![]() | ![]() |
|
![]() |
|
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
||||
![]() لماذا يسمى احد السعف باسم احد الشعانين ؟ ج كلمة شعانين أصلها كلمة هوشعنا باللغة الآراميه ومعناها خلصنا ، وكان اليهود يظنوا أن السيد المسيح جاء كمخلص مدنى أو بصورة أخرى كمخلص عسكرى من حكم الرومان الذى كان سائدآ فى هذا الزمان ، فكانوا يرددون كلمة هوشعنا ، ولذلك نسميه أحد السعف أو الشعانين أو الاحد الذى تقال فيه كلمة هوشعنا |
|
||||
![]() أحد الشعانين كما رواه لوقا الإنجيلي والدورة التقليديّة في الكنيسة (لوقا 19: 28-40) النص الإنجيلي (لوقا 19: 28-40) 28 قالَ هذا ثُمَّ تَقَدَّمَ صاعِداً إِلى أُورَشَليم. 29 ولمَّا قَرُبَ مِن بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيا عِندَ الجَبلِ الَّذي يُقالُ لهُ جَبَلُ الزَّيتون، أَرسَلَ اثْنَينِ مِن تَلاميذِه، 30 وقالَ لَهما: ((اِذهَبا إِلى القَريةِ الَّتي تِجاهَكُما، تَجِدا عِندَما تَدخُلانِها جَحشاً مَربوطاً ما رَكِبَه أَحَدٌ قَطّ، فَحُلاَّ رِباطَه وأْتِيا بِه. 31 فإِن سأَلَكما سائِل: لِمَ تَحُلاَّنِ رِباطَه؟ فقولا: لأَنَّ الرَّبَّ مُحتاجٌ إِليه)). 32 فذَهَبَ المُرْسَلانِ فَوَجَدا كما قالَ لَهما. 33 وبَينَما هُما يَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش، قالَ لَهما أَصحابُه: ((لِمَ تَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش؟)) 34 فقالا: ((لأَنَّ الرَّبَّ مُحتاجٌ إِليه)). 35 فجاءَا بِالجَحْشِ إِلى يسوع، ووضَعا رِدائَيْهما علَيه وأَركَبا يسوع. 36 فَسارَ والنَّاسُ يَبسُطونَ أَردِيَتَهم على الطَّريق. 37 ولمَّا قَرُبَ مِن مُنحَدَرِ جَبَلِ الزَّيتون، أَخذَ جَماعَةُ التَّلاميذِ كُلُّها، وقدِ استَولى عَليهِمِ الفَرَح، يُسَبِّحونَ اللهَ بِأعلى أَصواتِهِم على جَميعِ ما شاهَدوا مِنَ المعجِزات، 38 فكانوا يَقولون: ((تَبارَكَ الآتي، المَلِكُ بِاسمِ الرَّبّ! السَّلامُ في السَّماء! والمَجدُ في العُلى!)) 39 فقالَ له بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ مِنَ الجَمْع: ((يا مُعَلِّمُ انتَهِرْ تَلاميذَكَ!)) 40 فأجابَ: ((أقولُ لَكم: لو سَكَتَ هؤلاء، لَهَتَفَتِ الحِجارَة! )). مُقَدِّمَة نَحْتَفِلُ اليَوْمَ بِأَحَدِ الشَّعَانِينَ، حَيْثُ يَصِفُ لُوقَا الإِنْجِيلِيُّ دُخُولَ المَسِيحِ إِلَى أُورَشَلِيمَ بِالمَجْدِ وَالِانْتِصَارِ مُدَشِّنًا "أُسْبُوعَ الآلَامِ"، مُقَدِّمًا حَيَاتَهُ ضَحِيَّةً عَنْ شَعْبِهِ (لُوقَا 19: 28–40). وَقَدْ ذَكَرَتِ الأَنَاجِيلُ الأَرْبَعَةُ هَذَا الدُّخُولَ إِلَى أُورَشَلِيمَ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّتِهِ (مَتَّى 21: 1–12، مَرْقُس 11: 1–11، يُوحَنَّا 12: 12–16). وَأُسْبُوعُ الآلَامِ هُوَ أُسْبُوعٌ مُقَدَّسٌ، لِأَنَّنَا نَحْتَفِلُ فِيهِ بِذِكْرَى مَا فَعَلَهُ الرَّبُّ يَسُوعُ مِنْ أَجْلِ خَلَاصِنَا، فِي خَمِيسِ الأَسْرَارِ، وَالجُمُعَةِ العَظِيمَةِ، وَالعَشِيَّةِ الفِصْحِيَّةِ، وَأَحَدِ القِيَامَةِ المَجِيدَةِ. وَيَبْدَأُ هَذَا الأُسْبُوعُ فِي أَحَدِ الشَّعَانِينَ، وَكَلِمَةُ "شَعَانِينَ" كَلِمَةٌ عِبْرِيَّةٌ "هُوشَعْنَا" (הוض¹×©×پض·×¢ ×*ض¸×گ)، مُشْتَقَّةٌ مِنْ جِذْرٍ سُرْيَانِيٍّ، وَمَعْنَاهَا "أَمْنَحِ الخَلَاصَ"، وَمِنْهَا اشْتُقَّتِ الكَلِمَةُ اليُونَانِيَّةُ (ل½،دƒخ±خ½خ½ل½±). وَكَمَا يَقُولُ القِدِّيسُ إيرُونِيمُوس: "إِنَّهَا تَعْنِي أَنَّ مَجِيءَ المَسِيحِ هُوَ خَلَاصُ العَالَمِ". أحدُ الشَّعانين هو إعلانٌ لِمُلوكيّةِ المسيح، لا بالقوّة البشريّة، بل بتواضُعهِ وذَبيحتِه. إنّه دعوةٌ لكلٍّ منّا أن نستقبِلَ يسوعَ في أُورَشليم قلوبِنا، أن نخلعَ أردِيَتَنا القديمة، ونبسطَ ذَواتِنا بمحبّةٍ صادقة. وَمِنْ هُنَا تَكْمُنُ أَهَمِّيَّةُ البَحْثِ فِي وَقَائِعِ النَّصِّ الإِنْجِيلِيِّ وَتَطْبِيقَاتِهِ. أولاً: تَحْليل وَقائِع النَّص الإنجيلي (لوقا 19: 28-40) 28 قالَ هذا ثُمَّ تَقَدَّمَ صاعِداً إلى أُورَشَليم تُشِيرُ عِبَارَةُ "تَقَدَّمَ صَاعِدًا" إِلَى تَصْمِيمِ يَسُوعَ فِي صُعُودِهِ إِلَى أُورَشَلِيمَ للآلام: "وَلَمَّا حَانَتْ أَيَّامُ ارْتِفَاعِهِ، عَزَمَ عَلَى الاِتِّجَاهِ إِلَى أُورَشَلِيمَ" (لُوقَا 9: 51). لم يكن طريقُ آلامِهِ صُدفة، بل قرارٌ حرٌّ منه ليُقدِّم ذاته فِصحًا عن العالَم. وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ، لَا يُعْتَبَرُ طَرِيقُ آلَامِ يَسُوعَ وَصَلْبِهِ مُجَرَّدَ ثَمَرَةٍ لِأَحْقَادِ الأَشْرَارِ وَتَدَابِيرِهِمْ لِمُقَاوَمَةِ يَسُوعَ وَقَتْلِهِ، إِنَّمَا هُوَ أَيْضًا طَرِيقٌ أَعَدَّهُ الرَّبُّ نَفْسُهُ، إِذْ سَمَحَ بِهِ لِنَنَالَ فِيهِ قُوَّةَ القِيَامَةِ وَبَهْجَتَهَا خِلَالَ الصَّلِيبِ. فَاتَّجه يسوع بِنَفْسِهِ نَحْوَ أُورَشَلِيمَ، لِتَقْدِيمِ نَفْسِهِ بِإِرَادَتِهِ فِصْحًا عَنِ البَشَرِيَّةِ. يُقَدِّمُ جَسَدَهُ ذَبِيحَةَ حُبٍّ قَادِرَةً أَنْ تُقِيمَ مِنَ المَوْتِ، وَتَهَبَ حَيَاةً أَبَدِيَّةً لِمَنْ يَنْعَمُ بِهَا. إِنَّهُ الكَاهِنُ وَالذَّبِيحَةُ فِي نَفْسِ الوَقْتِ الَّذِي يَتَقَدَّمُ فِيهِ إِلَى الصَّلِيبِ. أَمَّا عِبَارَةُ "أُورَشَلِيم" فَتُشِيرُ، فِي لُوقَا الإِنْجِيلِيِّ، إِلَى مَكَانِ صُعُودِ ابْنِ الإِنْسَانِ، إِلَى مَدِينَةِ الآلَامِ وَالصَّلْبِ وَالدَّفْنِ وَالقِيَامَةِ، تَتْمِيمًا لِمَشِيئَةِ الآبِ. وَهِيَ تَرْمُزُ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ (أَشَعْيَا 65: 17–25). 29 ولمَّا قَرُبَ مِن بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيا عِندَ الجَبلِ الَّذي يُقالُ لهُ جَبَلُ الزَّيتون، أَرسَلَ اثْنَينِ مِن تَلاميذِه تُشِيرُ عِبَارَةُ "قَرُبَ" إِلَى يَسُوعَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يُتَمِّمَ عَمَلِيًّا نُبُوءَةَ زَكَرِيَّا النَّبِيِّ: "اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا بِنْتَ صِهْيُونَ، وَاهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورَشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ آتٍ إِلَيْكِ، بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ، وَضِيعٌ، رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ، وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ" (زَكَرِيَّا 9: 9–10). وبِنْتُ صِهْيُونَ هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ أُورَشَلِيمَ (أَشَعْيَا 1: 8)، لِأَنَّ جَبَلَ صِهْيُونَ هُوَ أَحَدُ الجِبَالِ الَّتِي بُنِيَتْ عَلَيْهَا أُورَشَلِيمُ. وَيَبْدُو أَنَّ يَسُوعَ وَصَلَ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا مَسَاءً، عِنْدَ بَدَايَةِ السَّبْتِ اليَهُودِيِّ، كَمَا يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ يُوحَنَّا: "قَبْلَ الفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ جَاءَ يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا" (يُوحَنَّا 12: 1). أَمَّا عِبَارَةُ "بَيْتَ فَاجِي"، فَفِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ خ’خ·خ¸د†خ±خ³ل½´، وَمَعْنَاهَا "بَيْتُ التِّينِ"، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الاِسْمِ الآرَامِيِّ בض¼ضµ×™×ھض¾×¤ض¼ض·×’ض¼ضµ×™. تُشِيرُ إِلَى قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ تَقَعُ إِلَى الجَنُوبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، عَلَى الطَّرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُورَشَلِيمَ (مَتَّى 21: 1). وَقَدْ كَانَ يَسْكُنُهَا الكَهَنَةُ لِيَكُونُوا قَرِيبِينَ مِنَ الهَيْكَلِ بِأُورَشَلِيمَ. وَيَظْهَرُ أَنَّ يَسُوعَ دَخَلَهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بَيْتَ عَنْيَا، إِذْ كَانَ آتِيًا مِنْ أَرِيحَا إِلَى أُورَشَلِيمَ. والتِّينَةُ" هِيَ رَمْزٌ لِلكنِيسَةِ مِنْ جِهَةِ وَحْدَتِهَا، حَيْثُ تَضُمُّ بُذُورًا كَثِيرَةً دَاخِلَ غِلَافِ الرُّوحِ القُدُسِ. أَمَّا عِبَارَةُ "بَيْتَ عَنْيَا"، فَتُشِيرُ إِلَى الاِسْمِ الآرَامِيِّ בضµض¼×™×ھض¾×”ض´×™×*ض´×™، وَمَعْنَاهُ: "بَيْتُ البُؤْسِ" أَوْ "البَائِسِ". وَهِيَ قَرْيَةٌ تَقَعُ إِلَى الجَنُوبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، عَلَى بُعْدِ ثَلَاثَةِ كِيلُومِتْرَاتٍ مِنْ أُورَشَلِيمَ. وَتُدْعَى اليَوْمَ العَازَرِيَّة، لأَنَّهُ فِيهَا بَيْتُ لِعَازَرَ وَمَرْيَمَ وَمَرْثَا، وَقَبْرُ لِعَازَرَ. وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَكَمَةٍ صَخْرِيَّةٍ وَعِرَةِ المَسَالِكِ. وَكَانَ السَّيِّدُ المَسِيحُ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهَا مِرَارًا، لا سِيَّمَا فِي أَيَّامِهِ الأَخِيرَةِ، لِيَزُورَ صَدِيقَهُ لِعَازَرَ وَأُخْتَيْهِ. وَقَدْ أَقَامَ لِعَازَرَ مِنَ القَبْرِ (يُوحَنَّا 11: 1–44)، وَلاَ يَزَالُ قَبْرُهُ مَنْحُوتًا فِي الصَّخْرِ هُنَاكَ. وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ أُوغُسْطِينُوس عَلَى القَرْيَتَيْنِ بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا، فَيَقُولُ: "إِنَّ الرَّقْمَ ظ¢ يُشِيرُ إِلَى المَحَبَّةِ لِلهِ وَالنَّاسِ، فَبِفَلْسَيْنِ قَدَّمَتِ الأَرْمَلَةُ كُلَّ حُبِّ قَلْبِهَا فِي خِزَانَةِ الرَّبِّ، وَبِالدِّينَارَيْنِ أَعْلَنَ السَّامِرِيُّ الصَّالِحُ أَعْمَاقَ مَحَبَّتِهِ لِلْجَرِيحِ. وَنَحْنُ لَا نَقْدِرُ أَنْ نَبْدَأَ مَوْكِبَ الصَّلِيبِ مَا لَمْ نَبْدَأْ بِالقَرْيَتَيْنِ، وَنَلْتَقِي بِهِ فِي مَوْكِبِهِ خِلَالَ الحُبِّ." أَمَّا عِبَارَةُ "جَبَلِ الزَّيْتُونِ"، فَتُشِيرُ إِلَى الجَبَلِ الَّذِي يَقَعُ تُجَاهَ أُورَشَلِيمَ (ظ، مُلُوك 11: 7)، وَهُوَ الجَبَلُ الَّذِي عَلَى شَرْقِ المَدِينَةِ المُقَدَّسَةِ (حِزْقِيَال 11: 23)، وَيُسَمَّى أَيْضًا "جَبَلُ الهَلاَكِ" (2 مُلُوك 23: 13). يَبْلُغُ ارْتِفَاعُهُ عَنْ سَطْحِ البَحْرِ نَحْوَ 780 م، وَهُوَ أَعْلَى مِنَ الهَيْكَلِ بِـنَحْوِ 91 م. وَيَفْصِلُ هَذَا الجَبَلُ عَنْ أُورَشَلِيمَ وَادِي قَدْرُون (يُوحَنَّا 18: 1)، وَقَدْ حُسِبَتِ المَسَافَةُ بَيْنَ أَقْصَى قِمَمِهِ الشِّمَالِيَّةِ وَبَيْنَ أُورَشَلِيمَ بِـسَفَرِ سَبْتٍ، أَيْ أَلْفَيْ خَطْوَةٍ (أَعْمَال الرُّسُل 1: 12)، أَوْ كَمَا قَالَ المُؤَرِّخُ يُوسِيفُوس: سِتُّ غَلَوَاتٍ. وَطَالَمَا صَعِدَ المَسِيحُ إِلَيْهِ، وَفِي وَقْتِ نُزُولِهِ مِنْهُ قَبْلَ الصَّلْبِ بِأَيَّامٍ قَلِيلَةٍ، اسْتَقْبَلَتْهُ الجُمُوعُ بِالهُتَافِ وَالتَّرْحِيبِ، لَكِنَّهُ كَانَ يَبْكِي عَلَى المَدِينَةِ وَمَصِيرِهَا القَرِيبِ (لُوقَا 19: 37–44). وَمِنْ سَفْحِ ذَلِكَ الجَبَلِ، تَحَدَّثَ عَنْ خَرَابِ الهَيْكَلِ وَالْمَدِينَةِ (مَتَّى 24: 3). وَقَبْلَ الفِصْحِ الأَخِيرِ، صَعِدَ إِلَى هُنَاكَ، حَيْثُ بُسْتَانُ الجَسَمَانِيَّةِ فِي جِهَةِ الغَرْبِ (لُوقَا 22: 39). وَكَانَت بَيْتُ عَنْيَا وَبَيْتُ فَاجِي فِي شَرْقِهِ. وَمِنْ قِمَّةِ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، صَعِدَ المَسِيحُ إِلَى السَّمَاءِ (لُوقَا 24: 50). وَيُسَمِّيهِ العَرَبُ فِي الوَقْتِ الحَاضِرِ: جَبَلُ الطُّورِ. وَعِنْدَ أَقْدَامِ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، وَبِالقُرْبِ مِنَ الجَسَمَانِيَّةِ، يَمْتَدُّ طَرِيقٌ مُتَفَرِّعٌ إِلَى أَرْبَعَةِ مَسَارَاتٍ: مَسَارٌ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا وَأَرِيحَا، بَنَاهُ الخَلِيفَةُ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوَان فِي القَرْنِ السَّابِعِ المِيلَادِيِّ. وَالمَسَارُ الثَّانِي يَتَّجِهُ عَبْرَ القِمَّةِ إِلَى بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا. وَالمَسَارَانِ الآخَرَانِ يَتَعَرَّجَانِ كَثِيرًا فِي طَرِيقِهِمَا إِلَى القِمَّةِ. وَيُمْتَدُّ طَرِيقٌ رُومَانِيٌّ قَدِيمٌ مِنْ وَادِي قَدْرُون إِلَى الأُرْدُنِّ. وَكَانَتْ يتَوَقَّعُ اليَهُودُ أَنَّ مَجِيءَ المَسِيحِ مُرْتَبِطٌ بِـجَبَلِ الزَّيْتُونِ، وَيُعْلِنُ المُؤَرِّخُ اليَهُودِيُّ يُوسِيفُوس أَنَّ ارْتِبَاطَ مَوْكِبِ المَسِيحِ فِي دُخُولِهِ إِلَى أُورَشَلِيمَ بِـجَبَلِ الزَّيْتُونِ يَدُلُّ عَلَى طَبِيعَةِ هَذَا المَوْكِبِ: "مَوْكِبٌ مَسِيَّانِيٌّ". أَمَّا عِبَارَةُ "أَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ"، فَفِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ ل¼€د€ل½³دƒد„خµخ¹خ»خµخ½ (مَعْنَاهَا: أَرْسَلَ) فتُشيرُ إِلَى الإِرْسَالِيَّةِ لِلأُمَمِ وَلِلْيَهُودِ، فَالمَسِيحُ يَأْخُذُ دَوْمًا زِمَامَ المُبَادَرَةِ. فَقَدْ أَرْسَلَ يَسُوعُ التَّلَامِيذَ سَابِقًا لِيُعْلِنُوا لِجَمِيعِ الأُمَمِ الخَبَرَ السَّارَّ المُتَعَلِّقَ بِاقْتِرَابِ المَلَكُوتِ: "أَرْسَلَهُمْ (ل¼€د€ل½³دƒد„خµخ¹خ»خµخ½) لِيُعْلِنُوا مَلَكُوتَ اللهِ" (لُوقَا 9: 2). وَهُوَ الآنَ يُرْسِلُ تِلْمِيذَيْنِ، تَمَامًا كَمَا سَبَقَ وَأَرْسَلَ الاثْنَيْنِ وَالسَّبْعِينَ، اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ (لُوقَا 10: 1–10). فَإِرْسَالُ هَذَيْنِ التِّلْمِيذَيْنِ يُمَثِّلُ الكَنِيسَةَ المُرْسَلَةَ لِتُعْلِنَ لِلْجَمِيعِ فِصْحَ الرَّبِّ، إِذْ إِنَّ إِرْسَالِيَّةَ الرُّسُلِ مُرْتَبِطَةٌ بِـإِرْسَالِيَّةِ يَسُوعَ نَفْسِهِ: "كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ، أُرْسِلُكُمْ أَنَا أَيْضًا" (يُوحَنَّا 20: 21)، وَخَاصَّةً عِنْدَ ظُهُورِهِ لَهُمْ بَعْدَ القِيَامَةِ، حَيْثُ قَالَ لَهُمْ: "اِذْهَبُوا..." (مَرْقُس 16: 15)، لِيُبَشِّرُوا بِالإِنْجِيلِ، وَلِيُتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ (مَتَّى 28: 19)، وَلِيُقَدِّمُوا شَهَادَتَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ (أَعْمَال 1: 8). وَبِذَلِكَ، تُبَلَّغُ إِرْسَالِيَّةُ الاِبْنِ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، بِفَضْلِ إِرْسَالِيَّةِ رُسُلِهِ وَكَنِيسَتِهِ، بِالكِرَازَةِ بِالخَلاَصِ: فِي العَهْدِ القَدِيمِ خِلَالَ الرُّمُوزِ وَالظِّلَالِ، وفِي العَهْدِ الجَدِيدِ خِلَالَ الحَقِّ. أَمَّا عِبَارَةُ "اثْنَيْنِ"، فَتُشِيرُ إِلَى الرَّقْمِ ظ¢، الَّذِي يُدَلِّلُ عَلَى المَحَبَّةِ، إِذْ يُوحِّدُ الاِثْنَيْنِ فِي وَاحِدٍ. فَالمَحَبَّةُ جَاءَتْ فِي وَصِيَّتَيْنِ: مَحَبَّةُ اللهِ وَمَحَبَّةُ القَرِيبِ. وَلِذَلِكَ، بَدَأَتْ إِرْسَالِيَّتُهُ بِتِلْمِيذَيْنِ، وَهُوَ بِالقُرْبِ مِنْ قَرْيَتَيْنِ، أَيْ فِي جَوِّ الحُبِّ، الَّذِي بِدُونِهِ لَا نَنْعَمُ بِدُخُولِ السَّيِّدِ إِلَى أُورَشَلِيمَ. 30 وقالَ لَهما: اِذهَبا إلى القَريةِ الَّتي تِجاهَكُما، تَجِدا عِندَما تَدخُلانِها جَحشاً مَربوطاً ما رَكِبَه أَحَدٌ قَطّ، فَحُلاَّ رِباطَه وأْتِيا بِه تُشِيرُ عِبَارَةُ "اِذْهَبَا إِلَى القَرْيَةِ" إِلَى الإِرْسَالِيَّةِ لِلْأُمَمِ وَلِلْيَهُودِ، حَيْثُ أَرْسَلَ السَّيِّدُ تِلْمِيذَيْهِ لِيَحُلَّا بِاسْمِهِ المَرْبُوطيْنِ، وَيُدْخِلاَهُم فِي القُلُوبِ إِلَى أُورَشَلِيمَ العُلْيَا. هي دعوةٌ للدُّخول إلى العالَم بروحِ المرسَل، لا المالِك؛ فالمسيح يُرسِلنا كفُقراء يَثقون بالعناية الإلهيّة. أَمَّا عِبَارَةُ "جَحْشٍ"، فَتُشِيرُ إِلَى صِغَارِ الحَمِيرِ، وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُهُ فِي بَرَكَةِ يَعْقُوبَ لِابْنِهِ يَهُوذَا: "رَابِطٌ بِالجَفْنَةِ جَحْشَهُ، وَبِأَفْضَلِ كَرْمَةٍ ابْنَ حِمَارَتِهِ" (تَكْوِين 49: 11). وَكَانَ يَرْكَبُ الجَحْشَ الشُّرَفَاءُ (قُضَاة 10: 4)، وَكَانَ مَطِيَّةَ الآبَاءِ (تَكْوِين 49: 11). ولُوقَا الإِنْجِيلِيُّ يُلَمِّحُ هُنَا إِلَى قَوْلِ زَكَرِيَّا النَّبِيِّ (زَكَرِيَّا 9: 9)، أَيْ إِلَى دُخُولِ المَلِكِ، المَسِيحِ المُنْتَظَرِ، إِلَى أُورَشَلِيمَ عَلَى جَحْشٍ، لاَ عَلَى جِيَادِ الأَغْنِيَاءِ وَالأَقْوِيَاءِ، بَلْ عَلَى حِمَارٍ مُتَوَاضِعٍ، كَمَا وَرَدَ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ (تَكْوِين 49: 11). وكان رُكُوبُ الخَيْلِ نَادرًا فِي السَّفَرِ العَادِيِّ يَوْمَئِذٍ فِي اليَهُودِيَّةِ، لِقِلَّتِهَا وَلِاسْتِخْدَامِهَا فِي الحُرُوبِ خَاصَّةً. وَقَدِ اعْتَادَ المُلُوكُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ وَأَشْرَافُهُمْ رُكُوبَ الحَمِيرِ (قُضَاة 10: 4)، فَرُكُوبُ الحِمَارِ لاَ يَدُلُّ عَلَى الفَقْرِ أَوْ دَنَاءَةِ المَقَامِ. أَمَّا عِبَارَةُ "مَرْبُوطًا"، تَتكرَّر أربع مرَّات في النَّص (لوقا 19؛ 30؛31؛33)، فَتُشِيرُ إِلَى الآخَرِينَ الَّذِينَ يَرْبِطُونَهُ لِيَمْتَلِكُوهُ، أَمَّا يَسُوعُ، فَيَأْمُرُ بِحَلِّهِ. وهي صورةٌ رمزيّةٌ للإنسان المربوط بقيود الخطيئة. والمسيح يأمرُ بحلِّه، لأنَّه جاء ليُحرِّر ويُخلِّص. فَـالنِّعْمَةُ أَعْظَمُ مِنَ القُيُودِ، وَالحَلُّ أَقْوَى مِنَ الرَّبْطِ. وَلْنُبْتَهِلْ مَعَ القِدِّيسِ أَثَنَاسِيُوسَ الرَّسُولِيِّ: "لِيُرْسِلِ الرَّبُّ يَسُوعُ تَلَامِيذَهُ إِلَيْنَا فَيَحُلُّونَنَا مِنَ القُيُودِ المُكَبَّلِينَ بِهَا جَمِيعًا؛ إِذْ بَعْضُنَا مُكَبَّلٌ بِحُبِّ الفِضَّةِ، وَآخَرُ بِقُيُودِ الزِّنَا، وَآخَرُ بِالسُّكْرِ، وَآخَرُ بِالظُّلْمِ". أَمَّا عِبَارَةُ "مَا رَكِبَهُ أَحَدٌ قَطُّ"، فَتُشِيرُ إِلَى طَبِيعَةِ المَوْكِبِ، أَنَّهُ دِينِيٌّ سَمَاوِيٌّ رُوحِيٌّ إِلَهِيٌّ لا دنيوي (2 صَمُوئِيل 6: 3). وهذا الموكب رمزٌ للأُمم الذين لم يعرفوا الله، وهم مَدعوّون الآن للإيمان. وَيُعَلِّقُ العَلاَّمَةُ أُورِيجَانُوس: "إِنَّ الأُمَمَ لَمْ يَسْبِقْ لَهُمْ عِبَادَةُ اللهِ الحَيِّ، وَلاَ تَسَلَّمُوا شَرِيعَتَهُ، وَلاَ عَرَفُوا مَوَاعِيدَهُ كَمَا عَرَفَهَا اليَهُودُ. إِنَّهُمْ بِلاَ خِبْرَةٍ رُوحِيَّةٍ، فَهُمْ صُورَةٌ لِلـجَحْشِ الَّذِي مَا رَكِبَهُ أَحَدٌ قَطُّ". وَذَاكَ ظ±لْجَحْشُ، ظ±لَّذِي لَمْ يَرْكَبْهُ أَحَدٌ مِنْ قَبْلُ، قَدْ وَجَدَ أَخِيرًا ظ±لْمَلِكَ ظ±لْوَحِيدَ ظ±لْجَدِيرَ بِأَنْ يَعْتَلِيَهُ. أَمَّا عِبَارَةُ "حُلاَّ رِبَاطَهُ وَأْتِيَا بِهِ"، فَتُشِيرُ إِلَى مَشْرُوعٍ دِينِيٍّ رُوحِيٍّ (عَدَد 19: 2). وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ بَاسِيلْيُوسُ الكَبِيرُ: "يَلِيقُ بِنَا، حَتَّى إِنْ أُوكِلَ إِلَيْنَا أَقَلُّ الأَعْمَالِ، أَنْ نُمَارِسَهُ بِغَيْرَةٍ عَظِيمَةٍ وَحُبٍّ، عَالِمِينَ أَنَّ مَا يُصْنَعُ بِاللهِ لَيْسَ تَافِهًا، بَلْ يُقَابِلُهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ". 31 فإِن سأَلَكما سائِل: لِمَ تَحُلاَّنِ رِباطَه؟ فقولا: لأَنَّ الرَّبَّ مُحتاجٌ إِليه تُشِيرُ عِبَارَةُ "فَإِنْ سَأَلَكُمَا سَائِلٌ" إِلَى اِعْتِرَاضٍ مُحْتَمَلٍ قَدْ يُوَاجِهُهُ التِّلْمِيذَانِ فِي أَدَاءِ مَهَمَّتِهِمَا، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ طَبِيعِيَّةٌ فِي مِثْلِ هَذِهِ الحَالَةِ، حَيْثُ يُؤْمَرَانِ بِأَخْذِ دَابَّةٍ التي لَيْسَتْ لَهُمَا، دُونَ تَفْسِيرٍ مُسْبَقٍ. أَمَّا عِبَارَةُ "الرَّبُّ"، فَتُشِيرُ إِلَى لَقَبٍ يُطْلِقُهُ يَسُوعُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَرِدُ هَذَا اللَّقَبُ إِلَّا فِي هَذَا النَّصِّ الإِنْجِيلِيِّ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ. وَقَدِ اسْتَخْدَمَهُ المَسِيحِيُّونَ الأَوَّلُونَ فِي الإِشَارَةِ إِلَى المَسِيحِ القَائِمِ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ. َفِي حِينِ أَنَّ أَسْفَارَ العَهْدِ القَدِيمِ جَعَلَت لَقَبَ "الرَّبّ" خاصًّا بِاللهِ، (مَتَّى 21: 3–4)، فَإِنَّ لَقَبَ "المَلِكِ" هُوَ مَا أُطْلِقَ عَلَى المَسِيحِ المُنْتَظَرِ فِي التُّرَاثِ اليَهُودِيِّ. أَمَّا عِبَارَةُ "مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ"، فَتُشِيرُ إِلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ، الَّذِي كَانَ وَاحِدًا مِنْ أَصْدِقَاءِ يَسُوعَ غَيْرِ المَعْرُوفِينَ، وَرُبَّمَا يُرْمَزُ بِهِ إِلَى كُلِّ إِنْسَانٍ يَمْلِكُ شَيْئًا، وَيَسْتَخْدِمُهُ الرَّبُّ فِي خِطَّةِ الخَلاَصِ. إِنَّ يَسُوعَ يُعْلِنُ نَفْسَهُ كَمَنْ يَحْتَاجُ إِلَى البَشَرِيَّةِ، لاَ كَمَنْ يَتَعَالَى عَلَيْهَا، بَلْ كَمَنْ يَطْلُبُ قُلُوبَهَا لِيَسْكُنَ فِيهَا. وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ يُوحَنَّا الذَّهَبِيُّ الفَمِ قَائِلًا: "إِنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُمَا أَنْ يَقُولَا: «رَبُّكَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ»، وَلاَ «رَبُّنَا مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ»، بَلْ قَالَ: «الرَّبُّ»؛ لِيُدْرِكُوا أَنَّهُ رَبُّ البَشَرِيَّةِ كُلِّهَا، حَتَّى الخُطَاةُ مُنْتَمُونَ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانُوا بِكَامِلِ حُرِّيَّتِهِمْ قَدِ اِنْتَمَوْا إِلَى الشَّيْطَانِ". 