04 - 02 - 2014, 04:12 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الرجوع إلى الله لقداسة البابا شنودة الثالث
الله يريد رجوعك إعرف يا أخي حقيقة هامة وهي: إن الله يريد رجوعك إليه، أكثر مما تريد أنت.. فقد يكون الإنسان الخاطئ غافلًا عن خلاص نفسه، لا يفكر أن يرجع إلي الله. أو قد يكون ملتذًا بالخطية، راغبًا في البقاء فيها، شاعرًا إن الرجوع إلي الله سيحرمه من كل ملاذه.. وفي كل ذلك يكون الله في سعي مستمر إرجاع هذا الخاطئ إليه. بكافة الطرق. وقصص سعي الله وراء الخطاة كثيرة جدًا.. ذكر منها في الأصحاح 15 من الإنجيل لمعلمنا لوقا البشير، قصة الخروف الضال، وقصة الدرهم المفقود. وذكر إنجيل يوحنا سعي الله لرد المرأة السامرية في وقت لم تكن تفكر فيه إطلاقًا أن تلتقي معه.وكذلك وقوف الله علي الباب وهو يقرع، يطلب من النفس أن تفتح له.. وما لي أذهب بعيدًا.. إن كل رسالات الأنبياء تتركز حول هذا الموضوع هو رغبة الله في رجوعنا إليه.. وليس مجرد الرغبة.. وإنما العمل علي ذلك أيضًا. وهنا نسأل: إن كان رجوعنا إلي الله، مفرحًا لله، والله يريده ويسعى إليه، ونحن أيضًا نريده.. فكيف إذن نرجع إليه؟ أتسأل: كيف أرجع إلي الله؟ إن الصلاة هي الوسيلة الفعّالة التي ترجعك إلي الله. |
||||
04 - 02 - 2014, 04:15 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الرجوع إلى الله لقداسة البابا شنودة الثالث
الله هو وسيلة الرجوع أسكب نفسك أمام الله وقل له: أنا أريدك. أريد أن أرجع إليك. فانتشلني مما أنا فيه، واجذبني إليك مرة أخري. أنا بدونك لا شيء. لقد فقدت حياتي حينما فقدتك. فقدت لذتي وسعادتي. وأصبحت حياتي بلا طعم.. أنا يا رب أريد أن أرجع إليك. ولكن "أعدائي قد اعتزوا أكثر مني". إنهم "يتهللون إن أنا زللت" (مز 12). "وكثيرون يقولون لنفسي ليس له خلاص بالهه" (مز 3). لقد فقدت قوتي لما بعدت عنك، فأعطني قوة من عندك. أعطني المعونة الإلهية التي بها أرجع إليك. إلق نفسك أمام الله، صارع معه. وقل له: سوف لا أقوم من ههنا، إلا وقد أخذت منك بركة خاصة، وشعرت أنك أرجعتني إليك وحسبتني من أولادك. لست أريد فقط أن تغفر لي خطيتي، إنما أريد أن تنزع من قلبي كل محبة للخطية علي الإطلاق.. لا استطيع أن أرجع إليك، ومحبة الخطية في قلبي. فماذا أفعل؟ هل أنتظر إلي أن تزول محبة الخطية من قلبي، ثم أرجع إليك؟ بينما لا يمكن أن أتخلص منها إلا بك..! ها أنا اَتيك بخطيتي كما أنا. وأنت الذي تنزعها مني. لو كنت أقدر أن أترك محبة الخطية، لرجعت إليك منذ زمان. فخلصني أنت منها، لتقودني في موكب نصرتك. إنزع محبتها من قلبي، وإنزع سيطرتها من إرادتي.. "انضح علي بزوفاك فأطهر، وأغسلني فأبيض أكثر من الثلج"، كما أعطيتني يا رب الوصية، أعطني القوة علي تنفيذها.. صدقوني يا أخوتي، إن الإنسان الناجح في صلاته، هو الإنسان الناجح في توبته.. وصدق مار إسحق قال: [إن الذي يظن أن هناك طريقًا اَخر للتوبة غير الصلاة، هو مخدوع من الشياطين]. ذلك لأنك بالصلاة، تأخذ القوة التي ترجع بها إلي الله. لذلك أغصب نفسك علي عمل الصلاة، أكثر من أي عمل روحي اَخر وفي صلاتك صارع مع الله. جاهد معه وناقشه، حتى وأنت في خطيئتك التي تريد التخلص منها. صمم في صلاتك، أن تأخذ من الله القوة لترجع إليه.. البعض يظن أنه في صلاته يعطي..! يعطي الله كلامًا ووقتًا ومشاعر. بينما الصلاة في عمقها هي عملية أخذ. تشعر فيها أنك قد أخذت من الله متعة روحية، وبركة، وقوة ومعونة، وقدسية في الحياة. بل يكفي أنك أخذت في وقت الصلاة صلة به.. |
||||
04 - 02 - 2014, 04:18 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الرجوع إلى الله لقداسة البابا شنودة الثالث
