04 - 05 - 2013, 04:28 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
ما زال يدحرج الأحجار
............................. «من يدحرج لنا الحجر؟». لا شك أنه سؤال قد حيَّر المريمات قديمًا، وهن في طريقهن للقبر. وقد اعتراهن كثير من القلق، وأطنان من اليأس رزحت فوق قلوبهن، أكثر ثقلاً من وزن ذلك الحجر، الذي كان على الأرجح يزيد على الطن، والذي يسد فوّهة القبر، وكان يفصل بينهن وبين المحبوب. من سيرفع من أمامهن كل هذا الثقل؟ إن قصة المريمات هي قصتنا أيضًا، بل هي قصة كل الجنس البشري؛ فالشعور بالخوف والفشل والحزن والمرارة، هي المشاعر السائده التي تسيطرعلينا حينما نحاول أن نرفع أحجارًا من طريقنا، محاولين أن نمهِّد لأنفسنا الطريق. ونحن في داخلنا نعرف جيدًا أنه ليس بمقدورنا حتى تحريكها من مكانها. قد نكون مثلهن تمامًا، والحجر أمامنا هو قبر ابتلع أحد أحبائنا، ونحن نرزح تحت ثقل الفراق والوحدة! قد يكون الخوف من المستقبل، الخوف من الاتكال على مصادر غير موثوق بها، خوف من قلة الإمكانيات، الخوف من ظروف لا نستطيع التحكم فيها. بل وكثيرون منا يرزحون تحت ثقل أحجار من الأمراض العضوية أو النفسية، بل وحتى الإدمان الفعلى، أو لعادة قبيحة أحكمت قبضتها علينا وأثقلت كاهلنا. لا شك أن هناك العديد من الحجارة الثقيلة، تجثم فوق قلوبنا من أخطاء اقترفناها من قبل، تطل برؤوسها من وقت لآخر مهدِّده إيانا بما لا يُحمد عُقباه. أو أخطاء ارتُكبت في حقنا لا نستطيع غفرانها، مسبِّبة لنا الكثير من الحزن والمرارة. قد يكون الخوف مما اجتاح العالم من تيارات العنف والإرهاب، وما ستجلبه عليه من مستقبل حالك ومظلم. وهذا قليل من كثير تمثِّل جميعها أحجارًا أثقل من أن نستطيع دحرجتها أو زحزحتها من مكانها. ولكن تخيل معي المفاجأة التي اعترت المريمات حينما وصلن إلى القبر ووجدن الحجر، الذي كان سرِّ حيرتهن، قد تدحرج من مكانه، ومشهد الموت الذي ارتبطت به كل مخاوفهن، قد تحوَّل الى مشهد حياة، والرب، الذي ظنوا أنهن قد فقدنه للأبد، هو أمامهن يتكلم معهن، مغيِّرًا كل أحزانهن ومخاوفهن إلى أفراح وسلام! هذه هي حقيقة القيامة، إنها اكتشاف أن الحجر الذي أعاقنا زمانًا طويلاً قد تدحرج من طريقنا بواسطة إنسان آخر يقدِر أن يخلِّص إلى التمام. إنه اكتشاف أن الرب الذي حسبناه لوهلة قد مات، ما زال حيًّا، بل هو واقف معنا ويقول لنا: ”سلام“، بل ويرسلنا لنعلن للكل عن سلطانه، ولنخبر العالم أن لا شىء يستطيع أن يقف في طريقه، وأنه يستطيع كل شيء، بل إن له حتى في الموت مخارج! إن القيامة ليست حَدَثًا، بل هي طبيعة حياة تُعلن أن لله سلطانًا، ولا تعيقه أيّة أحجار، مهما بدت للعقل البشرى غير قابلة للزحزحة. إن القيامة إعلان أن القدرة الإلهية لا تضع شرعية للعالم بكل مخاوفه وآلامه كما نراه نحن. قد قام ليُبطل نظام هذا العالم، ويدفن كل مخاوفنا وآلامنا داخل القبر، ويجلب إلى قلوبنا، كل فرح وطمأنينه وسلام. علينا أن لا ننجرف فى بالوعة اليأس، ونحن نرى بالعيان حجم الحجر وثقله. علينا أن نسلك بالإيمان، ونعلم أنه منذ ابتداء تضرعتنا قد خرج الأمر من عند الرب (دا 9 : 23)، والأمر قد صدر من قِبَلِه للملاك أن يدحرج الحجر؛ وهو في طريقه إلينا يزيل الأحجار من أمامنا. ........ مسعد رزيق |
||||
04 - 05 - 2013, 04:35 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
أنه قام.. وأنه ظهر
......................... هناك ارتباط وثيق جدًا بين عمل الفداء والقيامة، فالدليل علي قبول عمل الفداء الذي تمَّ على الصليب هو قيامة الرب من الأموات؛ لذلك نجد الرسول بولس يقول: «إن لم يكن المسيح قد قام، فباطل إيمانكم. أنتم بعد في خطاياكم» (1كو15: 17). وإذا بحثنا في الكتاب، نجد أن رقم الفداء هو رقم 14؛ فخروف الفصح كان يُذبح في اليوم الرابع عشر من الشهر الأول. ويفتتح إنجيل متى بالقول: «كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود بن إبرهيم»، ثم قال «جميع الأجيال من إبرهيم إلي داود أربعة عشر جيلاً، ومن داود إلي سبي بابل أربعة عشر جيلاً، ومن سبي بابل إلي المسيح أربعة عشر جيلاًً» (مت1: 1، 17). ثم في سفر الرؤيا نجد كلمة الحمل تتكرر بطول السفر ثماني وعشرون مرة (14×2). وإذا حسبنا المرات التي ظهر فيها الرب بعد قيامته، سنجدها أربع عشرة مرة، منها إحدى عشرة مرة قبل صعوده، ثم ثلاث مرات بعد صعوده، ولكل منها دلالة خاصة نذكرها كالآتي: 1- لمريم المجدليه فقط (يو20: 14)، حيث الإعلان عن الارتباط بالرب وهو في السماء «أصعد إلي أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم». 2- لمريم المجدلية ومريم الأخرى اللتين خرجتا سريعًا من القبر، وفيما هما منطلقتان إذا يسوع لاقاهما وقال: «سلامٌ لكما، فتقدَّمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له» (مت28: 9، 10)؛ حيث يتعامل الرب كالملك مع البقية التقية. 3- لسمعان بطرس (لو24: 34)؛ حيث تعامل الرب معه بالنعمه لردِّ نفسه. 4- لتلميذي عمواس (لو24: 13- 25)؛ كالراعي الذي سار معهما وفسَّر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب وفتح أعينهما فعرفاه. 5- للرسل العشرة في العلية (يو20: 12؛ لو24: 36)؛ حيث حضر في وسطهم ليُظهر لهم جروحه، ويهبهم سلامًا مؤسَّسًا علي شخصه وعمله وقيامته، ويفتح ذهنهم ليفهموا الكتب. 6- للأحد عشر في العلية (يو20: 26-29)؛ حيث جعل توما يضع يده في جنبه فهتف قائلاً: «ربي وإلهي»، فقال له الرب: «طوبي للذين آمنوا ولم يروا». 7- التلاميذ وهم يصطادون عند بحيرة طبرية (يو21)؛ حيث ظهر لهم الرب بصفته رب الخدمة، الذي يوجِّه عبيده كيف وأين يخدمون، حيث قال: لهم ألقوا الشبكة علي الجانب الأيمن، بعد أن تعبوا الليل كله؛ فاصطادوا سمكًا كبيًرا مئة وثلاثًا وخمسين، ثم عيَّن الخدمة لبطرس قائلاً: «ارعَ غنمي». 8- للأحد عشر (مت28: 16)؛ حيث أعلن الرب سلطانه وسيادته قائلاً «دُفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلي الأرض»، وأعلن أيضًا بداية ملكوت السماوات وكيفية دخول ذلك الملكوت قائلاً «فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلِّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به، وها أنا معكم كل الأيام إلي إنقضاء الدهر» ( مت28: 18-20). 9- لأكثر من500 أخ دفعة واحدة (1كو15: 6). 10- ليعقوب أخي الرب (1كو15: 7)؛ حيث آمن يعقوب بالرب بعد قيامته، علي الرغم أنه لم يؤمن به أيام حياته على الأرض. 11- للأحد عشر وبعض التلاميذ عند صعوده من جبل الزيتون (لو24: 50-52 ؛ أع1)، وبينما هو يصعد رفع يديه ليباركهم بعد أن وعدهم أن يرسل إليهم موعد أبيه؛ وهو هنا يظهر كرئيس الكهنه الذي يبارك قديسيه وهم في بيت عنيا (بيت العناء)، ليباركهم وسط آلام البرية وظروفها، ويهبهم أيضًا الروح القدس والقوة. ثم بعد صعوده للمجد أظهر نفسه لتلاميذه ثلاث مرات هي: 12- لاسطفانوس (أع7: 56) حيث قال: «ها أنا أنظر السماوات مفتوحةٌ، وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله»؛ وهنا يظهر الرب كابن الإنسان الذي على استعداد أن يدين الأمة. 13- لشاول وهو في طريقه إلى دمشق (أع9)؛ حيث أعلن الرب نفسه لشاول في صفته رأس الجسد وأن الكنيسة لحم من لحمه وعظم من عظامه: «لماذا تضطهدني؟». 14- ليوحنا الرسول وهو منفي في جزيرة بطمس، وذلك في سفر الرؤيا، حيث أعلن له ما هو كائن، وما سيكون بعد هذا، وأعلن له تاريخ الأرض حتى نهاية كل شيء، وحتى يصنع كل شيء جديدًا. والآن نحن ننتظر آخر ظهور له بلهفة شديدة كل لحظة، ليأتي ويأخذ عروسه؛ وستكون هذه المرة الأخيرة لظهوره لنا نحن قبل ظهوره العلني للعالم. آمين تعال أيها الرب يسوع. ... عزت نظير |
||||
04 - 05 - 2013, 04:38 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
مريم المجدلية عند القبر (يوحنا 20)
.......................................... الأحد لم يستبدل بالسبت، السبت هو كمال عمل الله في الخليقة، فيقول في تكوين2: 3 «وبارك الله اليوم السابع وقدسه، لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقًا» (انظر أيضًا خروج20: 11)، بينما الأحد هو ذكرى كمال عمل المسيح الذي أتمه بالقيامة. السبت مرتبط بالخليقة الأولى التي رأسها آدم، بينما الأحد مرتبط بالخليقة الجديدة، ورأسها آدم الأخير، الرب يسوع المسيح. في أول الأسبوع «جاءت مريم المجدلية إلى القبر»: عند الصليب بقيت مريم للآخِر، وإلى القبر جاءت أولاً. ما الذي قادها باكرًا إلى القبر والظلام باقٍ؟ محبتها. إن تكريسها للرب يُخجل الكثيرين. فمنذ أن عرفته مخلصًا كانت تجول معه وتخدمه (لو8: 1، 2). ثم عند الصليب تركه التلاميذ وهربوا، لكن هي بقيت ومعها النساء هناك. ولما أسلم الروح كانت هناك (مر15: 40)، وعندما دُفن أيضًا كانت هناك (مت27: 61). محبتها منذ بداءة إيمانها، وقد استمرت حتى النهاية. هل محبتنا للرب تزداد يومًا بعد يوم؟ أم نتراجع وننشغل بالعالم؟ «فنظرت الحجر مرفوعًا»: وذلك بعد قيامته، لأن الرب لا يحتاج أن يرفع الحجر لكي يخرج من القبر، بل كما كان يدخل ويخرج إلى العلية والأبواب مغلقة، هكذا قام والحجر على باب القبر والحراس هناك، والملاك إنما دحرج الحجر لكي يظهر إن القبر فارغ. ونلاحظ أن إنجيل متى ينتهي بالقيامة (28: 20)، وإنجيل مرقس ينتهي بالصعود (16: 19)، وإنجيل لوقا ينتهي بالوعد بارسال الروح القدس (21: 49)، وإنجيل يوحنا ينتهي بالمجيء الثاني (21: 22). القيامة - الصعود - إرسال الروح القدس - المجيء الثاني. هذه هي الحقائق الأربع في المسيحية. «فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التلميذ الآخر». مريم المجدلية وحدها ارتبطت بكل المشاهد الختامية، من اتباعه وهو حامل الصليب حتى قيامته. أعمالها ومحبتها تحمل لنا تعاليم روحية، لأن الرب كان أمامها الغرض الأسمى والمستحوِذ على كل مشاعرها، وهذا واضح من كلامها للتلميذين بطرس ويوحنا: «أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه». حامل كل الأشياء بكلمة قدرته لا يؤخذ يا مريم. صحيح كان قلبها مملوءًا بالمحبة، لكنها بدون سراج الكلمة أخطأت في استنتاجها. كلمة الله وحدها هي التي تصحِّح أفكارنا وسلوكنا. المحبة تنظم بواسطة الإيمان بكلمة الله. إيمانها كان يحتاج إلى تدريب، لذلك حكمت حسب الظاهر. «فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا إلى القبر» تجاوبًا مع كلام مريم تحركت أرجلهما، وركضا ليصلا إلى القبر بأسرع ما يمكن. لكن يوحنا تجاوز بطرس ووصل أولاً. قبل الإيمان كانا معًا وكانا شريكين، وبعد ما اتبعا الرب كانا معًا في العديد من المناسبات، مثل: بيت يايرس عندما أقام المسيح ابنته، وعلى جبل التجلي ومعهما يعقوب، وكذلك في جثسيماني، وبعد القيامة في سفر الأعمال. لكن يوحنا كان أعمق تأثرًا وانجذابًا بمحبة المسيح، فكان الأسرع، وكأن لسان حاله يقول: «اجذبني وراءك فنجري». لكن أيضًا بطرس يركض، وربما كان يفكر بخطيته ونكرانه، لذلك تثقلت خطواته! عندما تكون في القلب خطية غير مدانة يبتدئ المؤمن يتأخر عن الاجتماعات وعن