32 فذَهَبَ المُرْسَلانِ فَوَجَدا كما قالَ لَهما تُشِيرُ عِبَارَةُ "المُرْسَلَانِ" إِلَى مَبْدَأٍ شَرْعِيٍّ وَرُوحِيٍّ مُهِمٍّ فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الرَّبُّ يَسُوعُ:"شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ تَصِحّ" (يُوحَنَّا 8: 17). رَقْمُ اثْنَيْنِ يُشِيرُ إِلَى وَحْدَةِ الشَّهَادَةِ، وَيَدُلُّ رُوحِيًّا عَلَى عَمَلِ الخَيْرِ وَالتَّجَسُّدِ، كَمَا قَالَ القِدِّيسُ بُولُس: "فَإِنَّهُ سَلاَمُنَا، فَقَدْ جَعَلَ مِنَ الجَمَاعَتَيْنِ جَمَاعَةً وَاحِدَةً" (أَفَسُس 2: 14). فَـالإِرْسَالُ بِـاثْنَيْنِ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى وَحْدَةِ الرُّسَالَةِ، وَإِلَى أَنَّ يَسُوعَ يُرْشِدُ تَلاَمِيذَهُ اليَوْمَ كَمَا أَرْشَدَهُم فِي السَّابِقِ، بِنَفْسِ الحِكْمَةِ وَالقُوَّةِ. أَمَّا عِبَارَةُ "فَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا"، فَتُشِيرُ إِلَى ثِقَةِ التِّلْمِيذَيْنِ فِي كَلِمَةِ المُعَلِّمِ، الَّتِي تَتَحَقَّقُ بِدِقَّةٍ، فَقَدْ وَجَدَا كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ مَا أَوْصَاهُمَا بِهِ يَسُوعُ. وَهُنَا تَدْعُونَا القِصَّةُ إِلَى الإِيمَانِ وَالثِّقَةِ الكَامِلَةِ فِي كَلِمَةِ الرَّبِّ، الَّذِي يَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُرْسِلُنَا لِنُتَمِّمَ مَشِيئَتَهُ، حَتَّى إِنْ لَمْ نَفْهَمْ فِي اللَّحْظَةِ، فَسَنَرَى بِالعَيْنِ مَا قَالَهُ بِاللِّسَانِ. 33 وبَينَما هُما يَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش، قالَ لَهما أَصحابُه: لِمَ تَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش؟ تُشِيرُ عِبَارَةُ "هُمَا يَحُلَّانِ رِبَاطَ الجَحْشِ" إِلَى صُورَةٍ رَمْزِيَّةٍ للتَّمَتُّعِ بِالحَلِّ مِنَ الخَطَايَا، وَذَلِكَ عَبْرَ السُّلْطَانِ الرَّسُولِيِّ، حَسَبَ وَصِيَّةِ السَّيِّدِ المَسِيحِ وَبِكَلِمَتِهِ. فَـالحَلُّ هُوَ مَوْهِبَةٌ إِلَهِيَّةٌ وَعَطِيَّةٌ سَمَاوِيَّةٌ، يُقَدِّمُهَا اللهُ نَفْسُهُ مِنْ خِلَالِ كَهَنَتِهِ، كَمَا أَعْطَاهُم سُلْطَانَ الحَلِّ وَالرَّبْطِ: "كُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ، يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ" (متى 18: 18). وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ أَثَنَاسِيُوس الرَّسُولِيُّ قَائِلًا: "لَيْتَنِي أَكُونُ مِثْلَ هَذَيْنِ التِّلْمِيذَيْنِ، أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفُكَّ قُيُودَ الحَاضِرِينَ، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا مُقَيَّدٌ بِقُيُودِ الخَطِيَّةِ". فَلْنُبْتَهِلْ جَمِيعًا: لِيُرْسِلِ الرَّبُّ يَسُوعُ تَلَامِيذَهُ إِلَيْنَا، فَيَحُلُّونَنَا مِنَ القُيُودِ الَّتِي نُكَبَّلُ بِهَا، إِذْ بَعْضُنَا مُقَيَّدٌ بِحُبِّ المَالِ، وَآخَرُ بِقُيُودِ الزِّنَا، وَآخَرُ بِالسُّكْرِ، وَآخَرُ بِالظُّلْمِ...لِيَأْتِ الرَّبُّ فِي مَوْكِبِهِ إِلَى أُورَشَلِيمِ قُلُوبِنَا، وَيَحِلَّنَا بِنِعْمَتِهِ، لِنَسِيرَ مَعَهُ فِي طَرِيقِ الفِصْحِ، طَرِيقِ الحُرِّيَّةِ وَالخَلاَصِ. 34 فقالا: لأَنَّ الرَّبَّ مُحتاجٌ إِليه تُشِيرُ عِبَارَةُ "مُحْتَاجٌ" إِلَى كَلِمَةٍ رَئِيسِيَّةٍ فِي إِرْسَالِ التَّلَامِيذِ، إِذْ كَانَ وَاجِبُهُمْ أَنْ يَذْهَبُوا فِي وَسَطِ النَّاسِ كَـفُقَرَاءَ مُحْتَاجِينَ، دُونَ أَنْ يَحْمِلُوا مَعَهُم شَيْئًا: "لا تَحمِلوا شَيئًا لِلطَّريقِ، لا عَصًا ولا مِزْوَدَةً ولا خُبْزًا ولا فِضَّةً، ولا يَكونَ لأَحَدٍ مِنكُم ثَوبانِ" (لوقا 9: 3). فَـالاحْتِيَاجُ هُنَا لَيْسَ نَقْصًا، بَلْ سِمَةُ الإِرْسَالِيَّةِ، لِأَنَّهُ يَفْتَحُ أَبْوَابَ الثِّقَةِ الكَامِلَةِ فِي العِنَايَةِ الإِلَهِيَّةِ، وَفِي قَلْبِ مَنْ يَسْتَقْبِلُهُمْ. وَقَدْ تَوَقَّعَ يَسُوعُ أَنْ يَرْفُضَ النَّاسُ بَعْضَ التَّلَامِيذِ، وَلَكِنَّهُ أَكَّدَ أَنَّ هظ°ذَا الرَّفْضَ لَنْ يُعِيقَ مَسِيرَةَ التَّلَامِيذِ، وَلاَ مَسِيرَةَ كَلِمَةِ الخَلاَصِ. فَـضُعْفُ الرُّسُلِ وَفَقْرُهُم هُوَ قُوَّتُهُم، وَالاحْتِيَاجُ الظَّاهِرُ هُوَ مَجَالٌ لِـفَيْضِ النِّعْمَةِ. 35 فجاءَا بِالجَحْشِ إلى يسوع، ووضَعا رِدائَيْهما علَيه وأَركَبا يسوع تُشِيرُ عِبَارَةُ "وَضَعَا رِدَاءَيْهِمَا عَلَيْهِ" إِلَى احْتِرَامِ الرَّاكِبِ، وَقَبُولِهِ كَمَلِكٍ، كَمَا حَدَثَ مَعَ يَاهُو بْنِ يَهُوشَافَاط: "فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ رِدَاءَهُ وَجَعَلَهُ تَحْتَهُ عَلَى دَرَجِ الْغُرْفَةِ، وَضَرَبُوا بِالْبُوقِ، وَقَالُوا: قَدْ مَلَكَ يَاهُو" (2 مُلُوك 9: 13). وَقَدْ تُشِيرُ أَيْضًا إِلَى تَرْشِيحٍ لِلرِّيَاسَةِ، كَمَا فِي سِفْرِ أَشَعْيَا: "إِنَّ لَكَ رِدَاءً، فَكُنْ قَائِدًا لَنَا" (أَشَعْيَا 3: 6). وَيَقُولُ القِدِّيسُ أَمْبْرُوسْيُوس: "إِنَّ الرِّدَاءَ هُوَ رَمْزٌ لِلْجَسَدِ؛ فَإِذَا قَدَّمْنَاهُ لِلرَّبِّ، فَهُوَ يَقْبَلُهُ عَطِيَّةَ حُبٍّ، وَيُقَدِّسُهُ". أَمَّا عِبَارَةُ "أَرْكَبَا يَسُوعَ"، فَتُشِيرُ إِلَى تَتْوِيجِ سُلَيْمَانَ، إِذْ كَمَا أَرْكَبَ الْخُدَّامُ سُلَيْمَانَ الْحَكِيمَ عَلَى بَغْلَةِ الْمَلِكِ دَاوُدَ لِيَمْسَحَهُ صَادُوقُ الْكَاهِنُ مَلِكًا (1 مُلُوك 1: 33)، كَذَلِكَ أَرْكَبَ التِّلْمِيذَانِ يَسُوعَ عَلَى الجَحْشِ لِـدُخُولِ أُورَشَلِيمَ مَلِكًا مُنْتَصِرًا. فَـيَسُوعُ هُوَ ذَاكَ الَّذِي ارْتَضَى أَنْ "افْتَقَرَ لِأَجْلِكُم وَهُوَ الغَنِيُّ، لِتَغْتَنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ" (2 قُورِنْتُس 8: 9)، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَ الضُّعْفَ لِيُعْطِيَ القُوَّةَ لِكُلِّ مَنْ يَصْرُخُ لَهُ: "تَبَارَكَ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!" وَمِنْ خِلَالِ هظ°ذَا المَشْهَدِ، تَعَرَّفَتِ الجَمَاعَةُ المَسِيحِيَّةُ الأُولَى إِلَى رَبِّهَا، الَّذِي هَيَّأَ وَنَظَّمَ بِالتَّفْصِيلِ دُخُولَهُ إِلَى أُورَشَلِيمَ كَـمَلِكٍ مُتَوَاضِعٍ وَوَارِثٍ لِمَمْلَكَةِ دَاوُد. 36 فَسارَ والنَّاسُ يَبسُطونَ أَردِيَتَهم على الطَّريق تُشِيرُ عِبَارَةُ "يَبْسُطُونَ أَرْدِيَتَهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ" إِلَى إِظْهَارِ فَرَحِهِمْ وَابْتِهَاجِهِمْ بـالاِنْتِصَارِ وَالسَّلَامِ، كَمَا فِي سِفْرِ الرُّؤْيَا: "وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ... وَفِي أَيْدِيهِمْ سُعُفُ النَّخْلِ" (رُؤْيَا 7: 9)، فَـبَسْطُ الأَرْدِيَةِ عَلَى الطَّرِيقِ كَانَ عَلَامَةَ تَكْرِيمٍ وَتَعْظِيمٍ لِمَنْ يَمُرُّ عَلَيْهَا، وَإِعْلَانًا بِقُبُولِهِ مَلِكًا وَمُخَلِّصًا. وهو مشهدٌ يَعكِسُ الفرحَ الملوكي، واستقبالًا عميقًا للرّب. تُفرَش القلوبُ لا الطُّرقات فقط. أَمَّا عِبَارَةُ "أَرْدِيَتَهُمْ" (وَمُفْرَدُهَا: رِدَاء) فَتُشِيرُ إِلَى الثَّوْبِ الخَارِجِيِّ، وَهُوَ قِطْعَةٌ مُرَبَّعَةٌ أَوْ مُسْتَطِيلَةٌ مِنَ القُمَاشِ، طُولُهَا نَحْوَ 1.8 م، تُلَفُّ حَوْلَ الجَسَدِ، وَفِي حَالِ الحَاجَةِ، كَانَتْ تُطْرَحُ فَوْقَ المَنْكِبِ أَوْ تَحْتَ الإِبْطِ. وَفِي اللَّيْلِ، كَانَت تُسْتَعْمَلُ غِطَاءً (خُرُوج 22: 26). وَقَدْ زَادَ يُوحَنَّا الإِنْجِيلِيُّ عَلَى ذَلِكَ، فَذَكَرَ أَنَّ الَّذِينَ اسْتَقْبَلُوا يَسُوعَ مِنْ أُورَشَلِيمَ: "أَخَذُوا سُعُفَ النَّخْلِ وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ" (يُوحَنَّا 12: 12). فَـسُعُفُ النَّخْلِ وَالأَرْدِيَةُ المَبْسُوطَةُ تُشَكِّلُ مَعًا مَوْكِبًا مَلَكِيًّا، لَكِنَّهُ مَوْكِبٌ مُتَوَاضِعٌ، يُعْلِنُ مَلِكًا سَلاَمِيًّا، لاَ بِسَيْفٍ وَلاَ بِقُوَّةٍ، بَلْ بِـالْمَحَبَّةِ وَالخَلاَصِ. 37 ولمَّا قَرُبَ مِن مُنحَدَرِ جَبَلِ الزَّيتون، أَخذَ جَماعَةُ التَّلاميذِ كُلُّها، وقدِ استَولى عَليهِمِ الفَرَح، يُسَبِّحونَ اللهَ بِأعلى أَصواتِهِم على جَميعِ ما شاهَدوا مِنَ المعجِزات تُشِيرُ عِبَارَةُ "اسْتَوْلَى عَلَيْهِمِ الفَرَحُ" إِلَى ابْتِهَاجِ التَّلَامِيذِ وَهُتَافَاتِهِمْ، كَمَا ابْتَهَجَ الشَّعْبُ وَهَتَفَ عِنْدَمَا مُسِحَ سُلَيْمَانُ مَلِكًا فِي أُورَشَلِيمَ: "فَيَمْسَحُهُ هُنَاكَ صَادُوقُ الْكَاهِنُ... وَيَضْرِبُونَ بِالْبُوقِ وَيَقُولُونَ: لِيَحْيَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ!" (1 مُلُوك 1: 34). وهذا الفرح علامةُ رَجاء وخَلاص، تَشبه فرحَ الرُّعاة وقتَ الميلاد. هو إعلان: يسوع هو المخلّص. أَمَّا عِبَارَةُ "مُعْجِزَاتٍ"، فَتُشِيرُ إِلَى هُتَافَاتِ التَّسْبِيحِ الَّتِي أَطْلَقَهَا الجُمُوعُ تَمْجِيدًا للهِ عَلَى مَا شَاهَدُوهُ مِنْ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، كَمَا فَعَلَ الرُّعَاةُ فِي بَيْتِ سَاحُور: "رَجَعَ الرُّعَاةُ وَهُمْ يُمَجِّدُونَ اللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوا وَرَأَوْا كَمَا قِيلَ لَهُمْ" (لُوقَا 2: 20). فَـالجُمُوعُ الَّتِي كَانَتْ تَسِيرُ وَرَاءَ يَسُوعَ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى أُورَشَلِيمَ، آمَنَتْ بِهِ لِأَنَّهَا شَاهَدَتْ شِفَاءَ الأَعْمَى فِي أَرِيحَا (لوقَا 18: 35–43)، وَإِقَامَةَ لِعَازَرَ مِنَ المَوْتِ (يُوحَنَّا 11: 44). فَـالمُعْجِزَاتُ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ، كَانَ يَجِبُ أَنْ تَتَحَوَّلَ فِي حَيَاةِ الَّذِينَ شَاهَدُوهَا، وَلَمْ يَتْبَعُوهُ بَعْدَهَا، إِلَى آيَةٍ وَدَعْوَةٍ لِلإِيمَانِ، وَخُصُوصًا فِي الظُّرُوفِ الأَكْثَرِ صُعُوبَةً. وَنَحْنُ أَيْضًا، نُشْبِهُ تِلْكَ الجُمُوعَ الَّتِي سَارَتْ وَرَاءَ يَسُوعَ فِي يَوْمِ الشَّعَانِينِ بِسَبَبِ مُعْجِزَاتِهِ، ثُمَّ انْقَطَعَتْ عَنْ السَّيْرِ مَعَهُ، عِنْدَمَا سَارَ فِي طَرِيقِ الجُلْجُثَّةِ وَالآلاَمِ، دَاعِيًا إِيَّاهُمْ لِحَمْلِ الصَّلِيبِ: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَنِي، فَلْيَزْهَدْ فِي نَفْسِهِ، وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي" (لُوقَا 9: 23). وَفِي هظ°ذَا السِّيَاقِ، يُعَلِّقُ كِتَابُ "الاِقْتِدَاءِ بِالمَسِيحِ": لَدَى يَسُوعَ أَتْبَاعٌ كَثِيرُونَ يَرْغَبُونَ فِي مَلَكُوتِهِ السَّمَاوِيِّ، أَمَّا حَامِلُو صَلِيبِهِ فَقَلِيلُونَ... كَثِيرُونَ يُكَرِّمُونَ مُعْجِزَاتِهِ، أَمَّا الَّذِينَ يَتْبَعُونَهُ فِي عَارِ الصَّلِيبِ فَقَلِيلُونَ". 