![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 196421 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() القديس الشهيد آسحق الدفراوى ![]() |
||||
|
|||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 196422 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() القديس الأب الطوباوي مقاريوس الإسكندري ![]() |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 196423 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() القديس الأب ببنوده من البندره ![]() |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 196424 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() دعوني أخبركم بما قضى به الله قال لي: أنت ابني وأنا اليوم ولدتك! (مز 2: 7) ![]() |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 196425 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() يسوع لا تخافوا لأني معكم واقويكم ![]() |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 196426 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() مثل الغني الجاهل جمهور المستمعين مَن يخاطب يسوع بهذا المثل؟ يحدّد لوقا جيداً ملامح المستمعين، وهو أمر يستحق العناية والاهتمام. كان يحيط بيسوع جمهور كبير يتزاحم ويتدافع حوله، لكي يقترب منه، ويوجّه يسوع الخطاب، بغرابة شديدة إلى التلاميذ: "واجتمع في أثناء ذلك ألوفاً من الناس، حتى داس بعضهم بعضاً، فأخذ يقول لتلاميذه أولاً" (لو1:12). يوجّه يسوع الخطاب أولا إلى الرسل ولكن الجموع تتابع هذا الخطاب حتى أن أحدهم سأله "فقال له رجل من الجمع: "يا معلم مُر أخي أن يقاسمني الميراث" (لو13:12). يرد يسوع على هذا غير المحدد، مخاطباً الجموع والتلاميذ معاً: "يا رجل مَن أقامني عليكم قاضياً... ثم قال لهم.." (لو 14:13أ و 15أ). إن خطر الطمع يهدد الجميع بما فيهم أيضاً التلاميذ. وعندما يختم يسوع المثل يتوجّه إلى تلاميذه وحدهم: "وقال لتلاميذه..." (لو22:12): شارحاً لهم ما معنى أن يغتني الإنسان بالله، أي كيف يدخل الإنسان في المنطق الجديد للملكوت. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 196427 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() غني جاهل يطلب أحدهم أن يناصره في حصوله على نصيبه من الميراث: "فقال له رجل من الجمع: يا معلم مُر أخي أن يقاسمني الميراث" (لو13:12), كان من المعتاد أن يطرح الناس المسائل الشرعية المعقدة على كبار معلمي الشريعة، خبراء تفسيرها. بهذه الصفة يلجأ هذا الرجل إلى يسوع الذي يرفض بلباقة تلبية طلبه: "يا رجل، مَن أقامني عليكم قاضياً أو قساماً؟" (لو14:12)، يبدو من رد يسوع هذا أنه لا يريد أن يتدخل في المسألة، ولكنه في الواقع يحلها بطريقته الخاصة. لا ينزلق إلى قشور الموضوع ولكنه يدخل فوراً إلى عمق المسألة وجذورها. يتنازع أخوان حول الميراث. يريد أحدهما أن يظل الميراث برمته بدون تقسيم، وهذا ما يجب كشفه: "تبصروا واحذروا كل طمع، لأن حياة المرء، وإن اغتنى، لا تأتيه من أمواله" (لو15:12). يوضّح المثل بطريقة واضحة ومباشرة تعليم يسوع. يعمل إنسان طوال عمره لكي يقيم ثروة. وعندما يعتقد أنه وصل إلى الحد الكافي وحصل على "أرزاق وافرة يكفي مؤونة سنين كثيرة" (19:12أ) يقرّر أن يستريح وأن يستمتع بهذه الخيرات "أقول لنفسي: استريحي وكلي واشربي وتنعمي..." (19:12ب). ولكن هيهات، إذ يجلجل صوت: "يا غبي، في هذه الليلة تسترد نفسك منك" (20:12أ). إن المسألة لا تخص لا الخيرات والثروات ولا التمتع بها، إنما تخص اعتبار أن جوهر الحياة ومعناها يقومان ف اكتناز الخيرات أي اعتبارها المركز والأمان. يرفض يسوع ويشجب بشدة فائض الخيرات الذي يصاحبه الجشع والطمع والصلف والخيلاء والمجد الباطل. إنه يتكلم عن حياة بلا صفات. يهدد الخطر ليس فقط حياة العالم الآتي بل أيضاً الحياة الآن: الحياة هي ملء الحياة وليس مجرد الوجود. يصف المثل الرجل بأنه غني (لو16:12) وغبي (لو 20:12). لماذا يصفه المثل بالجهل؟ الكلمة اليونانية التي تشير إلى هذا هي أفرون أي بلا رأس كما نقول في عباراتنا الدارجة: الأحمق، اللاهي، اللامبالي. يختلف مفهوم الحكمة في الإنجيل عنه لدى العامة. يرى الجميع أن الحرص على جمع الخيرات لتامين المستقبل حكمة. أمّا يسوع فيرى في ذلك حماقة وجهلاً، لأن ذلك يعني أن يبني المرء حياته على خيرات زائلة. إن عبارة "فلمن يكون ما أعددته؟" (لو20:12ب) هي سؤال ينضح بآن واحد بالحكمة والسخرية اللاذعة. يعبّر هذا السؤال الساخر عن غباء مَن يتكل على جمع الخيرات والثروات. لقد عبّر كتاب الجامعة عن هذا الأمر: "إنسان رزقه الله غنىً وأموالاً ومجداً فلم يكن لنفسه عوز من كل ما يشتهي. ولكن الله لم يدعه يأكل من ذلك، إنما يأكله غريب. هذا باطل وداء خبيث" (جا2:6) ويقول نفس الكتاب في مقطع آخر: "ثم التفت فرأيت باطلاً آخر تحت الشمس: واحد ليس له ثانٍ، لا ابن ولا أخ ولا نهاية لكل تعبه ولا تشبع عيناه من الغنى: لمن أتعب و أحرم نفسي الهناء؟هذا أيضاً باطل وأمر سيء" (جا7:4-8). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 196428 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() أنواع مختلفة من الغنى قد يكون من المفيد أن نتعرّف من العهد القديم على الأجزاء المختلفة التي يتكوّن منها هذا المثل. يبدو أن يسوع ينطلق من نص في كتاب يشوع بن سيراخ: "رب إنسان اغتنى باهتمامه واقتصاده وهذه هي أجرته: حين يقول: قد بلغت الراحة سآكل الآن من خيراتي" وهو لا يعلم كم يمضي من الزمان حتى يترك ذلك لغيره ويموت" (سي 18:11-19). يبدو أن يسوع حوّل هذه الحكمة إلى مثل. لقد أبرز يسوع مفهوم "البطلان" الذي ورد في كتاب الجامعة: "باطل الأباطيل. كل شيء باطل" (جا 1:1) عندما جعله في مثل ملموس قريب من فهم الناس. ينظر الجامعة بتجرّد شديد إلى كل أمور الحياة وخبرات البشر: إن كل ما يتوقعه الإنسان ويثق يلبي أقل بكثير ما يعد به: إنها كلها أباطيل لا تثبت مثل الدخان أو البخار. يختلف يسوع عن الجامعة إذ لا يكتفي بكسر هالة الاكتناز، بل يحدد بوضوح الطريق الذي يتبعه الإنسان لكي يتغلّب على هذه الأباطيل ويهرب منها مَن يكتنـز هذه الخيرات إنما يكتنـزها لذاته ولا يغتني بالله. إن الغباء والحماقة يقومان في هذا "الاكتناز للذات" لا الاغتناء بالله. إن عبارة لله في اللغة اليونانية ترد فعل حركة انتقال نحو الله، بالتالي لا يكون معناها لأجل الله، بل في اتجاه الله. إنه بذلك يوحي بفكرة هامة جداً: لا يقدم الإنسان خيرات وتقدمات لله، بل يستعملها في اتجاهه؟ وهو في طريقه إليه، بمنطقه هو. تبرز تعاليم إنجيل القديس لوقا التالية معنى "لله": "لا يهمكم للعيش ما تأكلون، ولا للجسد ما تلبسون" (لو22:12)، "فلا تطلبوا أنتم ما تأكلون أو ما تشربون ولا تكونوا في قلق" (29:12) "أبوكم يعلم أنكم تحتاجون إليه" (30:12) "اطلبوا ملكوته تزادوا ذلك" (31:12)، "بيعوا أموالكم وتصدقوا بها واجعلوا لكم أكياساً لا تبلى، وكذا في السموات لا ينفد" (33:12أ). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 196429 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() حبرٌ أعظم قدّيس استشهد حبًّا بالمسيح القدّيس البابا اسكندر الأوّل تحتفل الكنيسة الكاثوليكيّة بتذكار القدّيس البابا اسكندر الأوّل في 10 مايو/أيّار من كلّ عام؛ هو من استشهدَ حبًّا بالمسيح. أبصرَ هذا القدّيس النور في الربع الأخير من القرن الأوّل في روما، وحصّن ذاته بأسمى الفضائل الروحيّة، ودرس العلوم حتّى نبغ فيها. وفي الثلاثين من عمره، أي في العام 107، انتُخِب حبرًا أعظم، وهو البابا السادس بعد القدّيس بطرس. وراح يحضّ الناس على التمسّك بالإيمان القويم، وأسهَم في اعتناق الكثير من عبدة الأوثان الدين المسيحيّ، وكان معظمهم من أشراف روما وبينهم أرمت الحاكم وعائلته. لاحقًا، قُبِضَ على البابا اسكندر الأوّل، مع أرمت الحاكم، ووُضِعا في سجن كان فيه قسّ اسمه أثناسيوس وآخَر اسمه تاودولوس. وقد عرف هذا البابا القدّيس شتّى أنواع الآلام، إذ وضِعَ أوّلًا على آلة وعُذِّب وحُرِقَ بالمشاعل، وبعدها طُرِحَ مع القسّ أثناسيوس في أتون ملتهب. ولمّا رآهما تاودولوس وسط النيران، ألقى بنفسه على الفور معهما. فبدأ هؤلاء الثلاثة يُمجّدون الله من قلب الأتون، على مثال الفتية الثلاثة. وقد صنع الله من خلال هذا البابا آيات مقدّسة بينما كان في السجن، منها شفاء ابنة كورينوس السجّان من مرض عضال، فآمن حينها أبوها مع عدد كبير من الأشخاص. وأخيرًا، قُطِعَ رَأسا القسَّين، ومُزِّقَت أعضاء البابا اسكندر الأوّل بالسهام. وهكذا تُوّج الثلاثة بإكليل المجد الأبديّ في العام 116. يا ربّ، علّمنا كيف نشهد لإيماننا المسيحيّ على مثال هذا البابا القدّيس، حتّى النفس الأخير. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 196430 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() عاش يوثام ملك يهوذا باستقامة أمام الرب (2 مل 15: 32-34)، غير أنه لم ينزع المرتفعات، وترك الشعب يذبحون ويوقدون على المرتفعات، وإذ استلم ابنه آحاز المُلك صار مثلاً رديئًا للفشل في كل جوانب حياته! أ.فشله في سلوكه [1-4]، فقد حمل الشر كسمةٍ رئيسيةٍ في ملامح شخصيته. ب.فشله في السياسة [5-9]، كما يظهر من دخوله في حرب مع رصين وفقح، ملكي أرام وإسرائيل. ت.فشله في عبادته [12-18]، حيث مارس الارتداد إلى أبعد الحدود. إن كان النجاح هو عطية إلهية تُقدَّم للمؤمن في كل جوانب حياته، فالفشل هو ثمرة اعتزال الإنسان عن الله مصدر النجاح الحقيقي. 1. آحاز الملك الشرير 1 فِي السَّنَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ لِفَقْحَ بْنِ رَمَلْيَا، مَلَكَ آحَازُ بْنُ يُوثَامَ مَلِكِ يَهُوذَا. 2 كَانَ آحَازُ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. وَلَمْ يَعْمَلِ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلهِهِ كَدَاوُدَ أَبِيهِ، فِي السَّنَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ لِفَقْحَ بْنِ رَمَلْيَا، مَلَكَ آحَازُ بْنُ يُوثَامَ مَلِكِ يَهُوذَا. [1] "أحاز" معناها "الله يُمسِك". إن كان كل من والد أحاز يوثام وجده عزاريا قد سلكا باستقامة في عينيّ الرب، غير أنهما لم يكونا مثل داود أبيهما، فقد انحرفا بعد ذلك وسلكا في الشر. أما آحاز فمع كونه من نسل داود، إلا أنه لم يُطِعْ كلمة الله ولا اتكل عليه، بل سلك طريق ملوك إسرائيل في انحرافهم نحو العبادة الوثنية. عوض أن يقتدي بأبيه داود، فيكون موضع سرور الله، اقتدى بملوك إسرائيل الأشرار، ففشل مثلهم. إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل أن جده ووالده غرسا فيه بذور الارتداد بعدم إزالة المرتفعات، فأثمرت في شخصية آحاز وسلوكه علانية. كَانَ آحَازُ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. وَلَمْ يَعْمَلِ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلَهِهِ كَدَاوُدَ أَبِيهِ. [2] قد يعترض البعض بأنه ذُكِرَ هنا أن آحاز كان ابن عشرين سنة حين ملك، وملك ستة عشر سنة في أورشليم. وقد ورد في (2 مل 18: 1-2) أن حزقيا بن آحاز كان ابن 25 سنة حين مَلكَ. وبقليل من المقارنة الحسابية نلاحظ أن آحاز تزوج وهو في العاشرة من عمره، وأنجب حزقيا وهو في الحادي عشر، وهذا لا يتفق مع الناموس الطبيعي، وينافي المنطق السليم. يُرَد على ذلك[1] أنه بالرجوع إلى تاريخ حياة آحاز، نجده قد أفسد نظم العبادة الهيكلية، وأحل محلها العبادات الوثنية. وملك حزقيا ابنه ليجد نفسه أمام عبء ثقيل من الإصلاحات الدينية، استغرق منه عدة سنين، حتى تمكَّن من إعادة تنظيم العبادة الهيكلية من جديد، قبل أن يُمسَح ملكًا بموجب المراسيم والطقوس الموسوية (2 أي 28-31). إذ من المعروف أن مسح الملوك في العهد القديم كان يتطلب وجود العبادة الهيكلية، واستقرار نظمها وطقوسها أولاً. لهذا من المُرجَّح أن حزقيا لم يُمسَحْ ملكًا بيد الكهنة إلا بعد إعادة تنظيم العبادة في الهيكل، التي استغرقت مدة زمنية ليست بقليلة. لهذا المقصود من النص الوارد في (2 مل 18: 2) في قوله عن حزقيا أنه "كان ابن خمسة وعشرين سنة حين مَلَك"، أي حين مُسح ملكًا بموجب شريعة موسى، بعد تنظيم العبادة الهيكلية من جديد. أي لم يتجاوز العشرين من عمره أثناء وفاة أبيه، وهذا يعني أن أباه أنجبه وهو في السادسة عشر من عمره أو يزيد، تبعًا للمدة غير المعروفة التي تم فيها تنظيم العبادة الهيكلية على يدي حزقيا. 3 بَلْ سَارَ فِي طَرِيقِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، حَتَّى إِنَّهُ عَبَّرَ ابْنَهُ فِي النَّارِ حَسَبَ أَرْجَاسِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 4 وَذَبَحَ وَأَوْقَدَ عَلَى الْمُرْتَفَعَاتِ وَعَلَى التِّلاَلِ وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ. بَلْ سَارَ فِي طَرِيقِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، حَتَّى إِنَّهُ عَبَّرَ ابْنَهُ فِي النَّارِ حَسَبَ أَرْجَاسِ الأُمَمِ، الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. [3] بعد سلسلة من الملوك في يهوذا الذين سلكوا بالبرّ نسبيًا، جاء آحاز يسلك بالشر مثل ملوك إسرائيل. ربما كان لملوك إسرائيل أن يدَّعوا بأن عبادتهم للعجلين في دان وبيت إيل كان أمرًا ضروريًا بدافع الحفاظ على مملكة إسرائيل، حتى لا يميل قلب الشعب إلى العودة إلى الهيكل في أورشليم عاصمة مملكة يهوذا، والخضوع لملكها الذي من نسل داود. أما آحاز ملك يهوذا فلم يكن له ما يُبَرِّر به موقفه من الاقتداء بملوك إسرائيل، وعدم مبالاته بعبادة الله الحيّ والالتزام بوصاياه والاهتمام بالهيكل. كان آحاز مُرتدًا، قاد بنفسه الشعب في تبنِّي العبادات الكنعانية الوثنية (2 أي 28: 1-4). يُقدِّم لنا سفر أخبار الأيام الثاني تقارير عن إجازة الإنسان ابنه في النار التي ارتبطت بعبادة البعل والتي كانوا يمارسونها في وادي ابن هنوم (2 مل 23: 10؛ 2 أي 28: 2-3). في أيام يوآش الملك ويهوياداع الكاهن هدم الشعب مذابح البعل وكسروا تماثيله (2 مل 11: 18). لكن إذ ملك آحاز عاد إلى ما عملته عثليا الشريرة ابنة أخآب وإيزابل. كما قدَّم ابنه مُحرَقة للأوثان، إرضاءً للآلهة بتقديم أفضل ما عنده (مي 6: 7)، وهذا ما يُدعى بالإجازة في النار، وهي من أبشع الممارسات الوثنية التي كثيرًا ما حذَّر الله شعبه منها. كان لمولك صنم من النحاس جالس على عرش، وكانوا يشعلون في التجويف نارًا، ويضعون على ذراعي الصنم أطفالهم ليحترقوا ويموتوا، أو يُسلِّمونهم لكاهن الوثن، فيلقيهم على الذراعين المُحمرتين بالنار وسط ضربات الطبول حتى لا يسمع أحد صرخات الأطفال وهم يحترقون. وقف إرميا عند باب الفخار حيث تُلقَى القمامة ليوجه الحديث إلى ملوك يهوذا مع سكان أورشليم، لأنه لم يكن ملوك يهوذا يدخلون من هذا الباب. لكن اشتراكهم في سَفْك دم الأبرياء (2 مل 21: 16؛ 24: 4)، وتقديم أطفالهم ذبائح بشرية للأوثان (2 مل 16: 3؛ 21: 6)، جعلهم يُحصون مع الشعب الداخل في باب القاذورات ليسمعوا معهم كلمة توبيخ قاسية، وصدور حُكْم إلهي عليهم جميعًا بغير محاباة! حقًا ما أصعب على نفس ملك يهوذا أن يأتيه الخبر بأن إرميا يوجه إليه رسالة عنيفة عند باب القاذورات وإلقاء القمامة. لكن هكذا نزل الملك بنفسه إلى هذا المستوى باشتراكه في الرجاسات الوثنية وعنفها! لقد جاءت الوصية الإلهية واضحة: "لا تعمل هكذا للرب إلهك، لأنهم قد عملوا لآلهتهم كل رجسٍ لدى الرب مما يكرهه، إذ أحرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار لآلهتهم" (تث 12: 31). جاء في (2 أي 28: 3) عن آحاز أنه أوقد في وادي ابن هنّوم وأحرق بنيه بالنار حسب رجاسات الأمم، كما قام منسّى وهو من أشر ملوك إسرائيل بنفس العمل (2 أي 33: 1، 6). هذا كان يتم في توفة أو تفتة بوادي هنّوم. وهي تقع في وادي الربابة على السفح الشرقي لجبل صهيون (نح 11: 30). ربما هذا الاسم مُشتَق من كلمة معناها "تنُّور أو فرن"، أو من كلمة أرامية معناها "مكان الحريق". كانت هذه المنطقة في الأصل بستانًا مقدسًا للكنعانيين، ثم صارت مركزًا لعبادة البعل حيث كان اليهود المنحرفون يجيزون بنيهم وبناتهم في النار لمولك (إر 32: 35). وقام يوشيا الملك الصالح بتنجيس توفة "لكي لا يُعبِّر أحد ابنه أو ابنته في النار لمولك (2 مل 23: 10). وقد صارت توفة رمزًا للخراب والتأديب على هذه الخطايا والرجاسات، إذ يقول النبي: "لذلك ها هي أيام تأتي يقول الرب ولا يُسمَّى بعد توفة ولا وادي ابن هنوم، بل وادي القتل، ويدفنون في توفة حتى لا يكون موضع. وتصير جثث هذا الشعب أُكلاً لطيور السماء ولوحوش الأرض ولا مُزعج" (إر 7: 32-33). وقد امتلأ الوادي عبر التاريخ بالقمامة التي كانت تُلقَى من فوق أسوار المدينة حتى ضاعت الآن معالمها. يا للعجب! قدَّم ابنه ذبيحة للأصنام العاجزة عن حمايتها لنفسها، ظانًّا أنه بهذا يضمن أمانه ونصرته، ولم يُقدِّم قلبه لله القدير ضابط الكل! يفقد الإنسان في فساده التعقُّل والاتزان وحتى الحكمة البشرية الطبيعية! في عصيانه لله يتعدَّى حدود الممارسة الوثنية في إسرائيل. إذ ينحطّ إلى مستوى شائن بتقديم ابنه مُحرَقة كطقس الإله مولك. إنه لأمر محزن أن أولاد الله الذين جعلهم الله ملوكًا وكهنة (رؤ 1: 6)، ليرتفعوا بروح أبيهم إلى حيث هو جالس، أن ينحدروا بأنفسهم ليسقطوا تحت الحُكْمِ مع أولاد إبليس الأشرار باشتراكهم معهم في سلوكهم الشرير، وينحطوا أحيانًا إلى مستوى أدنى من الحيوانات! v أية مأساة هذه؟!... لقد قدَّموا أبناءهم وبناتهم ذبائح للشيطان! رفضوا أن يتعرَّفوا على الطبيعة، لقد نسوا آلام الولادة، ووطأوا بأقدامهم تربية أطفالهم، لقد سقطوا من أساسات شرائع القرابة، وصاروا أكثر وحشية من أي حيوان مفترس. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس مقاريوس الكبير وَعَلَى التِّلاَلِ وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ. [4] مارس آحاز رجاسات الوثنيين، الأمر الذي شدَّد الرب على الامتناع منه. لقد أهمل والده إزالة هذه المرتفعات، فكانت عثرة خطيرة لابنه الذي ليس فقط تجاهل وجودها، إنما اندفع وانغمس في العبادة الوثنية على هذه المرتفعات. صار آحاز مثالاً شريرًا لشعبه في الذبح على المرتفعات للآلهة الوثنية. كما كان يُقدِّم ذبائح تحت الأشجار الكبيرة القديمة المنفردة، بزعم أنها مسكن الآلهة، ولا يجسر أحد أن يقطعها أو يحتطب منها. v الذين يثقون في الأصنام أغبياء. الأصنام هي من صُنعهم، أشياء يصنعونها بأياديهم، لكنهم يعودون ويقولون: "هذه الأصنام هي خالقنا". كيف يمكن لهؤلاء الناس أن يقولوا عن أشياء صنعوها أنها خِلقتهم؟ بجانب هذا هم يحرسون أصنامهم، حتى لا يسلبها لصوص... يا للغباوة! إن كانت الأصنام تعجز عن أن تحرس نفسها وتحميها، فكيف تحرس آخرين وتخلصهم؟ الأب يوحنا الدمشقي الأب فولجنتيوس أسقف Ruspe بيشان أسقف بارسيلونا v عندما يحاول أُناس أن يغوونا نحو الارتداد، من المفيد أن نتأمل فيما يرغب الله أن يُعلِّمنا بقوله: "أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلهٌ غَيُورٌ". في رأيي أن العريس الذي يرغب في عروسه أن تحيا بالطهارة، فتُقدِّم نفسها له بالكامل، وأن تحذر من أية علاقة مع أي إنسانٍ غير زوجها، يبدو أنه بحكمة يكون غيورًا. يستخدم هذا المظهر كنوعٍ من الترياق لعروسه. هكذا مُقدِّم الشريعة، خاصة عندما يُعلن عن نفسه كبكر كل خليقة (كو 1: 15)، يقول لعروسه – أي النفس – إنه إله غيور. بهذه الطريقة يحفظ تابعيه من أي زنا مع الشياطين والآلهة الباطلة. العلامة أوريجينوس 3. محاربة ملكي أرام وإسرائيل له 5 حِينَئِذٍ صَعِدَ رَصِينُ مَلِكُ أَرَامَ وَفَقْحُ بْنُ رَمَلْيَا مَلِكُ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِلْمُحَارَبَةِ، فَحَاصَرُوا آحَازَ وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَغْلِبُوهُ. 6 فِي ذلِكَ الْوَقْتِ أَرْجَعَ رَصِينُ مَلِكُ أَرَامَ أَيْلَةَ لِلأَرَامِيِّينَ، وَطَرَدَ الْيَهُودَ مِنْ أَيْلَةَ. وَجَاءَ الأَرَامِيُّونَ إِلَى أَيْلَةَ وَأَقَامُوا هُنَاكَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. حِينَئِذٍ صَعِدَ رَصِينُ مَلِكُ أرام وَفَقْحُ بْنُ رَمَلْيَا مَلِكُ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِلْمُحَارَبَةِ، فَحَاصَرُوا آحَازَ، وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَغْلِبُوهُ. [5] لقد أراد رصين وفقح، ملكا أرام وإسرائيل (2 مل 15: 37). أن يكونا سيديْن لأورشليم، ويقيما لها مَلِكًا من عندهما (إش 7: 6)، ومع ما بذلاه من مجهودٍ ضخمٍ واستعداداتٍ عسكرية إلا إنهما فشلا في الاستيلاء على أورشليم، وإقامة ملك عوض آحاز. فبالرغم من انحراف آحاز للعبادة الوثنية واقتدائه بملوك إسرائيل، إلاّ أن الله من أجل وعوده الصادقة لبيت داود أرسل إليه إشعياء النبي لكي يُعلن له أنه سيهبه النصرة على رصين وفقح. جاء في إشعياء النبي (إش 7: 3 إلخ.) فقال الرب لإشعياء أخرج لملاقاة آحاز أنت وشآر ياشوب ابنك إلى طرف قناة البركة العليا... وَقُلْ لَهُ: اِحْتَرِزْ وَاهْدَأْ. لاَ تَخَفْ وَلاَ يَضْعُفْ قَلْبُكَ مِنْ أَجْلِ ذَنَبَيْ هَاتَيْنِ الشُّعْلَتَيْنِ الْمُدَخِّنَتَيْنِ، بِحُمُوِّ غَضَبِ رَصِينَ وَأَرَامَ... فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَرْجَعَ رَصِينُ مَلِكُ أرام أَيْلَةَ لِلأراميِّينَ، وَطَرَدَ الْيَهُودَ مِنْ أَيْلَةَ. وَجَاءَ الأراميُّونَ إِلَى أَيْلَةَ، وَأَقَامُوا هُنَاكَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. [6] حاصر رصين أورشليم وانسحب، وكل ما ناله هو أنه استرد أيلة لأرام. سمح الله لآحاز بالنصرة، لعله يرجع إلى الله، ويلتصق به، تاركًا عبادة الأوثان، وسمح باسترداد الأراميين لأيلة كتأديب لآحاز على تركه عبادة الله الحيّ. سبق أن استولى عزيا ملك يهوذا، جد آحاز، على أيلة (2 مل 14: 21-22). وهي الآن ميناء رئيسي (1 مل 9: 26)، أُخذ من يهوذا، وأقام فيه الأراميون إلى يوم كتابة هذا السفر. 7 وَأَرْسَلَ آحَازُ رُسُلًا إِلَى تَغْلَثَ فَلاَسِرَ مَلِكِ أَشُّورَ قَائِلًا: «أَنَا عَبْدُكَ وَابْنُكَ. اصْعَدْ وَخَلِّصْنِي مِنْ يَدِ مَلِكِ أَرَامَ وَمِنْ يَدِ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ الْقَائِمَيْنِ عَلَيَّ». 8 فَأَخَذَ آحَازُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ الْمَوْجُودَةَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَفِي خَزَائِنِ بَيْتِ الْمَلِكِ وَأَرْسَلَهَا إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ هَدِيَّةً. 