الشركة مع الإخوة، وهكذا يبتعد رويدًا رويدًا... «وانحنى فنظر الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل». نظر يوحنا إلى القبر والأكفان ولم يرَ المسيح... كم من الأشخاص ينظرون إلى نفوسهم وليس إلى المسيح! «ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة». قد يوجد تباين في الشخصية، لكنهما في طريقهما معًا إلى المسيح. يوحنا لطيف هادىء متحفظ، انحنى فقط، بطرس حار غيور مندفع متحمس، وأحيانًا متهور، وهو أول من دخل إلى القبر. اختلاف الأمزجة بين المؤمنين لا يؤثِّر، طالما أنظارهم متجهة إلى المسيح. «والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان بل ملفوفًا في موضع وحده». كل شيء بترتيب لإظهار أن مغادرة الرب المكان قد حصلت بهدوء ومن دون عجلة، ودون أن يُنقل بواسطة آخرين، بل إنه خرج بنفسه من الموت ساعة أراد، وكما أراد، تاركًا هذا المكان في ترتيب كامل. بينما لعازر عندما أقامه الرب خرج من القبر «ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة، ووجهه ملفوف بمنديل. فقال لهم يسوع حلوه ودعوه يذهب» (يو11: 44). أما الرب فلم يحتج إلى البشر. لقد جرَّد القوي من سلاحه الكامل وهو في عقر داره (لو11: 21، 22؛ كو2: 15). لقد أباد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس، وقام بقوة الله وترك الثياب في القبر. يوسف طُرح في السجن مكان الإدانة وكان معه مذنبان، ولكنه خرج من السجن بعدما بدل ثيابه، وتركها هناك ليلبس ثياب السمو والكرامة. «فحينئذ دخل أيضًا التلميذ الآخر الذي جاء أولاً إلى القبر ورأى فآمن». يوحنا كان أول من قَبِلَ هذه الحقيقة . لقد شاهد بطرس لكن لم يذكر الكتاب عنه أنه آمن. الإيمان يكون غير عامل عندما تكون النفس تحت ٍضباب السقوط المعتم، لأن بطرس لم يكن قد عولج بعد. «لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب». شيء قاسٍ ومذلٍ أن رؤساء الكهنة والفريسيين قالوا لبيلاطس: «يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم» (مت27: 63)، ولكن تلاميذه لم يتذكّروا ذلك! «أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجًا تبكي». بطرس ويوحنا رجعا إلى موضعما (ع10)، أما مريم فهي وحدها خارج القبر تبكي. قلبها متعلق بالرب، تريد أن تراه حيًا أو ميتًا. العالم كله بالنسبة لها قبر فارغ طالما لم تجد سيدها. ولا عجب فإن التلميذين عرفاه لما دعاهما عند البحر فتركا الشباك وتبعاه، أما هي فقد عرفته كالشخص الذي أنقذها من قبضة سبعة شياطين كانوا يسكنونها، لذك أحبت منقذها كثيرًا. «تبكي»: كان يجب أن تبكي لو بقي المسيح في القبر، لأنه أي رجاء في مسيح مات ودُفن ولم يقُم. بينما بولس يقول: «أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دفن، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب» (1كو15: 3و4). فدموعها لا حاجة لها، كهاجر التي كانت تبكي لموت الغلام من العطش، بينما الماء بقربها! أحيانًا كثيرة نحزن لغياب أشياء هي في متناولنا، ونكون كيعقوب الذي اضطرب لفقدان يوسف، بينما يوسف حي (تك42: 36). وهنا مريم تبكي كمن لا رجاء لها! «فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحدًا عند الرأس والآخر عند الرجلين». لم تَخَف مريم الملاكين، ولم يجذبا انتباهها، لأن غرضها أسمى بكثير من هذه الكائنات السماوية، إذ لا شخص ولا أي شيء يشبع قلبها إلا شخصه. إن كانت قلوبنا متمتعة تمامًا بشخص الرب مرتبطة به أكثر، كم من الأشياء في هذا العالم تفقد أهميتها لنا، ويا له من فرح نختبره أن نكون مشغولين به! ملاكان مرسلان من السماء يؤكدان نصرة القيامة، شهادة من فوق. قد يكونا رئيسي ملائكة. جالسين عند الرأس وعند الرجلين كل واحد منهما كان مكتفيًا بما يخدم به، وهذا ما يجب أن يكون عليه كل واحد منا، فلا مخاصمة بينهما كما حدث مع الرسل عندما صنع الرب ذكرى موته «وكانت بينهم أيضًا مشاجرة من منهم يظن أنه يكون أكبر» (لو22: 24). «ثياب بيض»: صفات كل سكان السماء. الملائكة لم ترَ المسيح إلا بعد التجسد، لأن السرافيم الواقفين فوق العرش يغطي كل منهم وجهه لكي لا يرى السيد الجالس على الكرسي العالي. «فقالا لها يا امرأة لماذا تبكين؟ قالت لهما أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه». تعجّب الملاكان إذ إن السماء تسبِّح، وهذه المرأة تبكي. يا لطول أناة إلهنا في تعامله مع غباوتنا! لكن سؤالاً رقيقًا مشفقًا وجَّهاه لها. لقد كان على مريم أن تسبح وتهتف وترنم لأن القبر فارغ. لكن فكرة القيامة لم تخطر على بالها، كبقية التلاميذ، ما عدا يوحنا الذي لما رأى القبر فارغًا آمن. «ولما قالت هذا التفتت إلى الوراء فنظرت يسوع واقفًا، ولم تعلم أنه يسوع». مريم لم تعُد تنظر إلى القبر، بل تحولت إلى جهة الأحياء. يجب أن نرفع عيوننا وننظر رئيس الإيمان ومكمله. مريم لم تُرد أن تترك الرب مع أي شخص آخر، لكن الموقف كله كان خطأ – دموع الحزن بدلاً من الفرح والبهجة؛ تصوَّرت أنه لا يزال ميتًا، وهو الحي إلى أبد الآبدين، وله مفاتيح الهاوية والموت. «قال لها يسوع: يا امرأة لماذا تبكين؟ من تطلبين؟ فظنت تلك أنه البستاني، فقالت له يا سيد: إن كنت أنت قد حملته، فقل لي أين وضعته، وأنا آخذه». قد يكون المخلِّص قريبًا جدًا من الناس، ومع ذلك يفوتهم أن يميّزوه. هذه هي أول كلمات له بعد القيامة. لقد جاء ليعصب من**ري القلب، ليعزي كل النائحين (إش61: 1). وقريبًا جدًا سيأخذنا إليه، وهناك سيمسح كل دمعة من عيوننا (رؤ21: 4). لماذا تبكين؟ من تطلبين؟ الملاكان لم يعزّياها وغابا عن الأنظار، لكنها قالت بالضمير الغائب ”حملته - وضعته - آخذه“. لقد أخطأت مريم إذ ظنت أنه البستاني، لكن راعي الخراف العظيم المُقام من الأموات، يعرف خرافه الخاصة التي تطلبه والمكرَّسة له، ويعرف تمامًا كل ما يختلج في قلبها. نتائج تكريسها: رأت الملاكين وتكلما إليها، أول من رأت الرب المقام وحمَّلها رسالة بشرى لإخوته، بينما بطرس ويوحنا خسرا كل هذا. وقد تم فيها القول: «إني أكرم الذين يكرمونني». «قال لها يسوع: يا مريم. فالتفتت تلك وقالت له ربوني الذي تفسيره يا معلم». أول كلمة: ”يا امرأة“ قالها المسيح بصفته كالخالق، وأما ”يا مريم“ فقد قالها كالراعي الذي يدعو خرافه الخاصة بأسماء. إن كنا نطلبه يظهر لنا «الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني. والذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي» (يو14: 21). يا مريم: كلمة واحدة منه طردت كل حزن! إنه يظهر في ملء محبته، فيملأ القلب فرحًا ويشيع الاطمئنان في النفس! ربوني: سمعت فالتفتت، ورأت ثم سجدت بكلمة واحدة. المحبة تغني الحبيب عن الثرثرة، كلمة واحدة حوَّلت الباكية إلى ساجدة. انتهى ليل بكائها وفاض كأسها. «وقال لها لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي». لقد بيَّن لها بهذه الكلمات الحاسمة أن العلاقات الجديدة لا يمكن أن تستأنف تمامًا كما كانت قبلاً، إذ موته وقيامته غيّرا كل شيء. ويجب أن نعرفه بالروح كواحد مع الآب ممجدًا في الأعالي وغرض الإيمان. وبعدما يمتلئون من الروح القدس سوف يدركون أن علاقتهم معه أعمق جدًا من اللمس، وأن البركة ليست بالمنظور «في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم في وأنا فيكم» (يو14: 20). «ولكن اذهبي إلى اخوتي وقولي لهم». إعلان عظيم دعا تلاميذه إخوته، في يوحنا 13: 1 دعاهم خاصته، وفي يوحنا 15: 14 أحباءه، لكن ولا لقب من هذه يعبِّر عن العلاقة بنفس الطريقة مثل اخوتي، إنها العلاقة كالشخص المقام الذي انتصر على الموت «لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل، وبه الكل، وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يكمِّل رئيس خلاصهم بالآلام. لأن المقدِّس والمقدَّسين جميعهم من واحد فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة، قائلاً: أخبر باسمك إخوتي، وفي وسط الكنيسة أسبحك» (عب2: 10-12). وفي يوحنا 12: 24 هو حبّة الحنطة التي تُنتج نظيرها بعد الموت. وفي رومية 8: 29 «ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين». كذلك في مزمور22 بعد ما أنقذ من فم الأسد، ومن قرون بقر الوحش، قال «أُخبر باسمك إخوتي» (ع21، 22). «إني أصعد إلى أبي وأبيكم». قام لا ليبقى معهم إنما هي أول خطوة لرجوعه للسماء، كممثِّل لنا وسابق لأجلنا. بعد الفداء، أبوكم كما هو أبي، أي كل ما لي، كالرأس، هو لكم كالأعضاء. لكن ليس أبانا، فالله أبوه منذ الأزل وهو مساوٍٍٍٍ للآب. نحن أبناء الله بالتبني لأننا ارتبطنا به مخلِّصًا. «فجاءت مريم وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأنه قال لها هذا». حملت مريم أفضل رسالة للتلاميذ. امتياز جليل مُنح لها. إنها رسالة الحياة، والشفاء، والعزاء، والهناء، والرجاء! أول رسالة للموت جاءت بامرأة: ”حواء“ في بستان المسرات، وأول إشعار بالقيامة من الموت جاءت بامرأة: ”مريم“ في بستان القبر. لقد زرعت مريم بالدموع وحصدت بالابتهاج (مز126: 5، 6). ...... |
||||
04 - 05 - 2013, 04:41 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
المجدلية تتحدث .......... كادت دموعي أن تَذيبَ مُقلتيَّ وتذوبُ فيما أُعِِدُّ من أغلى الحنوطْ ففؤادي قد سُحِقَ وشُقَّت كُليتيّ والحزنُ دمّرني وداهمني القنوطْ وأنا أرى ربي وشافي الداءِ فيَّ مُعلَّقًا فوق الصليبْ فأصابني يأسٌ رهيبْ * * * ها طيبي أحمله لعلي به أُداوي جُرحًا بقلبي مُصابه جُرحَ الحبيب لكنَّ طيبي أو حنوطي لا تساوي قدر الحبيب مهما بأسواق العطارة كان طيبي أغلى طيب * * * إني أُشُق طريقي أُسرِعُ كالحمام فالفجر قد شق الظلامْ مَنْ لي بجبّارٍ يدحرجُ لي الحجر؟ أنا لستُ أخشى من خَطرْ أن تدمى رجليَّ الشُعابُ أو الوعَرْ لكني لا أقوى على الحِملِ الثقيل كيف السبيلْ؟ كيف السبيلُ وليس يحملني سوى جسدٍ هزيل؟ * * * ماذا أرى ...؟ القبرُ مفتوحٌ وقد رُفعَ الحجرْ؟ ماذا جرى ...؟ قلبي من الحزن انفطرْ فالقبرُ خالٍ من حبيبي وسيدي ربي وقُنية قلبي كنزي المفتخَرْ يا ليت دمعي يظل منهمرًا ولو جسدي قُبِرْ * * * بينما رأسي المُنكَّس لامس صدري الحزين جاءني صوتٌ لطيفٌ رنَّ في الليل السكينْ يا امرأة مَنْ تطلبينْ؟ ولِمَ بكاؤك والأنينْ؟ فأجبتُه أخذوا حبيبي ولستُ أدري الموضعا هذا هو سرُّ شجوني وما أسالَ الأدمعا ثم التفتُّ إلى الوراءِ أُسائلُ.. أتوسلُ يا أيها البستاني أنت حملتَه؟ إن كنت أنت أخذتَه أخبرني أين وضعتَه كي آتي آخذُه فإنه سيدي ربي إلهي بل نصيبي الأوحدِ * * * فإذا بصوت حبيبي ... صوت حبيبي أسمعُ قائلاً: ”يا مريم“ ”ربوني“!! قالتها روحي ... قالها عقلي وقلبي والفمُ وبلهفة أسرعتُ في حبٍ وقلبٍ راغبٍ فأجابني: ”لا تلمسيني فما صعدتُ إلى أبي“ لكني أخبركُ بأمرِ أعجبِِ أعطيكِ إعلانًا جديدًا أروعا حقًا عظيمًا أرفعا ”قولي لإخوتي كلهم: بُشرى لكم“ ”فإلى أبي أبيكمو أنا أصعدُ“ ”وإلى إلهي إلهكم“ بشرى لكم هذا المقامُ الأمجدُ! فيبي فارس |
||||
04 - 05 - 2013, 04:45 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