38 فكانوا يَقولون: تَبارَكَ الآتي، المَلِكُ بِاسمِ الرَّبّ! السَّلامُ في السَّماء! والمَجدُ في العُلى! تُشِيرُ عِبَارَةُ "تَبَارَكَ الآتِي" إِلَى هُتافٌ مِسيانيٌّ، يُقال في الأعياد، خُصوصًا في عيدِ المظال. المسيحيّون رأوا فيه اعترافًا بيسوع ملكًا ومُخلِّصًا. وهذا الهُتَافٍ مَقْتَبَسٍ مِنَ المَزَامِيرِ: "تَبَارَكَ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ" (مَزْمُور 118: 26)، وَيُرَادُ بِهِ التَّمْجِيدُ وَالتَّرْحِيبُ، وَهُوَ نِدَاءٌ يُوَجَّهُ إِلَى المَلِكِ (2 صَمُوئِيل 14: 4)، وَيُرَافِقُهُ هَزُّ الأَغْصَانِ، وَيُطْلَقُ خُصُوصًا فِي اليَوْمِ السَّابِعِ مِنْ عِيدِ الأَكْوَاخِ (عِيدِ المَظَالِّ). وَكَانَ الكَهَنَةُ يَسْتَشْهِدُونَ بِهظ°ذَا الهُتَافِ: "تَبَارَكَ الآتِي، المَلِكُ بِاسْمِ الرَّبِّ!"لِـمُبَارَكَةِ رُؤَسَاءِ المَوَاكِبِ الصَّاعِدِينَ إِلَى الْهَيْكَلِ. وَيَنْطَبِقُ هظ°ذَا عَلَى يَسُوعَ "الآتِي"، المُكَلَّفِ بِالرِّسَالَةِ، وَالمُقَلَّدِ قُدْرَةَ اللهِ. وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ أُوغُسْطِينُوس عَلَى عِبَارَةِ "تَبَارَكَ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ" قَائِلًا: "لِنَفْهَمْ مِنْ قَوْلِهِ (بِاسْمِ الرَّبِّ) أَنَّهُ "بِاسْمِ اللهِ الآب"، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ بِاسْمِهِ هُوَ، كَوْنَهُ الرَّبّ..." "فَقَدْ قَالَ بِنَفْسِهِ: جِئْتُ أَنَا بِاسْمِ أَبِي، فَلَمْ تَقْبَلُونِي، وَلَوْ جَاءَكُمْ آخَرُ بِاسْمِ نَفْسِهِ لَقَبِلْتُمُوهُ" (يُوحَنَّا 5: 43). أَمَّا عِبَارَةُ "المَلِكُ"، فَتُشِيرُ إِلَى يَسُوعَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، الَّذِي جَاءَ يُتَمِّمُ الوُعُودَ الإِلَهِيَّةَ لِشَعْبِهِ، مُنْتَصِرًا عَلَى العَدُوِّ، وَمُسْقِطًا مَمْلَكَةَ إِبْلِيسَ، حَامِلًا مَعَهُ سَلَامَ الأَزْمِنَةِ المَسِيحَانِيَّةِ: "لا تَخَافِي يَا بِنْتَ صِهْيُونَ، هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ" (زَكَرِيَّا 9: 9). فَـيَسُوعُ هُوَ فِي هظ°ذَا المَشْهَدِ المَسِيَّا المُنْتَظَرُ وَالمَلِكُ فِي آنٍ وَاحِدٍ. وَيَتَجَنَّبُ لُوقَا الإِنْجِيلِيُّ فِي هظ°ذَا النَّصِّ كَلِمَةَ "هُوشَعْنَا" (הוض¹×©×پض·×¢ض¾×*ض¸×گ بالسَّامِيَّةِ)، وَمَعْنَاهَا "امْنَحِ الخَلَاصَ" (مَزْمُور 118: 25)، وَلظ°كِنَّهُ يُضِيفُ لَقَبَ "المَلِكِ"، كَمَا يَفْعَلُ يُوحَنَّا الإِنْجِيلِيُّ (يُوحَنَّا 12: 13). وَفِي الوَاقِعِ، هُنَاكَ ثَلاَثَةُ أُمُورٍ أَعْطَتْ دُخُولَ السَّيِّدِ إِلَى أُورَشَلِيمَ مَفْهُومًا مَسِيَّانِيًّا: 1. ارْتِبَاطُهُ بِـجَبَلِ الزَّيْتُونِ، 2. وَإِرْسَالُهُ لإِحْضَارِ الجَحْشِ، 3. وَالإِشَارَةُ إِلَى مَمْلَكَةِ دَاوُدَ. كَشَفَتْ َهظ°ذِهِ الأُمُورُ عَنْ طَبِيعَةِ المَوْكِبِ، أَنَّهُ لَيْسَ مَوْكِبَ رَجُلِ سِيَاسَةٍ أَوْ حَرْبٍ، بَلْ هُوَ مَوْكِبُ المَسِيَّا المُنْتَظَرِ، المُخَلِّصِ، مَوْكِبُ الرَّبِّ نَفْسِهِ، كَمَا أَنَبَأَ زَكَرِيَّا النَّبِيُّ مُنْذُ سَنَةِ ظ¥ظ¥ظ* ق.م (زَكَرِيَّا 14: 4–5). أَمَّا عِبَارَةُ "بِاسْمِ الرَّبِّ"، فَهِيَ مُقْتَبَسَةٌ أَيْضًا مِنْ صَاحِبِ المَزَامِيرِ: "تَبَارَكَ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ" (مَزْمُور 118: 25–26)، وَتُشِيرُ إِلَى يَسُوعَ المُتَسَرْبِلِ بِسُلْطَانِ الرَّبِّ، الَّذِي وَكَّلَ اللهُ إِلَيْهِ إِعْلاَنَ مَشِيئَتِهِ. فَـيَسُوعُ هُوَ الآتِي لِيَفْتَتِحَ العَصْرَ المَسِيحَانِيَّ، كَمَا أَكَّدَ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ إِلَى العِبْرَانِيِّينَ: "قَلِيلًا قَلِيلًا مِنَ الوَقْتِ، فَيَأْتِي الآتِي وَلا يُبْطِئْ" (عِبْرَانِيِّينَ 10: 37). وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ أُوغُسْطِينُوس: "فَالمُعَلِّمُ الحَقِيقِيُّ هُوَ المَسِيحُ، الَّذِي وَضَعَ نَفْسَهُ، وَأَطَاعَ حَتَّى المَوْتِ، مَوْتِ الصَّلِيبِ" (فِيلِبِّي 2: 8)، "لَكِنَّهُ لَمْ يَفْقِدْ لَاهُوتَهُ فِي تَعْلِيمِهِ لِلتَّوَاضُعِ، فَبِلاَهُوتِهِ هُوَ مُسَاوٍ لِلآبِ، وَبِنَاسُوتِهِ هُوَ مُشَابِهٌ لَنَا. بِذَاكَ الَّذِي هُوَ مُسَاوٍ لِلآبِ دَعَانَا إِلَى الوُجُودِ، وَبِالَّذِي صَارَ بِهِ مُشَابِهًا لَنَا، خَلَّصَنَا مِنَ الهَلَاكِ". أَمَّا عِبَارَةُ "السَّلاَمُ فِي السَّمَاءِ!"، فَتُشِيرُ إِلَى نَشِيدِ المَلاَئِكَةِ عِنْدَ مِيلَادِ يَسُوعَ: "المَجْدُ للهِ فِي العُلَى، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ" (لُوقَا 2: 14). هو صَدى نشيدِ الملائكة ليلةَ الميلاد. إعلانٌ أنَّ ملكوتَ الله قد اقتَرَب، وأنَّ المسيح جاء لِيُصالِح السماء بالأرض. فَـيَسُوعُ جَاءَ لِيُحِلَّ السَّلاَمَ، أَمَّا الآنَ، فَـالتَّلاَمِيذُ هُمُ الَّذِينَ يُشِيدُونَ بِـ"السَّلاَمِ" الَّذِي أَتَاهُمْ مِنْ اللهِ، وَيُقَدِّمُونَ لَهُ التَّسْبِيحَ وَالمَجْدَ، كَمَا فِي: "وَإِلَيْهِ الَّذِي فِيهِ نَفَسُكَ، وَالَّذِي لَهُ كُلُّ طُرُقِكَ، لَمْ تُمَجِّدْهُ" (دَانِيال 5: 23). فَـالسَّلاَمُ هُوَ عَطِيَّةُ الرَّبِّ، وَكَانَ يُعْلَنُ عِنْدَ دُخُولِ التَّلاَمِيذِ أَيَّ بَيْتٍ: "وَأَيُّ بَيْتٍ دَخَلْتُمْ، فَقُولُوا أَوَّلًا: السَّلاَمُ عَلَى هظ°ذَا البَيْتِ" (لُوقَا 10: 5). وَالسَّلاَمُ يُقْبَلُ فِي الإِيمَانِ: "لِيُضِيءَ عَلَى الجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ المَوْتِ، وَلِيُهَدِّيَ خُطَانَا فِي طَرِيقِ السَّلاَمِ" (لُوقَا 1: 79). أَمَّا عِبَارَةُ "المَجْدُ فِي العُلَى"، فَتُشِيرُ إِلَى مَجْدِ اللهِ الَّذِي هُوَ كَمَالُ صِفَاتِهِ الَّتِي يَفُوقُ بِهَا الإِنْسَانَ، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ المُقَدَّسُ: "إِذِ الجَمِيعُ قَدْ أَخْطَأُوا، وَهُمْ مَحْرُومُونَ مِنْ مَجْدِ اللهِ" (رُومَة 3: 23). وَبِشَكْلٍ أَدَقّ، يُرَادُ بِهِ أَنْ يَتَمَجَّدَ المَسِيحُ تَمْجِيدًا يَبْلُغُ السَّمَاءَ ارْتِفَاعًا، لأَنَّ هظ°ذَا المَجْدَ قَدْ تَجَلَّى فِي وَجْهِ يَسُوعَ المَسِيحِ: "اللهُ الَّذِي قَالَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنَ الظُّلْمَةِ، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لِإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ المَسِيحِ" (2 قُورِنْتُس 4: 6). وَلِذَلِكَ، سُمِّيَ المَسِيحُ: "رَبُّ المَجْدِ" (1 قُورِنْتُس 2: 8)، لأَنَّ المَجْدَ الإِلَهِيَّ حَلَّ فِيهِ كَامِلًا، وَمِنْهُ أُعْلِنَ لِلبَشَرِ. وَبِهظ°ذَا المَفْهُومِ، يُصْبِحُ "المَجْدُ فِي العُلَى" هُوَ اِنْفِتَاحُ السَّمَاءِ بِأَمْجَادِهَا عَلَى الإِنْسَانِ، لِيَتَمَجَّدَ هُوَ أَيْضًا فِي العُلَى، بِاتِّحَادِهِ بِالمَسِيحِ. وَيُقُولُ القِدِّيسُ أُوغُسْطِينُوس: "السَّمَاءُ هِيَ النَّفْسُ البَشَرِيَّةُ، فَعَمَلُ المَسِيحِ الفَادِي هُوَ رَدٌّ لِلنَّفْسِ سَلَامَهَا الدَّاخِلِيَّ، وَتَمَتُّعُهَا بِأَنْ تَرْتَفِعَ فِي العُلَى، لِتُمَجِّدَ عَرِيسَهَا الأَبَدِيَّ". وَلَكِنَّ أُورَشَلِيمَ، فِي عَمَى قَلْبِهَا، سَتَرْفُضُ هظ°ذَا المَجْدَ، كَمَا تَنَبَّأَ السَّيِّدُ المَسِيحُ: "لَيْتَكِ عَرَفْتِ أَنْتِ أَيْضًا فِي هظ°ذَا اليَوْمِ طَرِيقَ السَّلاَمِ! وَلَكِنَّهُ قَدْ حُجِبَ عَنْ عَيْنَيْكِ" (لُوقَا 19: 42). وَيُعْلِنُ يَسُوعُ هظ°ذَا المَجْدَ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى القُدْسِ، لاَ فَقَطْ بِالكَلاَمِ، بَلْ بِدَفْعِ الثَّمَنِ، أَيْ بِحَيَاتِهِ، تَحْقِيقًا لِتَمْجِيدِ اللهِ وَلِخَلاَصِ الإِنْسَانِ. لمْ يَشْهَدْ تَارِيخُ ظ±لْبَشَرِيَّةِ مِنْ قَبْلُ قُدُومَ مَلِكٍ مُسْتَعِدٍّ لِيَدْفَعَ حَيَاتَهُ ثَمَنًا لِسَلَامِ شَعْبِهِ. وَيَبْقَى عَلَى الكَنِيسَةِ أَنْ تُعْلِنَ هظ°ذَا السَّلاَمَ، الَّذِي اسْتَحَقَّهُ السَّيِّدُ المَسِيحُ بِدَمِهِ، لِتُصْبِحَ فِي العَالَمِ صَوْتَ المَجْدِ وَالسَّلاَمِ الَّذِي يُرْتِّلُهُ التَّلاَمِيذُ وَالأَبْرَارُ، وَيَتَجَلَّى فِي كُلِّ لِيتُورْجِيَّا تُرْتَلُ فِيهَا "المَجْدُ لِلهِ فِي العُلَى". 39 فقالَ له بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ مِنَ الجَمْع: يا مُعَلِّمُ انتَهِرْ تَلاميذَكَ! تُشِيرُ عِبَارَةُ "بَعْضُ الفِرِّيسِيِّينَ" إِلَى الذين كَانُوا يُرَافِقُونَ يَسُوعَ، لاَ لِيَشَارِكُوهُ فِي المَسِيرَةِ وَالفَرَحِ، بَلْ لِيُرَاقِبُوا أَعْمَالَهُ وَيَجِدُوا عِلَّةً لِلِاشْتِكَاءِ عَلَيْهِ. لم يدخُلوا في الفرح، بل طَلَبوا من يسوع أن يُسكِت التَّسبيح. فَهظ°ؤُلاَءِ لَمْ يُشَارِكُوا الجُمُوعَ فَرَحَهَا، بَلِ امْتَلَأُوا حَسَدًا عِندَمَا رَأَوُا النَّاسَ يُمَجِّدُونَ يَسُوعَ، وَلَمْ يُصَدِّقُوا أَنَّهُ هُوَ المَسِيحُ، كَمَا تُؤَكِّدُ رِوَايَةُ الآلاَمِ لاحقًا. وهم رموزُ الرّفض والمُراقبة. وَأَمَّا عِبَارَةُ "يَا مُعَلِّمُ، انْتَهِرْ تَلاَمِيذَكَ!"