09 - 01 - 2014, 03:43 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
حث على الاتضاع * في إحدى المرات سأل أحد الأخوة القديس الأنبا باخوميوس أب الشركة قائلًا: "قل لنا عن منظر من المناظر التي تراها لنستفيد منه". فأجابه القديس: إن من كان مثلي خاطئًا لا يُعطي مناظر. ولكن إن شئت أن ترى منظرًا بهيًا يفيدك بالحق، فإني أدلك عليه وهو: إذا رأيت إنسانًا متواضعًا بقلبه طاهرًا، فهذا أعظم من سائر المناظر. لأنك بواسطته تشاهد الله الذي لا يُرى. فعن أفضل من هذا المنظر لا تسأل (يقصد أنه يرى في هذا الإنسان صورة الله المتواضع). * قال القديس أوغسطينوس: أنت تريد أن تحصل على كل شيء. اطلب ذلك عن طريق الاتضاع: لما قالت المرأة الكنعانية "نعم يا رب، ولكن الكلاب تأكل من الفتات الساقط من مائدة أسيادها" سمعت قوله "يا امرأة عظيم هو إيمانك" (مت15: 27- 28). وأيضًا لما قال قائد المائة "لست مستحقًا أن تدخل تحت سقف بيتي" قال الرب "الحق لم أجد ولا في إسرائيل إيمانًا عظيمًا مثل هذا" (لو7: 6-9). فلنتمسك بالاتضاع: إن لم يكن لنا حتى الآن، فلنتعلمه. وإن كان لنا فلا نفقده. * قال أنبا ابراكسيوس: إن شجرة الاتضاع التي ترتفع إلى العلاء هي التواضع. وقال أيضًا: تشبه بالعشار، فلا تدان مع الفريسي. * وقال الأنبا أنطونيوس: أحب الاتضاع، فهو يغطي جميع الخطايا. * وقال الأنبا برصنوفيوس: اقتنِ الاتضاع، فإنه يكسر جميع فخاخ العدو. * وقال الأنبا باخوميوس: اسلك طريق الاتضاع، لأن الله لا يرد المتواضع خائبًا. لكنه يُسقط المتكبر، وتكون سقطته شنيعة. احذر من تكبر القلب، لأنه أشنع الرذائل كلها. * وقال أيضًا: كن متواضعًا لتكون فرحًا. لأن الفرح يتمشى مع الاتضاع. كن متضعًا ليحرسك الرب ويقويك. فإنه يقول إنه ينظر إلى المتواضعين. كن وديعًا، لكي يملأك الرب حكمة ومعرفة وفهمًا. لأنه مكتوب أنه يهدي الودعاء بالحكم، ويعلم المتواضعين طرقه. * وقال أنبا يوحنا القصير: يجب قبل كل شيء أن نقوم بالتواضع. لأن هذه هي الوصية الأولى التي قال ربنا عنها "طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السموات" (مت5: 3). * وقال الشيخ الروحاني: تسربل يا أخي بالتواضع في كل وقت، لأنه يُلبس نفسك المسيح معطيه. * وقال مار اسحق: حِب الاتضاع في كل تدابيرك، لتخلص من الفخاخ التي لا تُدرك، الموجودة في كل حين خارج السبل التي يسلك فيها المتضعون. * وقال أيضًا: لا تلتمس أن تُكرم وأنت مملوء من الداخل جراحات. ابغض الكرامة فتكرم. ولا تحبها لئلا تُهان. من عدا وراء الكرامة هربت منه. ومن هرب منها بمعرفة قصدته، وأنذرت كافة الناس باتضاعه. * وقال أيضًا: تواضع في علوك، ولا تتعاظم في حقارتك.. ضع ذاتك، وصغّر قدرك عند جميع الناس. فتعلو على الرؤساء في هذا العالم. كن أميًا في حكمتك. ولا تتظاهر بالحكمة وأنت أمي. * وقال كذلك: أيها الإنسان الشقي: إن أردت أن تجد الحياة، تمسك بالإيمان والتواضع، لكي تجد بهما رحمة ومعونة وصوتًا من الله في قلبك.. وإن أردت أن تقتني هذين.. تمسك من مبدأ أمرك بالبساطة. واسلك قدام الله بسذاجة وليس بمعرفة. * وقال الشيخ الروحاني: يقول النبي: الويل للحكيم في عيني نفسه.. فكن مثل عبد عند مواليه، وليس مثل أخ عند أخوته.. كن الأول في الأعمال التي يترفع عن عملها غيرك. وكن آخر من يرتب الأمور ويدبرها. ألبس التواضع في كل حين، وهو يجعلك مسكنًا لله. * وقال أيضًا: كما ينبغي للشاب الصوم والنسك، هكذا ينبغي للشيوخ الاتضاع والتنازل. لأجل أنه دائمًا يلصق بهم الظن والمجد الباطل. وإلى جهاد النفس يحتاجون، أكثر من جهاد الجسد. * وقال أيضًا: الكنز المخفي في الأرض لا ينقص، ولا يُخاف عليه من السارقين. وكنز المعرفة داخل القلب، ما تسلبه أفكار المجد الباطل. وقال مار إفرآم: كما أن الجسد يحتاج إلى ثوب، سواء كان الجو دافئًا أو باردًا.. كذلك النفس على الدوام تحتاج إلى رداء الاتضاع. قنية نفيسة هي تواضع العقل.. اختر أن تمشي عاريًا حافيًا، من أن تتعرى منه. فإن الذين يحبون التواضع، يسترهم الرب. * وقال أيضًا: إذا شاهدت نفسك مكللًا بالفضائل وعاليًا فيها، فحينئذ تحتاج بالأكثر إلى تواضع العقل، لكي تضع أساسًا سليمًا لعملك، ويثبت البناء مصانًا غير متزعزع. * لا تعظّم شأن نفسك، لأنه ربما توافيك محنة فتوبخ الظانين فيك حسنًا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.حب التواضع فإنه سور لا يُنقب قدام العدو، وصخرة صادمة تكسر حيل الشيطان. * قال القديس مقاريوس الكبير: الصوم بدون صلاة واتضاع، يشبه نسرًا مكسور الجناحين. * وقال مار اسحق: إذا سلكت في عمل الفضيلة حسنًا، ولم تحس مذاقة معونتها، فلا تعجب من ذلك. لأنه إن لم يتضع الإنسان، لن يأخذ مكافأة عمله. المكافأة ليست تُعطى للعمل، بل بالاتضاع. والذي فقد الاتضاع، فقد ضيّع تعبه وعمله. وقال أيضًا: إن عبرت على جميع منازل الفضيلة، فإنك لن تصادف راحة من تعبك، ولا انعتاقًا من حيل أعدائك، إلى أن تصل إلى منزل الاتضاع. * قال القديس الأنبا أنطونيوس: "إن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله. وإن ذكرنا خطايانا، لا يذكرها لنا الله". لذلك احذر من أن تنسى خطاياك، لئلا تنتفخ وتظن في نفسك الظنون، أو تصير بارًا في عيني نفسك. وإن حوربت بالبر الذاتي والكرامة، فقل لنفسك: أنا لا استحق شيئًا بسبب خطاياي.. وإن كان الله من فرط محبته ورحمته قد ستر خطاياي على الناس، لكنني أعرفها جيدًا ولا أنساها، لئلا أتكبر باطلًا. * قال القديس أيسوذورس: إن شرف التواضع عظيم، وسقوط المتعاظم فظيع جدًا. وأنا أشير عليكم أن تلزموا التواضع، فلن تسقطوا أبدًا. * وقال القديس أوغسطينوس: اتضع في إلهك المتضع، لكيما ترتفع في إلهك الممجد. |
