![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 191381 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() دعوة إلى الرضى الحقيقي في المسيح فالله قدوس بلا حدود، ونحن جميعًا لن نصل بتقوانا الذاتية إلى بلوغ معياره الكامل. لا يمكن لأي قدر من الصوم أو الأعمال الصالحة والتضحية الذاتية وقهر للجسم مهما كان أن يجسر الهوة بين معاصينا وقداسته. ومع ذلك، لأن الله رحيم ورؤوف بنا، أوجد الطريق للنجاة: يسوع المسيح الكلمة الأزلي نزل من السماء. عاش حياة بلا معصية ومات كذبيحة كاملة عن المعاصي كلها. قام من الأموات، منتصرًا على قوة الموت والمعصية. والآن، يدعو الله الجميع إلى التوبة والإيمان بيسوع والخضوع له لنيل المغفرة والحياة الأبدية وقبول هذه النعمة المجانية التي هي نقيض تحقيق كبرياء وتدين الإنسان. «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ظ±لْمُتْعَبِينَ وَظ±لثَّقِيلِي ظ±لْأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (متى 11: 28، فان دايك معدَّلة) لم يكتفِ يسوع المسيح بمجرد دعوة الناس؛ بل أمرهم أن يبتعدوا عن المعاصي ويثقوا به وحده لنوال النجاة من طوفان العقاب وعواقب الفساد البشري. ومن خلاله، يمكننا أن نعلم أن معاصينا قد غُفرت وأن نختبر السلام والمصالحة مع الله. أما بالنسبة لأولئك الذين صاموا بإخلاص ولا يزالون يشعرون ببعد عن الله القدير، فليس الحل هو بذل مزيد من الجهد الديني ومزيد من التضحية الذاتية والطقوس، بل هو قلب جديد وحياة جديدة في المسيح. أي الحل الجذري وهو الولادة من جديد. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191382 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() أبنى الغالى .. بنتي الغالية اللي ظلمكم هيعيش نفس الظُلم واللي كسر بخاطركم هيتكسر بخاطره واللي وجع قلوبكم هيتوجع قلبه داين تُدان ودُنيا دوّارة |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191383 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() داين تُدان ودُنيا دوّارة |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191384 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الشهيد القديس شنوده البهنساوى |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191385 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ينبوع حبك يروي أعماق نفسي (أحد السامرية) |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191386 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() البابا كيرلس أبن لقلق البابا الـ 75 |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191387 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الشهداء القديسون أوجانيوس وأغاتودرس والبديوس |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191388 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() دعوتك يا الله قلت لك: «أنت ملجأي كل نصيبي أنت في هذه الحياة!» (مز 142: 5) |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191389 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() يسوع سيعطيكم فرحة قريبة جدا |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191390 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() داود قائد يلتف حَوْلَه أبطال عظماء لم يتم انضمام أسباط الشمال إلا بعد موت شاول بعدة سنوات، لكن السفر لا يذكر هذا. يفترض الكاتب أن القارئ لديه إلمام كامل وواضح عن الأسفار التاريخية السابقة، لهذا اكتفى ببعض الأحداث التي تُحَقِّق غاية السفر. فلم يُسَجِّلْ الأحداث التي مرَّت بداود قبل اعتلائه العرش، ولا الحرب الطويلة بينه وبين شاول. ولم يُشِرْ إلى الأحداث من موت شاول حتى مجيء الأسباط ككل إلى داود. فلم يذكر مجيء رجال يهوذا حين مسحوه ملكًا على بيت