، فَتُشِيرُ إِلَى غَيْظِ الفِرِّيسِيِّينَ الشَّدِيدِ أَمَامَ حَمَاسِ الجُمُوعِ، الَّذِينَ كَانُوا يُرَافِقُونَ يَسُوعَ وَيُسَبِّحُونَهُ بَعْدَ أَنْ شَاهَدُوا آيَةَ إِقَامَةِ لِعَازَرَ مِنَ المَوْتِ. وَقَدْ طَلَبَ الفِرِّيسِيُّونَ إِلَى يَسُوعَ نَفْسِهِ، لاَ إِلَى الشَّعْبِ، أَنْ يَنْتَهِرَ تَلاَمِيذَهُ، لأَنَّهُمْ حَسِبُوا سُكُوتَهُ دَلِيلًا عَلَى شِرَاكَتِهِ فِي التَّجْدِيفِ، وَعَدُّوهُ مُهَيِّجًا لِلشَّعْبِ إِلَى هظ°ذَا التَّسْبِيحِ، الَّذِي هُوَ بِعُرْفِهِمْ لاَ يَلِيقُ إِلَّا بِاللهِ وَالْمَسِيَّا. فَبَيْنَمَا الشَّعْبُ يُسَبِّحُ بِالإِيمَانِ وَالفَرَحِ، كَانَ الفِرِّيسِيُّونَ يُسَبِّحُونَ فِي قُلُوبِهِمْ بِالسُّخْرِيَةِ وَالْحِقْدِ، رَافِضِينَ أَنْ يَفْتَحُوا عُيُونَهُمْ لِـمَجْدِ اللهِ المُعْلَنِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ المَسِيحِ. 40 فأجابَ: أقولُ لَكم: لو سَكَتَ هؤلاء، لَهَتَفَتِ الحِجارَة! تُشِيرُ عِبَارَةُ "لَهَتَفَتِ الحِجَارَةُ!" إِلَى صُرَاخِ الحِجَارَةِ، كَـشَاهِدٍ نَاطِقٍ لِـمَمْلَكَةِ يَسُوعَ، حَتَّى إِنَّ حِجَارَةَ أُورَشَلِيمَ اِهْتَزَّتْ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَيْهَا، كَمَا اِهْتَزَّتِ المَدِينَةُ عِنْدَ بُلُوغِ خَبَرِ وِلادَتِهِ: "لَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ المَلِكُ اضْطَرَبَ، وَجَمِيعُ أُورَشَلِيمَ مَعَهُ" (مَتَّى 2: 3). لظ°كِنْ، مِنَ الآنَ فَصَاعِدًا، حَتَّى مَا لَا يَسْتَطِيعُ ظ±لْكَلَامَ، كَظ±لْحِجَارَةِ، سَيَصْرُخُ مُعْلِنًا أَنَّ ظ±لْخَلَاصَ قَدْ جَاءَ. إنه إعلانٌ رمزيٌّ قويّ لمجدُ المسيح الذي لا يُسكَت. إن رَفَضَ البشرُ التسبيح، فالخَليقةُ كُلُّها تنطِق به. فَهظ°ذَا يُظْهِرُ أَنَّ حَيَاةَ يَسُوعَ هِيَ حَدَثٌ عَلَنِيٌّ، يَهُمُّ جَمِيعَ النَّاسِ، لاَ يَقْتَصِرُ عَلَى التَّلاَمِيذِ أَوْ الجُمُوعِ المُؤْمِنَةِ، بَلْ يَهُزُّ الكَوْنَ كُلَّهُ. وَصَدَى هظ°ذَا الإِعْلاَنِ سَيَتَرَدَّدُ، لاَ لِيَسْمَعَهُ الإِنْسَانُ فَقَط، بَلْ لِيَصِلَ إِلَى قَلْبِهِ، وَلَنْ يَسْتَطِيعَ المَوْتُ أَنْ يُسْكِتَ هظ°ذَا الصَّوْتَ. وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ أَمْبْرُوسْيُوس عَلَى قَوْلِ السَّيِّدِ: "إِنَّ قَوْلَ السَّيِّدِ تَحَقَّقَ أَيْضًا حَرْفِيًّا، فَعِنْدَمَا سَكَتَ اليَهُودُ عَنْ تَسْبِيحِهِ وَتَمْجِيدِهِ فِي لَحَظَاتِ الصَّلْبِ، نَطَقَتِ الحِجَارَةُ فِعْلاً، إِذْ حَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ، وَتَشَقَّقَتِ الصُّخُورُ، وَانْفَتَحَتِ القُبُورُ". فَـالصَّمْتُ البَشَرِيُّ لَا يُعْجِزُ الخَالِقَ عَنِ الإِعْلاَنِ، فَإِنْ سَكَتَ البَشَرُ، تَصْرُخُ الجِبَالُ، وَإِنْ أَعْرَضُوا، تُهْتَفُ الحِجَارَةُ. ثانيًا: تَطْبيقات النَّصِّ الإنجيليِّ (لوقا 19: 28–40) بعد دراسةِ وقائعِ النَّصِّ الإنجيليِّ (لوقا 19: 28–40)، نستنتجُ أنَّه يتمحورُ حول دخولِ يسوعَ إلى أُورُشليمَ مُنتصرًا، تحقيقًا لنبُوءَةِ (زكريَّا 9: 9). ومن هُنا، نتناولُ ثلاثَ نقاطٍ رئيسيَّة: وهي تهيئةُ الدُّخولِ إلى أُورُشليم، ثمَّ الدُّخولُ إلى أُورُشليم. وأخيرًا، ردُّ فعلِ النَّاسِ لدُخولِ المسيحِ إلى أُورُشليم. تهيئة الدخول إلى أورشليم (لوقا 19: 28-31) بدأ يسوعُ يَستعِدُّ لِدُخولِ أورشليم مُنذُ أنِ اقتَرَبَت أيّامُ مَوتِه، كما جاء في قوله: "ولَمَّا حانَت أَيّامُ ارتِفاعِهِ، عَزَمَ على الاتِّجاهِ إلى أُورَشَليم" (لوقا 9: 51). ثُمَّ أكَّدَ يسوعُ هذا الاستِعدادَ بتَقدُّمِهِ صاعِدًا إلى أورَشَليمَ ليَبذُلَ حياتَهُ فِديةً عن الكثيرين، من خلالِ آلامِهِ ومَوتِهِ. ولم يَكُنْ دُخولُ يسوعَ إلى أورشليمَ خُطَّةً بَشَرِيَّة، إنَّما هو طريقٌ أعدَّهُ الربُّ نَفسُه؛ فقَصَدَ يسوعُ أن يُقَدِّمَ نَفسَهُ في أورشليم، العاصمةِ الرّوحيَّة، بوَصفِهِ المسيحَ المُنتَظَر، في موكِبٍ شَعبيٍّ بتَرتيبٍ خاصّ. يَومِ الأحدِ في بَدءِ الأُسبوع، كان الاحتِفالُ بعيدِ الفِصحِ العظيمِ على وَشْكِ أنْ يَبدأ، وكانَ اليهودُ يَأتونَ مِن جَميعِ أنحاءِ العالَمِ الروماني طِوالَ هذا الأُسبوعِ لِلِاحتِفالِ بِذِكرى الخُروجِ مِن مِصر (خروج 13). وكانَ الكثيرونَ مِن بينِ الجُموعِ قد سَمِعوا عن يسوعَ أو رأَوه، وكانوا يتمنَّونَ أن يَأتيَ إلى الهيكل (يوحنّا 11: 55-57). انطلَقَ يسوعُ مِن أريحا، مارًّا ببيتِ عَنيا وبيتِ فاجي الواقعتَيْنِ في الجَنوبِ الشَّرقيِّ مِن جَبَلِ الزَّيتون. ومِن بيتِ فاجي أرسلَ يسوعُ تلميذَيْنِ يَسبِقانه، كما سَيَفعَلُ في العَشاءِ الأخير (متّى 26: 18). وإنَّ ارتباطَ الموكِبِ بجَبَلِ الزَّيتون يُعلِنُ عن طَبيعةِ هذا الموكِب، أنَّهُ "موكِبٌ مَسيحانيّ"، كما كانت تَوقُّعاتُ اليهود، التي أكَّدَها المؤرِّخُ اليهوديُّ يوسيفوس في أكثرَ مِن موضِع. يدُلُّ إرسالُ التلميذَيْنِ لإحضارِ الجَحشِ على خُطَّةٍ مَقصودةٍ مِن جانِبِهِ، خاصَّةً أنَّ الجَحشَ "ما رَكِبَهُ أَحَدٌ قَطُّ" (لوقا 19: 30)، وبهذا يُعلِنُ عن طَبيعةِ الموكِبِ أنَّهُ دينيٌّ سَماويٌّ رُوحيٌّ إلهيٌّ (2 صموئيل 6: 3). يَستَعِدُّ يسوعُ لِدُخولِ المدينةِ بالطَّريقةِ التي يَجيءُ بها المسيحُ المُنتَظَر، كما أعلَنَها زكريّا النبيُّ (زكريّا 9: 9). جاءَ إذًا طَوعًا، وتوجَّهَ إلى أورَشَليم، هو الذي انحَدَرَ مِن السَّماواتِ مِن أجلِنا، لِيَرفعَنا مَعهُ، إلى "السَّمَاوَاتِ العُلَى، فَوقَ كُلِّ صَاحِبِ رِئَاسَةٍ وَسُلطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَفَوقَ كُلِّ اسمٍ يُسَمَّى بِهِ مَخلُوقٌ" (أفسس 1: 21). خُلاصةُ القَولِ: سبَقَ دُخولُ يسوعَ إلى أُورُشليم إعدادٌ مَقصودٌ ومَدروس. أرسلَ تلميذَيْنِ ليُحضِرا له جَحشًا لم يَركَبْهُ أحدٌ مِن قبل، إشارةً إلى النَّقاءِ والتفرُّد، وأيضًا إلى تحقيقِ النُّبوءَةِ المذكورةِ في سِفْرِ زكريَّا. هذا الإعدادُ يُظهِرُ أنَّ يسوعَ لا يَدخُلُ المدينةَ صُدفةً أو عَشوائيًّا، بل عن وعيٍ كاملٍ برسالتِهِ ومَصيرِه. وفي هذا دعوةٌ للمُؤمنِ اليومَ أن يُهَيِّئَ قلبَهُ لِدُخولِ المسيحِ إليه، بإرادةٍ واستِعدادٍ داخليٍّ حقيقيٍّ. علينا أن نسأل أنفسنا: هل نُهيّئ قلوبنا فعلًا لدخول المسيح؟ أم أنّنا نسمح للانشغالات أن تسدّ الطريق؟ التوبة، الصلاة، التأمل بكلمة الله، أعمال الرحمة… كلها طرق لتهيئة النفس ليحلّ فيها المسيح كملك وسيد. هذه التهيئة ليست عملًا خارجيًا بل داخليًّا، يبدأ من النّية الصادقة في طلب الله. 2) الدخول إلى أورشليم (لوقا 19: 32-36) دخل يسوعُ إلى أورشليم في زمنٍ يجتمعُ فيه كلُّ اليهودِ في عيدِ الفِصحِ في الهيكل، حيث يمكنُ للجُموعِ الغفيرةِ أن تراه. دخل يسوعُ إلى أورشليم راكبًا جَحشًا، وهو تأكيدٌ على أنَّه المسيحُ المَلِكُ المُنتَظَر، وإثباتٌ لتواضُعِه. دخل يسوعُ إلى أورشليم أوّلًا كملك: كما دخل سُليمانُ مَلكًا إلى أورشليم، كذلك دخل يسوعُ كملكٍ إليها (1 ملوك 1: 38-40). ولأوّلِ مرّةٍ، دخَلها باستِقبالٍ رسميٍّ وحفاوةٍ لا مثيلَ لها، راكبًا على الجَحشِ، بالإجلالِ اللائقِ بالملك، تحقيقًا لنبوءةِ زكريّا النبي: "اِبتهِجي جِدًّا يا بِنْتَ صِهْيون، واهتِفي يا بِنْتَ أورَشَليم، هُوَذا مَلِكُكِ آتٍ إليكِ، بارٌّ ومُخَلِّصٌ، وديعٌ، راكِبٌ على حمارٍ وعلى جَحشٍ ابنِ أتان" (زكريّا 9: 9). وَهِيَ نُبُوءَةٌ تُعْلِنُ نِهَايَةَ ظ±نْتِظَارِ هظ°ذَا ظ±لْمَلِكِ ظ±لْوَدِيعِ، ظ±لسَّاعِي لِلسَّلَامِ، ظ±لَّذِي يَأْتِي أَخِيرًا، جَالِسًا عَلَى جَحْشٍ ظ±بْنِ أَتَانٍ. ويُعلِّق يوحنّا الذهبيُّ الفم قائلًا: "جاء يسوعُ وديعًا حتّى لا تهابوا عظمته، بل تُحبُّون رقّتَه. لا يأتي جالسًا على مَركبةٍ ذهبيّة، ولا مُلتحِفًا بالأُرجوان، ولا راكبًا على فَرَسٍ ناريّ، كمن يَشتاقُ إلى الخِصامِ والصِّراع، وإنّما يأتي على أتان، صديقًا للهُدوءِ والسّلام." استَقبَلَ الشعبُ يسوعَ بحفاوةٍ وتبجيلٍ، حامِلين أغصانَ النَّخلِ التي هي علامةُ النَّصر، تمامًا كما يُستقبَلُ كلُّ مَلِكٍ بَشَريّ، وأغصانَ الزَّيتون التي هي علامةُ السَّلام، حملوها في استِقبالِ مَلِكِ السَّلام، وكلُّهم يهتفون، الأطفالُ والكِبارُ والصِّغار: "مُبارَكٌ الآتي باسمِ الرّب!" دخل يسوعُ كربٍّ إلى أورشليم، وهذا ما أكّده بنفسه عندما قال للتلميذَينِ اللذَين أرسلَهما إلى بيتِ فاجي: "فإنْ سألَكما سائِلٌ: لِمَ تَحُلاَّنِ رِباطَه؟ فقولا: لأنَّ الرَّبَّ مُحتاجٌ إليه." دخل "باسمِ الرّب" بقوّةِ محبّتهِ الإلهيّة، ليغفِرَ خطايانا، ويُصالِحَنا مع الآب، ومع أنفُسِنا. لم يَدخلْ يسوعُ إلى المدينةِ المُقدّسةِ لِيَنالَ التّشريفاتِ الخاصّةَ بالملوكِ الأرضيّين، وإنّما دخلَ إلى أورشليمَ لِيُكلَّلَ بإكليلِ الشّوك، ويصعدَ جبلَ الجلجلة، حامِلًا خَشبةَ الصّليب، ليموتَ فوقَها. فعَرشُهُ الملوكيُّ هو خَشبةُ الصّليب! وبهَا هَزمَ الشّرَّ كما سَبَقَ وأعلَنَ النبيُّ أشعيا (أشعيا 50: 6). لم يَدخلْ يسوعُ إلى أورشليم ليُؤكّدَ فقط أنَّه المسيحُ المَلك، بل ليُظهِرَ أيضًا تواضُعَه. قد أظهرَ المسيحُ تواضُعَه، كما فعلَ الملوكُ الأوّلون، عندما رَفَضوا أن يركبوا فَرَسًا، بل رَكِبوا جَحشًا في دُخولِهم المُنتصِر إلى أورشليم (زكريّا 9: 9). دخلَ يسوعُ إلى المدينةِ المُقدّسةِ لا كملكٍ حَربيّ بجيش ولا بجنود، بل بقلب وديع. وهكذا يدخل إلى حياة الإنسان، ليس بالقهر، بل بالدعوة الصامتة. وعبّر بولسُ الرّسولُ عن معنى التواضُع بفعلَين: "تجرَّدَ من ذاتِه" و "وضعَ نفسَه" (فيلبّي 2: 7-8). يسوعُ "تجرَّدَ من ذاتِه"، أي تَخلّى عن مَجدِ ابنِ الله، وأصبحَ ابنَ الإنسان، لِيَتّحدَ معنا نحنُ الخُطاة، هو الذي بلا خطيئة. ولم يكتفِ بهذا، بل عاشَ معنا في "صورةِ العبد"، لا صورةِ مَلِكٍ أو أمير، وإنّما صورةِ عبد. وأبرزُ علاماتِ هذا التواضُع كانت غسلَ الأرجُل: "الرّبُّ والمُعلِّم" انحنى إلى أقدامِ تلاميذِه ليَغسِلَ أرجُلَهم كما كان يَفعلُ الخدم (يوحنّا 13: 14). وبِيعَ أيضًا بثلاثين من الفضّة، وتَعرّضَ للخِيانةِ بِقُبلةٍ من تلميذه يَهوذا، وأنكرَه بُطرس ثلاثَ مرّات، وشُتِم، وبُصِقَ عليه، وعانى من الضّرباتِ والجَلدِ وإكليلِ الشّوكِ والحُكمِ الظالم. واختَبَرَ يسوعُ بنفسِه اللّامبالاة، إذ لم يُرِدْ أحدٌ أن يَتحمَّلَ مسؤوليّةَ مَصيرِه. وصلَ يسوعُ إلى موتِ الصّليب، الميتةِ الأكثرِ ألمًا وإذلالًا، المُخصّصةِ للخَوَنةِ والعبيدِ وأكبرِ المُجرمين. وفي ذُروةِ التجرُّد، أُظهِرَ الوجهُ الحقيقيُّ لله، الذي هو الرَّحمة. فغفرَ لصالِبيه، وفتحَ أبوابَ الفردوسِ للّصِّ التّائب، ولمسَ قلبَ قائدِ المِئة. أخذَ على عاتقِه ألمَنا ليُخلّصَنا، حامِلًا النّورَ إلى الظُّلمات، والحياةَ إلى الموت، والحُبَّ إلى الكراهيّة. وأصبحَ الصّليبُ انتصارًا. إنَّ هذا الدُّخول يُعلِّمنا أنَّ انتصارَ المسيحِ لا يُقاسُ بمنطقِ العالمِ، بل بمنطقِ الله: قوَّةُ التَّواضع، وسُلطانُ المغفرة، وسِيادةُ السلام. أخيرًا، لا يَفْرِضُ ظ±لْمَسِيحُ نَفْسَهُ عَلَيْنَا، بَلْ يَقِفُ وَيَنْتَظِرُ بِمَحَبَّةٍ وَصَبْرٍ أَنْ نَفْتَحَ لَهُ ظ±لْبَابَ (رُؤْيَا 3:20). دُخُولُهُ لَا يَظْهَرُ فَقَطْ فِي ظ±لْأَغْصَانِ وَظ±لْهُتَافَاتِ، بَلْ فِي قُلُوبٍ تَتَغَيَّرُ، وَسُلُوكٍ يَتَجَدَّدُ، وَسَلَامٍ يَمْلَأُ ظ±لدَّاخِلَ. عَلَامَةُ حُضُورِهِ فِينَا لَيْسَتْ مُجَرَّدَ مَظَاهِرَ، بَلْ حَيَاةٌ تَعْكِسُ ظ±لتَّوَاضُعَ وَظ±لرَّحْمَةَ، وَتُعْلِنُ حُضُورَهُ فِي ظ±لْعَالَمِ. فَلْنَكُنْ مِثْلَ ظ±لْجَحْشِ ظ±لَّذِي حَمَلَهُ، صِغَارًا فِي أَعْيُنِ أَنْفُسِنَا، وَلَكِنْ وُسَطَاءَ لِمَجْدِهِ. فَظ±لدَّعْوَةُ ظ±لْيَوْمَ لَيْسَتْ أَنْ نَحْتَفِلَ فَقَطْ، بَلْ أَنْ نَحْمِلَ ظ±لْمَسِيحَ حَيْثُ لَا يَزَالُ كَثِيرُونَ يَنْتَظِرُونَهُ. 