سلام لكما.. لا تخافا (متى28: 1-10)
.................................................. قال المرنم: «عند المساء يبيت البكاء، وفي الصباح ترنم» (مز30: 5). هذه العبارة تُعتبر أوضح تصوير لحال التلاميذ عندما قَبض الأشرار على سيدهم وربهم، وعندما اقتادوه إلى الصليب، ثم عندما أُدخل إلى الضريح. فحقًا ما من مساء فاق فيه الحزن كل حدود التصور، وسالت فيه الدموع مدرارًا مثل ما حدث في ذلك اليوم القاتم الرهيب، عندما رأى التلاميذ معبود قلوبهم، والذي هو بحق أبرع جمالاً من بني البشر، يُساق كشاة إلى الذبح، ثم يموت كما يموت أحد السفهاء، ورأوا محيي الرميم يُدفن كالبشر في قبر، ويختفي فيه ضمن مختوم الحجر! لكن جاء الصباح المنير. الصباح الذي يفوق في نوره وإشراقه كل صباح آخر، منذ أن قال الرب وسط ظلمة الأرض الحالكة: «ليكن نور، فكان نور» (تك1: 3). وسوف نتتبع الآن الأحداث الأولى لذلك الصباح الصحو المضيء، كما سجَّلته لنا البشارة الأولى في العهد الجديد، بشارة متى. ومعروف أن البشائر لم تروِ الأحداث ذاتها، بل إن كل بشير انتقى من أحداث ذلك اليوم المجيد ما يتناسب مع غرض الروح القدس من إنجيله. * * * * يقول البشر متى: «بعد السبت، عند فجر أول الأسبوع، جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر» (ع1). ومن المقطع الأول في هذه الآية، نفهم أن قيامة المسيح تمّت في أول الأسبوع، في فجر يوم الأحد، الذي سُمِّي في الكنيسة الأولى ”يوم الرب“. ونحن نعرف من البشائر أن النساء لم يذهبن إلى القبر يوم السبت، ليقُمن بأهم واجب، لأنهن استرحن حسب الوصية. فلقد كان التلاميذ يهودًا، يحترمون السبت ويقدسونه. إلا أن شيئًا خطيرًا يخبرنا به كل من التاريخ المقدس (سفر الأعمال) والتاريخ البشري، وهو أن يوم الأحد احتل بسرعة في مشاعر أتباع المسيح من اليهود محل يوم السبت. وهذا إنما يؤكِّد بكل يقين أن شيئًا جَللاً قد حدث في ذلك اليوم، جعل اليهود الذين تعوّدوا منذ نعومة أظفارهم احترام يوم السبت وتقديسه يُغيِّرون هذا الأمر. وما هذا الحدث إلا قيامة المسيح من بين الأموات في أول الأسبوع. إن هذا التغيير يمثِّل دليلاً تاريخيًا لا يقبل النقض على قيامة المسيح حقًا وصدقًا في ذلك اليوم، ولا يمكن تفسيره لدى كل من يُنكر حدوث قيامة المسيح، بعد ثلاثة أيام من صلبه. ولقد أعلنت قيامة المسيح انتهاء السبت، بل انتهاء كامل التدبير القديم الذي كان السبت علامته. وعندما بزغ فجر يوم أول الأسبوع، كان هذا إيذانًا ببدء تدبير جديد. ويعتقد بعضٌ أنه حتى طريقة الحساب للأيام من الغروب إلى الغروب قد تغيَّرت، ومن ذلك الوقت أصبح اليوم يبدأ بالفجر. يستطرد البشير قائلاً: «وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء، وجاء ودحرج الحجر عن الباب، وجلس عليه» (ع2). لقد كان هذا الحجر كبيرًا، كما يذكر كل من متّى ومرقس (مت27: 60؛ مر16: 2). وكان يحتاج إلى مجموعة من الرجال الأشداء، يشتركون معًا في دحرجته. ولكن ملاك السماء طبعًا دحرجه في لحظة. والبشير متّى ينفرد بذكر الأمر الذي أصدره بيلاطس لختم الحجر الذي كان على باب القبر بخاتم الإمبراطورية (مت27: 66)، وبذلك فقد ألقت الإمبراطورية الرومانية بكل سلطانها وهيبتها في القضية. فكما اشترك الأمم مع اليهود في صلب ابن الله، وكانوا معهم شهودًا عليه، هكذا اشترك الأمم مع اليهود في ختم الحجر، ليكونوا شركاءهم في باقي الجريمة، بل أيضًا شهودًا معهم على أغرب أحداث التاريخ وأهمها. ولكي يدحرج الملاك هذا الحجر، فضَّ يقينًا خاتم الإمبراطورية الرومانية الذي خُتم به الحجر. وجلوس الملاك فوق الحجر المدحرج فيه نوع من التحدي، فهو ليس على عجلة من أمره في إنجاز مهمته، كما أنه يعلن أن سلطان السماء، الأعلى من سلطان أعظم إمبراطوريات زمانها، أبطل ما فعلته تلك الإمبراطورية العظمى. وعندما جلس الملاك على الحجر المُدَحرَج، أصبح هو نفسه بذلك ختم السماء على الحجر في وضعه الجديد! وهكذا فإن كل ما عمله اليهود بأياديهم الآثمة، أبطله الله بيده القادرة. فماذا بوسع الحجر والختم والحراس أن يفعلوا، إن كان الله قد قرَّر أن يُقيم ابنه من الأموات. حقًا إن «الساكن في السماوات يضحك. الرب يستهزئ بهم» (مز2: 4). ثم إن منظر الملاك الذي كان كالبرق، ولباسه الأبيض كالثلج (ع3)، بالإضافة إلى الزلزلة التي حدثت، ودحرجة الملاك للحجر، ثم جلوسه عليه؛ هذا كله جعل الحراس يرتعدون ويصيرون كأموات! (ع4). لقد ارتعش الجنود الأشداء، كما ارتعشت أيضًا الأرض الصمَّاء، أمام ملاك واحد مُرسَل من السماء! ويا للعجب، فالمسيح الذي كان قد مات، قام، وأما الحراس الذين وضعهم البشر ليحرسوا القبر والميْت، فقد صاروا مثل الأموات! وكما حدثت زلزلة عند موت المسيح، فقد صاحبت قيامته أيضًا زلزلة. ويبدو من السرد هنا أن الزلزلة التي حدثت، ونزول ملاك الرب من السماء، ارتبطا باقتراب المرأتين من القبر. وإن كان الختم الذي وضعوه على الحجر الذي على باب القبر أزاله ملاك السماء، فإن ابن الله نفسه أقامه إله السماء! فطبعًا ليس الملاك هو الذي أقام المسيح من الموت، ولا دحرجة الحجر هي التي أخرجت المسيح من القبر. إن الملاك أرجف الحراس، وأما الله فهو الذي أقام يسوع من الأموات. ثم إن دحرجة الملاك للحجر لم يكن القصد منها مساعدة المسيح للخروج من القبر، فالرب لم يكن محتاجًا إلى مساعدة ملاك ليقوم، فلقد قام بمجد الآب (رو6: 4)، كما أنه قام بمقتضى سلطانه هو (يو2: 19؛ 10: 17، 18)، وقام بفاعلية الروح القدس وقوته (1بط3: 18)، بل إن دحرجة الحجر كانت لتقدِّم السماء الدليل القاطع والبرهان الساطع على أن المسيح لم يعُد في القبر. وعندما دحرج الملاك الحجر، فإنما كان ليدعو النساء، وأيضًا الرسل، ليعرفوا ما كانت الملائكة قد عرفته بالفعل: أن المسيح قام من الأموات! ومن ثم ليكونوا شهوده عند الشعب. ثم يستطرد البشير متى فيقول: «فأجاب الملاك وقال للمرأتين: لا تخافا أنتما. إني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب، ليس هو ههنا، لأنه قام كما قال. هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضجعًا فيه» (ع5، 6). جميلة هذه العبارة: «لا تخافا أنتما!». كأنه يقول لهما: ”اتركا الخوف لغيركما. اتركاه للأعداء، أما الأحباء والمؤمنون بالمسيح فليس لهم أن يخافوا“. ونحن هنا نتذكَّر أن أولى نتائج الخطية المسجَّلة في الكتاب هي ما قاله آدم، الإنسان الأول، لله: «سمعت صوتك في الجنة فخشيت» (تك3: 10). أما هنا فنجد نصرة آدم الأخير، ربنا يسوع المسيح، ولذا ترد البشرى للمؤمنين به ”لا تخافوا“. قال الأخ وليم كلي: ”حتى مجيء المسيح وقيامته من بين الأموات كان هناك قدر من عدم الوضوح وعدم اليقين، رغم حنان الله الذي كان واضحًا في تعاملاته؛ ولكن من القيامة فصاعدًا الكل صار في النور. فكل أسباب الخوف والحزن قد دُفنت في قبر المسيح. ومن المسيح المُقام أتت إلينا كل بركات الله بحسب مشوراته الأزلية. وإن كان موته واجَه كل شروري، فإن قيامته هي نبع كل سروري. فحياتي وسلامي ومقامي أمام الله صارت لي كلها في المسيح المُقام“. ثم أخبرهما الملاك بأحلى خبر كان مُمكنًا أن يسمعاه في ذلك اليوم: أنه قام من الأموات. وعلينا أن ندخل إلى معنى هذه العبارة: «قام كما قال»! ولنتأكد أن كل ما يقوله الرب يفعله، فهل هو نظيرنا «يقول ولا يفعل؟ أو يتكلم ولا يفي؟» (عد23: 19). ما أكثر ما قال المسيح إنه سيقوم! ففي كل مرة أعلن موته، أتبع هذا بإعلان عن قيامته. هناك ثماني مرات أعلن فيها المسيح هذا الحدث الجلل. وإنجيل متى وحده اختص بذكر ست منها: مت12: 40؛ 16: 21؛ 17: 9؛ 17: 22، 23؛ 20: 18، 19؛ 26: 31، 32. وإذ عرفت المرأتان أن المسيح قام من الأموات، فإن ما سبَّب الخوف والهلع للحراس، سبب الفرح والابتهاج لهما. وهي واحدة من المباينات العجيبة بين المؤمنين وغيرهم. فيقول الوحي إن أخبار الإنجيل السارة هي للمؤمنين رائحة حياة لحياة، وللهالكين رائحة موت لموت (2كو2: 16). كما يقول أيضًا إن كلمة الصليب (أي رسالة الصليب) عند الهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المخلَّصين فهي قوة الله (1كو1: 18). لم تكن المرأتان حتى تلك اللحظات قد رأتا بعد غرض قلبيهما ومعبودهما، لكنهما سمعتا شهادة الملائكة أنه قام من الأموات، كما رأتا أدلة قيامته ونصرته، رأتا مصاريع النحاس وقد تكسَّرت، ومغاليق الحديد وقد قُصفت! وأشار إليهما الملاك بالدخول إلى القبر (ع6)، ربما لأنه لاحظ تردّدهما في تصديق مسألة قيامة المسيح. ودعوته للمرأتين لتدخُلا وتريا الموضع الذي كان الرب مضجعًا فيه، إنما كان ليقدِّم لهما الدليل الأكيد على نصرة المسيح، وقيامته من بين الأموات. والبشير متّى يحدثنا في ثلاثة فصول متتالية عن مواضع لها ذكريات عزيزة على قلوب المفديين: فهو يحدثنا في الأصحاح 26 عن ”ضيعة يقال لها جثسيماني“ (مت26: 36): من هذه الضيعة بدأ المسيح رحلة المعاناة والألم، ألم المحبة الذي تحمَّله طواعية ليفدينا. ثم يحدثنا في الأصحاح 27 عن ”موضع الجلجثة“ حيث يقول: «أتوا إلى موضع يقال له جلجثة، وهو المسمّى موضع الجمجمة» (مت27: 33)، وهناك تحمَّل المسيح الآلام الكفارية الرهيبة لأجلنا. وهنا في الأصحاح 28 نجد الموضع الثالث العزيز على قلوبنا جدًا، أعني به ”القبر الفارغ“. فلقد قام المسيح من الأموات ناقضًا أوجاع الموت، إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسَك منه. كم عزيزة علينا جدًا هذه الأماكن حيث بدأ سيدنا رحلة المعاناة والألم، وحيث وصل الألم ذروته، وأخيرًا حيث زالت حقًا المرارة والألم وإلى غير رجعة! وفي الحقيقة أن بستان الأحزان، ومن بعده الصليب الرهيب، وأخيرًا القبر المظلم الكئيب، هذه الأماكن التي دخل فيها المسيح بمفرده، كان يجب أن تسبق أفراح القيامة التي في كرمه ارتضى أن يشركنا معه فيها. ثم بعد أن طمأن الملاك المرأتين، وأخبرهما بحقيقة قيامة المسيح من الأموات، ودعاهما لمشاهدة القبر الفارغ بأعينهما، فإنه أردف قائلاً: «واذهبا سريعًا قولا لتلاميذه: إنه قد قام من الأموات. ها هو يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه. ها أنا قد قلت لكما» (ع7). لقد أتت المرأتان في الصباح لتنظرا القبر، ولقد دعاهما الملاك لتنظرا الموضع الذي كان الرب مضجعًا فيه، لكنَّه الآن يدعوهما لتذهبا مع تلاميذه إلى الجليل، وهناك يرونه. ويا له من تدرّج مجيد: من رؤية القبر، حيث ذوت كل الآمال وانتهت؛ إلى رؤية الموضع الذي كان الرب مضجعًا فيه، ولكنه موضع فارغ ليس فيه الحبيب، وهو ما يعطي نوعًا من الأمل؛ وأخيرًا رؤية شخصه حيًّا، كالمُقام من بين الأموات، أمل الحياة وفرحتها! ولكن لماذا اختار الرب أن تكون النساء هن أول من يعلم بحقيقة القيامة، وأول من يبشر بها؟ ربما أراد الله أن يختار الإناء الأضعف ليخبر عن نصرة القوي. أو ربما اختار المرأة في البستان لتنقل للتلاميذ أخبار الخلاص، حيث إن المرأة في الجنة هي التي أدخلت الموت. أو ربما أراد الرب مكافأتهما على وفائهما لشخصه في اتباعه إلى الصليب ثم إلى القبر. وعند الرب إذا كان حزننا مقدسًا، فإن الحزن الشديد يعوَّض بالفرح الأكيد. كما أن المحبة الممتازة يكافئها الرب بامتيازات خاصة. ونلاحظ أن الملاك لم يقُل للمرأتين: اذهبا سريعًا إلى قادة الأمة الأشرار، وقولا لهم: ”موتوا بغيظكم“، بل طلب منهما أن تذهبا سريعًا إلى تلاميذه لتخبراهم بأن المسيح حي، لكي تحيا أرواحهم فيهم. وهذا يذكِّرنا بما طلبه يوسف من إخوته، أن يسرعوا بالذهاب إلى أبيهم يعقوب، ويخبروه بأن يوسف حي بعد، لكي تعيش روح أبيهم فيه. وما أرق ذلك الراعي الوديع! فهو لم يشأ أن يعاقب تلاميذه على تركهم له، وعلى عدم تصديقهم ملائكته، بأن يبقيهم أيامًا في الحيرة والقلق، ولا أرسل إليهم رسالة توبيخ وتعنيف، بل أرسل إليهم رسالة سريعة تفيد قيامته له المجد من الأموات. ولا غرابة أن يقول الملاك: «ها هو يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه». فهو يقينًا يسبقهم. فهم بأجسادهم الترابية يحتاجون إلى وقت طويل للسفر من أورشليم إلى الجليل، وأما هو فبجسد القيامة لا يحتاج إلا إلى لحظة أو طرفة عين لينتقل من مكان إلى مكان. «فخرجتا سريعًا من القبر بخوف وفرح عظيم، راكضتين لتخبرا تلاميذه» (ع8). ومن القول ”فخرجتا“ نفهم أنهما دخلتا القبر بناء على دعوة الملاك، ليتأكد لهما أن المسيح لم يعد بعد في عالم الأموات، بل إنه ”قام كما قال“. والعبارة: «خرجتا سريعًا من القبر بخوف وفرح عظيم» يدل على المزيج العجيب الذي ملأ قلبيهما في ذلك الصبح المنير، فالمنظر ملأ قلبيهما برعب مقدس، والأخبار ملأت قلبيهما بفرح لا ينطق به ومجيد. كان الخوف بسبب العجائب التي رأتاها، وكان الفرح بسبب البشارة التي سمعتاها. لقد تمَّت فيهما حقًا كلمات المسيح التي كان قد قالها للتلاميذ في العلية قبيل الصليب: «أنتم ستحزنون، ولكن حزنكم يتحول إلى فرح» (يو16: 20). تتكرر عبارات السرعة والركض في الآيتين 7، 8 ثلاث مرات. إن منظر نسوة يجرين في الشوارع ليس منظرًا مألوفًا، وهو يدل على مدى الحب والإخلاص الذي ميزهما نحو سيدهما، ونوع طاعتهما لرسالة الملاك الذي قال لهما: «اذهبا سريعًا قولا لتلاميذه». ثم يستطرد البشير قائلاً: «وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما. فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له. فقال لهما يسوع: لا تخافا. اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني» (ع9، 10). وبلغة سفر النشيد: «فما جاوزتهم إلا قليلاً حتى وجدت من تحبه نفسي» (نش3: 4). لقد كافأ الرب طاعة الإيمان التي ميزت المرأتين، لأن البركة تأتي دائمًا في رِكاب الطاعة، نعم كافأهما مكافأة سخية بأن أظهر نفسه لهما؛ فما عادت المرأتان تحملان فقط رسالةً من الملاك، بل خبرًا من الرب المُقام نفسه. وليس فقط سمعتا من الملاك أنه قام، بل إنهما رأتا الرب المقام شخصيًا. نعم ليس فقط حملتا أخبارًا عنه، بل خبرًا منه. والرب أكَّد على ما قاله الملاك. ولو أنه أضاف إضافة جميلة تناسب جو القيامة المجيد، عندما دعا تلاميذه ”إخوته“. هذه العبارة لم تستطع الملائكة أن تقولها، لكن المسيح بنفسه قالها. فهم ما عادوا مجرّد تلاميذ، رغم أنهم كذلك، بل هم أكثر من ذلك: هم إخوته. لقد كان تصرّفًا نبيلاً من يوسف أن يقول عن أولئك الذين باعوه «أنا يوسف أخوكم»، لكنه تصرَّف أعظم جدًا من رب يوسف، بل من إله كل نعمة، أن يشير إلى تلاميذه الذين هربوا كلهم، وتركوه وحده يواجه بطش اليهود والرومان قائلاً: «قولا لاخوتي». يا لجمال هذا المشهد عن قيامة المسيح، كما سجَّلته البشارة الأولى في العهد الجديد! فالمسيح يقول لتلميذتيه: «سلام لكما... لا تخافا... قولا لإخوتي... هناك يرونني». وأما هما فإننا نراهما ممسكتين بقدميه، وبلغة سفر النشيد: «وجدت من تحبه نفسي، فأمسكته ولم أرخه» (نش3: 4). كما نراهما ساجدتين عند قدميه، وكأنهما تردِّدان مع بني قورح: «لأنه هو سيدك، فاسجدي له» (مز45: 11). له كل المجد. قامَ المسيحُ يَا شَعبُ أَبْشِرْ صارَ الذبيحُ عَنْكَ بَديلا كُلُّ الخَطَايَا اِنْقَشَعَتْ بِهِ الدُّيُونُ قَد أُكْمِلَتْ قامَ المسيحُ قامَ المسيحُ زالَ العِقَابُ سُرِّي نَفسي مَا عَادَ مَوْتٌ لإهْلاَكِي قَامَ المَسيحُ فَطُوبَاكِي كُلُّ الخطايا طَمَت عَلَيهِ قَامَ البَديلُ والصُّلحُ تَمَّ فَأَصبَحَ العَدلُ يَرْضَاكِي وبِرُّ اللهِ قَد غَطَّاكِي قام المسيحُ والقبرُ ضَاءَ قَامَ الحَبيِبُ والنصرُ جَاءَ .............. مَخَالِبُ المَوتِ انكَسَرَتْ وَكُلُّ أَعدَاكِ انْدَحَرَتْ زكريا عوض الله م / يوسف رياض |
||||
04 - 05 - 2013, 04:48 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
من العبوسة إلى الفرح
..................................... فتن الوحي عيوننا بمشاهد النعمة البديعة، الواحد تلو الآخر في إنجيل لوقا، وها هو، في النهاية، يختمها بهذه اللوحة الفائقة الجمال للمسيح المُقام من الأموات. بدأ الإنجيل بملائكة يطمئنون زكريا والمطوَّبة مريم والرعاة؛ لكنه يُختم بربِّ الملائكة يفعل ما هو أكثر بكثير وأعمق أثرًا مع قديسيه المضطربين؛ وما أبعد الفارق!! ولنتقدَّم بقليل من التأمل في هذا الفصل الغني، لوقا 24: 13-53، لنرى كيف عمل راعي الخراف المُقام من الأموات، وكيف أثّر إدراك حقيقة القيامة فتحوَّل المحبطون المنطرحون الشكاكون إلى فرحين ساجدين مُخبرين. هيا إذًا لنسيِر الرحلة مع هذين التلميذين العابسين، وهما عيّنة تعبِّر عن حال الغالبية؛ ولنلق نظرة على: العلة والداء.. الطبيب والدواء.. نفحات السماء. العلّة والداء من وجهة النظر الطبيعية كان لعبوستهما العديد من الأسباب المنطقية؛ من إحباط وخيبة أمل وظروف غير مؤاتية. وبالطبع يمكننا، إنسانيًا، أن نلتمس لهما العذر. لكن دعونا في عُجالة ننظر إلى نتائج الفحص الإلهي، ونطّلع على التقرير الطبي الروحي للوحي وهو يصف لنا الأسباب، لعلّنا نجد فيها بعض أسباب عبوستنا اليوم. 1. لقد «كانا منطلقين... إلى قرية بعيدة عن أورشليم ستين غلوة...» (ع13)؛ تركا المكان الذي كان التلاميذ مجتمعين فيه. هجرا الشركة. ورغم أن المسافة ليست بالطويلة (قرابة 12 كم) إلا أنه ابتعاد. وفي البُعد عن المكان الذي أمر فيه الرب بالبركة، حتى لو بدا الأمر بسيطًا، ماذا ننتظر؟! 2. «وكانا يتكلمان بعضهما مع بعض عن جميع هذه الحوادث» (ع14). والانشغال بما يحدث حولنا من أحداث، دون أن نضع الرب فيها، لا بد وأن يملأ القلب بالكَدَر. ولنكن منصفين مع أنفسنا فنفحص ما هي مواضيع انشغالاتنا وأحاديثنا، فلا نسبِّب لأنفسنا الكدر. 3. ثم يقول أحدهما للمعلِّم: « هل أنت متغرِّب وحدك... ولم تعلم الأمور التي حدثت...؟» (ع18). لقد ظنّا أنهما يَعلَمَان؛ فنسبا بذلك الجهل للكلّي العلم!! وعندما نضع أنفسنا في مركز الفاهمين، بدلاً من أن نأتي في اتضاع إلى وضع المتعلّمين، نثقل قلوبنا بهموم لا قِبَل لنا بها. وفي ادعاء العلم ظهر الجهل في القول: «المختصة بيسوع الناصري، الذي كان إنسانًا نبيًّا مقتدِرًا في الفعل والقول» (ع19). أ هذا هو أقصى ما يعلمانه عن المسيح: «إنسان»؟! لقد كانا منشغلين بأفكارهما الخاطئة عن المسيح، وليس بنظرة الله إليه. 4. وإذ يفصحان عن سرِّ إحباطهما «كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل» (ع21)؛ نفهم أن آمالهما كلها كانت مرتبطة بالأرض، رغم كل ما علّم الرب به في أيام جسده. وإلى اليوم يعتقد بعضٌ أن المسيح جاء ليجعل لهم هذا العالم أفضل (هذا هو فهمهم لـقوله - له المجد - «وليكون لهم أفضل»!!)؛ فيمنحهم الصحة والنجاح والثروة وحل المشاكل... هل ما زلنا نحاول إدخال المسيح في أمور حياتنا ليعطينا راحة وقتية ومجدًا أرضيًا؟! وهل، إلى الآن، نطلب كما لو كنا من مواطني الأرض؟! ولِمَ نستغرب الكدر بعد ذلك؟! 5. ثم تظهر علّة العلل، عدم الإيمان، في رفضهما لتصديق قول النساء «إنه حيّ» مع وجود شهود عيان بأن القبر فارغ (ع22-24). كان ينبغي أن تنشِّط هذه الشهادات، في قلبيهما، بذرة الإيمان التي ألقاها السيد بتكراره أنه سيقوم. لكن هذا ما لم يحدث! وها قد استعرضنا العلّة والداء، هيا إذًا لنرى الطبيب والدواء ما أعظم نعمته وهو يبحث عن قديسيه المحبَطين التائهين المتخبّطين، وإن كانوا مبتعدين؛ فنراه وقد «اقترب إليهما يسوع نفسه وكان يمشي معهما... فقال لهما...» (ع15-17). وما أروعه مشهد يتكرَّر معنا كل يوم! فعندما تسير الأمور على ما يرام قد يكفي أن يرسل الرب مُرسَلاً برسالة تعزية أو بكلمة تحريض أو ببعض تعليم؛ لكن في وقت الأزمات والأحزان، عند البُعد والتيهان، لا بد أن يقترب الحنّان، وهكذا يظهر في المشهد «يسوع نفسه». وذاك الذي نسمعه يومًا بالنبوة صارخًا «اقترب إلى نفسي. فكّها» (مز69: 18) لا يتوانى عن أن يقترب إلى نفوسنا في ضيقها ليعزي ويشجِّع ويصحح ويعلِّم. وما بين المؤمن و«يسوع نفسه» لا يحتمل وسيطًا يتدخل فيه. وفيما هما مدفوعان باحتياجهما، منجذبان لنعمته، اندمجا معه في الحديث دون تحفّظ، وإن أُمسكت أعينهما عن معرفته. ولقد حاز ثقتهما فاستخرج من شفاههما تقريرًا بالحالة كلها. ليتنا ندرك أنه الجدير بالثقة وحده! كيف لا وهو الذي جاز كل الأحزان وغلب ملك الأهوال؟ وهكذا باشر هذا الطبيب الماهر علاجه: القلوب المكشوفة «فقال لهما أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الايمان... أما كان ينبغي أنّ المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده» (ع25، 26). إذ نوى أن يبارك، فلا بد من كشف حالة القلب. وإن كان ليس من المُسرّ أن نختبر حقيقة ذواتنا؛ فإنّها الطريقة التي يستخدمها الله للبركة، فهي التي تتناسب مع اعتباراته. على أن كشف قلوبنا وإن كان لازمًا فهو غير كافٍ. وقد كان علاج القلوب البطيئة في الإيمان أن يكلّمهما عن آلامه والأمجاد التي بعدها؛ وليس سوى هذين الأمرين معًا يلهب القلب المتبلّد. ليس أمجاده فقط، كما ظن تلميذا عمواس، ولا الآلام فقط كما يفعل الكثيرون اليوم. ليت قلوبنا تمتلئ، ليس فقط بمعرفة المسيح الذي مات، بل بالحري الذي قام والذي هو الآن في المجد. «ثم ابتدأ ... يفسِّر لهما الأمور المختصّة به في جميع الكتب» (ع27). لقد كانا يتحدّثان عن الأمور المختصة بهما، وها هو يقودهما إلى الأمور المختصة به. وأرادا إدخاله في أمورهما؛ فأدخلهما هو في أموره، حتى يعرفاه كالمُقام من الأموات. نخسر كثيرًا إذا ما بحثنا في المكتوب عن الأمور المختصة بنا، وعلينا بالأحرى أن نفهم كل المكتوب على أنه الأمور المختصة به؛ وعندئذ سنجده هو بنفسه - له كل المجد - يفسِّر لنا أمورًا تعجز الحكمة البشرية عن سبر أغوارها إذ هي متعلقة بذلك الشخص غير المحدود. وما أمجد النتيجة! العيون المفتوحة «فلما اتكأ معهما أخذ خبزًا وبارك وكسّر وناولهما. فانفتحت أعينهما وعرفاه» (ع30، 31). إنه لم يكتف بمجرد تفسير يصل الآذان فقط، بل كان لا بد أن يفتح العيون لتعرفه هو شخصيًا. وما أبدع ارتباط هذا بكسره للخبز! كيف عرفاه؟! أ رأيا جروح يديه؟! غالبًا! لكن السؤال اللازم، هل تنفتح عيوننا ونعرفه عند كسر الخبز؟! ليتها تكون طلبتنا فيتغير حال اجتماعاتنا!! القلوب الملتهبة إنه لم يفتح