9 فَسَمِعَ لَهُ مَلِكُ أَشُّورَ، وَصَعِدَ مَلِكُ أَشُّورَ إِلَى دِمَشْقَ وَأَخَذَهَا وَسَبَاهَا إِلَى قِيرَ، وَقَتَلَ رَصِينَ. وَأَرْسَلَ آحَازُ رُسُلاً إِلَى تَغْلَثَ فَلاَسِرَ مَلِكِ أَشُّورَ قَائِلاً: أَنَا عَبْدُكَ وَابْنُكَ. اصْعَدْ وَخَلِّصْنِي مِنْ يَدِ مَلِكِ أرام، وَمِنْ يَدِ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ الْقَائِمَيْنِ عَلَيَّ. [7] كان يليق بآحاز أن يرجع إلى الله، ويُقدِّم له ذبيحة شكر، لأنه أرسل له إشعياء النبي يطمئنه، ووهبه بالفعل نُصرَة على ملكيْ أرام وإسرائيل، لكن في جحودٍ وعدم إيمانٍ تمرَّد على الله، والتجأ إلى أشور ليسنده ويحميه. التجأ لا بروح الصداقة والتعاون، إنما بمذلة، قائلاً: "أنا عبدك وابنك. اصعد وخلِّصني". يا للعجب كثيرًا ما يُفضِّل الإنسان الالتجاء إلى بني البشر بمذلة عوض الالتجاء إلى الله بروح البنوة والعزة! يقبل العبودية للأرضيين عوض الحرية التي يهبها له السماوي. أخطأ آحاز لأنه جعل اتكاله على تحالفات بشرية، وليس على الرجوع إلى الله. فإنه إن تحالفت مملكة يهوذا مع أرام وإسرائيل تتعرَّض لغضب أشور، وإذا اتحدت مع أشور تبتلعها وتستعبدها، ويكون هذا الاتحاد مثل صداقة الحمل والذئب. لهذا إذ استغاث آحاز بتغلث فلاسر صار له عبدًا، عوض الالتجاء لله السماوي. v قلب المسيحي وعقله وطريقة تفكيره دائمًا في المجال السماوي. فالمسيحيون الحقيقيون ينظرون الخيرات الأبدية كما في مرآة، وذلك بسبب اقتنائهم الروح القدس وشركته، لكونهم مولودين من الله من فوق، ولأنهم نالوا الامتياز أن يصيروا أولاد الله بالحق وبالفعل، إذ يَصِلُون بعد حروب وأتعاب لفترة طويلة إلى حالة ثابتة مستقرة من الحرية والتحرُّر من الاضطراب، حالة الراحة، فلا يعودون يُغربلون ويموجون بالأفكار القلقة الباطلة. العلامة المميزة للمسيحيين ليست هي في الأساليب والأشكال الخارجية، فكثيرون يظنون أن الذي يُميٍّزهم عن العالم هو في الشكل أو الأساليب الظاهرة. ويا للأسف فإنهم في عقولهم وتفكيرهم هم مثل العالم، إذ يضطربون بقلق الأفكار غير الثابتة مثل أهل العالم، في عدم الإيمان والحيرة والاختلاط والخوف مثل كل الناس الآخرين. قد يختلفون عن العالم في الشكل الخارجي والمظهر، ويختلفون عنه أيضًا في القليل من الممارسات الدينية، لكنهم في القلب والعقل مقيدون بالرباطات الأرضية، إذ لم يحصلوا أبدًا على الراحة في الله وسلام الروح السماوي في قلبهم، لأنهم لم يطلبوها من الله، ولم يؤمنوا أنه سيمنح لهم هذه الأشياء. القديس مقاريوس الكبير وَفِي خَزَائِنِ بَيْتِ الْمَلِكِ، وَأَرْسَلَهَا إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ هَدِيَّةً. [8] قدًّم الله لآحاز تأكيدات لتطمئن نفسه، وفي حبٍ عظيمٍ ورعايةٍ فائقةٍ، قال له: "اطلب لنفسك آية من الرب إلهك. عمِّق طلبك أو رفِّعه إلى فوق"، وإذ أجابه: "لا أطلب، ولا أجرِّب الرب" (إش 7: 12)، قدَّم له ولشعبه آية فريدة، ونبوّة فائقة: "ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابنًا، وتدعو اسمه عمّانوئيل" (إش 7: 14). كما أعطاه آية أخرى كعلامة على رعاية الله له: "لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يدعو يا أبي ويا أمي، تُحمَل ثروة دمشق وغنيمة السامرة قدام ملك أشور" (إش 8: 4). لقد أكد له أن الملكين لن ينتصرا عليه، بل بالرب يغلبهما، وينعم بثروتيهما وغنائمهما. مع هذا كله لجأ إلى معونة ملك أشور، ودفع ثمن ذلك فضة وذهب بيت الرب وخزائن بيت الملك، أي ما ورثه عن أجداده. هنا يظهر فشل آحاز سياسيًا وعسكريًا، ففي عدم إيمانه بالله سلب هيكل الرب ليشتري من أشور حمايته وأمانه، فسلَّم المقدسات والكنوز لأعدائه وهو لا يدري. يا للعجب! يتوسل الإنسان الشرير إلى أذرع البشرية كي تسنده، بتكلفة هذا قدرها، ويرفض حماية الله المجّانية والتي تفيض معها الخيرات والبركات الزمنية والأبوية! سرّ فشل آحاز هو عدم إيمانه، إذ قال له إشعياء النبي وهو يُبلّغه رسالة الله بالنصرة على الملكين: "إن لم تؤمِنوا فلا تأمَنوا" (إش 7: 9). فإن كان آحاز مع بلوغ هذه الرسالة الإلهية إليه بكل وضوح شعر بعدم الأمان، ولجأ إلى ملك أشور، فسِّر ذلك عدم إيمانه. كان آحاز رمزًا لليهود الذين بسبب جحودهم رفضوا قبول الخلاص الإلهي، رفضوا الآية التي قدَّمها الرب إلههم نفسه، وحسبوا عمانوئيل رئيس الشياطين! لقد أُصيبوا بالجهل وعدم الفهم بالرغم من ظهور الحق الإلهي بكل قوة. ما قبله المجوس الوثنيون بكرازة كوكبٍ منيرٍ، رفضه أبناء إبراهيم بكرازة الأنبياء عبر الأجيال. إننا في حاجة إلى الإيمان، فنستنير ونتمتع بالفهم لوعود الله وأعماله وقبول نبوات الأنبياء. الإيمان الحقيقي والفهم الصادق أخوان متلازمان. v إنه لأمر حيوي أن نُدرِكَ بأن العبارة [إن لم تؤمِنوا فلا تأمَنوا] تعني الذين يقرأونها لا يحتاجون فقط إلى الفهم، بل وأيضًا إلى الإيمان، ولا يحتاجون إلى الإيمان فقط، بل وإلى الفهم. هؤلاء الذين في الختان الذين لا يؤمنون بمسيح الله، فإنهم حتى الآن يسمعون هذه الكلمات، ولا يفهمون موضوع هذه النبوة، لأنهم لا يسمعون بالذهن. سرّ عدم فهمهم هو عدم الإيمان، فإن النبوة تعلن بوضوح عنهم ولهم. يوسابيوس أسقف قيصرية v إن كنتَ غير قادر على الفهم، آمن أنك تفهم. الإيمان يتقدم، والفهم يأتي وراءه، إذ يقول النبي: "إن لم تؤمِنوا، فلا تأمَنوا" (إش 7: 9). القديس أغسطينوس وَصَعِدَ مَلِكُ أَشُّورَ إِلَى دِمَشْقَ، وَأَخَذَهَا وَسَبَاهَا إِلَى قِيرَ، وَقَتَلَ رَصِينَ. [9] تدمير دمشق: سمع ملك أشور ما قد قيل عنه: "جاء عليه تغلث فلاسر ملك أشور، وضايقه ولم يُشَدِّده، لأن آحاز أخذ قسمًا من بيت الرب ومن بيت الملك ومن الرؤساء وأعطاه لملك أشور، ولكنه لم يساعده" (2 أي 28: 20-21). لذلك بعث ملك أشور حملة (734-732 ق. م)، سقطت أمامها دمشق في عام 732 ق. م، وقتل ملكها رصين، وأقام هوشع ملكًا عوض فقح على عرش إسرائيل في ذات العام. كما وضع تغلث فلاسر جزية على كلٍ من هوشع وآحاز. تُعتبَر دمشق من أعرق المدن، ورَد ذكرها في أيام إبراهيم (تك 14: 15)؛ غزاها داود الملك وأقام فيها حامية (2 صم 8: 5-6؛ 1 أي 18: 5-6). قام رزون وتمكَّن من تأسيس المملكة السورية ودامت الحرب بينها وبين إسرائيل زمانًا طويلاً، لكنهما تحالفا معًا فيما بعد ضد يهوذا وأشور. وقد تعرضت للهزيمة عدة مرات، ففي سنة 843 ق.م. هاجم شلمنأسَّر دمشق وهزم ملكها حزائيل، كما هاجمها تغلث فلاسر سنة 732 ق.م.، وقتل ملكها رصين وقاد شعبها إلى السبي (2 مل 16: 5-9؛ إش 7: 1-8؛ عا 1: 3-5). انتقلت بعد ذلك من الأشوريين إلى الكلدانيين، ثم إلى الفرس، فاليونانيين المقدونيين، فالرومان على يدي ميتللوس عام 64 ق.م. لتصير سوريا مقاطعة رومانية عام 63 ق.م. إن كان ملك أشور قد أخذ موقفًا من دمشق التي تحالفت مع إسرائيل ضد آحاز، لكنه لم يسند آحاز ضد الفلسطينيين، ولا قدَّم له عونًا ضد إسرائيل. هكذا أعانه قليلاً، لكنه سلب الكثير وضغط عليه. يبدو في هذه الفترة أن فقح ملك إسرائيل دمَّر يهوذا، إذ جاء في (2 أي 28: 6، 8) أنه قتل مئة وعشرين ألفًا من بني البأس في يومٍ واحدٍ، وسبى من إخوتهم مائتيّ ألف من النساء والبنين والبنات، ونهبوا أيضًا منهم غنيمة وافرة إلى السامرة. وعند دخول الجيش ومعه المسبيّون خرج للقائهم نبي للرب اسمه عوديد، وقال لهم: "هُوَذَا مِنْ أَجْلِ غَضَبِ الرَّبِّ إِلهِ آبَائِكُمْ عَلَى يَهُوذَا قَدْ دَفَعَهُمْ لِيَدِكُمْ وَقَدْ قَتَلْتُمُوهُمْ بِغَضَبٍ بَلَغَ السَّمَاءَ. وَالآنَ أَنْتُمْ عَازِمُونَ عَلَى إِخْضَاعِ بَنِي يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ عَبِيدًا وَإِمَاءً لَكُمْ. أَمَا عِنْدَكُمْ أَنْتُمْ آثَامٌ لِلرَّبِّ إِلهِكُمْ؟ وَالآنَ اسْمَعُوا لِي وَرُدُّوا السَّبْيَ الَّذِي سَبَيْتُمُوهُ مِنْ إِخْوَتِكُمْ لأَنَّ حُمُوَّ غَضَبِ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ" (2 أي 28: 9-11). وقام بعض رؤساء من بني أفرايم ورفضوا الدخول بالمسبيين إلى المدينة، وقدَّموا ملابس للعراة منهم وأحذية وطعامًا وشرابًا ودهنًا وحملوا المعيين على حمير وذهبوا بهم إلى أريحا[13]. هكذا قام الله بتأديب يهوذا بسبب ارتدادهم عن الإيمان وفي نفس الوقت بعث من إسرائيل من يرفضون دخول المسبيين إلى المدينة، وتقديم العون للمسبيين. إنه يؤدب ويترفق! وَسَارَ الْمَلِكُ آحَازُ لِلِقَاءِ تَغْلَثَ فَلاَسِرَ مَلِكِ أَشُّورَ إِلَى دِمَشْقَ، وَرَأَى الْمَذْبَحَ الَّذِي فِي دِمَشْقَ. وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ آحَازُ إِلَى أُورِيَّا الْكَاهِنِ شِبْهَ الْمَذْبَحِ، وَشَكْلَهُ حَسَبَ كُلِّ صِنَاعَتِهِ. [10] إذ التجأ آحاز إلى ملك أشور لإنقاذه من أرام وإسرائيل، صار لزامًا عليه أن يخضع له، ويذهب ومعه الملوك الخاضعون لأشور إلى دمشق عاصمة أرام ليهنئ الملك تغلث فلاسر بانتصاره، ولتقديم فروض الولاء لملك أشور، ولدفع الجزية. خشى آحاز أن يزحف ملك أشور إلى الجنوب، فاتَّكل على المال (دفع جزية) لا على الله، بالتوبة والرجوع إليه، وقد سبَّب تغلث فلاسر متاعب كثيرة ليهوذا حتى ندم آحاز على استنجاده به (2 أي 20:18-21). هناك في دمشق أُعجب آحاز بمذبح للوثن، فلم ينتظر أن يعود إلى أورشليم، إنما أرسل رسمًا تخطيطيًا له إلى أوريَّا الكاهن بأورشليم لصنع مذبح مثله، وبهذا انحرف آحاز عن شريعة الرب، بل ودفع أوريا الكاهن الأمين إلى ذلك الخطأ. كما ذبح لآلهة دمشق (2 أي 28: 23). هذا ثمن طبيعي للاتكال على ذراع البشر، لا على ذراع الله. لقد كان أوريَّا الكاهن أحد شاهديْن أخذهما إشعياء النبي ليتنبّأ بأن ثروة دمشق وغنيمة إسرائيل تُحمَل قدام ملك أشور (إش 8: 2). مع ذلك قام بالتنفيذ ليشبع رغبة الملك الشرير المرتد عن الإيمان. إنها خيانة للرب الحيّ، خاصة وأنه أقامه بجوار المذبح النحاسي، حيث قام الملك عند عودته بتقديم ذبائح عليه لآلهة دمشق، وليس للإله الحيّ. 11 فَبَنَى أُورِيَّا الْكَاهِنُ مَذْبَحًا. حَسَبَ كُلِّ مَا أَرْسَلَ الْمَلِكُ آحَازُ مِنْ دِمَشْقَ كَذلِكَ عَمِلَ أُورِيَّا الْكَاهِنُ، رَيْثَمَا جَاءَ الْمَلِكُ آحَازُ مِنْ دِمَشْقَ. 12 فَلَمَّا قَدِمَ الْمَلِكُ مِنْ دِمَشْقَ رَأَى الْمَلِكُ الْمَذْبَحَ، فَتَقَدَّمَ الْمَلِكُ إِلَى الْمَذْبَحِ وَأَصْعَدَ عَلَيْهِ، 13 وَأَوْقَدَ مُحْرَقَتَهُ وَتَقْدِمَتَهُ وَسَكَبَ سَكِيبَهُ، وَرَشَّ دَمَ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ الَّتِي لَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ. 14 وَمَذْبَحُ النُّحَاسِ الَّذِي أَمَامَ الرَّبِّ قَدَّمَهُ مِنْ أَمَامِ الْبَيْتِ مِنْ بَيْنِ الْمَذْبَحِ وَبَيْتِ الرَّبِّ، وَجَعَلَهُ عَلَى جَانِبِ الْمَذْبَحِ الشِّمَالِيِّ. 15 وَأَمَرَ الْمَلِكُ آحَازُ أُورِيَّا الْكَاهِنَ قَائِلًا: «عَلَى الْمَذْبَحِ الْعَظِيمِ أَوْقِدْ مُحْرَقَةَ الصَّبَاحِ وَتَقْدِمَةَ الْمَسَاءِ، وَمُحْرَقَةَ الْمَلِكِ وَتَقْدِمَتَهُ، مَعَ مُحْرَقَةِ كُلِّ شَعْبِ الأَرْضِ وَتَقْدِمَتِهِمْ وَسَكَائِبِهِمْ، وَرُشَّ عَلَيْهِ كُلَّ دَمِ مُحْرَقَةٍ وَكُلَّ دَمِ ذَبِيحَةٍ. وَمَذْبَحُ النُّحَاسِ يَكُونُ لِي لِلسُّؤَالِ». 16 فَعَمِلَ أُورِيَّا الْكَاهِنُ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ الْمَلِكُ آحَازُ. 17 وَقَطَعَ الْمَلِكُ آحَازُ أَتْرَاسَ الْقَوَاعِدِ وَرَفَعَ عَنْهَا الْمِرْحَضَةَ، وَأَنْزَلَ الْبَحْرَ عَنْ ثِيرَانِ النُّحَاسِ الَّتِي تَحْتَهُ وَجَعَلَهُ عَلَى رَصِيفٍ مِنْ حِجَارَةٍ. 18 وَرِوَاقَ السَّبْتِ الَّذِي بَنَوْهُ فِي الْبَيْتِ، وَمَدْخَلَ الْمَلِكِ مِنْ خَارِجٍ، غَيَّرَهُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ مِنْ أَجْلِ مَلِكِ أَشُّورَ. فَبَنَى أُورِيَّا الْكَاهِنُ مَذْبَحًا. حَسَبَ كُلِّ مَا أَرْسَلَ الْمَلِكُ آحَازُ مِنْ دِمَشْقَ كَذَلِكَ عَمِلَ أُورِيَّا الْكَاهِنُ، رَيْثَمَا جَاءَ الْمَلِكُ آحَازُ مِنْ دِمَشْقَ. [11] فَلَمَّا قَدِمَ الْمَلِكُ مِنْ دِمَشْقَ رَأَى الْمَلِكُ الْمَذْبَحَ، فَتَقَدَّمَ الْمَلِكُ إِلَى الْمَذْبَحِ وَأَصْعَدَ عَلَيْهِ، [12] إذ عاد آحاز من دمشق قدَّم على المذبح الوثني مُحرَقة وتقدمة وسكب سكيبة ورش دم ذبيحة السلام على المذبح. خلط بين عبادة الله الحي والوثنية. وقام بتصرفات خاطئة ببيت الرب ([14-18]؛ 2 أي 28: 2-4، 22-25) تحمل ارتدادًا، حتى أغلق باب الهيكل (2 أي 28: 24). بأمر إلهي أخذ إشعياء لوحًا كبيرًا كتب عليه بحروف واضحة "مهير شلال حاش بز" وتعني "أسرع إلى السلب، بادر إلى النهب". وضع إشعياء النبي اللوح في مكان ظاهر في الهيكل لكي يقرأه الكل، وقد شهد كاهنان عليه هما: أوريا وزكريا، أوريا كان رئيس كهنة في أيام آحاز ومشيره الروحي والمُشترِك معه في العبادة الوثنية. عندما أقام موسى النبي خيمة الاجتماع، أقامها على المثال السماوي الذي أظهره له الرب، لكي يعيش الشعب كما في السماء أثناء عبادتهم. أما آحاز، فأُعجب بالمذبح الوثني الجامد، لكي يسكب روح البطلان على المتعبِّدين دون أن يدروا. انجذب آحاز إلى إقامة مذبح جديد، ولم يدرك أن التجديد الحقيقي هو في القلب حيث يتمتع بخبرة الحياة السماوية المتجددة على الدوام. إلى يومنا هذا يريد البعض التجديد بقبول كل ما هو جديد دون تمييز ودراسة ورغبة في التمتُّع بالحق الإلهي. كما يخطئ البعض بالتمسُّك بالقديم لمجرد كونه قديمًا دون تجديد الأعماق ونوال خبرات متجددة. يربط إرميا النبي بين ما هو قديم وجديد، فيقول: [لأن مراحمه لا تزول، هي جديدة في كل صباحٍ، كثيرة هي أمانتك] (مرا 3: 22-23). يهب الرب كل إنسان سؤل قلبه، فمن يحب العالم يهبه العالم فينهار معه، ومن يحب الحق يلتصق به ويتمجد مع المسيح "الحق". يقول المرتل: "تلذَّذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك" (مز 37: 4)، "فأعطاهم سؤلهم، وأرسل هزالاً في أنفسهم" (مز 106: 15). وإذ تحدث الرب عن السبي، قال لإرميا: "ويكون حين تقولون: لماذا صنع الرب إلهنا بنا كل هذه؟ تقول لهم كما أنكم تركتموني وعبدتم آلهة غريبة في أرضكم، هكذا تعبدون الغرباء في أرضٍ ليست لكم" (إر 5: 19). v بالتأكيد امتلك شعب إسرائيل الأرض المقدسة، الهيكل بيت الصلاة. وكان يليق بهم أن يخدموا الله، لكنهم إذ عصوا الوصية الإلهية، عبدوا الأصنام، سواء الأصنام التي نقلوها عن دمشق كما جاء في الملوك أو الأصنام الأخرى التي أحضروها من أممٍ وثنية أخرى إلى الأرض المقدسة. إذ قبلوا هذه الأصنام الوثنية تأهلوا أن يُطرَدوا إلى بلاد الأصنام ويسكنوا هناك حيث يعبدون الأصنام. العلامة أوريجينوس وَرَشَّ دَمَ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ الَّتِي لَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ. [13] ما قدَّمه من عبادة وإن كانت في هيكل الرب، غير أنها لم تُقدَّم لله، بل لآلهة دمشق التي سُر بها. وَمَذْبَحُ النُّحَاسِ الَّذِي أَمَامَ الرَّبِّ قَدَّمَهُ مِنْ أَمَامِ الْبَيْتِ مِنْ بَيْنِ الْمَذْبَحِ وَبَيْتِ الرَّبِّ، وَجَعَلَهُ عَلَى جَانِبِ الْمَذْبَحِ الشِّمَالِيِّ. [14] أمر الملك بتحريك مذبح النحاس ليكون في الجانب الشمالي كما في ركن ليس بذي أهمية، أمام المذبح الذي صُنع مشابهًا لمذبح إله دمشق، فوضعه أمام الهيكل مباشرة. قام بتحريك المذبح من مكانه لكي ما يزيله تدريجيًا من الهيكل. لقد دُعيت الدرجات بعد ذلك "درجات آحاز" (2 مل 20: 11)، حيث يوجد مذبح آحاز، لا مذبح الرب. يبدو أن الملك وقد صار مولعًا بما رآه في دمشق بخصوص المذبح والهيكل الوثني، أراد أن يقوم بهذا التعديل، لكي يصير الهيكل مطابقًا إلى حدٍ ما بما رآه في دمشق. وأن يُشكِّل العبادة الإلهية بما يتفق بالعبادة التي تُقام في دمشق. لقد أراد أن يُكرِّم العبادة الوثنية عِوَض تكريم إله السماء. وكما قيل عنه: "وأسخط الرب إله آبائه" (2 أي 28: 25). وَأَمَرَ الْمَلِكُ آحَازُ أُورِيَّا الْكَاهِنَ: عَلَى الْمَذْبَحِ الْعَظِيمِ أَوْقِدْ مُحْرَقَةَ الصَّبَاحِ وَتَقْدِمَةَ الْمَسَاءِ وَمُحْرَقَةَ الْمَلِكِ وَتَقْدِمَتَهُ، مَعَ مُحْرَقَةِ كُلِّ شَعْبِ الأَرْضِ وَتَقْدِمَتِهِمْ وَسَكَائِبِهِمْ، وَرُشَّ عَلَيْهِ كُلَّ دَمِ مُحْرَقَةٍ وَكُلَّ دَمِ ذَبِيحَةٍ. وَمَذْبَحُ النُّحَاسِ يَكُونُ لِي لِلسُّؤَالِ. [15] أمر آحاز الملك أن يوقد الكاهن على المذبح الأشوري المحرقات مرضاة لملك أشور. فَعَمِلَ أُورِيَّا الْكَاهِنُ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ الْمَلِكُ آحَازُ. [16] أوريَّا اسم عبري معناه "يهوه نوري". اتسم بالطاعة للملك آحاز في كل ما يأمر به. لكنها طاعة ملومة. لقد أخطأ، لأنه أراد تطوير المذبح بذوقٍ بشريٍ وهوى إنساني، متجاهلاً أن الهيكل وما يحتوي عليه من أساسات تم بدقة بأمر إلهي (خر 25: 40؛ 26: 30؛ 27: 1؛ 1 أي 28: 19). وَقَطَعَ الْمَلِكُ آحَازُ أَتْرَاسَ الْقَوَاعِدِ وَرَفَعَ عَنْهَا الْمِرْحَضَةَ، وَأَنْزَلَ الْبَحْرَ عَنْ ثِيرَانِ النُّحَاسِ الَّتِي تَحْتَهُ، وَجَعَلَهُ عَلَى رَصِيفٍ مِنْ حِجَارَةٍ. [17] يُظَن أن الملك قطع أتراس القواعد ليستخدمها كقواعدٍ لتمثال مُتقَن يُزيَّن به قصره[17]. وَرِوَاقَ السَّبْتِ الَّذِي بَنُوهُ فِي الْبَيْتِ، وَمَدْخَلَ الْمَلِكِ مِنْ خَارِجٍ غَيَّرَهُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ مِنْ أَجْلِ مَلِكِ أَشُّورَ. [18] رواق السبت: هو رواق عند مدخل المبنى معمَّد، كان الكهنة يدخلون منه إلى الهيكل في يوم السبت. مدخل الملك من خارج: هو مدخل سري خارجي خاص بالملك اليائس للدخول إلى الهيكل في سرية ليستشير النبي المرذول من الملك وشعبه طويلاً. ما قد فعله آحاز الملك بإزالة هذه الأمور ربما كان يهدف أنه متى حدث حصار أشوري يبقى الهيكل في شيءٍ من الأمان، فلا يدخل الأشوريون من هذه المنافذ. أهان آحاز الرب وبيته وفرائضه وغيرها وأكرم آلهة أشور. جاء في (2 أي 28: 24) أن آحاز جمع آنية بيت الله، وقطع آنية بيت الله، وأغلق أبواب بيت الرب، وعمل لنفسه مذابح في كل زاوية. في أورشليم، وفي كل مدينة عمل مرتفعات للإيقاد لآلهة أخرى. استبدل آحاز المذبح لخدمة الله إلى مذبح وثني إرضاءً لملك أشور، وكأنه يقيم إلهًا له يتكل عليه عِوَض الاتكال على الله. لا نعجب إن كان الملك الضعيف الذي يُرضِي الناس لا الله له رئيس كهنة على شاكلته، ضعيف وخانع، يهتم أن يُرضِي الملك لا الله. قام آحاز بتخريب بيت الرب تدريجيًا، فهو لم يأمر بهدم الهيكل، ولا أمر بتحويله إلى هيكل للوثن، لكنه أفسد عمل الهيكل تدريجيًا. أ. أمر أوريَّا بصنع مذبح برسم مذبح دمشق. ب. قام بتحريك مذبح النحاس جانبًا، ووضع المذبح الجديد في مكان مرموق. ج. قام بتقديم المُحرَقات والتقدِّمات على المذبح الجديد، وترك مذبح النحاس لكي ما يسأل الرب في أمر ما عند الضرورة. د. قطع أتراس القواعد، ورفع المرحضة... هـ. أزال رواق الكهنة أو رواق السبت. و. أزال مدخل الملك إلى الهيكل. جاءت خطة آحاز مطابقة لعمل عدو الخير الذي يتسلل تدريجيًا لينزع من القلب قدسيته تحت أسماء برَّاقة مثل التجديد، وعدم الالتزام بطقسٍ مُعَيَّنٍ إلخ. إنه زحف عدو الخير في حياة المؤمن دون المطالبة بترك الله وعبادته، ليُحَقِّقَ في النهاية هدفه. 7. موت آحاز واستلام حزقيا العرش وَبَقِيَّةُ أُمُورِ آحَازَ الَّتِي عَمِلَ، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا. [19] ثُمَّ اضْطَجَعَ آحَازُ مَعَ آبَائِهِ، وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَمَلَكَ حَزَقِيَّا ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [20] يُقدِّم لنا القديس أغسطينوس نصيحة عملية للتعامل مع عابدي الأوثان، قائلاً: [عندما يكون لديك سلطان شرعي افعل هذا (أي ما ورد في تث 7: 1-5)، عندما لا يكون لدينا سلطان لا نفعل هذا؛ إنما متى أُعطي لنا سلطان لا نفشل في فعل هذا. كثير من الوثنيين لديهم هذه الرجاسات في ممتلكاتهم، فهل نذهب إليهم ونُحَطِّمها؟ أول ما ينبغي أن نفعله هو أن نُحَطِّمَ الأصنام التي في قلوبهم. عندئذ يصيرون مسيحيين، عندئذ إما أنهم يدعوننا لنُتَمِّم هذا العمل الصالح، أو يفعلون هذا بأنفسهم أمامنا. ما يجب أن نفعله هو أن نُصَلِّي لأجلهم، لا أن نغضب عليهم.] قلبًا نقيًا اخلقه فيّ يا الله! v ترك عزاريا وابنه يوثام المرتفعات لِعلَّة أو أخرى. وجاء من صُلْبِهما آحاز ينغمس بكل قلبه في العبادة الوثنية. ما أهمله الجد والأب تعثَّر فيه الحفيد والابن. ليس لهما ما يعتذرا به، إذ قدَّما للابن السُمّ ولم يدريا! وليس للابن عُذْرٌ، فقد ملك الفساد كل كيانه! v قلبًا نقيًّا اخلقه فيّ يا الله، فأُقَدِّم لك كل حبّي ومشاعري وأحاسيسي. لا أترك شيئًا لحساب العدو في أعماقي، حتى لا يجد له فيَّ موضعًا يتسلل إليه، ولا أكون عثرة لأحدٍ بسبب إهمالي. v هبْ لي يا ابن داود أن اقتدي بداود الملك والنبي. فمع ضعفاته كان يهرب إليك، فيك يختفي ويتحصّن سالكًا بروحك القدوس. لم تستطع كل الظروف المقاومة أن تُفسِدَ شعوره بحضرتك الإلهية. لم يستطع العرش وكل السلطة أن تسحب قلبه عنك. سقط في ضعفات، لكن سرعان ما انسحب قلبه إلى سماواتك. v تركك الملك آحاز، وفي ضيقته لم تتركه. أرسلتَ له نبيّك إشعياء يسنده ويطمئنه، وعِوَض أن يُقَدِّمَ لك ذبيحة شكر، التجأ إلى مملكة أشور تحميه وتدافع عنه. وثَقَ في الملك الوثني، ولم يثق فيك يا أيها القدير. هب لي أن ألجأ إليك، فأنت حصن حياتي. أنت رجائي ومصدر فرحي وبهجة قلبي. حلولك في أعماقي يرفعني كما إلى سماواتك. لا يقدر عدو أن يلحق بي ويغتصبني. في حضورك الدائم، لا تقدر خطية أن تتسلل فيَّ. تجلِّيك يحوِّل أعماقي إلى مقادس طاهرة. v حلولك يقيم من أعماقي سماءً جديدة أسوارها نار إلهية. حلولك يُشبِع نفسي، فلا تشتهي عونًا بشريًا. حلولك ينزع عنّي المذلة، ويدخل بي إلى أمجاد فائقة! v هبْ لي الإيمان بك، فأصير في أمان. تفتح ذهني، فيستنير بالفهم والمعرفة. أتمتع بعربون السماء، وأختبر قُدسيتها! افتحْ قلبي وبصيرتي، فيتعانق الفهم مع الإيمان. فلا أطلب الفهم دون الإيمان بك، ولا الإيمان بغير الفهم! v هبْ لي يا رب القلب النقي، فلا يجد مسرَّته إلاّ في أحضانك الإلهية. هبْ لي مع النقاوة الحكمة والجديَّة. فلا يجد عدو الخير ثغرة للتسلل إلى قلبي. مع النقاوة هبْ لي التجديد المُستمِر الداخلي. هبْ لي أن أمارس الطقس بفكر سماوي. فلا أسقط في الحرف القاتل، ولا الاستهتار المُفسِد! هبْ لي نقاوة سماوية بعمل روحك القدوس الناري. فأختبر عربون السماء مع كل نسمة من نسمات حياتي. منذ أن حدث الانقسام بعد موت سليمان الحكيم، أطال الله أناته جدًا على المملكتيْن، خاصة مملكة إسرائيل، إذ لم يوجد ملك واحد صالح طوال هذه الفترة. استخدم كل وسيلة، تارة باللطف وأخرى بالتأديب، ومع هذا صمم إسرائيل على حالة الارتداد والتمرد، وقد حانت الساعة ليستدعي الله أشور لتسبي شعبه إسرائيل. تطرد الكثيرين خارج المملكة، وترسل غرباء من الأمم يتزوجون من البقية التي بقيت في إسرائيل، فيقوم جيلٌ لا ينتمي إلى إسرائيل في أصالة، بل هو خليط من اليهود والأمم، فتنتفي عن السامرة العاصمة ملامحها اليهودية كشعب الله. في هذا الفصل الأخير من تاريخ إسرائيل الخاص بالسبي النهائي لهم، تكشف كلمة الله عن الأسباب التي أدَّتْ إلى سبيهم كدرس لكل الأجيال، بل ولكل مؤمنٍ، حتى لا يسقط فيما سقطت فيه مملكة إسرائيل، وكدرس لمملكة يهوذا التي للأسف لم تستفد منه. سرّ هذا التأديب الحازم هو: أ.نسيان مراحم الله ومعاملاته معهم [7]. ب.الاقتداء بالأمم الوثنية في عبادتهم للأوثان وممارسة قبائح غير لائقة، هذه الأمم التي طردها الله من أمامهم [8-12] ت.سد الآذان عن سماع صوت الرب على فم الأنبياء [13-14]. ث.رفض فرائض الرب وعهده مع آبائهم، والسلوك في الباطل، فصاروا باطلاً [15-17]. ج.خشية الرب دون التخلّي عن العبادة الوثنية، أي الخلط بين عبادة الله وعبادة الأوثان [32-33]. 1. هوشع الملك والسبي النهائي لإسرائيل 1 فِي السَّنَةِ الثَّانِيةَ عَشَرَةَ لآحَازَ مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ هُوشَعُ بْنُ أَيْلَةَ فِي السَّامِرَةِ عَلَى إِسْرَائِيلَ تِسْعَ سِنِينَ. 2 وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمُلُوكِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ. 3 وَصَعِدَ عَلَيْهِ شَلْمَنْأَسَرُ مَلِكُ أَشُّورَ، فَصَارَ لَهُ هُوشَعُ عَبْدًا وَدَفَعَ لَهُ جِزْيَةً. 4 وَوَجَدَ مَلِكُ أَشُّورَ فِي هُوشَعَ خِيَانَةً، لأَنَّهُ أَرْسَلَ رُسُلًا إِلَى سَوَا مَلِكِ مِصْرَ، وَلَمْ يُؤَدِّ جِزْيَةً إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ حَسَبَ كُلِّ سَنَةٍ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ مَلِكُ أَشُّورَ وَأَوْثَقَهُ فِي السِّجْنِ. 5 وَصَعِدَ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَصَعِدَ إِلَى السَّامِرَةِ وَحَاصَرَهَا ثَلاَثَ سِنِينَ. 6 فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِهُوشَعَ أَخَذَ مَلِكُ أَشُّورَ السَّامِرَةَ، وَسَبَى إِسْرَائِيلَ إِلَى أَشُّورَ وَأَسْكَنَهُمْ فِي حَلَحَ وَخَابُورَ نَهْرِ جُوزَانَ وَفِي مُدُنِ مَادِي. كان الملك شلمنأسر على الأرجح هو شلمنأسر الخامس بعد تغلث فلاسر (727- 722ق.م)، قد بالغ في فرض جزية ثقيلة على المملكة الشمالية، حتى قرر الملك هوشع التمرُّد على أشور، وتحالف مع سوا ملك مصر (2 مل 4:17)، لم يكن في هذا حماقة فحسب، وإنما عدم إيمان بالله الذي يحمي أولاده. لكي يقضي شلمنأسر على هذه المؤامرة، هاجم السامرة وحاصرها ثلاث سنوات، لكنه مات قبل سقوط السامرة. استولى خليفته سرجون الثاني على المدينة، وقضى على مملكة إسرائيل، وسبى شعبها. فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ لآحَازَ مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ هُوشَعُ بْنُ أَيْلَةَ فِي السَّامِرَةِ عَلَى إِسْرَائِيلَ تِسْعَ سِنِينَ. [1] "هوشع" معناها "خلاص". اغتال هوشع فقح بن رمليا ملك إسرائيل ومَلَكَ عوضًا عنه (2 مل 15: 30)، غير أنه لم يتحقق له استلام المُلْكِ إلا بعد سبع أو ثمان سنوات من قتله لفقح. أُقيم هوشع ملكًا عام 732 ق.م.، أي أن الاثني عشر عامًا المذكورة هنا تشير إلى مشاركة حكمه مع أبيه آحاز، ربما تم ذلك بضغط من حملة تغلث فلاسر الأولى الغربية (744-743 ق.م). وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَكِنْ لَيْسَ كَمُلُوكِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ. [2] كان هوشع الملك التاسع عشر والأخير لإسرائيل، وكان أفضل من بعض أسلافه، ومع ذلك كان سقوط المملكة في أيامه. لم تسقط بسبب خطايا ملك مُعيَّن، بل بسبب خطايا الملوك جميعهم من يربعام إلى هوشع، وأيضًا خطايا القادة الدينيين والمدنيين والشعب. يرى البعض أنه وإن كان هوشع من أفضل ملوك إسرائيل على الرغم من أن جميعهم كانوا أشرارًا، لم يُكرِّس حياته لعبادة العجليْن اللذيْن في دان وبيت إيل، كما أزال الحظر الذي وضعه الملوك على الشعب بعدم الذهاب إلى أورشليم للعبادة هناك في الهيكل. أعطى الفرصة للقادة وللشعب ألاّ يعبدوا العجليْن، كما سمح لهم بالعبادة في أورشليم لكنهم لم ينتفعوا بهذا، بل ازدادوا شرًا. فحدث السبي بالأكثر من أجل إصرارهم على الشر والتمادي فيه. وَصَعِدَ عَلَيْهِ شَلْمَنْأَسَرُ مَلِكُ أَشُّورَ، فَصَارَ لَهُ هُوشَعُ عَبْداً، وَدَفَعَ لَهُ جِزْيَةً. [3] شلمنأسر: اسم أشوري معناه "شلمان رئيس". هنا يقصد شلمنأسر الخامس، وهو ابن تغلث فلاسر وخليفته، حَكَم (من سنة 727-722 ق.م.)، وخلفه سرجون. يذكر يوسيفوس أنه حكم فينيقية عام 725 ق.