المطهر ضد التوبة، وضد الكهنوت والمغفرة
إن مفعول التوبة كما يشرحة لنا الكتاب المقدس هو:
بالتوبة تمحي الخطية، ويغفرها الله، ولا يعود يذكرها، ولا يحاسب الإنسان عليها، بل يسامحه، ويصفح عنه، ويطهره من خطاياه.
وكل هذا واضح من آيات عديدة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد. وكل هذا أيضًا ضد عقيدة المطهر. فلنتأمل إذن ما يقوله الكتاب:
1 – فمن جهة محو الخطية، يقول الكتاب:
(أع3: 19) " فتوبوا وارجعوا، فتمحى خطاياكم".
(أش 44: 22) " قد محوت كغيم ذنوبك أمواتا في الخطايا وغلف جسدكم، أحياكم معه، مسامحًا لكم بجميع الخطايا، إذ محا الصك الذي نفسى، وخطاياك لا أذكرها".
2 – وهذه الخطايا التي محاها الله، كيف يعود ويفرض عليها عقوبات وهي قد محيت، وما عاد يذكرها؟!
ومن جهة أنه ما عاد يذكرها، نذكر أيضًا قول الرب:
(ار31: 34) " لأنى أصفح عن إثمهم، ولا أذكر خطيتهم بعد".
(حز18: 21، 22) " فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها، وحفظ كل فرائضي، وفعل حقًا وعدلًا، فحياة يحيا. لا يموت. كل معاصيه التي فعل لا تذكر عليه. في بره الذي عمل يحيا.
3 – وإن كان الله لا يعود يذكر الخطايا التي تاب عنها الإنسان، فبالتالي لا يعاقب. لأن المعاقبة معناها أن الله لا يزال يذكر هذه الخطايا، ولم يغفرها بعد...
4 – وهو لم يقل فقط أنه لا يذكرها، بل أيضًا لا يحاسبها على التائب:
وهنا نري المرتل يفرح بهذا الأمر، ويقول في المزمور:
(مز32: 1، 2) " طوبى للذي غفر إثمه وسترت خطيته. طوبي للإنسان الذي لا يحسب الرب له خطية".
(2كو5: 19) " إن الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم، وواضعًا فينا كلمة المصالحة".
5 – كيف إذن بعد هذه المصالحة، يعود فيلقى التائبين في عذابات المطهر؟! وكيف يتفق هذا مع قول الكتاب " غير حاسب لهم خطاياهم "؟!
مادام الله قد غفر، فإن الأمر يكون قد أنتهي. ولا يحتاج الأمر إلى تطهير، لأن الله يمزج الأمرين معًا، إذ يقول:
(ار33: 8) " وأطهرهم من كل إثمهم الذي أخطأوا به إلى. وأغفر كل ذنوبهم التي أخطأوا بها إليَّ".
6 – هنا يكون التطهير أثناء الحياة على الأرض، وليس بعد الموت.
يكون بعمل الروح القدس في التغير، وليس بعذاب المطهر.
أنظروا ماذا يقول الرب عن التطهير في سفر أشعياء:
(أش1: 18) " هلم نتحاجج – يقول الرب – إن كانت خطاياكم كالقرمز، تبيض كالثلج. وطبعًا هذا يكلم الأحياء على الأرض، وليست الأرواح بعد الموت. بل أن داود النبى في المزمور الخمسين " أنضح على بز وفاك فاطهر، وأغسلنى فأبيض من الثلج"، "اغسلنى كثيرًا من إثمي، ومن خطيئتي تطهرني" (مز50).
وطبعًا التطهير هنا على الأرض، وليس بعد الموت في المطهر.
وعمل الله في التطهير الإنسان بروحه القدوس، يبدو في سفر حزقيال في قول الرب:
(حز36: 25 – 29) " وأرش عليكم ماء طاهرًا فتطهرون. من كل نجاستكم ومن كل أصنامكم أطهركم. وأعطيكم قلبًا جديدًا، واجعل روحًا جديدة فيداخلكم. وأنزع قلب الحجر من لحمكم، وأعطيكم قلب لحم. وأجعل روحي في داخلكم. أجعلكم تسلكون في فرائضي، وتحفظون أحكامى وتعلمون بها... وتكونون لي شعبًا، وأنا أكون لكم إلهًا. وأخلصكم من جميع نجاساتكم". نعم، هذا هو التطهير الحقيقي، يعمل الله فيه، ونعمته المطهره المجددة المبررة، وليس بأسلوب العذاب والعقاب.
إن الذهب قد تضعه في النار، فيتطهر وتسقط عنه شوائبه. لأنه معدن لا يحس ولا يشعر. أما الإنسان قد تضعه الذي له روح وعقل ونطق وقلب ومشاعر، فلا تصلح معه نار تطهره، إنما يطهره عمل الله، وسكنى روح الله فيه، ونعمة الله التي تهب القلب الجيد والروح الجيدة. فيتطهر الإنسان بالتوبة ومحبة الله ونقاوة القلب.