يهوذا (2 صم 2: 4)، حتى مجيء جميع أسباط إسرائيل لمسحه ملكًا (2 صم 5)، وإنما يكتب ليُبرِزَ أهمية العبادة لله بفكرٍ روحيٍ واضحٍ. بدأ الكاتب بالحديث عن مملكة داود، حين اجتمعت الأسباط معًا في حبرون تطلبه ملكًا. وكأن الكاتب يرى أنه لا فصل بين وحدة إسرائيل معًا بكل أسباطه وإقامة داود ملكًا. فقد ظهر داود كملكٍ يرعى كل الشعب في صورة رائعة تليق بداود. فحين مسحه صموئيل، وحلَّ روح الرب عليه (1 صم 16: 13)، مسحه على كل إسرائيل، وليس على سبط يهوذا وحده. 1 وَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ إِلَى دَاوُدَ فِي حَبْرُونَ قَائِلِينَ: «هُوَذَا عَظْمُكَ وَلَحْمُكَ نَحْنُ. 2 وَمُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ حِينَ كَانَ شَاوُلُ مَلِكًا كُنْتَ أَنْتَ تُخْرِجُ وَتُدْخِلُ إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ قَالَ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ: أَنْتَ تَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ وَأَنْتَ تَكُونُ رَئِيسًا لِشَعْبِي إِسْرَائِيلَ». 3 وَجَاءَ جَمِيعُ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَلِكِ إِلَى حَبْرُونَ، فَقَطَعَ دَاوُدُ مَعَهُمْ عَهْدًا فِي حَبْرُونَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَمَسَحُوا دَاوُدَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ عَنْ يَدِ صَمُوئِيلَ. ما ورد في هذا الأصحاح مُقتبَس من صموئيل الثاني. ما جاء في (ع 1-9) يعكس ما ورد في (2 صم 5: 1-10)؛ ومن 10-47 ما ورد في (2 صم 23: 8-39). تجاهل الكاتب كل ما ورد في الأربعة أصحاحات الأولى لسفر صموئيل الثاني. لم يُشِرْ إلى مدة حكم إيشبوشث القصيرة، ولا إلى متاعب أبنير، ومدّ يد يوآب لقتل أبنير. إنما دخل الكاتب مباشرةً في تَجَمُّع الأسباط معًا في حبرون عاصمة داود الأولى قبل استيلائه على أورشليم، لكي يُقِيموه ملكًا. لقد أبرز هنا إسرائيل كلها في وحدةٍ واحدةٍ. يُقَدِّم لنا سفر صموئيل الثاني كيفية وصول داود النبي إلى العرش الملكي في شيءٍ من التفصيل، أما سفر الأخبار فيكتفي بتأكيد أن الله هو الذي أتى بداود إلى العرش، مستخدمًا الكثيرين حتى بعضًا من سبط بنيامين، إخوة شاول. الله هو ضابط التاريخ، يُحَوِّل كل الأمور لبنيان شعبه، دون أن يُلزِمَ أحدًا بالتحرُّك قهرًا. حقًا بدا أن كثيرين حاولوا تعطيل عمل الله وخطته نحو مؤمنيه، لكن الله يُحَوِّل حتى الشر إلى خيرٍ، كما حدث مع يوسف بن يعقوب، فقد أراد إخوته له الشر، والرب صنع به خيرًا خلال شرهم. وَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ إِلَى دَاوُدَ فِي حَبْرُونَ قَائِلِينَ: "هُوَذَا عَظْمُكَ وَلَحْمُكَ نَحْنُ. [1] لم يُشِرْ هذا السفر إلى تنصيب داود ملكًا على يهوذا في حبرون، إنما يبدأ هذا السفر باجتماع كل الأسباط وتمليكه على الجميع. سَجَّل سفر صموئيل هذه الحقبة من التاريخ، وذكر أن داود ملك لمدة سبعة أعوام ونصف على الجنوب، أيّ يهوذا وكانت عاصمته هي حبرون. هذا لم يُذكَرْ في أخبار الأيام، لأن الله ينظر إلى إسرائيل كأُمةٍ واحدةٍ مُكَوَّنة من اثني عشر سبطًا، فمن وجهة نظر الوحي الإلهي صار داود ملكًا على الاثني عشر سبطًا. تحقق تعيين داود ملكًا بُنَاءً على الآتي: 1. علاقته بهم، إذ قالوا له: "هوذا عظمك ولحمك نحن" [1]. افتخروا بالتصاقهم به. جاءوا هم إليه لأنهم من عظمه ولحمه. أما ابن داود فنزل هو إلينا، وجعلنا من لحمه وعظامه. يقول الرسول: "لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه" (أف 5: 30). لقد قَدَّم السيد المسيح نفسه مثلاً ففي إتحاده بالكنيسة العروس، كما يقول القديس أغسطينوس قام بترك الآب، إذ أخلى ذاته عن الأمجاد، وأخذ شكل العبد (في 2: 7)، وإن كان يبقى واحدًا معه في الجوهر بلا انفصال. كما ترك أمه، أي الشعب اليهودي الذي أخذ عنه الجسد خلال القديسة مريم اليهودية الجنس، ليصير هو مع عروسه جسدًا واحدًا. 2. من أجل سلوكه، خاصة أنه لم يمد يده على شاول الذي بذل كل جهده للخلاص منه. محبته لمقاوميه جذبتهم إليه. يقول القديس أغسطينوس في حديثه للمتأهبين لسرِّ العماد: [المحبة هي وحدها العلامة المميزة بين أولاد الله وأولاد إبليس. لنطبع أنفسنا بسمة صليب يسوع المسيح... ولنصطبغ جميعًا بالمعمودية. وليحضر الكل إلى الكنيسة لنبني أسوار الكنيسة، فليس ثمة شيء يُمَيِّز أولاد الله عن أولاد إبليس إلا المحبة.] 