م. يدعوه هوشع "شلمان" (هو 10: 14). خضع هوشع للملك تغلث فلاسر، لكنه عصى خليفته شلمنأسر، فصعد الأخير عليه، فخضع له هوشع، وكان يدفع له جزية سنوية. انتهز هوشع فرصة انشغال شلمنأسر في محاربة فينيقية ومحاصرة مدينة صور الجديدة وتحالف مع سوا ملك مصر على رجاء أن يخلص من سلطة أشور. نهاه هوشع النبي عن هذا التحالف (1 أي 12: 1؛ هو 7: 1) لكنه لم يسمع له. صعد شلمنأسر ثانية على السامرة، لكنه مات قبل الاستيلاء عليها، فحاصرها خليفته سرجون لمدة ثلاث سنوات. بعد أن قيل عن هوشع الملك "عمل الشر في عينيّ الرب" [2]، جاء عنه أنه صار لملك أشور عبدًا، ودفع له جزية [3]. إنها صورة مُرَّة للإنسان الذي خلقه الله ليكون ملكًا صاحب سلطان، يمارس الحياة الملوكية المُطوَّبة، ليصير بالخطية عبدًا لإبليس، ويُسَلِّم ما وهبه الله كجزية يغتصبها منه عدو الخير. v الله كصالحٍ ومحبٍ (جوَّاد)، وهب الإنسان حرية بخصوص الخير والشر، واهبًا إيَّاه عقلاً به يقدر أن يعاين العالم وكل ما فيه، فيعرف الله الذي خلق لأجله كل شيءٍ. أما الإنسان الشرير، فقد يرغب في هذا (معرفة الله)، لكنه لا يفهم، بل يهلك بعدم إيمانه وبتفكيره المناقض للحقيقة. هذه هي حرية الإنسان فيما يختص بالخير والشر! v لا نعتبر الأحرار هم أولئك الأحرار بحسب مركزهم، بل الذين هم بحق أحرار في حياتهم وطبعهم... حرية النفس وطوباويتها هما نتيجة النقاء الحقيقي والازدراء بالزمنيات. v الإنسان الحر هو ذاك الذي لا تستعبده الملذات، بل يتحكم في الجسد بتمييزٍ صالحٍ وعفةٍ، قانعًا بما يعطيه الله، مهما كان قليلاً، شاكرًا إياه من كل قلبه. القديس أنطونيوس الكبير وَوَجَدَ مَلِكُ أَشُّورَ فِي هُوشَعَ خِيَانَةً، لأَنَّهُ أَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى سَوَا مَلِكِ مِصْرَ، وَلَمْ يُؤَدِّ جِزْيَةً إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ حَسَبَ كُلِّ سَنَةٍ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ مَلِكُ أَشُّورَ، وَأَوْثَقَهُ فِي السِّجْنِ. [4] يرى بعض المُفَسِّرين أن الحديث هنا موجه إلى آفرايم حيث ورد في [4] عن معاهدة تمت بين هوشع بن إيلة ملك إسرائيل (آفرايم) وسوا ملك مصر مع ثورته ضد أشور ورفضه دفع الجزية له، أكثر منه وجود معاهدة بين يهوذا ومصر... لكن بقية الحديث مُوَجَّه إلى يهوذا وأورشليم إنه حديث إلهي موجه ضد كل إنسان يتجاهل الله مُتَّكلاً على ذراعٍ بشريةٍ. أرسل سرجون رئيس جيشه إلى أشدود قاصدًا سوا ملك مصر [4]، إذ تعتبر أشدود التي على حدود الفلسطينيين مفتاحًا للدخول إلى مصر. كشفت الدراسات الحديثة أن سوا Sua ليس اسمًا لفرعون، وإنما هو اختصار لاسم قائد كتيبة في الدلتا يُدعَى Siba، أو هو اختصار لاسم مدينة في غرب الدلتا تُسمَّى Sais استخدمها تافنخت Tefnakhte لإقامته. ظهور شخصية في مصر "تافنخت Tefnekht" فرعون من الأسرة الرابعة والعشرين، دفع هوشع إلى الشعور بأنه قد حان الوقت للتمرُّد على أشور معتمدًا على تحالفه مع ملك مصر. يبدو أنه قُبِضَ عليه قبل سقوط السامرة. عندما جاء شلمنأسر ملك أشور لمحاربة هوشع ملك إسرائيل، اكتشف مؤامرة بدأها هوشع: "لأنه أرسل رسلاً إلى سوا ملك مصر" [4]. لم يرد بجانب هذه الفقرة أي موضع آخر ذُكِرَ فيه ملك لمصر اسمه "سوا". فهل هذا خطأ؟ الإجابة: الاسم المُترجَم "سوا" يمكن أيضًا أن يُترجَم "سايس Sais" وهو اسم مدينة العاصمة التي لتافنخت Tefnakhtملك مصر في أيام هوشع ملك إسرائيل. لهذا يمكن قراءة هذه الفقرة هكذا: "أرسل (هوشع) رسلاً إلى "سايس Sais" ملك مصر." كلمة سوا Soفي الترجمة NKJV ليست اسم ملك مصر إنما اسم مدينة العاصمة لمملكة مصر. لا يوجد خطأ هنا[3]. نسى هوشع الله كمُخَلِّصٍ له، ووضع أمام عينيه الخيار بين الالتصاق بملك مصر أو يملك أشور، وإذ يخضع لأحدهما يصير له عبدًا، ويفقد الكثير من حريته وكرامته وممتلكاته. لقد نسى دور الله وإمكانياته في حمايته وعطاياه خاصة الحرية! للأسف كثيرًا ما نتخبط بين الاستعباد لخطية أو أخرى وننسى برّ المسيح مخلصنا ومُحَرِّرنا واهب الأمجاد الأبدية. v "أجابهم يسوع: الحق الحق أقول لكم إن كل مَن يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يو 8: 34). إنه عبد، يا ليته لإنسانٍ بل للخطية! من لا يرتعب أمام مثل هذه الكلمات؟ الرب إلهنا يهبنا –أنتم وأنا– أن نتكلم بتعبيرات لائقة عن هذه الحرية باحثين عنها وأن نتجنّب تلك العبودية... يا لها من عبودية بائسة! عندما يعاني البشر من سادة أشرار، يطلبون بكل الأحوال تغيير السيد. ماذا يفعل عبد الخطية؟ لمن يُقدِّم طلبه؟ إلى من يطلب الخلاص؟... أين يهرب عبد الخطية؟ فإنه يحمل (سيده) أينما هرب. لا يهرب الضمير الشرير منه، ولا يوجد موضع يذهب إليه. نعم، لا يقدر أن ينسحب من نفسه، لأن الخطية التي يرتكبها في داخله. يرتكب الخطية لكي يحصل على شيءٍ من اللذة الجسدية. تَعْبُرُ اللذة وتبقى الخطية. ما يبتهج به يَعْبُرُ، وتبقى الشوكة خلفها. يا لها من عبودية شريرة!... لنهرب جميعًا إلى المسيح، ونحتج ضد الخطية إلى الله بكونِه مُخَلِّصنا. لنطلب أن نُباع لكي ما يُخَلِّصنا بدمه. إذ يقول الرب: [مَجَّانًا بُعْتُمْ، وستخلصون بدون مالٍ] (إش 52: 3). بدون ثمن من جهتكم، بسببي. هكذا يقول الرب لأنه هو دفع الثمن لا بمالٍ بل بدمه، وإلا بقينا عبيدًا معوزين. v كنا عبيدًا للشهوة، ولكن إذ نتحرر يجعلنا عبيدًا للحب. هذا أيضًا ما يقوله الرسول: "فإنكم إنما دُعيتم للحرية أيها الإخوة غير أنه لا تصيِّروا الحرية فرصة للجسد، بل بالمحبة اخدموا بعضكم بعضًا" (غل 5: 13). إذن لا يقول المسيحي: أنا حرّ، أنا دُعيت للحرية. كنتُ عبدًا وقد خلصتُ، وبخلاصي هذا صرتُ حُرًا أفعل ما يحلو لي، لا يصد أحد إرادتي ما دمت حرًا... لا تفسد حريتك بالخطية، بل استخدمها في عدم ارتكاب الخطية. فإنه متى كانت إرادتك ورعة عندئذ فقط تكون حرة. تكون حرًا إن كنت لا تزال عبدًا متحررًا من الخطية وخادمًا للبرّ. وكما يقول الرسول: "لأنكم لما كنتم عبيد الخطية كنتم أحرارًا من البرّ... وأما الآن إذ أُعتقتم من الخطية، وصرتم عبيدًا لله، فلكم ثمركم للقداسة والنهاية حياة أبدية" (رو 6: 20، 22). القديس أغسطينوس وَصَعِدَ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَصَعِدَ إِلَى السَّامِرَةِ، وَحَاصَرَهَا ثَلاَثَ سِنِينَ. [5] بعد فترة حصار دامت ثلاث سنوات، سقطت السامرة في يد الأشوريين سنة 722 ق.م. سرجون قائد جيش شلمنأسر الخامس الذي خلفه على العرش قال إنه هو الذي أخذ السامرة. وكانت العادة في ذلك الوقت ترحيل مجموعة ضخمة ممن لهم نفوذ على مواطني البلد المنهزمة، مما يُقَلِّل من إمكانية قيام ثورة في البلد المهزومة (2 مل 25: 11-12؛ حز 1: 2-3). استمرار الحصار ثلاث سنوات يكشف عن أنها كانت مدينة حصينة، بها إمدادات قوية. ما فعله ملك أشور هو حصار السامرة لمدة ثلاث سنوات، حتى يسقط القادة والشعب في حالة إحباط؛ يفقدون القدرة على الحركة والتمتُّع بحرية الخروج والدخول، بل يفقدون الطعام الضروري حتى الشرب من الماء! كثيرًا ما يُلقي الإنسان بتصرفاته في فخ إبليس، ويصير تحت الحصار، ويعجز عن الحركة، ويفقد طعام الروح وشرابه، وتتحوَّل حياته إلى أشبه بسجن قائم مُحَطِّم للنفس. v لا تجزع أبدًا من تصورات الخيال. إن قوة الشيطان ليست بشيء إزاء الحرية. إنه لا يقدر أن يجبر ويضغط عليها قسرًا، لكنه يحارب فقط بالقلق والترغيب. لا يعرف بأي فخٍ يصطاد الإنسان، ولهذا يكثر من فخاخه وينوِّعها. فلو عرف بأي فخٍ يقتنص الإنسان لنصبه له منذ البداية ليتغلَّبَ عليه. القديس مار يعقوب السروجي فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِهُوشَعَ أَخَذَ مَلِكُ أَشُّورَ السَّامِرَةَ، وَسَبَى إِسْرَائِيلَ إِلَى أَشُّورَ، وَأَسْكَنَهُمْ فِي حَلَحَ وَخَابُورَ نَهْرِ جُوزَانَ وَفِي مُدُنِ مَادِي. [6] جاء في الكتابات الأشورية أنه سبَى 27290 أسيرًا و50 مركبة. هذه هي الغزوة الثالثة والأخيرة من أشور لإسرائيل، وقد سبق الإشارة إلى الغزوتين الأولى والثانية في (1 أخ 5: 26؛ 2 مل 15: 29). الغزوة الأولى: كانت تحذيرًا لإسرائيل لتجنُّب هجوم آخر، بدفع الجزية وعدم العصيان. والغزوة الثانية: إذ لم يرجع الشعب إلى الله سمح الله بالغزوة الثانية حيث أُخذ البعض إلى السبي. أما الغزوة الثالثة، فإنه إذ لم يدرك الشعب أنه بسبب الفساد قد حلَّتْ بهم المتاعب تمَّت الغزوة الثالثة حيث تم السبي الكامل وانتهت مملكة الشمال، وجاءت بغرباء أسكنتهم البلاد. لقد سبق أن أنذرهم الله بما سيحل بهم بسبب العصيان وعدم الأمانة في حفظ العهد (تث 28). جاء عن هذا الغزو: "تُجازَى السامرة لأنها قد تمرَّدتْ على إلهها. بالسيف يسقطون، والحوامل تُشَق" (هو 13: 16). "فَأَجْعَلُ السَّامِرَةَ خَرِبَةً فِي الْبَرِّيَّةِ، مَغَارِسَ لِلْكُرُومِ، وَأُلْقِي حِجَارَتَهَا إِلَى الْوَادِي، وَأَكْشِفُ أُسُسَهَا. وَجَمِيعُ تَمَاثِيلِهَا الْمَنْحُوتَةِ تُحَطَّمُ، وَكُلُّ أَعْقَارِهَا تُحْرَقُ بِالنَّارِ، وَجَمِيعُ أَصْنَامِهَا أَجْعَلُهَا خَرَابًا، لأَنَّهَا مِنْ عُقْرِ الزَّانِيَةِ جَمَعَتْهَا وَإِلَى عُقْرِ الزَّانِيَةِ تَعُودُ" (مي 1: 6-7). واضح أن السبي الأشوري لإسرائيل كان في غاية العنف، إذ كانوا يغتصبون النساء، ويضربون الأطفال الصغار على الصخور والحجارة. بهذا انتهت مملكة الشمال بعد أن استمرت 254 عامًا منذ موت سليمان والانقسام الذي تبناه يربعام حتى استيلاء شلمنأسر على السامرة في السنة التاسعة من حكم هوشع. وَكَانَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخْطَأُوا إِلَى الرَّبِّ إِلَهِهِمِ، الَّذِي أَصْعَدَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْر،َ مِنْ تَحْتِ يَدِ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، وَاتَّقُوا آلِهَةً أُخْرَى، [7] سبَب سقوط السامرة وإزالة مملكة الشمال هو الفشل الروحي، بترك الله الحي وعبادة آلهة وثنية، رغم التحذيرات المُستمرة للمملكتيْن خلال الأنبياء [13، 14، 23]. أخطأت إسرائيل بكل أشكال العبادة الوثنية وممارسة قبائح لإغاظة الرب [11]. من غباوة قلوبهم أنهم اتقوا الآلهة التي لا تقدر أن تُخَلِّص المتعبدين لها، وفضَّلوا عبادتها القبيحة على عبادة الرب. 8 وَسَلَكُوا حَسَبَ فَرَائِضِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمُلُوكِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَقَامُوهُمْ. 9 وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ سِرًّا ضِدَّ الرَّبِّ إِلهِهِمْ أُمُورًا لَيْسَتْ بِمُسْتَقِيمَةٍ، وَبَنَوْا لأَنْفُسِهِمْ مُرْتَفَعَاتٍ فِي جَمِيعِ مُدُنِهِمْ، مِنْ بُرْجِ النَّوَاطِيرِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُحَصَّنَةِ. 10 وَأَقَامُوا لأَنْفُسِهِمْ أَنْصَابًا وَسَوَارِيَ عَلَى كُلِّ تَلّ عَال وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ. 11 وَأَوْقَدُوا هُنَاكَ عَلَى جَمِيعِ الْمُرْتَفَعَاتِ مِثْلَ الأُمَمِ الَّذِينَ سَاقَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِهِمْ، وَعَمِلُوا أُمُورًا قَبِيحَةً لإِغَاظَةِ الرَّبِّ. 12 وَعَبَدُوا الأَصْنَامَ الَّتِي قَالَ الرَّبُّ لَهُمْ عَنْهَا: «لاَ تَعْمَلُوا هذَا الأَمْرَ». وَسَلَكُوا حَسَبَ فَرَائِضِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمُلُوكِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَقَامُوهُمْ. [8] كان الشعب مسئولين عن خطايا ملوكهم، لأنهم هم الذين أقاموهم، واستحسنوا أعمالهم. وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ سِرّاً ضِدَّ الرَّبِّ إِلَهِهِمْ أُمُوراً لَيْسَتْ بِمُسْتَقِيمَةٍ، وَبَنُوا لأَنْفُسِهِمْ مُرْتَفَعَاتٍ فِي جَمِيعِ مُدُنِهِمْ، مِنْ بُرْجِ النَّوَاطِيرِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُحَصَّنَةِ. [9] عملوا سرًا (إش 8: 19؛ حز 8: 7-12) من جهة الناس، ولكن الرب يرى كل شيء. أما أن يمارسوها سرًّ، فلأنهم يدركون أنها خطية وغير لائقة. تعبير "برج النواطير إلى المدينة المحصنة"، بقوله "من برج النواطير إلى المدينة الحصينة" يعني أن عبادة الأوثان صارت شائعة في كل مكانٍ، من المدينة الكبيرة إلى القرية الصغيرة، من البرج العام إلى كوخ الراعي. وَأَقَامُوا لأَنْفُسِهِمْ أَنْصَاباً وَسَوَارِيَ عَلَى كُلِّ تَلٍّ عَالٍ، وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ. [10] وَأَوْقَدُوا هُنَاكَ عَلَى جَمِيعِ الْمُرْتَفَعَاتِ، مِثْلَ الأُمَمِ الَّذِينَ سَاقَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِهِمْ، وَعَمِلُوا أُمُوراً قَبِيحَةً لإِغَاظَةِ الرَّبِّ. [11] وَعَبَدُوا الأَصْنَامَ الَّتِي قَالَ الرَّبُّ لَهُمْ عَنْهَا: لاَ تَعْمَلُوا هَذَا الأَمْرَ. [12] 13 وَأَشْهَدَ الرَّبُّ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَعَلَى يَهُوذَا عَنْ يَدِ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ وَكُلِّ رَاءٍ قَائِلًا: «ارْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ الرَّدِيئَةِ وَاحْفَظُوا وَصَايَايَ، فَرَائِضِي، حَسَبَ كُلِّ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُ بِهَا آبَاءَكُمْ، وَالَّتِي أَرْسَلْتُهَا إِلَيْكُمْ عَنْ يَدِ عَبِيدِي الأَنْبِيَاءِ». 14 فَلَمْ يَسْمَعُوا بَلْ صَلَّبُوا أَقْفِيَتَهُمْ كَأَقْفِيَةِ آبَائِهِمِ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالرَّبِّ إِلهِهِمْ. وَأَشْهَدَ الرَّبُّ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَعَلَى يَهُوذَا، عَنْ يَدِ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ وَكُلِّ رَاءٍ قَائِلاً: ارْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ الرَّدِيئَةِ وَاحْفَظُوا وَصَايَايَ فَرَائِضِي حَسَبَ كُلِّ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُ بِهَا آبَاءَكُمْ، وَالَّتِي أَرْسَلْتُهَا إِلَيْكُمْ عَنْ يَدِ عَبِيدِي الأَنْبِيَاءِ. [13] "وأشهد الرب على إسرائيل وعلى يهوذا" كأنه لا يوجد مجال لتبرير أخطاء إسرائيل أو يهوذا، لأن الرب نفسه يشهد على ذلك. وأنه لا مجال للمغفرة ما لم يسمعوا لصوت أنبيائه ويرجعوا إلى الله بقلوبهم وينزعوا عنهم العبادة الوثنية. لم ينقطع الأنبياء لا في إسرائيل ولا في يهوذا. فكان في يهوذا شمعيا وعِدّو وعزريا وحناني وياهو ويحزئيل واليعزر وزكريا وزكريا آخر ويوئيل وميخا وإشعياء وغيرهم. وكان في إسرائيل أخيا وياهو وإيليا وميخا وأليشع ويونان وهوشع وعاموس وعوديد. فَلَمْ يَسْمَعُوا بَلْ صَلَّبُوا أَقْفِيَتَهُمْ كَأَقْفِيَةِ آبَائِهِمِ، الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالرَّبِّ إِلَهِهِمْ. [14] تعبير "صلَّبوا أقفيتهم" مأخوذ من الفَرَس الصلب الجموح الذي لا يستطيع راكبه أن يثنيه باللجام (خر 32: 9). يندر استخدام تعبير "لم يؤمنوا بالرب" في العهد القديم. عدم الإيمان الحي بالرب هو وراء كل خطية، حيث يسلك الإنسان حسب فكره البشري، متجاهلاً حكمة الله ومواعيد الصادقة، فلا ينظر إلى ما لا يُرَى، بل إلى الأمور المنظورة وحدها. 15 وَرَفَضُوا فَرَائِضَهُ وَعَهْدَهُ الَّذِي قَطَعَهُ مَعَ آبَائِهِمْ وَشَهَادَاتِهِ الَّتِي شَهِدَ بِهَا عَلَيْهِمْ، وَسَارُوا وَرَاءَ الْبَاطِلِ، وَصَارُوا بَاطِلًا وَرَاءَ الأُمَمِ الَّذِينَ حَوْلَهُمُ، الَّذِينَ أَمَرَهُمُ الرَّبُّ أَنْ لاَ يَعْمَلُوا مِثْلَهُمْ. 16 وَتَرَكُوا جَمِيعَ وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِهِمْ وَعَمِلُوا لأَنْفُسِهِمْ مَسْبُوكَاتٍ عِجْلَيْنِ، وَعَمِلُوا سَوَارِيَ، وَسَجَدُوا لِجَمِيعِ جُنْدِ السَّمَاءِ، وَعَبَدُوا الْبَعْلَ. 17 وَعَبَّرُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ فِي النَّارِ، وَعَرَفُوا عِرَافَةً وَتَفَاءَلُوا، وَبَاعُوا أَنْفُسَهُمْ لِعَمَلِ الشَّرِّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ لإِغَاظَتِهِ. وَرَفَضُوا فَرَائِضَهُ وَعَهْدَهُ الَّذِي قَطَعَهُ مَعَ آبَائِهِمْ، وَشَهَادَاتِهِ الَّتِي شَهِدَ بِهَا عَلَيْهِمْ، وَسَارُوا وَرَاءَ الْبَاطِلِ، وَصَارُوا بَاطِلاً وَرَاءَ الأُمَمِ الَّذِينَ حَوْلَهُمُ، الَّذِينَ أَمَرَهُمُ الرَّبُّ أَنْ لاَ يَعْمَلُوا مِثْلَهُمْ. [15] وَتَرَكُوا جَمِيعَ وَصَايَا الرَّبِّ إِلَهِهِمْ وَعَمِلُوا لأَنْفُسِهِمْ مَسْبُوكَاتٍ عِجْلَيْنِ، وَعَمِلُوا سَوَارِيَ وَسَجَدُوا لِجَمِيعِ جُنْدِ السَّمَاءِ، وَعَبَدُوا الْبَعْلَ. [16] هنا أول ذِكْر للعجلين في إسرائيل، أحدهما في بيت إيل، والآخر في دان (عا 4: 4؛ 7: 13؛ 8: 14). وأيضًا ذكر السواري التي بواسطتها سجدوا للقمر أو ملكة السماء أو الزُهرة (إر 7: 18؛ 44: 17-19). وثالثًا جند السماء، أي الكواكب والنجوم التي تعلَّموا عبادتها من الأشوريين، رابعًا البعل الذي كانت الشمس رمزًا له (حز 8: 16). v [ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم] (مز 24: 9) LXX. لنذهب فورًا إلى السماء. مرة أخرى ليصرخ بوق النبي عاليًا: ارفعوا يا رؤساء الهواء الأبواب التي في أذهان البشر الذين يعبدون "جند السماء" [16]. ولترتفعي أيتها الأبواب الدهرية. لترتفعي يا أبواب البرّ الدهرية، أبواب الحب والطهارة التي من خلالها تحب النفس الله الحقيقي الواحد، ولا تسلك بالبغي مع كثيرين يُدعَون آلهة. القديس أغسطينوس وَعَبَّرُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ فِي النَّارِ، وَعَرَفُوا عِرَافَةً وَتَفَاءَلُوا، وَبَاعُوا أَنْفُسَهُمْ لِعَمَلِ الشَّرِّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ لإِغَاظَتِهِ. [17] العرافة هي التنبؤ بأمورٍ مستقبلية بغير وحي إلهي، وكانت تتم بملاحظة النجوم والغيوم وبالقرعة والقضبان وطيران الطير ومراقبة أحشاء الحيوانات إلخ. التفاؤل: كانوا يتفاءلون ويتشاءمون بوقع أحداث معينة. فيتشاءمون من سقوط لقمة من الفم، وسقوط العصا من اليد، وصراخ طفل وراء والده ونعيق الغراب فوق الرأس ومرور الغزال على عرض الطريق أمام الإنسان إلخ. باعوا أنفسهم لعمل الشر، بمعنى عوض تسليم حياتهم في يد الله، سلَّموا أنفسهم لعدو الخير يُحرِّكهم كيفما شاء. 18 فَغَضِبَ الرَّبُّ جِدًّا عَلَى إِسْرَائِيلَ وَنَحَّاهُمْ مِنْ أَمَامِهِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ سِبْطُ يَهُوذَا وَحْدَهُ. 19 وَيَهُوذَا أَيْضًا لَمْ يَحْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِهِمْ، بَلْ سَلَكُوا فِي فَرَائِضِ إِسْرَائِيلَ الَّتِي عَمِلُوهَا. 20 فَرَذَلَ الرَّبُّ كُلَّ نَسْلِ إِسْرَائِيلَ، وَأَذَلَّهُمْ وَدَفَعَهُمْ لِيَدِ نَاهِبِينَ حَتَّى طَرَحَهُمْ مِنْ أَمَامِهِ، 21 لأَنَّهُ شَقَّ إِسْرَائِيلَ عَنْ بَيْتِ دَاوُدَ، فَمَلَّكُوا يَرُبْعَامَ بْنَ نَبَاطَ، فَأَبْعَدَ يَرُبْعَامُ إِسْرَائِيلَ مِنْ وَرَاءِ الرَّبِّ وَجَعَلَهُمْ يُخْطِئُونَ خَطِيَّةً عَظِيمَةً. 22 وَسَلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي جَمِيعِ خَطَايَا يَرُبْعَامَ الَّتِي عَمِلَ. لَمْ يَحِيدُوا عَنْهَا، 23 حَتَّى نَحَّى الرَّبُّ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَمَامِهِ كَمَا تَكَلَّمَ عَنْ يَدِ جَمِيعِ عَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ، فَسُبِيَ إِسْرَائِيلُ مِنْ أَرْضِهِ إِلَى أَشُّورَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. فَغَضِبَ الرَّبُّ جِدّاً عَلَى إِسْرَائِيلَ وَنَحَّاهُمْ مِنْ أَمَامِهِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ سِبْطُ يَهُوذَا وَحْدَهُ. [18] كما في وجود الرب تجتمع كل الخيرات، هكذا يهرب الشر من أمامه، ويُحسَب الأشرار كأن لا وجود لهم في حضرته. يقصد بيهوذا هنا سبط يهوذا ومن انضم إليه أي سبط بنيامين واللاويين وأيضًا الذين تركوا عبادة الأوثان من الأسباط العشرة والتصقوا بيهوذا ليعبدوا الإله الحيّ الحقيقي. وَيَهُوذَا أَيْضاً لَمْ يَحْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِلَهِهِمْ بَلْ سَلَكُوا فِي فَرَائِضِ إِسْرَائِيلَ الَّتِي عَمِلُوهَا. [19] فَرَذَلَ الرَّبُّ كُلَّ نَسْلِ إِسْرَائِيلَ، وَأَذَلَّهُمْ وَدَفَعَهُمْ لِيَدِ نَاهِبِينَ حَتَّى طَرَحَهُمْ مِنْ أَمَامِهِ، [20] لأَنَّهُ شَقَّ إِسْرَائِيلَ عَنْ بَيْتِ دَاوُدَ، فَمَلَّكُوا يَرُبْعَامَ بْنَ نَبَاطَ، فَأَبْعَدَ يَرُبْعَامُ إِسْرَائِيلَ مِنْ وَرَاءِ الرَّبِّ وَجَعَلَهُمْ يُخْطِئُونَ خَطِيَّةً عَظِيمَةً. [21] إذ أخطأ لوط البار بتسيُّبِه وسُكْرِه، جلب على نفسه ونسله إلى أجيال كثيرة مرارة، إذ أنجب من بنتيه موآب وعمون اللذين أسسا شعبين غايتهما مقاومة الرب وشعبه إلى قرون كثيرة. هكذا ما فعله يربعام بن نباط بأن شق إسرائيل عن بيت داود وأقام عجلين في دان وبيت إيل حتى لا يَحِن الشعب إلى العودة إلى هيكل الرب بأورشليم، بقيت ثمار خطيته عاملة في مملكة الشمال حتى اللحظات الأخيرة لتدميرها بالسبي الأشوري. هذه الثمار امتدت من موت سليمان إلى حملة أشور (725-722 ق. م) حيث تحرَّك شلمنأسر عام 725 ق.م وحاصر السامرة ثلاث سنوات وانتهت بسقوط السامرة وانهيار المملكة. كان انقسام المملكة ثمرة جهل رحبعام وتشامخه (1 مل 11: 31) وخطية يربعام. v يُقال إن الرب كان في غضبٍ شديدٍ، وسلَّمهم للهلاك، لأنهم انشقوا عن الوحدة، وأقاموا لأنفسهم ملكًا لهم. القديس كبريانوس وَسَلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي جَمِيعِ خَطَايَا يَرُبْعَامَ الَّتِي عَمِلَ. لَمْ يَحِيدُوا عَنْهَا [22] حَتَّى نَحَّى الرَّبُّ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَمَامِهِ، كَمَا تَكَلَّمَ عَنْ يَدِ جَمِيعِ عَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ، فَسُبِيَ إِسْرَائِيلُ مِنْ أَرْضِهِ إِلَى أَشُّورَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. [23] وَأَتَى مَلِكُ أَشُّورَ بِقَوْمٍ مِنْ بَابِلَ وَكُوثَ وَعَوَّا وَحَمَاةَ وَسَفَرْوَايِمَ، وَأَسْكَنَهُمْ فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ عِوَضاً عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَامْتَلَكُوا السَّامِرَةَ وَسَكَنُوا فِي مُدُنِهَا. [24] يرى بعض الدارسين أن النبي يُشير هنا إلى خراب إسرائيل بواسطة آسرحدون الذي جاء بقوم من بابل وكوث وعدا وحماة وسفروايم وأسكنهم في مدن السامرة عوضًا عن بني إسرائيل ليقضي على أمة إسرائيل تمامًا [24]. ملك أشور هنا غالبًا سرجون الثاني (722-705 ق.م.). غير أن إحلال الغرباء محل بني إسرائيل استمر فيما بعد. تم المزج بين الإسرائيليين الذين تُرِكُوا في السامرة والغرباء الذين امتزجوا بهم، ودُعِي الكل سامريين، عقائدهم وأفكارهم مزيج بين عبادة الله الحي والأصنام. كان من سياسة ملوك أشور أن ينقلوا سكان الأرض، ويُسَكِّنوا غيرهم عوضًا عنهم، حتى تضعف محبتهم للوطن واتحادهم بعضهم مع بعض، ويخضعوا لملك أشور. وأما في جرزيم حيث كان الهيكل الذي بناه سنبلط مع حميه منسّى على جبل عيبال هناك، فقد دعي هكذا، أولاً لرغبة السامريين في عدم الاشتراك مع اليهود الأورشليميين في عبادة واحدة، ومن جهة أخرى لكون الذين هناك هم في معظمهم غرباء أتى بهم الأشوريون عند سبي السامريين [24-41] وكان المعروف آنئذ أن "زيوس المضياف" هو مؤوي الغرباء والأجانب. من جهة أخرى يفيد يوسيفوس بأن السامريين كانوا قد تقدَّموا بالتماس إلى أنطيوخس أبيفانيوس لإعفائهم من الاضطهاد وبطلب تغيير اسم هيكلهم، مُبَرِّرين ذلك بعدم اشتراكهم مع يهود أورشليم في عبادة واحدة(1) ولذلك فقد نظر السفر إلى [الذين تركوا العهد المقدس] الوارِد ذكرهم في (دا 11: 32) على إنهم السامريون، ولكن السامريين في اختيارهم لـ"Zeus Xenios " كانوا يرون فيه إحدى صفات إله إسرائيل، وهي الاهتمام بالغرباء (تث 10 : 18) قارن مع (مز 146 : 9) كما يروي تفسير سامري قديم للتوراة أن إبراهيم أب الآباء قد أُحسنتْ ضيافته في جبل جرزيم. أخطر ما يفعله عدو الخير بنا هو أن يفقدنا هويَّتنا، فلا نذكر أننا أبناء الله، مسكننا السماء، ولغتنا الحب، ومركزنا أبناء الله، وقانوننا ناموس المسيح، وسلاحنا صليب المُخَلِّص، وأصدقاؤنا الطغمات السماوية، واستقرارنا الاتكاء على صدر الله، والدخول إلى أحضانه الإلهية. v لا تتعجب يا إنسان أنك تصير ابنًا بالنعمة، أن تولد من الله حسب كلمته. فالكلمة نفسه اختار أولاً أن يُولد من إنسانٍ لكي تولد أنت من الله حسب الخلاص، فتقول لنفسك: "ليس بدون سبب أراد الله أن يولد من إنسان، لكن لأنه حسبني ذا أهمية ولكي يجعلني خالدًا، من أجلي وُلِدَ كإنسانٍ قابلٍ للموت. القديس أغسطينوس كوث:غالبًا ما يقصد بها كوش، إذ يستبدل الكلدانيون والسريان حرف "ش" بحرف "ت" أو "ث". 25 وَكَانَ فِي ابْتِدَاءِ سَكَنِهِمْ هُنَاكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَّقُوا الرَّبَّ، فَأَرْسَلَ الرَّبُّ عَلَيْهِمِ السِّبَاعَ فَكَانَتْ تَقْتُلُ مِنْهُمْ. 26 فَكَلَّمُوا مَلِكِ أَشُّورَ قَائِلِينَ: «إِنَّ الأُمَمَ الَّذِينَ سَبَيْتَهُمْ وَأَسْكَنْتَهُمْ فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ، لاَ يَعْرِفُونَ قَضَاءَ إِلهِ الأَرْضِ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمِ السِّبَاعَ فَهِيَ تَقْتُلُهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ قَضَاءَ إِلهِ الأَرْضِ». 27 فَأَمَرَ مَلِكُ أَشُّورَ قَائِلًا: «ابْعَثُوا إِلَى هُنَاكَ وَاحِدًا مِنَ الْكَهَنَةِ الَّذِينَ سَبَيْتُمُوهُمْ مِنْ هُنَاكَ فَيَذْهَبَ وَيَسْكُنَ هُنَاكَ، وَيُعَلِّمَهُمْ قَضَاءَ إِلهِ الأَرْضِ». 