انتظر في صلاتك حتى تأخذ والله مستعد أن يسمع لصلاتك ويعطي، ولكن المشكلة هي: إن كثيرين لا ينتظرون في صلواتهم، حتى يأخذوا..! الواحد منهم يقول كلمتين في صلاته، ثم يسأم بسرعة، ويمل البقاء في الصلاة، ويمضي دون أن يأخذ شيئًا..!! والله ينظر إلي هذا (المصلي) كيف مضي هكذا سريعًا ولم ينتظر ليأخذ، ولو وعدًا، ولو عزاء. إمسك بالله إذن. وقل له لا أتركك.. لا أتركك حتى أشعر أنك قبلتني إليك، وأرجعني إليك وإلي محبتك.. الصلاة تحتاج إلي طول بال. تحتاج إلي صراع مع الله، تثبت به أنك جاد في طلبتك، وجاد في طلب التوبة، وفي طلب المعونة للرجوع. بحيث إن استجاب الله وأعطاك قوة، سوف تستخدمها حسنًا ولا تهملها.. ناقش الله - بدالة - في صلاتك وقل له: هل يفشل الضعفاء في الوصول إلي ملكوتك يا رب؟ هوذا أنا ضعيف، عاجز بذراعي البشري عن الوصول، فامسك أنت بيدي ولا تتركني لضعفي. واغسلني وطهرني، كما غسلت وطهرت غيري.. ألم تقل "اسألوا تعطوا" (مت 7: 7). هوذا أنا أسأل ألم تقل " كل ما طلبتموه من الآب بإسمي يعطيكم" (يو 16: 23)؟ هوذا أنا أطلب. أنا يا رب سأتمسك بجميع وعودك، وأطالبك بها.. علي الأقل سأتمسك منها بقولك".. أعطيكم قلبًا جديدًا وأجعل روحًا جديدة في داخلكم. وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم. وأجعل روحي في داخلكم. وأجعلكم تسلكون في فرائضي، وتحفظون أحكامي، وتعملون بها" (مز 39: 26، 27). أين هذه الوعود بالنسبة إلي أنا يا رب؟ هوذا أنا واقف هنا، ممسكًا بقرون المذبح.. الذين يصلون دقيقتين ثم يمضون، أنا لست واحدًا منهم. أنا مرابط لك هنا يا رب. لن أترك صلاتي، حتى أخرج منها وقد أنعمت علي بالتوبة وأرجعتني إليك. ومع ذلك أغفر لي يا رب جرأتي، فأنا إبن صغير لك، وإن كنت قد ضللت عاملني كإبن صغير لا يعرف شيئًا. وأنت - كأب شفوق تعرف كيف تعطي أولادك عطايا حسنة (مت 7: 11). هكذا جاهد مع الله، باللجاجة، بالتذلل، بطول الأناة، بدالة، بالبكاء، بالنقاش، باية الوسائل.. حتى تأخذ.. بمثل هذا الصراع، ثق أنك ستأخذ من صلاتك، او في صلاتك عزاء وحرارة، وتشعر أن موضوع الإنفصال عن الله قد إنتهي تمامًا وأنك لم تكن تكرر الكلام باطلًا كالأمم إنما كنت تسكب نفسك سكيبًا أمام الله، كما فعلت حنة أم صموئيل. كانت تصلي صلاة، وتبكي بكاء، وتنذر نذرًا. ولم تخرج من الهيكل إلا وقد أخذت وعدًا، بأن الرب قد أعطاها سؤل قلبها (1 صم 1: 10، 17). هكذا أنت، لا تخرج من صلاتك، إلا وقد كونت علاقة جديدة مع الله، ورجعت إليه. وطبيعي، ليس ممكنا لك - بعد صلاة كهذه - أن تترك الصلاة وتخطئ إلي الله! ستخجل لا بد من صلاتك، ومن قولك لله: لا أتركك.. وهكذا فإن الصلاة تعلم التوبة، وتقود الإنسان في الرجوع إلي الله وإلي محبته.. ولكنك لعلك تقول: ليست لي الحرارة التي أصلي بها. |
||||
04 - 02 - 2014, 04:19 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الرجوع إلى الله لقداسة البابا شنودة الثالث
اطلب الحرارة الروحية من الله نصيحتي لك أن تصلي كما أنت وقل له: سامحني يا رب إن كنت أصلي بدون حرارة. فإنا أصلي بالفراغ الذي في قلبي. وأنت الذي تعطيني الحرارة. وأنت الذي تسكب نارك المقدسة في قلبي.. خذ صلاتي كما هي، بنقصها، فالأمور لا تبدأ كاملة. والكمال هو من عندك. أنا أصلي، ولو بدون روح! وأنت تمنحني الروح من عندك. هل أخطي وأقول لك يا رب، إنني بذراعي البشري وبإرادتي المنحلة، سأتحول إلي إنسان روحي! كلا، إنما بقوتك، وبركتك، ونعمتك، وروحك القدوس، ساصير في الصورة التي تريدها لي، بقيادتك أنت: تمسك يدي، وتقودني خطوة خطوة، كما تقود طفلًا صغيرًا يتعلم المشي.. أريدكم أن تصلوا هكذا، وتأخذوا من الرب. وإنصتوا في صلواتكم إلي صوت الله، يتكلم في قلوبكم. كما قال داود في مزموره "إني أسمع ما يتكلم به الرب الإله، لأنه يتكلم بالسلام لشعبه ولقديسيه، وللذين رجعوا إليه بكل قلوبهم" (مز 84). كان يبدأ المزمور بالطلب، ويشعر بالإستجابة، فيهنيه بالشكر.. يقول "يا رب لا تبكتني بغضبك ولا تبكتني بسخطك". ولكنه في نهاية المزمور، يقول "ابعدوا عني يا جميع فاعلي الإثم. فإن الرب قد سمع صوت بكائي. الرب سمع تضرعي. الرب لصلاتي قبل" (مز 6). هذه الصلاة، هي التي تشعر بها أن الحاجز المتوسط، الذي بينك وبين الله قد زال.. وتشعر أن ملائكة صاعدون علي السلم الإلهي بصلاتك، ونازلون ومعهم ما تطلب (تك 28: 12). تشعر بيد الله تمتد، لتمسح كل دمعة من عينيك. وتتحقق فيك طلبة داود النبي في المزمور الكبير "لتدخل طلبتي إلي حضرتك" (مز 119).