء نسك كل واحد، وإما أن يقتدي به، أو ينافسه، أو يقومه، لأن عمل الآيات ليس من اختصاصنا بل هو عمل المخلص، ولذا قال لتلاميذه “لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم بل افرحوا أن أسماءكم كتبت في السموات”[81]. لأن كتابة أسمائنا في السموات دليل علي حياتنا الفاضلة، أما إخراج الشياطين فهو هبه من المخلص الذى وهبها. أما أولئك الذين افتخروا بالآيات لا بالفضيلة، وقالوا “يارب باسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة”.[82] فقد أجابهم “الحق أقول لكم أنى لا أعرفكم” لأن الرب لا يعرف طريق الآثمة. لكن يجب علينا أن نصلى دواماً، كما قلت آنفاً، لكي نحصل علي موهبة تمييز الأرواح، حتى كما هو مكتوب لا نصدق كل روح.[83]
39. كنت أود أن لا أطيل الكلام، ولا أقول شيئا من عندي، اكتفاء بما ذكرت، ولكن لئلا تظنوا أنني أتكلم كيفما أتفق، أو خبط عشواء، أو تتوهموا أنني أسرد هذه التفاصيل بدون خبرة، أو بعيدا عن الصواب، لأجل هذا ـ ولو صرت كغبى ـ فإن الرب الذي يسمع يعرف نقاوة ضميري، ويعرف أنني لست من أجل نفسي، بل من أجل محبتكم لي، وإجابة لطلبكم، أخبركم مرة أخرى ما رأيته من تصرفات الأرواح الشريرة. فكثيراً ما دعتني مغبوطا فانتهرتها باسم الرب. كثيرا ما تنبأت بارتفاع النهر فأجبتها “مالكم به”. ومرة أتتني مهددة، وأحاطت بي كجنود مسلحين تمام التسلح. ومرة أخرى ملأت البيت خيلاً وحيوانات برية وزحافات، فترنمت قائلاً “هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل. أما نحن فباسم الرب إلهنا نفتخر”.[84] ولدى الصلاة هربت بقوة الرب. ومرة أتت في الظلام حاملة ما يشبه النور، وقالت “أتينا لنقدم إليك نورا يا أنطونيوس”. أما أنا فأغمضت عيني وصليت، وللحال انطفأ نور الأشرار. وبعد ذلك ببضعة شهور أتت كأنها ترنم المزامير، وتتحدث بكلمات الكتاب “أما أنا كأصم لم أسمع”[85]. ومرة هزت الصومعة بزلزلة. ولكنني ظللت أصلى بقلب لا يتزعزع. بعد هذا جاءت ثانية مزمجرة تصفر وترقص. ولكن إذ صليت واضطجعت، مرنماً المزامير لنفسي، بدأت للحال تبكي وتنتحب، كأن قوتها قد خانتها. على أنني أعطيت المجد للرب الذى أذلها، ودحر قوتها وجرأتها. 40. ومرة جاءني شيطان طويل القامة، وظهر في عظمة وفخامة، وتجاسر أن يقول “أنا قوة الله، وأنا العناية الإلهية. كل ما أردته أعطيتك”. أما أنا فنفخت فيه، ونطقت باسم المسيح، وشرعت بأن أضربه، وبدا كأنني ضربته، وللحال اختفى هو وكل شياطينه أمام اسم المسيح، رغم ضخامة حجمه. ومرة أخرى إذ كنت صائماً أتى مليئا بالمكر في شكل راهب، ومعه شبه أرغفة، ونصحني قائلاً: “كل وكف عن أتعابك الكثيرة. أنت أيضا إنسان. وقد تعرض نفسك للمرض”. أما أنا فإذ أدركت حيلته قمت للصلاة. ولكنه لم يحتمل ذلك لأنه انصرف وخرج من الباب كدخان. وكم من مرة أظهر في الصحراء ما يشبه الذهب، حتى ألمسه مجرد لمس وأتطلع إليه. ولكنني رتلت المزامير ضده فاختفى. وكثيراً أرادت ضربي بجلدات، فكنت أكرر مرارا وتكرارا “لن يفصلني شئ عن محبه المسيح”.[86] وللحال بدأت تضرب بعضها بعضا، ولم أكن أنا الذى صددتها وحطمت قوتها، بل الرب الذى قال “رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء”.[87] أما أنا يا أبنائي، فإذا تذكرت كلمات الرسول حولت هذه تشبيها إلى نفسي[88] ، لكي تتعلموا أن لا تخوروا في النسك، أو تخشوا إبليس أو أضاليل الشياطين . |
||||
01 - 02 - 2021, 04:27 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
42. وإن كان إبليس قد اعترف بنفسه أن قوته قد تلاشت، وجب أن نحتقره وشياطينه احتقارا تاماً. وطالما كان العدو وكلابه ليست لها سوى حيل من هذا القبيل فإننا إذا عرفنا ضعفها نستطيع احتقارها. إذن وجب أن لا تخور عزائمنا، أو يتسرب الجبن إلى قلوبنا، أو نصور المخاوف لأنفسنا قائلين: “أنا خائف لئلا يأتي شيطان ويحطمني، لئلا يرفعني إلى أعلى ويطرحني إلى أسفل، أو لئلا يثور علي بغتة فيزعجني”. مثل هذه الأفكار يجب أن لا تخطر ببالنا قط، ويجب أن لا نحزن كأننا قد هلكنا. بل بالأحرى لنتشجع ونفرح دواما، واثقين أننا آمنون. ولنذكر في نفوسنا أن معنا الرب الذى طارد الأرواح الشريرة، وحطم قوتها. ولنذكر ولنضع في قلوبنا أنه طالما كان الرب معنا فإن أعدائنا لن يستطيعوا إيذائنا، لأنها عندما تأتى، تقترب إلينا في صورة تتفق مع الحالة التي تجدنا فيها[90] وتجعل خداعها موافقا للحالة الفكرية التي تخامرنا. فهي إن وجدتنا في حالة جبن واضطراب اقتحمت المكان في الحال كلصوص إذ تجده بغير حراسة، وتفعل ما تجدنا مفكرين فيه، بل وأكثر أيضا. لأنها إن وجدتنا خائري القلب وجبناء ازدادت في إرهابنا بعنف بتضليلاتها وتهديداتها، وبهذه تتعذب النفس التعسة في ذلك الحين .