||||
09 - 01 - 2014, 03:44 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
احذر من التواضع الزائف ليس التواضع مجرد كلمة، إنما هو حياة لها قواعدها الروحية، ولها ارتباط بعدد كبير من الفضائل تكون سببًا للاتضاع أو يكون الاتضاع سببًا لها.. وعلينا أن نتأمل كل هذا، ونعرف الوسائل التي توصلنا إلى التواضع ونمارسها. وأولًا نعرف التواضع الحقيقي، ونبعد عن التواضع الزائف: فكثيرون يستخدمون ألفاظ التواضع، وهم بعيدون كل البعد عن روح الاتضاع. وقد يقولون إنهم خطاة ضعفاء، ولا يحتملون إطلاقًا أن يقال لهم مثل هذا. وقد ينحنون برؤوسهم أمام غيرهم. وقلوبهم لا تنحني أبدًا ولا أفكارهم. عجبت ذات مرة حينما قرأت افتتاحية إحدى المجلات القبطية. وكان الكاتب يتحدث عن تواضع السيد المسيح أثناء عماده، وكيف أنه أنحنى أمام المعمدان الذي هو اقل منه بما لا يقال. وذلك لكي يكمل كل بر. وإذا بالكاتب يختم مقاله بعبارة "أعطنا يا رب نحن أيضًا أن ننحني أمام من هم أقل منا، لكي نكمل كل بر! مادام هو في أعماقه يعتقد أنهم أقل منه، فهل يُحسب انحناؤه اتضاعًا!! بينما القلب مرتفع عليهم من الداخل ينظر إليهم في استصغار..؟! وهناك قصة رواها يوحنا كاسيان عن القديس سرابيون الكبير: وكيف أن أحد الرهبان الجائلين قد زاره. فلما دعاه القديس إلى أن يبدأ الصلاة أو التأمل في الكتاب، قال إنه غير مستحق. ولما دعاه إلى الجلوس على الحصير بدلًا من جلوسه على التراب، قال أيضًا إنه غير مستحق. ثم نصحه القديس أن يثبت في قلايته، ولا يجول هنا وهناك، حينئذ لم يحتمل، وأحمر وجهه مثل السبع. فقال له القديس سيرابيون. "ليس التواضع يا ابني، أن تلوم نفسك ملامة باطلة..! إنما التواضع هو في احتمالك الملامة التي تأتيك من الآخرين". ولعل حكمة القديس تظهر في أن البعض قد يصف نفسه بأوصاف متضعة، هو لا يعتقدها في نفسه، .أو أنه يصف نفسه بالخطية والضعف، لكي يقول الناس عنه إنه متواضع، فيكسب بذلك مدح الآخرين!! ولو قيلت عنه هذه الصفات لغضب. ولو عرف أن الناس سيصدقون ما يقول عن نفسه من عيب، ما كان يقول ذلك مطلقًا. أما أنت فليكن لك التواضع الحقيقي باقتناع داخلي صادق أنك كذلك: فيك ما تصف به نفسك من نقص. قال مار اسحق محذرًا من اتخاذ ألفاظ الاتضاع وسيلة للكبرياء: "إن حقّرت نفسك لكي تكرم، الرب يفضحك..". "وإن أنت امتهنت ذاتك لأجل الحق، فإن الرب يتقدم إلى براياه فيمدحونك، ويفتحون قدامك باب مجده الذي يتكلم به منذ الأزل، ويمجدونك كالباري لأنك بالحقيقية تكون على صورته ومثاله". |
||||
09 - 01 - 2014, 03:48 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
تواضع الله أكلمكم اليوم عن أعظم مثل للتواضع، أو هو المثل الحقيقي للتواضع. وأعني به تواضع الله تبارك اسمه. وكيف ذلك؟ إن الله هو الوحيد الذي يمكن أن يتواضع بحق. لأنه هو الوحيد العالي جدًا، الذي يتنازل من علوه.. أما الإنسان الذي هو تراب ورماد (تك18: 27)، والذي كان عدمًا قبل أن يكون ترابًا. الإنسان الذي كله خطية وإثم، ما هو معنى التواضع بالنسبة إليه؟ ليس هو في علو لكي ينزل منه، وليس في كمال حتى يخفيه.. إنما التواضع بالنسبة إليه، هو أن يعرف أصله ويعرف ضعفه، ويعرف خطيته. وكما قال أحد الآباء: تواضع الإنسان هو أن يعرف نفسه.. أما الله فهو الكامل في عظمته، الكامل في قداسته وفي قدرته، غير المحدود في كماله.. فهو الوحيد الذي تليق به صفة التواضع. فكيف إذن ظهر تواضع الله، على قدر ما نفهم تواضعه؟ ونقصد تواضع الله بصفة عامة، وتواضع كل أقنوم على حده: * كان الله متواضعًا في خلقه للكائنات. فلم يشأ أن ينفرد وحده بصفة الوجود، فمنح الوجود لغيره.. كان وحده منذ الأزل.. ولم يرد -في تواضعه- أن يظل وحده. فأشرك معه في الوجود ما لم يكن.. كثير من الناس -إن وُجد أحد منهم في عظمة أو في منصب- يجمع كل السلطة في يده، ولا يُشرك معه أحدًا في عمل أو تصرف..! أما الله، فلم يفعل هكذا، ولم يشأ أن ينفرد. ومنح العدم وجودًا. ومنح البعض منه حياة، بل أيضًا منحه قوة وسلطة!! * ومنح البعض من مخلوقاته طبيعة سامية جدًا. مثال ذلك الملائكة "المقتدرون قوة" كما وصفهم المرتل في المزمور (مز 103: 20). بل أن واحدًا منهم -سطانائيل- الذي صار شيطانًا فيما بعد، قال عنه الرب في سفر حزقيال النبي" أنت خاتم الكمال. ملآن حكمة، وكامل الجمال.. أنت الكاروب المنبسط المظلل.. أنت كامل في طرقك، من يوم خُلقت حتى وُجد فيك إثم" (حز28: 12- 15). * ومن تواضع الله أن الكائنات التي تمردت عليه، لا يزال يبقيها حتى الآن، ويسمح أن يكون لها سلطان وقدرة!! خذوا مثالًا ذلك الشيطان: تمرد على الله، وأراد أن يصير مثل العليّ (أش14:14). وأسقط معه عددًا كبيرًا من القوات السمائية، قيل إنهم ملائكته (رؤ12: 7). وكان بإمكان الله أن يفنيه. ولكن من تواضع الله أنه لم يقض على هذا العدو المقاوم، بل استبقاه. وترك له سلطانًا، كما قيل عن الأشرار "هذه ساعتكم وسلطان الظلام" (لو22: 53). والأكثر من هذا إنه صارت له قوة أن يصنع آيات وعجائب، كما قيل عن ضد المسيح في أيام الارتداد الأخير إن "مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم في الهالكين" (2 تس2: 9، 10). وكلما أتأمل كيف أن في العالم أناسًا يشتمون الله، ويجدفون عليه ليل نهار، وأناسًا ينكرون وجود الله، ولا يعترفون به، وأناسًا يعصون الله ويحرضون على عصيانه.. ومع ذلك يحتمل الله كل هذا السبّ والتجديف والعصيان، دون أن يفني مقاوميه.. أدرك في أعماقي مقدار التواضع العجيب الذي يتصف به الله.. * ومن تواضع الله، أنه يبعد عن مظاهر العظمة التي تجلب المديح وتبهر الناس. مثال ذلك ندرة استخدامه