28 فَأَتَى وَاحِدٌ مِنَ الْكَهَنَةِ الَّذِينَ سَبَوْهُمْ مِنَ السَّامِرَةِ، وَسَكَنَ فِي بَيْتِ إِيلَ وَعَلَّمَهُمْ كَيْفَ يَتَّقُونَ الرَّبَّ. وَكَانَ فِي ابْتِدَاءِ سَكَنِهِمْ هُنَاكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَّقُوا الرَّبَّ، فَأَرْسَلَ الرَّبُّ عَلَيْهِمِ السِّبَاعَ، فَكَانَتْ تَقْتُلُ مِنْهُمْ. [25] وُجِدَتْ الأسود في فلسطين حتى القرن الثاني عشر الميلادي، وقد انقرضت. مِن أحب الأماكن لِسُكْنَاهَا هناك هي الغابات والأحراش القائمة على ضفتيّ الأردن (إر 49: 19؛ 50: 44)، كما وُجدت في جبل حرمون (نش 4: 8)، وفي السامرة [25]، وفي البرية الواقعة جنوب يهوذا (إش 30: 6). كان صيد الأسود هو الرياضة المُحَبَّبة لدى ملوك الأشوريين. اُستخدمتْ أشكال الأسود في هيكل سليمان (1 مل 7: 29، 36)، وفي عرشه (1 مل 10: 19-20). يُستخدَم الأسد كرمز لرعاية الله وحراسته لأولاده (رؤ 5: 5)، كما يُستخدَم لغضبه (2 مل 25: 30). أُستخدم أيضًا كرمز لإبليس المفترس (1 بط 5: 8)، وللأنبياء الكذبة المهلكين (حز 22: 5) وللملك الغاضب (أم 19: 12؛ 20: 2). فَكَلَّمُوا مَلِكِ أَشُّورَ قَائِلِينَ: إِنَّ الأُمَمَ الَّذِينَ سَبَيْتَهُمْ وَأَسْكَنْتَهُمْ فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ، لاَ يَعْرِفُونَ قَضَاءَ إِلَهِ الأَرْضِ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمِ السِّبَاعَ فَهِيَ تَقْتُلُهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ قَضَاءَ إِلَهِ الأَرْضِ. [26] خالق العالم من أرض خالية وخاوية (تك 1 : 2) قادر أن يُعاقب بإرسال وحوش مفترسة ومُرعبة كما حدث في السامرة [26]. كان أمرًا طبيعيًا إذ قلَّ عدد السكان كثُرَتْ الأسود، مع ذلك هذا حدث بسماح من الرب (لا 26: 21-22). v لقد ظنوا أن الله يُحَدّ بمكان مُعَيَّن وقابل للقسمة؛ على الأقل كانوا يعبدونه بهذا المفهوم. بهذا الروح أرسلوا إلى الفارسيين وأعلنوا أن إله هذا الموضع لا يُسَرّ بهم . وبسبب فكرتهم هذه عنه، فإن مفهومهم عن الله لا يختلف عن مفهومهم عن الأصنام. لهذا استمروا يعبدون الروح الشرير والله، رابطين أمورًا لا يمكن التوافق بينها. أما اليهود فأغلبهم كانوا متحررين من هذا الفساد، وعرفوا أنه هو إله المسكونة، حتى وإن لم يكن الكل مؤمنين. القديس يوحنا الذهبي الفم v كيف لم يعرف السامريُّون ما يعبدونه؟ لأنهم ظنوا أن الله خاص بالمكان المحلِّي ولجزءٍ مُعَيَّن. لهذا فإنهم على الأقل وهم يعبدونه أرسلوا إلى الفارسيين (الأشوريين) يقدمون تقريرًا بأن [إله الأرض غاضب علينا] [26]. بهذا يشكِّلون فكرًا أن الله ليس بأسمى من تماثيلهم. لقد استمروا يخدمونه مع الشياطين، فضموا ما يليق بما لا يليق. القدِّيس يوحنا الذهبيّ الفم فَأَمَرَ مَلِكُ أَشُّورَ: ابْعَثُوا إِلَى هُنَاكَ وَاحِدًا مِنَ الْكَهَنَةِ الَّذِينَ سَبَيْتُمُوهُمْ مِنْ هُنَاكَ، فَيَذْهَبَ وَيَسْكُنَ هُنَاكَ، وَيُعَلِّمَهُمْ قَضَاءَ إِلَهِ الأَرْضِ. [27] إذ كثرت الأسود التي تفترس السكان، حسبوا أن هذا بسبب إله هذه المنطقة، لأن الشعب القادم لم يعرف قضاء هذا الأرض. كان كثيرون يحسبون أنه كما لكل منطقة حاكم هكذا لها إله له قضاء خاص، إن لم يطيعوه يغضب عليهم. فَأَتَى وَاحِدٌ مِنَ الْكَهَنَةِ الَّذِينَ سَبُوهُمْ مِنَ السَّامِرَةِ، وَسَكَنَ فِي بَيْتِ إِيلَ، وَعَلَّمَهُمْ كَيْفَ يَتَّقُونَ الرَّبَّ. [28] بالرغم من استدعاء أحد الكهنة ليقوم بتعليم الشعب قضاء إله الأرض، لكن النتيجة هي قيام مزيج من عبادات وثنية متنوعة مع ارتداء المملكة عن عبادة الله الحي وإن مارسوا بعض العبادات الخاصة بالله. هذا ما دفع اليهود إلى رفض السامريين تمامًا، مع قيام نوع من العداوة نحوهم (يو 4: 9؛ 8: 48). ربما كان هذا الكاهن من بيت إيل، رجع إلى بلاده وإلى الخدمة الدينية التي كان يمارسها حتى يطفئ غضب إله هذه الأرض. هنا أول ذكرٍ لتعبير السامريين، كانت ديانتهم خليطًا بين عبادة الله الحي والعبادة الوثنية. وكانوا لا يعترفون إلا بأسفار موسى الخمسة. لذلك كان اليهود في أيام السيد المسيح يحتقرونهم ويرفضون التعامل معهم (يو 4: 9). 29 فَكَانَتْ كُلُّ أُمَّةٍ تَعْمَلُ آلِهَتَهَا وَوَضَعُوهَا فِي بُيُوتِ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي عَمِلَهَا السَّامِرِيُّونَ، كُلُّ أُمَّةٍ فِي مُدُنِهَا الَّتِي سَكَنَتْ فِيهَا. 30 فَعَمِلَ أَهْلُ بَابِلَ سُكُّوثَ بَنُوثَ، وَأَهْلُ كُوثَ عَمِلُوا نَرْجَلَ، وَأَهْلُ حَمَاةَ عَمِلُوا أَشِيمَا، 31 وَالْعُوِّيُّونَ عَمِلُوا نِبْحَزَ وَتَرْتَاقَ، وَالسَّفَرْوَايِمِيُّونَ كَانُوا يُحْرِقُونَ بَنِيهِمْ بِالنَّارِ لأَدْرَمَّلَكَ وَعَنَمَّلَكَ إِلهَيْ سَفَرْوَايِمَ. 32 فَكَانُوا يَتَّقُونَ الرَّبَّ، وَيَعْمَلُونَ لأَنْفُسِهِمْ مِنْ أطْرَافِهِمْ كَهَنَةَ مُرْتَفَعَاتٍ، كَانُوا يُقَرِّبُونَ لأَجْلِهِمْ فِي بُيُوتِ الْمُرْتَفَعَاتِ. 33 كَانُوا يَتَّقُونَ الرَّبَّ وَيَعْبُدُونَ آلِهتَهُمْ كَعَادَةِ الأُمَمِ الَّذِينَ سَبَوْهُمْ مِنْ بَيْنِهِمْ 34 إِلَى هذَا الْيَوْمِ يَعْمَلُونَ كَعَادَاتِهِمِ الأُوَلِ. لاَ يَتَّقُونَ الرَّبَّ وَلاَ يَعْمَلُونَ حَسَبَ فَرَائِضِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ وَلاَ حَسَبَ الشَّرِيعَةِ وَالْوَصِيَّةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ بَنِي يَعْقُوبَ، الَّذِي جَعَلَ اسْمَهُ إِسْرَائِيلَ. 35 وَقَطَعَ الرَّبُّ مَعَهُمْ عَهْدًا وَأَمَرَهُمْ قَائِلًا: «لاَ تَتَّقُوا آلِهَةً أُخْرَى، وَلاَ تَسْجُدُوا لَهَا وَلاَ تَعْبُدُوهَا وَلاَ تَذْبَحُوا لَهَا. 36 بَلْ إِنَّمَا اتَّقُوا الرَّبَّ الَّذِي أَصْعَدَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ، وَلَهُ اسْجُدُوا، وَلَهُ اذْبَحُوا. 37 وَاحْفَظُوا الْفَرَائِضَ وَالأَحْكَامَ وَالشَّرِيعَةَ وَالْوَصِيَّةَ الَّتِي كَتَبَهَا لَكُمْ لِتَعْمَلُوا بِهَا كُلَّ الأَيَّامِ، وَلاَ تَتَّقُوا آلِهَةً أُخْرَى. 38 وَلاَ تَنْسَوْا الْعَهْدَ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَكُمْ، وَلاَ تَتَّقُوا آلِهَةً أُخْرَى. 39 بَلْ إِنَّمَا اتَّقُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ وَهُوَ يُنْقِذُكُمْ مِنْ أَيْدِي جَمِيعِ أَعْدَائِكُمْ». 40 فَلَمْ يَسْمَعُوا بَلْ عَمِلُوا حَسَبَ عَادَتِهِمِ الأُولَى. 41 فَكَانَ هؤُلاَءِ الأُمَمُ يَتَّقُونَ الرَّبَّ، وَيَعْبُدُونَ تَمَاثِيلَهُمْ، وَأَيْضًا بَنُوهُمْ وَبَنُو بَنِيهِمْ. فَكَمَا عَمِلَ آبَاؤُهُمْ هكَذَا هُمْ عَامِلُونَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. فَكَانَتْ كُلُّ أُمَّةٍ تَعْمَلُ آلِهَتَهَا، وَوَضَعُوهَا فِي بُيُوتِ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي عَمِلَهَا السَّامِرِيُّونَ، كُلُّ أُمَّةٍ فِي مُدُنِهَا الَّتِي سَكَنَتْ فِيهَا. [29] "فكانت كل أمة تعمل آلهتها"، فعوض الإيمان بالله خالق السماء والأرض، والذي خلق الإنسان على صورته ومثاله، قامت الأمم بتشكيل الآلهة التي تتعبد لها حسب هواها، لتحقيق الآلهة شهوات الإنسان الخاصة. هؤلاء من منطقة السامرة الذين يُكِنُّون كل عداوة ليهوذا وبنيامين، هم من سلالة الشعوب التي استقرت في مملكة الشمال، بعث بهم ملوك أشور من مناطق مختلفة بعد ترحيل عدد كبير من الإسرائيليين إلى العاصمة سنة 722 ق.م واختلطوا باليهود، فمزجوا بين عبادة الله الحي والعبادة الوثنية. v من المناسب أن نخبر من أين جاء أصل السامريين. أقول هذا لأن كل المنطقة تُدعَى السامرة. فما هو مصدر هذا الاسم؟ يُدعَى الجبل "سامر" على اسم مالكه (شامر) (1 مل 16: 24)... لم يكن يُدعَى سكانها سامريين بل إسرائيليين. ولكن مع الزمن إذ عصوا الله في أيام الملك فقح، فصعد تلغث بلاسر واستولى على مدن كثيرة (2 مل 15: 29). بعد مهاجمة إيلة وقتله، سلَّم المُلك لهوشع. مؤخرًا جاء شلمنأسر واستولى على مدنٍ أخرى، وأخضعها ووضع عليها جزية. مع أن هوشع في البداية خضع، غير أنه ثار بعد ذلك على هذا الخضوع، ولجأ إلى المصريين[13] [4]. عَلَمَ الأشوريون بذلك وبعثوا حملة وأخذوا سبايا، ورفضوا ترك الأمة في مكانها بعد، إذ تشكك أشور متوقعًا حدوث تمرُّد آخر. نُقل السكان إلى بابل ومادي، وجاءوا بأناس من مناطق مختلفة مجاورة، يسكنون في السامرة، بهذا تطمئن أشور أن سلطانها يبقى في المستقبل، وأن السكان يعيشون في ولاء لأشور. عندما حدثت هذه الأمور، إذ أراد الله أن يُظهِرَ سلطانه أنه هو الذي سلَّم اليهود ليس عن عجز في القوة من جانبه، وإنما بسبب خطايا هؤلاء الذين أخضعهم لأعدائهم، أرسل أسودًا على البرابرة، وافترستهم. أُرسل للملك تقريرًا بما حدث، فبعث بكاهنٍ معينٍ يعلمهم شرائع الله، مع هذا كله لم يتحرر (الإسرائيليون) من شرهم، وإنما بطريقة جزئية. مع مرور الزمن تركوا الأصنام وعبدوا الله. إذ بلغ اليهود هذا الأمر حمل اليهود روح نزاع ضدهم وحسبوهم غرباء وأعداء ودعوهم سامريين باسم الجبل الذي بُنيت عليه المدينة. القديس يوحنا الذهبي الفم v يدعو اليهود الحارس "سومر somer". لذلك جاء في تقليدهم أن السامريين أخذوا هذا الاسم أولاً، لأن ملك الأشوريين أرسلهم حُرَّاسًا على أرض إسرائيل بعد السبي. العلامة أوريجينوس فَعَمِلَ أَهْلُ بَابِلَ سُكُّوثَ بَنُوثَ، وَأَهْلُ كُوثَ عَمِلُوا نَرْجَلَ، وَأَهْلُ حَمَاةَ عَمِلُوا أَشِيمَا، [30] سكوث بنوث: الترجمة الحرفية "سكن البنات" أو "خيام البنات" أو "أكشاك البنات"، ويُفترَض أن يكون اسم أماكن يتسلل إليها النساء لممارسة طقوس دنسة تخص عبادة آلهة بابليين. غالبًا ما تشير إلى عامة الباغيات لدى هيكل فينوس Venus عند البابليين. يرى Sir H.Rawlinson أن الكلمة تمثل إلهة كلدانية تسمى Zir-bamit، يعبدونها في بابل وتُسمَّى ملكة المكان. ويظن Gesenius إنه ربما تُقرأ سكوث باموث Succoth-bamoth وتعني أكشاك في المرتفعات مُخصصة للأصنام. نرجل Nergal: كان إله أشوري معروف. والكلمة معناها "بطل" أو "إنسان عظيم". وهو يُطلَق على نُصب تذكارية بأسماء متنوعة، "الأخ العظيم"، "حاكم العاصفة"، "إله المعارك"، "إله الصيد". الاسم الأخير هو اللقب الرئيسي، ويبدو أنه كان الشفيع الرئيسي للصيد، مما جعل البعض يعتقد أنه يمثل البطل نمرود Nimrod المتأله. كثيرًا ما كان اسم نرجل يظهر على أختام أشورية وأسطوانات، رمزه إنسان على شكل أسد، أو أسد له رأس إنسان وبه جناحا نسر. نرجل يطابق الإله Mars حسب الفلك. كان نرجل إله الحرب والوباء عند البابليين، وكان معبده في كوث، وصنمه على هيئة أسد له جناحان، وله وجه إنسانٍ. ودَخَلَ اسمه في بعض الأسماء البابلية كنرجل شرصر (إر 39: 3). إشيماAshima هو إله شعب حماث Hamath. أغلب الكُتَّاب اليهود يؤكدون أن هذا الإله كان يُعبَد في شكل ماعِز بدون صوف، وآخرون تحت شكل حَمَل. وقد وُجدت المعزاة بين الحيوانات المقدسة في النُصب التذكارية البابلية. هذا يجعل الأشيما تطابق الـMendesالمصرية والـPan اليونانية. يرى بعض الكُتّاب أن الأشيما هو عينه الإله الفينيقي Esmun والـEsculapius الفينيقي الذي يحمل نفس سمات الإله بان Pan. وَالْعُوِّيُّونَ عَمِلُوا نِبْحَزَ وَتَرْتَاقَ، وَالسَّفَرْوَايِمِيُّونَ كَانُوا يُحْرِقُونَ بَنِيهِمْ بِالنَّارِ لأَدْرَمَّلَكَ وَعَنَمَّلَكَ إِلَهَيْ سَفَرْوَايِمَ. [31] نبحز Nibhaz: هو إله العويين Avites، ولكن لا يُعرَف شيء عن سماته ولا عن شكل صنمه. يقول المفسرون العبرانيون إنه صنم على شكل إنسان له رأس كلب. عبد المصريون الكلب، ويرى بعض الكُتَّاب أن إلههم أنوبيوس Anubis على شكل إنسان له رأس كلب، وإن كان Wilkinson يقول أن له رأس ابن آوَى. ترتاق Tartak : وهو أيضًا إله Avite يظن بعض الكُتّاب اليهود أن تمثاله على شكل حمار، لكن البعض يرون أن هذا مُجَرَّد تخمين، وأن الاسم يعني "بطل الظلمة"، وهو يشير إلى كوكب له تأثير مُدَمِّر مثل مارس Mars أو Saturn أدر مّلك. فَكَانُوا يَتَّقُونَ الرَّبَّ، وَيَعْمَلُونَ لأَنْفُسِهِمْ مِنْ أطْرَافِهِمْ كَهَنَةَ مُرْتَفَعَاتٍ، كَانُوا يُقَرِّبُونَ لأَجْلِهِمْ فِي بُيُوتِ الْمُرْتَفَعَاتِ. [32] لم يلتزموا بالأمر الإلهي أن يكون الكهنة من نسل هرون، بل اختاروا من أطرافهم كهنة. كَانُوا يَتَّقُونَ الرَّبَّ وَيَعْبُدُونَ آلِهتَهُمْ كَعَادَةِ الأُمَمِ الَّذِينَ سَبُوهُمْ مِنْ بَيْنِهِمْ [33] كانوا يتقون الرب بالعبادة الخارجية دون الروحية القلبية. إِلَى هَذَا الْيَوْمِ يَعْمَلُونَ كَعَادَاتِهِمِ الأُوَلِ. لاَ يَتَّقُونَ الرَّبَّ، وَلاَ يَعْمَلُونَ حَسَبَ فَرَائِضِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ، وَلاَ حَسَبَ الشَّرِيعَةِ وَالْوَصِيَّةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ بَنِي يَعْقُوبَ، الَّذِي جَعَلَ اسْمَهُ إِسْرَائِيلَ. [34] لخَّص الكتاب خطأ السامريين في أمرين: أنهم لم يتقوا الرب، ورفضوا الشريعة والوصية الإلهية. بهذا كسروا العهد مع الله. صار السامريون ثلاثة أنواع: 1. الساجدون للعجلين كما فرض يربعام، وهم قليلون. 2. الإسرائيليون الذي أضافوا على عبادة العجلين ما اتخذوه من الوثنيين. 3. الوثنيون الذين أضافوا على عبادتهم للأصنام ما كانوا اتخذوه من الإسرائيليين. آمن كثير من السامريين بالسيد المسيح (يو 4: 39-42؛ أع 8: 5، 25). وَقَطَعَ الرَّبُّ مَعَهُمْ عَهْدًا وَأَمَرَهُمْ قَائِلًا: لاَ تَتَّقُوا آلِهَةً أُخْرَى وَلاَ تَسْجُدُوا لَهَا وَلاَ تَعْبُدُوهَا وَلاَ تَذْبَحُوا لَهَا. [35] بَلْ إِنَّمَا اتَّقُوا الرَّبَّ الَّذِي أَصْعَدَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ، وَلَهُ اسْجُدُوا وَلَهُ اذْبَحُوا. [36] العلّة الرئيسية لعبادة للرب أنه خلَّصهم من الأعداء بقوة عظيمة وذراع ممدودة، ليس من قوةٍ تقف أمامه وتقاومه. وَاحْفَظُوا الْفَرَائِضَ وَالأَحْكَامَ وَالشَّرِيعَةَ وَالْوَصِيَّةَ الَّتِي كَتَبَهَا لَكُمْ لِتَعْمَلُوا بِهَا كُلَّ الأَيَّامِ، وَلاَ تَتَّقُوا آلِهَةً أُخْرَى. [37] وَلاَ تَنْسُوا الْعَهْدَ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَكُمْ وَلاَ تَتَّقُوا آلِهَةً أُخْرَى. [38] بَلْ إِنَّمَا اتَّقُوا الرَّبَّ إِلَهَكُمْ وَهُوَ يُنْقِذُكُمْ مِنْ أَيْدِي جَمِيعِ أَعْدَائِكُمْ. [39] فَلَمْ يَسْمَعُوا بَلْ عَمِلُوا حَسَبَ عَادَتِهِمِ الأُولَى. [40] فَكَانَ هَؤُلاَءِ الأُمَمُ يَتَّقُونَ الرَّبَّ وَيَعْبُدُونَ تَمَاثِيلَهُمْ، وَأَيْضاً بَنُوهُمْ وَبَنُو بَنِيهِمْ. فَكَمَا عَمِلَ آبَاؤُهُمْ هَكَذَا هُمْ عَامِلُونَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. [41] كيف يمكن للأمم أن يخافوا الإله الحقيقي ويعبدوا آلهة مُزيَّفة؟ يقول بوضوح عن الأمم: "كانوا يتَّقون الرب" ، وقيل أيضًا في نفس السياق: [كانوا يعبدون تماثيلهم] . الإجابة: إن هذا مثال لاستخدام كلمة يتقي fear بمعاني مختلفة. إنهم يتقون الله بصفة عامة، ولكن ليس في هذه الحالة بالتحديد. إنهم لم يعبدوا الإله الواحد ولكنهم وثنيون. وهذا ما جاء في الآية 4: [فكان هؤلاء الأمم يتقون الرب ويعبدون تماثيلهم]." v هكذا يقول إن السامرة ستُحاط وتُحاصَر بشعوب معادية. ليس فقط يَضربون خدَّها برؤوسهم، الأمر الذي يمكن احتماله، وإنَّما سيسحقونها بالعصيَ، الأمر الذي يحمل قسوة خاصة. هذا يعني محنة السبي المُهينة البائسة، فإنَّه دون جدالٍ أن ضربْ الخد فيه إهانة خاصة. لاحظوا أنَّهم يضربونها أيضًا بالعصيّ، فيسبِّبون متاعب عنيفة مع إهانة. لقد أُهينت السامرة حيث حكمها سبط أفرام. كانت في عارٍ وتحت الآلام. على أي الأحوال ستتوقَّف الأيدي الضاربة، فلا نذوق بؤسًا إن كنَّا نبذل ما في وسعنا أن ننزع غضب الرب عن الكل بسبب العصيان، وارتكاب الخطايا بتلهُّفٍ، الأمر الذي يبغضه الرب. إن كنَّا نكرِّمه بالحياة الفاضلة عوض هذا، فإنَّنا نتمتع بالرخاء ونحيا حياة مفرحة جديرة بالإطراء. القديس كيرلس الكبير حررني من سبي إبليس! v تئن نفسي من سبي الخطية المُر. اصطادني عدو الخير في شبكته، وحصرني في أسره القاسي. حطَّمني، إذ يُشوِّه كل يوم صورتي، يُفقدني سمة أولاد الله، لأعيش عبدًا له! v لماذا ألوم إبليس ولا ألوم نفسي؟! ما كان يمكن أن يتسلل إلى أعماقي، ما لم أفتح له أبواب قلبي. وما كان يمكن لشباكه أن تصطادني، ما لم أسحب يدي من يدك. لأقل مع نحميا: "أنا وبيت أبي قد أخطأنا، لقد أفسدنا أمامك، ولم نحفظ الوصايا والفرائض والأحكام التي أمرت بها موسى عبدك" (نح 1: 6-7). v إلهي، أعترف أنني نسيت محبتك الفائقة ورعايتك لي العجيبة. أخرجتني لا على يديّ موسى النبي، بل أنت رب موسى نزلت إليَّ لتُحَرِّرَ أعماقي. عبرت بي لا بحر سوف، بل فتحت لي طريق السماء بدمك. وهبتني روحك القدوس، لكي يُجَدِّد على الدوام حياتي. قدَّمتَ لي بالمعمودية فردوسًا أروع من جنة عدن. قدَّمتَ لي برّك لباسًا بهيًّا لنفسي. وهبتني جسدك ودمك حياة أبدية! لتنحت في قلبي محبتك ومعاملاتك العجيبةّ، فأسلك فيك يا أيها السماوي العجيب. v أعترف لك أنني كثيرًا ما أود الهروب، كما هرب الابن الضال من بيت أبيه. ظننتُ في الاقتداء بالسالكين في شهوات العالم سعادة. بدَّدتُ خيراتك في الفساد. حوّلتُ محبتي للسماء إلى حبٍ لشهوات فاسدة. عوض الصداقة مع السمائيين، التصقتُ بمُحبّي العالم وشهواته. عوض التسبيح مع السمائيين، بحثت عن فرح العالم الزائل. أقمت في داخلي أصنامًا أتعبد لها. حررني أيها القدوس بنعمتك! v أعترف لك بأني لم أصغ إلى إنجيلك المُفرِح. عوض البشارة المُبهِجة طلبتُ المشورة البشرية. هبْ لي أن أقتنيك يا حكمة الله، فتشبع نفسي بك وتدوس عسل الحكمة الزائفة. لتعمل كلمتك فيَّ، فتُقيم منّي ابنًا مُقدَّسًا لك. ليكن ناموسك هو لذّتي وقائدي وكنزي ومجدي! v إلهي، ظننت في كل ما هو جديد سعادة لمُجرَّد جدَّتِه. تركتُ طريق آبائي الآمن بنعمتك، وسلكتُ في الباطل، فصرتُ باطلاً. هبْ لي أن أجتمع مع كل الكنيسة منذ آدم إلى آخر الدهور. فأسلك في بريّة هذا العالم مع آبائي السالكين بالروح. تكون لي سحابة فتظللني من حرّ الخطية في نور النهار المُشرِق. وتكون لي عمود نار ليلاً، بنورك تُبَدِّد ظلمتي، وبلهيبك الإلهي تنزع عنّي كل رخاوة وإهمال! v إلهي هبْ الآن قوة لآخذ بقيادتك مصيري. أتعهد بنعمتك أن أرتمي في أحضانك. وبقوتك لا أُعرِّج بين الفريقيْن. أجد لذة في العبادة لك، ولن أترك موضعًا لعبادة وثنية في أعماقي. أنت لي ومعك لا أطلب حتى في السماء شيئًا! وأنا لك وبك، لن أقبل الحوار مع الحيّة كما فعلت أمّي حواء! يهوذا حتى السبي البابلي بعد السبي الأشوري وإزالة مملكة إسرائيل وُجِدَ بعض ملوك صالحين في يهوذا مثل حزقيا ويوشيا، لكن الأغلبية العظمى كانوا أشرارًا، بل وتفاقم شرُّهم جدًا حتى زاد عن شر مملكة إسرائيل. هذا ما تحدَّث عنه إرميا النبي موبخًا الشعب. هذا ومن جانب آخر فإن الإصلاح الذي قام به الملوك مثل يوشيا كان يمس تصليح الهيكل وممارسة الطقوس بطريقة حرفية دون إصلاح للقلب ورغبة جادة في الرجوع إلى الرب. هذا ما نلاحظه بكل قوةٍ في سفر إرميا، حيث جاء محور أحاديثه "القلب" وختانه. حزقيا وإزالة الأصنام أعطى الكتاب المقدس مجالاً للحديث عن حزقيا ملك يهوذا أكثر من أي ملك آخر منذ موت سليمان، ذلك لأن حياته تُقدِّم لنا شهادة حية عن معاملات الله مع المؤمنين، خاصة الراغبين في الالتصاق به، كما تكشف عن جانب آخر، أنه مهما بلغت قداسة الإنسان واهتمامه بالسلوك بالروح، فإنه يتعرَّض لضعفات قد لا يسقط فيها الشخص الأقل منه في القداسة. وكأن حياة حزقيا الملك تُحسَب إنذارًا لكل مؤمنٍ ألا يظن في نفسه شيئًا، فيعتمد على نفسه متجاهلاً الاتكال على الله، ولو إلى لحظاتٍ قليلةٍ. فإن السقوط في لحظات نتيجة الإهمال أو الاتكال على قدراته أو طهارة حياته قد تُحَطِّم الكثير مما اقتناه، وقد تسبب خسائر لكثيرين. وردت سيرة حزقيا الملك في (2 مل 18-20؛ 2 أي 29-32؛ إش36-39). عندما استلم حزقيا المُلك عمليًا، كانت يهوذا دولة خاضعة لأشور. يُعتبَر حزقيا أحد الملوك الذي كان له دور كبير في الإصلاح، قاد حملة ضد كل أشكال العبادة الوثنية. 1. حزقيا الصالح وإزالة الوثنية 1 وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِهُوشَعَ بْنِ أَيْلَةَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ مَلَكَ حَزَقِيَّا بْنُ آحَازَ مَلِكِ يَهُوذَا. 2 كَانَ ابْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ أَبِي ابْنَةُ زَكَرِيَّا. 3 وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ دَاوُدُ أَبُوهُ. 4 هُوَ أَزَالَ الْمُرْتَفَعَاتِ، وَكَسَّرَ التَّمَاثِيلَ، وَقَطَّعَ السَّوَارِيَ، وَسَحَقَ حَيَّةَ النُّحَاسِ الَّتِي عَمِلَهَا مُوسَى لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِلَى تِلْكَ الأَيَّامِ يُوقِدُونَ لَهَا وَدَعَوْهَا «نَحُشْتَانَ». 5 عَلَى الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ اتَّكَلَ، وَبَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ مُلُوكِ يَهُوذَا وَلاَ فِي الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ. 6 وَالْتَصَقَ بِالرَّبِّ وَلَمْ يَحِدْ عَنْهُ، بَلْ حَفِظَ وَصَايَاهُ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ مُوسَى. كان حزقيا الملك أول من حفظ وصايا الرب منذ أيام داود الملك [6]، وأراد أن يُعِيدَ العبادة الحقيقية المستقيمة للرب على مستوى الشعب، وأن يعبدوا الله الحقيقي. لكنه إذ كشف الكنوز لبعثة ملك بابل ربما في كبرياء، صدر الأمر الإلهي بالسبي ليهوذا. وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِهُوشَعَ بْنِ أَيْلَةَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ مَلَكَ حَزَقِيَّا بْنُ آحَازَ مَلِكِ يَهُوذَا. [1] السنة الثالثة لهوشع هي 729 ق. م. التسع وعشرون سنة لحزقيا تضم فترة حكمه كشريك مع أبيه آحاز قبل أن يحكم لوحده (716-699 ق. م). "حزقيا" معناها "الرب يُقوِّي". كَانَ ابْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. وَاسْمُ أُمِّهِ أَبِي ابْنَةُ زَكَرِيَّا. [2] مَلَك حزقيا تسعًا وعشرين سنة في أورشليم، كما يُعتقَد أنه شارك أباه آحاز في الحكم من سنة 728 ق. م إلى سنة 716 ق. م، أي حوالي ثلاثة عشر عامًا. وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ دَاوُدُ أَبُوهُ. [3] مع ما اتسم به أبوه من الشر والفساد والفشل، نجد حزقيا الملك سار في مخافة الرب، وللأسف خالف ابنه وصاياه حتى واجه تجربة الأسر. الحياة الروحية والمبادئ الأخلاقية المقدسة أو الفاسدةلا تُورَّث. كل شخص له الحرية الكاملة في تبعية وصايا الله أو عصيانها. قيل هنا عن حزقيا الملك "حسب كل ما عمل داود أبوه" ، كما قيل في الملك آسا (1 مل 15: 11)، والملك يوشيا (2 مل 22: 2)، ولم يُقل هذا في غير هؤلاء الثلاثة من ملوك يهوذا، وكان كل من الثلاثة أبناء لآباءٍ أشرارٍ. يبدو أن إشعياء النبي كان مُشِيرًا لحزقيا في أيام شبابه قبل أن يتولى العرش، فتأثر به. هُوَ أَزَالَ الْمُرْتَفَعَاتِ، وَكَسَّرَ التَّمَاثِيلَ، وَقَطَّعَ السَّوَارِيَ، وَسَحَقَ حَيَّةَ النُّحَاسِ الَّتِي عَمِلَهَا مُوسَى، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِلَى تِلْكَ الأَيَّامِ يُوقِدُونَ لَهَا وَدَعُوهَا نَحُشْتَانَ. [4] أخطأ الملوك السابقون له إذ تركوا المرتفعات ولم يُحَطِّموا أصنامهم، فكانت مَرْكزًا لقبائح لا تليق بالمؤمنين. أما حزقيا الملك فلم يسحق الأصنام فقط وإنما إذ أساء المؤمنون تكريم الحية النحاسية التي احتفظوا بها منذ أيام موسى النبي وهو في البرية، قام بسحقها. مع وجود ملوك ليهوذا صالحين، يعملون المستقيم في عينيّ الرب، لكن غالبًا ما كانوا يتساهلون في ترك المرتفعات. يرى القديس أغسطينوس أن حزقيا هو أول ملك يُحَطِّم المرتفعات. في أعمال القديس أغسطينوس لتصحيح أفكار الدوناتست Donatists أوضح أن الملك أو الحاكم يعبد الرب بمخافة (مز 2: 1-2، 10-11) بطريقين: أولاً كإنسانٍ مؤمنٍ يعبد الرب بمخافة بحياته الإيمانية العملية. ومنجانبٍ آخر بكونه ملكًا يعبد الرب بإصداره شرائع تأمر بالسلوك بالبرّ، وتعاقب من يفعل ضد ذلك، هكذا سلك حزقيا كملكٍ تقيٍ، فأزال المرتفعات وأباد الأصنام: v خرَّب الملك حزقيا الخارج من نسل داود تلك المرتفعات، يصحب ذلك شهادة عن مدحه العظيم. v يخدم الملك الله بطريقة بكونه إنسانًا، وبطريقة أخرى بكونه ملكًا. يخدمه كإنسانٍ بأن يحيا بالإيمان، ويخدمه كملكٍ إذ يمارس السلطة الضرورية لإصدار قوانين تأمر بالصلاح وتمنع ما يضاد ذلك. هكذا حزقيا خدمه بإبادة أماكن الأصنام وهياكلها والمرتفعات التي أقيمت على خلاف وصايا الله [4]. وهكذا خدمه يوشيا بممارسته ذات الأفعال (2 مل 23: 4-5). هكذا خدم ملك نينوى بإلزام كل المدينة أن ترضي الرب. v حتى حزقيا خدم الرب بتحطيمه بساتين الأوثان ومعابدها، والمرتفعات التي أُقيمت بانتهاك وصايا الله [4]. وأيضًا يوشيا خدمه بقيامه بنفس العمل بدوره. وأيضًا ملك نينوى خدمه بإلزام كل شعب مدينته أن يفعلوا ما يسُر الرب (يون 3: 6-9). وداريوس خدمه بأن سلَّم التمثال لدانيال ليُحَطِّمه (دانيال والتنِّين 42) (تتمة دانيال 14: 42) ونبوخذناصر خدمه... بإصداره تشريع رهيب يمنع أي من الخاضعين له أن يُجَدِّف على الله (دا 3: 29). بهذه الوسيلة يمكن للملوك أن يخدموا الرب بكونهم ملوكًا، عندما يمارسون في خدمتهم ما لا يمكنهم القيام به لو كانوا ليسوا ملوكًا. القديس أغسطينوس عمل حزقيا الملك بضمير حيّ في جدية، في غير مجاملة أو مداهنة أو خوف. لم يكن سهلاً عليه أن يسحق الحية النحاسية التي عملها موسى، لأن بني إسرائيل كانوا في تلك الأيام يوقدون لها ودعوها نحشتان. "نحشتان" معناها الحرفي "شيء برنزي". بلا شك كان لهذا العمل