3) هَدَفُ دُخولِ يسوعَ إلى أُورَشَليم لِدُخولِ يسوعَ الرّسميِّ إلى أُورَشَليم أهدافٌ عِدّة، وأهمُّها: تدشينُ أُسبوعِ الآلام: دخل يسوعُ احتفاليًّا إلى أورشليم لكي يُدشِّنَ أُسبوعَ الآلام. في مثلِ هذا اليوم، توجَّهَ يسوعُ إلى مصيرِه: "فَابنُ الإِنسانِ يُسلَمُ إلى عُظَماءِ الكَهَنَةِ والكَتَبَة، فيَحكُمونَ علَيه بِالمَوت، ويُسلِمونَه إلى الوَثَنِيِّين، فَيسخَرونَ مِنه، ويَبصُقونَ علَيه ويَجلِدونَه ويَقتُلونَه، وبَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ يَقوم" (مرقس 10: 32-34). ولذلك فإنّنا نبدأ اليوم مسيرةَ آلامِ سيّدِنا يسوعَ المسيح، التي قِمّتُها يوم الجمعة العظيمة على الجلجلة، ولكن نهايتُها القيامةُ في أحد الفصح. تَتميمُ النبوءات: دخل يسوعُ احتفاليًّا إلى أورشليم ليُتمِّمَ نبوءاتِ الأنبياء: أشعيا وزكريّا. وصَلَ إلى بيتَ فاجي، ومن هناك توجَّه إلى أورشليم، راكبًا على جَحشٍ ابنِ أتان، تأكيدًا على أنّه المسيحُ الملكُ الوديع، تحقيقًا لِما جاء في أشعيا (62: 11) "قُولوا لِابنَةِ صِهْيون: هُوَذا خَلاصُكِ آتٍ، هُوَذا جَزاؤُهُ مَعَه، وأُجرَتُهُ أَمامَه، وزكريا (9: 9) "اِبتَهِجي جِدًّا يا بِنتَ صِهْيون، وآهتِفي يا بِنْتَ أُورَشَليم، هُوَذا مَلِكُكِ آتٍ إِلَيكِ، بارٌّ ومُخَلِّصٌ، وَضيعٌ، راكِبٌ على حِمارٍ وعلى جَحشٍ ابنِ أتان." وهتافُ الجُموع: "تَبارَكَتِ المَملَكَةُ الآتِيَة، مَملَكَةُ أَبينا داود!" (مرقس 11: 10) هو صدى لنبوة صموئيل الثاني (7: 12-14) عن مملكة داود الأبديّة. إعلانُ المسيحِ المُنتظَر: دخل يسوعُ إلى أورشليم ليُؤكِّد أنَّه المسيحُ المُنتَظَر، إذ كانت السّاعة تَقترب. فدَخل المدينةَ ليُحقّقَ ما سبق وأعلَنَه: أنَّ ابنَ الإنسانِ ينبغي أن يتألّم. دخلَ لا كمُحتَلٍّ مَظفَّرٍ مَكلَّلٍ بالمَجدِ وبالأُبّهة، بل وديعًا مُتواضعًا، راكبًا على أتان، مَطيّةِ الآباء (تكوين 49: 11)، لا مطيّة الأقوياء والمُقتدرين. تخلّى عن أُبّهة الملوك (إرميا 17: 25)، وفرَشَ الناسُ له أرديتهم وأغصانَ الزّيتون كما يفعلون للملوك، هاتفين: "هُوشَعْنا لابنِ داود! هوشعنا! تَبارَكَ الآتي باسمِ الرّب!" افتتاحُ العَهدِ المسيحانيّ: دخل يسوعُ إلى أورشليم لِيَفتتحَ العهدَ المسيحاني من خلال تقريبِ جسدِه ذبيحةً على الصّليب، في المدينة المُقدّسة: "فيَأتي الآتي ولا يُبطِئ" (عبرانيّين 10: 37)، ليقرب ذبيحة كفّارةٍ عن الخطايا (عبرانيّين 10: 12). وقد أعطت ثلاثةُ أمورٍ لدخولِه بُعدًا مسيحانيًّا: ارتباطُه بجبل الزيتون، إرساله لإحضار الجَحش، الإشارة إلى مملكة داود. وهذه الأمور كشفت أنَّ الموكبَ ليس موكبَ رجلِ حرب، بل موكبُ المسيح المُخلِّص، الرب نفسه، كما أنبأ زكريّا: "تَقِفُ قَدَماه في ذلكَ اليومِ على جَبَلِ الزَّيتونِ الَّذي قُبالَةَ أُورَشَليمَ إلى الشَّرق... يأتي الرَّبُّ إِلهي وجَميعُ القِدّيسينَ معَه" (زكريّا 14: 4-5). استباقٌ للنصرِ الأخير: كان دخول يسوعَ إلى أورشليم استباقًا للنَّصرِ الأخير، الذي سيتمّمه الربُّ في مجيئه الثاني، كما رأى يوحنّا في رؤياه: "رأيتُ بَعدَ ذلك جَمعًا كثيرًا لا يَستَطيعُ أحدٌ أن يُحصيه، مِن كُلِّ أُمّةٍ وقبيلةٍ وشَعبٍ ولسان، وكانوا قائمينَ أمامَ العرشِ وأمامَ الحَمَل، لابِسينَ حُلَلاً بيضاء، بأيديهم سَعَفُ النخل، وهم يَصيحونَ بأعلى أصواتِهم: الخَلاصُ لإلهِنا الجالسِ على العرشِ ولِلحَمَل!" (رؤيا 7: 9-10). دخلَ السيّدُ المسيح إلى أورشليم ليقودَ موكبَ الصليب بنفسِه، وبه صِرنا قريبينَ من أورشليم السماويّة، ملكوتِه الأبديّ، لندخلَ فيه قائلين مع الرسول: "الشكرُ للهِ الّذي يَستصحِبُنا دائمًا أبدًا في نَصرِه بالمسيح، ويَنشُرُ بأيدينا في كلّ مكانٍ شذى معرفتِه." (2 قورنتس 2: 14). 4) رَدُّ فِعْلِ النَّاسِ لِدُخولِ يَسوعَ إلى أُورَشَليم (لوقا 19: 37-40) أ) رَدُّ فِعْلِ التَّلاميذِ والجُموع مع دُخولِ يسوعَ إلى أورَشَليم، بدأت كلُّ نُبوءةٍ تتحقَّق، ومنها نُبوءةُ إعلانِ الانتصارِ بمسمعٍ ومرأًى من قادةِ اليهودِ الرّوحيين. فاختلَفَ رَدُّ فِعْلِ التّلاميذِ عن رَدِّ الفَرِّيسيِّين؛ إذِ احتفلَ التّلاميذُ والشّعبُ بمهرجانٍ مهيبٍ، هاتفين مع صاحبِ المزمور: "تَبارَكَ الآتي باْسمِ الرَّبِّ، نُبارِكُكُم مِن بَيتِ الرَّبّ. الرَّبُّ هو اللهُ وقد أَنارَنا، فَرُصُّوا المَواكِبَ، والأغْصانُ في أَيديكم حتَّى قُرونِ المَذبَح" (مزمور 118: 26-27). وقد هَتَفوا بفرحٍ وابتهاجٍ:"السَّلامُ في السَّماءِ! والمَجْدُ في العُلى!" السَّلامُ في السَّماءِ، كما أشادَ الملائكةُ عند ميلادِ يسوع (لوقا 2: 14). أشادَ التّلاميذُ بالسَّلامِ الذي يأتيهم من الله، ومجّدوا بهِ الرَّبَّ، وتَقبَّلوا سلامَ المسيح بالإيمان (لوقا 1: 79). إنَّهم كانوا يُتَمِّمون نُبوءَة زكريّا (9: 9)، ويتكلّمون عن عودةِ مملكةِ داود في المسيحِ يسوع (2 صموئيل 7: 12-14). وفي هذا السّياق، يقول القدّيس كيرِلُّس الكبير: "سَبَّحَ التّلاميذُ السيّدَ المسيح، مُخَلِّصَ الكُلّ، ودَعَوه المَلِك والرَّب وسلامَ السّماءِ والأرض. فَلْنُسَبِّحْهُ نحنُ أيضًا كما بقِيثارةِ المُرتِّل، قائلين: ما أَعظَمَ أَعْمالَكَ يا رَبّ! لقد صَنَعْتَ جميعَها بالحِكمة، فامتَلأَتِ الأرضُ مِن خَيراتِكَ!" (مزمور 104: 24). ويُعلّق يوحنّا الإنجيليّ على دخولِ السيّدِ المسيح إلى أورشليم بقوله: "هذِهِ الأَشياءُ لم يَفهَمْها تَلاميذُه أَوَّلَ الأَمر، وَلَكِنَّهُم تَذَكَّروا، بَعدَما مُجِّدَ يسوع، أَنَّها فيهِ كُتِبَت، وأَنَّها هي نَفْسُها لَه صُنِعَت" (يوحنّا 12: 16). ب) رَدُّ فِعْلِ الفَرِّيسِيِّين اعتَبَرَ الفَرِّيسِيُّونَ كلماتِ الجُموعِ والتّلاميذِ كلماتِ تجديفٍ وتحريض، فلم يُعلِنوا إيمانَهم بالرَّبّ، بل رَفَضوا واحتَجّوا على هُتافِ التّلاميذ، كما فَعَلَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَة (متّى 21: 15-16). وطلبوا مِن يسوع أن يَضعَ حدًّا لهُتافِهم (لوقا 19: 37-40)، لأنّهم كانوا يعترفون، عن غيرِ قصد، بملوكيّةِ المسيح. فأجابهم يسوعُ: "لو سَكَتَ هؤلاء، لَهَتَفَتِ الحِجارَة!" (لوقا 19: 40). لَنَطَقَت الأرضُ كُلُّها بمَجدِ المَلِكِ السّماويّ، مَلِكِ السّلامِ الآتي باسمِ الرّبّ، الآتي ليُخَلِّصَ البَشَر. لا شيءَ يَمنعُ أورشليم من الهُتافِ ليسوع، بل إنّ حِجارةَ أورشليم تهتِفُ شاهِدةً لِمَملكتِهِ، كما تنبَّأ يومًا النّبي حبقوق: "فالحَجَرُ يَصرُخُ مِنَ الحائِط" (حبقوق 2: 11). لقد "هَتَفَتِ الحِجارَة" (لوقا 19: 40)، وهذا يعني أنَّ المسيحَ كان مُدرِكًا صِفَتَهُ المَلَكِيَّة؛ إنَّه مَلِكُ أورَشَليم، مَلِكُ العالَم، ومَملكتُهُ ثابِتَة: "يُوليه الرَّبُّ الإِلهُ عَرشَ أَبيه داود، ويَملِكُ على بَيتِ يَعقوبَ أَبَدَ الدَّهر، ولَن يَكونَ لِمُلكِه نِهاية" (لوقا 1: 32-33). إنّه يومُ انتصارِ النّورِ على الظّلام. وخُلاصةُ القَوْلِ، هَتَفَ ظ±لنَّاسُ لِلْمَسِيحِ، لَكِنْ كَثِيرًا مِنْهُمْ عَادُوا فَرَفَضُوهُ. هُنَا دَعْوَةٌ لِفَحْصِ نَوْعِ إِيمَانِنَا: هَلْ هُوَ لَحْظَةٌ عَاطِفِيَّةٌ؟ أَمِ ظ±لْتِزَامٌ دَائِمٌ؟ كَمْ مَرَّةً نُهَلِّلُ لِلَّهِ وَقْتَ ظ±لْفَرَحِ، ثُمَّ نَلُومُهُ وَقْتَ ظ±لتَّجْرِبَةِ؟ ظ±لْإِيمَانُ ظ±لْحَقِيقِيُّ يَظْهَرُ فِي ظ±لثَّبَاتِ، فِي ظ±لصَّلِيبِ كَمَا فِي ظ±لْمَجْدِ. عَلَيْنَا أَنْ نُرَبِّيَ فِي نُفُوسِنَا إِيمَانًا يَنْمُو بِظ±لْعَلَاقَةِ ظ±لْيَوْمِيَّةِ مَعَ ظ±لْمَسِيحِ، لَا بِظ±لْأَحْدَاثِ ظ±لْعَابِرَةِ. وَمِنْ هُنَا، يَدْعُونَا ظ±لنَّصُّ إِلَى ظ±لثَّبَاتِ فِي ظ±لْإِيمَانِ، وَأَلَّا تَكُونَ ظ±سْتِجَابَتُنَا لِلْمَسِيحِ مُجَرَّدَ عَاطِفَةٍ مُؤَقَّتَةٍ، بَلِ ظ±لْتِزَامًا دَائِمًا، يُثْمِرُ فِي ظ±لْحَيَاةِ ظ±لْعَمَلِيَّةِ. 