للمعجزات! بإمكان الله أن يبهر الناس كل يوم وكل ساعة وكل لحظة بالمعجزات والآيات والعجائب، وبالرؤى والاستعلانات والظهورات المقدسة.. فيجعلهم يلهجون بمجده، ويسجدون أمام قدرته، وعلى الأقل يعترفون بوجوده. ولكنه مع ذلك لم يفعل! ويقتصر إجراء المعجزات على الضرورات النادرة..! إنه يريد أن يجذب الناس إليه بالحب والاقتناع وليس بالعجائب والمعجزات والعظمة.. * الله أيضًا في تواضعه، يسمح لأقل الناس أن يخاطبه! عجيب أن يجد "التراب والرماد" فرصته ليتحدث مع الله، الله الذي تقف أمامه الملائكة ورؤساء الملائكة والشاروبيم والساروفيم، وكل الجمع غير المحصى الذي للقوات السمائية، بكل توقير وخشية.. قد يجد الإنسان صعوبة في كثير من الأحيان، أن يتحدث مع تراب مثله، إن كان ذلك التراب له منصب عالٍ أو مركز كبير! أما الله فيمكنك أن تكلمه وأن تتفاهم معه. بل من الجائز أن تكلمه، وقد كسرت وصاياه منذ دقائق أو لحظات! وفي تواضع الله، سمح أن يتحدث حتى مع أشر الخطاة! تنازل وتكلم مع قايين، أول قاتل على وجه الأرض. ولما قال له قايين"إنك قد طردتني اليوم عن وجه الأرض.. فيكون كل من وجدني يقتلني"، أجابه في عدل وعطف "كل من قتل قايين، فسبعة أضعاف ينتقم منه" (تك4: 14، 15). وتنازل الله، فأرسل ملاكًا يتكلم مع بلعام.. وذلك الإنسان المضل الذي أعثر الشعب وألقى معثرة أمامه وجعله يخطئ (رؤ2: 14).، .سمح الله بتواضعه أن ينطلق الروح القدس على فمه بنبوءات تُعد من أشهر النبوءات عن التجسد (عد24: 17).. حتى أن هذا المضل قال عن نفسه "وحي بلعام بن بعور، وحي الرجل المفتوح العينين، وحي الذي يسمع أقوال الله، الذي يرى رؤى الله، مطروحًا وهو مكشوف العينين" (عد24: 3، 4) وقال إنه "يعرف معرفة العلي" (عد 24: 16)! والله في تواضعه، يأخذ موقف من يستشير أنبيائه: فعندما رأى أن "صراخ سادوم وعمورة قد كثر، وخطيئتهم قد عظمت جدًا" (تك 18: 20)، وأراد أن يهلكهم، قال "هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله؟!" (تك18: 17). ومن هو إبراهيم هذا الذي تريد أن تخبره قبل أن تُجري مشيئتك؟ أليس هو حفنة من تراب ورماد؟ كلا، يقول الرب، بل "إبراهيم يكون أمة كبيرة وقوية، وتتبارك به جميع أمم الأرض" (تك18: 18). ويعرض الرب على إبراهيم، ويعطيه الفرصة والحرية أن يجادله، وأن يقول له "عسى أن يكون خمسون بارًا في المدينة.. حاشا لك أن تفعل هذا الأمر، أن تبيد البار مع الأثيم، فيكون البار كالأثيم! حاشا لك. أديان الأرض كلها لا يصنع عدلًا؟!" (تك18: 24- 25). وتستمر المناقشة، ويقبل الرب الحوار، بل يقبل بتواضعه الجرأة في الحوار! ويتكرر الأمر مع موسى النبي عندما أراد الرب أن يفني ذلك الشعب، الذي صنع عجلًا من ذهب وعبده (خر 32). كان الرب قد قرر إفناء ذلك الشعب الخائن. ولكنه نادى موسى أولًا. وقال له فسد شعبك الذي أصعدته من أرض مصر. زاغوا سريعًا عن الطريق الذي أوصيتهم به. صنعوا عجلًا مسبوكًا وسجدوا له، وذبحوا له، وقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر.. فالآن اتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم.." (خر 32: 7- 10). عجيب هو تواضع الرب في قوله لعبده موسى "أتركني..". من هو هذا موسى يا رب الذي تطلب إليه أن يتركك لتنفذ مشيئتك؟! على أن موسى هذا لم يتركه ليغضب ويُفنى. بل قال له "والآن إن غفرت خطيتهم. وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت" (خر32: 32)!! وسمع الرب لموسى، ولم يفنهم. يذكرني هذا الموقف بقصة الرب مع يعقوب وهو يصارعه: إذ قال الرب ليعقوب "أطلقني، فإنه قد طلع الفجر" فقال يعقوب "لا أطلقك حتى تباركني" (تك32: 26). ونلاحظ في تواضع الرب مع إبراهيم وموسى نقطة هامة وهي: * إن الله سمح لهما في حوارهما معه بألفاظ تبدو شديدة. إبراهيم يقول للرب "حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر.. أديان الأرض كلها لا يصنع عدلًا؟! (تك 18). وموسى يقول للرب "ارجع يا رب عن حمو غضبك واندم على الشر" لماذا يتكلم المصريون قائلين: أخرجهم بخبث، ليقتلهم في الجبال، ويفنيهم عن وجه الأرض!" (خر32: 12). * إن الرب في تواضعه يسمح لنا أن نناقشه، بل يطلب منا ذلك بقوله: "هلم نتحاجج، يقول الرب" (أش1: 18). هناك أناس لا يقبلون أن يناقشهم أحد فيما يصدرونه من أوامر ومن قرارات. يعتبرون ذلك كبرياء ممن يناقشهم، وتجاوزًا لحدوده. وإقلالًا من كرامتهم وهيبتهم. أما الله فإنه في تواضعه يقبل الحوار والنقاش: أيوب الصديق يقول للرب "لا تستذنبني. فهمني لماذا تخاصمني؟ أحسن عندك أن تظلم، أن ترذل عمل يديك؟!" (أي10: 2، 3). وإرميا النبي يقول له "أبرّ أنت يا رب من أن أخاصمك، . ولكني أكلمك من جهة أحكامك: لماذا تنجح طريق الأشرار؟ اطمأن كل الغادرين غدرًا!" (أر12: 1). وداود النبي يعاتبه قائلًا "لماذا يا رب تقف بعيدًا؟ لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟!" (مز10: 1). والرب يسمع كل هذا، بتواضعه وسعة صدر، ولا يغضب. * ومن تواضع الرب إنه يرفع شأن أولاده. وقد يعطيهم ألقابه. يقول لعبده موسى "أنظر. قد جعلتك إلهًا لفرعون (أي سيدًا له). وهرون أخوك يكون نبيك" (خر7: 1). ولما اعتذر موسى عن إرساليته، بحجة أنه ثقيل الفم واللسان، منحه هرون أخاه، وقال له "تكلّمه وتضع الكلمات في فمه، وأنا أكون مع فمك ومع فمه.. هو يكلم الشعب عنك، وهو يكون لك فمًا، وأنت تكون له إلهًا (أي توحي إليه) [خر4: 15-17]. وعندما أراد الله أن يكون لموسى سبعون شيخًا يساعدونه، قال له: "اجمع إليّ سبعين رجلًا من شيوخ إسرائيل الذين تعلم أنهم شيوخ الشعب وعرفاؤه.. فأنزل أنا وأتكلم معك.. وآخذ من الروح الذي عليك، وأضع عليهم" (عد11: 16، 17).. وفعل الله