|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب تأملات في سفر يونان النبي - البابا شنودة الثالث 10 نينوى، المدينة العظيمة عجيب هذا اللقب "المدينة العظيمة" الذى أطلقه الرب على نينوى!! قاله الرب مرتين ليونان "قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة" (1 : 2، 3 :2 ). وهذا التعبير " المدينة العظيمة " كرره الوحي للمرة الثالثة بقوله "وأما نينوى فكانت مدينة عظيمة للرب مسيرة ثلاث أيام" (3:3). وتكرر هذا اللقب للمرة الرابعة في آخر السفر عندما قال الرب "فلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التى يوجد فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس لا يعرفون يمينهم من شمالهم وبهائم كثيرة" (4 : 11). ما أعجب هذا، أن يلقبها الرب أربع مرات بالمدينة العظيمة، بينما كانت مدينة أممية، جاهلة لا يعرف أهلها يمينهم من شمالهم، تستحق أن ينادى النبي عليها بالهلاك، وهى خاطئة قد صعد شرها أمام الرب، وليس فيها من جهة المقياس الروحي أي مظهر من مظاهر العظمة!! أكان هذا تنازلا من الرب في استخدام الأسلوب البشرى، فسماها عظيمة، على اعتبار أنها عاصمة لدولة، وتضم أكثر من 120 ألف من السكان؟ أم أن الله رآها باعتبار ما سوف تصير إليه في توبتها وفي عظمتها المقبلة، كأممية توبخ اليهود، كما قال عنها الرب "إن رجال نينوى سيقومون في يوم الدين مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا بمناداة يونان. وهو ذا أعظم من يونان ههنا" (متى12 : 41). أن تسمية الرب لنينوى بالمدينة العظيمة درس نافع للذين يسلكون بالحرف، ويدققون في استخدام الألفاظ تدقيقا يعقدون به كل الأمور ويخضعون به الروح لفقه الكلمات!! أمر الله يونان النبي أن ينادي على نينوى بالهلاك، ولكنه كان في نفس الوقت يدبر لأهلها الخلاص كان يحبهم ويعمل على إنقاذهم دون أن يطلبوا منه هذا.... أن سفر يونان يعطينا فكرة عميقة عن كراهية الله للخطية ولكنه في نفس الوقت يشفق على الخطاة ويسعى لخلاصهم. المرجع: موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت وإنقاذ الله لنينوى فكرة عن اهتمام الله بالأمم، إذ كان اليهود يظنون أن الله لهم وحدهم، وأنهم وحدهم الذين يتبعونه ويعبدونه، وهم شعبه وغنم رعيته، فأراهم الله في قصة نينوى أن له خرافا أخر ليست من تلك الحظيرة. وكما وبخ عبده يونان بإيمان البحارة الأمميين، وكذلك وبخ اليهود بإيمان أهل نينوى وتوبتهم، تلك التوبة التي كانت عظيمة حقا في عمقها وفاعليتها. |
27 - 09 - 2012, 10:08 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: كتاب تأملات فى سفر يونان للبابا شنودة " مكتوب "
كتاب تأملات في سفر يونان النبي - البابا شنودة الثالث 11- عظمة نينوى في توبتها عندما وصف الله نينوى بأنها مدينة عظيمة، لم يكن ينظر إلى جهلها وخطيئتها، أنما كان ينظر في فرح شديد إلى عمق توبتها. *كانت نينوى سريعة في استجابتها لكلمة الرب : إن أهل سدوم عندما أنذرهم لوط بغضب الرب، استهزءوا به " وكان كمازح في وسط أصهاره" " تك 19: 14 ". أما أهل نينوى فأخذوا يونان بجدية فائقة الحد، واستجابوا للكلمة بسرعة. على الرغم من مهلة الأربعين يوما التي كان يمكن أن تستغل للتراخي والتهاون.. لقد كانت كلمة الرب فيهم سريعة وحية وفعالة وأمضى من سيف ذي حدين. وكان أهل نينوى في هذه الاستجابة السريعة أعظم من اليهود الذين عاصروا السيد المسيح الذي هو أعظم من يونان بما لا يقاس ورأوا معجزاته العديدة، وشاهدوا روحانيته التي لا تحد، ومع ذلك لم يتوبوا، فوبخهم الرب بأهل نينوى (متى12: 14). * كانت كلمة الرب لآهل نينوى كلمة مثمرة، أتت بثمر كثير عجيب: أول ثمرة لها هي الإيمان " فآمن أهل نينوى بالله". وثاني ثمرة لآهل نينوى كانت انسحاق القلب الصادق، المتذلل أمام الله. وهكذا " لبسوا المسوح من كبيرهم إلى صغيرهم ". والمسموحملابس خشنة من شعر الماعز…، دليل على التذلل وعلى الزهد ورفض مغريات العالم.. حتى ملك نينوى نفسه: خلع رداءه الملكي، وتغطى بالمسوح، وقام عن عرشه، وجلس على الرماد… ونظر الله إلى هذه المدينة المتضعة، وتنسم منها رائحة الرضى. " فالذبيحة لله هي روح منسحق. القلب المتخشع والمتواضع لا يرذله الله " "مز 50 ".. حقا ما أعجب هذا المنظر الفريد في نوعه… أن نرى مدينة بأسرها منسحقة في التراب والرماد، متذللة في المسوح، من الملك إلى الطفل الصغير.. حتى البهائم، تغطت أيضا بالمسوح..! وكان من ثمار كلمة الله فيها أيضا : الصوم والصلاة.. نادت المدينة بصوم عام للكل فلم يذق الناس شيئا.. وحتى البهائم والبقر والغنم، لم ترع ولم تشرب ماء. لم يرد الناس أن ينشغلوا بإطعام بهائمهم حتى يتفرغوا للعبادة وللتضرع إلى الله.. وهكذا مزجوا صومهم بالصلاة و " صرخوا إلى الله بشدة".. المرجع: موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت على أن أهم ثمرة لأهل نينوى كانت هي التوبة… التوبة قادتهم إلى الإيمان، إذ كانت الخطية هي الحائل بينهم وبين الله. ومن ثمار التوبة فيهم كان التذلل والصوم ولبس المسوح