4) دورةُ أحدِ الشَّعانين التَّقليديَّة في القرن الرابع، كان يُحتَفَلُ بـ دورةِ أحدِ الشّعانين بطريقةٍ تُشبِه كثيرًا طَريقتَنا اليوم. فقد كَتَبَت إيجيرِيّا في يوميّاتِها: "في الأحدِ الذي يَفتَتِحُ الأُسبوعَ المُقَدَّس... يَصعدُ الشَّعبُ إلى جَبَلِ الزَّيتون... وعِندَ السّاعةِ الحاديَةَ عَشرَة (أي الخامسة مساءً)، تُتلى قراءةُ المقطعِ الإنجيليّ (لوقا 19: 28-40)، ثم تبدأُ المسيرةُ من قِمّةِ جبلِ الزيتونِ حتّى كَنيسةِ القِيامة." وفي القرن التاسع، انطلَقت الدَّورةُ مِن مكانٍ أبعد، كما كتبَ الحاجُّ الراهب أبيفانوس:"على بُعدِ ما يُقارِبُ المِيل (من مكانِ الصُّعود) نَجِدُ المكانَ الذي فيهِ جلسَ يسوعُ على الجَحش. ويُوجَدُ هناك شَجرةُ زيتون، يُؤخَذُ منها كلَّ عامٍ غُصنٌ، بعدَ أن يُدفَعَ الثّمن؛ وهكذا يَدخُلُ المُشارِكُ في الدَّورةِ إلى أورشليم في يومِ الشّعانين." وذكرَ وُجودَ كنيسةٍ في ذاك المكان، تعودُ إلى القرنِ الرابع، إحياءً لذِكرى لِقاءِ يسوعَ مع أختَي لعازر، مَرثا ومَريم، على طريقِ بيتِ عَنيا. في القرن الثاني عشر، وتحديدًا عام 1187، توقّفَت دَورةُ الشّعانين على أثرِ انهِزامِ الصّليبيّين على يدِ صلاحِ الدّين الأيوبي، لكنّ الآباء الفرنسيسكان أعادوها ما بين القرنين السادس عشر والسابع عشر، وكان حارسُ الأراضي المُقدّسة يجلسُ خلالَها على جَحش. وفي عام 1870، عَثَرَ أحدُ الفلّاحين على حَجرٍ مَنحوت، عليه رسوماتٌ من العصرِ الصّليبي، تُجسِّد حادثَتَي قيامةِ لعازر ودخولِ يسوعَ الانتصاريِّ إلى القدس. فتمّ شراءُ الأرضِ وبِناءُ مزارٍ صغيرٍ عام 1883، ورُمِّم عام 1954 ليأخذ شكلَهُ الحاليّ. ومُنذ عام 1933، استطاعت الدورةُ أن تستعيدَ شكلَها الاحتفالي، على رأسِها بطريرك اللاتين الأورشليمي، مُنطلِقةً من مَزار بيتِ فاجي. د) دَورَةُ الشَّعانينِ في أَيّامِنا تَسيرُ الدَّورَةُ الاحتفاليَّةُ في أَحدِ الشَّعانين تحتَ رِعايةِ بطريركِ القُدسِ للّاتين، ويَحمِلُ المشترِكونَ سَعَفَ النَّخيل أو أغصانَ الزَّيتون، وهُم يُنشدونَ التَّرانيمَ الرّوحيَّةَ التي تُشيدُ بيسوعَ المَلِك. تَنطلِقُ الدَّورَةُ من كنيسةِ بيتِ فاجي في الطّور، إلى الجَسمانيَّة، مرورًا بـ بابِ الأسباط، وُصولًا إلى كنيسةِ القدّيسةِ حنّة (المعروفةِ بـ "الصَّلاحيَّة")، حيثُ يُختِمُ البطريركُ الدَّورَةَ بإعطاءِ البَرَكةِ من خلالِ القُربانِ الأقدس. وعندَ نِهايةِ الدَّورةِ الدينيَّة، تَنطلِقُ المَجموعاتُ الكشفيَّةُ بمسيرةٍ في شَوارعِ القُدس، مرورًا بـ طريقِ "سِتّنا مَريم"، والمتحفِ الفِلسطينيّ (روكفلر)، ثم بابِ السّاهِرة، وساحةِ بابِ العَمود، وُصولًا إلى ساحةِ دَيرِ اللّاتينِ عندَ الآباءِ الفرنسيسكان. وقد أَصبَحت دَورةُ أَحدِ الشَّعانين مِهرجانَ إيمانٍ بالمسيحِ المَلِكِ والمُخَلِّص: "كَيْما تَجثُوَ لاِسمِ يَسوع كُلُّ رُكبةٍ في السَّمَواتِ، وفي الأَرضِ، وتَحتَ الأَرض، ويَشهَدَ كُلُّ لِسانٍ أَنَّ يَسوعَ المسيحَ هو الرَّبّ، تَمجيدًا للهِ الآب" (فيلبّي 2: 10-11). الخُلاصَة في أَحَدِ الشَّعَانِين، نَحْتَفِلُ بِذِكْرَى دُخُولِ يَسُوعَ إِلَى أُورَشَلِيمَ، لِيَحُلَّ، وَيَفُكَّ كُلَّ رِبَاطٍ لِلاضْطِهَادِ، وَلِيُحَرِّرَ شَعْبَهُ مِنْ سَطْوَةِ الشَّرِّ وَالْعُنْفِ، وَمِنْ كُلِّ مَا يُقَيِّدُ الإِنْسَانَ وَيَمْنَعُهُ مِنْ عَيْشِ حُرِّيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ. نُعْلِنُ نَحْنُ أَيْضًا ظ±سْتِعْدَادَنَا لِأَنْ يَدْخُلَ إِلَى حَيَاتِنَا، وَبُيُوتِنَا، وَقُلُوبِنَا. إِنَّهُ لَا يَأْتِي لِيَأْخُذَ مَكَانًا بَيْنَ ظ±لْجُمُوعِ، بَلْ لِيَمْلِكَ عَلَى عَرْشِ ظ±لْقَلْبِ. وَلَكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ ظ±لطَّرِيقَ مِنَ ظ±لشَّعَانِينِ إِلَى ظ±لْقِيَامَةِ يَمُرُّ عَبْرَ ظ±لصَّلِيبِ. وَلِذَلِكَ، دَعْوَةُ ظ±لْمَسِيحِ لَنَا ظ±لْيَوْمَ لَيْسَتْ فَقَطْ أَنْ نَهْتِفَ لَهُ، بَلْ أَنْ نَسِيرَ مَعَهُ. فِي هَذَا ظ±لْأُسْبُوعِ ظ±لْمُقَدَّسِ: هَلُمُّوا نَصْعَدْ مَعًا جَبَلَ ظ±لزَّيْتُونِ، لِمُلَاقَاةِ ظ±لْمَسِيحِ ظ±لْعَائِدِ ظ±لْيَوْمَ مِنْ بَيْتِ عَنْيَا، مُتَقَدِّمًا إِلَى يَوْمِ آلَامِهِ ظ±لْمُكَرَّمَة، وَقَدْ جَاءَ طَوْعًا لِيَتَحَمَّلَهَا وَيُتَمِّمَ سِرَّ خَلَاصِنَا. لِنُهَيِّئْ قُلُوبَنَا كَمَا هُيِّئَتْ أُورَشَلِيمُ لِدُخُولِهِ، بِظ±لصَّلَاةِ، وَظ±لتَّوْبَةِ، وَظ±لْمُصَالَحَةِ. لِنَسْمَحْ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِتَوَاضُعِهِ إِلَى أَعْمَاقِ حَيَاتِنَا، فَيَشْفِي مَا كُسِرَ، وَيُصْلِحَ مَا فَسَدَ. وَلْنَتَأَمَّلْ فِي ثَبَاتِنَا: هَلْ سَنَبْقَى بِجَانِبِهِ وَقْتَ ظ±لْأَلَمِ كَمَا كُنَّا نَهْتِفُ لَهُ وَقْتَ ظ±لْمَجْدِ؟ فَلْنَكُنْ مِنَ ظ±لَّذِينَ لَا يُبَدِّلُونَ وَلَاءَهُمْ حَسَبَ ظ±لظَّرْفِ، بَلْ مِنَ ظ±لَّذِينَ يَثْبُتُونَ مَعَ ظ±لْمَسِيحِ إِلَى ظ±لصَّلِيبِ... لِيَقُومُوا مَعَهُ فِي ظ±لْقِيَامَة. نَحْنُ نُؤْمِنُ أَنَّ ظ±لْمَسِيحَ ظ±بْنَ ظ±للهِ يَدْخُلُ ظ±لْيَوْمَ بِظ±لْمَجْدِ فِي قُلُوبِنَا، وَفِي شَعْبِنَا، وَأَطْفَالِنَا، وَعَائِلَاتِنَا، وَعَلَى أَرْضِنَا. يَدْخُلُ كَمُخَلِّصٍ وَيَفْتَدِينَا بِمَوْتِهِ وَقِيَامَتِهِ. هَذَا هُوَ ظ±لْإِيمَانُ ظ±لَّذِي أَعْلَنَهُ آبَاؤُنَا وَأَجْدَادُنَا عَلَى مَدَى مِئَاتِ ظ±لسِّنِينَ، وَنَحْنُ ظ±لْيَوْمَ نُعْلِنُ هَذَا ظ±لْإِيمَانَ. هَلُمَّ نُسْرِعْ وَنُقْبِلْ مَعًا إِلَى ظ±لْمَسِيحِ ظ±لْمَلِكِ ظ±لْمُقْبِلِ إِلَى ظ±لْآلَامِ، وَنَقْتَدِ بِظ±لْجُمُوعِ ظ±لَّتِي أَسْرَعَتْ لِمُلَاقَاتِهِ، لَا بِحَمْلِ أَغْصَانِ ظ±لزَّيْتُونِ أَوْ سَعَفِ ظ±لنَّخْلِ، وَلَا بِفَرْشِ ظ±لثِّيَابِ أَمَامَهُ عَلَى ظ±لطَّرِيقِ، بَلْ نَسْجُدْ لَهُ بِأَنْفُسِنَا، بِكُلِّ قِوَانَا وَإِرَادَتِنَا، وَنَسْتَقْبِلْ ظ±لْكَلِمَةَ بِرُوحٍ مُنْسَحِقَةٍ، وَبِنِيَّةٍ مُسْتَقِيمَةٍ، وَبِعَزْمٍ ثَابِتٍ، فَنَصِلْ إِلَى ظ±للهِ ظ±لَّذِي لَا يُمْكِنُ ظ±لْوُصُولُ إِلَيْهِ. هَلُمَّ نَفْرُشْ نَحْنُ لِلْمَسِيحِ، لَا ثِيَابًا وَأَغْصَانًا جَافَّةً، بَلْ نَلْبَسْ نِعْمَتَهُ، أَيْ لِيَكُنْ هُوَ نَفْسُهُ بِكَامِلِهِ رِدَاءً لَنَا، كَمَا يَقُولُ ظ±لْكِتَابُ: "لِأَنَّكُمْ لَمَّا ظ±عْتَمَدْتُمْ بِظ±لْمَسِيحِ، لَبِسْتُمُ ظ±لْمَسِيحَ" (غَلَاطِيَّة 3: 27). فَبَدَلَ إِلْقَاءِ ظ±لثِّيَابِ أَمَامَهُ، لِنُلْقِ بِأَنْفُسِنَا أَمَامَ قَدَمَيْهِ سَاجِدِينَ، وَلْنُرَدِّدْ نَحْنُ أَيْضًا، مَعَ ظ±لتَّلَامِيذِ، فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أُسْبُوعِ ظ±لْآلَامِ، هُتَافَهُمُ ظ±لْمُقَدَّسَ، فِيمَا تَهْتَزُّ أَغْصَانُ أَنْفُسِنَا وَأَرْوَاحِنَا: "مُبَارَكٌ ظ±لْآتِي بِظ±سْمِ ظ±لرَّبِّ!" نَحْنُ مَدْعُوُّونَ ظ±لْيَوْمَ أَنْ نَخْتَارَ نَفْسَ ظ±لدَّرْبِ ظ±لَّذِي سَارَ عَلَيْهِ يَسُوعُ: دَرْبُ ظ±لْخِدْمَةِ وَظ±لْعَطَاءِ، وَنُكْرَانِ ظ±لذَّاتِ وَظ±لتَّوَاضُعِ. لِنُوَجِّهْ أَنْظَارَنَا إِلَيْهِ، وَنَطْلُبْ مِنْهُ ظ±لنِّعْمَةَ لِنَفْهَمَ شَيْئًا مِنْ سِرِّ تَجَرُّدِهِ لِأَجْلِنَا. وَلْنَتَأَمَّلْ بِصَمْتٍ فِي سِرِّ أُسْبُوعِ ظ±لْآلَامِ. دُعاء ظ±مْنَحْنَا، أَيُّهَا ظ±لْآبُ ظ±لرَّحِيمُ، نِعْمَةَ ظ±تِّبَاعِ ظ±بْنِكَ، حَتَّى فِي سَاعَةِ ظ±لصَّلِيبِ، كَيْ نُشَارِكَهُ فِي ظ±لْحَيَاةِ ظ±لَّتِي تُدْخِلُنَا فِيهَا قِيَامَتُهُ. يَا مَرْيَمُ أُمِّي، يَا أُمَّ ظ±لْأَوْجَاعِ، عَلِّمِينَا تَحَمُّلَ أَوْجَاعِنَا وَآلَامِنَا مِنْ أَجْلِ خَلَاصِنَا وَخَلَاصِ كُلِّ مَنْ وَضَعَهُمُ ظ±لرَّبُّ فِي حَيَاتِنَا، مُرَدِّدِينَ دُعَاءَ بُولُسَ ظ±لرَّسُولِ: "ظ±لشُّكْرُ لِلَّهِ ظ±لَّذِي يَسْتَصْحِبُنَا دَائِمًا أَبَدًا فِي نَصْرِهِ بِظ±لْمَسِيحِ، وَيَنْشُرُ بِأَيْدِينَا فِي كُلِّ مَكَانٍ شَذَى مَعْرِفَتِهِ" (2 قُورِنْتُس 2: 14). |
|
||||
![]() نَحْتَفِلُ اليَوْمَ بِأَحَدِ الشَّعَانِينَ، حَيْثُ يَصِفُ لُوقَا الإِنْجِيلِيُّ دُخُولَ المَسِيحِ إِلَى أُورَشَلِيمَ بِالمَجْدِ وَالِانْتِصَارِ مُدَشِّنًا "أُسْبُوعَ الآلَامِ"، مُقَدِّمًا حَيَاتَهُ ضَحِيَّةً عَنْ شَعْبِهِ (لُوقَا 19: 28–40). وَقَدْ ذَكَرَتِ الأَنَاجِيلُ الأَرْبَعَةُ هَذَا الدُّخُولَ إِلَى أُورَشَلِيمَ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّتِهِ (مَتَّى 21: 1–12، مَرْقُس 11: 1–11، يُوحَنَّا 12: 12–16). وَأُسْبُوعُ الآلَامِ هُوَ أُسْبُوعٌ مُقَدَّسٌ، لِأَنَّنَا نَحْتَفِلُ فِيهِ بِذِكْرَى مَا فَعَلَهُ الرَّبُّ يَسُوعُ مِنْ أَجْلِ خَلَاصِنَا، فِي خَمِيسِ الأَسْرَارِ، وَالجُمُعَةِ العَظِيمَةِ، وَالعَشِيَّةِ الفِصْحِيَّةِ، وَأَحَدِ القِيَامَةِ المَجِيدَةِ. وَيَبْدَأُ هَذَا الأُسْبُوعُ فِي أَحَدِ الشَّعَانِينَ، وَكَلِمَةُ "شَعَانِينَ" كَلِمَةٌ عِبْرِيَّةٌ "هُوشَعْنَا" (הוض¹×©×پض·×¢ ×*ض¸×گ)، مُشْتَقَّةٌ مِنْ جِذْرٍ سُرْيَانِيٍّ، وَمَعْنَاهَا "أَمْنَحِ الخَلَاصَ"، وَمِنْهَا اشْتُقَّتِ الكَلِمَةُ اليُونَانِيَّةُ (ل½،دƒخ±خ½خ½ل½±). وَكَمَا يَقُولُ القِدِّيسُ إيرُونِيمُوس: "إِنَّهَا تَعْنِي أَنَّ مَجِيءَ المَسِيحِ هُوَ خَلَاصُ العَالَمِ". أحدُ الشَّعانين هو إعلانٌ لِمُلوكيّةِ المسيح، لا بالقوّة البشريّة، بل بتواضُعهِ وذَبيحتِه. إنّه دعوةٌ لكلٍّ منّا أن نستقبِلَ يسوعَ في أُورَشليم قلوبِنا، أن نخلعَ أردِيَتَنا القديمة، ونبسطَ ذَواتِنا بمحبّةٍ صادقة. وَمِنْ هُنَا تَكْمُنُ أَهَمِّيَّةُ البَحْثِ فِي وَقَائِعِ النَّصِّ الإِنْجِيلِيِّ وَتَطْبِيقَاتِهِ. |
|
||||
![]() ولمَّا قَرُبَ مِن بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيا عِندَ الجَبلِ الَّذي يُقالُ لهُ جَبَلُ الزَّيتون، أَرسَلَ اثْنَينِ مِن تَلاميذِه تُشِيرُ عِبَارَةُ "قَرُبَ" إِلَى يَسُوعَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يُتَمِّمَ عَمَلِيًّا نُبُوءَةَ زَكَرِيَّا النَّبِيِّ: "اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا بِنْتَ صِهْيُونَ، وَاهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورَشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ آتٍ إِلَيْكِ، بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ، وَضِيعٌ، رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ، وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ" (زَكَرِيَّا 9: 9–10). وبِنْتُ صِهْيُونَ هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ أُورَشَلِيمَ (أَشَعْيَا 1: 8)، لِأَنَّ جَبَلَ صِهْيُونَ هُوَ أَحَدُ الجِبَالِ الَّتِي بُنِيَتْ عَلَيْهَا أُورَشَلِيمُ. وَيَبْدُو أَنَّ يَسُوعَ وَصَلَ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا مَسَاءً، عِنْدَ بَدَايَةِ السَّبْتِ اليَهُودِيِّ، كَمَا يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ يُوحَنَّا: "قَبْلَ الفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ جَاءَ يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا" (يُوحَنَّا 12: 1). |
|
||||