3. لم يتحقق هذا بقوة بشرية، إنما حسب كلمة الرب بواسطة صموئيل. سبق أن مسحه صموئيل ملكًا كأمر الرب (1 صم 16: 13)، والآن مُسِحَ للمرة الثانية. وَمُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ حِينَ كَانَ شَاوُلُ مَلِكًا، كُنْتَ أَنْتَ تُخْرِجُ وَتُدْخِلُ إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ قَالَ لَكَ الرَّبُّ إِلَهُكَ: أَنْتَ تَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنْتَ تَكُونُ رَئِيسًا لِشَعْبِي إِسْرَائِيلَ". [2] صدر الأمر من الرب نفسه، قال لك الرب إلهك أنك ترعى شعبي إسرائيل [2]. كان داود كملكٍ يحتل قلوبهم قبل استلامه العرش، حتى حين كان شاول ملكًا [2]. ليس الكرسي هو الذي أقام داود منه ملكًا، لكن الله أقامه ملكًا وهو صبي قبل أن يجلس على العرش! ما ورد في هذا السفر بصفة عامة، وفي هذا الأصحاح بصفة خاصة يُكَمِّل ما جاء عن داود الملك في أسفار صموئيل وملوك. ربما برز داود في هذه الأسفار كرجل إيمان مع قوة شخصيته وشجاعته وأعماله الفائقة بالرب. أما ما يُقَدِّمه هذا السفر فهو أن داود رجل تقي مُحِبُّ للعبادة للهيكل الحيّ. في الأسفار السابقة نرى داود القدِّيس والخاطئ، لكنه أمين في تكريس قلبه وكل أعماقه لله. في الواقع الصورتان لشخصية داود في الأسفار السابقة وفي هذا السفر ليستا متناقضتين، بل هما صورة واحدة متكاملة. لم يُشِرْ السفر هنا إلى فترة حكم أيشبوشت (2 صم 2-4) القصيرة والفاشلة، إنما عَبَرَ مباشرة إلى تتويج داود ملكًا. سبق أن قدَّم لنا سفر صموئيل الثاني تفاصيل كثيرة بخصوص بلوغ داود إلى السلطة، حيث يستخدم الله جهود أناس كثيرين بعضهم من عائلة شاول، أما ما يؤكده هنا أن الله هو المُوَجِّه للأحداث، يُتَمِّم كل شيء حسبما يشاء. لقد حاول شاول تحطيم الخطة لاستلام داود السلطة أو تعطيلها، لكن الله هو ضابط التاريخ والمُهتَم برعاية شعبه، وتجليس داود ملكًا في الوقت المناسب. وَجَاءَ جَمِيعُ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَلِكِ إِلَى حَبْرُونَ، فَقَطَعَ دَاوُدُ مَعَهُمْ عَهْداً فِي حَبْرُونَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَمَسَحُوا دَاوُدَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ عَنْ يَدِ صَمُوئِيلَ. [3] اجتمع جميع شيوخ إسرائيل إلى الملك داود في حبرون، وقطع معهم عهدًا أمام الرب. يؤكد هنا أن اعتلاء العرش لم يكن مصادفة، ولا ثمرة شهامة داود وقدرته، إنما حسب خطة الله ونعمته، وهي مرتبطة بوعد إلهي أعلنه لداود وهو بعد صبي يرعى غنم أبيه. ملك داود على يهوذا سبع سنين ونصف قبل أن يملك على كل إسرائيل، ويستولى على أورشليم، وبعد مرور عشرين عامًا على مسح صموئيل إيّاه ملكًا (1 صم 16: 1-13). فلكل شيءٍ عند الله زمان محدد. تحقق الوعد الإلهي بالرغم من الصعوبات التي واجهها داود حتى بدا الوعد مستحيلاً. ربما ظن البعض أن مراحم الله قد تخلَّت عنه، لكن في الوقت المناسب ظهرت. أما متاعب داود فكانت بسماح من الله ليختبر بالحق حُبَّ الله ورعايته وحكمته. 4 وَذَهَبَ دَاوُدُ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، أَيْ يَبُوسَ. وَهُنَاكَ الْيَبُوسِيُّونَ سُكَّانُ الأَرْضِ. 5 وَقَالَ سُكَّانُ يَبُوسَ لِدَاوُدَ: «لاَ تَدْخُلْ إِلَى هُنَا». فَأَخَذَ دَاوُدُ حِصْنَ صِهْيَوْنَ، هِيَ مَدِينَةُ دَاوُدَ. 