تطهير الهيكل من القيادات
لكي نفهم هذه النقطة التي لجأ إليها السيد، علينا أن نتتبع الأمور منذ تطهيره الهيكل لنرى ماذا حدث.
ماذا فعل قادة اليهود إزاء تطهير الهيكل؟
لم يقدروا أن يتصدوا للمسيح فيما فعل أو يمنعوه. إنما "كان رؤساء الكهنة والكتبة ووجوه الشعب يطلبون أن يهلكوه" (مر 11: 18؛ لو 19: 47). والذي عاقَهم هو أنهم خافوا الشعب. فانتظروا الفرصة المناسبة لتنفيذ مؤامرتهم.
وكل ما فعلوه، إنهم قالوا له لما قابلوه: "بأي سلطان تفعل هذا؟!" (متى 21: 23؛ لو 20: 2). ولم يعطهم إجابة، بل سألهم سؤالًا عن يوحنا العمدان أسكتهم فصمتوا.
كان السيد المسيح مزمعًا أن يعين قيادات لكنيسته.
فكان من الطبيعي تغيير هذه القيادات القائمة.
هذه القيادات التي لا تفهم ملكوت الله بطريقة روحية، والتي لا تسلك سلوكا روحيًا، بل تضلل الشعب وتتحكم فيه... هذه القيادات التي تعاهدت على أن كل مَن يعترف بالمسيح لا بد أن تخرجه من المجمع (يو 9: 22). وهكذا أصبحت عائقا في طريق ملكوت الله... لذلك كان لابد من تغييرها. وكان الرب قد صبر على كل هؤلاء، من كتبة، وفريسيين، وصدوقيين، وناموسيين، وكهنة، ورؤساء كهنة، وشيوخ. واحتملهم زمانا طويلًا، بطول أناة عجيبة، وهدوء ووداعة. أما الآن فالوقت مُقَصِّر، ولم تبق سوى أيام على الجلجثة.
كان لا بد من تغيير الكهنوت اليهودي.
وذلك لسببين: أولهما أن المسيحية ستقوم على كهنوت آخر على طقس ملكي صادق (عب 7)، يختلف عن الكهنوت الهاروني الذي يقوم بتقديم ذبائح حيوانية، كانت مجرد رمز إلى ذبيحة المسيح. وانتهى عهد تلك الذبائح الحيوانية. كما أن الكهنوت الهاروني كان بالوراثة من نسل هرون. أما الكهنوت المسيحي فسيكون لكل مَنْ هو مستحق، ولا يتقيد مطلقا بسبط معين أو أسرة معينة. وهناك سبب آخر لتغيير الكهنوت اليهودي، وهو أنهم سلكوا فيه بطريقة خاطئة، وارتكبوا شرورًا عديدة لا تجعلهم مستحقين للكهنوت، فكان لابد من إدانتهم علنًا، حتى لا يكونوا عائقًا أمام الشعب، وأمام الكهنوت المسيحي الجديد.
وهكذا ضرب المسيح للكهنة مَثَل الكرّامين الأردياء.
وختم هذا المَثَل بقوله لهم: "لذلك أقول لكم إن ملكوت الله يُنْزَع منكم، ويُعطى لأمة تعمل أثماره" (متى 21: 43). وأراهم أن رفضهم له يضرهم هم ويسحقهم، وأشار إلى قول المزمور "الحجر الذي رفضه البناءون، هذا قد صار رأس الزاوية" ثم أنذرهم بان عداوتهم له ستنتهي - بضياعهم، فقال: "مَنْ سقط على هذا الحجر يترضَّض. ومن سقط هو عليه يسحقه". يقول الكتاب "ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله، عرفوا أنه تكلم عليهم" (متى 21: 44، 45).
لكنهم لم يتوبوا، ولم يستفيدوا من إنذاره.
وإنما يقول الكتاب عنهم بعد سماعهم لإنذار المسيح "وإن كانوا يطلبون أن يمسكوه، خافوا من الجموع..." (متى 21: 46)... بل إنهم بعد هذا الكلام بيوم، بدأوا يتفقون مع يهوذا على خيانته لمعلمه وتسليمه لهم مقابل مال يعطونه له...
أما السيد المسيح، فالتفت إلى باقي الأصنام الموجودة في أيامه ليحطمها، ويريح تلاميذه منها، قبل أن يسلم روحه في يدي الآب.
وهكذا أيضًا وبخ الكتبة والفريسيين توبيخًا مرًا.