والصراخ إلى الله. كانت توبة صادقة بكل معنى الكلمة، توبة جادة بكل مشاعر القلب، فيها " رجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في أيديهم". وبهذه التوبة استحقوا رحمة الله، فعفا عنهم جميعا وسامحهم، وقبلهم أليه وضمهم إلى خاصته. وفي هذا يقول الكتاب " فلما رأى الله أعمالهم، أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة، ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه""3: 10 ". لم يقل الكتاب " لما رأى الرب صومهم وصلاتهم وتذللهم " بل قال " لما رأى أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة". كانت التوبة إذن هي سبب رحمة الرب لهم. وكان صومهم وصلاتهم وتذللهم مجرد ثمار للتوبة… *أود في هذه المناسبة أن أقف قليلا عنده عبارة هامة قيلت في توبة نينوى وهي أنها "تابت بمناداة يونان"… فماذا كانت مناداة يونان؟ |
||||
27 - 09 - 2012, 10:09 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: كتاب تأملات فى سفر يونان للبابا شنودة " مكتوب "
كتاب تأملات في سفر يونان النبي - البابا شنودة الثالث 12- مناداة يونان لم يسجل لنا الكتاب الخطاب العميق الذي قاد 000 ر120 نسمة إلى التوبة، بهذا الانسحاق العجيب. ليته كان قد زودنا بهذا الجانب الهائل الذي تتركز فيه عظمة يونان النبي.. كل ما سجله الكتاب لنا في هذا المجال لا يزيد عن عبارة واحدة فقط، ذكر فيها أن يونان دخل المدينة ونادى وقال : "بعد أربعين يوما تنقلب نينوى" (3: 4). هل حقا أن يونان لم يقل سوى هذه العبارة وحدها؟ وهل كانت كافية لخلاص المدينة وإحداث هذا التأثير الهائل؟ لقد قال لوط عن سدوم "آن الرب مهلك المدينة "" تك 19: 14 "، ومع ذلك لم يتأثر أحد ولم يتب أحد. وسمع الناس عن الطوفان الذي سيهلك الأرض كلها ,، ورأوا الفلك يبني أمامهم، ومع ذلك لم يتب أحد، وهلكوا جميعا… وكم من مرة فشلت الإنذارات بالموت. أدم نفسه سمع إنذارا " موتا تموت"، فلم يمنعه هذا الإنذار عن الخطأ. فما هو السر الذي يختفي وراء توبة نينوى وخلاصها؟ هل الآمر يرجع إلى مناداة التي نادى بها يونان وعمق تأثيرها في النفوس؟ أم أن السبب يرجع إلى قوة الاستعداد الداخلي في القلوب، بحيث أن كل كلمة إلهية لابد أن تحدث أثرا، لآن القلب مستعد للسماع، والإرادة مستعد للتنفيذ، والأرض جيدة للزرع؟… أنا في داخلي أميل إلى هذا الرأي الثاني… أميل إلى الاعتقاد أن توبة نينوى كان مرجعها الأساسي هو الاستعداد القلبي عند أهل نينوى. ولعل هذا الاستعداد هو الذي دعا الله إلى إرسال نبيه إليهم. وكما يقول الرسول " الذي سبق فعرفهم، سبق فعينهم" "رو 8: 29"... أن استعداد القلب له مكانة كبيرة في عمل التوبة…. الشاب الغني خاطبه الرب نفسه، بكل ما في كلام الرب من قوة وتأثير ومع ذلك مضى حزينا لآن القلب من الداخل لم يكن مستعدا،كالأرض المحجرة لا تخرج نباتا مهما كانت البذار جيدة، ومهما كان الزارع خبيرا.. أما قلب الشاب انطونيوس، المستعد للكلمة فلما سمع في الكبيسة نفس العبارة التي قيلت للشاب الغنى، تركت هذه العبارة فيه أثرا عميقا، ونفذها بحب… هكذا نينوى أيضا. ويؤيد هذا الرأي عندي أن يونان عندما قال أن المدينة ستنقلب، قالها وهو مؤمن في أعماقه أنها سوف لا تنقلب، وأن كلمته سوف لا تنفذ…. نادى بهذه المناداة مضطرا، طاعة لآمر صدر إليه، وهو غير واثق مما يقول. ولو كان مؤمنا بما قاله، لكان كلامه أعمق تأثيرا.. ومع ذلك تابت نينوى بمناداة يونان،لآن القلب كان مستعدا لآية كلمة تخرج من فم الله.. وهكذا كانت لهذه التوبة قوتها، صادره من الداخل لا من الخارج… ولهذا أمتدح الرب آهل نينوى وتوبتهم، وقال أنهم سيقومون في يوم الدين، ويدينون ذلك الجيل... ومما يزيد هذه التوبة قوة وجمالا، أنها كانت توبة عامة… الكل تابوا. الكل رجعوا إلى الله. الكل آمنوا به. أكثر من 120 ألفا دخلوا إلى حظيرة الرب دفعة واحدة أن كان يصير فرح في السماء تخاطي واحد يتوب، فماذا نقول عن الفرح بأكثر من اثنتي عشرة ربوة كانوا من قبل لا يعرفون يمينهم من شمالهن؟! وهكذا نجح الهدف الثاني من خطة الله. فخاص أهل نينوى، كما خلص أهل السفينة من قبل. بقى يونان... |
||||
27 - 09 - 2012, 10:11 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: كتاب تأملات فى سفر يونان للبابا شنودة " مكتوب "