هكذا (عد11: 25). كان يمكنه أن يمنحهم الروح مباشرة. ولكنه أخذ من الروح الذي على موسى ووضع على السبعين. فلما حلّ عليهم الروح تنبأوا (عد 11: 25). من تواضع الله، أراد أن يشعر أولئك الشيوخ أنهم من أتباع موسى، قد أخذوا من الروح الذي عليه.. وبنفس الوضع رفع الرب من شأن يوسف الصديق، وجعله أبًا لفرعون، وسيدًا لكل بيته، (تك45: 8). * والشريعة التي هي شريعة الله، تسمى شريعة موسى. وهكذا فإن داود الملك قال قبل وفاته لابنه سليمان، "أحفظ شعائر الرب إلهك.. كما هو مكتوب في شريعة موسى، لكي تفلح في كل ما تفعل.." (1مل2: 3). وسميت أيضًا "شريعة موسى" في سفر نحميا (نح8: 1). وفي سفر دانيال النبي (دا9: 11). إنها شريعة الله. ولكن من تواضعه سميت شريعة موسى. وأسفار الأنبياء أيضًا سميت بأسمائهم، مع أنها كتب الله. ولكن الله -من تواضعه- سمح أن تُطلق عليها أسماؤهم. فيقال سفر صموئيل النبي، وسفر إشعياء، وإرميا، وحزقيال، ودانيال، وملاخي. وربنا يسوع المسيح يقول للكتبة والفريسيين "إن موسى -من أجل قساوة قلوبكم- أذن لكم بالطلاق" (مت19: 8).. مع أن الإذن صدر من الله.. ولكن لا مانع أن يُنسب إلى موسى، تواضعًا من الله، ورغبة منه في أن يرفع من شأن أولاده.. وبعد، يعوزنا في الحديث عن تواضع الله، أن نتحدث عن تواضع أقنوم الابن، وأقنوم الروح القدس. |
||||
09 - 01 - 2014, 03:49 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
تواضع الابن | و تواضع الروح القدس
|
||||
09 - 01 - 2014, 03:52 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
تواضع الابن 1- أول شيء يقول القديس بولس الرسول عن السيد المسيح إنه "لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله. لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه.." (في2: 6-8).. أي أنه أخلى نفسه من كل مظاهر العظمة والكرامة اللائقة بلاهوته، متخذًا صورة العبد. أي تواضع يمكن أن يُوجد أكثر من هذا؟! وفي هذا التواضع حكمة التدبير الإلهي: فمادامت الخطية الأولى التي دخلت إلى العالم كانت هي الكبرياء سواء بالنسبة إلى الشيطان أو الإنسان، لذلك كان يليق بالمخلص أن يقهرها بالاتضاع.. وهكذا كان تجسده هو أعظم عمل في الاتضاع. وبه أخزى الرب تلك الكبرياء التي أغوى بها الشيطان أبوينا الأولين، بأن يصير مثل الله (تك3: 5). وردًا على أن يصير الإنسان مثل الله، صار الله في الهيئة كإنسان بتواضعه. 2- ومن اتضاع الرب أيضًا أنه وُلد في مزود بقر. في مكان حقير، ومن أم فقيرة، خُطبت إلى نجار فقير. ومن قرية كانت "الصغرى في يهوذا هي بيت لحم" (مت2: 5، 6). ولم يخجل من أن يدعى ناصريًا، بينما يُقال في استعجاب "أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟!" (يو1: 36). 3- وفي تواضعه عاش بعيدًا عن المظاهر والألقاب: رضي أن يهرب من سيف هيرودس إلى مصر، بينما كان يمكنه أن يبيد هيرودس. وعاش ثلاثين سنة بعيدًا عن الأضواء. ومع أنه أقنوم الحكمة والمعرفة، "المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم" (كو2: 3)، رضى أن يُقال عنه "وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (لو2: 52). وطوال فترة كرازته عاش "وليس له أين يسند رأسه" (لو9: 58). بلا أية وظيفة رسمية في المجتمع، يتبعه تلاميذ بسطاء، غالبيتهم من الصيادين والجهلة. ولما ذهب إلى أورشليم، ذهب إليها راكبًا على أتان" (مت21: 5). 4- وعاش أيضًا خاضعًا للناموس، ودعا إلى حفظه. أليس هو القائل "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس والأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت5: 17، 18). وفي خضوعه للناموس اختتن في اليوم الثامن (لو2: 21). وفي يوم الأربعين لولادته "صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب، كما هو مكتوب في ناموس الرب" "ولكي يقدموا ذبيحة كما قيل في ناموس الرب، زوج يمام أو فرخي حمام" (لو2: 22، 23). وحسب الناموس لم يبدأ خدمته الرعوية إلا في الثلاثين من عمره. وحسب السن الناضجة المفروضة في أي إنسان. مع أنه قيل عنه وهو في الثانية عشرة من عمره، وجدوه في الهيكل "جالسًا في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم. وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه ومن أجوبته" (لو2: 46، 47). 5- ومن تواضعه أنه تقدم ليعتمد من يوحنا المعمدان. كانت تلك معمودية التوبة. وما كان هو محتاجًا إليها وهو القدوس (لو1: 35) الذي في تجسده شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية. وقد قبل المعمودية من أحد خدامه، أعني يوحنا الذي حاول أن يعتذر عن ذلك قائلًا له "أنا المحتاج أن اعتمد منك، وأنت تأتي إليّ! فأجابه في اتضاع "اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر" (مت3: 14، 15). يقصد بر الناموس، وقد خضع له تواضعًا.. 6- ومن تواضعه سمح للشيطان أن يجربه! وليست تجربة واحدة بل ثلاث مرات على الجبل. وبلغ من عمق اتضاعه وإخلائه لذاته، أن الشيطان "أخذه إلى جبل عالٍ جدًا، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها. وقال له "أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي" (مت4: 8، 9). يا لجرأة الشرير ووقاحته في استغلاله لتواضع الرب. لذلك بعد أن ردّ الرب عليه بما هو مكتوب، أنتهره قائلًا "اذهب يا شيطان". فذهب. ولكن القديس لوقا يقول في ذلك "ولما أكمل إبليس كل تجربة، فارقه إلى حين" (لو4: 13). أي رجع بعدها! 7- وفي اتضاع الابن الوحيد، اللوجوس عاش في حياة الطاعة: قال عنه القديس بولس الرسول إنه "وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب" (في2: 8)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.