6 وَقَالَ دَاوُدُ: «إِنَّ الَّذِي يَضْرِبُ الْيَبُوسِيِّينَ أَوَّلًا يَكُونُ رَأْسًا وَقَائِدًا». فَصَعِدَ أَوَّلًا يُوآبُ ابْنُ صَرُويَةَ، فَصَارَ رَأْسًا. 7 وَأَقَامَ دَاوُدُ فِي الْحِصْنِ، لِذلِكَ دَعَوْهُ «مَدِينَةَ دَاوُدَ». 8 وَبَنَى الْمَدِينَةَ حَوَالَيْهَا مِنَ الْقَلْعَةِ إِلَى مَا حَوْلِهَا. وَيُوآبُ جَدَّدَ سَائِرَ الْمَدِينَةِ. 9 وَكَانَ دَاوُدُ يَتَزَايَدُ مُتَعَظِّمًا وَرَبُّ الْجُنُودِ مَعَهُ. إذ تمتَّعت كل الأسباط معًا بداود ملكًا، صارت الحاجة مُلِحَّة لوجود عاصمة تليق بهذه الأمة. الاستيلاء على أورشليم وإقامتها عاصمة كانت حركة حكيمة من داود ورجاله. فأورشليم قريبة من الحدود بين الأسباط الجنوبية والأسباط الشمالية، وتُعتبَر عاملاً فعالاً في وحدة الأسباط معًا، دون إثارة لمشاعر الحسد والغيرة بينها. بحق يمكن القول بأن أورشليم كانت قلب الشعب ومركزه، وهو المكان اللائق لإقامة هيكل للرب الذي يُمَثِّل الحضرة الإلهية وسط الشعب كله[2]. كان عدد سكانها في أيام حكم داود حوالي الألفين، ارتفع الرقم إلى خمسة آلاف في أيام سليمان، وإلى سبعة آلاف قبل السبي، وغالبًا ما نزل العدد إلى أقل من خمسة آلاف في أيام كتابة السفر. وقبل خراب الهيكل الثاني عام 70م. كان العدد أكثر من 80 ألفًا[3]. عبر تقلبات التاريخ بقيت هذه المدينة التي أقامها داود كعاصمة هي قلب اليهودية. وَذَهَبَ دَاوُدُ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ (أَيْ يَبُوسَ). وَهُنَاكَ الْيَبُوسِيُّونَ سُكَّانُ الأَرْضِ. [4] ذُكِرَ الكثير عن أورشليم في الكتاب المقدس، والمدينة المقدسة أخذت اسمها من ساليم التي لملكي صادق، ومن اسم جبل المريا حيث قدَّم إبراهيم ابنه اسحق، فإن "يرأه" هو الاسم الذي أطلقه إبراهيم على جبل المريا (تك 22: 14)، وقد بُنِي الهيكل في أورشليم على جبل المريا. الآيات اللاحقة تتحدث عن بناء داود حول أورشليم، وقد أخذ حصن صهيون الذي كان في يد اليبوسيين إلى ذلك الحين ودعاه مدينة داود (عدد 7)، والآية (6) من مزمور (2) تشير إلى ذلك: "أما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي"، فمدينة داود هي في الواقع منطقة جبل صهيون. اختار داود أورشليم عاصمة للمملكة، لأسباب سياسية وعسكرية. لأنها كانت تقع بين تخوم الأسباط إلى حدٍ كبيرٍ، بالقرب من مركز المملكة، فكان موقعها مُحايِدًا، يُقَلِّل من غيرة الأسباط من بعضها لبعضٍ. كما كانت على جبلٍ عالٍ، مما يجعل الهجوم عليها صعبًا. لم يكن اليبوسيّون يتوقعون أن قوة ما يمكن أن تقتحمهم بسبب أسوار أورشليم المنيعة وإحاطتها بصخورٍ قوية. حسبوا أنهم في أمان، ولم يدركوا أن الله هو الصخرة التي تحفظ أولاده، وهو ملجأ المُتَّكلين عليه. انطلق داود وكل رجال إسرائيل من حبرون إلى أورشليم، التي كانت تُدعَى يبوس، وكان اليبوسيون ساكنين هناك، ورفضوا دخول داود ورجاله. وكما قطن داود ورجاله في يبوس التي صارت "أورشليم" أي مدينة السلام، هكذا نقطن نحن مع ابن داود فيتحوَّل الموضع إلى أورشليم جديدة. يرى القديس غريغوريوس النزينزيأن أورشليم هي ميراثنا الجديد. v وداعًا، فقد صار هيكلنا الضخم والمتجدد هو ميراثنا، سرُّ عظمته هو الكلمة (يسوع المسيح)، فقد كان يومًا ما يُدعَى "يبوس"، والآن جعلناه أورشليم. القديس غريغوريوس النزينزي صارت أورشليم رمزًا للسماء، كما لقلب المؤمن بكونه السماء الثانية، فقد قيل: "من يغلب فسأجعله عمودًا في هيكل إلهي، ولا يعود يخرج إلى خارج، وأكتب عليه اسم إلهي، واسم مدينة إلهي أورشليم الجديدة النازلة من السماء من عند إلهي واسمي الجديد" (رؤ 3 : 12) "رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروسٍ مزينةٍ لرجلها" (رؤ 21 : 2) "وذهب بي بالروح إلى جبل عظيم عال وأراني المدينة العظيمة أورشليم المقدسة، نازلة من السماء من عند الله" (رؤ 21 : 