كتاب تأملات في سفر يونان النبي - البابا شنودة الثالث 13- إنقاذ يونان من قسوته وكبرياءه كان هناك فرح في السماء بخلاص نينوى. لقد فرح الله. وفرح الملائكة، وكانوا يهنئون بعضهم قائلين: لقد آمنت نينوى، وقد تابت، وقد أنضم إلى ملكوت الله 000ر120 من الناس في يوم واحد. ووسط أفراح السماء وتهليل الملائكة، كان هناك إنسان واحد حزين بسبب هذا الخلاص العظيم، ذلك هو يونان النبي. لقد حزن جدا لأن الله غفر لهؤلاء الناس ورحمهم ولم يهلكهم. وقد عبر الكتاب عن حزن يونان بعبارة مذهلة أو بعبارة مخجلة. قال فيها " فغم ذلك يونان غما شديدا فاغتاظ" (4: 1). يا للهول!! أيغتم النبي من أجل خلاص الناس، وغما شديدا، ويغتاظ!! كل ذلك لآن هذه الآلاف كلها قد نجت من الهلاك… إذن ما هو عمل النبي، إن لم يكن هو خلاص الناس؟! وما هو فرح النبي إن لم يكن هو الفرح بخلاصهم؟! يذكرني يونان في تصرفه هذه بالابن الكبير عندما حزن ورفض أن يدخل، لآن أخاه كان ميتا فعاش، وكان ضالا فوجد.. وقد قبله أبوه فرحا فاغتنم هذا الابن الكبير غما شديدا وأغتاظ، كيونان.. وحاول بغضبه أن يعكر صفو تلك البهجة.. تماما كيونان. فما هو السر المختفي وراء غيظ يونان النبي؟ لقد كان يونان ما يزال متمركزا حول ذاته، لا يفكر إلا فيها. لم يكن يفكر في نينوى، ولا في توبتها، ولا في هذا الخلاص العظيم الذي تم، ولا في ملكوت الله وبنائه. وإنما كان يفكر في شيْ واحد فقط هو ذاته.. تماما كما فكر الابن الكبير في ذاته : كيف أنه خدم أباه سنين طويلة وكيف أنه لم يأخذ جديا، ولم يفرح مع أصدقائه.."لو 15 وعلى أسلوب أقل في الاهتمام بالذات، كان تعب مرثا بسبب جلسة التأمل الجميلة التي تمتعت بها مريم تحت قدمي المسيح.. كانت تفكر في راحتها الخاصة وعدم حصولها على مساعدة من أختها... أما يونان، فقد كان تفكيره في ذاته من نوع أخطر. كان ما يزال يفكر في كرامته وفي كلمته التي نزلت إلى الأرض. إنه نفس التفكير السابق القديم، الذي دفعه قبلا إلى الهروب من وجه الرب.. وبسبب هذا الفكر، حرم نفسه من الاشتراك في أفراح السماء، وفصل نفسه من الانضمام إلى جماعة الملائكة المبتهجين بخلاص نينوى. وبرهن بغيظه هذا، على أن طريقة تفكيره ذاتية غير روحية، وبرهن على أن مشيئة الأب السماوي الذى "يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1 تى 2: 4). وبهذا الغيظ برهن يونان على أنه لم يستطع أن يستفيد من تجربته السابقة. نسى الثمن الذي دفعه في بطن الحوت وفى السفينة المهددة بالغرق… لم يؤثر فيه ذلك الدرس المؤلم الذي تلقاه من الله. وإن كان قد أطاع الله ظاهريا بعد تلك التجربة، إلا أنه ظل في الداخل كما هو لم يتغير، ولم يتخلص من طبيعته المحبة لذاتها وكرامتها المتمركزة حول هذه الذات. لم تكن خدمة الرب في أعماقه، ولم تكن في أعماقه محبة الناس.. كانت كل هذه الأمور تطفو على سطح تفكيره. أما العمق ففيه الذات والكرامة أكثر من أي شيْ أخر!! والعجيب أن يونان وهو في هذا السقوط الروحي صلى إلى الرب.. بأي وجه كان يصلى وهو مختلف مع الله في الوسيلة والأهداف؟! بأي وجه كان يصلى وهو بهذا القلب الخالي من المحبة المغتاظ من تصرفات الله؟! لست أدرى. ولكن يكشف الآمر ويزيده عجبا، أنه كان يصلى ليشكو الله ويبرر ذاته، ويتذمر على هذه المعاملة. طالبا لنفسه الموت، فالموت عنده أفضل بكثير من ضياع كرامته…. المرجع: موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت إنه أخطأ، ولم يعترف بخطئه، بل على العكس تذمر!! وهكذا صلى وقال "أه يا رب.." بل أه منك أنت يا يونان الذى لا تهتم سوى بنفسك وكرامتك! ماذا تريد أن تقول؟ يتابع يونان صلاته فبقول "أه يا رب، أليس هذا كلامي إذ كنت بعد في أرضى؟! لذلك بادرت بالهرب إلى ترشيش،لآني علمت أنك اله رءوف ورحيم بطيْ الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر" "4: 2". وماذا يضيرك يا يونان في أن يكون الله رحيما؟! ثق أنه لولا رحمته لهلكت أنت أيضا.. إن رحمته قد شملت الكل. كما شملت أهل نينوى التائبين المتذللين أمامه كذلك قد شملتك أنت أيضا الذي لم تتب بعد، ولم تتذلل، وحتى صلاتك فيها تبرير ذات، وفيها شكوى، وفيها تذمر… ويصرخ يونان في تذمره "فالان يا رب، خذ نفسي مني خير من حياتي"!! هل إلى هذا الحد وصل غيظك من سقوط كلمتك يا يونان، لدرجة أنك ترى الموت خيرا من حياتك؟! قبل كل شيْ، ينبغي أن تعلم أنها كلمة الله وليست كلمتك. انك مجرد مبلغ رسالة، وصاحب الرسالة هو الله ذاته. فأن كان الله في كل علوه وسموه وسلطانه، قد قبل هذا الوضع، فلماذا لا تقبله أنت، وأنت مجرد تراب ورماد... ثم من قال أن كلمة الله التي قمت بتبليغها قد سقطت أو تغيرت أو نزلت إلى الأرض؟! أن الله أصدر حكم الهلاك والانقلاب على نينوى الخاطئة، وليس على نينوى التائبة. كانت نينوى الخاطئة تستحق الموت حسب عدل الله، لآن " أجرة الخطية هي موت". ولكن نينوى الخاطئة ليس لها وجود الآن، حتى يعاقبها الله بالانقلاب.... أنها قد انقلبت فعلا عندما تحولت إلى هذا الوضع الجديد. ونينوى الجديدة لا علاقة لها إطلاقا بنيوي الخاطئة، التى ماتت فعلا واختفت صورتها عن أعين الناس. نينوى الجديدة هي مخلوق جديد قد ولد من الروح القدس، مخلوق طاهر نقي، بطبيعة جديدة وروح جديدة، وصفات جديدة. وليس من العدل أن يحكم على هذا المخلوق الجديد بالموت. أذن فإنقاذ الله لنينوى عمل من أعمال عدل الله، وليس فقط من أعمال رحمته… لو كانت نينوى قد استمرت في خطيئتها وشرها، وأبقاها الله على هذه الحالة ولم ينفذ فيها حكمه، لأمكن القول أن كلمة التهديد قد سقطت ولم تنفذ. على أن يونان لم يفهم هذا المنطق، وأهتم بحرفية الحكم لا بروحه! لذلك اغتاظ، ولم يكن له حق في غيظه. ومن الأمور التي تدعو إلى الدهشة، أن يونان بعد صلاته التي عاتب فيها الرب وتذمر مما حدث كان ما يزال