وهو قال عن نفسه لتلاميذه "لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم.. طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني، وأتمم عمله" (يو4: 22، 24). وقال لليهود "الحق الحق أقول لكم: لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا، إلا ما ينظر الآب يعمله.." (يو5: 19). وقال للآب "لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك". وقال "ليس كما تريد أنت" (مت26: 39). وطاعته لم تكن للآب السماوي فقط، بل أيضًا لأمه مريم. قيل في طفولته، بالنسبة إلى علاقته بمريم العذراء ويوسف النجار: "وكان خاضعًا لهما" (لو2: 54). أنه درس لنا، هذا الذي كانت الملائكة خاضعة له" (مر1: 13) (1بط3: 22). 8- ومن تواضعه: أنه كان يجلس مع العشارين والخطاة: هؤلاء الذين كان الكتبة والفريسيون يحتقرونهم ويترفعون عن مخالطتهم. ولكن الرب اختار واحدًا من هؤلاء (متى) ليكون له تلميذًا. وبهذه المناسبة اتكأ في وليمة أعدها أولئك العشارون، حتى أنتقده الفريسيون (مت9: 9- 11). فأجاب الرب في اتضاعه "أني أريد رحمة لا ذبيحة. لأني لم آتِ لأدعو أبرارًا إلى التوبة" (مت9: 13). وهكذا أيضًا دعا زكا العشار ودخل إلى بيته. ومن تواضعه أنه اتكأ في بيوت أعدائه من الفريسيين، كزيارته لبيت سمعان الفريسي وسماحه للمرأة الخاطئة أن تلمسه وتمسح قدميه بشعرها، مما أثار شك ذلك الفريسي(لو7). 9- كان يسلك ببساطة مع الأطفال، ومع النساء، ومع عامة الشعب: يكلمهم ببساطة، بلا تعالٍ ولا ترفع، كواحد من البشر. وكان يدعو نفسه ابن الإنسان، أو ابن البشر، في كثير من المناسبات. وقد قيل عنه في وداعته إنه كان "لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ" (مت12: 19، 20). 10- ومن تواضعه أنه رفض عمل المعجزات للمظهرية والفرحة. مثل رفضه تحويل الحجارة إلى خبز، ورفضه أن يلقي نفسه من جناح الهيكل، فتحمله الملائكة على أجنحتها (مت4). ولما طلب منه اليهود أن يروا آية منه كموضوع للفرجة Showy، قال لهم "جيل شرير وفاسق، يطلب آية ولا تُعطى له آية إلا آية يونان النبي. لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض.." (مت12: 39). موجهًا أنظارهم إلى موته، لا إلى معجزاته. 11- فقال للآب عنهم "المجد الذي أعطيتني، قد أعطيتهم" (يو17: 22). بل قال لهم أكثر من هذا"الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي، فالأعمال التي أنا أعملها، يعملها هو أيضًا، ويعمل أعظم منها.." (يو14: 12). وقال عنه القديس بولس الرسول "الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم.. فهؤلاء مجدهم أيضًا" (رو8: 29، 30). أعطاهم أيضًا أن تبني كنائسه ومذابحه بأسمائهم، وأن ترسم لهم الأيقونات وتوقد أمام أيقوناتهم الشموع، وتُرتل لهم المدائح والذكصولوجيات.. 12- ومن تواضعه أن نعمته تعمل في الناس باختفاء. عملهم هم هو الذي يظهر. أما نعمة الرب العاملة فيهم، فلا يراها أحد. وقد كشف لنا هذا الأمر القديس بولس الرسول حينما قال: "ولكن بنعمة الله أنا من أنا. ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة، بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي"(1كو15: 10). 13- ومن تواضعه أنه احتمل ظلم الأشرار، وقبل الإهانات في صمت. شُتم ولطم، وأهين، وجلد، واُتهم ظلمًا. وقبل كل ذلك دون أن يدافع عن نفسه.. ودون أن يرد عليهم شرهم. وقد قيل عنه "ظُلم. أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاه تساق إلى الذبح"(أش53: 7). وصُلب بين لصين "وأحصي مع آثمة" (أش 53: 12). 14- وفي اتضاعه حمل خطايا العالم: "هذا الذي لم يعرف خطية، جُعل خطية لأجلنا" (2كو5: 21). حَمل خطايا العالم كله."كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وَضع عليه إثم جميعنا. ونحن حسبناه مصابًا ومضروبًا من الله (أش 53: 4، 6). وهكذا صُلب كفاعل إثم وهو البار. ورضي أن يكون أمام الآب ذبيحة خطية. 15- ومن تواضعه أنه جعل صلبه واضحًا أمام الناس كلهم. بينما قيامته الممجدة لم يظهرها إلا لأفراد قلائل! وكان يمكن أن تكون تلك القيامة واضحة للكل، بطريقة مبهرة ترد إليه اعتباره أمام اليهود. ولكنه في اتضاعه لم يفعل ذلك. وترك لتلاميذه أن يبشروا بقيامته وسط شكوك أثارها اليهود.. 16- لهذا كله، دعانا أن نتعلم منه الاتضاع: وقال "تعلموا مني، فإني وديع ومتواضع القلب" (مت11: 29). فجعل أهم ما نتعلمه منه هو الاتضاع. وفي عظته على الجبل، أعطى الطوبى الأولى للمسكنة بالروح. ثم أعطى الطوبى للودعاء (مت5). |
||||
09 - 01 - 2014, 03:54 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
تواضع الروح القدس 17- من تواضع الروح القدس أنه يعمل كل شيء في بناء الكنيسة في سرية واختفاء. فتسمى أعماله هذه بالأسرار الكنسية. يلد الإنسان الجديد في المعمودية، ويمنحه المغفرة والبنوة دون أن يظهر. وكذلك في سر الميرون يسكن في المؤمن دون أن يظهر. وبالمثل يغفر الخطايا من فم الكاهن دون أن يظهر. وهكذا في باقي أسرار الكنيسة. 18- ومن تواضع الروح القدس إنه يتكلم من أفواه الرسل، وينطق في الأنبياء دون أن يظهر أيضًا. كما قال السيد المسيح لتلاميذه".. لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم هو الذي يتكلم فيكم" (مت10: 20). ولكن الظاهر طبعًا أمام الناس أن الرسل يتكلمون. أما عمل الروح فهو في الخفاء. كذلك قيل عن النبوءات "لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط1: 21). ولكن عمل الروح القدس لا يراه أحد. بل يسمعون النبوة من إنسان. 