البابا شنودة الثالث
الاطمئنان وعدم الخوف
وفي السلام الداخلى: الاطمئنان وعدم الخوف:
الخوف:
إن عدم وجود السلام القلبي يسبب الخوف. بل يسبب أيضًا القلق والاضطراب والانزعاج.. ومتاعب نفسية كثيرة..
انظروا إلى إنسان يملك السلام قلبه، مثل داود النبي. نراه يقول في مزاميره "أن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي. وإن قام على قتال. ففي هذا أنا مطمئن" (مز 27).
وأيضًا إن سرت في وادي ظل الموت، فلا أخاف شرًا، لأنك أنت معي" (مز 23).
الجيش كله خاف من ملاقاة جليات، لكن داود لم يخف.
كان قلبه مثل أسد. مع أنه كان شابًا صغيرًا، وأخوته الأكبر منه كانوا خائفين.. والملك شاول نفسه قال له "لا تستطيع أن تذهب لتحاربه، لأنك غلام وهو رجل حرب منذ صباه" (1صم 17: 33) ولكن داود القوي القلب قال للملك "لا يسقط قلب أحد بسببه.. عبدك يذهب ويحاربه"، وحكى كيف أنه في صباه كان يرعى غنمه، فجاء أسد مع دب، وأخذا شاه من القطيع "ولم يخف داود من كليهما، بل خرج وراء الأسد، وأنقذ الشاة من فمه. وقتل الأسد والدب جميعًا" (1صم 17: 34 - 36).
وعدم خوف داود من جليات الجبار، كان مرتكزًا على عمل الرب.
قال داود "الحرب للرب" وليس الخلاف بسيف أو برمح.. وقال الجبار "أنت تأتى إلى بسيف ورمح وبترس، وأنا آتى إليك باسم رب الجنود. في هذا اليوم يحبسك الرب في يدي.." إنها ثقة قوية بعمل الرب ورعايته. لذلك لم يخف مطلقًا، وبإيمانه ادخل اسم الله إلى ساحة الحرب.. الله الذي هو أقوى من جليات الجبار، ومن كل جبابرة الأرض، لذلك قال عن جليات "لا يسقط قلب أحد بسببه" (1صم 17: 32)..
وهكذا الذي يملك السلام قلبه، ليس فقط يكون مطمئنًا، بل أيضًا يشيع الاطمئنان في القلوب. فكمثال داود، كان موسى وأليشع: كل منهما في سلامه واطمئنانه، كان يبعث نفس الاطمئنان في قلوب غيره. جيش الأعداد كان يحيط بالسامرة، وكان أليشع مطمئنًا. أمام تلميذه جيحزي فكان خائفًا، لأنه لم يكن يبصر المعونة الإلهية المحيطة بالمدينة. لذلك قال أليشع لتلميذه جيحزي "لا تخف لأن الذين معنا أكثر من الذين علينا" (2 مل 6: 16). وصلى إلى الله لكي يفتح عيني الغلام فيرى.. والشعب أمام البحر الأحمر من ناحية، وفرعون من ناحية أخرى. خافوا إذ رأوا الموت يهددهم، ولم يكن لهم الإيمان الذي يرون به خلاص الرب. أما موسى فلم يخف.
بل قال للشعب "لا تخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب.. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" (خر 14: 13، 14).
بالإيمان نرى معونة الله وخلاصه. فلا نخاف.
بطرس الرسول وهو ماش مع الرب على الماء نظر إلى الأمواج "ولما رأى الريح شديدة خاف وابتدأ يغرق" (مت 14: 30) وسبب ذلك أنه كان ينظر إلى الموج وليس إلى المسيح الذي يمسك بيده وينجيه. لذلك وبخه السيد على عدم إيمانه وقال له "يا قليل الإيمان، لماذا شككت" (مت 14: 31).
إن الله دائما يدعونا إلى عدم الخوف.
إنه يقول "لا تخافوا. لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع"، "سلامي أترك لكم.. سلامي أنا أعطيكم" (يو 14: 27). وكان الله دائمًا يقوي أولاده، يدعوهم إلى عدم الخوف.. لما أحس يشوع بالضعف بعد موت موسى النبي، قال له الرب "كما كنت مع موسى النبي أكون معك، لا أهملك ولا أتركك"، "تشدد وتشجع. لا تهرب ولا ترتعب، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب". بل قال له أكثر من هذا "لا تقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك" (يش 1: 5- 9).
وما أجمل العبارة المعزية التي قالها لبولس الرسول في رؤياه "لا تخف، بل تكلم ولا تسكت، لأني أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 9، 10). وعندما كان يعقوب أبو الآباء خائفًا من أخيه عيسو، ظهر له الرب في رؤياه وعزاه. وقال له "ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلى هذه الأرض" (تك 28: 15).
إن الخوف دخيل على الطبيعة البشرية، لم يدخل إلى النفس إلا بعد الخطية.
كان آدم يعيش مع الوحوش، مع الأسود والنمور والفهود، ومع الثعابين والدبيب، وما كان يخاف، وكذلك كان أبونا نوح في الفلك مع كل هذه الوحوش، وكان يعتني بها ويطعمها، وما كان يخاف.
آدم لما أخطأ بدأ يخاف، واختبأ خلف الشجر، وقال للرب "سمعت صوتك في الجنة فخشيت، لأني عريان فاختبأت" (تك 3: 10).
وكما خاف آدم بعد الخطية، كذلك خاف قايين. وقال للرب "ذنبي أعظم من أن يحتمل. ها قد طردتني اليوم عن وجه الأرض، ومن وجهك اختفى. وأكون تائهًا وهاربًا في الأرض. فيكون كل من وجدني يقتلني" (تك 4: 13، 14). وقضى قايين أيامه في رعب، فاقدًا لسلامة الداخلي.
الخطية تشعر الإنسان بأنه انفصل عن الله مصدر القوة والحماية، فيخاف..
يخاف من الخطية وانكشافها وفضيحتها أمام الناس، يخاف من نتائج الخطية، ومن عقوبة المجتمع أو القانون، ويخاف من الله نفسه ودينونته، ويخاف من ضعفه أمام الخطية، ومن الشيطان الذي انتصر عليه.
فإذا حصل الإنسان على مغفرة الله وستره، فلا يخاف، وإن آمن بمعونة الله له في ضعفه، فلن يخاف لأن مجرد شعوره أن الله معه، ينزع الخوف من قلبه.
الإنسان الخائف، ينظر إلى سبب الخوف وليس إلى الله الذي ينجيه منه.