يراوده أمل في أن يعود الله فيهلك المدينة، إكراما لنبيه وارضاء لهذا القلب المغتاظ!!. وهكذا يقول الكتاب أن يونان صنع له مظلة خارج المدينة وجلس تحتها " حتى يرى ماذا يحدث في المدينة"!!"4: 5 ". رأى الله آن يونان مغتم ومغتاظ، فأراد أن يعمل معه عمل محبة. بينما كان يونان يفكر في ذاته، كان الله يفكر في خلاص الناس. الله لم يفكر في كرامته، كيونان. لم يفكر كيف أن يونان عصاه وخالفه وتذمر على أحكامه، وإنما فكر كيف يريح يونان ويخلصه من غمه. عجيبة هي محبة الله هذه…. كان لله عمل كبير مع يونان لا بد أن يعمله…. يسعى لخلاصه هو أيضا، لئلا بعد ما كرز لآخرين، يكون هو نفسه مرفوضا أمام الله "1كو 9: 27 "… كان هذا الذي كرز للناس بالتوبة يحتاج هو أيضا إلى توبة، يحتاج أن يتخلص من قسوته ومن كبريائه ومن اعتزازه بكرامته. وكأب الله دائما، بدأ هو بعمل مصالحة، فلما رأى يونان مغتما، أعد يقطينة ارتفعت فوق رأس يونان " لتكون ظلا على رأسه، لكي يخلصه من غمه" "4: 6". ما أكثر ما تتعب يا رب من أجلنا! من أجل راحتنا، ومن أجل إصلاحنا، ومن أجل مصالحتنا. كنا نظن انك استرحت منذ اليوم السابع، ولكنك ما تزال تعمل من أجلنا، استرحت من خلق العالم. أما من جهة رعايته فما تزال تعمل. أنت تريد أن تريح يونان من غمه؟! ولكنه هو الذي يجلب لنفسه الغم بأسلوبه الخاطئ، نعم، الآمر كذلك، ولكنى أريد أن أريحه من الأمرين معا، من غمه ومن أسلوبه الخاطئ انه ابني على أي حال….. سأخرج القساوة من قلبه بأعمال الرحمة التي اعملها معه، لكي يرى ويتعلم. وكما أشفقت على نينوى، أنا أشفق عليه أيضا، لان الشفقة هي طبيعتي. لقد أشفقت عليه عندما القي في البحر، وأشفقت عليه وهو في جوف الحوت، وأشفقت عليه في كل أخطائه وأحاسيسه. والآن أشفق عليه في غمه. لقد أعددت له اليقطينة لتظلل عليه، لآني أعرف أنه سيفرح بها جدا. وأنا أبحث عن فرحه، مهما تذمر على أحكامي، ومهما أغتاظ من عملي.. وكان كما شاء الله " وفرح يونان من أجل اليقطينة فرحا عظيما" "4: 6". صدقوني أنني عندما قرأت من الفرح العظيم الذي فرحه، يونان باليقطينة انذهلت جدا... أنها ولا شك عبارة مخجلة.. هل تفرح يا يونان فرحا عظيما من أجل اليقطينة التى ظللت عليك، ولا تفرح ولو قليلا، بل تغتاظ من أجل رحمة الله التي ظللت على 120 ألف نسمة؟! ألم يكن الأجدر أن تفرح هذا الفرح العظيم من أجل خلاص نينوى؟! ولكنك فرحت باليقطينة، لآتك تفكر في راحتك الشخصية، في ذاتك، وليس في ملكوت الله على الأرض..! والله رأى في أن يفرحك بهذا الأسلوب الذي تفرح به. لكي يريك أنه مهتم بك، وأنه لا يعاملك حسب أعمالك، بل حسب وفر حنانه… ينزل الله إلى مستواك المادي،لكي يرفعك إلى المستوى الروحي اللائق بنبي.. انه يعاملك بهذه الشفقة وأنت خاطئ، لكي يغرس في قلبك الشفقة نحو الخطاة. وهكذا يعالج قسوتك على أهل نينوى وعدم رحمتك نحوهم. واليقطينة التى أعدها الله ليونان، كانت تحمل هدفين : الأول هو إظهار الشفقة نحو يونان إذ تظلل عليه، والهدف الثاني أن يتعلم من قصتها درسا روحيا نافعا لحياته. بنمو اليقطينة يعمل الله عمل رحمة نحو يونان، وبهلاك اليقطينة في يبسها، يعمل الله عمل تعليم وإرشاد ليونان، لكي ما تستفيد ماديا ونفسيا وروحيا. داخل نينوى كان يعمل مع الله في نشر ملكوته بالكرازة، وخارج نينوى كان الله يعمل لآجل يونان لتخليص نفسه، ولتخليصه من غمه… واستمر الله يعمل، في هدوء وصمت، دون ان يحس يونان بعمله. عندما فرح يونان باليقطينة، فرح بظلها،ولكنه لم يفرح بدرسها، إذ لم يكن قد تلقاه بعد. فرح باليقطينة، ولم يفرح بالله الذي كان يعمل وراء اليقطينة من أجله. وإذ بدأت خطة الله تأتي بثمرها، ضرب اليقطينة فيبست، أعد لها دودة فضربتها. وانتهى الدور الذي قامت به اليقطينة وبقى ان يتخذها الله مادة للتعليم! ضاعت اليقطينة، وضاع الظل، وضربت الشمس على رأس يونان فذبل، واشتهى لنفسه الموت. كل ذلك كان بتدبير من الله، لكي يعطى يونان درسا نافعا لخلاص نفسه. حقا أن الله يدبر كل شئ للخير. الظل للخير، وضربة الشمس للخير أيضا. يمكن أن يذبل الجسد، ويكون هذا خيرا، لكي تنتعش الروح. ويمكن أن يتضايق يونان وتتعب نفسه ويشتهى الموت، وتكون ضيقته وتعبه جزء ا من الخطة الإلهية صالحا لتخليص روحه وتنقية قلبه…. ان الله يريد لنا الخلاص، وهو مستعد أن يستخدم كافة السبل النافعة لخلاصنا، حتى لو كانت تحمل أحيانا تعبا للجسد، أو تعبا للنفس. وفى خلال كل هذه التدابير الروحية كان يونان غارقا في تفكيره المادي. يفرح من أجل اليقطينة، ويحزن من أجل ضياعها، دون أن يفكر في خلاص نفسه، ودون أن يهتم بالمصالحة مع الله.. وإذ ذبل يونان من ضربة الشمس،" طلب لنفسه الموت وقال موتى خير من حياتي " (4: 8). وكانت هذه هي المرة الثانية التي يطلب فيها الموت لنفسه: الأولى عندما تضايق من أجل كرامته وسقوط كلمته، والثانية عندما تضايق بسبب ضربة الشمس وسقوط اليقطينة. الأولى لسبب جسدي، دون أن يكون للروح شأن بالموضوع…. كثيرون اشتهوا الموت لأسباب روحية مقدسة، أما يونان فطلب الموت لأسباب تافهة تحمل