وهكذا تشعر أن واحدًا من الأربعة والعشرين كاهنًا، قد أخذ صلاتك، ووضعها في مجمرته الذهبية، وأصعدها بخورًا زكيًا إلي عرش الله (رؤ 5: 8). تشعر أن واحدًا من السارافيم، قد أخذ جمرة من علي المذبح، ومسح بها شفتيك، وقال لك: قد إنتزع إثمك (اش 6: 6، 7). نعم بمثل هذه الصلاة، يمكنك أن ترجع إلي الله.. فلنصرخ إذن إليه ونقول "أرددنا يا إله خلاصنا" (مز 85: 4). "أردد سبينا مثل السيول في الجنوب".. حينئذ "يمتلئ فمنا فرحًا ولساننا تهليلًا "ونقول: "عظم الرب الصنيع معنا فصرنا فرحين" (مز 126: 4، 2،3). |
||||
04 - 02 - 2014, 04:22 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الرجوع إلى الله لقداسة البابا شنودة الثالث
الضيقة سبب للرجوع إلى الله ليست كل الضيقات التي تصيبنا من نوع واحد: فهناك ضيقات تصيب الإنسان، كصليب يحمله لأجل الله، وينال إكليله، كما حدث للرسل ورجال الإيمان (عب 11: 36، 37). وضيقات أخري تكون لإختبار الإيمان، أو لتعلمنا الصلاة (يع 5: 13). أو لنقدم بها مثالًا للصبر كما حدث لأيوب (يع 5: 11). وهناك ضيقات هدفها أن يشعر الإنسان بضعفه، فيتضع كما حدث للقديس بولس "لئلا يرتفع من فرط الإعلانات" (2 كو 12: 7). وهناك ضيقات أخري تأتي من تخلي النعمة بسبب خطايانا.. وعن هذا النوع أود أن أكلمكم اليوم.. (القيت هذه المحاضرة في الكاتدرائية مساء الجمعة 19/8/1977 م). و هذه الضيقات التي تأتي نتيجة للتخلي، لا يمكن أن تزول عن طريق الذراع البشري أو الحكمة البشرية. فهي لا تجد حلًا، إلا بوسيلة واحدة، وهي قول الرب لنا: "إرجعوا إلي، أرجع إليكم" (ملا 3: 7). فإن رجع الإنسان إلي الله بالصلاة والصوم والتذلل، وإن رجع إليه بالتوبة الصادقة. حينئذ يرجع الله إلي هذا التائب، وتعود النعمة إليه كما كانت في القديم، وتنتهي فترة التخلي، فتنتهي الضيقة تبعًا لذلك، إذ قد زالت أسبابها. وما أكثر الأمثلة التي توضح ذلك، في سفر القضاة.. يقول الكتاب "فعل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب، وعبدوا البعليم. وتركوا اَبائهم.. وساروا وراء اَلهة أخري من اَلهة الشعوب الذين حولهم، وسجدوا لها.. تركوا الرب، وعبدوا البعل وعشاروت. فحمي غضب الرب علي إسرائيل، فدفعهم بأيدي ناهبين نهبوهم، وباعهم بيد أعدائهم حولهم. ولم يقدروا علي الوقوف أمام أعدائهم.." (قض 2: 11 - 14). لم يقدروا علي الوقوف، لأن يد الرب لم تعد معهم.. لما كانت يد الرب معهم، شق لهم البحر الأحمر، وأغرق فرعون وجنوده.وفجر لهم من الصخرة ماء. وضرب عوج ملك بشان، وسيعون ملك الأموريين، ولك شعوب الأرض.. في هذه المرة، دفعهم إلي أيدي أعدائهم، فلم يقدروا عليهم. ووقف أمامهم قول الرب: "إرجعوا إلي، أرجع إليكم". وكانوا حينما يصرخون إلي الرب، يسمع بكائهم، ويخلصهم.. ومن أعمق حنو الرب، حتى في فترة تخليه. إذ يقول عنه الكتاب إنه عاد "وخلصهم من أيدي أعدائهم.. لأن الرب ندم من أجل أنينهم بسبب مضايقيهم وزاحميهم" (قض 2: 18). إذن في كل ضيقاتك، لا تقل: ماذا أفعل بأعدائي الذين قدروا علي؟ إنما قل: هل يد الله معي أم لا؟ هل أنا تركت الله، فتركتني نعمته، كما كانت معي في القديم؟ وإنصت إلي قول الرب "إرجعوا إلي، أرجع إليكم". وبسرعة إرجع إلي الرب، تجد المعونة الإلهية قد رجعت إليك، وجعلتك - كما حدث لإرميا - "مدينة محصنة، وعمود حديد، وأسوار نحاس.. فيحار بونك، ولا يقدرون عليك. لأني أنا معك - يقول الرب - لأنقذك" (أر 1: 18، 19). |