7 – والتطهير لا يكون بعد الموت، حيث لا حروب من الجسد ومن المادة ومن العالم ومن الشيطان، إنما يكون هنا، حيث لا حروب من الجسد ومن المادة ومن العالم ومن الشيطان، إنما يكون هنا، حيث توجد الحروب وينتصر الإنسان فيه بقوة من الله.
إن الفكرة التي يقدمها المطهر ليست عملية تطهير، إنما هي عملية عقاب ومجازاة. ولذلك قيل في هدفها إنها تكفير لا تطهير... وليست أدري كيف سميت بالمطهر؟ أي تطهير يوجد في النار والعذابات والعقوبة التي قد تجعل القلب يتضايق ويتذمر كلما طالت المدة، ويشك في محبة الله. فبدلًا من أن يتطهر يزداد إثمًا على إثم..
8 – أيضًا عذابات المطهر لا يتفق مع المغفرة، ولا مع التحليل الذي يسمعه التائب من فم الكاهن.
ما فائدة التحليل، الذي بعد سماعه من المفروض أن يخرج التائب والسلام يملأ قلبه، لأنه قد ألقى عبثًا ثقيلًا من على كاهله، وأنتقلت الخطية منه إلى كتف المسيح ليحملها عوضًا عنه... ولكن بفكرة المطهر، يجد التائب المعترف أنه لم يستفيد شيئًا. وأن الخطية لا تزال قائمة ضده، تهدده بمستقبل مرعب في المطهر.
إن عقوبة المطهر بهذا الوضع تعطي شكًا في تحليل الكاهن وفي سر التوبة.
9 – إن ضرورة بقاء العقوبة بعد الموت، على الرغم من المغفرة، أمر لا يتفق مع تعليم الكتاب.
وأكبر توضيح لذلك قصة الإبن الضال الذي لما عاد إلى أبيه، أنتقل من الموت إلى الحياة (لو15: 24، 32). ولم يلق عقابًا، بل العكس وجد المحبة والقبول والإكرام، والحلة الأولى، والخاتم في يده... إنها الصورة التي نذكرها عن محبة الله وغفرانه... بعكس عقيدة المطهر التي تعطينا صورة قاتمة عن المغفرة التي لا تعفى من العقوبة...
10 – إن صورة المطهر، تذكرنا بالعهد القديم، ولعنات الناموس وكأننا لم ننل بعد خلاص الرب ونعم الفداء.
إنها تطالب بثمن الخطية، كأن لم يدفع على الصليب. وتجعل العقوبة لا تزال قائمة، كأن الفداء لم يتم بعد. وتنسينا الصلح الذي تم بيننا وبين الله بكفارة إبنه. إن عقيدة المطهر لا تعيش في العهد الجديد الذي يقول فيه الكتاب إن المسيح "أسلم من أجل خطايانا وأقيم من أجل تبريرنا" (رو4: 25). وأنه " حمل خطايانا في جسده على الخشبة" (بط2: 24). إنه العهد الجيد الذي يقول لنا: "الله بين محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاه، مات المسيح لأجلنا. فبالأولى كثيرًا ونحن متبررون الآن بدمه، نخلص به من الغضب. لأنه وإن كنا أعداء قد صولحنا مع الله بموت إبنه، فبالأولى كثيرًا ونحن مصالحون نخلص بحياته" (رو5: 8 – 10).
11 – إن عذاب المطهر لون من الدينونة. ونحن بموت المسيح نجونا من الدينونة.
وهوذا الكتاب يقول " لا شيء من الدينونة الآن على الذين في المسيح يسوع السالكين حسب الجسد، بل حسب الروح" (رو8: 1). وتقول: هذا للسالكين ليس بالروح. وماذا عن الذين يخطئون خطايا عرضيه أو مميته؟ أقول لك إنها بالتوبة تمحي، بدم المسيح ويبقى أمامهم ذلك الرجاء المفرح " لاشيء من الدينونة"...
12 – إن عقيدة المطهر ضد عقيدة الخلاص المجانى:
هذه التي ذكرها الكتاب صراحة " متبررين مجانًا بنعمته بالفداء" (رو3: 24). فإن كان الإنسان يدفع ثمن خطيته: سنوات عذاب يقضيها في المطهر، حينئذ يكون هو الذي دفع الثمن، وليس المسيح الذي دفع عنه. ولاهوتيًا لا يستطيع هو أن يدفع الثمن، لأن الثمن الحقيقي هو الموت أي الهلاك. وقد مات المسيح عنا " لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16). وأخذنا نحن استحقاق هذا الموت مجانًا... والمطلوب منا هو التوبة، والسلوك بالروح. تبقي بعد ذلك العبارة التي تتكرر تقريبًا في كل الكتب التي نشرت عن المطهر، وهى أن ناره للتطهير. لماذا؟
13 – لأن الماء لا يمكن أن يدخلها شيء دنس أو نجس (رؤ21: 27).