معنى التذمر وعدم الاحتمال. بولس الرسول لم يخطئ عندما قال "لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح، فذاك أفضل جدا " "في1 :23 ". وسمعان الشيخ لم يخطئ عندما قال "الآن يارب تطلق عبدك بسلام لآن عيني قد أبصرتا خلاصك""لو 2 : 29 ". أما يونان فقد أخطأ عندما قال لله "الآن خذ نفسي لآن موتى خير من حياتي ". قالها عن تذمر، في وقت لم يكن فيه مستعدا للموت. ولو سمع الله صلاته في ذلك الوقت واخذ نفسه منه، لضاع يونان. أليس رحمة من الله بنا، انه لا يستمع أحيانا لصلواتنا في جهالة طلباتنا التى تضرنا. وصدق الرسول حينما قال " تطلبون ولستم تأخذون، لأنكم تطلبون رديا""يع4 : 3". وإذ وصل يونان إلى طلب الموت، بدأ الله يتفاهم معه، فقال له " هل اغتظت بالصواب؟" هل اغتظت بسبب حكمة الله ورحمته؟ وأجاب يونان : نغم اغتظت بالصواب حتى الموت: أتضيع كلمتي وكرامتي، ثم تحرمني من ظل يقطينتى ولا تنتظر مني بعد ذلك أن أغتاظ. نعم اغتظت " بهذا الذي تسميه صوابا " حتى الموت... ومع أن هذا الأسلوب من يونان لم يكن لطيفا من الناحية الروحية، آلا انه على آيه الحالات يدل على صراحته مع الله وكشفه لدواخله كما هي.. وبأ الله يتفاهم معه ويقنعه. قال له الرب " أنت أشفقت على اليقطينة التي لم تتعب فيها ولا ربيتها، التي بنت ليله كانت وبنت ليله هلكت. أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التى يوجد فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس.."؟! أما من جهة كلمتك التى تظن أنها سقطت، أو بالأحرى كلمتي، فاعلم أنها لم تسقط، وأنا لم أتغير. فالله ليس عنده تغيير ولا ظل دوران (يع 1: 17). إنني لم اقصد إهلاك أهل نينوى، وأنما إهلاك الشر الذي فيهم. لقد حكمت عليهم بالهلاك عندما كانوا ممتزجين بالشر، بحيث صاروا هم والشر شيئا واحدا أما وقد انفصلوا عن الشر، فلا معنى بهلاكهم، لأنه ليس فيهم الآن شر يستحق الهلاك. لقد انضموا إلى صفي، وصاروا ضد الشر معي. |
||||
27 - 09 - 2012, 10:13 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: كتاب تأملات فى سفر يونان للبابا شنودة " مكتوب "
كتاب تأملات في سفر يونان النبي - البابا شنودة الثالث 14- الله في سفر يونان في هذا السفر الصغير المملوء بالحيوية والتعاليم، تأملنا في حياة يونان النبي نفسه، واهتمامه بكرامته، واعتزازه بكلمته وما وقع فيه من أخطاء مذهلة بسبب هذه الكرامة الزائفة، وكيف كان البحارة الأمميون أفضل منه أيضا الكائنات غير العاقلة التي أطاعت الله. كما تحدثنا في هذا السفر أيضا عن أهل نينوى وانسحاق أنفسهم وصدق توبتهم. ولكن أعمق التأملات في هذا السفر هو الخاص بالله ذاته، تأمل جميل حقا هو "الله في سفر يونان". ولعل أول ما يسترعى انتباهنا في هذه القصة الجميلة غير ما سبق ذكره فيما قبل هو بحث الله عن الإنسان. |
||||
27 - 09 - 2012, 10:14 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: كتاب تأملات فى سفر يونان للبابا شنودة " مكتوب "
كتاب تأملات في سفر يونان النبي - البابا شنودة الثالث 15- الله يبحث عن الإنسان نجد في هذا السفر أن الله هو الذي يبحث عن الإنسان، وليس الإنسان هو الذي يبحث عن الله. تعلمناه حياة التوبة أن الإنسان ينبغي أن يرجع إلى الله،كما رجع الابن الضال إلى أبيه، إذ خاطب نفسه قائلا " أقوم وأرجع إلى أبي " "لو 15 ". أما في سفر يونان، فنجد أن الله هو الذي يفتش عن الإنسان لكي يتوبه. نراه يبحث عن الكل، يجول يطلب النفوس التى له.. هو بذاته يبحث عن النفوس الموجودة في السفينة ليخلصها. وهو بذاته يبحث عن النفوس الضالة في نينوى لكي يتوبها فتخلص. وهو أيضا يستخدم كل الوسائل لكي يخلص يونان النبي. إن كان الإنسان لا يأتي إليه، يذهب هو إلى الإنسان، لكي يصلحه ويصالحه. كما قال القديس يعقوب السروجي في مناسبة ميلاد المسيح " كانت هناك خصومة بين الله والإنسان. فلما لم يذهب الإنسان لكي يصطلح مع الله، نزل الله لكي يصالح الإنسان ". والله لا يجد أن هذا ضد كرامته، أن يبحث عن الإنسان ويسعى إلى محبته! خالق السماء والأرض يجد لذته في البحث عن التراب والرماد! ليعطينا فكرة عن حنان الأبوة وعن سماحة القلب الواسع. وفي البحث عن الإنسان لجأ الله إلى طرق متنوعة عديدة منها التخويف، ومنها العتاب، ومنها الاقتناع، ومنها الملاطفة، ومنها العقوبة… المهم عنده أن يصل إلى قلب الإنسان ويجد له موضعا فيه.. الله جوعان حبا إلى هذا الإنسان، يريد أن يستريح في قلبه. نلاحظ أيضا أن الله لم يترك الإنسان إلى حريته تركا كاملا.. أقصد : لم يتركه إلى حريته، الترك الذي يحمل معنى الإهمال وعدم المبالاة بمصيره، كأنه يقول له " أن جئت، كان بها. وأت لم تأت فأنت وشأنك "!! كلا، بل أن لم تأت إلى، أنا أسعى إليك وأجرى وراءك، وأبحث عنك، وأمسك بك، وأظل هكذا حتى أرجعك. أن رأس الله تريد أن تستريح في قلب هذا الإنسان المتعب لكي تريحه من تعبه، وتحول تعبه إلى راحة.. المرجع: موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت ونلاحظ في سفر يونان أن بحث الله عن الإنسان كان بحثا جديا، وليس بحثا رسميا شكليا. كان بحثا يحمل معنى الإصرار على إرجاع المحبة بأية الطرق، ولو أدى الآمر آن يضرب هذا الإنسان، لكي يستفيق، فيرجع إلى محبته.. هذا هو التأمل الأول. أما الثاني فهو: لا مانع من استخدام العقوبة. |