10) v يُعرِّف البعض المدينة بأنها اجتماع لكائنات في جسم واحد منظم، يحكمه القانون... هذا التعريف الذي أطلق على المدينة يتناسب مع أورشليم العليا... المدينة السماوية، لأن هناك كنيسة أبكار مكتوبة أسماؤهم في السماويات (عب12: 23). لأنها منظمة أيضًا، حيث انسياب حياة القديسين لا يتوقف ويحكمها القانون السماوي. لا يمكن للطبيعة البشرية إدراك مدى استعداد هذه المدينة ونظامها، لأنه "ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على بال إنسانٍ ما أعده الله للذين يحبونه" (1 كو2 : 9). أيضاً يوجد في هذه المدينة ربوات من الملائكة... وكنيسة أبكار مكتوبين في السماوات (عب 12: 2-3)... يذكر داود هذه المدينة فيقول: قد قيل بك أمجاد يا مدينة الله (مز 87: 3) ما وعد الله لهذه المدينة فينقله لنا إشعياء: "أجعلك فخرًا أبديًا.. فرحًا... دور فدور" لا يسمع بعد سحق في تخومك، بل تسمين أسوارك خلاصًا (إش60: 15 18). فلنرفع عيون نفوسنا، ولنبحث عن الخيرات العليا اللائقة بمدينة الله. v الأغنام أرضية ومنحنية إلى الأرض، والإنسان كائن سماوي، يرتفع فوقها كما بتكوين جسمه وأيضًا بكرامة روحه. ما هو شكل الحيوانات التي على أربع أرجل؟ إن رأسها منحنية إلى الأرض، وتنظر إلى بطنها، وفقط تتبع احتياجات بطنها. أما رأسك أيها الإنسان فترتفع إلى السماء، وعيناك تنظران إلى فوقٍ، إلا أنك تنحدر بآلام الجسد، فتصير عبدًا لبطنك وشهواته. فأنت تصل إلى الحيوانات بدون سبب، وتصير مثلها. أنت مدعو لأشياءٍ أكثر نبلاً: "فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله" (كو 3: 1). ارفع نفسك فوق العالم... اجعل حديثك في السماء. فموطنك الحقيقي هو أورشليم السماوية، وأهل بلدك هم "كنيسة الأبكار مكتوبين في السماويات (عب 12: 23). القديس باسيليوس الكبير وَقَالَ سُكَّانُ يَبُوسَ لِدَاوُدَ: "لاَ تَدْخُلْ إِلَى هُنَا". فَأَخَذَ دَاوُدُ حِصْنَ صِهْيَوْنَ (هِيَ مَدِينَةُ دَاوُدَ). [5] يحدثنا عن استيلاء داود على يبوس أو أورشليم ودُعيت مدينة داود [4-9]. يُقَدِّم لنا القديس جيروم مفهومًا روحيًا لحصن صهيون أو قلعة صهيون، نحتمي فيها ضد القادمين علينا. v لديكم فطنة عظيمة، ومخزن للغة لا ينضب، أسلوبكم سلس ونقي، وفصاحتكم ونقاوتكم ممتزجتان بالحكمة. رأسكم خيِّر وكل حواسكم مُتَّقِدة بالذكاء. لتضيفوا إلى هذه الحكمة والبلاغة الدراسة الجادة ومعرفة الكتاب المقدس. فأراكم قريبًا في قلعتكم ضد كل القادمين عليكم. تصعدون مع يوآب على سطح صهيون وتغنُّون على الأسطح ما قد تعلّمتموه في المخادع السريّة. القديس جيروم وَقَالَ دَاوُدُ: "إِنَّ الَّذِي يَضْرِبُ الْيَبُوسِيِّينَ أَوَّلاً يَكُونُ رَأْسًا وَقَائِدًا." فَصَعِدَ أَوَّلاً يُوآبُ ابْنُ صَرُويَةَ، فَصَارَ رَأْسًا. [6] هنا فقط دون سائر الأسفار يوضح كيف صار يوآب رئيس جيش داود [6-7]، كما أعلن أن يوآب بَنَى المدينة وجدَّدها [8]. يوآب الذي لم يتحدث عنه سفر صموئيل، يحتل المكان الأول بعد داود. لا نراه هنا الإنسان الطموح والحقود، بل المُعَيَّن حسب خطة الله ليهزم حصن صهيون لداود الملك. قيل عنه إنه ضرب اليبوسيين فصار رأسًا، وإنه جدَّد قسمًا من المدينة. لا يشير هذا السفر إلى صراع يوآب مع أبنير، وانتقامه من هذا القائد النبيل، كما يصمت على تعبير داود الحزين: "وأنا اليوم ضعيف وممسوح ملكًا، وهؤلاء الرجال بني صروية أقوى مني... يجازي الرب فاعل الشر كشرِّه" (2 صم 3: 39). لم ينتقد هذا السفر يوآب بل كشف عن كل ما هو إيجابي في حياته يوآب، ولم يُشِرْ إلى لعنة داود له (1 مل 2: 5)، ويتجاهل ما هو سلبي في حياته. ما يؤكده السفر أن خطة الله من جهة داود تتحقق، وأن يوآب وغيره هم أداة لذلك [10]. وَأَقَامَ دَاوُدُ فِي الْحِصْنِ، لِذَلِكَ دَعُوهُ "مَدِينَةَ دَاوُدَ". [7] وَبَنَى الْمَدِينَةَ حَوَالَيْهَا مِنَ الْقَلْعَةِ إِلَى مَا حَوْلِهَا. وَيُوآبُ جَدَّدَ سَائِرَ الْمَدِينَةِ. [8] ينسب الكاتب إلى داود بناء الأسوار، وإلى يوآب بناء البيوت، وهو عمل قليل الشأن بالنسبة للأسوار. وَكَانَ دَاوُدُ يَتَزَايَدُ مُتَعَظِّمًا، وَرَبُّ الْجُنُودِ مَعَهُ [9] سرُّ قوة داود هو الرب، فقد قيل عنه: "وكان داود يتزايد متعظِّمًا، ورب الجنود معه" [9]. استخدم شاول قوته وإمكانياته لحساب ذاته وشهوته وشعبيته وسلطانه فانهار، وسعى داود نحو التمتُّع بالحضرة الإلهية، فازداد علوّ شأنه، لأن القدير معه. سرُّ نجاح داود اتكاله على الله، وسرُّ انحدار شاول هو اعتزازه بنفسه، متجاهلاً الله (1 صم 15: 17-26). ما كان يشغل داود مجد الله والتصاقه به، لذا كان الله يرفعه من مجدٍ إلى مجدٍ. يرى القديس أغسطينوس في هذه العبارة التناغم بين الإرادة الحُرَّة التي يهبها الله للإنسان، والعمل الإلهي في حياة مؤمنيه، ليهبهم الإرادة والكلمة والعمل. هكذا لا نتجاهل دور داود في نجاحه، لكنه لا يتم ذلك بدون نعمة الله التي وهبته إرادة مقدسة وقدرة على العمل حسب إرادة الله. v بلا شك لا تقدر الإرادات البشرية أن تقاوم إرادة الله، الذي يفعل ما يسرّه في السماء وعلى الأرض (إش 45: 11). لا تقدر الإرادة البشرية أن تمنعه من عمل ما يريده، متطلِّعًا إلى أنه حتى بالإرادات البشرية يفعل ما يريده، حين يريد أن يفعل هذا... هذه هي حالة داود الذي أقامه الله على المملكة بحصيلة مفرحة. نقرأ عنه: "وكان داود يتزايد متعظِّمًا، ورب الجنود معه" [9]. بعد قليل قيل: "فحلَّ الروح على عماساي رأس الثلاثين (الثوالث)، فقال: لك نحن يا داود، ومعك نحن يا ابن يسّى. سلام، سلام لك، وسلام لمساعديك، لأن إلهك معينك" (1 أي 12: 18). هل كان يمكن لعماساي أن يعارض إرادة الله، بالرغم من إتمامه لإرادته، حيث أن الله من خلال روحه الذي التحف به عماساي عمل في قلبه أنه هكذا يريد، وهكذا يتكلم، وهكذا يفعل؟ بنفس الطريقة بعد ذلك بقليل يقول الكتاب: "كل هؤلاء رجال حرب يصطفّون صفوفًا أتوا بقلبٍ تامٍ إلى حبرون ليُملِّكوا داود على إسرائيل (1 أي 12: 38). واضح أنهم بإرادتهم أقاموا داود ملكًا؛ هذه الحقيقة واضحة، ولا يمكن إنكارها. ومع ذلك فإن الله هو الذي يعمل في القلوب البشرية حسبما يريد، الذي يريد ويعمل هذه الإرادة فيهم. هذا هو السبب الذي لأجله قال الكتاب أولاً: "وكان داود يتزايد متعظِّمًا، ورب الجنود معه" . الرب الإله الذي كان مع داود جلب هؤلاء ليقيموا منه ملكًا. كيف جعلهم هكذا؟ بالتأكيد، ليس بأن قيَّدهم بأية سلاسل مادية. إنما بالحري عمل فيهم وأمسك بقلوبهم، وسحبهم بواسطة إرادتهم التي خلقها فيهم. لذلك عندما يريد الله أن يُقِيمَ ملوكًا على الأرض، يمسك بإرادات الجماعة بقوته أكثر من القوة البشرية ذاتها. إن كان الأمر هكذا، بالتأكيد أنه هو وليس آخر، الذي يُقَدِّم نصائح مفيدة، ويصنع تعديلات في قلب الذي يُقَدِّم له النصيحة، حتى يقيم في الملكوت السماوي. القديس أغسطينوس يعود فيؤكد القديس أغسطينوس أن الله لا يُلزِم إنسانًا ليعمل إرادة الله قسرًا، إنما حين يُسَلِّم الإنسان حياته في يد الله، يعمل الله أن يريد هذا الإنسان ويعمل حسب مشيئة الله. يُبرِزُ هذا الأصحاح عظمة شخصية داود والأبطال الملتصقين به: 1. داود قائد من الرب: اختار الله داود من أجل نقاوة قلبه وإخلاصه في القليل، أي في رعاية غنم والده. الآن يختاره كل رجال إسرائيل، لأنهم أدركوا كيف كان الرب معه، أما شاول فمع إقامته ملكًا لم يكن أمينًا للرب. 2. داود يسند يوآب ليكون قائدًا: كان لداود دوره في مساندة يوآب واستلام العمل القيادي. كان داود قائدًا قديرًا، لكنه لا يقدر أن يُتَمِّمَ كل شيءٍ بنفسه. القائد الناجح يُقِيم قادة ناجحين وأمناء يعملون معه. 3. أبطال يتمجَّدون في عمل بسيط: قام يوآب بعملٍ عظيمٍ، إذ ضرب اليبوسيين [6]. أما هؤلاء الثلاثة فلم يستنكفوا من تقديم عمل بسيط، بأن يقدموا ماء من بئر بيت لحم، التي عند الباب [18]. فكثيرًا ما تظهر عظمة البعض في ممارسة أمور صغيرة. 