عيونهما فقط، بل اسمعهما يقولان: «أ لم يكن قلبنا ملتهبًا فينا؟» (ع32). والنتيجة «فقاما في تلك الساعة ورجعا» (ع33)، وما أحلى طريق العودة! وما أجمل الهمّة! فهذان اللذان أمسكا بضيفهما لأن النهار كان قد مال للغروب لم يعبأا الآن بظلمة الليل، بل رجعا بقوة معرفتهما للمسيح المُقام، وبقلب ينبض بالحب له، فنراهما شاهدين «يخبران بما حدث في الطريق» (ع35). آه أيها المُقام من الأموات: ارحمنا من قلوب لم تعد تُحبّك المحبة الأولى، فصارت في برودة القبور.. عُد وبثّ فيها سخونة الحياة من جديد.. بل ألهبها في دواخلنا بحبٍّ حقيقي لشخصك.. فنرجع إلى أماكننا، ونشهد لك أروع شهادة. النفوس المطمئنة مرة أخرى نرى «يسوع نفسه في وسطهم»، ودائرة عمله هنا تتسع عن الاثنين الأولين. ونسمعه يقول لهم «سلام لكم» (ع36). ومع أنهم، إذ كانوا في حالة ضعف الإيمان، «جزعوا وخافوا وظنّوا أنهم نظروا روحًا»، فإنّ ذلك لم يوقفه - تبارك اسمه - عن أن يكمل عمله. فيطمئنهم بأن «أراهم يديه ورجليه» ليروا جراحه الغالية، ثم بالأكل معهم (ع38-43). وصوته إلى الآن يرن في أذن كل قديس «لا تخف! أنا هو الأول والآخر والحي وكنت ميتًا، وها أنا حيّ إلى أبد الآبدين آمين. ولي مفاتيح الهاوية والموت» (رؤ1: 18). إنه الذي غلب الموت وقام، والذي هو حي في كل حين، وله قوة حياة لا تزول (عب7)، فكيف لا تطمئن قلوبنا به؟! في كل ظروفنا وأمورنا، مهما هاجت البحور علينا، أو طمت لُجج فوقنا؛ ليت طلبتنا تكون: افتح آذاننا يا رب على صوتك العذب قائلاً: «سلام لكم». الأذهان المفتوحة وإذ يواصل الرب الكريم عمله يُعلمهم أن «هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم...». إن كل ما علّمهم بصفته المسيح المتضع في أيام جسده كان قد انتُسي؛ لكنَّ المسيح المُقام «فتح ذهنهم ليفهموا الكتب»، ويا للروعة، لقد فهموا!! فهموا وما عادوا ينسون!! فإذ قال لهم: «هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أنَّ المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وأن يُكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدِأً من أورشليم»، رسخت هذه الأمور في أذهانهم، وشكَّلت كل توجّهاتهم بعد ذلك، كما نراها في سفر الأعمال؛ فنراهم بكل قوة متكلمين عن موته وقيامته، كارزين بالتوبة لمغفرة الخطايا! نعترف يا سيد أنه ما أكثر ما نعرفه من الكتب المقدسة وعنها؛ لكن ما أقل ما استقرّ منها في أذهاننا فشكَّل حياتنا. ألا تفتقدنا في هذه الأيام، لتفتح أذهاننا، فلا تعود أمورك تبدو كطلاسم لنا، بل نفهمها، وتغيّر بهذا الفهم حياتنا، فنعيش بحق كل ما لنا في شخصك الجليل؟! التكليف والوعد «وأنتم شهود لذلك» يا له من تكليف! وما أسمى إرسالية المسيح المُقام! وما أكثرها تميّزًا عن أيّة إرسالية أخرى!! وها هو المنتصر المُقام يزوِّد مُرسليه بهذا الوعد «وها أنا أُرسل إليكم موعد أبي؛ فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تُلبَسوا قوة من الأعالي». إنه تكليفنا اليوم، وهذه هي قوتنا أيضًا. البركة ثم نراه وقد «وأخرجهم خارجًا إلى بيت عنيا» فاصلاً إياهم عن كل نظام، بل عن كل شيء عداه. ثم بصفته رئيس الكهنة العظيم «رفع يديه وباركهم». آه ما أحلى المشهد! ما أمتعه للعيون وأغلاه للقلوب! وما أسمى هذا الأمر: إنه إلى اليوم يبارك!! «وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء» تاركًا في عيونهم وأذهانهم وقلوبهم صورته منطلقًا بمجده وقوة سلطانه إلى السماء، لتصبح هذه اللقطة البديعة قوتهم الدافعة للخدمة والتعب بل وأيضًا لقبول حتى الموت... وكيف لا وصورة السيد الذي انتصر على الموت مطبوعة في أذهانهم نفحات من السماء ما أعظم ما نتج مما فعل الرب المقام مع تلاميذه. إذ فتح عيونهم ليروا، وألهب قلوبهم لتشعر، وهدّأ نفوسهم في داخلهم، ثم فتح أذهانهم ليفهموا، وكّلفهم أشرف تكليف، ثم باركهم؛ نرى التغيير الجذري في أنهم: «سجدوا له». وما أروعه سجودًا عندما أدركوا أن ذاك الذي مات، مات لأجلهم؛ وأنه بعد ما مات قام بمجدٍ وارتقى إلى السماء! وإذ تنفتح العيون فنعرف حقَّ قدره، ويلتهب القلب بمرأى جراحه، ويمتلئ الذهن بمعنى قيامته؛ هكذا تنحنى القلوب، قبل الركب، وتنشد الألسنة أعذب كلمات السجود. «ورجعوا إلى أورشليم». ويا له من رجوع! إنهم لن يعودوا للاختباء في علّية مغلّقة بسبب الخوف ولن ينطلق بعضٌ منهم في ابتعاد، ولن يعودوا للشكِّ والإحباط والتخبّط؛ بل سنراهم بعد أيام يهزّون المسكونة شاهدين بمجد المسيح المٌقام أنّ «الله قد أقامه»، ومن ثمّ ينطلقون إلى العالم أجمع متممين التكليف الأسمى. «بفرح عظيم». انتهت أيام العبوسة، فالمسيح قام.. اطمأنت القلوب أن العمل أُكمل بالتمام.. وغلب السيد أعتى أعداء الأنام.. غُمرت النفوس بالراحة والسلام.. شبعت العيون بمشهد المُقام.. أ هناك شيء غير الفرح بعدئذ؟! ولا زال من حقنا الآن أن نتمتع بذاك الفرح «وإن كنتم لا ترونه الآن، لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد» (1بط1: 8). فلماذا الأسى بعدُ؟! «وكانوا كل حين في الهيكل يسبّحون ويباركون الله». نعم، كل حين. ولن تنقطع تسبيحاتنا وأفراحنا طالما امتلأت قلوبنا بالمسيح المُقام وأمجاده. له كل المجد. * * * * ولأنه هو هو، لا يتغير، كما كان في طريق عمواس، في يوم القيامة، هو لنا في طريقنا، كل أيامنا؛ فلنا أن نطمئن. هو ذاك الذي مات لأجلنا، وقام معلنًا نصرته وتبريرنا، وهو في السماء حيٌّ قد خصَّص ذاته لنا. هيا لنقترب إليه، ولنطلب منه أن يمتّعنا بما عمل مع تلاميذه يومًا. ولنغنِّ: د / عصام خليل |
||||
04 - 05 - 2013, 04:48 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
من العبوسة إلى الفرح
..................................... فتن الوحي عيوننا بمشاهد النعمة البديعة، الواحد تلو الآخر في إنجيل لوقا، وها هو، في النهاية، يختمها بهذه اللوحة الفائقة الجمال للمسيح المُقام من الأموات. بدأ الإنجيل بملائكة يطمئنون زكريا والمطوَّبة مريم والرعاة؛ لكنه يُختم بربِّ الملائكة يفعل ما هو أكثر بكثير وأعمق أثرًا مع قديسيه المضطربين؛ وما أبعد الفارق!! ولنتقدَّم بقليل من التأمل في هذا الفصل الغني، لوقا 24: 13-53، لنرى كيف عمل راعي الخراف المُقام من الأموات، وكيف أثّر إدراك حقيقة القيامة فتحوَّل المحبطون المنطرحون الشكاكون إلى فرحين ساجدين مُخبرين. هيا إذًا لنسيِر الرحلة مع هذين التلميذين العابسين، وهما عيّنة تعبِّر عن حال الغالبية؛ ولنلق نظرة على: العلة والداء.. الطبيب والدواء.. نفحات السماء. العلّة والداء من وجهة النظر الطبيعية كان لعبوستهما العديد من الأسباب المنطقية؛ من إحباط وخيبة أمل وظروف غير مؤاتية. وبالطبع يمكننا، إنسانيًا، أن نلتمس لهما العذر. لكن دعونا في عُجالة ننظر إلى نتائج الفحص الإلهي، ونطّلع على التقرير الطبي الروحي للوحي وهو يصف لنا الأسباب، لعلّنا نجد فيها بعض أسباب عبوستنا اليوم. 1. لقد «كانا منطلقين... إلى قرية بعيدة عن أورشليم ستين غلوة...» (ع13)؛ تركا المكان الذي كان التلاميذ مجتمعين فيه. هجرا الشركة. ورغم أن المسافة ليست بالطويلة (قرابة 12 كم) إلا أنه ابتعاد. وفي البُعد عن المكان الذي أمر فيه الرب بالبركة، حتى لو بدا الأمر بسيطًا، ماذا ننتظر؟! 2. «وكانا يتكلمان بعضهما مع بعض عن جميع هذه الحوادث» (ع14). والانشغال بما يحدث حولنا من أحداث، دون أن نضع الرب فيها، لا بد وأن يملأ القلب بالكَدَر. ولنكن منصفين مع أنفسنا فنفحص ما هي مواضيع انشغالاتنا وأحاديثنا، فلا نسبِّب لأنفسنا الكدر. 3. ثم يقول أحدهما للمعلِّم: « هل أنت متغرِّب وحدك... ولم تعلم الأمور التي حدثت...؟» (ع18). لقد ظنّا أنهما يَعلَمَان؛ فنسبا بذلك الجهل للكلّي العلم!! وعندما نضع أنفسنا في مركز الفاهمين، بدلاً من أن نأتي في اتضاع إلى وضع المتعلّمين، نثقل قلوبنا بهموم لا قِبَل لنا بها. وفي ادعاء العلم ظهر الجهل في القول: «المختصة بيسوع الناصري، الذي كان إنسانًا نبيًّا مقتدِرًا في الفعل والقول» (ع19). أ هذا هو أقصى ما يعلمانه عن المسيح: «إنسان»؟! لقد كانا منشغلين بأفكارهما الخاطئة عن المسيح، وليس بنظرة الله إليه. 4. وإذ يفصحان عن سرِّ إحباطهما «كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل» (ع21)؛ نفهم أن آمالهما كلها كانت مرتبطة بالأرض، رغم كل ما علّم الرب به في أيام جسده. وإلى اليوم يعتقد بعضٌ أن المسيح جاء ليجعل لهم هذا العالم أفضل (هذا هو فهمهم لـقوله - له المجد - «وليكون لهم أفضل»!!)؛ فيمنحهم الصحة والنجاح والثروة وحل المشاكل... هل ما زلنا نحاول إدخال المسيح في أمور حياتنا ليعطينا راحة وقتية ومجدًا أرضيًا؟! وهل، إلى الآن، نطلب كما لو كنا من مواطني الأرض؟! ولِمَ نستغرب الكدر بعد ذلك؟! 5. ثم تظهر علّة العلل، عدم الإيمان، في رفضهما لتصديق قول النساء «إنه حيّ» مع وجود شهود عيان بأن القبر فارغ (ع22-24). كان ينبغي أن تنشِّط هذه الشهادات، في قلبيهما، بذرة الإيمان التي ألقاها السيد بتكراره أنه سيقوم. لكن هذا ما لم يحدث! وها قد استعرضنا العلّة والداء، هيا إذًا لنرى الطبيب والدواء ما أعظم نعمته وهو يبحث عن قديسيه المحبَطين التائهين المتخبّطين، وإن كانوا مبتعدين؛ فنراه وقد «اقترب إليهما يسوع نفسه وكان يمشي معهما... فقال لهما...» (ع15-17). وما أروعه مشهد يتكرَّر معنا كل يوم! فعندما تسير الأمور على ما يرام قد يكفي أن يرسل الرب مُرسَلاً برسالة تعزية أو بكلمة تحريض أو ببعض تعليم؛ لكن في وقت الأزمات والأحزان، عند البُعد والتيهان، لا بد أن يقترب الحنّان، وهكذا يظهر في المشهد «يسوع نفسه». وذاك الذي نسمعه يومًا بالنبوة صارخًا «اقترب إلى نفسي. فكّها» (مز69: 18) لا يتوانى عن أن يقترب إلى نفوسنا في ضيقها ليعزي ويشجِّع ويصحح ويعلِّم. وما بين المؤمن و«يسوع نفسه» لا يحتمل وسيطًا يتدخل فيه. وفيما هما مدفوعان باحتياجهما، منجذبان لنعمته، اندمجا معه في الحديث دون تحفّظ، وإن أُمسكت أعينهما عن معرفته. ولقد حاز ثقتهما فاستخرج من شفاههما تقريرًا بالحالة كلها. ليتنا ندرك أنه الجدير بالثقة وحده! كيف لا وهو الذي جاز كل الأحزان وغلب ملك الأهوال؟ وهكذا باشر هذا الطبيب الماهر علاجه: القلوب المكشوفة «فقال لهما أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الايمان... أما كان ينبغي أنّ المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده» (ع25، 26). إذ نوى أن يبارك، فلا بد من كشف حالة القلب. وإن كان ليس من المُسرّ أن نختبر حقيقة ذواتنا؛ فإنّها الطريقة التي يستخدمها الله للبركة، فهي التي تتناسب مع اعتباراته. على أن كشف قلوبنا وإن كان لازمًا فهو غير كافٍ. وقد كان علاج القلوب البطيئة في الإيمان أن يكلّمهما عن آلامه والأمجاد التي بعدها؛ وليس سوى هذين الأمرين معًا يلهب القلب المتبلّد. ليس أمجاده فقط، كما ظن تلميذا عمواس، ولا الآلام فقط كما يفعل الكثيرون اليوم. ليت قلوبنا تمتلئ، ليس فقط بمعرفة المسيح الذي مات، بل بالحري الذي قام والذي هو الآن في المجد. «ثم ابتدأ ... يفسِّر لهما الأمور المختصّة به في جميع الكتب» (ع27). لقد كانا يتحدّثان عن الأمور المختصة بهما، وها هو يقودهما إلى الأمور المختصة به. وأرادا إدخاله في أمورهما؛ فأدخلهما هو في أموره، حتى يعرفاه كالمُقام من الأموات. نخسر كثيرًا إذا ما بحثنا في المكتوب عن الأمور المختصة بنا، وعلينا بالأحرى أن نفهم كل المكتوب على أنه الأمور المختصة به؛ وعندئذ سنجده هو بنفسه - له كل المجد - يفسِّر لنا أمورًا تعجز الحكمة البشرية عن سبر أغوارها إذ هي متعلقة بذلك الشخص غير المحدود. وما أمجد النتيجة! العيون المفتوحة «فلما اتكأ معهما أخذ خبزًا وبارك وكسّر وناولهما. فانفتحت أعينهما وعرفاه» (ع30، 31). إنه لم يكتف بمجرد تفسير يصل الآذان فقط، بل كان لا بد أن يفتح العيون لتعرفه هو شخصيًا. وما أبدع ارتباط هذا بكسره للخبز! كيف عرفاه؟! أ رأيا جروح يديه؟! غالبًا! لكن السؤال اللازم، هل تنفتح عيوننا ونعرفه عند كسر الخبز؟! ليتها تكون طلبتنا فيتغير حال اجتماعاتنا!! القلوب الملتهبة إنه لم يفتح عيونهما فقط، بل اسمعهما يقولان: «أ لم يكن قلبنا ملتهبًا فينا؟» (ع32). والنتيجة «فقاما في تلك الساعة ورجعا» (ع33)، وما أحلى طريق العودة! وما أجمل الهمّة! فهذان اللذان أمسكا بضيفهما لأن النهار كان قد مال للغروب لم يعبأا الآن بظلمة الليل، بل رجعا بقوة معرفتهما للمسيح المُقام، وبقلب ينبض بالحب له، فنراهما شاهدين «يخبران بما حدث في الطريق» (ع35). آه أيها المُقام من الأموات: ارحمنا من قلوب لم تعد تُحبّك المحبة الأولى، فصارت في برودة القبور.. عُد وبثّ فيها سخونة الحياة من جديد.. بل ألهبها في دواخلنا بحبٍّ حقيقي لشخصك.. فنرجع إلى أماكننا، ونشهد لك أروع شهادة. النفوس المطمئنة مرة أخرى نرى «يسوع نفسه في وسطهم»، ودائرة عمله هنا تتسع عن الاثنين الأولين. ونسمعه يقول لهم «سلام لكم» (ع36). ومع أنهم، إذ كانوا في حالة ضعف الإيمان، «جزعوا وخافوا وظنّوا أنهم نظروا روحًا»، فإنّ ذلك لم يوقفه - تبارك اسمه - عن أن يكمل عمله. فيطمئنهم بأن «أراهم يديه ورجليه» ليروا جراحه الغالية، ثم بالأكل معهم (ع38-43). وصوته إلى الآن يرن في أذن كل قديس «لا تخف! أنا هو الأول والآخر والحي وكنت ميتًا، وها أنا حيّ إلى أبد الآبدين آمين. ولي مفاتيح الهاوية والموت» (رؤ1: 18). إنه الذي غلب الموت وقام، والذي هو حي في كل حين، وله قوة حياة لا تزول (عب7)، فكيف لا تطمئن قلوبنا به؟! في كل ظروفنا وأمورنا، مهما هاجت البحور علينا، أو طمت لُجج فوقنا؛ ليت طلبتنا تكون: افتح آذاننا يا رب على صوتك العذب قائلاً: «سلام لكم». الأذهان المفتوحة وإذ يواصل الرب الكريم عمله يُعلمهم أن «هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم...». إن كل ما علّمهم بصفته المسيح المتضع في أيام جسده كان قد انتُسي؛ لكنَّ المسيح المُقام «فتح ذهنهم ليفهموا الكتب»، ويا للروعة، لقد فهموا!! فهموا وما عادوا ينسون!! فإذ قال لهم: «هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أنَّ المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وأن يُكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدِأً من أورشليم»، رسخت هذه الأمور في أذهانهم، وشكَّلت كل توجّهاتهم بعد ذلك، كما نراها في سفر الأعمال؛ فنراهم بكل قوة متكلمين عن موته وقيامته، كارزين بالتوبة لمغفرة الخطايا! نعترف يا سيد أنه ما أكثر ما نعرفه من الكتب المقدسة وعنها؛ لكن ما أقل ما استقرّ منها في أذهاننا فشكَّل حياتنا. ألا تفتقدنا في هذه الأيام، لتفتح أذهاننا، فلا تعود أمورك تبدو كطلاسم لنا، بل نفهمها، وتغيّر بهذا الفهم حياتنا، فنعيش بحق كل ما لنا في شخصك الجليل؟! التكليف والوعد «وأنتم شهود لذلك» يا له من تكليف! وما أسمى إرسالية المسيح المُقام! وما أكثرها تميّزًا عن أيّة إرسالية أخرى!! وها هو المنتصر المُقام يزوِّد مُرسليه بهذا الوعد «وها أنا أُرسل إليكم موعد أبي؛ فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تُلبَسوا قوة من الأعالي». إنه تكليفنا اليوم، وهذه هي قوتنا أيضًا. البركة ثم نراه وقد «وأخرجهم خارجًا إلى بيت عنيا» فاصلاً إياهم عن كل نظام، بل عن كل شيء عداه. ثم بصفته رئيس الكهنة العظيم «رفع يديه وباركهم». آه ما أحلى المشهد! ما أمتعه للعيون وأغلاه للقلوب! وما أسمى هذا الأمر: إنه إلى اليوم يبارك!! «وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء» تاركًا في عيونهم وأذهانهم وقلوبهم صورته منطلقًا بمجده وقوة سلطانه إلى السماء، لتصبح هذه اللقطة البديعة قوتهم الدافعة للخدمة والتعب بل وأيضًا لقبول حتى الموت... وكيف لا وصورة السيد الذي انتصر على الموت مطبوعة في أذهانهم نفحات من السماء ما أعظم ما نتج مما فعل الرب المقام مع تلاميذه. إذ فتح عيونهم ليروا، وألهب قلوبهم لتشعر، وهدّأ نفوسهم في داخلهم، ثم فتح أذهانهم ليفهموا، وكّلفهم أشرف تكليف، ثم باركهم؛ نرى التغيير الجذري في أنهم: «سجدوا له». وما أروعه سجودًا عندما أدركوا أن ذاك الذي مات، مات لأجلهم؛ وأنه بعد ما مات قام بمجدٍ وارتقى إلى السماء! وإذ تنفتح العيون فنعرف حقَّ قدره، ويلتهب القلب بمرأى جراحه، ويمتلئ الذهن بمعنى قيامته؛ هكذا تنحنى القلوب، قبل الركب، وتنشد الألسنة أعذب كلمات السجود. «ورجعوا إلى أورشليم». ويا له من رجوع! إنهم لن يعودوا للاختباء في علّية مغلّقة بسبب الخوف ولن ينطلق بعضٌ منهم في ابتعاد، ولن يعودوا للشكِّ والإحباط والتخبّط؛ بل سنراهم بعد أيام يهزّون المسكونة شاهدين بمجد المسيح المٌقام أنّ «الله قد أقامه»، ومن ثمّ ينطلقون إلى العالم أجمع متممين التكليف الأسمى. «بفرح عظيم». انتهت أيام العبوسة، فالمسيح قام.. اطمأنت القلوب أن العمل أُكمل بالتمام.. وغلب السيد أعتى أعداء الأنام.. غُمرت النفوس بالراحة والسلام.. شبعت العيون بمشهد المُقام.. أ هناك شيء غير الفرح بعدئذ؟! ولا زال من حقنا الآن أن نتمتع بذاك الفرح «وإن كنتم لا ترونه الآن، لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد» (1بط1: 8). فلماذا الأسى بعدُ؟! «وكانوا كل حين في الهيكل يسبّحون ويباركون الله». نعم، كل حين. ولن تنقطع تسبيحاتنا وأفراحنا طالما امتلأت قلوبنا بالمسيح المُقام وأمجاده. له كل المجد. * * * * ولأنه هو هو، لا يتغير، كما كان في طريق عمواس، في يوم القيامة، هو لنا في طريقنا، كل أيامنا؛ فلنا أن نطمئن. هو ذاك الذي مات لأجلنا، وقام معلنًا نصرته وتبريرنا، وهو في السماء حيٌّ قد خصَّص ذاته لنا. هيا لنقترب إليه، ولنطلب منه أن يمتّعنا بما عمل مع تلاميذه يومًا. ولنغنِّ: د / عصام خليل |
||||
04 - 05 - 2013, 04:50 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
ماذا بعد أن قام؟
....................... ”المسيحية بُنيَت على قبر فارغ“، هذه المقوله الساخرة التي قالها أحد الفلاسفه الملحدين لمبشِّر اسكتلندي، هي في الواقع الأساس التى ارتكزت عليه المسيحية، بل هي الحق الذي نتمسك ونفتخر به. ونحن نُعلن جهارًا «أنه ليس هو ههنا ولكنه قد قام». وكل البدع القديمة والحديثة تحاول أن تطعن في هذه الحقيقة السامية. والموضوع الذي سوف أتناوله هو: ما هو موقفنا من هذا الحق السامى؟ وما هو تجاوبنا وتفاعلنا مع هذا الحق الثمين الغالي على قلوبنا. وسوف أستند على بعض المواقف التي حدثت مع شهود القيامة، والتي يريد الروح القدس أن يعلِّمنا من خلالها بعض الدروس الرئيسية التي تختص بهذا الحق الثمين، وألخِّصها في: المشاركة، الفرح، الإيمان ، والسجود المشاركة إنَّ الدرس الأول الذي نتعلَّمه هو أن هناك إرسالية، وهى أن نعلن جهارًا أن ”مسيحنا حي“. وهذا ما أتخيله قد حدث بكل قوة في الأيام الأولى التي تَلَت القيامة؛ فمن الأناجيل نفهم أن مريم ركضت لتخبر بطرس ويوحنا، اللذين بدورهما أخبرا التلاميذ بما روته مريم. ومن بداية قصة تلميذي عمواس نفهم أن أخبار القيامة قد وصلت إليهما، وفي نهاية القصة أخذا على عاتقهما إخبار التلاميذ ومشاركتهم بما أصبح حقيقة يقينية لديهما. وهذا هو الدرس الذي يريد أن يعلِّمنا إياه الروح القدس، أن ”نذهب ونقول إن مسيحنا حي“، وأن طبيعة ارتباطنا به تختلف عما كان للتلاميذ قبل إعلان حقيقة القيامة. وإن الرب، بعد القيامة، له إرسالية نجدها في نهاية كل إنجيل، تتفق مع طبيعة التدبير الجديد الذي كان سيؤسَّس على الأرض. ولكن هنا نرى إرسالية خاصة، أُعطيت كامتياز إضافي لمريم، التي أحبَّت وأظهرت وفاءً للرب، بدموع كثيرة، واقفة في اللحظات الأولى من الفجر، تبحث باجتهاد عمَّن ظنت أنها فقدته إلى الأبد، والتي ظنت لوهلة أنها ”طلبته وما وجدته“ (نش3: 1). لقد استحقت مريم أن يُطلق عليها لقب ”الرسولة إلى الرسل“، فهى أول من سمعت «اذهبي... وقولي» - والتي هي مسؤوليتنا حاليًا - وكأنّ هذا الامتياز قد مُنح لها لمكافأتها على وفائها للمسيح، وكما منح لها امتياز أن تكون أول مُشاهدة شاهدة للمسيح المُقام. الدرس الثاني الذي نتعلمه عن طبيعة الإرسالية، أنها أخبرت التلاميذ أنهم الآن يرتبطون به بأسلوب جديد لم يكن لهم قبل القيامة، فهم ”إخوته“. هذا الإعلان يملأ صفحات الوحي في العهد الجديد (رو8: 29؛ عب2؛ 10؛ ...)، ونردِّده الآن على أنّه حقيقة مسلَّم بها، وكامتياز مطلق اكتسبناه. ولكن في أثناء تجسد المسيح عرفه التلاميذ كمن هو ”المعلم“، وكمن هو ”السيد“ (يو13)، وفي آخر خدمته أعطاهم لقب ”أحباء“؛ وهذا كان قمة الإعلان لهم في ذلك الوقت. ولكن ما أعظم طبيعة الإعلان الجديد: «اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم». لقد كان هذا الإعلان - في ذلك الوقت - بمثابة نقلة كبيرة لم تكن تخطر ببال التلاميذ مطلقًا، ولذلك كان على الرب أن يرسِّخه في ذهن مريم، حينما حاولت ”لمسه“، قائلاً لها: «لا تلمسيني». إن الرب أراد أن يعلن لمريم اختلاف طبيعة ارتباطهم به في التدبير الجديد، فهو لن يكون حاضرًا معهم بالجسد بشكل حسّي ومنظور يعتمد على اللمس والمشاهدة ولكنه ”صاعد إلى أبيه وأبيهم“، ومن هناك سوف يرسل الروح القدس، ومتى أتى ذاك فإنه سيعلن شخصه لقلوبنا بشكل لم نعهده من قبل، كما أنه سيكون أقرب لنا وأعزّ لدينا مما كان متاحًا خلال حياته هنا على الأرض «إذًا نحن من الآن لا نعرف أحدًا حسب الجسد، وإن كنَّا عرفنا المسيح حسب الجسد لكن الآن لا نعرفه بعد (أي بهذا الأسلوب الجسدي الحسي الملموس، بل نعرفه كمن هو المقام من الأموات)» (2كو 5: 16). الفرح «فرح التلاميذ إذ رأوا الرب» (يو20: 20). وقيل عن المريمات حين تحقَّقن من القيامة: «فخرجتا سريعًا من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين ليخبرن التلاميذ» (مت28: 8). والسبب الرئيسي للفرح أنهم رأوا ”الرب المقام“، والذي ظنوا أنهم فارقوه إلى الأبد، واقفًا في وسطهم، وكما قال البشير لوقا «وبينما هم غير مصدقين من الفرح» (لو24: 41). إن قول الرب للمريمات حينما التقى بهن «سلام لكما» (مت28: 9)، هي في الترجمة اليونانية ”chario“ والتي شرحها ”Strong's Dictionary“ ”الكثير من الفرح“. إن سر فرح المسيحي بالقيامة يكمن