||||
27 - 09 - 2012, 10:15 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: كتاب تأملات فى سفر يونان للبابا شنودة " مكتوب "
كتاب تأملات في سفر يونان النبي - البابا شنودة الثالث
16- لا مانع من استخدام العقوبة أن الله الحنون لا مانع عنده من استخدام طرق العقوبة والتخويف،أن كانت نافعة لخلاص الإنسان. وفى سفر يونان نجد ثلاثة أمثلة وهى: 1 – مثال تهديد من بعيد : مثلما حدث مع أهل نينوى.. مجرد إنذار. سأحرق المدينة بعد أربعين يوما.." بعد أربعين يوما تنقلب نينوى "... تهديد، مع إعطاء فرصة، وفرصة طويلة… ولم تنقلب المدينة، لأنها خافت من الغضب الآتي ومن العقوبة المنتظرة فتابت. 2- مثال أخر أشد وهو لطمة من الخارج: مثلما حدث مع بحارة السفينة وركابها، ومنهم يونان. هنا لم يكن الأمر مجرد تهديد وأنما بدأ التنفيذ العملي إلى حد ما. أوامر أصدرها الله إلى الزاوبع أن تلطم السفينة حتى تكاد تغرق. ولكن نلاحظ أن الله وضع للأمواج حدودا في الضرب: اضربوا السفينة من الخارج، ولكن لا تدخلي أيتها المياه إلى داخلها. اضربي السفينة، زعزعي السفينة، ولكن لا تمسى أحدا من ركابها بسوء….. نلاحظ هنا أن الضربة سببت بعض الخسائر، إذ أضطر الناس أن " يطرحوا الأمتعة التي في السفينة إلى البحر، ليخففوا عنها "…. هذان مثالان من عقوبة الله. أما الثالث فأشد منهما: 3- في النوع الثالث، دخلت العقوبة في جدية خطيرة… صدر الأمر إلى الحوت أن يبتلع يونان، نظر إلى ذاته، فوجد نفسه في بطن الحوت.... هذه هي الطرق الثلاث في العقوبة، والله يريدكم أن تصلوا إليه بأية طريقة تروقكم أو تناسبكم… لو أدى الأمر، لا مانع لدى الله من أن يبتهج الزوابع ضد سفينة حياتكم، ويضطركم أن تلقوا بعض المهمات العالمية خارج السفينة. من الجائز أن تكون سفينة حياتكم محملة بالبر الذاتي، أو محملة بالعناد، أو بمحبة العالم. وعندما تهزها الموجة تتزعزع. خففوا سفينتكم أيها الأخوة. ربما سمح الله أن يضرب السفينة لكي نلقى منها حقيبة البر الذاتي، وزكيبة الشهوات، ومقطف العناد... ارموا كل ما يعطلكم، ولا تبقوا داخلكم سوى محبة الله….. المرجع: موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت أن لم تصلح معك هذه الطريقة، ربما يرسل لك الرب حوتا ليبتلعك! وأنت تصرخ إلى الله وتقول : أنا يا رب لا أحتمل الحوت ولا الزوابع. أقل شئ يوصلني إليك. لتكن يدك علي، يدك لا عصاك… الناس يختلفون في مدى حساسيتهم وفي مدى استجابتهم لصوت الله. منهم من يشير إليه الله من بعيد، مجرد إشارة فيحن ويستجيب. منهم من أصابته أقل إصابة أو أقل لطمة، يتذكر خطاياه ويتوب، ويرجع إلى الله قبل أن يتطور الأمر إلى أسوأ. ومن الناس نوع لا يأتي ألا بالعنف وبالضربة الشديدة... فلا تلجئوا الله إلى استخدام الطرق العنيفة لاجتذابكم. أن استخدم الله معكم العنف، فأعلموا أن ذلك هو لمقابلة العنف الذى فيكم، العنف الذى في قساوة قلوبكم وعدم استجابتها لحنوا الله… أن أهل نينوى الذين خافوا من بعيد، لم يستخدم الله معهم العنف. وأهل السفينة الذين استطاعت مجرد الأمواج أن تغير قلبهم، لم يسمح الله مطلقا بإغراق سفينتهم. أما يونان الشديد العنف، فلم تكن تصلح له هذه اللمسات البسيطة. لقد كانت الأمواج تضرب السفينة، والسفينة تكاد تنكسر، والأمتعة يلقيها البحارة في البحر. وفي أثناء كل ذلك كان يونان قد "اضطجع ونام نوما ثقيلا "!! انه نوع لا تنفعه العقوبة الخفيفة…. في النوم الخفيف يمكن أن ترتب على الكتف أو تلمس الوجه فيصحو النائم. أما من نام نوما ثقيلا، فيحتاج إلى هزة عنيفة لتوقظه…. أخاف أن يكون قلوبكم من هذا النوع الثقيل…. الله يريد أن يوصلكم إليه فيا ليتكم تستجيبون إلى طرقه الهينة اللينة اللطيفة ولا تلجئوه إلى العنف… لعل بعضكم يعجب كيف تتفق الطرق العنيفة مع الله ووداعته؟ والجواب بسيط. أن الله يهمه مصيرك الأبدي، أكثر بكثير من حياتك على الأرض. وفي سبيل خلاصك، هو مستعد أن يعمل أي عمل ألهي مهما كان عنيفا، لكي يرجعك إليه. ونلاحظ أن عنف الله ممزوج بالرحمة والحنو، لأنه مجرد وسيله. فعندما أرسل الزوابع والأمواج إلى السفينة، لم يسمح أن تمس أحد داخلها. ولما أرسل حوتا ليبتلع يونان،لم يسمح للحوت أن يضره. هو يضرب أحيانا، ولكن على قدر احتمال الإنسان، وعلى قدر ما توصل إليه الضربة….. يبقى بعد كل هذا سؤال هام وهو: ما هي الطريقة التى تصلح لك، فيستخدمها الله لخلاصك؟ كن صريحا مع نفسك ومع الله. أن كنت لا تأتي آلا بضربة شديدة تصيبك، قل له " اضرب يا رب كما تشاء، ولا تشفق...