شعبيته على مستوى القيادات اليهودية والشعب، لكنه لم يبالِ أن يفقد هذه الشعبية، ويقاوم كل فكرٍ خاطئٍ. أثناء تقديس سرّ الإفخارستيا، متى كان الأسقف حاضرًا، يمسك أحد الشمامسة عصا الأسقف يعلوها صليب ذهبي تحوطه به حيَّتان ذهبيتان. هذه العصا تغاير عصا الرعاية التي يمسك بها الأسقف دائمًا علامة رعايته الرسولية. جاء في (2 أي 29) أنه في السنة الأولى من ملكه (حزقيا) فتح أبواب بيت الرب وطهَّر الكهنة بيت الرب، وأصعدوا ذبائح وأوقف حزقيا اللاويين للتسبيح، وعملوا فصحًا للرب، ودعا إسرائيل ويهوذا وأفرايم ومنسى وزبولون. ولما أكمل هذا (2 أي 31: 1) خرج كل إسرائيل إلى مدن يهوذا، وكسروا الأنصاب، وقطعوا السواري، وهدموا المرتفعات (1 مل 14: 23). v حُفظتْ هذه الحيّة سليمة لذكرى المعجزة، لكن بعد ذلك عُبِدَتْ كصنمٍ بواسطة أناس غير مُخلِصين، حتى جاء حزقيا الذي استخدم سلطانه الديني في خدمة الله، حطَّمها، وبهذا نال شهرة عظيمة لتقواه. القديس أغسطينوس عَلَى الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ اتَّكَلَ، وَبَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ مُلُوكِ يَهُوذَا، وَلاَ فِي الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ. [5] فاق حزقيا الملك كل ملوك يهوذا السابقين له واللاحقين (عدا داود النبي)، والعجيب أن أباه آحاز كان شريرًا، لكن شر أبيه لم يؤثر عليه، بل صار ذلك لتزكيته، إذ رفض طريق أبيه الشرير من أجل الرب. إن كانت مملكة الشمال قد انهارت أمام أشور بسبب شرها وكسر الوصية الإلهية وخيانة العهد مع الله، فإن حزقيا استطاع أن يصد أشور في عنفوان قوته بتقواه واتكاله على الله. لقد واجه الحملة الأخيرة التي لسنحاريب عام 701 ق. م، ونال عونًا إلهيًا. وَالْتَصَقَ بِالرَّبِّ، وَلَمْ يَحِدْ عَنْهُ، بَلْ حَفِظَ وَصَايَاهُ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ مُوسَى. [6] وَكَانَ الرَّبُّ مَعَهُ، وَحَيْثُمَا كَانَ يَخْرُجُ كَانَ يَنْجَحُ. وَعَصَى عَلَى مَلِكِ أَشُّورَ وَلَمْ يَتَعَبَّدْ لَهُ. [7] رفض حزقيا خدمة أشور في مذلة، كما انتصر على الفلسطينيين. هذا ساعد يهوذا كأُمة مستقلة أن تحمل قوة جديدة في المنطقة. ولم تعد يهوذا تعاني أو تخشى أي تهديد من الأمم المجاورة لها. كانت يهوذا تقع بين القوتين العالميتين العظيمتين في ذلك الحين، وهما أشور ومصر. وكانت يهوذا تضم الطرق الرئيسية في الشرق الأوسط للتجارة العالمية، لهذا كانت كل من أشور ومصر تتنافسان على السيطرة على يهوذا. هذا ومن جانب أخر، كلما حدثت معارك بين القوتين، تمر إحدى الدولتين بيهوذا لتعبر إلى الأخرى فتُخَرِّبها. كانت يهوذا تُحسَب كموقع يحمي كل دولة من الأخرى، بهذا فإن الدولة التي تُسيطر على يهوذا تكسب ميزات اقتصادية وعسكرية على منافسيها. عندما صار حزقيا ملكًا كانت يهوذا تحت سيطرة أشور، لكنه بإيمانه وبقوة الله عصى تلك الإمبراطورية القوية، بالرغم من أنه بحسب الفكر البشري يستحيل عصيان أشور. ربما عصى ملك أشور في بداية ملكه، ولم يحاربه ملك أشور لارتباكه في حروب مع السامرة وصور ومصر، وربما لأن حزقيا ضرب الفلسطينيين وانتصر عليهم. هُوَ ضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ إِلَى غَزَّةَ وَتُخُومِهَا، مِنْ بُرْجِ النَّوَاطِيرِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُحَصَّنَةِ. [8] كان سنحاريب قد أعطى قسمًا من يهوذا إلى ملك غزة. وربما كانت حرب حزقيا لاسترجاعه. كان بعض الفلسطينيين مع ملك أشور، والبعض ضده، فحارب حزقيا الذين كانوا مع ملك أشور، وساعد الذين كانوا عليه. 4. السبي الأشوري للسامرة 9 وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا، وَهِيَ السَّنَةُ السَّابِعَةُ لِهُوشَعَ بْنِ أَيْلَةَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، صَعِدَ شَلْمَنْأَسَرُ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى السَّامِرَةِ وَحَاصَرَهَا. 10 وَأَخَذُوهَا فِي نِهَايَةِ ثَلاَثِ سِنِينَ. فَفِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ لِحَزَقِيَّا، وَهِيَ السَّنَةُ التَّاسِعَةُ لِهُوشَعَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، أُخِذَتِ السَّامِرَةُ. 11 وَسَبَى مَلِكُ أَشُّورَ إِسْرَائِيلَ إِلَى أَشُّورَ، وَوَضَعَهُمْ فِي حَلَحَ وَخَابُورَ نَهْرِ جُوزَانَ وَفِي مُدُنِ مَادِي، 12 لأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِهِمْ، بَلْ تَجَاوَزُوا عَهْدَهُ وَكُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ، فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَعْمَلُوا. وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا، وَهِيَ السَّنَةُ السَّابِعَةُ لِهُوشَعَ بْنِ أَيْلَةَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، صَعِدَ شَلْمَنْأَسَرُ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى السَّامِرَةِ وَحَاصَرَهَا. [9] وَأَخَذُوهَا فِي نِهَايَةِ ثَلاَثِ سِنِينَ. فَفِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ لِحَزَقِيَّا، وَهِيَ السَّنَةُ التَّاسِعَةُ لِهُوشَعَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، أُخِذَتِ السَّامِرَةُ. [10] وَسَبَى مَلِكُ أَشُّورَ إِسْرَائِيلَ إِلَى أَشُّورَ، وَوَضَعَهُمْ فِي حَلَحَ وَخَابُورَ نَهْرِ جُوزَانَ وَفِي مُدُنِ مَادِي [11] لأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلَهِهِمْ، بَلْ تَجَاوَزُوا عَهْدَهُ وَكُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ، فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَعْمَلُوا. [12] "موسى عبد الرب" كان أتقياء العهد القديم يعتزون بهذا اللقب بكونهم "عبيد يهوه" (مز 27: 9؛ 31: 16؛ 89: 50)، والآن إذ صار الكل في المسيح يسوع يتمتعون ببرّه وتقواه، يتأهلون لهذا اللقب "عبيد ليسوع المسيح"، ويفخرون به دون سواه، الأمر الذي يشترك كل الأعضاء فيه. هذا وقد كان هذا اللقب يُنسَب بالأكثر لمن قاموا بدور في تاريخ الخلاص خلال خدمتهم ليهوه، مثل موسى [12]، ويشوع (قض 2: 8)، وإبراهيم (مز 105: 42). وكان بولس كرسول وهو مُفرَز لإنجيل الله يقوم بدور في تاريخ الخلاص، هو امتداد للدور الذي قام به آباء وأنبياء العهد القديم، لذا كثيرًا ما كان يدعو نفسه "عبد ليسوع المسيح" (رو 1: 1؛ راجع غل 1: 10؛ في 1: 1؛ كو 4: 12). 5. الهجوم الأول لسنحاريب على يهوذا 13 وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا، صَعِدَ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى جَمِيعِ مُدُنِ يَهُوذَا الْحَصِينَةِ وَأَخَذَهَا. 14 وَأَرْسَلَ حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ إِلَى لَخِيشَ يَقُولُ: «قَدْ أَخْطَأْتُ. ارْجعْ عَنِّي، وَمَهْمَا جَعَلْتَ عَلَيَّ حَمَلْتُهُ». فَوَضَعَ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا ثَلاَثَ مِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَثَلاَثِينَ وَزْنَةً مِنَ الذَّهَبِ. 15 فَدَفَعَ حَزَقِيَّا جَمِيعَ الْفِضَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَفِي خَزَائِنِ بَيْتِ الْمَلِكِ. 16 فِي ذلِكَ الزَّمَانِ قَشَّرَ حَزَقِيَّا الذَّهَبَ عَنْ أَبْوَابِ هَيْكَلِ الرَّبِّ وَالدَّعَائِمِ الَّتِي كَانَ قَدْ غَشَّاهَا حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا، وَدَفَعَهُ لِمَلِكِ أَشُّورَ. وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا، صَعِدَ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى جَمِيعِ مُدُنِ يَهُوذَا الْحَصِينَةِ وَأَخَذَهَا. [13] حكم حزقيا مع أبيه آحاز مدة من ثلاث عشرة سنة (729-716 ق.م)، وحكم منفردًا ثماني عشرة سنة (716-796 ق.م)، ومع ابنه منسى إحدى عشر سنة (796-686 ق.م) فكانت كل مدة حكمه 43 سنة. أما مدة التسع والعشرين سنة المُدوَّنة في (2 مل 1:18-2) فتشير إلى المدة التي كان لحزقيا فيها السيطرة الكاملة على المملكة. السنة الرابعة عشر لحزقيا الملك وهو منفرد بالحكم كانت تقابل 701 ق.م. تفاصيل حالة التمرُّد العامة التي جعلت سنحاريب يهاجم الجزء الغربي من إمبراطوريته سُجِّلتْ في سجلاته، وفيها جاء عن حزقيا الذي انشغل بكل شئونه. حدث ذلك في عام 701 ق.م بعد أربع سنوات من جلوس سنحاريب على عرش أشور، وكان سنحاريب ابنًا لسرجون الثاني، الملك الذي أخذ شعب إسرائيل إلى السبي، ولكي يمنع ملك يهوذا أشور من مهاجمة مملكته كان يدفع له جزية سنوية. وعندما أصبح سنحاريب ملكًا أوقف حزقيا دفع الجزية. وعندما انتقم سنحاريب وجيشه أدرك حزقيا خطأه ودفع الجزية [14]، لكن سنحاريب هاجمه [19-25]. ومع أن سنحاريب هاجم يهوذا إلا أنه لم يكن مولعًا بالحرب مثل ملوك أشور السابقين، إذ كان يُفَضِّل أن يصرف معظم وقته في بناء عاصمة نينوى وتجميلها مع القيام بغزوات أقل. هكذا استطاع حزقيا أن يقوم بإصلاحاته الكثيرة وتقوية مملكته. ما ورد هنا حتى نهاية الأصحاح العشرين يُشبه مضمون ما ورد في (إشعياء 36) إلى (إش 39). ذكرها في سفر إشعياء، لعلاقتهما الضرورية بالنبوات السابقة بشأن أشور مع الحوادث التاريخية. ما ورد في الملوك الثاني ولم يرد في إشعياء: الخبر بتسليم حزقيا وتأديته الجزية لمَلِك أشور [14-16]. ما ورد في إشعياء دون الملوك: تسبيح حزقيا بعد شفائه (إش 38: 9-20). v كما سبق أن قيل إن سنحاريب هو رمز للشيطان، وقد أكد هذا الافتراض بالكلمات الواردة في هذه العبارة والتي تكلم بها ربشاقى في تشامخٍ ضد الله، عندما قدَّم وعودًا كاذبة للشعب، محاولاً أن ينزع عن الله مديح قوته السامية، وتقديم تأكيد بأرضٍ خصبة ومحاصيل بوفرة، حتى يحثهم على ترك المنطقة التي وهبهم الله إيّاها، وأن يرحلوا إلى مسكن جديد يعد به الأشوريون. بحيلة مشابهة يسعى رسل الشيطان وشركاؤه إلى خداع النفس البسيطة. ولهذا السبب فإنه في المركز الأول يحاولون أن يقتلعوا كل الأفكار التي توحي بها العناية. القديس أفرام السرياني قَدْ أَخْطَأْتُ. ارْجِعْ عَنِّي، وَمَهْمَا جَعَلْتَ عَلَيَّ حَمَلْتُهُ. فَوَضَعَ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، ثَلاَثَ مِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَثَلاَثِينَ وَزْنَةً مِنَ الذَّهَبِ. [14] لخيش: تم العثور بين بقايا قصر نينوى للملك الأشوري سنحاريب على بقايا طولها 62 قَدَمًا تُصوِّر سقوط حصن لخيش عام 701 ق. م على مدى 100 عام قبل الهجوم على يهوذا وسقوطها. تشهد حفريات قصر نينوى لهزيمة لخيش في السجل الإنجيلي الخاص بحصار مملكة يهوذا في أيام الملك حزقيا. يقول الكتاب في (2 مل 13:18) "وفي السنة الرابعة عشرة للملك حزقيا صعد سنحاريب ملك أشور على جميع مدن يهوذا الحصينة وأخذها"، لكنقبل أن يستطيع الأشوريون الاستيلاء على إسرائيل، دمرهم الرب بـ"مَلاَكَ الرَّبِّ" وانسحب سنحاريب (2 مل 19: 35؛ 2 أي 32). إذ رفض حزقيا الخنوع لأشور، الآن تهدده أشور بجيشها. جاءت سجلات سنحاريب تُصوِّر الهجوم الشامل على يهوذا. وإذ شعر حزقيا بالخطر المُحدِق به، وقد تم حصار لخيش، استسلم ووضعت أشور جزية ثقيلة. هذا الاستسلام جعل سنحاريب يطمع بالأكثر، فحاصر أورشليم (2 مل 18: 13 - 19: 30). عادوا بالكل إلى ذكريات أو إلى حالة عبر عليها قرابة قرن من الزمان. قدَّموا لهم حالة ميخا المورشتي (مي 3: 12) مثلاً، الذي نطق بكلمات مشابهة وقد سمع له الملك حزقيا (716-687 ق.م) والشعب، ولم يزدروا بكلماته، بل خافوا الرب وطلبوا وجهه، فتمتعوا بالمراحم الإلهية. سمح الله بهذا الضيق في أيام حزقيا الذي قام بإصلاحات كثيرة وسط الشعب وإن كان كثيرون - خاصة من القادة الدينيين والمدنيين - اهتموا بالإصلاح الخارجي دون الداخلي، فاهتموا بالشكليات دون الحياة القدسية، وقد أراد الله أن يُزكِّي حزقيا، ويُحوِّل الضيق إلى تمجيده. هذا ومن جانب آخر أراد أن يكشف عن ضعف حزقيا أمام نفسه، فقد خانته شجاعته، ولم يكن اتكاله على الله كاملاً. بالتجربة اعترف بضعفه وزاد إيمانه بالله وثقته فيه. فَدَفَعَ حَزَقِيَّا جَمِيعَ الْفِضَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، وَفِي خَزَائِنِ بَيْتِ الْمَلِكِ. [15] النير الذي وضعه أشور هو الجزية التي فرضها سنحاريب على حزقيا [14]. نقل كميات ضخمة من الفضة والذهب والأشياء الثمينة من الهيكل إلى أشور، تبعه ما فعله يهوآش ملك إسرائيل باقتحامه أورشليم وهدم جزء كبير من السور وسلب ما في خزائن الهيكل (2 مل 14: 14). فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ قَشَّرَ حَزَقِيَّا الذَّهَبَ عَنْ أَبْوَابِ هَيْكَلِ الرَّب، وَالدَّعَائِمِ الَّتِي كَانَ قَدْ غَشَّاهَا حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا، وَدَفَعَهُ لِمَلِكِ أَشُّورَ. [16] كانت الأولوية في ذهن حزقيا الملك ليس لذهب الهيكل، بل لحفظ بقية يهوذا (2 مل 19: 4). 17 وَأَرْسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ تَرْتَانَ وَرَبْسَارِيسَ وَرَبْشَاقَى مِنْ لَخِيشَ إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا بِجَيْشٍ عَظِيمٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ، فَصَعِدُوا وَأَتَوْا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا صَعِدُوا جَاءُوا وَوَقَفُوا عِنْدَ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا الَّتِي فِي طَرِيقِ حَقْلِ الْقَصَّارِ. 18 وَدَعَوْا الْمَلِكَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ وَشِبْنَةُ الْكَاتِبُ وَيُواخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ. 19 فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: «قُولُوا لِحَزَقِيَّا: هكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ مَلِكُ أَشُّورَ: مَا الاتِّكَالُ الَّذِي اتَّكَلْتَ؟ 20 قُلْتَ إِنَّمَا كَلاَمُ الشَّفَتَيْنِ هُوَ مَشُورَةٌ وَبَأْسٌ لِلْحَرْبِ. وَالآنَ عَلَى مَنِ اتَّكَلْتَ حَتَّى عَصَيْتَ عَلَيَّ؟ 21 فَالآنَ هُوَذَا قَدِ اتَّكَلْتَ عَلَى عُكَّازِ هذِهِ الْقَصَبَةِ الْمَرْضُوضَةِ، عَلَى مِصْرَ، الَّتِي إِذَا تَوَكَّأَ أَحَدٌ عَلَيْهَا، دَخَلَتْ فِي كَفِّهِ وَثَقَبَتْهَا! هكَذَا هُوَ فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ. 22 وَإِذَا قُلْتُمْ لِي: عَلَى الرَّبِّ إِلهِنَا اتَّكَلْنَا، أَفَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَزَالَ حَزَقِيَّا مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ، وَقَالَ لِيَهُوذَا وَلأُورُشَلِيمَ: أَمَامَ هذَا الْمَذْبَحِ تَسْجُدُونَ فِي أُورُشَلِيمَ؟ 23 وَالآنَ رَاهِنْ سَيِّدِي مَلِكَ أَشُّورَ، فَأُعْطِيَكَ أَلْفَيْ فَرَسٍ إِنْ كُنْتَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهَا رَاكِبِينَ. 24 فَكَيْفَ تَرُدُّ وَجْهَ وَال وَاحِدٍ مِنْ عَبِيدِ سَيِّدِي الصِّغَارِ، وَتَتَّكِلُ عَلَى مِصْرَ لأَجْلِ مَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ؟ 25 وَالآنَ هَلْ بِدُونِ الرَّبِّ صَعِدْتُ عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ لأَخْرِبَهُ؟ اَلرَّبُّ قَالَ لِي اصْعَدْ عَلَى هذِهِ الأَرْضِ وَاخْرِبْهَا». 26 فَقَالَ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا وَشِبْنَةُ وَيُواخُ لِرَبْشَاقَى: «كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِالأَرَامِيِّ لأَنَّنَا نَفْهَمُهُ، وَلاَ تُكَلِّمْنَا بِالْيَهُودِيِّ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ الَّذِينَ عَلَى السُّورِ». 27 فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: «هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِكَيْ أَتَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلاَمِ؟ أَلَيْسَ إِلَى الرِّجَالِ الْجَالِسِينَ عَلَى السُّورِ لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟» 28 ثُمَّ وَقَفَ رَبْشَاقَى وَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ بِالْيَهُودِيِّ وَتَكَلَّمَ قَائِلًا: «اسْمَعُوا كَلاَمَ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ مَلِكِ أَشُّورَ. 29 هكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ: لاَ يَخْدَعْكُمْ حَزَقِيَّا، لأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِهِ، 30 وَلاَ يَجْعَلْكُمْ حَزَقِيَّا تَتَّكِلُونَ عَلَى الرَّبِّ قَائِلًا: إِنْقَاذًا يُنْقِذُنَا الرَّبُّ وَلاَ تُدْفَعُ هذِهِ الْمَدِينَةُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. 31 لاَ تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا. لأَنَّهُ هكَذَا يَقُولُ مَلِكُ أَشُّورَ: اعْقِدُوا مَعِي صُلْحًا، وَاخْرُجُوا إِلَيَّ، وَكُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَفْنَتِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِينَتِهِ، وَاشْرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ مَاءَ بِئْرِهِ 32 حَتَّى آتِيَ وَآخُذَكُمْ إِلَى أَرْضٍ كَأَرْضِكُمْ، أَرْضَ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ، أَرْضَ خُبْزٍ وَكُرُومٍ، أَرْضَ زَيْتُونٍ وَعَسَل وَاحْيَوْا وَلاَ تَمُوتُوا. وَلاَ تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا لأَنَّهُ يَغُرُّكُمْ قَائِلًا: الرَّبُّ يُنْقِذُنَا. 33 هَلْ أَنْقَذَ آلِهَةُ الأُمَمِ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْضَهُ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ؟ 34 أَيْنَ آلِهَةُ حَمَاةَ وَأَرْفَادَ؟ أَيْنَ آلِهَةُ سَفَرْوَايِمَ وَهَيْنَعَ وَعِوَّا؟ هَلْ أَنْقَذُوا السَّامِرَةَ مِنْ يَدِي؟ 35 مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ الأَرَاضِي أَنْقَذَ أَرْضَهُمْ مِنْ يَدِي، حَتَّى يُنْقِذَ الرَّبُّ أُورُشَلِيمَ مِنْ يَدِي؟». 36 فَسَكَتَ الشَّعْبُ وَلَمْ يُجِيبُوهُ بِكَلِمَةٍ، لأَنَّ أَمْرَ الْمَلِكِ كَانَ قَائِلًا: «لاَ تُجِيبُوهُ». 37 فَجَاءَ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ وَشِبْنَةُ الْكَاتِبُ وَيُوَاخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ إِلَى حَزَقِيَّا وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ، فَأَخْبَرُوهُ بِكَلاَمِ رَبْشَاقَى. وَأَرْسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ تَرْتَانَ وَرَبْسَارِيسَ وَرَبْشَاقَى مِنْ لَخِيشَ إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا بِجَيْشٍ عَظِيمٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ، فَصَعِدُوا وَأَتُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا صَعِدُوا جَاءُوا وَوَقَفُوا عِنْدَ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا الَّتِي فِي طَرِيقِ حَقْلِ الْقَصَّارِ. [17] كان ترتان وربساريس وربشاقى في مراكز كبرى في جيش أشور العظيم. كان تعداد جيش أشور يُعتبَر أضخم جيش وُجِدَ في الشرق الأوسط قديمًا. عَسْكَرَ هذا الجيش في يهوذا. كان حقل القصار في شمال غرب ركن المدينة، فكانت المنطقة قابلة للسقوط عند أي هجوم. يرى البعض أن ربشاقى ليس اسمًا لشخصٍ، إنما هو لقب يعادل "رئيس سقاة"، يتذوق الخمر قبل أن يشرب منه الملك حتى لا يتعرَّض الملك للتسمم، كما كان يقوم بأدوار أخرى رئيسية في القصر الملكي. نكث سنحاريب العهد، فقد دفع حزقيا مبلغًا كبيرًا ليترك الأرض ومع ذلك أرسل جيشه لاقتحامها [4، 17]. v يدَّعي اليهود أن ربشاقى الذي تحدث باللغة العبرية هو ابن النبي إشعياء وهو نفسه كان خائنًا، وأن لإشعياء ابن آخر يُدعَى ياشوب (إش 7: 3) الذي تحدث أيضًا بلساننا. يرى آخرون أن (ربشاقى) كان سامريًا، ولهذا كان يعرف اللغة العبرية، وجدَّف على الرب بوقاحةٍ وعقوقٍ هكذا. لهذا يليق بنا أن نتطلع إلى كلمات ربشاقى أنها باطلة. القديس جيروم فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ، وَشِبْنَةُ الْكَاتِبُ وَيُواخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ. [18] أجرى حزقيا إصلاحات دينية ومدنية، وكانت له علاقة نامية مع الله. نما في حياة الصلاة القوية، وحسبه سفر الأمثال بطلاً (أم 1:25). أما من نقاط ضعفه فهي عدم الحكمة في التخطيط للمستقبل لحفظ الميراث الروحي للأجيال التالية. كما تهور في استعراض كل ثروته لرسل ملك بابل. كان ألياقيم هو مُدبِّر شئون القصر الأول (2 مل 15: 5)(*). يقول دميان ماكي إنه على ضوء ما ورد في يهوديت، أن ألياقيم كان كبير موظفي القصر Major-domo أو كبير التشريفات في البلاط الملكي، وكان يقوم بإدارة أمور القصر، فإن كلمة "بيت" (2 مل 18:18) يُعنَى بها "القصر الملكي"، وإن كانت تُستخدَم أيضًا بالنسبة للهيكل كبيت الرب. يرى دميان ماكي أن ألياقيم (كما جاء في نص Douay) قام بإثارة الشعب كملكٍ، وذلك كما فعل الملك حزقيا عندما حاول سنحاريب غزو أورشليم (2 أي 32: 2-8). وأنه هو ألياقيم بن حلقيا الذي على البيت (2 مل 18:18؛ إش 36: 3). وقد ورد اسمه في السجلات الأشورية اليميتي Akhi عوض Elikim، وأنه كان حاكم أشدود أو لخيش. لذا يرى البعض أنه كان رئيس كهنة سابق وقد عُيِّن رئيسًا على لخيش، لكنه في ذاك الوقت كان في أورشليم التي لم تكن مسكنه الدائم. وكان يتولى الحكم على حصن لخيش الحصين سلسلة من رؤساء الكهنة السابقين كما على غيرها من المواقع كما يظهر من (1 مل 4: 2) في أيام الملك سليمان. يشتاق القديس كيرلس الكبير أن يكون كل مؤمنٍ ألياقيم الجديد، إذ يرى في كل إنسان يتمتع بالحياة المقامة المجيدة في كنيسة المسيح هو ألياقيم. v عندما يقول: "أني أدعو عبدي ألياقيم" (إش 22: 20)، فإن اسم ألياقيم معناه "قيامة الله"، لهذا فإن كل من هو ممجد في بيت أبيه يثق فيه [ألياقيم]. ومن هم المُمجَّدون هناك؟ أولئك الذين وضعوا ثقتهم في المسيح، والذين ليسوا ممجدين حسب حكم هذا العالم. على العكس قد يكونون أصاغر حسب هذا الحكم. أما الله فعادل غير مجحفٍ. إنه يرد لكل واحدٍ حسب قياس قامته الروحية (نضوجه)، وبهذا فإن البعض هم آباء، بينما الآخرون لا يزالون يَحْبون (في المشي) ورضَّع ومراهقين. القديس كيرلس الكبير القديس جيروم يرى القديس جيروم أن شبنة المذكور هنا الكاتب والذي في صحبة ألياقيم بن حلقيا وبراخ بن آساف المُسجِّل، وهو غير شبنة المذكور في (إش 22: 15)، الذي وبَّخه إشعياء النبي ودعاه "خزي بيت الملك (سيدك)" (إِش 22: 18). فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: قُولُوا لِحَزَقِيَّا: هَكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ مَلِكُ أَشُّورَ. مَا الاِتِّكَالُ الَّذِي اتَّكَلْتَ؟ [19] كان لقب "الملك العظيم" يُستخدَم في الشرق الأوسط بأنه صاحب القوة العظمى في المنطقة. ما يقوله ربشاقى هو أن أمام ملك أشور لا يوجد الملك العظيم في الشرق الأوسط، لأنه هو الملك العظيم في كل مكانٍ. يرى القديس جيروم أن ربشاقى إنسان جسور ووقح بقوله هذه العبارة: "هكذا يقول الملك العظيم ملك أشور"؛ إذ يحسب نفسه قوة مضادة لله، فكما اعتاد الأنبياء أن يقولوا: "هكذا يقول الرب"، وهم يتكلمون بقوة وسلطان المتكلم الآن يفعل نفس الشيء، وكأن ملك أشور العظيم يبعث برسوله كما يبعث الله أنبياءه. كأن ربشاقى يحسب نفسه على مستوى الأنبياء وملك أشور على مستوى الله نفسه، بل ويحسب نفسه قادرًا على الدخول في تحدٍ لله. قيل إنه (ناحوم) هرب إلى يهوذا أثناء الغزو الأشوري على إسرائيل؛ ربما أقام في أورشليم حيث شهد بعد 7 سنوات حصارها بواسطة سنحاريب ملك أشور، وقد هلك الأشوريون، فمات 185,000 نسمة (2 مل 19: 35؛ نا 1: 10-11) في ليلة واحدة. يؤكد الرب لحزقيا الملك ورجاله أن الله يكسر نير سنحاريب وجيشه ويقطع ربطه، حيث كان جيش الأشوريين يقتحم الكثير من مدن يهوذا وقراها، يعبث بها في حرية بعنفٍ، وأورشليم عاجزة عن الدفاع عن هذه المواضع، إذ كانت أشبه بمدينة مربوطة ومُقيَّدة. ستتمتع بالحرية، فلا يقوم جيش أشور بهجوم آخر حيث تخور قوته بقتل 185 ألفًا بواسطة ملاك الرب، ويصير الجيش كأنه قد انقرض، لا قوة له. [ما الاتكال الذي اتكلت عليه؟] لقد وجَّه قائد أشور هذا السؤال لشعب بني إسرائيل. وثق آحاز في مصر وتحالف معها لتحميه من أشور وكانت النتيجة السقوط في الأسر، ووَضَع حزقيا ثقته في الله، فرُفِعَ عنه الحصار. يليق بالمؤمن أن يسأل نفسه: هل أنا مثل آحاز أم مثل حزقيا؟ اليوم ما الاتكال الذي أتكل عليه؟ المال أم الثقافة أم المركز الاجتماعي أم القوة أم التقدُّم العلمي إلخ.؟ هذه كلها عطايا إلهية، تتقدَّس إن التصقنا بالله، واتكلنا عليه. بعد أن استولى سنحاريب ملك أشور فعلاً على مدن كثيرة كان يُجدِّف بوابلٍ من التهديدات ضد إسرائيل خلال ربشاقى، وليس ما حوَّله عن هدفه وأرسله إلى الأثيوبيين سوى الصوم. بعد ذلك ما الذي أهلك مئة ألف وخمسة وثمانين ألفًا من جيشه بيد الملاك، إلا تواضع حزقيا الملك؟ العلامة ترتليان وَالآنَ عَلَى مَنِ اتَّكَلْتَ حَتَّى عَصَيْتَ عَلَيَّ؟ [20] v مَن يتجاسر ويقول بأنه ليس إله، هو عديم الفطنة وجاهل. هذه هي سمة ربساريس وربشاقى، لأنهما قالا هكذا: [هل أنقذ آلهة الأمم بلادهم والمتعبدين لهم، فكيف يحميكم إلهكم ويحمي مدينتكم؟!] أما بقلبيهما وضميرهما، فقالا إنه ليس إله. فالنبي بإلهام الروح القدس سبق وعلم ما في ضميرهما (2 مل 18). وأيضًا نقول إن الذين ينكرون لاهوت المسيح هم جهال، لأن هدفهم أن ينقضوا عظائمه الظاهرة التي تثبت لاهوته. وأيضًا الذين يقولون نعم الله موجود، خالق البداية، لكنه لا يهتم بها؛ هؤلاء يتكلون على القدرة البشرية، وهم جهال. الأب أنسيمُس الأورشليمي فَالآنَ هُوَذَا قَدِ اتَّكَلْتَ عَلَى عُكَّازِ هَذِهِ الْقَصَبَةِ الْمَرْضُوضَةِ، عَلَى مِصْرَ، الَّتِي إِذَا تَوَكَّأَ أَحَدٌ عَلَيْهَا دَخَلَتْ فِي كَفِّهِ وَثَقَبَتْهَا! هَكَذَا هُوَ فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ. [21] إذ كانت أشور تتطلع إلى مصر بأنها القوة المنافسة لها، لذا توقع ربشاقى أن حزقيا سيلجأ إلى مصر لحمايته من أشور. وكما يقول ثيؤدورت أسقف كورش أن ربشاقى في هذا المثل يتهم المصريين بالضعف والشر، فهم يشبهون قصبةً، بل وقصبة مرضوضة. هم ضعفاء كالقصبة التي تنبت على شاطئ النهر لا حول لها ولا قوة، عاجزة عن الدفاع عن نفسها، فكيف تحمي غيرها، ومرضوضة، أي شريرة فمن يتكئ عليها تؤذي كفه. كانت مصر ليس فقط على النيل كمصدر خيرات لها، إنما أيضًا كانت أحيانًا تتعبد له كإله. في مناطق كثيرة كان على شاطئ النيل قصب. لهذا حذرت أشور حزقيا من الاتكال على مصر، فإن قصب النيل مرضوض، من يتكئ عليه بيده يسبب جراحات لليد بدلاً من تقديم عونٍ له. لقد استخدم إشعياء النبي ذات التحذير (إش 30: 3-5؛ 31: 1-3) بتشبيهات مختلفة. خلال هذا الضيق ندرك بطلان سعيّنا وراء الآخرين، إذ نقترب من المحبين فلا ندركهم، ونفتش عليهم ولا نجدهم. من هم هؤلاء المُحبُّون؟ ربما قصد بهم ملك أشور وفرعون مصر ومن هم على أمثالهما، فالتحالف مع واحد منهم خوفًا من الغير هو تحالف باطل، فهؤلاء يعملون لمصلحتهم الخاصة، ويستغلون إسرائيل ويهوذا دون مساعدتهم في وقت الضيق. إنهم مثل "عُكَّازِ... الْقَصَبَةِ الْمَرْضُوضَةِ" [21]. ولعله قصد بالمُحِبِّين أيضًا البعل والعشتاروت وما رافق العبادة الوثنية من سحر. هذه جميعها التي كرَّس إسرائيل حياته وطاقاته وكل مشاعره لها مع أنها لا تقدر أن تُنقِذَه أو تُخَلِّصه. يرى القديس جيروم في تفسيره لسفر إشعياء أن ربشاقى في حديثه هذا المُوجَّه للملك حزقيا خلط الحقائق مع الأباطيل الكاذبة. مع قوله: "هوذا قد اتكلت على عكاز هذه القصبة المرضوضة" [21] لا نجد في التاريخ أن حزقيا أرسل إلى مصر ليجعل من فرعون مُعِينًا له. ربما ذكر هذا كنوع من الحدس أو التخمين، بأن الملجأ الرئيسي لمن يهاجمه أشور هو الالتجاء إلى القوة المضادة لهم وهي مصر. وَإِذَا قُلْتُمْ لِي: عَلَى الرَّبِّ إِلَهِنَا اتَّكَلْنَا، أَفَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَزَالَ حَزَقِيَّا مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ، وَقَالَ لِيَهُوذَا وَلأُورُشَلِيمَ: أَمَامَ هَذَا الْمَذْبَحِ تَسْجُدُونَ فِي أُورُشَلِيمَ؟ [22] جاءت كلمات ربشاقى بخصوص اتكال حزقيا على إلهه كرد فعل لشهرة حزقيا كإنسانٍ تقيٍ يعبد الرب ويثق فيه [5]. هكذا بدأ ربشاقى بحرب نفسية ضد حزقيا، حيث أوضح له أنه لا يوجد على الأرض ولا في السماء من يُخلِّصه من يد أشور. قال أيضًا ربشاقى الحق: "وإذا قلتم على الرب إلهنا اتكلنا، أفليس هو الذي أزال مرتفعاته ومذابحه، وقال ليهوذا ولأورشليم: أمام هذا المذبح تسجدون في أورشليم" [22]. فإن هذا حدث فعلاً إذ أزال المرتفعات والمذابح حتى التي كانوا يعبدون فيها الرب الإله، لأنها تدنست بالخلط بين عبادة الله والأصنام، فأراد حزقيا أن يُحَطِّم كل ما هو مُعْثِر، وما يفتح الطريق للعبادة الوثنية. لكن ربشاقى صوَّر هذا كأنه ضد عبادة الرب وليس لحساب تنقية العبادة للرب. يرى ثيؤدورت أسقف كورش أن ربشاقى هنا يتهم حزقيا الملك الذي يدَّعي بأنه يتكل على الله، هو نفسه يخطئ في حق الله، فقد أزال أماكن العبادة التي لله على المرتفعات مع أماكن العبادة الوثنية، وأنه حدَّد العبادة أن تتم في الهيكل في أورشليم وكأن ربشاقى يُخطِّئ حزقيا الذي لم يفعل مثل غيره من الملوك السابقين له، الذين عبدوا الرب وتركوا المرتفعات لأن بها أماكن مخصصة للرب[14]. وَالآنَ رَاهِنْ سَيِّدِي مَلِكَ أَشُّورَ فَأُعْطِيَكَ أَلْفَيْ فَرَسٍ إِنْ كُنْتَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهَا رَاكِبِينَ. [23] في شيء من الاستخفاف والسخرية بحزقيا، قال ربشاقى إنه مستعد أن يُقدِّم له ألفين من الخيل، إن كان يجد عنده 2000 شخص قادرين على استخدام الخيل في المعارك. في سخرية يعني أن حزقيا ليس له هذا العدد من الرجال، أو أن جيشه غير مُدرَّب على قيادة الخيل في المعارك. فَكَيْفَ تَرُدُّ وَجْهَ وَالٍ وَاحِدٍ مِنْ عَبِيدِ سَيِّدِي الصِّغَارِ، وَتَتَّكِلُ عَلَى مِصْرَ لأَجْلِ مَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ؟ [24] يرى ثيؤدورت أسقف كورش عبارة أن الوالي الواحد من عبيد سيده – جاءت في السبعينية لتعني الأراميين، فإذ أرادات دمشق أن تهاجم حزقيا خاف منها ولجأ إلى أشور ودفع لها جزية لتحميه، وهي تُمَثِّل واليًا واحدًا من عبيد ملك أشور، فلماذا يلجأ إلى مصر لتحميه من ملك أشور نفسه؟! v لكي يوضح ربشاقى عجز (حزقيا) على الدخول في رهينة، وعده بألفي فرسٍ إن وجد حزقيا راكبين لها. لم يقل هذا عن غباوة، إنما لإلتصاقه بالشعب اليهودي الذي ينقصه معرفة ركوب الخيل، وإنما من أجل إدراكه لوصايا الله التي أمر بها بواسطة موسى عن ملك إسرائيل: "لا يكثر له الخيل... ولا يكثر له نساء" (تث 17: 16-17). لكن ربشاقى قال: [إن كنت لا تقدر أن تقف أمامي، أنا خادم سنحاريب، بل أنا الأخير في خدامه، فكيف ستقف أمام قوة الملك العظيمة]؟ الإجابة المتوقعة من حزقيا هي: "نحن نتكِّل على الرب إلهنا". لذلك بمهارة جاءت إجابة ربشاقى أنه لم يأتٍ من نفسه، إنما جاء بناء على طلب الرب. "الرب قال لي: اصعد على هذه الأرض واخربها" [25]. هذه باختصار حجته: إنني ما كنتُ أستطيع أن آتي لو لم تكن هذه هي إرادة الرب. ولكن إذ جئت واستوليت على مدن كثيرة، فإن كانت أورشليم لم تُمس بعد، فمن الواضح أن هذه إرادته أن أجيء. القديس جيروم الرَّبُّ قَالَ لِي اصْعَدْ عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ وَاخْرِبْهَا. [25] يبدو أنه قد بلغ الأشوريين النبوات الخاصة بأحكام الله التأديبية لشعبه (إش 10: 5-11)، لذلك حسب ربشاقى أن هذه الحملة لمهاجمة يهوذا هي بسماح من الله. بهذا أراد أن يبث الرعب في قلوب سكان أورشليم (2 أي 32: 18)، بأنه حتى الله إلههم يقف ضدهم. يرى ثيؤدورت أسقف كورش أن ربشاقى لم يكن أشوريًا، لأن حديثه هنا يكشف عن شخصه أنه ليس بغريب عن إسرائيل، إذ أدرك أن تسليم الأسباط العشرة للأسر الأشوري هو بأمر إلهي لتأديبهم مقاومتهم لله. فَقَالَ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا وَشِبْنَةُ وَيُواخُ لِرَبْشَاقَى: كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِالأراميِّ لأَنَّنَا نَفْهَمُهُ، وَلاَ تُكَلِّمْنَا بِالْيَهُودِيِّ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ الَّذِينَ عَلَى السُّورِ. [26] كانت الأرامية في ذلك الوقت تُستخدَم في المعاملات الدولية، وكان مندوبو الملك يتوقعون أن ربشاقى يتكلم بالأرامية لا باليهودية التي يتحدث بها عامة الشعب، لكن ما كان يهم الأشوريون أن يتحدثوا مع الشعب ليُحَطِّموا نفسية الملك ورجاله. فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِكَيْ أَتَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلاَمِ؟ أَلَيْسَ إِلَى الرِّجَالِ الْجَالِسِينَ عَلَى السُّورِ، لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟ [27] أراد ربشاقى أن يتحدث بلغة الشعب العامية حتى يثور على الملك ورجاله، وفي نفس الوقت تحدث بعبارات لا تليق بأناسٍ مسئولين، إنما إن صح التعبير تحدث بلغة الشارع: "ليأكلوا عذرتهم، ويشربوا بولهم معكم". لقد تشامخ ربشاقى وعيَّر الإله الحيّ، لذا يحتاج الأمر إلى تدخُّل هذا الإله لإعلان مجده وقدرته، ولأجل خلاص البقية الأمينة له. يقول المرتل: "حتى متى يا الله يُعيّر المقاوم؟!" (مز 74: 10) جاءت عبارة ربشاقى عما سيحل بالمدينة بسبب حصار الأشوريين غير لائقة، إذ شبَّه الشعب بأنه من شدة الجوع والعطش يأكلون الروث ويشربون بولهم. وإذ كان القديس يوحنا الذهبي الفميتحدث مع الذين يذهبون إلى المسارح الخليعة يقول لهم: [الذين يجعلونكم تصغون إلى أغاني الباغيات يضعون روثًا في آذانكم. إنهم يجعلونكم تعانون ليس فقط من الكلمات بل ومن الأفعال ما يهدد به البرابرة: "تأكلون روثكم".] v الذي يقع في أعمال سمجة يقول في قلبه: "ليس إله"، ويخرج من الإيمان الحقيقي، ويسقط في الكفر، لأن بشنائعه يُفسِد ما قد زرعه الله في قلوب البشر من الاعتقاد القويم والرأي السليم. لأن الإيمان لا يكون قائمًا إلاَّ بالأعمال، كما كان كرنيليوس وغيره لطهارة سيرتهم، وحسن أعمالهم، استناروا بنور الإيمان المستقيم، أما من كان مضادًا لذلك فإنه فاسد. الأب أنسيمُس الأورشليمي ثُمَّ وَقَفَ رَبْشَاقَى وَنَادَى . عَظِيمٍ بِالْيَهُودِيِّ وَتَكَلَّمَ قَائِلًا:اسْمَعُوا كَلاَمَ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ مَلِكِ أَشُّورَ. [28] هَكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ: لاَ يَخْدَعْكُمْ حَزَقِيَّا، لأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِهِ. [29] كان ربشاقى يحث الشعب أن يتخلوا عن اتكالهم على الرب، ويثقوا في سنحاريب عوضًا عنه، وألا يثقوا في الملك. لقد كرَّر عبارة: "لا يخدعكم حزقيا" وما يعادلها [22، 29، 30]. أراد أن يثور الشعب على الملك، ووعدهم بأن ملك أشور أعدّ لهم مكانًا أفضل مما يعيشون فيه. وَلاَ يَجْعَلْكُمْ حَزَقِيَّا تَتَّكِلُونَ عَلَى الرَّبِّ قَائِلاً: إِنْقَاذًا يُنْقِذُنَا الرَّبُّ وَلاَ تُدْفَعُ هَذِهِ الْمَدِينَةُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. [30] إذ حاصَر الأشوريون أورشليم لم يراعوا الله بل أهانوه، لذلك أرسل ملاكه يُرعبهم (2 مل 18). الذي لا يدعو الله لأجل الله نفسه، وإنما لأجل أمورٍ زمنيةٍ، يفقد فرحه ببهجة الخلاص، وعوض السلام يحل الخوف بلا سبب حقيقي سوى حرمانه من الله مصدر السلام. v اتهام ربشاقى ضد حزقيا واضح أنه مع استيلاء أشور على مدن يهوذا (إش 36: 1) لا يزال يتكل على الرب كما قال للشعب: [لا تخافوا ولا ترتعبوا من ملك الأشوريين وكل الجمهور الذي معه. فإن معه ذراع بشر، أما نحن فمعنا الرب إلهنا عوننا الذي يحارب عنا]. وقد تشجع الشعب بكلمات حزقيا ملك يهوذا، ولهذا أراد ربشاقى أن يفسد ما فعله حزقيا، لذلك قال للشعب: "لا يخدعكم حزقيا... ولا يجعلكم حزقيا تتكلمون على الرب" [29-30]. القديس جيروم لأَنَّهُ هَكَذَا يَقُولُ مَلِكُ أَشُّورَ: اعْقِدُوا مَعِي صُلْحًا وَاخْرُجُوا إِلَيَّ، وَكُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَفْنَتِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِينَتِهِ، وَاشْرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ مَاءَ بِئْرِهِ [31] يُقدِّم لنا القديس جيرومتحليلاً لخطة ربشاقى الحربية، فقد بدأ بتهديد حزقيا الملك وقادته وشعبه، وألحق هذا التهديد بوعود يُقدِّمها للشعب، بهذا يفتح الباب للشعب أن يثور على الملك حزقيا ويَقْبَل الخضوع لملك أشور. v في الحال ألحق هذا التهديد بإغراءات لكي يخدع بالوعود المقابلة والتجاوب أولئك الذين لم يغلبهم بالرعب، قائلاً لهم نيابة عن ملك الأشوريين: [اعقدوا صلحًا معي واخرجوا إليّ]، (إش 36: 16) أو "اعقدوا معي ما هو نافع (لكم) وتعالوا إليّ"... يقول: [افعلوا ما هو لفائدتكم، فتزداد بركاتكم]. بمعنى آخر: "باركوا ملك أشور واحمدوه، واعترفوا أنه سيدكم، فتنالون مكافأة. وأيضًا لتحيوا في مدنكم وتتمتعون بمحاصيلكم حتى أرجع من مصر، أو حتى استرد "لبنة" المسلوبة. وعندما أجيء سأخذكم إلى أرض تشبه تمامًا أرضكم، بها قمح وخمر وزيت". لم يذكر اسم هذه الأرض، لأنه لا توجد أرض تعادل أرض الموعد. القديس جيروم بحلول عام 1200 ق.م. كانت الآبار تُقَوَّى بالأسمنت، مثل خزان قمران. يرى القديس كيرلس الكبير أن مخاطبة شعب أورشليم بالإضافة إلى أشياء أخرى تشير إلى إبهاج الحواس والفرح في الكرمة والتينة. ولقد أشار أيضًا أنهم سيشربون الماء كل واحدٍ من بئره [31]، (إش 36: 16). إن قوة الشيطان تظهر فينا بطريقة مزدوجة، عن طريق الانغماس في الملذات إما في ملذات خارج عنا أو في ملذات ناتجة عن الأسباب الطبيعية الداخلية. والتينة تمثل إبهاج الحواس (الشهوانية) الناتجة عن الخارج. حَتَّى آتِيَ وَآخُذَكُمْ إِلَى أَرْضٍ كَأَرْضِكُمْ، أَرْضَ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ، أَرْضَ خُبْزٍ وَكُرُومٍ، أَرْضَ زَيْتُونٍ وَعَسَلٍ وَاحْيُوا وَلاَ تَمُوتُوا. وَلاَ تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا لأَنَّهُ يَغُرُّكُمْ قَائِلاً: الرَّبُّ يُنْقِذُنَا. [32] يرى ثيؤدورت أسقف كورش أن ربشاقى بقوله: "حتى آتي وآخذكم"، بأن لديه خطة واضحة وقائمة بأسماء أمم وشعوبٍ ومدنٍ يثير عليهم حربًا ويخضعهم ثم يعود ويأخذهم بسهولة. هَلْ أَنْقَذَ آلِهَةُ الأُمَمِ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْضَهُ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ؟ [33] ركَّز ربشاقى على عجز كل آلهة الأمم التي حاربهم أشور عن أن ينقذوا شعوبهم من يده. أَيْنَ آلِهَةُ حَمَاةَ وَأَرْفَادَ؟ أَيْنَ آلِهَةُ سَفَرْوَايِمَ وَهَيْنَعَ وَعِوَّا؟ هَلْ أَنْقَذُوا السَّامِرَةَ مِنْ يَدِي؟ [34] يقول ثيؤدورت أسقف كورش: [لقد أشار على وجه الخصوص إلى السامرة ليُظهر علانية أنه ليس أحد أظهر نفسه أقوى منهم (من الأشوريين)، ليس من ملكٍ ولا قائد ولا إله حامِ لهذه المدن. يقول: لقد هزمنا في نفس الوقت كل البشر وكل الآلهة، فلن يقف إلهكم أمام سيدي.] مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ الأَرَاضِي أَنْقَذَ أَرْضَهُمْ مِنْ يَدِي، حَتَّى يُنْقِذَ الرَّبُّ أُورُشَلِيمَ مِنْ يَدِي؟ [35] في قصة يهوديت نرى عجرفة هولوفرنيس (أليفانا) واعتداده بذاته، إذ قال: [ولا ينجيهم إلههم](***). بهذا أرسل سنحاريب إلى حزقيا الملك يقول: "من مِنْ كل آلهة الأراضي أنقذ أرضهم من يدي حتى ينقذ الرب أورشليم من يدي" [35]. "لا يخدعك إلهك الذي أنت مُتَّكل عليه قائلاً: لا تُدفَع أورشليم إلى يد ملك أشور" (2 مل 19: 10). v ابغض العظمة، لأنها الثمرة المملوءة موتًا. وبها سقط الشيطان من البدء. بها سقط بيت آدم من الفردوس. ليس عند الله شيء بخس ومكروه كمثل العظمة، ومن يتشامخ بالكبرياء. القديس مار يعقوب السروجي لأَنَّ أَمْرَ الْمَلِكِ كَانَ: لاَ تُجِيبُوهُ. [36] بينما رفض ربشاقى أن يصمت، تحدث باليهودية حتى يحث الشعب على التجديف على الله، أما رب المجد يسوع فصمت أمام المحاكمات الباطلة الموجهة ضده حتى يحمل أثقال الشعب ويدخل بهم إلى معرفة الحق الإلهي. التزم الشعب كأمر الملك حزقيا ألا يجيبوا ربشاقى الذي استخف بالله [36]. بنفس الروح إذ أراد سنبلط أن يدخل في حوارٍ مع نحميا إذ أراد تحطيم عمل البناء، قال له: "لا يكون مثل هذا الكلام الذي تقوله، بل إنما أنت مختلقه من قلبك" (نح 6: 8)، ورفض الدخول معه في حوارٍ كطلب سنبلط القائل: "هلم... نتشاور معًا" (نح 6: 7). كان من المتوقع أن يعلنوا عن ثورتهم وعصيانهم على الملك، لكنهم صمتوا علامة الطاعة والثقة منتظرين أمر الملك وتعليماته. أطاعوا الملك الذي سألهم ألا يجيبوه، أي لا يدخلوا معه في حوار لئلا يسقطوا في الضعف كما سقطت حواء بحوارها مع الحية القديمة. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كان يجب عليها أن تصمت؛ كان يلزمها ألا تُبادلها الحديث، ولكن في غباءٍ كشفت قول الرب، وبذلك قدَّمتْ للشيطان فرصة عظيمة... انظروا أي شر هذا أن نُسَلِّم أنفسنا في أيدي أعدائنا والمتآمرين علينا.] كما يقول: [إذ لم يكن الشيطان قادرًا على تقديم شيء عمليًا، قدَّم بالأكثر وعودًا في كلماتٍ. هكذا هي شخصية المخادعين.] ويقول القديس أغسطينوس: [الله هو قائدنا، والشيطان هو مُهلِكُنا، القائد يُقدِّم وصيته، وأما المُهلِك فيقترح خدعة، فهل نصغي إلى الوصية أم إلى الخداع؟!] كمثالٍ، حينما يسأل إنسان عن وجود تناقضات في الكتاب المقدس، إن كان الشخص يطلب ذلك للسخرية، فالحوار معه يتحوَّل إلى مناقشات غبية، أما إذا كان جادًا في المعرفة، فالحوار لازم، وكما يقول الرسول بطرس: "قدِّسوا الرب الإله في قلوبكم، مستعدين دائمًا لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعةٍ وخوفٍ" (1 بط 3: 15). نفس الأمر إن كان الحوار مع ملحدٍ ينكر وجود الله، فإن القرار بالحوار أو عدمه يتوقف على إدراكنا لنيَّة السائل. فبرفض الإجابة نحرص ألا ننزلق إلى حماقته، وبردِّنا عليه نود أن نحفظه من الحماقة التي سيطرت عليه. يقول ثيؤدورت أسقف كورش: [إذ سمعوا تجديفه هذا الذي تحدَّى كل حديث، لم يجب ألياقيم ورفاقه هذا الشرير بكلمة، بل مزَّقوا ثيابهم قبل الانطلاق بسرعة إلى الملك التقي وإخباره بالكلام كما بمظهرهم عن مبالغته في التجديف. والملك بدوره تعجب وفعل نفس الأمر، إذ مزَّق ثوبه الملوكي واستبدله بالمسوح، وجرى ليقترب من الله خالق المسكونة الذي هاجموه كما هاجموا معه الملك.] v بقى كل الشعب صامتًا، ولم ينطق أحد بشيءٍ له، إذ قبلوا تعليمات الملك ألا يجيبوه. فإذ كان حزقيا بالحق إنسانًا بارًا يعمل بإخلاصٍ تامٍ وبكل حكمةٍ، سألهم ألا يجيبوا هذا الأشوري المُجدِّف، لئلا يُثار إلى ارتكاب تجديف أعظم. لذلك كُتب: [تلهب جمر الخاطي] (سي 8: 13). كما نقرأ في المزامير: "حينما وقف الخاطي قبالتي، حبست لساني، وأذللت نفسي، ولزمت الصمت بخصوص الصلاح" (راجع مز 39: 2-3 الترجمة السبعينية). وأيضًا: "ضع يا رب حافظًا لفمي، وبابًا حصينًا لشفتيّ، ولا تُمِل قلبي إلى كلام الشر" (مز 140: 3-4 الترجمة السبعينية). القديس جيروم القديس ديديموس الضرير القديس أغسطينوس إِلَى حَزَقِيَّا وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ، فَأَخْبَرُوهُ بِكَلاَمِ رَبْشَاقَى. [37] نعود إلى الملك لنراه عند سماعه كلمات ربشاقى "مزَّق ثيابه وتغطَّى بمسح ودخل بيت الرب". كان ذلك علامة حزنه مع تواضعه أمام الله . أرسل حزقيا الياقيم وشبنة وشيوخ الكهنة متغطين بمسوح إلى إشعياء النبي (2 مل 19: 2). لقد تغيَّر الحال، فبعد أن كانت القيادات المدنية والدينية تسخر بإشعياء حين كان يسير حافيًا وعريانًا، منذرًا إياهم أن فرعون ورجاله لن يستطيعوا إنقاذهم (إش 21)، الآن ها هم يأتون إليه لابسين المسوح في مرارةٍ، يعلنون حاجتهم إلى صلواته ومشورته. أدركوا أنه "يوم شدة وتأديب وإهانة" (2 مل 19: 3)، فليكن يوم توبة وصلاة. شعروا "أن الأجِنَّة دنت إلى المولد ولا قوة على الولادة" (2 مل 19: 3)، من يستطيع أن يُعِين إلاَّ الله خلال الصلاة؟! لا يقدر فرعون بكل إمكانياته أن يهب المرأة الحامل قدرة على الولادة حتى متى حان وقت الطلق... الصلاة هي "المولِدة" للرحمة التي تحقق الولادة. كانت عادة تمزيق الثوب الخارجي التي تُعَبِّر عن الحزن الشديد، مثل موت أحد الأقرباء منتشرة في كثير من الأمم، وإلى وقت قريب كانت منتشرة في بعض قُرَى الصعيد بمصر. أما عند اليهود، فكانت هذه العادة تُمارَس بالأكثر عند سماع تجديف على الله، ليُعلِنَ المُستمِع أنه بريء من هذا التجديف ولا يطيق الاستماع إليه، وذلك كما فعل رئيس الكهنة في محاكمة السيد المسيح، وإعلانه بأنه مُجَدِّف. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ليس شيء يُعادِل الصلاة! إنها تجعل المستحيل ممكنًا، والصعب سهلاً. لا يمكن للإنسان الذي يُصلِّي أن يسقط في خطية]. ويقول الأب ثيوفان الناسك: [الصلاة هي كل شيء؛ هي موجز كل شيء: الإيمان، الحياة حسب الإيمان، الخلاص الخ.] كما يقول إن الصلاة هي [نسمة الروح]، هي [مقياس الحياة الروحية]، الكنيسة كلها [تتنسم خلال الصلاة]. v بالتأكيد لم يفرح البار حزقيا في كارثة السبي التي ستحل على أولاده، لكنه لم يستطع أن يعترض على إرادة الرب، فتقبَّل أمر الرب بصبر، بكونه خادمًا متواضعًا. القديس أمبروسيوس شخصية حزقيا الملك [2 مل 18-20]، [2 أي 29-33، إش 36-39] كلمة "حزقيا" معناها "الرب يقوي". ملك على يهوذا مدة 29 عامًا (715-686 ق.م)، ابن آحاز وأبو منسى الذي تولى الحكم بعده. تُعتبَر أيام حكمه من أفضل الفترات بعد داود الملك. يوجد أكثر من شخص يُدعَى حزقيا، مثل ذاك الذي عاد من السبي البابلي مع عزرا (عز 16:2؛ نح 7: 21)(****)، وحزقيا من الأسرة المالكة في يهوذا (1 أي 23:3)، الجد الأكبر لصفنيا (صف 1:1). إنجازاته وثق حزقيا (2 أي 27:32) في عمل الله أكثر من أي ملك آخر في يهوذا (2 مل 5:18) وقد ترجم إيمانه بعدة أعمال حيَّة. قاد حركة الإصلاح الديني والمدني والسياسي والدفاعي. 1. نادى بالتوبة وسط شعبه، ونزع عبادة الأوثان ومراكزها، وهدم طقوسها. أعلن إيمانه العملي بالله عن طريق هدم كل مذابح الأوثان التي بناها آحاز (2 أي 22:28-25)، وجدَّد العهد مع الرب (2أي 10:29). وقد وصلت أمانته إلى حد تحطيم الحية النحاسية التي هي رمز هام لشعب إسرائيل من أجل استخدامهم لها في العبادة الوثنية. قام بكل ذلك ليُعلنَ أن الله وحده له الحق في العبادة والسجود. 2. كان الشعب يسمع له. قيل: "ليعملوا أمر الملك" (2 أي 11:30-12) جاءت كلمة "يعملوا" في أصلها "يسمعوا"، وسماع الكلمة هي طاعة الأمر، ليس بالضغط، وإنما بمحض اختيارهم برضا. 3. خلال فترة حكم حزقيا حدث إصلاح روحي، لأن الرب أعطى الشعب "قلبًا واحدًا" ليطيعوا وصاياه من خلال قادتهم الروحيين (2 أي 12:30)، تلك الوحدة في طاعة الله وتجديد العهد نزعت لدى البعض روح التفكك والانقسام الذي حدث أيام رحبعام (2 أي 1:10-9). لقد دعا حزقيا الملك البقية من مملكة الشمال للانضمام إلى إخوتهم في يهوذا (2 أخ 6:30-9)، وقليلون قبلوا الدعوة (2 أخ 10:30-11). سبَب قبولهم الشعب لأتباع طريق الرب بوحدة القلب هو أن حزقيا نفسه كان قدوة صالحة لهم. فالكتاب يشهد عنه أنه في كل عملٍ قام به لخدمة الرب "إنما عمله بكل قلبه" (2 أخ 31: 21). التزم حزقيا الملك بخدمة الله والآخرين بقلب واحد. 4. جدَّد هيكل الرب وأقام العبادة فيه، وجدَّد قادة اللاويين، فتقدَّسوا للرب (2 أي 1:29-36). 5. عمل الفصح للرب، وقاد بنفسه تقدمة الفصح، مُشجِّعًا الشعب لتقديم الذبائح والتقدمات. كما دعا مملكة الشمال المتبقية للمشاركة في الاحتفال به (2 أي 29؛ 30). 6. بالرغم من قوة أشور الحربية والتحطيم النفسي المُستمِر ليهوذا (2 أي 9:32-19)، إلا أن حزقيا وثق في الله وحده، ولم يلجأ للتحالف مع البلاد المجاورة (2 مل 14:19-19) عكس ما فعل آحاز والده. وقد كرَّم الله إيمان حزقيا بمعجزة فائقة حيث طرد من أمامه ملك أشور وجنوده (2 مل 35:19-36). في نفس الوقت قام حزقيا بخطوات عملية من خلال إيمانه وثقته في الله، فقوَّى حصون أورشليم الدفاعية، وحفر عيون ماء لإمداد المدينة بالمياه اللازمة إن حدث حصار (30:32). 7. نجا من حصار سنحاريب ملك أشور لأورشليم سنة 701 ق.م (2 أي 1:32). ضعفاته عرض كل كنوز خزائنه للمندوبين من بابل (2 مل 20: 12-18؛ 2 أي 31:32). يكشف ذلك عن كبرياء داخلي وحماقة أثَّرتْ على الذين جاءوا بعده في الحكم. من هو سنحاريب؟ الاسم: إله القمر، معناه الخطية زادت من الإخوة. المدينة: نينوى في أشور حيث بنَى له قصرًا. تفاخَر به أنه لا يُهْدَم، وعمل إصلاحات عديدة. العائلة: ابن سرجون الثاني ووالد آسرحدون الذي ملك بعده بعد أن قتل أخواه أباه (2 مل 37:19). المهنة: قائد جيوش أشور، ثم صار ملكًا لأشور بعد موت أبيه (705-681 ق.م). الإنجازات: قاد حملته ضد يهوذا سنة 701 ق.م. فأخذ لخيش و45 مدينة أخرى من يهوذا، وأسر حوالي 200 ألف من يهوذا قبل حصاره لأورشليم. وكان دائمًا يسخر من ضعف حزقيا أمام قواته (2 مل 17:18-36؛ 2أخ9:32-22؛ إش1:36-21). تعييرات معيريك وقعت عليَّ! v ترك حزقيا أباه الشرير والتصق بك. لم يكره أباه، ولم ينطق بكلمة جارحة ضده. لكن أبغض الشر الذي التصق به. تحدَّى الفساد الذي حلَّ به، ولم يرث منه روح الفشل! أزال المرتفعات التي فشل أبوه وجدُّه أن يزيلاها. لم يترك مجالاً ليرتد إنسان إلى الوثنية. بل وحطَّم حتى الحية النحاسية التي حوَّلها الشعب إلى صنمٍ يعبدونه! v لم يقف عدو الخير مكتوف الأيدي، بل بخبرته الطويلة وضع خطة لتحطيمه. أثار ضده أرام غريبة الجنس لكي تبيده، وأثار إسرائيل التي من بني جنسه للخلاص منه. تحالف الغرباء مع الأقرباء تحت قيادة عدو الخير. في ضعفٍ التجأ إلى أشور لتحميه، عِوَض أن يلجأ إليك، فالحرب في حقيقتها مع إبليس نفسه! v من يسندني ضد إبليس عدوي الوحيد؟ إن أثار الغرباء والأقرباء عداوة، فالعدو الحقيقي هو إبليس بحيله الخفية. لتكن أنت سندي وملجأي. من يقدر أن يقف أمام إبليس سواك؟ v نجح أشور في قتل رصين ملك أرام، وحاصر السامرة واستولى عليها. أذلَّ إسرائيل وقاد الشعب أسرى. استطاع أن يُفقِدَ إسرائيل هويتها كشعب الله. وجعل منها مثالاً للدمار الكامل. استولى أشور على أممٍ وشعوبٍ ومدنٍ كثيرة. بل واستولى على مدن حصينة في يهوذا. v ظن أشور أنه لم تعد أورشليم تُمَثِّل قوة في عينيه. سبق فأذلها بالجزية، وجعل من السامرة عِبْرَةً لها. وانهارت الأمم مع آلهتها قدامَه. حسب ملك أشور أنه أعظم من إله أورشليم. من يستطيع أن يحمي حزقيا وقادته وشعبه؟! v أرسل سنحاريب الأشوري ربشاقى ورفاقه. وظن أنه في لحظات تستسلم يهوذا بملكها وشعبها. ظن ربشاقى أنه سفير أعظم مَلِك في العالم. فإن كان حزقيا ملك يهوذا ينصت لصوت إلهه خلال الأنبياء. فالعالم كله ينصت لسنحاريب الأعظم من كل الآلهة خلاله. v كان ربشاقى آلة لا في يدي سنحاريب، بل في يديّ إبليس. في كبرياء وعجرفة وقف أمام اليهود مستخدمًا تجاديف خطيرة. إذ لم يستطيع الرعب والتهديدات أن تحكم مندوبي حزقيا، استخدم أسلوب الخداع والكلمات المعسولة. وعد شعب يهوذا أن يخلصهم من خداعات حزقيا، يُقَدِّم لهم حياة آمنة سعيدة في بلدٍ لم يذكر اسمها. صوَّر لهم أنه قادم بأمر الله إلههم ليؤدب حزقيا. صوّر حزقيا كعدو لله أزال المرتفعات حيث كان الشعب يعبد الله فيها. مزَّق مندوبو حزقيا ثيابهم، وفي مرارة مزَّق حزقيا الثوب الملكي. v إلهي، لن يكف عدو الخير عن أن يُعيِّرني. تعييرات معيريك سقطت عليّ. من يُخلِّصني من تهديدات إبليس، ومن يقودني فلا أسقط في شباكه المتنوعة. إنه يُهَدِّد تارة، ويلاطف تارة لتحطيمي. يبذل كل جهده ليبث فيَّ روح الخوف والقلق والفشل. إنها حرب بينك وبينه، بين بِرّك وشره. ليس من يُخَلِّصني من مكائده إلا أنت! ليحمني روحك القدوس، ويرفعني فوق تجارب العدو. ليفتح لي أبواب السماء، فتمتلئ نفسي رجاءً مُفرِحًا! بك أنتصر ولا تقوَى قوات الظلمة عليَّ، لأنك أنت النور واهب الحياة والنصرة والمجد! هزيمة سنحاريب إذ قامت مملكة أشور بسبي إسرائيل، أرادت أن تسبي يهوذا. انقسمت المملكة إلى ثلاث فرق: فريق رأى أن يستسلم حتى لا تُحَطِّمهم أشور، وفريق آخر رأى أن يلجأ إلى مصر يتحالف معها ضد أشور، والأقلية القليلة جدًا أرادت أن تثق في الرب القادر أن يُخَلِّص. كان حزقيا الملك التقي من الفريق الثالث الذي لجأ إلى الصلاة. فأرسل الرب إشعياء النبي يؤكد له أن صلاته قد سُمعت. 1. حزقيا يستنجد برجل الله إشعياء 1 فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ حَزَقِيَّا ذلِكَ، مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ وَدَخَلَ بَيْتَ الرَّبِّ. 2 وَأَرْسَلَ أَلِيَاقِيمَ الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ وَشِبْنَةَ الْكَاتِبَ وَشُيُوخَ الْكَهَنَةِ مُتَغَطِّينَ بِمِسْحٍ إِلَى إِشَعْيَا النَّبِيِّ ابْنِ آمُوصَ، 3 فَقَالُوا لَهُ: «هكَذَا يَقُولُ حَزَقِيَّا: هذَا الْيَوْمُ يَوْمُ شِدَّةٍ وَتَأْدِيبٍ وَإِهَانَةٍ، لأَنَّ الأَجِنَّةَ قَدْ دَنَتْ إِلَى الْمَوْلِدِ وَلاَ قُوَّةَ لِلْوِلاَدَةِ. 4 لَعَلَّ الرَّبَّ إِلهَكَ يَسْمَعُ جَمِيعَ كَلاَمِ رَبْشَاقَى الَّذِي أَرْسَلَهُ مَلِكُ أَشُّورَ سَيِّدُهُ لِيُعَيِّرَ الإِلهَ الْحَيَّ، فَيُوَبِّخَ عَلَى الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعَهُ الرَّبُّ إِلهُكَ. فَارْفَعْ صَلاَةً مِنْ أَجْلِ الْبَقِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ». 5 فَجَاءَ عَبِيدُ الْمَلِكِ حَزَقِيَّا إِلَى إِشَعْيَا، 6 فَقَالَ لَهُمْ إِشَعْيَا: «هكَذَا تَقُولُونَ لِسَيِّدِكُمْ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ تَخَفْ بِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعْتَهُ، الَّذِي جَدَّفَ عَلَيَّ بِهِ غِلْمَانُ مَلِكِ أَشُّورَ. 7 هأَنَذَا أَجْعَلُ فِيهِ رُوحًا فَيَسْمَعُ خَبَرًا وَيَرْجعُ إِلَى أَرْضِهِ، وَأُسْقِطُهُ بِالسَّيْفِ فِي أَرْضِهِ». فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ حَزَقِيَّا ذَلِكَ مَزَّقَ ثِيَابَهُ، وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ، وَدَخَلَ بَيْتَ الرَّبِّ. [1] إذ سمع حزقيا الملك عن سخرية ربشاقى المُرَّة بالله الحي كما بالملك والقادة، قام بتمزيق ثيابه علامة عن شدة الحزن (2 مل 6: 30)، كما عن الندامة والتوبة (يوئيل 2: 12-13). يُحسَب إهانة مُرَّة أن يُمزَّق الثوب الملوكي أو أن يلتحف الجسم الملوكي بمسوحٍ، لكن إذ أُهين الله بكلمات التجديف التي نطق بها ربشاقى، لم يحتمل الملك أن يستوعب الموقف، فعبَّر عن مرارة نفسه بتمزيق ثيابه الملوكية والتحافه بالمسوح. يرى حزقيا الملك أن الله هو إله المستحيلات، متخصص في المواقف المستحيلة. كشف عن ثقته في الرب، فقدَّم توبة، ودخل بيت الرب، يطلب مشورته وعونه. حقًا إن المشاكل هي فُرَص ذهبية لتدخُّل الله في حياتنا. اتسم الملك حزقيا بالتواضع، فكان يلجأ إلى الرب، ويطلب مشورته خلال أنبيائه، لذلك وقف الرب ضد تهديدات العدو [7]. لم يدخل الملك إلى بيت الرب ليسأله بماذا يجيب هذا المُجدِّف، إنما لكي يتسلَّم الرب الأمر كله. v الإيمان الذي بلا حماية (زمنية) يُسلِّحه الله. أكَّد حزقيا خلال قوة الإيمان أنه بقوته الضعيفة أقوى من سنحاريب ملك أشور ونينوى الغنية بالآلاف التي لها. جنَّد سنحاريب قوى أشور ومملكة مادي. حطّم الممالك المجاورة بفِرَقه الضخمة، واتجه نحو المدينة المقدسة للرب. وقد ركَّز كل إمكانيات حربه المُكثَّفة ضدها وحدها. وإذ فعل استعدادات كهذه، عاقه الله، فإن حربه أخَّرتْ خططه غير المقدسة. أرسلت إلى أورشليم رسالة فظة تحوي تهديدات بعجرفة. تسلَّمها حزقيا بحزنٍ، وحملها إلى الرب قدام الهيكل. انبطح للصلاة ومعه شعبه في حزنٍ، وقرأ تلك الكلمات القاسية، وبلَّل الرسالة بدموعه الغزيرة، بهذا اتكل على الله. بالصلاة وحدها، بالرغم من غيابه عن المشهد، نال نصرة مُحَطِّمة للأشوريين، الذين عانوا من موتٍ خطيرٍ عندما حاربهم الله. كان لهذا العطف الذي ربحه اعتباره العظيم حتى أنه لم يتطلع بعينيه على العدو الذي هزمه. ما أن عَبَرَتّ دموع شكواه فوق مجموعات الكواكب، ما أن ارتفعتْ مرثاته الخارجة من قلبٍ متواضعٍ وعبرت النجوم، واندفعت كلماته التقوية إلى آذان الأب العلي، حتى اهتزت الأبواب العلوية وانفتحت، وانحدر ملاك بجناحيه، يتنسم رائحة الهواء بنزوله اللطيف. وإذ تسلَّح بسيف الكلمة، ضرب الجيش الشرير، وتمجَّد في ذبح العدو النائم الصامت. وأحدث موتًا لـ185000 في وقتٍ واحدٍ... في ذلك الوقت كان إشعياء وسيطًا لحزقيا[1]. القدِّيس بولينوس أسقف نولا مُتَغَطِّينَ بِمِسْحٍ، إِلَى إشَعْيَاءَ النَّبِيِّ ابْنِ آمُوصَ. [2] بدأت خدمة إشعياء النبوية في السنة التي مات فيها عزيا أو عزاريا (إش 6: 1)، قبل حوالي 40 عامًا (740 ق. م). تنبأ إشعياء في أيام عزيا ويوثام وآحاز وحزقيا. وقد تجاهل آحاز إشعياء، أما حزقيا فأصغى لمشورته. مع أن أشور كانت أعظم قوة عالمية في ذلك الحين، لكنها كانت عاجزة على أن تنتصر على يهوذا طالما كان إشعياء مشيرًا للملوك. لقد سمع الياقيم وشبنة كلمات ربشاقى منه مباشرة، فكانا خير رسولين يبعثهما الملك إلى إشعياء النبي، يُعَبِّران بملامحهما ومشاعرهما عما قاله ربشاقى. لقد ارتديا المسوح، لأنهما كانا يُمثِّلان الملك المرتدي المسوح. فَقَالُوا لَهُ: هَكَذَا يَقُولُ حَزَقِيَّا: هَذَا الْيَوْمُ يَوْمُ شِدَّةٍ وَتَأْدِيبٍ وَإِهَانَةٍ، لأَنَّ الأَجِنَّةَ قَدْ دَنَتْ إِلَى الْمَوْلِدِ، وَلاَ قُوَّةَ لِلْوِلاَدَةِ! [3] اعترف حزقيا بأن مملكة يهوذا بلا قوة في وقتٍ تحتاج أن تكون قوية للغاية لتواجه القوة العظمى في العالم، أي أشور. ما كان يشغل قلب حزقيا ليس فقط جسارة ربشاقى ليُعَيِّر الله الحي، وإنما أيضًا أنه قد حلَّ يوم شدة وتأديب وإهانة على يهوذا وأورشليم. لقد شبَّه هذا اليوم بيوم ولادة عسيرة مع عدم وجود قوة للولادة. لقد طالت مدة الطَلْقِ، فخارت قوى يهوذا، وصارت عاجزة عن الولادة، ويحتاج الأمر إلى تدخُّل الله نفسه صانع العجائب. فالأمر خطير للغاية، ويحتاج إلى عونٍ إلهي. حسب حزقيا الملك ورجاله أن ما حلَّ بهم وبالشعب، إنما هو تأديب يستحقونه على خطاياهم. فقبل أن يشتكوا ربشاقى وملك أشور كمُجدِّفين، اشتكوا أنفسهم كخطاةٍ يستحقون التأديب. هذا ولم يقترح الملك ورجاله حلاً للمشكلة، أو نقمة من أشور، إنما طلبوا من رجل الله أن يعرض القضية بأكملها على الله، ويترك الأمر بين يديه ليفعل كيفما يشاء. لَعَلَّ الرَّبَّ إِلَهَكَ يَسْمَعُ جَمِيعَ كَلاَمِ رَبْشَاقَى الَّذِي أَرْسَلَهُ مَلِكُ أَشُّورَ سَيِّدُهُ، لِيُعَيِّرَ الإِلَهَ الْحَيَّ، فَيُوَبِّخَ عَلَى الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعَهُ الرَّبُّ إِلَهُكَ. فَارْفَعْ صَلاَةً مِنْ أَجْلِ الْبَقِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ. [4] يطلب الملك من إشعياء أن يصلي إلى الله، لعله يسمع تعييرات ربشاقى الذي أرسله ملك أشور. ماذا يعني بـ"البقية الموجودة"؟ لقد سبق فقاد أشور إسرائيل (العشرة أسباط) إلى السبي، وقد بقيت مملكة يهوذا (سبطا يهوذا وبنيامين) كبقية قليلة. هذا وقد استولى أشور على مدن كثيرة من يهوذا وبقيت أورشليم كبقية قليلة جدًا تحتاج إلى عونٍ إلهيٍ وإلى تدَّخلٍ سماويٍ لإنقاذها. طلب الملك من إشعياء الصلاة عنه وعن المملكة، لكنه لم يتواكل، بل ذهب هو بنفسه إلى بيت الرب، ونشر الرسائل أمام الهيكل. يليق بنا إذ نطلب من أحبائنا سواء الراقدين أو المجاهدين الصلاة عنا، نشترك معهم في الصلاة والطلبة بروح التوبة والتواضع. يدعو حزقيا الإله الذي يُعَيِّره ربشاقى وملكه سنحاريب "ليُعيِّر الإله الحيً"، هذا الإله الذي لا يقدر أشور على الوقوف أمامه! فَجَاءَ عَبِيدُ الْمَلِكِ حَزَقِيَّا إِلَى إِشَعْيَا، [5] فَقَالَ لَهُمْ إِشَعْيَا: هَكَذَا تَقُولُونَ لِسَيِّدِكُمْ: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ تَخَفْ بِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعْتَهُ، الَّذِي جَدَّفَ عَلَيَّ بِهِ غِلْمَانُ مَلِكِ أَشُّورَ. [6] يطمئن الرب الملك حزقيا بأن ما قاله غلمان أشور مجرد كلام [6]، وإن بدا ناريًا ورنانًا، لكنه لا يحمل قوة، لا يقدر أشور أن يقف أمام الريح الذي يهب عليه [7]. هَئَنَذَا أَجْعَلُ فِيهِ رُوحًا، فَيَسْمَعُ خَبَرًا، وَيَرْجِعُ إِلَى أَرْضِهِ، وَأُسْقِطُهُ بِالسَّيْفِ فِي أَرْضِهِ. [7] إن كان حزقيا قد ارتعب أمام تهديدات أشور، فإذ لجأ إلى الله، أعلن له رجل الله بأن الله يجعل فيه روح الرعب، ويُسْمِعه خبرًا يجعله يُسرِع بالعودة إلى بلده، حيث يُغتال هناك بواسطة ابنيه. الخبر الذي أعلنه إشعياء النبي ليس فقط أن سنحاريب يفشل في دخوله أورشليم، وإنما سيواجه موتًا مرعبًا عند رجوعه إلى أرضه. حل هذه المشكلة لا يحتاج إلا إلى روح أو ريح أو نفخة تهب على الملك، فيتبدد ويهلك. يُقدِّم إشعياء في هذه النبوة أربعة تحذيرات لملك أشور: أولاً: يجعل فيه نفخة أو ريح، أو إشاعة تزعجه ربما بخصوص "ترهاقة". ثانيًا: يسمع خبرًا خاصًا بقتل المئة والخمس وثمانين ألفًا من جيشه في ليلة واحدة دون أن يفقد يهوذا جنديًا واحدًا، أو يستخدم سلاحًا ضدهم. ثالثًا: يرجع إلى أرضه في حالة هزيمةٍ مُنْكَرةٍ لم تحل به من قبل، أي في خزيٍ وعارٍ. رابعًا: يسقط بالسيف لا في معركة كبطلٍ، وإنما في أرضه حيث يغتاله ابناه في هيكل إلهه الوثن. 8 فَرَجَعَ رَبْشَاقَى وَوَجَدَ مَلِكَ أَشُّورَ يُحَارِبُ لِبْنَةَ، لأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّهُ ارْتَحَلَ عَنْ لَخِيشَ. 9 وَسَمِعَ عَنْ تُرْهَاقَةَ مَلِكِ كُوشٍ قَوْلًا: «قَدْ خَرَجَ لِيُحَارِبَكَ». فَعَادَ وَأَرْسَلَ رُسُلًا إِلَى حَزَقِيَّا قَائِلًا: فَرَجَعَ رَبْشَاقَى وَوَجَدَ مَلِكَ أَشُّورَ يُحَارِبُ لِبْنَةَ، لأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّهُ ارْتَحَلَ عَنْ لَخِيشَ. [8] بذل ربشاقى كل جهده لدخول أورشليم بمحاصرتها دون الدخول معها في معركة. لكن إذ رجع بعد حديثه مع مندوبي حزقيا الملك، وجد ملك أشور قد دخل في حربٍ أخرى مع لِبنة، وكان قد سحب معه الجيش من لخيش. هذا وكلا الموقعين لبنة ولخيش ليسا بعيديْن عن بعضها البعض، فهُمَا على جبال يهوذا جنوب أورشليم. وَسَمِعَ عَنْ تِرْهَاقَةَ مَلِكِ كُوشَ قَوْلاً: قَدْ خَرَجَ لِيُحَارِبَكَ. فَعَادَ وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى حَزَقِيَّا قَائِلاً: [9] كانت تحركات جيش أشور سريعة وغير متوقعة. ذهب ربشاقى إلى لخيش حيث كان سنحاريب يحارب، فوجده قد تركها، لأن ملك كوش خرج يحاربه. فلئلا يستغل حزقيا الموقف، أرسل ربشاقى رسالة إليه يستخف به ويُهَدِّده طالبًا الاستسلام، وأنه سيحاصره سريعًا. معروف أن ترهاقة لم يصر ملكًا قبل سنة 690 ق.م، لذلك غالبًا ما ذكر الكتاب اسم ترهاقة على ملك كوش أو على صعيد مصر في الجنوب، بكونه لقبًا له شهرته بالنسبة لبعض ملوك كوش في ذلك الحين. كان ترهاقه ملك مصر العليا، بينما سو (Sabaco) So ملك مصر السفلى. كان ترهاقة ملكًا قويًا، وقد ترك آثارًا كثيرة، تكشف عن أنه كان عظيمًا. جاء اسمه في هيكل مدينة هابو Medinet Abou أنه كان لديه أسرى حرب كثيرون. غالبًا كان تحرُّك ترهاقة بجيشٍ عظيمٍ لمحاربة أشور هو الخبر أو الإشاعة التي تنبأ عنها إشعياء النبي [7]. هذا الخبر لم يكن غريبًا بالنسبة لسنحاريب وربشاقى، إنما كانا يتوقعان تحالف يهوذا مع مصر ضد أشور، وقد سبق فحذَّر ربشاقى يهوذا من هذا التحالف، مُشَبِّهًا مصر بالقصبة المرضوضة، من يتكئ عليها تثقب كفه (2 مل 18: 21). تحرَّك ربشاقى لمواجهة معركة مع مصر، وفي نفس الوقت أرسل يُهَدِّد حزقيا كي يُربكه ويقلقه بتوقُّع نصرة أكيدة وسريعة لأشور على مصر، وعودة لأشور لحصار أورشليم. وكأن ربشاقى أراد أن يُحَطِّم نفسية حزقيا، فلا يقوم بأدنى مقاومة حتى أثناء غيابه أو انشغاله بمعركة أخرى. جاءت الرسالة تهاجم إله حزقيا الملك، وكأن المعركة في حقيقتها بين إبليس والله. 10 «هكَذَا تُكَلِّمُونَ حَزَقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا قَائِلِينَ: لاَ يَخْدَعْكَ إِلهُكَ الَّذِي أَنْتَ مُتَّكِلٌ عَلَيْهِ قَائِلًا: لاَ تُدْفَعُ أُورُشَلِيمُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. 11 إِنَّكَ قَدْ سَمِعْتَ مَا فَعَلَ مُلُوكُ أَشُّورَ بِجَمِيعِ الأَرَاضِي لإِهْلاَكِهَا، وَهَلْ تَنْجُو أَنْتَ؟ 12 هَلْ أَنْقَذَتْ آلِهَةُ الأُمَمِ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ آبَائِي، جُوزَانَ وَحَارَانَ وَرَصْفَ وَبَنِي عَدَنَ الَّذِينَ فِي تَلاَسَّارَ؟ 13 أَيْنَ مَلِكُ حَمَاةَ وَمَلِكُ أَرْفَادَ وَمَلِكُ مَدِينَةِ سَفْرَوَايِمَ وَهَيْنَعَ وَعِوَّا؟» هَكَذَا تُكَلِّمُونَ حَزَقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا قَائِلِينَ: لاَ يَخْدَعْكَ إِلَهُكَ الَّذِي أَنْتَ مُتَّكِلٌ عَلَيْهِ قَائِلاً: لاَ تُدْفَعُ أُورُشَلِيمُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. [10] لم يستسلم ربشاقى ظانًا أنه يعود إلى أورشليم يحاصرها ويفتحها. وقد جاءت هذه الرسالة تطابق نفس الحديث الذي وجَّهه ربشاقى قبلاً (2 مل 18: 29). إِنَّكَ قَدْ سَمِعْتَ مَا فَعَلَ مُلُوكُ أَشُّورَ بِجَمِيعِ الأَرَاضِي لإِهْلاَكِهَا، وَهَلْ تَنْجُو أَنْتَ؟ [11] هَلْ أَنْقَذَتْ آلِهَةُ الأُمَمِ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ آبَائِي، جُوزَانَ وَحَارَانَ وَرَصْفَ وَبَنِي عَدْنَ الَّذِينَ فِي تَلاَسَّارَ؟ [12] عدن هنا لا تعني منطقة جنة عدن التي وردت في سفر التكوين، وإنما تُعرَف اليوم باسم بيت عديني Bit-Adini جنوب حاران (حز 27: 23؛ عا 1: 5). أَيْنَ مَلِكُ حَمَاةَ وَمَلِكُ أَرْفَادَ وَمَلِكُ مَدِينَةِ سَفْرَوَايِمَ وَهَيْنَعَ وَعِوَّا؟ [13] 4. حزقيا ينشر الرسالة أمام الرب 14 فَأَخَذَ حَزَقِيَّا الرَّسَائِلَ مِنْ أَيْدِي الرُّسُلِ وَقَرَأَهَا، ثُمَّ صَعِدَ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ، وَنَشَرَهَا حَزَقِيَّا أَمَامَ الرَّبِّ. 15 وَصَلَّى حَزَقِيَّا أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، الْجَالِسُ فَوْقَ الْكَرُوبِيمَ، أَنْتَ هُوَ الإِلهُ وَحْدَكَ لِكُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ. أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. 16 أَمِلْ يَا رَبُّ أُذُنَكَ وَاسْمَعْ. اِفْتَحْ يَا رَبُّ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ، وَاسْمَعْ كَلاَمَ سَنْحَارِيبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ لِيُعَيِّرَ اللهَ الْحَيَّ. 17 حَقًّا يَا رَبُّ إِنَّ مُلُوكَ أَشُّورَ قَدْ خَرَّبُوا الأُمَمَ وَأَرَاضِيَهُمْ، 18 وَدَفَعُوا آلِهَتَهُمْ إِلَى النَّارِ. وَلأَنَّهُمْ لَيْسُوا آلِهَةً، بَلْ صَنْعَةُ أَيْدِي النَّاسِ: خَشَبٌ وَحَجَرٌ، فَأَبَادُوهُمْ. 19 وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا خَلِّصْنَا مِنْ يَدِهِ، فَتَعْلَمَ مَمَالِكُ الأَرْضِ كُلُّهَا أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ الإِلهُ وَحْدَكَ». فَأَخَذَ حَزَقِيَّا الرَّسَائِلَ مِنْ أَيْدِي الرُّسُلِ وَقَرَأَهَا، ثُمَّ صَعِدَ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ، وَنَشَرَهَا حَزَقِيَّا أَمَامَ الرَّبِّ. [14] كان حزقيا يؤمن بأن الله حاضر في كل مكان، ويسمع صوت مؤمنيه أينما وُجدوا، ويرى كل شيءٍ، وليس شيء مخفيًا عن عينيه، لكن الهيكل يُحسَب مسكنه الخاص، وله اعتباره عند الرب. لقد ذهب كطفلٍ بسيطٍ يثق في محبة أبيه وحكمته وقدرته، أسرع إليه في بيته كما في حضنه الإلهي، ليكون تحت حمايته الإلهية ومراحمه. عرض الملك حزقيا الصالح الرسائل التي كانت في أيدي الرسل أمام الرب نفسه في الهيكل المقدس. كان حزقيا واثقًا أن الله يعلم بكل ما فيها، لكن نشره لها في بيت الرب فيه إعلان عن ثقته الكاملة في الرب، وأنه يُقدِّم المشكلة الخطيرة بكل تفاصيلها للمُعِين الإلهي، طالبًا الخلاص. هكذا يمكن للمؤمن، إذ يعرض مشاكله بصراحة وإيمان أمام الرب في هيكله المقدس، يجيبه ويُقدِّم له الحلول. وَصَلَّى حَزَقِيَّا أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ، الْجَالِسُ فَوْقَ الْكَرُوبِيمَ، أَنْتَ هُوَ الإِلَهُ وَحْدَكَ لِكُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ. أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. [15] لجأ حزقيا إلى الملك الأعظم من ملك أشور (2 مل 18-19). صلَّى بإيمان، فاستجاب له ملك الملوك. تُعتَبَر صلاة حزقيا مثالاً حيًا للصلاة الحقيقية، فمع دالته لدى الله يتحدث بلغة الوقار. أَمِلْ يَا رَبُّ أُذُنَكَ وَاسْمَعْ. افْتَحْ يَا رَبُّ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ، وَاسْمَعْ كَلاَمَ سَنْحَارِيبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ لِيُعَيِّرَ اللَّهَ الْحَيَّ. [16] كثرًا ما تكرَّرتْ الطلبة "أمل يا رب أذنك"، ففي مرارة صرخ حزقيا الملك إلى الرب الجالس فوق الكاروبيم: "أمل يا رب أذنك، واسمع. افتح يا رب عينيك، وانظر". وكثيرًا ما كرَّر المُرَتِّل هذه العبارة (مز 17: 6؛ 31: 2؛ 45: 10) وهو تعبير يصدر من شخصٍ يشعر أنه أشبه بطفلٍ على صدر أبيه، يود أن يهمس في أذنيه. إنها تصدر عن شخصٍ وديعٍ متواضعٍ، يُسَر به الرب، القائل: "تعلموا مني، فإني وديع ومتواضع القلب". بقوله: "أمل يا رب أذنك"، يود المؤمن أن يقول له، إني عاجز عن أن أُعَبِّر عما في داخلي بفمي ولساني، وليس من أحدٍ يقدر أن يسمع تنهدات قلبي، ويُدرِك ما في أعماقي، ويشاركني مشاعري سواك. لعل المؤمن يشعر بأنه قد يُحرَم في كثير من الأوقات من الشركة الجماعية في العبادة بسبب الضيق، لكن الله وحده يُقَدِّر ما في أعماقه! v إنه يميل بأذنه إن كنت لا ترفع رقبتك، فإنه قريب من المتواضعين، وبعيد عن المرتفعين... إنه في الأعالي، ونحن أسفل، لكننا لسنا متروكين. "نَحْنُ... خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا... فَإِنَّهُ بِالْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارّ. رُبَّمَا لأَجْلِ الصَّالِحِ يَجْسُرُ أَحَدٌ أَيْضًا أَنْ يَمُوتَ" (رو 5: 7، 8). لكن ربنا مات لأجل الأشرار. إذ لم يتقدمنا أي استحقاق لنا من أجله مات ابن الله، بل بالحري، إذ لا توجد استحقاقات، ظهرت رحمته عظيمة... "لأني مسكين وبائس أنا" (مز 86: 1). لا يميل أذنه للغني، بل للمسكين والبائس، أي للمتواضع الذي يعترف إليه أنه محتاج إلى رحمته، وليس إلى المكتفي الذي يرفع نفسه ويفتخر، كمن لا يحتاج إلى شيءٍ. هذا الذي يقول: "أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ... هذَا الْعَشَّارِ". فقد افتخر الفريسي باستحقاقاته، واعترف العشار بخطاياه (لو 18: 11-13)... لا يأخذ أحد يا إخوتي ما قلته كما لو كان الله لا يسمع للذين لديهم ذهب وفضة وأسرة وحقول. فإبراهيم في غناه كان مسكينًا ومتواضعًا، يحترم كل الوصايا ويطيعها. بالحق كان يحسب كل غناه كلا شيءٍ، وبحسب وصية الله كان مستعدًا أن يُقدِّم ابنه ذبيحة (تك 22: 10)، الذي لأجله كان يحفظ كل ثرواته. لتتعلموا أن تكونوا مساكين ومحتاجين، سواء كان لديكم شيء في هذا العالم أو لم يكن لديكم. القديس أغسطينوس وَدَفَعُوا آلِهَتَهُمْ إِلَى النَّارِ. ولأَنَّهُمْ لَيْسُوا آلِهَةً، بَلْ صَنْعَةُ أَيْدِي النَّاسِ: خَشَبٌ وَحَجَرٌ، فَأَبَادُوهُمْ. [18] وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُنَا خَلِّصْنَا مِنْ يَدِهِ، فَتَعْلَمَ مَمَالِكُ الأَرْضِ كُلُّهَا أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ الإِلَهُ وَحْدَكَ. [19] 20 فَأَرْسَلَ إِشَعْيَا بْنُ آمُوصَ إِلَى حَزَقِيَّا قَائِلًا: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي صَلَّيْتَ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ سَنْحَارِيبَ مَلِكِ أَشُّورَ: قَدْ سَمِعْتُ. 21 هذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَلَيْهِ: احْتَقَرَتْكَ وَاسْتَهْزَأَتْ بِكَ الْعَذْرَاءُ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ، وَنَحْوَكَ أَنْغَضَتِ ابْنَةُ أُورُشَلِيمَ رَأْسَهَا. 22 مَنْ عَيَّرْتَ وَجَدَّفْتَ؟ وَعَلَى مَنْ عَلَّيْتَ صَوْتًا؟ وَقَدْ رَفَعْتَ إِلَى الْعَلاَءِ عَيْنَيْكَ عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ! 23 عَلَى يَدِ رُسُلِكَ عَيَّرْتَ السَّيِّدَ، وَقُلْتَ: بِكَثْرَةِ مَرْكَبَاتِي قَدْ صَعِدْتُ إِلَى عُلْوِ الْجِبَالِ، إِلَى عِقَابِ لُبْنَانَ وَأَقْطَعُ أَرْزَهُ الطَّوِيلَ وَأَفْضَلَ سَرْوِهِ، وَأَدْخُلُ أَقْصَى عُلْوِهِ، وَعْرَ كَرْمَلِهِ. 24 أَنَا قَدْ حَفَرْتُ وَشَرِبْتُ مِيَاهًا غَرِيبَةً، وَأُنَشِّفُ بِأَسْفَلِ قَدَمَيَّ جَمِيعَ خُلْجَانِ مِصْرَ. 25 أَلَمْ تَسْمَعْ؟ مُنْذُ الْبَعِيدِ صَنَعْتُهُ، مُنْذُ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ صَوَّرْتُهُ. الآنَ أَتَيْتُ بِهِ. فَتَكُونُ لِتَخْرِيبِ مُدُنٍ مُحَصَّنَةٍ حَتَّى تَصِيرَ رَوَابِيَ خَرِبَةً. 26 فَسُكَّانُهَا قِصَارُ الأَيْدِي قَدِ ارْتَاعُوا وَخَجِلُوا، صَارُوا كَعُشْبِ الْحَقْلِ وَكَالنَّبَاتِ الأَخْضَرِ، كَحَشِيشِ السُّطُوحِ وَكَمَلْفُوحٍ قَبْلَ نُمُوِّهِ. 27 وَلكِنِّي عَالِمٌ بِجُلُوسِكَ وَخُرُوجِكَ وَدُخُولِكَ وَهَيَجَانِكَ عَلَيَّ. 28 لأَنَّ هَيَجَانَكَ عَلَيَّ وَعَجْرَفَتَكَ قَدْ صَعِدَا إِلَى أُذُنَيَّ، أَضَعُ خِزَامَتِي فِي أَنْفِكَ وَلِجَامِي فِي شَفَتَيْكَ، وَأَرُدُّكَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جِئْتَ فِيهِ. 29 «وَهذِهِ لَكَ عَلاَمَةٌ: تَأْكُلُونَ هذِهِ السَّنَةَ زِرِّيعًا، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ خِلْفَةً. وَأَمَّا السَّنَةُ الثَّالِثَةُ فَفِيهَا تَزْرَعُونَ وَتَحْصِدُونَ وَتَغْرِسُونَ كُرُومًا وَتَأْكُلُونَ أَثْمَارَهَا. 30 وَيَعُودُ النَّاجُونَ مِنْ بَيْتِ يَهُوذَا، الْبَاقُونَ، يَتَأَصَّلُونَ إِلَى أَسْفَل وَيَصْنَعُونَ ثَمَرًا إِلَى مَا فَوْقُ. 31 لأَنَّهُ مِنْ أُورُشَلِيمَ تَخْرُجُ الْبَقِيَّةُ، وَالنَّاجُونَ مِنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هذَا. 32 «لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ مَلِكِ أَشُّورَ: لاَ يَدْخُلُ هذِهِ الْمَدِينَةَ، وَلاَ يَرْمِي هُنَاكَ سَهْمًا، وَلاَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا بِتُرْسٍ، وَلاَ يُقِيمُ عَلَيْهَا مِتْرَسَةً. 33 فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ يَرْجعُ، وَإِلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ لاَ يَدْخُلُ، يَقُولُ الرَّبُّ. 34 وَأُحَامِي عَنْ هذِهِ الْمَدِينَةِ لأُخَلِّصَهَا مِنْ أَجْلِ نَفْسِي وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي». فَأَرْسَلَ إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ إِلَى حَزَقِيَّا قَائِلاً: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي صَلَّيْتَ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ سَنْحَارِيبَ مَلِكِ أَشُّورَ: قَدْ سَمِعْتُ. [20] قدَّم الله الإجابة للملك الصالح من خلال رجل الله إشعياء النبي. يرى القديس أغسطينوسأن الذي يدعو الله لا يسقط في الرعب، حيث لا يوجد ما يُسبِّب رعبًا حقيقيًا، إذ يقول: [هل يوجد خوف إن فقد إنسان الغِنَى؟ لا يوجد خوف، ومع ذلك يخاف البشر في هذه الحالة. ولكن إن فقد إنسان الحكمة، فبالأولى يوجد خوف، ومع هذا فهم لا يخافون... إنك تخاف لئلا ترد المال (الذي وهبك الله إياه)، وتريد أن تفقد الخلاص.] v عندما كان حزقيا في ضيق انظرْ ماذا فعل لكي يخلص، إذ لبس المسوح وما إلى ذلك. لكنه إذ كان في فرجٍ سقط خلال ارتفاع قلبه [20](*). عندما كان الإسرائيليون في ضيقٍ نموا جدًا في العدد، وعندما تركهم لأنفسهم انحدروا إلى دمارهم. القديس يوحنا الذهبي الفم هَذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَلَيْهِ:احْتَقَرَتْكَ وَاسْتَهْزَأَتْ بِكَ الْعَذْرَاءُ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ. وَنَحْوَكَ أَنْغَضَت ابْنَةُ أُورُشَلِيمَ رَأْسَهَا. [21] عندما يتحدث الله مع شعبه يكشف لهم خطاياهم لكي يرجعوا إليه بالتوبة، فيتمتعون بنعمه. أما حينما يتكلم عن شعبه مع مضايقيهم، فيتحدث عنهم بأسلوب مُفرِح. الآن إذ يوجِّه الحديث لسنحاريب يقول له: "احتقرتْكَ واستهزأتْ بك العذراء ابنة صهيون..." يدعو شعبه ابنة صهيون (ابنة أورشليم)، أي ابنة الله الساكنة في مدينته، وتتمتع بهيكله المقدس. يحرسها الله ويحفظها بكونها ابنته المحبوبة لديه، وبكونه أباها المُحِب! إنها تسخر وتستخف بملك أشور الذي يظن في نفسه أعظم من الله وأقوى منه. مَنْ عَيَّرْتَ وَجَدَّفْتَ، وَعَلَى مَنْ عَلَّيْتَ صَوْتًا، وَقَدْ رَفَعْتَ إِلَى الْعَلاَءِ عَيْنَيْكَ عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ؟ [22] ظن سنحاريب ورجاله أن يهوذا أشبه بعذراء جميلة وطاهرة يُمكِنُ اغتصابها بسهولةٍ، لا حوْل لها ولا قوة، إن قورنت بالممالك التي اهتزت وارتعبت بل واستسلمت لأشور قبل أن يحاربها ويُبَدِّد هياكلها ويُحَطِّم حصونها. وقد جاءت إجابة الرب لإشعياء أن يهوذا ابنة صهيون الطاهرة والجميلة هي في حضن أبيها السماوي، يهبها قوة وفرحًا ونصرة على كل من يحاول أن يمد يده عليها، أو يُهدِّدها. إنها تتطلع إلى من يسخر بها وتضحك عليه، لأنها في ظل القدير تجلس مطمئنة. يدعو إشعياء الله "قدوس إسرائيل"، وقد استخدم إشعياء كلمة "قدوس" 26 مرة (راجع إش 6: 3). إذ عيَّر ملك أشور ورجاله الله، فإنما يعير القدوس الذي بلا عيب. عَلَى يَدِ رُسُلِكَ عَيَّرْتَ السَّيِّدَ، وَقُلْتَ: بِكَثْرَةِ مَرْكَبَاتِي قَدْ صَعِدْتُ إِلَى عُلْوِ الْجِبَالِ، إِلَى عِقَابِ لُبْنَانَ، وَأَقْطَعُ أَرْزَهُ الطَّوِيلَ وَأَفْضَلَ سَرْوِهِ، وَأَدْخُلُ أَقْصَى عُلْوِهِ وَعْرَ كَرْمَلِهِ. [23] كان أشور وقادته يفتخرون بأنهم دخلوا لبنان، وحطَّموا أرزه وسروه. لم يقل إنه هزم جيشها، لأنها استسلمت ولم تدخل معه في معركة. أنها ككثيرٍ من الممالك أرسلت ترحب بقدومه وقبولهم العبودية له دون الدخول في أية معركة، ومع هذا إذ كانوا يستقبلونه بالتهليل خشية غضبه وانتقامه كان يُحَطِّم حتى أشجارها! يُصَوِّر الكاتب سنحاريب بقدرته العظيمة وهو يقتحم بمركباته الكثيرة أية دولة، ويصعد بالمركبات على قمم الجبال، فلا تستطيع العوائق الطبيعية أن تقف أمامه! يرى القديس أغسطينوس أن الذين لا يعترفون بخطاياهم، وفي تشامخ يدخلون كما في معركة ضد الله، تنكسر كل أسلحتهم التي يعتمدون عليها. أَنَا قَدْ حَفَرْتُ وَشَرِبْتُ مِيَاهًا غَرِيبَةً، وَأُنَشِّفُ بِأَسْفَلِ قَدَمَيَّ جَمِيعَ خُلْجَانِ مِصْرَ. [24] إن كانت مصر تعتز بنهرها العظيم، فيفتخر أشور أنه لا يترك لها نقطة ماء، يسلب كل ممتلكاتها حتى مياه خلجانها. وكأنه أينما دخل لا يترك لأهل المملكة شيئًا حتى الماء للشرب! ولعله يقصد أن المشاة من جيشه، إذ يدخلون أية دولة حتى مصر، فمن كثرة عددهم يحفرون آبارًا للشُرْب، فتجف الآبار، ولا يجد الجند نقطة ماء تحت أقدامهم. أَلَمْ تَسْمَعْ؟ مُنْذُ الْبَعِيدِ صَنَعْتُهُ، مُنْذُ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ صَوَّرْتُهُ. الآنَ أَتَيْتُ بِهِ. فَتَكُونُ لِتَخْرِيبِ مُدُنٍ مُحَصَّنَةٍ، حَتَّى تَصِيرَ رَوَابِيَ خَرِبَةً. [25] بقوله: "ألم تسمع؟!" [25]، يليق بأشور أن يرجع إلى التاريخ ليدرك هذا الإله الحي وذراعه الرفيعة؛ كيف يُعَيِّر القدير الذي صنع مع شعبه عجائب؟! فَسُكَّانُهَا قِصَارُ الأَيْدِي قَدِ ارْتَاعُوا وَخَجِلُوا. صَارُوا كَعُشْبِ الْحَقْلِ وَكَالنَّبَاتِ الأَخْضَرِ، كَحَشِيشِ السُّطُوحِ، وَكَمَلْفُوحٍ قَبْلَ نُمُوِّهِ. [26] وَلَكِنِّي عَالِمٌ بِجُلُوسِكَ وَخُرُوجِكَ وَدُخُولِكَ وَهَيَجَانِكَ عَلَيَّ. [27] يليق بأشور أن يُدرِك بأنه لا يعرف حقيقة الإله الحي القدوس، وأن هذا الإله يعرف جلوسه وخروجه ودخوله ومشاعره الخفية. إنه أتفه من أن يقف أمام الله في معركة، إمكانياته تُحسَب كلا شيء، فأشور أشبه بعشب الحقل أو نبات أخضر ضعيف أو حشائش موضوعة على السطح أو غرس لبذرة حنطة لم تنمُ بعد لتحمل سنبلة، فكيف يدخل في معركة مع رب الجنود؟ إن كان أشور يعتمد على خططه الحربية الخفية، فالله عالمٌ بجلوسه وخروجه ودخوله وهيجانه عليه. لأَنَّ هَيَجَانَكَ عَلَيَّ وَعَجْرَفَتَكَ قَدْ صَعِدَا إِلَى أُذُنَيَّ، أَضَعُ خِزَامَتِي فِي أَنْفِكَ، وَلِجَامِي فِي شَفَتَيْكَ، وَأَرُدُّكَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جِئْتَ فِيهِ. [28] لماذا يضع الله خزامته في أنف ملك أشور، ولجامًا في شفتيه، أي كما لو كان حيوانًا؟ اعتاد أشور أن يذل المسبيين، خاصة الملوك والنبلاء وأصحاب المراكز، ويتعامل معهم بوحشية كأنهم حيوانات. ما يفعله بهم يرتد عليه، بالكيل الذي يكيل به للمسبيين يُكال له ويزداد. في كبرياء ظن سنحاريب أن ما بلغه من إنجازات بفضل قدرته وجهوده، ولم يدرك أن ذلك كان بسماح من الله. كان الأشوريون يعاملون الأسرى بعنفٍ، فكانوا يجدون لذاتهم وتسليتهم في تعذيبهم؛ يقلعون عيونهم، ويمزقون جلودهم، ويسلخونها بعنفٍ جزءًا فجزءًا حتى يموتوا. وإذ كانوا يتطلعون إلى الأسير كعبدٍ، يضعون خزامة في أنفه. إن كان أشور قد أذل الأمم والملوك، فيليق به أن يدرك ضعفه أمام الله الحي الذي في جسارة مُرَّة يسخر به ويُجدِّف عليه. إنه يضع خزامته في أنفه، ولجامه في فمه، فيصير كحيوانٍ ذليلٍ يُسحَب من الخزامة وباللجام، ولا يدري إلى أين هو ذاهب. v أما بالنسبة لي فقد أحضرني نبوخذناصر في سلاسل إلى بابل، أي إلى بلبلة الذهن. هناك وضع عليّ نير العبودية. هناك وضع خزامة في أنفي. أمرني أن أُسَبِّحَ بإحدى تسابيح صهيون. فقلتُ له: [الرب يعتق المسبيين، الرب يفتح أعين العميان] (مز 146: 7-8). القديس جيروم وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ خِلْفَةً. وَأَمَّا السَّنَةُ الثَّالِثَةُ فَفِيهَا تَزْرَعُونَ وَتَحْصِدُونَ، وَتَغْرِسُونَ كُرُومًا وَتَأْكُلُونَ أَثْمَارَهَا. [29] أعطى الرب حزقيا علامة أنه مهتم بشعبه، بالرغم من حملات الأشوريين ضدهم، التي كان لها أثرها على محصول تلك السنة، وأيضًا السنة التالية، لكن في السنة الثالثة يتمتعون بمحاصيل أرضهم حيث يكونون في سلام من تهديدات العدو (يوئيل 2: 12-14؛ مي 2: 12-13؛ صف 3: 8-20). وَيَعُودُ النَّاجُونَ مِنْ بَيْتِ يَهُوذَا، الْبَاقُونَ، يَتَأَصَّلُونَ إِلَى أَسْفَلٍ، وَيَصْنَعُونَ ثَمَرًا إِلَى مَا فَوْقُ. [30] الوعد الأعظم هو الثمر المتكاثر في مجيء المسيا، إذ توجد بقية مُقدَّسة تؤمن به وتشهد لأجل خلاص البشرية. هذا وعد إلهي، لأن غيرة رب الجنود على الخلاص تفعل هذا. لأَنَّهُ مِنْ أُورُشَلِيمَ تَخْرُجُ الْبَقِيَّةُ وَالنَّاجُونَ مِنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا. [31] في كل جيل يهتم الله بالبقية الأمينة الباقية لحساب ملكوته. يستخدمهم كشرارة نار حبٍ، ينفخها لتُلهبَ الكثيرين بالحب الإلهي، وتنزع عنهم برودة الجمود وعدم الإيمان. الله لا يتجاهل البصيص الذي في شعبِ ما أو في قلبٍ ما، فإنه يعمل بالقليل كما بالكثير، ليُخَلِّص على كل حال قومًا. تحققت نبوة إشعياء بخصوص "البقية" بتجسد كلمة الله وحلول الروح القدس في يوم البنطقستي (أع 2). لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ مَلِكِ أَشُّورَ: لاَ يَدْخُلُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ، وَلاَ يَرْمِي هُنَاكَ سَهْمًا، وَلاَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا بِتُرْسٍ، وَلاَ يُقِيمُ عَلَيْهَا مِتْرَسَةً. [32] يُقدِّم الرب وعدًا أن سنحاريب لن يدخل مدينة أورشليم، ولا يستخدم أسلحة ضدها. بالرغم من أن سنحاريب افتخر بأنه استولى على 46 مدينة من مملكة يهوذا، وأن حزقيا كان سجينًا في أورشليم لم يخرج منها كطائرٍ في قفصٍ، لكن الله برعايته لم يسمح له بالاستيلاء على مدينة أورشليم ولا يهاجمها بأسلحة، وذلك لأمانة الله وعهده مع داود، بالرغم من عدم أمانة الشعب وتجديفهم [22, 23, 27, 28]، (2 مل 18: 34-35). يُقدِّم الله تأكيدات أن ملك أشور ليس فقط يفشل في اقتحام المدينة، وإنما لن يدخلها، ولا يقف على مسافة منها تسمح له أو لجيشه أن يرمي سهمًا عليها، ولن يجسر أن يتقدَّم نحوها بترسٍ أو يقيم عليها مترسة. v إذن أين مسكن الله؟ في أورشليم وفي صهيون. في أورشليم حيث يقوم السلام، وفي صهيون حيث برج المراقبة. ليت النفس البشرية التي بها سلام الله والتأمل، وثانيًا تكون في الكنيسة وبالتأكيد مرتبطة بالأسفار المقدسة. بالتأكيد فيها يكون السلام ومسكن الله وعاصمته، هناك يُحَطِّم سهام القسيّ البارقة، السهام التي يصوِّبها الشيطان. يُحَطِّم الرب دومًا الدرع والسيف وأسلحة الحرب. القديس چيروم وَإِلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ لاَ يَدْخُلُ، يَقُولُ الرَّبُّ. [33] إن كان ربشاقى قد هدَّد حزقيا بأنه سيعود ليحاصر أورشليم، فإنه لن يعود إلى أورشليم، بل يرجع جيشه إلى أشور في خزيٍ وعارٍ. وَأُحَامِي عَنْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ، لأُخَلِّصَهَا مِنْ أَجْلِ نَفْسِي، وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي. [34] "من أجل نفسي". هذا الوعد بعدم تسليم أورشليم لسنحاريب، ليس عن فضل أو استحقاق شعبها، وإنما من أجل أمانة الله وعهده مع داود عبده. إن سلام أورشليم يخص الله نفسه، لا يأتمن كائنًا ما على حمايتها من سنحاريب. صلوات القديسين تسند النفس المجاهدة الراغبة في التوبة، أما إذا أصرَّتْ على عنادها فلا نفع لها، إذ يقول الرب لإرميا النبي: "وأنت فلا تُصلِ لأجل هذا الشعب ولا ترفع لأجلهم دعاء ولا صلاة، ولا تلح عليًّ لأني لا أسمعك" (إر 7: 16؛ 11: 14). الله الذي قال: "أُحامي عن هذه المدينة لأُخَلِّصها من أجل نفسي ومن أجل داود عبدي" [34] في أيام حزقيا الملك البار، لم ينطق بهذا في أيام الشر المتكاثر حين سلَّم المدينة لنبوخذناصر. تظهر شكلية العبادة في الاعتماد على صلوات القديسين المنتقلين والمجاهدين دونأية رغبة في التوبة والندامة. لقد استفاد يعقوب المجاهد من صلوات أبيه، إذ يقول للابان: [لولا أن إله أبي كان معي لكنت الآن قد صرتُ فارغًا] (تك 31: 42). كما يقول الله عن نفسه: "أحامي عن هذه المدينة لأخلصها من أجل نفسي ومن أجل داود عبدي" [34]. قال هذا حين كان حزقيا البار ملكًا، لكنه لم يقلها في أيام الشر حين سلَّم المدينة لنبوخذناصر. لا يمنع الله إرميا من تقديم الصلوات عن الشعب، فإنه يُسَرّ أن يجد قلوبًا مفتوحة بالحب، تُصلِّي للغير في غير أنانية، لكنه يؤكد له أن هذه الصلوات ليست بذات قيمة بالنسبة للشعب ما لم يُقدِّم الشعب نفسه توبة. لقد كانت الشفاعة عن الشعب جزءًا حيًا من عمل الأنبياء والكهنة، فصموئيل النبي يقول: "وأما أنا حاشا لي أن أُخطِئ إلى الرب، فأكف عن الصلاة من أجلكم" (1 صم 12: 23). وفي المصفاة إذ هاج الفلسطينيون عليهم، قالوا لصموئيل: "لا تكف عن الصراخ من أجلنا إلى الرب إلهنا، فيُخلِّصنا من يد الفلسطينيين" (1 صم 7: 8). وأيضًا موسى كان يشفع في شعبه، حتى قال الرب له: "اتركني ليحمَى غضبي عليهم وأفنيهم، فأُصيَّرك شعبًا عظيمًا" (خر 32: 10). والقديس يوحنا الذهبي الفم كرجل كنسي إنجيلي واعٍ، خشى أن يفهم عامة الشعب صلوات القديسين تواكلاً وتراخيًا في الجهاد الروحي، لهذا نجده يؤكد: v ما أعظم بركات صلوات القديسين إن كنا نحن أيضًا نعمل. v حقًا إن صلوات القديسين لها قوتها العظيمة بشرط توبتنا وإصلاح حياتنا. v إن كنا مُهمِلين لا نستطيع أن ننال خلاصًا حتى ولا بمساعدة الآخرين. وعلى العكس فإننا إن كنا ساهرين متيقظين نقدر أن نفعل ذلك بأنفسنا... لستُ أقول هذا لأنفي طلبات القديسين، وإنما لكي أوقف إهمالكم واكتفاءكم بالثقة في الآخرين وأنتم مطروحون على ظهوركم نائمين. v حسنًا، إننا ننتفع بصلوات القديسين، إن كنا نحن أنفسنا متيقظين. قد تقول: وما حاجتي إلى صلوات القديسين مادمتُ أنا نفسي متيقظًا؟ إن كنا نفكر تفكيرًا صادقًا ندرك أننا في حاجة إليها على الدوام، فبولس لم يقل: ما حاجتي إلى صلوات (الآخرين) مع أن الذين كانوا يصلون عنه كانوا غير مستحقين للصلاة عنه، ولا هم على قدم المساواة معه، وأنت تقول: ما حاجتي إلى الصلاة؟... إنك محتاج بالأكثر إلى الصلوات بسبب شعورك بعدم احتياجك إليها. نعم فإنك وإن صرت كبولس، فأنت محتاج إليها. لا تستكبر لئلا تسقط. أتريد أن تعرف فائدة الصلوات؟... اسمع يعقوب وهو يقول للابان: [لولا أن إله أبي كان معي، لكنتَ الآن صرتُ فارغًا] (تك 31: 42). اسمع أيضًا ما يقوله الله: "أُحَامِي عَنْ هذِهِ الْمَدِينَةِ لأُخَلِّصَهَا... مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي" [34]. متى قال هذا؟ في أيام حزقيا الذي كان بارًا. فلو أن الصلوات تفيد الأشرار المتمسكين بشرهم فلماذا لم يقل هذا في أيام نبوخذناصر بل أسلم المدينة؟ لأن الشر قد غلب بالأكثر. أيضًا صموئيل نفسه صلَّى عن الإسرائيليين وانتصر. ولكن، متى؟ عندما سرّوا هم أيضًا الله، عندئذ حاربوا الأعداء. تقولون: وما هي الحاجة إلى صلاة الغير إن كنتُ أنا نفسي أُسرّ الله؟ لا تقل هذا يا إنسان. نعم توجد حاجة وحاجة إلى صلاة أكثر. اسمعوا الله يقول عن أصدقاء أيوب: [عبدي أيوب يصلي من أجلكم، فتُغفَر خطاياكم] (راجع أي 8:42). حقًا لقد أخطأوا، لكن ليست خطية عظيمة. لكن هذا البار الذي أنقذ أصدقاءه بالصلاة، في الوقت الذي فيه لم يكن اليهود قادرين على إنقاذ الهالكين. لقد تعلَّموا هذا؛ اسمعوا الله يقول بالنبي: [إن وقف نوح ودانيال وأيوب، إنهم لا يخلصون بنيهم وبناتهم] (راجع حز 14:14، 16). فقد انتصر الشر. مرة أخرى: "وإن وقف موسى وصموئيل..." (إر 1:15). انظروا قيل هذا عن النبيين، لأن كليهما صليا عنهم، ولم ينتصرا... يليق بنا أن نطلب منهم الصلاة، رافعين أياديهم من أجلنا، وفي نفس الوقت نلتصق نحن بالفضيلة. v ها أنتم ترون أنه بينما يُعرف لنا فإنه من الجانب الآخر يُعرف لأعدائنا، مظهرًا لهم قدرته. أيام حزقيا تذكروا الوحوش الذين هاجموه بأعدادٍ غفيرةٍ، وبعد أن حاصروا كل شيءٍ كما في شبكة رحلوا تاركين خلفهم أغلبهم جثثًا ميتة. v صلاح الله هائل، وغالبًا ما يجد طريقه ليهب خلاص الأغلبية من أجل قلة من الأبرار. ولماذا أقول من أجل قلة من الأبرار؟ غالبًا إن لم يُوجد بار في الحياة الحاضرة يتحنَّن على الأحياء من أجل فضائل الراحلين، ويصرخ عاليًا: "وأُحامي عن هذه المدينة لأخلصها من أجل نفسي، ومن أجل داود عبدي" [34]. حتى إن كانوا ليسوا أهلاً للخلاص فهو يخلصهم. v ليتنا نهتم بجنازات الراقدين، فإنها نافعة لنا ولهم لمجد الله. لنُقدِّم صدقات كثيرة لأجلهم، فنرسل معهم أفضل معونة للطريق. فإن كان مجرد ذكرى الناس الفاضلين، مع أنهم موتى، تسند الأحياء (إذ يُقال: "أحامي عن هذه المدينة لأخلصها، لأجل نفسي، ومن أجل داود عبدي" [34]، بالأكثر كل الصدقات لها فاعليتها هكذا. فإنها أقامت حتى الميت، عندما وقفت الأرامل حولها يُظهرن ما فعلته طابيثا Dorcas عندما كانت معهن (أع 9: 39). لذلك عندما يكون شخص على باب الموت، فليعد له صديق الميت الجنازة، ويحثُّوا الراحل أن يترك شيئًا للمحتاجين. هذه الثياب معه فليرسلها معه إلى القبر، جاعلاً المسيح وارثًا له... عندما يجعل المسيح وارثًا له مع أطفاله، فلتتأملوا العمل الصالح الذي يسحبه إليه، وإلى بنيه، هذه هي أفضل أنواع الجنازات. هذه تفيد الأحياء والراحلين. إن كنا هكذا نُدفن فسنصير ممجدين في القيامة. القدِّيس يوحنا الذهبيّ الفم القديس أفراهاط 6. ملاك الرب يضرب جيش أشور وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ خَرَجَ، وَضَرَبَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ مِئَةَ أَلْفٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا. وَلَمَّا بَكَّرُوا صَبَاحًا، إِذَا هُمْ جَمِيعًا جُثَثٌ مَيِّتَةٌ. [35] في نفس اليوم الذي بلغت فيه رسالة ربشاقى إلى حزقيا بالليل، تم قتْل هذا العدد الكبير من الجيش بواسطة ملاك واحدٍ. كان الأشوريون مطمئنين وفي أمان، وإذا بالرعب يحلّ عليهم، ويَهلك منهم مئة وخمس وثمانون ألف جنديًا[35]. تَصوَّر القديس مار يعقوب السروجي أن القديسة مريم التي سبق فالتقت برئيس الملائكة جبرائيل يوم أرسله الآب ليبشرها بتجسد الكلمة الإلهي في أحشائها (لو 1: 26-39)، عرفت أنه سبق فبشَّر دانيال النبي ببعض الأحداث التي تتحقق على يدي ابنها الحبيب. لم يكن ممكنًا لفرحته وبهجته وملامحه أن تزول من أمام عينيها. لقد سمعت أيضًا عن خدمات رئيس الملائكة ميخائيل رئيس جند الرب، الذي أنقذ الشعب بقتل 185 ألفًا في ليلةٍ واحدةٍ (2 مل 19 : 35). لكن ما أدهشها أن جميع الطغمات السماوية وقفت في دهشة في لحظات المحاكمة والصلب، دون أن يتحرَّك أحد منهم للشهادة له والدفاع عنه! يرى البعض ما يقصده بملاك الرب كلمة الله قبل التجسد، وقد تحقق ذلك في ذات الليلة التي تلت حديث النبي إشعياء مع حزقيا [35]. لقد هُزِمَ سنحاريب في هذه المرة مع أنه سبق أن حاصر حزقيا وأذله، فقد جاء في إحدى الحفريات التي وجدت في خرائب نينوى[13] كلمات على لسان سنحاريب أنه هاجم حزقيا وأخذ 46 حصنًا ومدنًا صغيرة كما سَبَى 150 ,200 شخصًا من الكبار والصغار، من الذكور والإناث، وعدد كبير من الحيوانات؛ كما أغلق على حزقيا في أورشليم كعصفورٍ في قفص، ووضع سدودًا أمام مدينته وفرض عليه جزية مضاعفة إلخ. يُعلِّق البعض على أنه في الغروب كان جيش أشور محاصرًا أورشليم وأثناء الليل ضرب ملاك الرب الجند، وفي الصباح اكتشفوا الجثث الميتة، قائلين إنها نبوة عن عمل ربنا الخلاصي حين صُلب، إذ مات في الغروب، وقام في فجر الأحد. في الغروب حلَّ البكاء حيث أعلن الرب بصليبه مرارة الخطية التي حملها عنا، وفي الصباح قام من الأموات ليهبنا برَّه المُفرِح وحياته المقامة. في الغروب هدَّد ربشاقى حزقيا أنه سيُدمِّر أورشليم. "وكان في تلك الليلة أن ملاك الرب خرج وضرب من جيش أشور مئة ألف وخمسة وثمانين ألفًا؛ ولما بكَّروا صباحًا إذ هم جميعًا جثث ميتة" [35]. في المساء كان الشعب يبكي، وفي الصباح فرحوا بخلاص الله. يقول أنثيموس أسقف أورشليم: [إن ربنا يسوع المسيح هو ابن البرّ الذي رفضه اليهود، فصاروا كمن هم في المساء محرومون من النور الإلهي والفرح، أما المسيحيون فيؤمنون بالمسيح، صاروا كمن في الصباح مملوئين بالفرح.] v[بالعشاء ينصب البكاء خيمته](**) حلَّ هذا المساء evening عندما انطفأ نور الحكمة في الإنسان الخاطي، وسقط تحت حكم الموت؛ منذ ذلك المساء المحتوم، التزَم شعب الله بسكب الدموع وسط التعب والتجارب، مترقبًا حلول نهار الرب. يليق بالإنسان أن ينتظر حتى الصباح ليشهد لفرح قيامته التي انبعث نورها في باكورتها الأولى عندما قام ربنا عند شق الفجر. القديس أغسطينوس كان هناك يوم واحد قبل الناموس؛ ثم جاء يوم ثانٍ تحت الناموس، فيوم ثالث تحت النعمة. ذاك اليوم الذي عينه أظهره رأسنا نفسه خلال الثلاثة أيام، يجب إعادة تطبيقه أيضًا بالنسبة لكم... الصباح هو زمن الرجاء والفرح؛ أما الوقت الحاضر فهو زمن الاحتمال والمحن. القديس أغسطينوس هلم يا جبرائيل وشاهد ربك يُسخَر منه، ويدق الأثمة المسامير في يديه. وأنت يا ميخائيل يا رجل النار، لماذا تسكت؟ أين سيفك الذي دمَّر آلاف الأشوريين؟ [35]... لماذا بَرَدَ رمح نارك من الصالبين؟ إن كان التلاميذ هربوا من المُعَلِّم، وظل وحده، لماذا تركتموه أيها القوات النارية؟ إن كان الترابيون قد خافوا من الموت وهربوا منه، لماذا أيها اللامائتان ساكتان؟ اثنان منكم أهينا في أرض سدوم، فأضرمتما فيها بحر النار من أجنحتكما (تك 19). إهانتكما لم تتأخر وثأرتما لهما، ألا تنتقما من الجسورين بسبب إهانة ربكما؟... الملك مُهان وتقف الأجواق ساكتة، رب النار مُعلَّق على الخشبة، والنار هادئة. هوذا الترابيون يقبضون على الابن، والمراتب صامتة والملائكة ساكتون، ولسان الغبار منطلق. المراتب مغطاة وهم يبصقون في وجهه، والطغمات مرتجفة، وربهم الخفي مُحصَى بين الأثمة. القديس مار يعقوب السروجي ربما يشير الصباح إلى تدخُّل ملاك الله ضد سنحاريب [35]، وربما إلى القيامة، عندما يتحدث المرتل عن الاستيقاظ في حضرة الرب (مز 3: 5؛ 17: 15). التبكير في الصلاة هو السعي الدؤوب الجاد لطلب الله، قبل أن نسأل الآخرين المساعدة؛ الإنسان الذي يُقدِّم باكورة أفكار اليقظة لله لا يُحجم عن أن يكرِّس له بقية ساعات النهار الأخرى. v تُتلَى الصلوات باكرًا في الصباح لكي تُكرَّس للرب كل الحركات الأولى التي للنفس والعقل، فلا يكون لنا أدنى اهتمام آخر خلاف تهليلنا وفرحنا وشبع قلوبنا بالتفكير في الله، كما هو مكتوب: "تذكرتُ الرب فابتهجتُ" (مز 77: 4 الترجمة السبعينية)، ولكي لا يتثقل الجسد بأي عمل آخر قبل إتمام الكلمات: "لأني إليك أصلي يا رب، بالغداة (في الصباح) استمع صوتي، بالغداة أقف أمامك وتراني". القديس باسيليوس الكبير v هجوم الأشوريين قد خاب، وقدرة سنحاريب تحطَّمتْ تمامًا، بدموع حزقيا ومسوحه، وبتواضعه مع صومه. القديس جيروم مارتيريوس أو Sahdona وهنا لنا تعليقان: الأول هو أنَّه لو أراد الله إنقاذ المسيح من الموت، سواء عن طريق الصليب أو عن طريق أية وسيلة إعدام أخرى، كما يقول هو له المجد، لكان الله قد قدَّم له "أكْثر من اثْنيْ عشر جيْشًا من الْملائكة"! وإذا كانت الكتيبة الرومانية في ذلك الوقت تتكون من 6000 جندي وضابط، فكم وكم يكون عدد الجيش الكامل؟! وإذا كان ملاك واحدٌ قد أهلك من جيش الأشوريين مئة ألف وخمسة وثمانين ألفا في ليلة واحدة [35]، فماذا يفعل "أكْثر من اثْنيْ عشر جيْشًا من الْملائكة" (مت26: 52-53) مع الذين جاءوا للقبض عليه لو أراد الله إنقاذه من أيديهم؟! يتساءل القديس يوحنا الذهبي الفم بأنه إن كان ملاك واحد قتل 185 ألفا في ليلة واحدة، فلماذا قال لتلاميذه إنه إن أراد يطلب من الآب، فيرسل اثني عشر جيشَا من الملائكة. قال هذا بسبب ما بلغه تلاميذه من رعب، فقد ماتوا من الخوف. v لم يكن ملاك الرب الحقيقي المُرسل إلى الأشوريين في حاجة إلى هياج ولا إلى ألاعيب خارجية ولا إلى إزعاج ولا إلى مظاهر رائعة، وإنما في هدوءٍ استخدم سلطانه، فأهلك مئة ألف وخمسة وثمانين ألفًا. أما الشياطين، فكمن ليس لهم سلطان، يحاولون أن يرعبوا على الأقل بألاعيبهم. القدِّيس أنبا أنطونيوس الكبير 7. انسحاب سنحاريب واغتياله 36 فَانْصَرَفَ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ وَذَهَبَ رَاجِعًا وَأَقَامَ فِي نِينَوَى. 37 وَفِيمَا هُوَ سَاجِدٌ فِي بَيْتِ نِسْرُوخَ إِلهِهِ، ضَرَبَهُ أَدْرَمَّلَكُ وَشَرَآصَرُ ابْنَاهُ بِالسَّيْفِ، وَنَجَوَا إِلَى أَرْضِ أَرَارَاطَ. وَمَلَكَ آسَرْحَدُّونُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. فَانْصَرَفَ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ، وَذَهَبَ رَاجِعًا، وَأَقَامَ فِي نِينَوَى. [36] حاصر الأشوريون أورشليم، ولكنهم التزموا برفع الحصار بطريقة معجزية من قبل الله، إذ قيل: "وكان في تلك الليلة أن ملاك الرب خرج وضرب من جيش أشور مئة ألف وخمسة وثمانين ألفًا، ولما بكَّروا صباحًا إذ هم جميعًا جثث ميتة، فانصرف سنحاريب ملك أشور، وذهب راجعًا، وأقام في نينوى" [35-36]. ما حدث هنا يحدث بصورةٍ أو أخرى، علانية أو خفية، في حياة الكنيسة في كل جيلٍ، كما في حياة أولاد الله كأعضاء في كنيسته. انصرف سنحاريب دون قتال مع يهوذا، إنما أُرسل ملاك واحد من عند الرب، فضرب في ليلةٍ واحدةٍ مئة ألفٍ وخمسة وثمانين ألفًا من جيش أشور. وَفِيمَا هُوَ سَاجِدٌ فِي بَيْتِ نِسْرُوخَ إِلَهِهِ، ضَرَبَهُ أَدْرَمَّلَكُ وَشَرَآصَرُ ابْنَاهُ بِالسَّيْفِ، وَنَجَوَا إِلَى أَرْضِ أَرَارَاطَ. وَمَلَكَ آسَرْحَدُّونُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [37] نسروخ هو الإله التقليدي لمنطقة مسبوتاميا (المصيصة أو مابين النهرين)، وُجد في آثار أشورية، له رأس نسر، وجسم إنسان كما له جناحان. ما حدث هنا تم بعد عشرين عامًا من خلاص أورشليم، عندما أُغتيل والده، وجلس على العرش آسرحدون بن سنحاريب ملك (681-668 ق. م.) يرى البعض أن سفر يهوديت يروي الأحداث التي دارت بعد هزيمة سنحاريب ملك أشور في أيام حزقيا ملك يهوذا [35-37]؛ (2 أي 32) حيث عاد منهزمًا إلى نينوى، فقتله ابناه، وخلفه في الحكم ابنه آسرحدون الذي أغار على بلادٍ كثيرةٍ منها بلاد مادي انتقامًا من أرفكشاد ملكهم الذي كان اليهود يحبونه. إلى متى يسخر بك العدو ويذلني؟! v عيَّرك سنحاريب وقائده ربشاقى ! ظنا أنك مثل سائر آلهة الأمم، عاجز عن أن تُخلِّص! أقمتَ أشور للتأديب، فظن أنه أعظم منك ! أرسلت ملاكك، فأهلك في ليلةٍ مئة وخمس وثمانين ألف جندي! v أنت أقوى من كل قوة. أنت حصني وخلاصي، فممن أخاف؟! اليوم يوم بشارة بالنصرة الأبدية ! v إلى متى يحاصرني العدو، ويُفقدني حرية مجد أولاد الله؟! إلى متى يظنك كأحد آلهة الأمم الباطلة؟! إلى متى يسخر بك ويذلني؟! إلى متى أموت جوعَا في الحصار؟! لأقترب إليك، فتقترب إليّ. أنت شبعي، أنت كنزي، أنت نُصرتي ! لأفرح وأتهلل بخلاصي بك ! لأركض وأكرز بك، فينعم الكل معي. أصرخ: اليوم يوم بشارة ! كيف أتراخى، وقد اهتز كل كياني. كيف أصمت، وقد تحوَّلت حياتي إلى عيدٍ لا ينقطع ! لتملأ فمي بمواعيدك الإلهية، فأُبشِّر بها. |
||||