4. عظماء يسقطون في أمورٍ قد لا يسقط فيها ضعفاء، مثل قتل داود لأوريّا الحثِّي [41] ليأخذ امرأته. 10 وَهؤُلاَءِ رُؤَسَاءُ الأَبْطَالِ الَّذِينَ لِدَاوُدَ، الَّذِينَ تَشَدَّدُوا مَعَهُ فِي مُلْكِهِ مَعَ كُلِّ إِسْرَائِيلَ لِتَمْلِيكِهِ حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ. 11 وَهذَا هُوَ عَدَدُ الأَبْطَالِ الَّذِينَ لِدَاوُدَ: يَشُبْعَامُ بْنُ حَكْمُونِي رَئِيسُ الثَّوَالِثِ. هُوَ هَزَّ رُمْحَهُ عَلَى ثَلاَثِ مِئَةٍ قَتَلَهُمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً. 12 وَبَعْدَهُ أَلِعَازَارُ بْنُ دُودُو الأَخُوخِيُّ. هُوَ مِنَ الأَبْطَالِ الثَّلاَثَةِ. 13 هُوَ كَانَ مَعَ دَاوُدَ فِي فَسَّ دَمِّيمَ وَقَدِ اجْتَمَعَ هُنَاكَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ لِلْحَرْبِ. وَكَانَتْ قِطْعَةُ الْحَقْلِ مَمْلُوءَةً شَعِيرًا، فَهَرَبَ الشَّعْبُ مِنْ أَمَامِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. 14 وَوَقَفُوا فِي وَسَطِ الْقِطْعَةِ وَأَنْقَذُوهَا، وَضَرَبُوا الْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَخَلَّصَ الرَّبُّ خَلاَصًا عَظِيمًا. 15 وَنَزَلَ ثَلاَثَةٌ مِنَ الثَّلاَثِينَ رَئِيسًا إِلَى الصَّخْرِ إِلَى دَاوُدَ إِلَى مَغَارَةِ عَدُلاَّمَ وَجَيْشُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ نَازِلٌ فِي وَادِي الرَّفَائِيِّينَ. 16 وَكَانَ دَاوُدُ حِينَئِذٍ فِي الْحِصْنِ، وَحَفَظَةُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ حِينَئِذٍ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. 17 فَتَأَوَّهَ دَاوُدُ وَقَالَ: «مَنْ يَسْقِينِي مَاءً مِنْ بِئْرِ بَيْتِ لَحْمٍ الَّتِي عِنْدَ الْبَابِ؟» 18 فَشَقَّ الثَّلاَثَةُ مَحَلَّةَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَاسْتَقَوْا مَاءً مِنْ بِئْرِ بَيْتِ لَحْمٍ الَّتِي عِنْدَ الْبَابِ، وَحَمَلُوهُ وَأَتَوْا بِهِ إِلَى دَاوُدَ، فَلَمْ يَشَأْ دَاوُدُ أَنْ يَشْرَبَهُ بَلْ سَكَبَهُ لِلرَّبِّ. 19 وَقَالَ: «حَاشَا لِي مِنْ قِبَلِ إِلهِي أَنْ أَفْعَلَ ذلِكَ! أَأَشْرَبُ دَمَ هؤُلاَءِ الرِّجَالِ بِأَنْفُسِهِمْ؟ لأَنَّهُمْ إِنَّمَا أَتَوْا بِهِ بِأَنْفُسِهِمْ». وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَشْرَبَهُ. هذَا مَا فَعَلَهُ الأَبْطَالُ الثَّلاَثَةُ. 20 وَأبِشَايُ أَخُو يُوآبَ كَانَ رَئِيسَ ثَلاَثَةٍ. وَهُوَ قَدْ هَزَّ رُمْحَهُ عَلَى ثَلاَثِ مِئَةٍ فَقَتَلَهُمْ، فَكَانَ لَهُ اسْمٌ بَيْنَ الثَّلاَثَةِ. 21 مِنَ الثَّلاَثَةِ أُكْرِمَ عَلَى الاثْنَيْنِ وَكَانَ لَهُمَا رَئِيسًا، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى الثَّلاَثَةِ الأُوَلِ. 22 بَنَايَا بْنُ يَهُويَادَاعَ ابْنِ ذِي بَأْسٍ كَثِيرِ الأَفْعَالِ مِنْ قَبْصِيئِيلَ. هُوَ الَّذِي ضَرَبَ أَسَدَيْ مُوآبَ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ وَضَرَبَ أَسَدًا فِي وَسَطِ جُبٍّ يَوْمَ الثَّلْجِ. 23 وَهُوَ ضَرَبَ الرَّجُلَ الْمِصْرِيَّ الَّذِي قَامَتُهُ خَمْسُ أَذْرُعٍ، وَفِي يَدِ الْمِصْرِيِّ رُمْحٌ كَنَوْلِ النَّسَّاجِينَ. فَنَزَلَ إِلَيْهِ بِعَصًا وَخَطَفَ الرُّمْحَ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّ وَقَتَلَهُ بِرُمْحِهِ. 24 هذَا مَا فَعَلَهُ بَنَايَا بْنُ يَهُويَادَاعَ، فَكَانَ لَهُ اسْمٌ بَيْنَ الثَّلاَثَةِ الأَبْطَالِ. 25 هُوَذَا أُكْرِمَ عَلَى الثَّلاَثِينَ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى الثَّلاَثَةِ. فَجَعَلَهُ دَاوُدُ مِنْ أَصْحَابِ سِرِّهِ. 