هذا حق. ولكن من قال إن التائب دنس أو نجس؟! إنه بالتوبة أبيض من الثلج. تطهر بالتوبة. طهره الله حسب وعده الصادق: "من كل نجاساتكم، ومن كل أصنامكم أطهركم... وأخلصكم من كل نجاساتكم" (حز36: 25، 29).
إن داود صار طاهرًا، ليس بالمطهر، وإنما بتوبته وبعمل الله فيه، إذ قال " وتغسلنى كثيرًا من إثمى، ومن خطيتى تطهرنى".
التائبون سيدخلون السماء أطهارًا. يغسلهم كما غسل أرجل تلاميذه، وقال لهم: أنتم الآن أطهار... (يو13: 10).
14 – في فرح الرجاء، يفرح التائبون إذ غفرت لهم خطاياهم، بل محيت (أع3: 19). ولكن المنادين بالمطهر، يقولون إن التوبة قد محت وصمة الخطية وليست عقوبة الخطية. ولا تزال العقوبة قائمة تؤدى عنها حسابًا هنا أو في المطهر!!... حقًا أقول كما قال داود النبى:
أقع في يد الله، ولا أقع في يد إنسان. لأن مراحم الله واسعة (2صم 24: 14).
الله يقول: لا أذكرها بعد. لا تحسب عليه. يبيض كالثلج... أمحوها أغفرها عن آثامهم. أطهرهم من نجاساتكم. لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم (يو12: 47). والإنسان يقول لابد من العقوبة. وإن لم يوفها على الأرض، يقضى زمنًا غير محدد في المطهر... "كرحمتك يا رب ولا كخطايانا"... وهنا نسأل سؤالًا هامًا إلى إجابة أهم، وهو:
هل المسيح على الصليب حمل خطايانا فقط، أم حمل أيضًا عقوبتها؟
وإن كان قد حمل العقوبة، فما لزوم الحديث إذن عن العقوبة في المطهر؟ وإن كانت المغفرة للخطايا فقط دون التنازل عن عقوبتها، فالويل لنا جميعًا... قد هلكنا!! والجميع إلى بحيرة النار والكبريت. وإن كانت المغفرة ترفع العقوبة، فلا مطهر إذن.
15 – يا أخوتى، نادوا بالرحمة، لا بعذابات مطهريه. فالرب يقول:
" طوبى للرحماء، فإنهم يرحمون " (متى5: 7).
واطمئنوا على العدل الإلهى، لا تقلقوا عليه!! كلنا نؤمن بالعدل الإلهي، الذي لابد أن يقتص من غير المؤمنين، ومن غير التائبين، ومن كل السالكين بالجسد والسالكين في الظلمة. أما بالنسبة للمؤمنين التائبين، فالعدل الإلهى استوفى حقه على الصليب... "لكى لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16). هل الخطايا التي يتعذب الناس بسببها في المطهر، حملها المسيح أم لم يحملها؟ مات عنها أم لم يمت؟ دفع ثمنها أم لم يدفع؟
إن كان المسيح قد دفع الثمن، فلا لزوم للمطهر؟
وإن كان المسيح لم يدفع الثمن، فلا تكفى لغفرانها نار المطهر، ولا نار الأبدية كلها.
16 – إن الذين ينادون بضرورة وفاء الإنسان للعدل الإلهى، نضع أمامهم قصة السيد المسيح الرب في لقائه مع سِمعان الفريسى والمرأة الخاطئة التائبة، وقوله في مثال المدينين:
" وإذ لم يكن لهما ما يوفيان، سامحها جميعًا" (لو7: 42).
هذه هي رحمة الله نحو جميع البشر، وكلهم – كهذين المدينين – لا يستطيعون الوفاء بالعدل الإلهى... بالتوبة يسامحهم جميعًا. ليس لنقص في عدله، أو لأن عدله ضاع بسبب رحمته، حاشا!! وإنما لأن العدل الإلهى قد وفي حقه على الصليب...
17 – أما إن كان لابد أن ندفع للعدل ثمنًا للعدل الإلهى بعد موتنا.
فإننا بصراحة تامة، نكون قد هدمنا كل عقائد الفداء والكفارة والخلاص بالدم، وبالتالي نهدم التجسد أيضًا والهدف منه...
إن الرب في مثال المدينين، قد غفر للمديون بخمسمائة، كما للمديون بخمسين (لو7: 41)... للمديون بالكثير، وللمديون بالقليل... عارفًا تمامًا أن كلًا من هذين "ليسا لهما ما يوفيانه"... لا مُقْتَرِف (الخطايا المميتة) يستطيع أن يوفى ولا صاحب (الخطايا العرضية) يستطيع أن يوفى... يكفيها التوبة والسلوك الروحي وسلامة العقيدة...