في أننا أدركنا أن الموت ليس هو نهاية الرحلة وخاتمتها. لا شك أن الموت مخيف والبشر أمامه «كانوا جميعًا كل حياتهم تحت العبودية» (عب2: 15). إن الأهوال التي تواجه الجنس البشري كثيرة؛ من أوبئة، وحروب، ومجاعات، وتلوث، كل هذه الأهوال حينما اجتمعت وأرادت أن تتوِّج ملكًا عليها، أعطت المُلك للموت الذي قيل عنه ”ملك الأهوال“. إن كل قصص حياة العظماء (Biography) تنتهي بفصل عن موتهم، ولكن نحن نستطيع أن نقول: إن الكتاب المقدس هو الكتاب الوحيد الذي فيه فصل ما بعد الموت. وكما عبر عن ذلك رجل الله ”توزرو Tozer“ قائلاً إنه الكتاب الوحيد الذي يحدثنا عن الفصل الأول ما بعد النهايةThe first chapter after the last. قيل عن سواحل أسبانيا قديمًا: ”إنَّها نهاية المطاف there is nothing beyond“، ولكن بعد اكتشاف كرستوفر كولومبوس للأمريكتين، قيل عن سواحل أسبانيا: ”بل هناك المزيد there is more beyond“. هناك قصة عن كهف عميق ومظلم، وقف على مدخله رجلان يريدان الدخول، ولكن أحدهما لاحظ آثارًا لأقدام كثيرة داخلة، ولم يجد أي آثار خارجة، فقال لزميله: ”لا شك أن هناك وحشًا مخيفًا يأكل كل الداخلين لهذا الكهف“، وقال الثاني: ”لا أعرف ماذا هناك، لكن لا شك أن هناك شيئًا مخيفًا“. إن الموت مثل هذا الكهف، ابتلع كل من دخل إليه، ولم يخرج أحد ليُخبرنا ماذا عن الجانب الآخر. ولكن المسيح بقيامته صارت له قدمان خارجتان من هذا الكهف. لقد صار المسيح ”باكورة للراقدين“ فله سمة حياة تدوم إلى الأبد؛ وهنا يكمن سر الفرح المسيحي الحقيقي. لقد قام المسيح، كرأس لجنس جديد، منتصرًا على الموت، داحرًا هول المنون، ونحن حتمًا سنتبعه، فالموت بالنسبة لنا بمثابة ظل لا يخيف (مز23). والكهف المخيف الذي رأينا آثار السابقين داخلة إليه، قد رأينا الآن قدمين خارجتين منه، تعلنان بكل وضوح أننا سنخرج منه إلى رحب لا حصر فيه. الإيمان هناك إيمان يختصّ بالتعليم أو بإيماننا الأقدس، ومما لا شك أن التلاميذ كانوا يؤمنون بالرب، ولكن إيمانهم به كان قاصرًا على أنه ”المسيا المنتظر المزمع أن يفدي اسرائيل“ (لو 24). ولكن بعد القيامة كان عليهم أن يؤمنوا به بأسلوب جديد ”كالمسيح المقام من الأموات“. وهذا الإيمان الجديد بالنسبة لهم، هو الأساس الذي سترتكز عليه المسيحية في ما بعد. ففي سفر الأعمال كانت الكرازة المسيحية تتكلم عن المسيح المُقام، كرأس للكنيسة، ولم تَعُد قاصرة على كرازة الملكوت - التي أُرجئت الى أن يدخل ملء الأمم - فالمسيحية لم تخرج من تحت عباءة اليهودية، ولكنها تدبير مستقل بذاته، والإيمان في المسيحية يعتمد أساسًا على المسيح المُقام من الأموات كرأس لجنس جديد صعد إلى السماء كسابق لأجلنا (عب 6). ولكن هناك إيمان آخر يعتمد على إيماننا بقدرته. قد يتعجب البعض ويندهش كيف شكّ التلاميذ في من أبصروه حيًّا ومُقامًا من الأموات؟ (يو20: 27، 29؛ مر16: 14). ولكن أعتقد أننا لا يجب أن نندهش لو عرفنا غلاظة القلب البشري. إن بطء القلب فى الإيمان وغلاظته، ظهرا من قبل حينما شاهدوا معجزة الخمس خبزات «لأنهم لم يفهموا بالأرغفة إذ كانت قلوبهم غليظة» (مر6: 52). إنّ شكِّنا في قدرة الله هي التي دفعت الرسول بولس أن يقول: «اصْحُوا لِلْبِرِّ وَلاَ تُخْطِئُوا لأَنَّ قَوْماً لَيْسَتْ لَهُمْ مَعْرِفَةٌ بِاللَّهِ. أَقُولُ ذَلِكَ لِتَخْجِيلِكُمْ!» (1كو15: 34). يجب أن ندرك جيدًا أنه لا يستحيل على الرب شىء؟ إن الشك في قدرته ونعمته، هما سمة من سمات الطبيعة البشرية، وهما عادة سرّ فشلنا للتمتع بما قصده الرب لنا من خيرات. يجب أن نتعلم هذا الدرس جيدًا، ونمسك بهذا الحق ولا نُرخه؛ لأن نفس القدرة التي أقامت المسيح من الأموات هي مذخَّرة لصالحنا، وتعمل لحسابنا وفينا لتقوينا وتثبتنا (راجع رو 6: 8-9؛ كو1 :11؛ عب13: 20، 21). السجود يبدأ إنجيل متى بسجود المجوس للمسيح، وينتهي بسجود المريمات والتلاميذ للمسيح (مت28: 9، 17)؛ فهو كالملك يستوجب أن يُسجد أمامه، وهذا هو الدافع وراء سجود المجوس، ولكن سجود التلاميذ بعد القيامة كان له عُمق أكبر ودافع أعمق. فهم أدركوا بكل وضوح أن هذا الذي انتصر على الموت وقام من الأموات هو بحق ”ابن الله“. إنهم بلا شك، في فترة وجوده معهم على الأرض، أدركوا أنه شخص فريد متميّز أو نبي أُعطي له سلطان فائق، أو ”المسيا المنتظر“. وهذا ما امتحنهم الرب به في متى 16 حينما سألهم عمن يقول الناس عنه. وباستثناء بطرس الذي نطق بما أعلنه له الآب مباشرة - بامتياز خاص أعطي له- أن المسيح هو نفسه ابن الله، كانت هذه الحقيقة، إلى حدٍّ كبير، مبهمة في عقول التلاميذ، ولكن حينما رأوا المسيح المُقام، فإنه «تعين (أي تبرهن) ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات» (رو1: 4). وحتى إخوته الذين لم يؤمنوا به في حياته (يو7) آمنوا به بعد القيامة، ومنهم يعقوب أخو الرب (1كو15: 7). ونحن نعلم من الكتاب أن السجود لغير الله يُعدُّ تجديفًا، ولكن هنا تم السجود له باعتباره الله والملك في ذات الوقت، وهو تتميم جزئي لـ1أخبار 29: 20 كصورة للملك العتيد، وهي الآية الوحيدة في الكتاب المقدس كله التي تخبرنا عن السجود للملك كمن هو صورة لابن داود الذي سيملك في المستقبل وسيأكل ويشرب الشعب أمام الرب بفرح عظيم (أخ29: 22). وهذا الامتياز الذي سيُمنح للشعب في المستقبل صار من امتيازنا نحن الآن الذين أدركنا حقيقة القيامة. ليت قلوبنا تمتلىء به باعتباره المُقَام من الأموات، فيملأ الفرح قلوبنا، ونذهب لنخبر ونكرز للآخرين، ونتمسك بهذا الإيمان الذي يغيّر نمط حياتنا، ويجعلنا نسجد له. له كل المجد. ........... مسعد رزيق |
||||
04 - 05 - 2013, 04:52 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
إن لم يكن المسيح قد قام - (1كورنثوس15: 1- 23)
.................................................. ............ أود أن أشير أولاً إلى الطريقة التي يستخدمها الرسول بولس، وكذلك باقي كتبة الوحي، في عملية التصحيح لكل الضلالات التعليمية المتنوعة التي وصلت إلى بعض الكنائس في ذلك الوقت، في محاولة لتقوية إيمان المسيحيين. كان ذلك التصحيح مؤسَّسًا على أسانيد وبراهين حقيقية، سواء تمّ هذا التصحيح بالحق الإلهي الكامل والواضح، أو بالأحداث التاريخية الحقيقية التي جرت على أرض الواقع. وإحدى هذه الضلالات التي انبرى لها الرسول، هي زعم البعض في كنيسة كورنثوس أنه لا توجد قيامة أموات «فكيف يقول قوم بينكم أن ليس قيامة أموات؟» (1كو15: 12). ونحن، بالاتكال على معونة الرب، سنخوض في تلك المحاجة بين الرسول والمؤمنين الذين اعتنقوا هذه الفكرة في كورنثوس، وذلك لمعرفة خطورة النتائج المترتِّبة على هذا الاعتقاد، من خلال هذه الأمور الأربعة: مصدر الضلالة، أدلة قيامة المسيح، لو لم يكن المسيح قد قام، المسيح باكورة الراقدين أولاً: مصدر الضلالة الأرجح أن هذا الاعتقاد قد دخل إلى كنيسة كورنثوس من بعض اليهود الذين تأثروا بطائفة الصدوقيين، وآخرين تأثروا بفلسفة الأبيكوريين، وهؤلاء وأولئك لم يكونوا يؤمنون أن هناك قيامة للأموات (أعمال17: 18، 32). ثانيًا: أدلة قيامة المسيح قبل أن يخوض الرسول في النتائج المترتبة على الاعتقاد أنه ليس قيامة أموات، يقدِّم البرهان والدليل أولاً على قيامة المسيح؛ ويؤكِّدها من خلال: 1- الكتب المقدَّسة: أي كُتب العهد القديم الموحى بها من الله. وإن كان لا يذكر هنا النصوص أو الأسفار الكتابية التي تكّلمت عن قيامة المسيح، إلا أن ما اقتبسه كل من الرسولين بطرس وبولس من مزمور 16: 10 (راجع أعمال 2: 31؛ 13: 35، 36) واضح كل الوضوح. فما سبق وأنبأت به الكتب المقدسة كان الحُجّة الأولى والدليل الأول على قيامة المسيح. 2- ظهورات الرب بعد القيامة: لسمعان، وللإثني عشر، ولأكثر من خمسمئة أخ، وليعقوب أخي الرب، ولبولس شخصيًا. ثالثًا: ماذا لو لم تكن هناك قيامة من الأموات؟ عودة إلى الإنجيل الذي قبلوه. إن الإنجيل الذي بُشِّروا به وقبٍلوه وتمسّكوا به هو الإنجيل الذي قدَّم لهم المسيح المُقام. وربما استخدم الرسول بولس أسلوبًا تهكميًا عندما قال: «آمنتم عبثًا». وقد يكون مفهوم فكرة القيامة عند هؤلاء الهراطقة أن النفس ستكون خالدة لكن في صورة روحية بلا جسد حرفي. لكن طبعًا إنكار القيامة بأجساد حرفية فيه إنكار لقيامة المسيح بجسد حرفي. ويؤكد الرسول أن هذه العقيدة، التي اعتنقها البعض، بأنه لا توجد قيامة أموات؛ لها سبع نتائج خطيرة: 1- لا يكون المسيح قد قام. هذه هي النتيجة الأولى الحتمية لهذا الاعتقاد . وهنا يوجِّه الرسول سهمه إلى أصحاب هذا الفكر فكأنه يقول لهم: هل لا تؤمنون أن المسيح قد قام؟ وطبعًا لن يعتري إيمانهم أي شك من جهة هذه الحقيقة الراسخة التي استقرّت في عقولهم وقلوبهم. لأن قيامة المسيح هي جوهر الإنجيل الذي قبلوه. 2- باطلة كرازتنا لماذا اعتبر الرسول أن كرازتهم باطلة؟ لأنهم كانوا يكرزون بشخص لم يعُد موضع ثقة. لماذا؟ لأنه قال إنه سيقوم في اليوم الثالث (مت20: 18، 19) ولم يتم ما قاله. وبالتالي، فإن كان المسيح لم يقُم من بين الأموات، فنحن لا نعرف مصيره المجهول بعد موته. وبالتالي سيكون موته موتًا كأي إنسان عادي، وبالتالي سيكون مثله مثل باقي البشر الخطاة الذين ماتوا من جرّاء الخطية، وبالتالي لا يمكن من هذا المنطلق أن يُعتبر موت المسيح موتًا كفاريًا، لأنه لم ينل قبول الله ورضاه؛ وبناء عليه ستصبح الكرازة التي كرز بها الرسل ”باطلة“ بلا فاعلية أو نتيجة إيجابية لصالح وفائدة من يقبَلون كرازتهم. 3- باطل إيمانكم إن لمؤمني كورنثوس إيمانهم الحقيقي، لكن هذا الإيمان لا يُثمر في صالحهم أية بركة إن لم يكن المسيح قد قام؛ فلا هم نالوا الغفران أو التبرير، لأنهم لن يجدوا شخصًا حقَّق لهم، بالقيامة، نتائج يستندون إليها بالإيمان، بالنسبة لحاضرهم أو مستقبلهم الأبدي. فإيمانهم أصبح خاليًا من النتائج، بل إنه قد أصبح نوعًا من الوهم. لأن قيامة المسيح تؤكِّد غفران خطايا المؤمن وتبريره، فإذ لم يَقُم المسيح فواضح أن إيمانهم باطل. 4- نوجد نحن شهود زور لماذا يعتبر الرسول بولس أن كرازتهم ستُعتبر شهادة زور؟ لأنهم في كرازتهم كانوا ينادون بأن الله أقام المسيح يسوع من بين الأموات، فهذه هي شهادة بطرس على سبيل المثال في أعمال2: 24؛ وهكذا أيضًا كانت شهادة بولس في أريوس باغوس (أعمال17: 18، 31). ولو أن القيامة لم تحدث، فهذا معناه أنهم شهدوا شهادة غير حقيقية، لأنهم قالوا ما لم يفعله الله. وبالتالي يثبت الرسول أنهم هكذا أصبحوا مضلِّلين، وهذا ما يجعلهم يخسرون صيتهم وشهادتهم بل وكل شيء. 5- أنتم بعد في خطاياكم ما هي علاقة خطاياهم بقيامة المسيح؟ إن العلاقة وثيقة بين الموت في صورته الفدائية والنيابية، وبين قيامة المسيح؛ لأن قبول الله لموت المسيح بهذه الكيفية يمنح الشخص قبولاً أبديًا لدى الله، وغفرانًا شاملاً لكل خطاياه، إذ تكون الخطية قد أُبعِدت إلى الأبد، لأن المسيح حملها في جسده فوق الصليب، كما احتمل دينونتها من عدالة الله، وبذلك تم تمجيد الله في دينونة الخطية. وهكذا كان يجب أن يقيم الله شخص المسيح كبرهان قبول الله لعمله لأجلنا فوق الصليب. وإن لم يكن المسيح قد قام، فهذا معناه أن الخطية لم يُكفَّر عنها، وبالتالي لم يوُجَد مَن حمل خطاياهم نيابة عنهم. فيصبح كل من آمن بالمسيح، بناء على هذا، في خطاياه؛ فهي باقية عليه وتستوجب الدينونة والهلاك الأبدي. 