19- بنفس الاتضاع القوة التي يمنحها الروح القدس للخدام. كما قال السيد المسيح لتلاميذه القديسين "لكنكم ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم. وحينئذ تكونون لي شهودًا.." (أع1: 8). والناس كانوا يرون قوة شهادة الرسل ويمدحونهم ويتأثرون بهم. أما عمل الروح القدس فيهم، فكان اختفاء، لا يرونه. 20- وفي اتضاع أيضًا كان الروح القدس يمنح المواهب. والناس يرون أصحاب المواهب، ويعجبون بهم ويمتدحونهم. بينما من جهة هذه المواهب كلها يقول الكتاب "لكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء" (1كو12: 11). ولكن الظاهر هو أصحاب المواهب. أما الروح فعمله في اختفاء.. 21- هكذا كان الروح القدس يعمل في الكنيسة، والذي يظهر كان هو عمل الكنيسة. أما الروح فكان يعمل العمل كله في سرية واختفاء. اقرأ التاريخ كله، وما يحمله من تمجيد لأبطال الإيمان وللكارزين، وآباء الرهبنة، ومعلمي البيعة، بل لقديسي التوبة أيضًا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.نرى أن التاريخ يمجدهم ويرفع شأنهم. بينما يرجع الفضل كله إلى عمل الروح فيهم - ذلك الذي عمله الروح تواضعًا في اختفاء.. 22- ومن تواضع الروح أنه يرضى أن يسكن في أجسادنا البشرية. كما يقول الرسول "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس الذي فيكم.." (1كو6: 19) وأيضًا "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم" (1كو3: 16). من نحن التراب والرماد؟ وما هي أجسادنا؟ حتى يسكن فيها روح الله؟! أليس هذا تواضعًا منه؟! 23- ومن تواضع الروح القدس أنه يحتملنا: يحتملنا ونحن نحزن الروح (أف4: 30)، ونطفئ الروح (1تس5: 19)، ونقاوم الروح (أع7: 51) بل نرفض الشركة مع الروح بخطايانا! فليرحمنا الله، وليجدد روحه فينا. |
||||
09 - 01 - 2014, 03:56 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
وسائل الاتضاع وعلاماته (1) نود أنْ نذكر الآن مَنهجًا واسعًا ومُختصرًا عن تداريب للاتضاع، على أنْ نرجع بشئ من التفاصيل لهذه النقاط التي سنذكرها: 1 إنْ كانت الكبرياء هي في الاعتداد بالذات وتعظيمها، يكون التواضع في إنكار الذات. وتداريب إنكار الذات كثيرة جدًا ليس مجالها الآن. وقد وضع السيد الرب إنكار الذات في مقدمة شروط التلمذة له. فقال "إنْ أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مت24:16). ولا شك أنَّه بإنكار الذات يصل الإنسان إلى التواضع. لأنَّ الذي ينكر ذاته، لا يمكن أنْ يبحث لها عن مجد أو عظمة.. 2 وأيضًا: المتواضع المُنكِر لذاته، لا يُدافع عن نفسه: إنَّه -في الأمور التي تمسه وحده- لا يُبرِّر نفسه في شيء. ويَقبل ما يُقال عنه في صمت. مثلما فعل السيد المسيح له المجد، الذي لم يُدافع عن نفسه أمام بيلاطس ولا أمام هيرودس. وكذلك فعل يوسف الصديق الذي لم يُدافع عن نفسه (تك39). والقصص كثيرة نتركها إلى موضوع خاص. والمتواضع لا يَستثنى قاعدة عدم الدفاع عن النفس، إلاَّ من أجل الغير.. 3 بل المتواضع يلوم نفسه باستمرار: سواء بينه وبين نفسه، أو أمام الناس، باقتناع وصدق. حدث مرة أن البابا ثاوفيلس، زار جبل نتريا الذي كان يسكنه جماعات من المتوحدين. وسأل أبا الجبل عن الفضائل التي أتقنوها.. فأجابه "صدقني يا أبى لا يوجد أفضل من أنْ يَرجع الإنسان بالملامة على نفسه في كل شيء". حقًا إنَّ لوم النفس هو فضيلة المتضعين. 4 ولوم النفس يُوصّل إلى انسحاق النفس: أي إلى انسحاق القلب من الداخل، إلى انسحاق الروح لشعوره في أعماقه بما في ذاته من نقائص قد تَخفى على الناس ولكنَّها ليست خافية عليه. وهذا الانسحاق الداخلى يُبعد عنه كل ألوان العظمة من الخارج، وفي نفس الوقت يُقِّربه إلى الله كما يقول المزمور "قريبٌ هو الرب من المنكسري القلوب، ويُخلِّص المنسحقين بالروح" (مز18:34). وأيضًا "الذبيحة لله هي روح مُنكسرة. القلب المُنكسر والمتواضع، لا يَرذله الله" (مز17:51). 5 ومن مظاهر الانسحاق، الشعور بعدم الاستحقاق: كما قال الابن الضال وهو راجع إلى أبيه "لست مستحقًا أنْ أُدعى لك ابنًا" (لو21:15). وكما قال قائد المائة للسيد الرب "يا سيد، لست مستحقًا أنْ تدخل تحت سقف بيتي" (مت8:8). وكما قال القديس يوحنا المعمدان عن السيد المسيح: "لست مستحقًا أن أحل سيور حذائه" (يو27:1). وهكذا فإنَّ المتواضع يشعر أنَّه غير مُستحق لكل إحسانات الله إليه، ولا هو بمُستحق لما يناله من الناس من الكرامة. لأنَّه عارف بنفسه..! 6 وفي شعوره بعدم الاستحقاق، يحيا حياة الشكر الدائم: يَشكر على كل شيء، لأنَّه مُتيقن في داخله أنَّه لا يَستحق شيئًا.. لذلك كل ما يناله من الله هو بركة، مهما كان قليلًا. لأنَّه يعرف عن نفسه أنَّه لا يَستحق هذا القليل أيضًا. كذلك هو يشكر على كل لون من مُعاملة الناس له، فإنْ عامَلوه بإكرام، يشكرهم لأنَّهم عامَلوه بما لا يَستحقه. وإنْ ظلموه أو أهانوه، يشكر على أنَّه ينال جزاء خطاياه على الأرض! 7 والمتواضع الحقيقي الذي يشعر بخطيئته، يَقبَل كل ما يأتي عليه. ويقول في نفسه " لو أنَّ الله عاملني حسب خطاياي، ما كنت أستحق أنْ أعيش". ويرى أنَّ كل الإهانات والمتاعب التي تصيبه، هي أقل من استحقاقه بكثير، ويَقبَلَها بشكر.. مثال ذلك داود النبي والملك: لمَّا شتمه شمعي ابن جيرا بشتائم مؤلمة، رفض أنْ يُعاقبه أتباعه، وقال: "الله قال لهذا الإنسان اشتم داود" (2صم10:16). واعتبر ما حدث له نتيجة طبيعية لِمَا سبق من خطاياه.. |
||||
09 - 01 - 2014, 03:58 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