المهم أن أصل إليك ".. وأن كانت التجارب والضيقات هي التي تقربك إلى الله قل له هكذا " أعترف لك يا رب أنني أن عشت في راحة، أنساك واتركك. وأن أحاطت بي الضيقات، أعيد صلتي بك… يكفى أن تسمح لي برئيس متعب، أو بمشكلة في البيت، أو بمرض، لكي تجدني تحت قدميك. وتجد قلبي معك". كن صريحا يا أخي مع الله، وتقبل كل تدابيره بفرح وشكر. ولكن أحترس من أن تقودك طرق الله إلى العكس… كانسان يرسل الله له ضيقة نافعة لخلاص نفسه، فيتخذها لهلاكه. يرسل الله له حوتا ليبتلعه، فبدلا من أن يصلى في جوف الحوت كما فعل يونان، يتذمر ويضجر ويجدف على الله.. مثل كثيرين نراهم كثير الشكوى من الله : لماذا فعل الله بي هكذا؟ لماذا يضطهدني ولماذا ينساني؟!. مساكين هؤلاء أن عصا الله التي يريد بها هدايتهم، يتخذونها للتذمر، ومعالجة الله لهم يقابلونها بالشكوى… أن أيمانهم ضعيف في عمل الله معهم وفي الثقة بحكمته… على أية حالات أن الله لا يتضايق من التفاهم معه. نحن الآن نتذكر صوم نينوى، ونعتبره صوم التوبة. فليتنا نتوب بأية طريقة، سواء طريقة أهل نينوى، أو طريقة ركاب السفينة أو طريقة يونان. ليتنا نتضرع إلى الله ونقول له " خسارة يا رب تعبك معنا هذه السنين كلها،أن ضاع بلا فائدة". اكمل عملك معنا،" ولا تضيع الطبخة من أجل مليم فلفل ". لقد تعبت في خلقنا وفي رعايتنا وفي فدائنا. فلا يضيع خلاصنا من أجل هذه التوبة، اكمل عملك، ليس فقط بمليم فلفل، بل حتى بمليم شطه… نريد أن يكون هناك فرح في السماء بتوبتنا، ولا نعطل أفراح السماء! أخذنا الآن درسين في معاملات الله : الأول أنه يبحث بنفسه عن الإنسان، والثاني انه مستعد من أجل خلاص الإنسان أن يستخدم العنف والعقوبة.. فما هو الدرس الثالث؟ أننا نتعلم من هذا السفر أيضا، أن الله مستعد أن يرجع عن تهديده. |
||||
27 - 09 - 2012, 10:17 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: كتاب تأملات فى سفر يونان للبابا شنودة " مكتوب "
كتاب تأملات في سفر يونان النبي - البابا شنودة الثالث 17- الله مستعد أن يرجع أن الله مستعد أن يرجع عن تهديده، إذا رجع الإنسان عن طرقة الخاطئة… الله ليس من النوع الذي يصر على كل حرف خرج من فمه " أنا قلت كلمة يعنى لازم تنفذ الكلمة مهما حدث "!! كلا، الله ليس من هذا النوع. ما أسهل أن يقول الكتاب أن الرب قد رجع عن حمو غضبه " وندم على الشر الذي قال انه يفعله بشعبه" (خر 32: 12، 14). وفي قصة أهل نينوى يكرر الكتاب نفس العبارة "ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه" (يون 3: 10). الذي ترفع عنه يونان ووجده ضد هيبته وكرامته، تواضع الله ففعله. يونان تضايق جدا، "واغتاظ حتى الموت " لأنه قال كلمة ولم تنفذ. والله صاحب هذه الكلمة لم يتضايق مثل يونان، بل فرح بتوبة أهل نينوى وخلاصهم… الله هو أسهل كائن يمكن أن تتفاوض معه. يكفى دمعة واحدة منك تذيب كل تهديداته وعقوباته، أن كانت دموعك صادقة ومن أعماقك يكفي أن تندم وتتوب، وتعترف وتطلب الحل، فينسى لك كل خطاياك التي تبت عنها " لا يعود يذكرها ". أن التعامل مع الله سهل. كثير من الناس يسألون ويقولون "وهل هذه الخطية يمكن أن يغفرها لي الله، وينسى لي أني فعلت كذا وكذا؟".. نعم يا أخي، أن التوبة مع الاعتراف والتناول تمحو جميع الخطايا، وتزيل كل نجاساتك " فتبيض كالثلج أو أكثر" "مز 51: 7"، "أش 1: 18". أن الله الحنون " نيره هين، وحمله خفيف " "متى 11: 30". المرجع: موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت انه مستعد أن يرجع عن تهديده، ويترك كل إنذاراته، بعكس الإنسان الصلب العنيف المعتز بكلمته. أن هيرودس الملك من أجل أنه قال كلمة، لم يستطع كملك أن يرجع في كلمته،مع أنه قالها في ساعة نشوة ولهو، حتى لو اضطرته الكلمة أن يقطع رأس يوحنا العظيم أما الله، ملك الملوك، فمع أنه قال كلمة عادلة إلا أنه لم يجد غضاضة في أن يتنازل عنها ما دامت قد أوصلت إلى غرضها، لآن توبة الناس كانت بعدل تستحق ذلك. انه درس أراد الله أن يلقنه ليونان، وكان يونان رافضا أن يستفيد منه. كان يونان يريد كلمة واحدة. أن قال أن تهلك المدينة فلابد أن تهلك، ولا تفاهم في ذلك. أما الدرس الرابع الذي نتعلمه من سفر يونان، فهو طول أناة الله وصبره. |
||||
27 - 09 - 2012, 10:18 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: كتاب تأملات فى سفر يونان للبابا شنودة " مكتوب "
كتاب تأملات في سفر يونان النبي - البابا شنودة الثالث
18- طول أناة الله لا شك أن الله طويل البال في كسب الخطاة. ولا ييأس من أحد مهما كان متعمقا في شره. لم ييأس من نينوى المدينة الفاسدة الشريرة الوثنية التي لا تعرف يمينها من شمالها. ولم ييأس من يونان العنيف الصلب، المقاوم لإرادة الله، المتمسك بكلمته، الذي لا يهمه خلاص أكثر من 120 ألف نسمة في سبيل أن كلمته لا تنزل إلى الأرض ولم ييأس من أهل السفينة الذين يعبدون آلهة كثيرة… أن الله باله طويل في كسب الخطاة، ويرى أن الذي لا يتوب اليوم فقد يتوب غدا، والذي لا يتوب الآن فقد يتوب فيما بعد.. يونان يرفض أن يذهب إلى نينوى، ويأخذ سفينة ويهرب. أما الله فيطيل أناته على يونان. سأصبر عليك يا يونان حتى تذهب أخيرا. أن لم تذهب إلى نينوى في هذه المرة، فلابد أنك ستمضي إليها في المرة المقبلة. مهما هربت مني، فسأظل أتتبعك حتى ترجع. أن كنت تدخل إلى سفينة فسأدخل معك. أحيط بك من كل ناحية. تنزل إلى البحر،معك أيضا. تدخل إلى بطن الحوت،معك أيضا. أضع عيني عليك في كل موضع، حتى ترجع. لا تظن أن العالم ينجح في أن يجعلك تهرب مني، أو أن عنادك يمنعني عنك، أو يمكنك من أن تبعد عني. حقا ما أجمل قول داود النبي : " أين أهرب يا رب من روحك؟ ومن وجهك أين أختفي؟" (مز139: 7). أن الإنسان صعب جدا في معاملاته. أحيانا نغضب بسرعة من أصدقائنا، ومن أقل تصرف نقطع علاقاتنا بهم، وننسى محبتهم القديمة ومحبتنا لهم. صدورنا تضيق بسرعة ولا تحتمل. وعمل واحد للناس يجعلنا نحكم على حياتهم كلها حكما قاسيا ولا نرجع فيه. أما الله فليس كذلك، انه لا يتخلى عن أحبائه بسرعة مهما أخطأوا.. المرجع: موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت لو أن واحد فينا سأله الله أن يبدى رأيه في موضوع يونان، لقال له: ولماذا تتمسك يا رب بيونان وهو على هذه الحال؟ لقد جربته فوجدته مخالفا متمسكا بكلمته. استخدم شخصا آخر. هل لا يوجد عندك غيره ؟! عندك كثير بلا شك. انك قادر أن تقيم من الحجارة أولادا لإبراهيم "متى 3: 9 " اترك يونان هذا الذى خالفك، والذي لم يستطيع أن يطاوعك كما طاوعتك الدودة حينما أمرتها أن تأكل اليقطينة. لقد كانت الدودة أفضل منه!! أما هو فوقف ضد أمرك... أتراه يريد أن ينفذ مشيئته عليك؟! ما معنى انه يصر على أن تميت أكثر من 120 آلف نسمة قد تابوا ورجعوا إليك. لا تلتفت إلى هذا النوع. هناك كثيرون أكثر طاعة منه وأكثر خضوعا لك وإخلاصا!!…. أما الله فانه يصبر على يونان المخالف العنيد، ويطيل أناته عليه حتى يصلحه، ويقنعه ويفهمه الطريق الصحيح، ويقيمه نبيا عظيما، ويجعله رمز له في الموت والقيامة، ويجعل سفرا مقدسا في الكتاب يحمل أسمه ويقيم له في كنيسته تذكرا أبديا، وتراتيل ومدائح في تمجيده… هذا هو عمل الله مع أولاده، تبارك اسمه.. وتبدو طول أناة الله أيضا، في مهلة الأربعين يوما التى قدمها لآهل نينوى، فلم يأخذهم بأخطائهم فجأة وانما أعطاهم زمانا للتوبة.. عظة أخرى نأخذها من سفر يونان وهي أن الله للجميع. |
||||
27 - 09 - 2012, 10:19 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: كتاب تأملات فى سفر يونان للبابا شنودة " مكتوب "
كتاب تأملات في سفر يونان النبي - البابا شنودة الثالث 19- الله.. للجميع من صفات الله الجميلة انه يأخذ جميع عينات الناس، ويجعل لهم نصيبا في ملكوته. وفي الكتاب المقدس نجد ألوانا من النفسيات والعقليات.... ملكوت الله مثل شبكة في البحر جمعت من كل نوع... دعا يونان العنيد المتمسك بكلمته، كما دعا آنسانا كثير الشك مثل توما، وأنسانا سريع الاندفاع مثل بطرس. دعا شخصا حليما وديعا مثل موسى، وشخصا ناريا مثل أيليا. دعا إبراهيم الذي كان يخاف، ويقول عن سارة انها أخته، وجعله أبا لجمهور المؤمنين. أنها عينات من الناس يأخذها الله ويعمل فيها بنعمته وروحه القدوس. أنها عينات من الناس كأنها كتله من الخشب الخام، يتناولها" أبن النجار" ويعمل فيها. عرق خشب، جزء منه يأخذه بالفارة، وجزء بالمنشار، وجزء بالشاكوش. وهكذا يظل ينشره ويمسحه، ويقطعه ويفصله، ويسمره، حتى يتحول إلى كرسي لطيف يستريح عليه. أو كأننا قطعة من الطين يتناولها الخزاف العظيم، ويشكلها حتى تصبح إناءا للكرامة. أنه الله الذي كان روحه يرف على وجه المياه، وظل يعمل حتى حول الأرض الخربة الخالية المغمورة بالمياه والظلام، إلى هذه الطبيعة الجميلة التي يتغنى بجمالها الشعراء والأدباء. هكذا فعل الله مع يونان، ومع أهل نينوى، ومع ركاب السفينة…. عمل فيهم جميعا حتى حولهم إلى هياكل مقدسة لروحه، ومنحهم النقاوة والقداسة، حتى يكون فضل القوة لله وليس لنا "2كو 4: 7 ". وحتى أن افتخر أحد فليفتخر بالرب "2كو10: 17". وحتى لا ييأس أحد من خلاصه أو خلاص غيره… أنه الله الذي "يخرج من الجافي حلاوة" "قض14: 14". المرجع: موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت فلا يقل أحد: أن طبيعتي رديئة، أسوأ من الأرض الخربة الخالية المغمورة بالمياه والظلام. أنا جربت نفسي فوجدت أنني لا أتغير، وقد تعبت في إصلاح أباء الاعتراف وكل المرشدين والمعلمين. الظاهر أنني سأبقى في ظلمة ما قبل اليوم الأول للخليقة لآن صوت الله ما يزال يرن في أذني طوال 20 سنة قائلا " ليكن نور" وأنا ما أزال في ظلمتي بعد….! كلا يا أخي لا تيأس، أن الذي عمل في يونان قادر أن يعمل فيك أيضا. والذي عمل مع أهل نينوى وأهل السفينة، قادر أن يعمل معك أيضا. والذي حول الطين إلى آنية للكرامة، قادر يحولك أنت كذلك.. أصبر، وانتظر الرب. ولكن ليس معنى هذا أن نتهاون ونتراخى وتستمر في الطين حتى يأتي الخزاف. أن التوبة تحتاج إلى أمرين: عمل من الله، واستجابة من الإنسان. كما استجاب لدعوة الله أهل السفينة فآمنوا ونذروا نذرا، وكما استجاب أهل نينوى، فتابوا ورجعوا عن طرقهم الرديئة، وكما استجاب يونان أخيرا… درس أخر نتعلمه من سفر يونان، وهو أن الله على الرغم من عظمته التي لا تحد، يحب أن يتفاهم مع الإنسان… |
||||
|