||||
04 - 02 - 2014, 04:26 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الرجوع إلى الله لقداسة البابا شنودة الثالث
أمثلة من ضيقات أعادت إلى الله في الكتاب المقدس والقصة في سفر القضاة تتكرر.. أخطأ الشعب وفعلوا الشر، وعبدوا البعليم، فباعهم الرب بيد كوشان ملك اَرام (قض 3: 8) فصرخوا إلي الرب، فأقام لهم مخلصًا فخلصهم. كان عليهم روح الرب. ودفع الرب ليده كوشان.. "وإستراحت الأرض أربعين سنة" (قض 3: 19: 11). في كل مرة كانت تشتد عليهم الضيقة، كانوا يرجعون إلي الله، فيرجع ويخلصهم. ثم يرجعون إلي خطاياهم وإلي عبادة الأصنام، فتعود ضيقاتهم. ويصرخون إلي الرب فيرجع ويخلصهم. ونسير مع التاريخ، فنسمع عن السبي إلي بابل وأشور.. كان أيضًا بسبب الشر وعبادة الأصنام. وبكي أولاد الله علي أنهار بابل، وعلقوا قيثاراتهم علي أشجار الصفصاف (مز 137). وفيما هم مسبيون، كانت ترن في اَذانهم عبارة "إرجعوا إلي، فأرجع إليكم". وظهر في السبي قديسون مثل دانيال النبي، والثلاثة فتية، وحزقيال النبي. وظهر رجال إيمان لهم غيرة مقدسة مثل نحميا وعزرا وزر بابل.. ورجع الرب عن حمو غضبه، ورد سبي شعبه.. وكيف رجع الرب إليهم؟ ورجع بدموع نحميا وعزرا.. لما سمع نحميا أن سور أورشليم منهدم، وأبوابها محروقة بالنار، إلتهب قلبه، وقال "جلست وبكيت، ونحت أيامًا وصليت.. وقلت أيها الرب.. أنا وبيت ابي قد أخطانا، وقد أفسدنا أمامك.. يا سيد، لتكن أذنك مصغية إلي صلاة عبدك.." (نح 1: 3 - 11). ورجع الرب. وأعطي نعمة لنحميا في عيني كورش ملك فارس. واستطاع أن يبني أسوار أورشليم. وعزرا: بكي بسبب أخطاء الشعب، ومزق ثيابه.. وفي وقت المساء، قام من تذلله، وجثا علي ركبتيه في ثيابه الممزقة، وبسط يديه إلي الرب وقال: اللهم إني أخجل وأخزي من أن أرفع يا إلهي مجهي نحوك. لأن ذنوبنا قد كثرت فوق رؤوسنا، واَثامنا تعاظمت إلي السماء.. قد جازيتنا يا إلهنا أقل من اَثامنا، وأعطيتنا نجاة كهذه. وأفنعود ونتعدي وصاياك..؟!.. أيها الرب.. أنت بار، لأننا بقينا ناجين إلي هذا اليوم" (عز 9: 3 - 15). وصار عزرا وصام الشعب معه (عز8: 21). وبكي، وأبكي الشعب معه بكاء عظيمًا (عز 10: 1).وسمع الرب وعاد إلي شعبه. واستطاع عزرا بصومه وصلاته وبكائه، أن يرجع الشعب كله إلي الله، ويرجع الله إلي الشعب. في القصص السابقة، خطية الشعب كله أغضبت الله، فتخلي عنهم. وصلاة وبكاء إنسان واحد، أرجعت الله إلي شعبه.. وقد تكون خطية إنسان واحد هي سبب الضيقة كلها، مثل خطية عخان بن كرمي (يش 7). ومثل هروب يونان من الله (يو 1). إذن إرجع إلي الله، ليس من أجل نفسك فقط، إنما أيضًا من أجل كل المحيطين بك.. وفي كل تعب يحيط بك وبهم، فكر أن ترجع إلي الله.. لا تفكر في الأناس المتعبين المحيطين بك، إنما فكر في نفسك أنت، في علاقتك بالله، في رجوعك إليه.. وثق أن أقسي الأعداء وأشدهم بطشاَ، لا يحتملون عينًا طاهرة، مبللة بالدموع، مرتفعة إلي الله.. ولا يحتملون قلبًا نقيًا يتكلم مع الله، ولا أيادي طاهرة مبسوطة أمامه.. إن علاقتنا مع الناس، مجرد علاقات جانية سطحية.. المهم كله هو في علاقتنا مع الله. أما علاقاتنا مع الناس، فهي مجرد نتيجة لعلاقتنا مع الله.. تتغير، بتغير العلاقة معه.. أيوب الصديق أخذ السبئيون بقره وأتنه، وأخذ الكلدانيون جماله (أي 1: 14 - 17) فلم يقل أنهم أخذوها، إنما قال "الرب أخذ" (أي 1: 21). إرجع إذن إلي الله، فيرد لك كل شيء.. إن رجعت إلي الله، لا يقوي عليك الشر، ولا الأشرار. ليس فقط لا يقوي عليك أعداؤك الذين يتهللون إن أنت سقطت (مز 12). وإنما حتى الشياطين لا يقدرون عليك، مهما أحاطوا بك مثل النحل حول الشهد والتهبوا كنار في شوك (مز 117). فكما قال داود "مرارًا كثيرة حاربوني منذ صباي.. مرارًا كثيرة قاتلوني منذ شبابي.. وإنهم لم يقدروا علي" (مز 129). ولا خطية ولا شهوة، تقدر عليك.. لأن الرب معك. يعطيك القوة والمعونة، ويقودك في موكب نصرته (2 كو 2: 14). أما إن تخلت عنك النعمة، فإن أقل فكر بقدر عليك، وتضعف مقاومتك. حينئذ تسمع قول الرب في أذنيك "إرجعوا إلي، أرجع إليكم "لذلك ارفع قلبك إلي الله، وإرجع إليه، لترجع إليك القوة. ما معني عبارة "أرجع إليكم"؟ معناها: أرجع إليكم بكل قوتي ومعونتي. وأرجع إليكم بكل حبي. ونعود كما كنا. كأن خطاياكم لم تكن "لا أعود أذكرها بعد" (أر 31: 34). وبإختصار: أرجع إليكم أي أصطلح معكم.. |
||||
04 - 02 - 2014, 04:32 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الرجوع إلى الله لقداسة البابا شنودة الثالث
الخطية توجِد خصومة مع الله "نسعي كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا" نطلب عن المسيح: "تصالحوا مع الله" (2 كو 5: 20) فالإنسان الخاطئ هو إنسان يقاوم الله: يتحداه ويكسر وصاياه. ويترك مشيئة الله، لينفذ مشيئته الخاصة، مستقلًا عن الله، منفصلًا عنه. يحب الخطية أكثر منه، مهما إدعي بلسانه أنه يحب الله! الخاطئ يهرب من الله. لا يحب الحديث معه. وإن وقف يصلي، ينطبق عليه قول الرب "هذا الشعب يكرمني بشفتيه. أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (مز 7: 6). وهكذا تكون صلاته، بغير حب، بغير عاطفة، بغير روح، ربما لمجرد تأدية واجب، أو للرضي عن النفس. الخاطئ لا يتحدث كثيرًا عن الله. ولا يشعر بدالة معه. هو غريب عنه. وقد أوجدت الخطية حاجزًا متوسطًا، بينه وبين الله.. وقد تتطور الخطية من مستوي الخصومة، إلي العداوة. وفي ذلك يقول القديس يعقوب الرسول إن "محبة العالم عداوة لله" (يع 4: 4). ويقول القديس يوحنا الإنجيلي "إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب" (1 يو 2:15). ولأن الخطية خصومة مع الله، نبدأ قداساتنا بصلاة الصلح.. فقبل أن نرفع الإبرسفارين، لنصلي قداس القديسين، نصلي صلاة الصلح، لأنه ينبغي أن نصطلح مع الله والناس أولًا، قبل أن نصلي، وقبل أن نتقدم إلي السرائر المقدسة. وهكذا نخاطب الله الإبن في القداس الغريغوري قائلين "صرت لنا وسيطًا لدي الآب. والحاجز المتوسط نقضته. والعداوة القديمة هدمتها. وصالحت الأرضين مع السمائيين".. إن أبشع ما في الخطية، كونها موجهة ضد الله نفسه: وقد كان داود النبي يدرك هذه الحقيقة جيدًا، لذلك قال للرب في مزمور توبته (مز 50): "لك وحدك أخطأت، والشر قدامك صنعتُ".. لا شك أن داود كان قد أخطأ إلي أوريا الحثي، وإلي بثشبع زوجة أوريا. كما أنه أخطأ إلي نفسه، إلي عفته وطهارته، وإلي أبديته..ومع ذلك فإن كل ذلك لم يكن هو الشيء الرئيسي أمام عينيه، قال للرب: "لك وحدك أخطأت".. ذلك لأن الخطية هي في أصلها ضد الله، ضد وصاياه، وضد محبته.. ونتيجة لذلك ضد الآخرين. ويوسف الصديق، أدرك نفس هذه الحقيقة، فقال كذلك: كيف أصنع هذا الشر العظيم، وأخطي إلي الله؟! ولم يقل: أخطئ إلي فوطيفار، أو إلي زوجة فوطيفار.. إنما قال "أخطي إلي الله".. (تك 39: 9). ذلك أن الخطية هي عصيان لله ومخالفة، وعدم محبة له، وطرد له من القلب، وتمرد عليه وإستهانة بوصاياه.. ولهذه السباب كلها خاف اَدم بعد سقوطه، واختبأ من وجه الله، لأنه عرف أنه بالخطية قد أغضب الله.. نعم إننا بالخطية، نحزن روح الله القدوس (أف 4: 30). النتيجة الأولي للخطية هي إغضاب الله. والثانية هلاك الإنسان.. وللخلاص من النتيجة الأولي، كانت تقدم المحرقات (لا 1). وللخلاص من النتيجة الثانية، كانت تقدم ذبائح الخطية والإثم (لا 3). وقد جاء السيد المسيح ليقدم بنفسه عمل هاتين الذبيحتين: فيصالح قلب الآب الغاضب، كذبيحة