إنه لم يفعل ذلك من قبل. بل أخذ فترة طويلة يقابل كل انتقاداتهم وتشهيرهم بالحوار والتعليم، بكل هدوء. ولكنهم لم يشاءوا أن يستفيدوا... وحتى فى هذا الأسبوع، وبعد تطهير الهيكل من الباعة "ذهب الفريسيون وتشاوروا لكي يصطادوه بكلمة" (متى 22: 15). ولكن السيد أفحمهم في كل مناقشاتهم معه، وأحرجهم، وخصوصًا بعد سؤاله لهم عن علاقة المسيح بداود: هل هو ابنه أم ربه "فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله البتة" (متى 22: 45، 46). وهكذا وبخهم الرب بشدة وقال:
"ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون" (متى 23).
وكان ذلك قبل الفصح بيومين فقط (متى 26: 2). وقد أراد أن يكشفهم قبل أن يُصْلَب، حتى لا يبقى لهم تأثير على الشعب فيما بعد يعطل الملكوت.
فقال لهم إنهم قادة عميان، وإنهم يعلمون تعليمًا خاطئًا، وأنهم يحبون المتكأ الأول ومديح الناس، وأنهم يحملون الناس أحمالًا ثقيلة عسرة الحمل.. وأنذرهم قائلًا: "كيف تهربون من دينونة جهنم؟!" وحمَّلهم مسئولية الدماء الذكية التي سُفِكَت... وقال إنهم يغلقون ملكوت السموات، فما دخلوا ولا جعلوا الداخلين يدخلون" (متى 23).
إنها ثورة قادها المسيح قبيل صلبه ضد "القبور المبيضة من الخارج، وفى داخلها عظام نتنة"..
وكما وبخ الكتبة والفريسيين، كذلك أبكم الصدوقيِين والناموسيين...
كان الصدوقيون لا يؤمنون بالأرواح ولا الملائكة ولا القيامة... ومع ذلك كانوا طبقة بارزه وسط اليهود، وكان منهم رؤساء كهنة.. وقد حاولوا في هذا الأسبوع الأخير أن يحرجوا المسيح بسؤال عن القيامة من جهة المرأة التي تزوجت سبعة، الواحد تلو الآخر بعد موته، لمن تكون في القيامة، فأجابهم إجابة شعر بها الكل أنه أبكم الصدوقيين (متى 22: 34). فسقطت هيبتهم حتى أمام الفريسيين "ولم يتجاسروا أن يسألوه عن شيء" (لو 20: 40).
وحدث أنه لما جلب الرب الويلات على الكتبة والفريسيين، أن الناموسيين قالوا له: "يا معلم، حين تقول هذا تشتمنا نحن أيضًا" (لو 11: 45). فأجابهم قائلًا:
وويل لكم أنتم أيضًا أيها الناموسيون...
وصبَّ عليهم نفس الويلات ونفس الإدانات التي صبّها من قبل على الكتبة والفريسيين (لو 11: 46-52). فكلهم مجموعة واحدة من المعلمين الكذبة، يجب أن تسقط هيبتهم أمام الناس، لكي يفسحوا المجال أمام تلاميذ المسيح.
وهكذا قامت حركة التطهير التي قادها المسيح.
لم يتركها لتلاميذه، لئلا يكون الموقف صعبًا عليهم، بل قادها بنفسه. ووقف بهذا رؤساء الكهنة والكهنة والكتبة والفريسيين والناموسيين والصدوقيين. وتآمر الكل ضده ليصلبوه. ولم يبالِ بشيء من هذا لأنه جاء ليبذل نفسه عن العالم كله، ولكي يضع أمام الناس التعليم السليم النقي. ولم يشأ أن يستبقى هؤلاء المعلمين الخاطئين، لأنه في تأسيس الكنيسة:
لن يضع رقعة جديدة على ثوب عتيق.
وهكذا في كنيسة المسيح اختفت كل هذه الطوائف، لا كتبة ولا فريسيين ولا صدوقيين ولا ناموسيين.. ودفع السيد المسيح ثمن حركة التطهير هذه، وتألم لكي نستريح نحن. ومن أجلنا احتمل ظلم الأشرار.
وأنت أمام تطهير الهيكل اسأل نفسك:
هل أنا من الكرامين الأردياء كهؤلاء؟ أم خدمتي مقبولة؟
هل أنا من المقاومين للمسيح؟ هل الذاتية تتعبني مثلهم ؟
هل أنا في تعاملي، أحمِّل الناس أحمالًا عسرة؟
هل أنا أتعاون مع المسيح في تطهير هيكلي، أم أقاومه كما قاومه أولئك الذين نزع الملكوت منهم؟
وفى تطهير المسيح للهيكل، أطلب منه أيضًا أن يطهر كل مكان مقدس يدعى عليه اسمه.
وليتك تغنى مع المسيح وتقول:
بيتي بيت الصلاة يُدعى.