وسائل الاتضاع وعلاماته (2) 8 الإنسان المتواضع -في انسحاقه- يجعل خطيته أمامه في كل حين. إنَّها تَذله من الداخل، وتَعصر عينيه بالدموع، وتُزيد من انسحاقه، وتُذكِّره بضعفه. لا ينسى خطاياه مهما غُفرت ومهما محاها له الله! مثلما بكى داود على خطاياه بعد غفرانها، وقال في المزمور الخمسين "خطيتي أمامي في كل حين".. ومثلما ذكر بولس الرسول خطاياه. وقال "لست مستحقًا أنْ أُدعى رسولًا، لأني اضطهدت كنيسة الله" (1كو9:15). 9 المتواضع -مهما بلغ من رِفعَة- يشعر باستمرار أنَّه ناقص ومُقصِّر، وأنَّه لم يصل بعد إلى ما ينبغى عليه فعله! القديس بولس الرسول الذي صعد إلى السماء الثالثة (2كو2:12)، والذي تَعِبَ أكثر من جميع الرسل (1كو10:15). كان يقول "لست أحسب أنَّنى أدركت أو نُلت شيئًا، ولكنِّى أسعى لعلِّى أدرك.." (فى12:3)، هذا الذي خشى الله عليه من كثرة الاستعلانات (2كو7:12). والقديس أرسانيوس العظيم، الذي كان يقضى الليل كله في الصلاة، والذي كان رجل وحدة وصمت أكثر من الجميع، والذي تساقطت رموش عينيه من كثرة البكاء، والذي كان القديسون يطلبون بركته، وقد أتاه البابا ثاوفيلس يطلب كلمة منفعة.. أرسانيوس هذا: ما كان يشعر أنَّه بدأ الطريق الرهباني بعد! بل كان يُصلى "هبني يا رب أنْ أبدأ"! 10 الإنسان المتواضع لا يتحدث عن نفسه حديثًا يجلب المديح. نفسه هذه التي يلومها باستمرار ويعرف نقائصها، من غير المعقول أنْ يتحدث عن مواقف عظيمة لها تجلب المديح! إنَّ الفريسي لم يتبرر أمام الله، لمَّا وقف في الهيكل يتحدث عن فضائله أمام الله في صلاته! (لو12:18). لذلك فإنني أتعجب من إنسان حديث العهد بالتوبة، يدعوه البعض أنْ يقف على منبر كنيسة أو جمعية، ليحكى اختباراته للناس حتى ينتفعوا بها روحيًا..! فيقف ويحكى كلامًا يُمدح عليه! 11 إنْ كان الحديث عن النفس يُفسح مجالًا للقدوة، فالإنسان المتواضع لا يجعل نفسه قدوة لغيره. إنَّه يقول لنفسه "مَنْ أنا حتى أكون قدوة لغيري؟! أنا الذي وقعت في كذا وكذا من السقطات!". وإنْ كانت القدوة في التوبة والرجوع إلى الله، فأنا لم أتُب بعد. وما زلت في الموازين إلى فوق. وفي كل يوم أسقط.. 12 المتواضع يشعر بتفاهة الكبرياء وخطورتها وتفاهة المجد الباطل. فما قيمة المديح الذي يأتيه من الناس؟! ما بطلانه وما فائدته! بل كم هي أضراره الكثيرة التي تُخرِّب النفس..! باطلة كل أمجاد الدنيا وتافهة! "الكل باطل وقبض الريح" (جا14:1)، .ليس شيء من هذه الأمجاد ثابتًا، ولا دائمًا، ولا نافعًا. ولا شيء منها يصحب الإنسان في أبديته، أو يشفع فيه أمام الله.. إنَّ النفس الصغيرة هي التي تفرح بإعجاب الناس ومديحهم. وكلَّما كَبُرت النفس ورَجعَت إلى صورتها الإلهية، لا يُبهرها مطلقًا أي شيء من أمجاد العالم ومن مديح الناس.. وبخاصة إذا كان ما يقوله الناس عكس ما يعرفه الإنسان عن نفسه، وعكس ما يشعر به في داخله. 13 لذلك فالإنسان المتواضع يهرب من محبة المديح والكرامة. لا يشتهى ذلك ولا يسعى إليه. وإنْ أتاه المديح، لا يجعله ينحدر من أُذنيه إلى قلبه. لا يفرح به في داخله، بل يُدرك تمامًا أنَّه غير مستحق له.. ولذلك لا يُصدقه، أو على الأقل لا يتأثر به مهما كان صحيحًا.. وربما يتَّخذ هذا المديح مجالًا لتبكيت نفسه. ويقول في ذاته: لعلَّني قد صرت مُرائيًا إلى هذا الحد، الذي أظهر فيه للناس بغير حقيقتي! 14 من صفات المتواضع أنَّه ينسب كل أعماله الطيبة إلى نعمة الله. إنَّه يُرجع الفضل إلى الله في كل خير يفعله. يقول مع القديس بولس الرسول "لا أنا، بل نعمة الله العاملة معي" (1كو10:15) ويتذكَّر قول الرب "بدوني لا تقدرون أنْ تعملوا شيئًا" (يو5:15). وهكذا يُحوِّل حديث المديح إلى الله ونعمته وعمله. وإنْ حُورِب من الداخل بأنَّه قد فعل شيئًا، يقول لنفسه "بنعمة الله أنا ما أنا" (1كو10:15). |
||||
09 - 01 - 2014, 03:59 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
وسائل الاتضاع وعلاماته (3) 15 والمتواضع بقدر إمكانه يُخفى برّه عن الناس: يُدرِّب نفسه على عمل الفضيلة في الخفاء على قدر ما يستطيع. ويهتم بالفضائل الداخلية أكثر من الفضائل الظاهرة. ويجعل أمامه قول الرب عن الذين يريدون أنْ يُظهِروا أعمالهم الحسنة للناس "الحق أقول لكم إنَّهم قد استوفوا أجرهم" (مت5:6). 16 بل يُحاول أنْ يُخفى برّه حتى عن نفسه: حسب قول الرب "لا تجعل شمالك تعرف ما تفعله يمينك" (مت3:6). فمثلًا يُعطى دون أنْ يَحصى ما يُعطيه.. ويُحاول أنْ ينسى كل ما فعله من خير، حتى لا يكون ظاهرًا أمامه. وحتى لا يكون في فكره ولا في ذاكرته. ولا تُحاربه به نفسه. ولا يعتبر ذلك الخير من أعمال قدرته هو. بل الله قد فعل ذلك الخير بواسطته. وكان يمكن أنْ يعمله بواسطة غيره, وبطريقة أفضل.. ويتذكَّر نقائصه في عمل هذا الخير, ويلوم نفسه عليها. 17 والمتضع يمتدح غيره لا نفسه: في كل عمل ناجح يقوم به, يذكر الجانب الذي ساهم به غيره في إنجاح العمل، وأهمية ما فعله الآخرون مُمتدحًا ما قاموا به، ناسيًا نفسه. وفوق الكل يذكر يد الله في نجاح العمل. وهكذا يختفي لكي يظهر الله، ولكي يُظهر غيره من الناس. وفى كل ما يعمل، يحب الخير في ذاته لا في أجره ولا في تقدير الناس له. 18 على المتضع أنْ يهرب من العظمة وكل مظاهرها وكل مصادرها. يهرب من محبة الرئاسة والقيادة، ومن محبة السيطرة والنفوذ، ومحبة العظمة والتعالي على الآخرين، ومحبة التقدم على غيره. فكلها أسباب تؤدى إلى الهلاك. وقد نهانا الرب عنها حينما قال لتلاميذه القديسين: "أنتم تعلمون أنَّ رؤساء الأمم يسودونهم، والعظماء يتسلطون عليهم.. فلا يكون هكذا فيكم. بل من أراد أنْ يكون فيكم عظيمًا، فليكن لكم خادمًا.. ومن أراد أنْ يكون فيكم أولًا فليكن لكم عبدًا.. كما أنَّ ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليخدِم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت20: 2528). 