محرقة. ويخلص الإنسان الهالك، كذبيحة خطية. ولعل مما يؤلم قلب الإنسان جدًا، ليس فقط إنه أخطأ إلي الله وإنما بالأكثر أنه دخل في خصومة مع الله. وأصبح الله غير راضٍ عنه.. ذبيحة المحرقة، كانت لمصالحة الله، لإرضاء قلبه الغاضب.. لذلك كانت أولي الذبائح في شريعة موسي. وقد ذكرت في الأصحاح الأولي من سفر اللاويين. وقيل إن مقدمها يقدمها "للرضا عنه أمام الرب" (لا 1: 3). وثلاث مرات قيل عنها في نفس الأصحاح إنها "رائحة سرور الرب" (لا 1: 9، 13، 17). ولأن الغرض منها كان محددًا في هذه النقطة وحدها، وهي إرضاء الله، وإيفاء عدله. وليس غرضها خلاص الإنسان (الذي تمتثله ذبيحة الخطية)، لذلك لم يكن أحد يأكل منها، كما كان يفعل في ذبيحة الخطية. وإنما كانت تأكلها النار كلها، حتى تتحول إلي رماد (لا 5: 8: 13). والنار تمثل العدل الإلهي. وكأن مقدم المحرقة يقول للرب أثناء تقديمها: ليس ما يهمني الآن هو خلاصي، إنما يهمني رضاك.. من أنا - التراب الرماد - حتى أقدم أولي الذبائح عن نفسي؟! أخلص أولا أخلص، ليس هذا هو الأمر الذي نضعه في الدرجة الأولي.. إنما قبل كل شيء، قلبك أنت يا رب، يكون راضيًا عني وأفعل بي بعد ذلك ما تشاء. أنا أخطأت إليك. وأريد أن اصالحك. وبعد أن اصالحك يأتي طلب المغفرة. ومن غير أن أطلب، أنت ستغفر. إنه شعور الإبن، الذي يهمه قبل كل شيء إرضاء أبيه. وليس شعور العبد، الذي كل إهتمامه في التخلص من العقوبة.. فهل لديك هذا الحرص علي إرضاء أبيك السماوي ومصالحته ظ وهل تسعي لتصطلح مع الله، أم تفعل مثلما فعل اَدم إذ هرب من الله واختبأ منه..؟! أم أنت تقول كما قال أيوب الصديق "ليس بيننا مصالح، يضع يده علي كلينا" (أي 9: 33). هل تشعر أن الخطية قد أبعدتك عن الله، واوجدت خصومة بينك وبينه؟ إني أقول لك ما هو أكثر: الخطية خيانة لله. |
||||
04 - 02 - 2014, 04:34 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الرجوع إلى الله لقداسة البابا شنودة الثالث
الله يصالحنا كل الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله إلي العالم. ماذا كان عملهم سوي: إقامة صلح بين الله والناس.. أنظروا إلي القديس بولس الرسول، إذ يقول: "نسعى كسفراء للمسيح، كأن الله يعظ بنا.. "نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله" (2 كو 5: 20). إذن فالسيد المسيح، هو الذي يرسل هؤلاء السفراء إلينا، طالبًا منا أن نصطلح معه.. ما أعجب هذا الحب! ربما يكون من الصعب عليك أن تذهب إلي شخص لتصطلح معه، وأنت لا تعرف هل يقبل منك الصلح أم لا. أما هنا، فإن الله هو الذي يريد الصلح، ويطلبه، ويرسل من أجله رسلًا، ويعمل فيه بنعمته وبروحه القدوس.. ويقول للبشرية "هلم نتحاجج.." (أش 1: 18). وليس هذا فقط، بل يسعي حتى لمصالحة المعاندين والمقاومين. ويقول: "مددت يدي طول النهار، لشعب معاند ومقاوم" (رو 10: 21). تصور إن الله يمد يده طول النهار طالبًا مصالحة هؤلاء المعاندين. وعبارة (طول النهار) تعني طول أناته، وطول إنتظاره، فهو لا يمل من السعي لمصالحة الخطاة.. هو الذي ينظر إلي قلبك ويقول: "ها هو موضع راحتي إلي أبد الأبد. ههنا أسكن لأني أشتهيته" (مز 132: 14). وهو الذي يقول لنفسك العزيزة عليه "إسمعي يا إبنتي وأنظرى، وأميلي سمعك. وإنسي شعبك وبيت أبيك. فإن الرب قد إشتهي حسنك. لأنه ربك، وله تسجدين" (مز 45: 10، 11). بل أن مصالحة الرب للبشر، هي سبب التجسد الإلهي.. وفي ذلك يقول القديس يعقوب السروجي: [كانت هناك مخاصمة بين الله والإنسان. ولما لم يستطع الإنسان أن يقوم بالمصالحة، نزل الله إلي الإنسان لكي يصالحه]. ومصالحة البشر مع الله، هي هدف الفداء أيضًا.. لقد كان دم السيد المسيح، هو ثمن هذا الصلح. وفي ذلك يقول الرسول: "عاملًا الصلح بدم صليبه" (2 كو 1: 20).