6- الذين رقدوا في المسيح هلكوا ما المقصود بالقول «الذين رقدوا في المسيح هلكوا»؟ المقصود أنهم رقدوا على رجاء قيامتهم من الأموات، وقد رقدوا وهم في حالة الإيمان بالمسيح، ولهم رجاء ينتظرونه حسب ما وعدهم المسيح بالأمان الأبدي، والحياة فيما بعد الموت (انظر يوحنا11: 25)، ولكن في حالة عدم قيامة المسيح يكون هؤلاء الذين رقدوا ودُفنت أجسادهم في القبر قد هلكوا هلاكًا أبديًا. ولماذا يهلكون؟ لأنهم في هذه الحالة يتساوون مع قايين الشرير وإيزابل وهيرودس ويهوذا الاسخريوطي وغيرهم. فعدم قيامة المسيح تذهب بالجميع للهلاك الأبدي دون استثناءات. 7- نحن أشقى جميع الناس إن المؤمنين بعد إيمانهم بالمسيح يقاسون أنواعًا متعدِّدة من الآلام والاضطهادات لأجل المسيح، ونتيجة لإيمانهم بالمسيح، فإن كانوا يحتملون كل هذا، ثم يكتشفون أنه لا رجاء لهم ولا مجازاة لهم في السماء؛ وإن كانوا يحرمون أنفسهم من ملذات وشهوات الحياة التي يتمتع بها بقية الناس، وذلك لتوقعهم أن لهم في السماء الفرح والبهجة والسعادة الأبدية، ثم يكتشفون أن كل هذا الرجاء كان عبثًا؛ فبجدارة سيكونون أشقى جميع الناس، إذ في النهاية يتساوون مع من عاشوا حياتهم متمتعين بكل ما في الحياة من لذة وبهجة. رابعًا: المسيح باكورة الراقدين بعد أن أوصلنا الرسول بولس من خلال هذه الأقوال إلى النتائج الرهيبة لهذه العقيدة أو هذا الفكر بأنه لا قيامة أموات، والتي أدت إلى حالة الانزعاج والقلق واليأس التي ملأت الصدور من جراء هذه النتائج، يأتي بنا إلى صباح النصرة الذي جلب لنا الفرح والسعادة والرجاء، وذلك بالإعلان أن المسيح الآن قد قام وصار باكورة الراقدين. والباكورة هي العينة الأولى من الثمر الذي نضج، حيث تُجمَع من الحقل قبل الحصاد الكامل. إن القول «الآن قد قام المسيح» يحمل النفي التام لما اعتقده البعض بأن لا قيامة للأموات، والنفي التام أيضًا لما سبق أن افترضه الرسول من جهة كرازتهم؛ فالآن كرازتهم ليست باطلة، وإيمانهم ليس باطلاً، وخطاياهم قد غُفرت، وسيتحقق رجاؤهم؛ والآن أصبحوا أسعد الناس على الإطلاق. ونحن الآن معهم لنا نفس الغبطة لأن المسيح قد قام كالباكورة، ثم الذين للمسيح في مجيئه. له كل المجد. ............................ جوزيف وسلي |
||||
04 - 05 - 2013, 04:54 PM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات
..................................... كان كابوسًا مخيفًا عَبَرَ على ذهن الرسول بولس وهو يفترض، جدلاً، في الأصحاح الخامس عشر من رسالته الأولى إلى كورنثوس، أن المسيح لم يقُم من الأموات؛ الأمر الذي يترتب عليه انهيار المسيحية من أساسها: باطلة كرازتنا.. باطل إيمانكم.. أنتم بعد في خطاياكم.. الذين رقدوا في المسيح هلكوا.. لكن كما تظهر الشمس ناصعة فتمحو بأشعتها كل السحب والغيوم، يهتف بنغمة الانتصار «ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين» (ع20). نعم، فقيامة المسيح هي حجر الأساس في الإيمان المسيحي وفي البشارة بالإنجيل. إنها البرهان الأكيد على حقيقة شخصه وعلى كفاية عمله. أولاً: من جهة شخصه: فإن الرسول بولس يخبرنا أنه «تعيّن (تبرهن) ابن الله بقوة، من جهة روح القداسة، بالقيامة من الأموات» (رو1: 4). إن ابن الله لا يموت.. إنه القدّوس البار الذي ليس للموت حق عليه على الاطلاق. أما وقد ارتضى أن يأخذ صورة إنسان، ويموت حاملاً خطايانا وبديلاً عنا، فكان لا بد له أن يقوم من الموت «إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسَك منه» (أع2: 24). إن البرهان الأكيد أن المسيح هو ابن الله أنه أقام نفسه من الأموات. إنه العرض المجيد لقدرته الإلهية الفائقة. لقد تبرهنت عظمته في إقامة لعازر من الأموات بعد أن أنتن، لكن أن يقيم نفسه بعد موته فهذا هو البرهان الأعظم؛ فهو بلاهوته أقام ناسوته الذي مات. لقد تجمّعت كل قوات الجحيم لتعطِّل قيامته، لكنه انتصر وقام، دليلاً لا يقبل الدحض على أنه ابن الله. ثم أن قيامته من الأموات هي دليل بره وبراءته. لقد صلبوه كمجرم أثيم، لكن الله قد برّأه وبرره إذ أقامه من الأموات. ويقول بطرس لليهود يوم الخمسين «هذا أخذتموه... وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه. الذي أقامه الله ناقضًا أوجاع الموت» (أع2: 23، 24)، ثم يردف قائلاً «فيسوع هذا أقامه الله ونحن شهود لذلك» (ع32). إن الله برهن بوضوح على براءة المسيح وبره، فالشخص الذي رُفض واحتُقر وقٌتل من الناس قد أٌقيم من الأموات بمجد الآب. ثانيًا: كفاية عمله إن قيامة المسيح هي البرهان الأكيد على كفاية عمله، فقد مات المسيح نائبًا عني، حاملاً خطاياي، ووفاءً لدينٍ كان مُستحَقًا عليَّ؛ فما هو الدليل على أن الله قد قبل ذبيحته وارتضى نيابته، واسترد دينه كاملاً؟ إن الدليل هو قيامة المسيح، لقد «أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا» (رو4: 25). لو أن خطية واحدة بقيت على المسيح لما قام من الموت، لكن إن كان بديلي المبارك قد سقطت عنه قوة الحكم المختص بجريمتي، وأُخلى سبيله بالقيامة من الأموات؛ فأنا قد ُبِّرئتُ فعلاً وصرت حرًا طليقًا. إن قيامة المسيح هي بمثابة الإعلان الإلهي بالعفو الشامل عن كل من يؤمن بموته. إن برّ الله الذي أوقع عليه دينونة خطايانا أولاً تطلّب الآن عدم بقائه في القبر. هذا هو البرهان للعالم، ولنا، أن الله قد قَبِل عمله النيابي واكتفى به. ثالثًا: قيامة المسيح هي عربون قيامتنا يهتف الرسول بولس بصيحة النُصرة «الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين... لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيحيا الجميع، ولكن كل واحد في رتبته. المسيح باكورة، ثم الذين للمسيح في مجيئه» (1كو15: 20-23). واليهودي التقي يعرف تمامًا معنى الباكورة. إنها حزمة أول الحصاد، يأتي بها إلى الكاهن فيردِّدها أمام الرب في باب خيمة الاجتماع، أو في الهيكل، وهو على يقين من أن حصادًا وفيرًا سوف يُجمع إلى مخازنه بعد أيام قليلة. وهكذا فإن قيامة المسيح هي العربون والضمان الأكيد لقيامتنا نحن، عند مجيء المسيح. حتى وإن توارت أجسادنا في التراب، أو انتثرت في الجو ذرات، أو صارت طعامًا لوحوش أو أسماك. لقد قام المسيح بجسد مجيد، ونحن أيضًا سنقوم بأجساد ممجَّدة حين يغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده. لقد غلب المسيح الموت وقهره، ويومًا نحن أيضًا سنهتف «أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟» (1كو15: 55). «لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام، فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضًا معه» (1تس4: 14). رابعًا: قيامة المسيح هي ضمان ميراثنا يقول الرسول بطرس في رسالته الأولى «مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية، لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات، لميراث لا يفنى، ولا يتدنس، ولا يضمحل، محفوظ في السماوات لأجلكم، أنتم الذين بقوة الله محروسون بإيمان لخلاص مُستعد أن يُعلَن في الزمان الأخير» (1: 3-5). لقد أدخل الرب شعبه قديمًا إلى أرض ميراثهم، ولكنهم بخطيتهم سرعان ما أفسدوا ودنّسوا هذا الميراث، ثم فقدوه تمامًا عندما ذهبوا إلى السبي، وعندما أتاهم الوارث نفسه رفضوه وصلبوه، وبموته فقدوا رجاءهم فيه، حتى أن تلميذي عمواس في أساهما قالا: «كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل». لكن بقيامة المسيح من الأموات صار لنا رجاء حي وميراث لا يفنى ولا يمكن أن يتدنس بالخطية، وهو محفوظ في السماوات لأجلنا، ونحن بقوة الله محفوظون لهذا الميراث. إن رجاءنا ما عاد في الأرض، بل في السماء، حيث المسيح المُقام والجالس عن يمين الله؛ هناك كنزنا، وهناك أيضًا ينبغي أن يكون قلبنا - لا يخدعنا العالم ببريقه الزائف، طالما لمع أمام عيوننا هذا الرجاء الحي. خامسًا: قيامة المسيح هي العرض الأعظم لقوة الله التي لحسابنا يصف الرسول بولس القيامة كأعظم عرض عرفه العالم للقوة الإلهية «حسب عمل شدة قوته الذي عمله في المسيح إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماويات» (أف1: 19، 20). قد يتبادر إلى الذهن أن خلق الكون هو أعظم عرض لقوة الله، أو عبور البحر الأحمر المعجزي؛ إلا أن العهد الجديد يعلِّمنا أن قيامة المسيح وصعوده هما العرض الأعظم لقوة الله. لقد انتصر الله على كل قوات الجحيم، وكانت قيامة المسيح وتمجيده هزيمة ساحقة للشيطان وأجناده، وعرضًا مجيدًا للقدرة الإلهية التي لا يمكن وصفها تمامًا، لذلك يستعير بولس بعض الكلمات من ”فيزياء الحركة“ في وصفه للقوة المبذولة من أجلنا «حسب عمل شدة قوته». إن إقامة الله للمسيح تعني أنه لا توجد صعوبة تقف أمام الله، وأن الله صار لنا إله خلاص، وعند الرب السيد للموت مخارج، وأن هذه القوة هي لحسابنا؛ فهل نحيا حياة القوة، حياة القيامة والنُصرة؟ أم نحيا في ضعف وهزيمة ولنا قوة الله التي أقامت المسيح من الأموات؟! سادسًا: قيامة المسيح هي قوة حياتنا الجديدة إنها «القوة التي تعمل فينا» لنحيا لله حياة جديدة تختلف تمامًا عن حياتنا القديمة في الجسد. إنها حياة القيامة. إن الكتاب يعلّمنا أننا قد صرنا متّحدين مع المسيح في موته وقيامته «لأنه إن كنا قد صرنا متّحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته» (رو6: 5). والرسول بولس يبني تحريضاته للمؤمنين في كولوسي على هذه الحقيقة قائلاً: «إن كنتم قد مُتّم مع المسيح...»، ثم «إن كنتم قد قُمتم مع المسيح...». وكما أُقيم المسيح من الأموات بقوة حياة جديدة، قُمنا نحن أيضًا معه لنسلك بموجب هذه القوة سلوكًا جديدًا مختلفًا «حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة» (رو6: 4). إن هذه الحياة الغالبة المنتصرة؛ حياة المسيح المُقام من الأموات، هي أيضًا حياة المؤمنين به، وقوة هذه الحياة هي التي تفصلنا عن العالم وعن الخطية، وترفع قلوبنا حتى نطلب ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. * * * * وأخيرًا: فإن قيامة المسيح تعني أن الكلمة الأخيرة لله وليست للشيطان، والنُصرة النهائية للحق وليست للباطل، للنور وليست للظلمة، للخير وليست للشر.. فإذا رأيت الأرض وقد امتلأت جورًا، والشر وقد عاث في الأرض فسادًا تذكَّر قيامة المسيح. «اذكر يسوع المسيح المُقام من الأموات من نسل داود حسب إنجيلي... صادقة هي الكلمة أنه إن كنا قد مُتنا معه فسنحيا أيضًا معه» (2تي2: 8-11). .............. متى ناشد |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
موضوع متكامل عن يسوع المسيح |
موضوع متكامل عن دخول المسيح ارض مصر |
أول موضوع متكامل عن الكريسماس 2013 ادخل وشااااااااااارك |
موضوع متكامل عن دخول المسيح ارض مصر |
موضوع متكامل عن قيامة يسوع المسيح والخماسين |