19 فإنْ وُضِعَ إنسان في مركز كبير، فليسلك فيه ببساطة واتضاع، ولا يتعالى على غيره. ما أجمل أنْ ينسى مركزه، ويتعامل مع الناس في محبة. بحيث لا يرتفع قلبه، ولا يتعامل مع غيره في تعالٍ أو في كبرياء، كأنَّهم أدنى منه أو أقل. ولا يزدرى بأحد. ولا يستخدم سلطته لإخضاع غيره. لا يتعامل معهم مثلما كان هامان يتطلب احترامًا معينًا من مردخاي (إس6، 5:3).، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.بل يتعامل مع الناس مثل داود، الذي كان وهو قائد جيش شاول الملك، يختلط مع الشعب في مَودَّة، وكان جميع إسرائيل ويهوذا يحبون داود، لأنَّه كان يخرج ويدخل أمامهم (1صم16:18). المتواضع يتعامل مع مرؤوسيه كزميل وصديق ويُشعرهم بمحبة. إنَّ السيد المسيح كان يدعو تلاميذه أخوة. وقد قال لهم "لا أعود أُسميكم عبيدًا.. لكنى قد سميتكم أحباء" (يو15:15). وقيل عنه إنَّه شابه أخوته في كل شيء (عب17:2). 20 المتواضع يحتمل الكرامة، فلا يرتفع قلبه بسببها. ومهما نال من كرامة، لا ينسى أنَّه إنسان، وأنه تراب ورماد. بل على العكس يتواضع بالأكثر، لكي يقيم توازنًا بين داخله وخارجه. وإنْ وصل إلى مركز رفيع أو نال جاهًا أو مالًا أو سلطانًا، فليذكر قول القديس أنطونيوس الكبير: "إنَّ احتمال الكرامة أصعب من احتمال الإهانة". أما الذي يرتفع قلبه، فإنَّه يُذكِّرنا بقول الشاعر: لمَّا صديقي صار من أهل الغنى أيقنت أنِّي قد فقدت صديقي |
||||
09 - 01 - 2014, 04:01 PM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
وسائل الاتضاع وعلاماته (4) 21 المتواضع يحاول باستمرار أنْ يتخذ "المتكأ الأخير". وذلك حسب وصية الرب (لو14: 710). وما أجمل قول الشيخ الروحاني في ذلك "في كل موضع حللت فيه، كن صغير أخوتك وخديمهم". ليس فقط أنْ لا تتعالى عليهم، بل أنْ تكون أصغرهم وخادمهم. وهو في ذلك يُقدِّم كل إنسان على نفسه، حسب قول الرسول "مُقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة" (رو10:12). وكما انحنى السيد الرب وغسل أرجل تلاميذه (يو13)، يكون هو أيضًا مستعدًا أنْ ينحني ويخدم الكل، مهما كانوا أصغر منه. وهكذا نرى الكهنة والمعلمين في كنيستنا يدعون أنفسهم خدامًا. وهنا نذكر الصلاة التي صلى بها القديس أوغسطينوس من أجل شعبه قائلًا " أطلب إليك يا رب من أجل سادتي، عبيدك". فقال عنهم "سادتي" مع أنهم أولاده ورعيته.. على أنَّنا نريد أنْ يكون تعبير " خادم " ليس مجرد لفظ أو لقب، إنَّما يستعمله صاحبه بكامل دلالته ومعناه. 22 الإنسان المتواضع يضع أمامه فضائل القديسين وعلوها، فتَصغُر أمامه كل أعماله الفاضلة: فإنْ حورب بفضيلة أتقنها، يَتذكَّر المستوى العالي الذي وصل إليه القديسون في هذه الفضيلة بالذات، ويُقارن نفسه بهم، فيرى أنَّه لا شيء، وتَصغُر نفسه في عينيه في كل ما فعله من بر. أما الخطورة فهي أنْ يقارن الشخص نفسه بالمبتدئين أو بالساقطين والخطاة، فيرى أنَّه أفضل منهم. كما فعل ذلك الفريسي الذي وقف في الهيكل يُصلى وقال "أشكرك يا رب أنِّى لست مثل سائر الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار" (لو11:18). 23 بل المتواضع يضع أمامه الكمال المطلوب منه، فيرى أنَّه لم يصل بعد إلى شيء. يَتذكّر قول السيد الرب "كونوا أنتم أيضًا كاملين، كما أنَّ أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت48:5). ويرى أنَّ المسافة طويلة بينه وبين هذا الكمال المطلوب، فيتضع قلبه ويشعر أنَّه لا يزال في الموازين إلى فوق (مز9:62). ويُردد نفس العبارات التي وُصِف بها بيلشاصر الملك "وُزِنت بالموازين، فوُجدت ناقصًا" (دا27:5). وهكذا يتضع قلبه إنْ تذكَّر المطلوب منه. فإنْ كانت المحبة هي أول ثمرة من ثمار الروح الكثيرة (غل23، 22:5). وللمحبة برنامج طويل ذَكَرَه بولس الرسول في (1كو13) وللآن لم يُدرك بعد أعماق هذه المحبة، ولم يَستكمل مستلزماتها، فماذا يقول إذن عن باقي ثمار الروح التي ليس لها منها شيء؟! بل يذكُر أيضًا قول الرب "متى فعلتم كل ما أُمرتم به، فقولوا إنَّنا عبيد بطالون، لأنَّنا إنَّما عملنا ما كان يجب علينا" (لو10:17). ويقول: حقًا، إنَّني لم أصل بعد إلى درجة هؤلاء العبيد البطالين! 24 الإنسان المتواضع، يتواضع أيضًا من جهة المعرفة والفهم: يضع أمامه قول الكتاب "لا تكن حكيمًا في عيني نفسك" "وعلى فهمك لا تعتمد" (أم5، 7:3). ويبعُد عن المعرفة التي تنفخ (1كو1:8)، .وليذكُر قول مار اسحق إنَّ "الذي يفتخر بالمعرفة، يسقط في البدعة والهرطقة". وقد سقط فيها أريوس ونسطور وأوطاخي. وكانوا من المُعتَّدين بمعرفتهم ومراكزهم، وواثقين في أنفسهم بعمق علمهم! 25 المتواضع لا يكون عنيدًا، متشبثًا برأيه. لأنَّه توجد عجرفة فكرية عند البعض. عظمة في الاعتداد بالرأي والتشبث به، مهما كان شاذًا أو خاطئًا. وعدم قبول معارضة له، أو حتى مناقشته! بحيث يثور هذا الشخص إذا نُسِبَ إلى فكره أي خطأ، ويَحتَدَّ ويتكلم بخشونة وربما بإهانة. كما لو كانت لفكره عصمة ترفعه فوق المناقشة أو التحليل. أما المتواضع، فإنه سهل في التفاهم، يقبل الرأي الآخر مهما كان مُعارضًا له، ويقبل الحوار والنقاش بطيبة قلب. 26 الإنسان المتواضع يُحب التلمذة، ويقبل التعليم والتوبيخ. إنَّه لا يرى مطلقًا أنَّه قد وصل إلى درجة من المعرفة لا تقبل الزيادة. بل باستمرار يريد أنْ يعرف ويتعلَّم ويستزيد. ويعيش طيلة عمره يتتلمذ على الكتب، وعلى الناس، على الآباء والمُرشدين، وعلى الطبيعة، وعلى الأحداث.. ولا يظن أنَّه وصل في المعرفة إلى المستوى الذي يعطى فيه باستمرار دون أنْ يأخذ.. وفى اتضاعه يتقبَّل كل رأى باتضاع، إنْ كان سليمًا. ويشكر عليه، ويعترف أنَّه قد استفاد. وإن كان الرأي خاطئًا، لا يجرح صاحبه، بل يُناقشه في هدوء واتضاع. |
||||
|