فأنظر ما أغلي ثمن مصالحتك، وما أغلي نفسك عند الله. فإننا "نحن قد صولحنا مع الله بموت إبنه" (رو 5: 10). "أي أن الله في المسيح كان مصالحًا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم" (2 كو 5: 19). وماذا فعل المسيح في هذه المصالحة؟ يقول الرسول: "لأنه هو سلامنا. الذي جعل الإثنين واحدًا، ونقض حائط السياج المتوسط أي العداوة" (اف 2: 14، 15). "بالصليب قاتلًا العداوة به" (أف 2: 16). المسيح صالحنا مع الآب، وأزال العداوة، وأزال الحاجز المتوسط. ولكننا مازلنا نخطئ. ونحتاج في كل يوم إلي مصالحة. ولذلك كانت (خدمة المصالحة) هي عمل الرسل ورتب الكهنوت.. وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول "وأعطانا خدمة المصالحة"، "واضعًا فينا كلمة المصالحة"، "نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله" (2 كو 5: 18، 19، 20). كل عمل الرعاة والكهنة والوعاظ والمعلمين هو "خدمة المصالحة"، متابعة الصلح بين الله والناس.. وهذا هو عمل غالبية الأسرار المقدسة. إن الله يريد أن يصطلح معك بكل الوسائل الممكنة. يقول لك: كفي فترة الخصومة التي مضت، ولنبدأ علاقة جديدة.فهما هربتم مني، وذهبتم إلي كورة بعيدة، أو اختبأتم وراء الشجر، أو بعد قلبكم عني، سأرسل لكم الرسل والأنبياء لأجل مصالحتكم، وأرسل لكم الخدام.. وأرسل نعمتي، وأعد الوسائط الروحية، وأمهد الفرص.. |
||||
04 - 02 - 2014, 04:36 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الرجوع إلى الله لقداسة البابا شنودة الثالث
الصلح مع الله وماذا أيضًا؟ الله مستعد أن يرسل الضيقات أيضًا لأجل مصالحتنا.. سواء أكانت هذه الضيقات لنا، أو لبعض أحبائنا.. ربما إنسان لا يأتي بالحب، ولكن يأتي بالضرب، مثل أخوة يوسف الذين قادتهم الضيقة إلي الصلح (تك 44). والرب يقول "ادعني وقت الضيق، أنقذك فتمجدني" (مز 50: 15). تضغط عليك الضيقات، فلا تجد سوي الله، القلب الحنون الذي يشفق عليك، فتصطلح معه، ذاكرًا حبه. إن كل ضيقة تهمس في إذنك: إصطلح مع الله. اذكر أيضًا أن الله يصالحك، من أجل صالحك.. وهو أيضًا يصالحك ليصلحك، لينقيك ويطهرك ويقدسك. لأنه من فرط محبته لك، لا يتركك لكي تضيع ويفترسك عدو الخير. يخشي عليك أن تهلك لما تبعد عنه، وتتغير مبادئك ومثالياتك، وتصبح كأهل العالم ماديًا وجسدانيًا. لذلك هو يصالح ليخلص نفسك. وخسارة كبيرة لك، أن تفقد هذه الفرصة ولا تصطلح مع الله.. عظيمة هي الفوائد التي تحصل عليها من هذا الصلح.. في الصلح تجد المغفرة وتجد الخلاص، ويغسلك الرب فتبيض أكثر من الثلج (مز 50). يمحو إثمك، ولا يذكر لك خطاياك القديمة (أر 31: 34). وفي الصلح تحصل علي سلام داخلي، فتصطلح معك نفسك أيضًا، ولا يعود يوجد صراع في داخلك. وبالصلح تعود إلي رعوية الله، ولا تصبح غريبًا علي بيته ولا علي ملكوته، بل تصبح من أهل بيت الله (أف 2: 19).وبالصلح تكسب أبديتك لأنه كما يقول الرب (مز 8: 36): "ماذا ينتفع الإنسان، لو ربح العالم كله وخسر نفسه.. فإن كنت أحيانًا تبذل جهدًا لتصطلح مع أشخاص لك بهم علاقة مؤقتة علي الأرض، فكم بالأولي يكون اهتمامك بصلحك مع الله الذي لك به علاقة أبدية لا تنتهي؟!.. أعرف إذن أهمية الله بالنسبة إليك، وأهمية الصلح معه.. حقًا، كم بذل الرب في مصالحة هذا التراب والرماد، ولكن: هل يوافق هذا التراب والرماد علي مصالحة خالقه؟ أخشي أن ينطبق علينا قول الرب لأورشليم وأهلها "كم مرة أردت.. ولم تريدوا" (مت 23: 37). إن الرب واقف علي الباب، ولكننا لا نفتح له.. فكيف يتم الصلح إذن؟ وما هي العوائق التي تعطل البعض عن الإستجابة؟ وما الحل؟ |
||||
04 - 02 - 2014, 04:38 PM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الرجوع إلى الله لقداسة البابا شنودة الثالث