![]() ولمَّا قَرُبَ مِن بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيا عِندَ الجَبلِ الَّذي يُقالُ لهُ جَبَلُ الزَّيتون، أَرسَلَ اثْنَينِ مِن تَلاميذِه "بَيْتَ فَاجِي"، فَفِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ خ’خ·خ¸د†خ±خ³ل½´، وَمَعْنَاهَا "بَيْتُ التِّينِ"، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الاِسْمِ الآرَامِيِّ בض¼ضµ×™×ھض¾×¤ض¼ض·×’ض¼ضµ×™. تُشِيرُ إِلَى قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ تَقَعُ إِلَى الجَنُوبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، عَلَى الطَّرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُورَشَلِيمَ (مَتَّى 21: 1). وَقَدْ كَانَ يَسْكُنُهَا الكَهَنَةُ لِيَكُونُوا قَرِيبِينَ مِنَ الهَيْكَلِ بِأُورَشَلِيمَ. وَيَظْهَرُ أَنَّ يَسُوعَ دَخَلَهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بَيْتَ عَنْيَا، إِذْ كَانَ آتِيًا مِنْ أَرِيحَا إِلَى أُورَشَلِيمَ. والتِّينَةُ" هِيَ رَمْزٌ لِلكنِيسَةِ مِنْ جِهَةِ وَحْدَتِهَا، حَيْثُ تَضُمُّ بُذُورًا كَثِيرَةً دَاخِلَ غِلَافِ الرُّوحِ القُدُسِ. أَمَّا عِبَارَةُ "بَيْتَ عَنْيَا"، فَتُشِيرُ إِلَى الاِسْمِ الآرَامِيِّ בضµض¼×™×ھض¾×”ض´×™×*ض´×™، وَمَعْنَاهُ: "بَيْتُ البُؤْسِ" أَوْ "البَائِسِ". وَهِيَ قَرْيَةٌ تَقَعُ إِلَى الجَنُوبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، عَلَى بُعْدِ ثَلَاثَةِ كِيلُومِتْرَاتٍ مِنْ أُورَشَلِيمَ. وَتُدْعَى اليَوْمَ العَازَرِيَّة، لأَنَّهُ فِيهَا بَيْتُ لِعَازَرَ وَمَرْيَمَ وَمَرْثَا، وَقَبْرُ لِعَازَرَ. وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَكَمَةٍ صَخْرِيَّةٍ وَعِرَةِ المَسَالِكِ. وَكَانَ السَّيِّدُ المَسِيحُ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهَا مِرَارًا، لا سِيَّمَا فِي أَيَّامِهِ الأَخِيرَةِ، لِيَزُورَ صَدِيقَهُ لِعَازَرَ وَأُخْتَيْهِ. وَقَدْ أَقَامَ لِعَازَرَ مِنَ القَبْرِ (يُوحَنَّا 11: 1–44)، وَلاَ يَزَالُ قَبْرُهُ مَنْحُوتًا فِي الصَّخْرِ هُنَاكَ. وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ أُوغُسْطِينُوس عَلَى القَرْيَتَيْنِ بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا، فَيَقُولُ: "إِنَّ الرَّقْمَ ظ¢ يُشِيرُ إِلَى المَحَبَّةِ لِلهِ وَالنَّاسِ، فَبِفَلْسَيْنِ قَدَّمَتِ الأَرْمَلَةُ كُلَّ حُبِّ قَلْبِهَا فِي خِزَانَةِ الرَّبِّ، وَبِالدِّينَارَيْنِ أَعْلَنَ السَّامِرِيُّ الصَّالِحُ أَعْمَاقَ مَحَبَّتِهِ لِلْجَرِيحِ. وَنَحْنُ لَا نَقْدِرُ أَنْ نَبْدَأَ مَوْكِبَ الصَّلِيبِ مَا لَمْ نَبْدَأْ بِالقَرْيَتَيْنِ، وَنَلْتَقِي بِهِ فِي مَوْكِبِهِ خِلَالَ الحُبِّ. |
|
||||
القِدِّيسُ أُوغُسْطِينُوس عَلَى القَرْيَتَيْنِ بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا، فَيَقُولُ: "إِنَّ الرَّقْمَ ظ¢ يُشِيرُ إِلَى المَحَبَّةِ لِلهِ وَالنَّاسِ، فَبِفَلْسَيْنِ قَدَّمَتِ الأَرْمَلَةُ كُلَّ حُبِّ قَلْبِهَا فِي خِزَانَةِ الرَّبِّ، وَبِالدِّينَارَيْنِ أَعْلَنَ السَّامِرِيُّ الصَّالِحُ أَعْمَاقَ مَحَبَّتِهِ لِلْجَرِيحِ. وَنَحْنُ لَا نَقْدِرُ أَنْ نَبْدَأَ مَوْكِبَ الصَّلِيبِ مَا لَمْ نَبْدَأْ بِالقَرْيَتَيْنِ، وَنَلْتَقِي بِهِ فِي مَوْكِبِهِ خِلَالَ الحُبِّ. |
|
||||
![]() ولمَّا قَرُبَ مِن بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيا عِندَ الجَبلِ الَّذي يُقالُ لهُ جَبَلُ الزَّيتون، أَرسَلَ اثْنَينِ مِن تَلاميذِه "جَبَلِ الزَّيْتُونِ"، فَتُشِيرُ إِلَى الجَبَلِ الَّذِي يَقَعُ تُجَاهَ أُورَشَلِيمَ (ظ، مُلُوك 11: 7)، وَهُوَ الجَبَلُ الَّذِي عَلَى شَرْقِ المَدِينَةِ المُقَدَّسَةِ (حِزْقِيَال 11: 23)، وَيُسَمَّى أَيْضًا "جَبَلُ الهَلاَكِ" (2 مُلُوك 23: 13). يَبْلُغُ ارْتِفَاعُهُ عَنْ سَطْحِ البَحْرِ نَحْوَ 780 م، وَهُوَ أَعْلَى مِنَ الهَيْكَلِ بِـنَحْوِ 91 م. وَيَفْصِلُ هَذَا الجَبَلُ عَنْ أُورَشَلِيمَ وَادِي قَدْرُون (يُوحَنَّا 18: 1)، وَقَدْ حُسِبَتِ المَسَافَةُ بَيْنَ أَقْصَى قِمَمِهِ الشِّمَالِيَّةِ وَبَيْنَ أُورَشَلِيمَ بِـسَفَرِ سَبْتٍ، أَيْ أَلْفَيْ خَطْوَةٍ (أَعْمَال الرُّسُل 1: 12)، أَوْ كَمَا قَالَ المُؤَرِّخُ يُوسِيفُوس: سِتُّ غَلَوَاتٍ. وَطَالَمَا صَعِدَ المَسِيحُ إِلَيْهِ، وَفِي وَقْتِ نُزُولِهِ مِنْهُ قَبْلَ الصَّلْبِ بِأَيَّامٍ قَلِيلَةٍ، اسْتَقْبَلَتْهُ الجُمُوعُ بِالهُتَافِ وَالتَّرْحِيبِ، لَكِنَّهُ كَانَ يَبْكِي عَلَى المَدِينَةِ وَمَصِيرِهَا القَرِيبِ (لُوقَا 19: 37–44). وَمِنْ سَفْحِ ذَلِكَ الجَبَلِ، تَحَدَّثَ عَنْ خَرَابِ الهَيْكَلِ وَالْمَدِينَةِ (مَتَّى 24: 3). وَقَبْلَ الفِصْحِ الأَخِيرِ، صَعِدَ إِلَى هُنَاكَ، حَيْثُ بُسْتَانُ الجَسَمَانِيَّةِ فِي جِهَةِ الغَرْبِ (لُوقَا 22: 39). وَكَانَت بَيْتُ عَنْيَا وَبَيْتُ فَاجِي فِي شَرْقِهِ. وَمِنْ قِمَّةِ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، صَعِدَ المَسِيحُ إِلَى السَّمَاءِ (لُوقَا 24: 50). وَيُسَمِّيهِ العَرَبُ فِي الوَقْتِ الحَاضِرِ: جَبَلُ الطُّورِ. وَعِنْدَ أَقْدَامِ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، وَبِالقُرْبِ مِنَ الجَسَمَانِيَّةِ، يَمْتَدُّ طَرِيقٌ مُتَفَرِّعٌ إِلَى أَرْبَعَةِ مَسَارَاتٍ: مَسَارٌ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا وَأَرِيحَا، بَنَاهُ الخَلِيفَةُ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوَان فِي القَرْنِ السَّابِعِ المِيلَادِيِّ. وَالمَسَارُ الثَّانِي يَتَّجِهُ عَبْرَ القِمَّةِ إِلَى بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا. وَالمَسَارَانِ الآخَرَانِ يَتَعَرَّجَانِ كَثِيرًا فِي طَرِيقِهِمَا إِلَى القِمَّةِ. وَيُمْتَدُّ طَرِيقٌ رُومَانِيٌّ قَدِيمٌ مِنْ وَادِي قَدْرُون إِلَى الأُرْدُنِّ. وَكَانَتْ يتَوَقَّعُ اليَهُودُ أَنَّ مَجِيءَ المَسِيحِ مُرْتَبِطٌ بِـجَبَلِ الزَّيْتُونِ، وَيُعْلِنُ المُؤَرِّخُ اليَهُودِيُّ يُوسِيفُوس أَنَّ ارْتِبَاطَ مَوْكِبِ المَسِيحِ فِي دُخُولِهِ إِلَى أُورَشَلِيمَ بِـجَبَلِ الزَّيْتُونِ يَدُلُّ عَلَى طَبِيعَةِ هَذَا المَوْكِبِ: "مَوْكِبٌ مَسِيَّانِيٌّ". |
|
||||
![]() ولمَّا قَرُبَ مِن بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيا عِندَ الجَبلِ الَّذي يُقالُ لهُ جَبَلُ الزَّيتون، أَرسَلَ اثْنَينِ مِن تَلاميذِه "أَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ"، فَفِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ ل¼€د€ل½³دƒد„خµخ¹خ»خµخ½ (مَعْنَاهَا: أَرْسَلَ) فتُشيرُ إِلَى الإِرْسَالِيَّةِ لِلأُمَمِ وَلِلْيَهُودِ، فَالمَسِيحُ يَأْخُذُ دَوْمًا زِمَامَ المُبَادَرَةِ. فَقَدْ أَرْسَلَ يَسُوعُ التَّلَامِيذَ سَابِقًا لِيُعْلِنُوا لِجَمِيعِ الأُمَمِ الخَبَرَ السَّارَّ المُتَعَلِّقَ بِاقْتِرَابِ المَلَكُوتِ: "أَرْسَلَهُمْ (ل¼€د€ل½³دƒد„خµخ¹خ»خµخ½) لِيُعْلِنُوا مَلَكُوتَ اللهِ" (لُوقَا 9: 2). وَهُوَ الآنَ يُرْسِلُ تِلْمِيذَيْنِ، تَمَامًا كَمَا سَبَقَ وَأَرْسَلَ الاثْنَيْنِ وَالسَّبْعِينَ، اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ (لُوقَا 10: 1–10). فَإِرْسَالُ هَذَيْنِ التِّلْمِيذَيْنِ يُمَثِّلُ الكَنِيسَةَ المُرْسَلَةَ لِتُعْلِنَ لِلْجَمِيعِ فِصْحَ الرَّبِّ، إِذْ إِنَّ إِرْسَالِيَّةَ الرُّسُلِ مُرْتَبِطَةٌ بِـإِرْسَالِيَّةِ يَسُوعَ نَفْسِهِ: "كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ، أُرْسِلُكُمْ أَنَا أَيْضًا" (يُوحَنَّا 20: 21)، وَخَاصَّةً عِنْدَ ظُهُورِهِ لَهُمْ بَعْدَ القِيَامَةِ، حَيْثُ قَالَ لَهُمْ: "اِذْهَبُوا..." (مَرْقُس 16: 15)، لِيُبَشِّرُوا بِالإِنْجِيلِ، وَلِيُتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ (مَتَّى 28: 19)، وَلِيُقَدِّمُوا شَهَادَتَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ (أَعْمَال 1: 8). وَبِذَلِكَ، تُبَلَّغُ إِرْسَالِيَّةُ الاِبْنِ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، بِفَضْلِ إِرْسَالِيَّةِ رُسُلِهِ وَكَنِيسَتِهِ، بِالكِرَازَةِ بِالخَلاَصِ: فِي العَهْدِ القَدِيمِ خِلَالَ الرُّمُوزِ وَالظِّلَالِ، وفِي العَهْدِ الجَدِيدِ خِلَالَ الحَقِّ. أَمَّا عِبَارَةُ "اثْنَيْنِ"، فَتُشِيرُ إِلَى الرَّقْمِ ظ¢، الَّذِي يُدَلِّلُ عَلَى المَحَبَّةِ، إِذْ يُوحِّدُ الاِثْنَيْنِ فِي وَاحِدٍ. فَالمَحَبَّةُ جَاءَتْ فِي وَصِيَّتَيْنِ: مَحَبَّةُ اللهِ وَمَحَبَّةُ القَرِيبِ. وَلِذَلِكَ، بَدَأَتْ إِرْسَالِيَّتُهُ بِتِلْمِيذَيْنِ، وَهُوَ بِالقُرْبِ مِنْ قَرْيَتَيْنِ، أَيْ فِي جَوِّ الحُبِّ، الَّذِي بِدُونِهِ لَا نَنْعَمُ بِدُخُولِ السَّيِّدِ إِلَى أُورَشَلِيمَ. |
|
||||
![]() وقالَ لَهما: اِذهَبا إلى القَريةِ الَّتي تِجاهَكُما، تَجِدا عِندَما تَدخُلانِها جَحشاً مَربوطاً ما رَكِبَه أَحَدٌ قَطّ، فَحُلاَّ رِباطَه وأْتِيا بِه تُشِيرُ عِبَارَةُ "اِذْهَبَا إِلَى القَرْيَةِ" إِلَى الإِرْسَالِيَّةِ لِلْأُمَمِ وَلِلْيَهُودِ، حَيْثُ أَرْسَلَ السَّيِّدُ تِلْمِيذَيْهِ لِيَحُلَّا بِاسْمِهِ المَرْبُوطيْنِ، وَيُدْخِلاَهُم فِي القُلُوبِ إِلَى أُورَشَلِيمَ العُلْيَا. هي دعوةٌ للدُّخول إلى العالَم بروحِ المرسَل، لا المالِك؛ فالمسيح يُرسِلنا كفُقراء يَثقون بالعناية الإلهيّة. أَمَّا عِبَارَةُ "جَحْشٍ"، فَتُشِيرُ إِلَى صِغَارِ الحَمِيرِ، وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُهُ فِي بَرَكَةِ يَعْقُوبَ لِابْنِهِ يَهُوذَا: "رَابِطٌ بِالجَفْنَةِ جَحْشَهُ، وَبِأَفْضَلِ كَرْمَةٍ ابْنَ حِمَارَتِهِ" (تَكْوِين 49: 11). وَكَانَ يَرْكَبُ الجَحْشَ الشُّرَفَاءُ (قُضَاة 10: 4)، وَكَانَ مَطِيَّةَ الآبَاءِ (تَكْوِين 49: 11). ولُوقَا الإِنْجِيلِيُّ يُلَمِّحُ هُنَا إِلَى قَوْلِ زَكَرِيَّا النَّبِيِّ (زَكَرِيَّا 9: 9)، أَيْ إِلَى دُخُولِ المَلِكِ، المَسِيحِ المُنْتَظَرِ، إِلَى أُورَشَلِيمَ عَلَى جَحْشٍ، لاَ عَلَى جِيَادِ الأَغْنِيَاءِ وَالأَقْوِيَاءِ، بَلْ عَلَى حِمَارٍ مُتَوَاضِعٍ، كَمَا وَرَدَ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ (تَكْوِين 49: 11). وكان رُكُوبُ الخَيْلِ نَادرًا فِي السَّفَرِ العَادِيِّ يَوْمَئِذٍ فِي اليَهُودِيَّةِ، لِقِلَّتِهَا وَلِاسْتِخْدَامِهَا فِي الحُرُوبِ خَاصَّةً. وَقَدِ اعْتَادَ المُلُوكُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ وَأَشْرَافُهُمْ رُكُوبَ الحَمِيرِ (قُضَاة 10: 4)، فَرُكُوبُ الحِمَارِ لاَ يَدُلُّ عَلَى الفَقْرِ أَوْ دَنَاءَةِ المَقَامِ. |