أما أن وجدتنا فرحين في الرب متأملين في سعادة المستقبل ، مفكرين في الرب. مسلمين كل شئ إلي يده، وواثقين أنه لا قوة لأى روح شرير ضد المسيحي، ولا أي سلطان علي أي واحد قطعاً، فإنها إن رأت النفس متحصنة بهذه الأفكار اندحرت ورجعت إلى الوراء. هكذا عندما رأي العدو أيوب محصنا بها ( بهذه الأفكار) تنحي عنه. ولكنه إذ رأي يهوذا غير متيقظ أخذه أسيراً. وهكذا أن أردنا احتقار العدو فلنتأمل دواماً في الإلهيات، ولتفرح النفس في الرجاء، وعندئذ ترى فخاخ الشيطان كالدخان، والأرواح الشريرة نفسها تهرب بدلا من أن تتابعنا. لأنها كما قلت شديدة الخوف جداً. تتوقع دائما النار المعدة لها. 43. ولعدم الخوف منها تمسكوا بهذه العلامة الأكيدة: كلما ظهر لكم شبح فلا يستولي عليكم الخوف، بل مهما كانت شخصيته اسألوا أولا بجسارة: من أنت ، ومن أين أتيت؟ فإن كانت الرؤيا للقديسين طمأنوكم وبدلوا خوفكم إلى فرح. إنما أن كانت الرؤيا من إبليس ضعف في الحال إذ يري ثباتكم العقلي. لأن مجرد السؤال: من أين أتيت؟ برهان علي عدم اكتراثكم. بسؤال كهذا عرف ابن نون من هو معينه[91] كما أن دانيال لم يترك العدو دون توجيه السؤال إليه.[92] |
||||
01 - 02 - 2021, 04:27 PM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
44. وبينما كان أنطونيوس يتحدث بهذا الكلام كان الجميع مغتبطين. وفي البعض زادت محبة الفضيلة، والآخرون طرحوا جانبا الإهمال والتراخي، وتلاشي الغرور من غيرهم. واقتنع الجميع بضرورة احتقار هجمات الشرير، وعجبوا بالنعمة المعطاة لأنطونيوس من قبل الرب لتمييز الأرواح. وهكذا صارت صوامعهم في الجبال كهياكل مقدسة، مكتظة بجماعات الأتقياء الذين كانوا يرنمون المزامير، ويحبون القراءة، ويصومون ويصلون ويفرحون برجاء الأمور العتيدة، ويكدون في إعطاء الصدقة. ويحتفظون بمحبة بعضهم البعض. والوفاق مع بعضهم البعض. وحقا لقد كان ممكنا رؤية أرض منعزلة مليئة بالتقوى والعدل، لأن لم يكن فيها فاعل شر، أو مظلوم، أو تعيير جابي الضرائب بل بدلاً من ذلك جماهير من النساك، والهدف الوحيد للجميع هو الفضيلة، وهكذا كان كل من يري هذه الصوامع ثانية، ويري مثل هذا النظام الجميل بين الرهبان، كان يرفع صوته ويقول: “ما أحسن مساكنك يا يعقوب خيامك بإسرائيل، كأودية ظليلة، كجنات علي نهر، كخيام أقامها الرب، كارزات علي مياه”.[93]
45. وعلي أي حال فإن أنطونيوس كعادته عاد منفردا إلى صومعته، وازداد في نسكه، وتنهد يومياً كلما فكر في مساكن السماء، إذ ركز فيها رغبته، متأملا في قصر حياة الإنسان. وكان يأكل وينام، ويتمم سائر المطالب الجسدية الضرورية بخجل عندما كان يفكر في مواهب النفس الروحية. وعندما كان يشرع في الأكل مع نساك آخرين ويتذكر الطعام الروحي. كثيرا ما كان يعتذر ويتنحي عنهم. معتبرا أن رؤية الآخرين له وهو يأكل أمر يدعو إلى الخجل. وعلي أي حال اعتاد أن يأكل الكفاف عندما كان يأكل منفردا، أو مع الأخوة. وكان يغطيه الخجل في هذه المناسبات. ومع ذلك كان ينطق بجسارة بكلمات التشجيع. وقد اعتاد أن يقول أنه خليق بالمرء أن يعطي كل وقته لروحه لا لجسده، ومع ذلك فليعط وقتا قصيرا للجسد لقضاء حاجياته الضرورية، ولكنه يجب عليه تكريس كل الباقي للنفس وطلب منفعتها، لكي لا تنجذب بملذات الجسد، بل بالعكس يخضع الجسد للنفس. لأن هذا ما قاله المخلص “لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون ولا لأجسادكم بما تلبسون، ولا تطلبوا ما تأكلون أو ما تشربون. ولا تتشككوا، لأن هذه كلها تطلبها أمم العالم، ولكن أباكم يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها، لكن اطلبوا أولا ملكوته، وهذه كلها تزاد لكم”.[94] |
||||
|