كيف يكون صلح الله الشرط الأول، الذي بدونه لا يتم الصلح، هو: 1- أن تكون لك رغبة صادقة في الصلح مع الله.. كل ما تفعله وسائط النعمة والمؤثرات الروحية، وكل ما يفعله لمرشدون الروحيون، هو أن تدخل هذه الرغبة إلي قلبك. فتقول في صدق "أريد يا رب أن أصطلح معك".. وإن كانت رغبتك صادقة، ومن عمق القلب، فستجد بلا شك الوسيلة التي توصلك إلي لله.. الله نفسه سيوصلك إليه.. 2- إذن ترغب، وتبدأ التنفيذ، إن كنت جادًا في رغبتك.. لأن هناك من يقول إنه يريد الله. وألف صوت في قلبه يصيح "أريد الخطية". الرغبة في الصلح مع الله، هي رغبة علي شفتيه فقط، ولكنها ليست في قلبه. يقول: "أريد"، وفي أعماقه لا يريد، لأن الصلح مع الله، سيحرمه من أشياء كثيرة يحبها، وسيجعله يدخل من الباب الضيق وهو لا يرغب في ذلك.. ولعل السبب في ذلك، خطية محبوبة، داخل القلب، أو عادة مسيطرة، أو طبع ثابت.. والإرادة عاجزة عن العلاج.. ربما الذي يجعلك عاجزًا عن الصلح مع الله، أن حالتك تشبه ما وصفه معلمنا بولس الرسول في (رو 7: 18): "الإرادة حاضر عندي. أما أن أفعل الحسنى فلست أجد".. "لست أفعل الصالح الذي أريده. بل الشر الذي لست أريده، إياه أفعل "".. لست بعد أفعله أنا، بل الخطية الساكنة في" (رو 7: 20). فإن كنت هكذا يا أخي.. 3- نصيحتي لك: جاهد مع الله، لكي يغير قلبك. قل له: خلصني يا رب من قلبي ومن قلبي ومن خطيئتي، ومن طباعي، فلا يكن ذلك عائقًا أمام الصلح معك. أنت غيرت قلوب كثيرين، ربما كانت حالتهم أسوأ مني بمراحل.ليتني أكون كواحد منهم. أنت يا رب غيرت قلب موسي الأسود، وأوغسطينوس، مريم القبطية، وأوريانوس والي أنصنا.. فهل تعصي عليك حالتي؟! أعتبرتي حالة معقدة، ولكنها ليست صعبة أمام قدرتك اللانهائية. أنا يا رب لا أستطيع أن أصلح قلبي أولًا، لكي أصطلح معك. وإنما أنت الذي تصطلح هذا القلب، وتضع فيه المشاعر المقدسة اللائقة بهذا الصلح.. أتقول يا إبني أعطني قلبك (أم 23: 26). خذه كما هو.. أنضح عليه بزوفاك فيطهر. وإغسله فيبيض أكثر من الثلج (مز 50). لست أطلب أن ترمم هذا القلب. إنما إخلق في قلبًا نقيًا (مز 50). وأعطني روحًا جديدًا (حز 36: 26). إن لم يكن في قلبي حب لك، فأعطني هذا الحب.. لا تلمني علي عدم محبتي، إنما "اسكب في هذا الحب من الروح القدس "حسب قول رسولك (رو 5: 5). أعتبرني كطفل صغير، يريد ولا يعرف، ويريد ولا يقدر، "وقوم خطواتي" (مز 119). فكثيرًا ما أعثر.. إن كنت أنا لست جادًا فيما يتعلق بخلاص نفسي.. يكفي أنك يا رب جاد في تخليص هذه النفس.. إن كان خلاص نفسي لا تقوي عليه إرادتي.. فلا شك أن نعمتك تقوي وتقدر.. إن كنت أنا بفساد طبيعتي، لا أريد الحياة معك.. يكفي أنك تريد أن أحيا معك. وإرادتك تفعل كل شيء.. إن تركتني يا رب إلي إرادتي وإلي ضعفي، فسوف أضيع. أعتبرني مريضًا لا يقوي علي شفاء نفسه، ولا يقوي علي الذهاب إلي الطبيب. وقل كلمة فيبرأ الغلام (مت 8: 8). هكذا قدم للرب صلاة من كل قلبك. لأنه إن كان جهادك لا يقدر، فإن الصلاة تقتدر كثيرًا في فعلها (يع 5: 16). وفي صلحك مع الله، لا تعتمد كثيرا علي عقلك، ولا علي ذراعك البشري. "علي فهمك لا تعتمد" (أم 3: 5). إنما خذ من القوة التي تسند ضعفك.. الله يريد منك القلب والإرادة والإيمان.. والإرادة ليس المقصود بها القوة والعزيمة، وإنما الرغبة.. فقد يكون الإنسان ضعيفًا، ويمنحه الله القوة ليعمل، بل الله نفسه يعمل فيه، ويعمل معه. وكما قال القديس بولس الرسول "لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا أن تعملوا" (في 2: 13). الله يريد رغبتك، لأنه لا يرغم أحدًا علي مصالحته. فإن قدمت هذه الرغبة سيعمل هو معك. ولا أقول يعمل وحده، لئلا يدفع هذا إلي التراخي. كما أن أعملك معه يدل علي جدية رغبتك في مصالحته.. قلنا إنه ينبغي أن تكون لك رغبة صادقة في الصلح.. وأن تنفيذ ما دمت جادًا في رغبتك.. وأن تصلي طالبًا المعونة، فيما تعترضك من عقبات.. |
||||
|