26 وَأَبْطَالُ الْجَيْشِ هُمْ: عَسَائِيلُ أَخُو يُوآبَ، وَأَلْحَانَانُ بْنُ دُودُوَ مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ، 27 شَمُّوتُ الْهَرُورِيُّ، حَالِصُ الْفَلُونِيُّ، 28 عِيرَا بْنُ عِقِّيشَ التَّقُوعِيُّ، أَبِيعَزَرُ الْعَنَاثُوثِيُّ، 29 سِبْكَايُ الْحُوشَاتِيُّ، عِيلاَيُ الأَخُوخِيُّ، 30 مَهْرَايُ النَّطُوفَاتِيُّ، خَالِدُ بْنُ بَعْنَةَ النَّطُوفَاتِيُّ، 31 إِتَّايُ بْنُ رِيبَايَ مِنْ جِبْعَةِ بَنِي بَنْيَامِينَ، بَنَايَا الْفَرْعَتُونِيُّ، 32 حُورَايُ مِنْ أَوْدِيَةِ جَاعَشَ، أَبِيئِيلُ الْعَرَبَاتِيُّ، 33 عَزْمُوتُ الْبَحْرُومِيُّ، إِلْيَحْبَا الشَّعْلُبُونِيُّ، 34 بَنُو هَاشِمَ الْجَزُونِيُّ، يُونَاثَانُ بْنُ شَاجَايَ الْهَرَارِيُّ، 35 أَخِيآمُ بْنُ سَاكَارَ الْهَرَارِيُّ، أَلِيفَالُ بْنُ أُورَ، 36 حَافَرُ الْمَكِيرَاتِيُّ، وَأَخِيَا الْفَلُونِيُّ، 37 حَصْرُو الْكَرْمَلِيُّ، نَعْرَايُ بْنُ أَزْبَايَ، 38 يُوئِيلُ أَخُو نَاثَانَ، مَبْحَارُ بْنُ هَجْرِي، 39 صَالِقُ الْعَمُّونِيُّ، نَحْرَايُ الْبَئِيرُوتِيُّ، حَامِلُ سِلاَحِ يُوآبَ ابْنِ صَرُويَةَ، 40 عِيرَا الْيِثْرِيُّ، جَارِبُ الْيِثْرِيُّ، 41 أُورِيَّا الْحِثِّيُّ، زَابَادُ بْنُ أَحْلاَيَ، 42 عَدِينَا بْنُ شِيزَا الرَّأُوبَيْنِيُّ، رَأْسُ الرَّأُوبَيْنِيِّينَ وَمَعَهُ ثَلاَثُونَ، 43 حَانَانُ ابْنُ مَعْكَةَ، يُوشَافَاطُ الْمَثْنِيُّ، 44 عُزِّيَّا الْعَشْتَرُوتِيُّ، شَامَاعُ وَيَعُوئِيلُ ابْنَا حُوثَامَ الْعَرُوعِيرِيِ، 45 يَدِيعَئِيلُ بْنُ شِمْرِي، وَيُوحَا أَخُوهُ التِّيصِيُّ، 46 إِيلِيئِيلُ مِنْ مَحْوِيمَ، وَيَرِيبَايُ وَيُوشُويَا ابْنَا أَلْنَعَمَ، وَيِثْمَةُ الْمُوآبِيُّ، 47 إِيلِيئِيلُ وَعُوبِيدُ وَيَعِسِيئِيلُ مِنْ مَصُوبَايَا. القائد الناجح يسند الكثيرين، ليصيروا قادة: 1. يوآب الرأس: قال: "إن الذي يضرب اليبوسيين أولاً يصير رأسًا وقائدًا" [6]. نجح يوآب كرئيس محاربي داود. 2. ثلاثة قوَّاد [11-19]: تأوه داود مشتاقًا أن يشرب ماءً من بئر بيت لحم التي عند الباب [17]. ما هذه البئر إلا عمل الروح القدس في تجسد الكلمة في بيت لحم الذي فتح أبواب السماء؟ لم يشرب داود الماء، بل قدَّمه سكيبًا للرب، ما يطلبه من القادة هو لحساب الرب [18]. 3. ثلاثة قوَّاد آخرين، على رأسهم بنايا بن يهوياداع، ضرب أسدَي موآب وأسدًا في جب يوم الثلج [22]، وقتل العملاق المصري بالعصا [23]. يشير الأسد إلى إبليس (1 بط 5: 8)، والعملاق المصري إلى محبة العالم. 4. أبطال الجيش [26-47] منهم من هم بالميلاد أعداء لإسرائيل من أمم مُقاوِمة لإسرائيل، صاروا خدَّامًا لحساب ملكوت الله. من ذلك: صالق العموني [39]، ويثمة الموآبي [47]، وأوريا الحثّي [41]. واضح أن شخصية داود بتقواها مع شجاعتها وإخلاصها جذبت الكثير من رجال البأس والقيادات العسكرية كي يعملوا معه. 1. يُقَدِّم لنا هذا الأصحاح يوآب كرئيس لرجال داود المُحارِبين. 2. أشار الأصحاح إلى مجموعة دعيت بالثوالث [11] يبدو أنه كان لهم وضع خاص كأبطال. 3. جاء بعدها مجموعة "الثلاثين"، وهم أكثر الشخصيات البارزة بين محاربي داود في أيامه الأولى، سبق ذكرهم في (2 صم 23: 24-39)، أغلبهم من بيت داود والبعض من الأسباط الأخرى. 4. تزايد العدد بالقادمين من الأسباط الأخرى نتيجة تزايد شعبيته، فأضاف السفر 16 شخصًا إلى قائمة الثلاثين ربما لتأكيد تزايُد شعبية داود. وُضِعَتْ قائمة رؤساء الجيش في بداية حُكْمِه. في (2 صم 23) نجد قائمة مشابهة وُضِعَتْ في نهاية حُكْمِه. أسماء قليلة وردت في صموئيل لم ترد هنا، لكن عددًا كبيرًا قد أُضيف. فيشير الأصحاح إلى 81 من الجبابرة، 20 منهم أُشير إليهم دون ذكر أسمائهم، وفي صموئيل (أصحاح 23) يذكر 37 منهم. في صموئيل الثاني ذكر الجبابرة كمؤازرين لداود في تثبيت عرشه. أما هنا فللتعرُّف على خطة الله وعمله في تأسيس العرش لمسيحه. هؤلاء الجبابرة جاءوا إلى داود في أزمنة متباينة. جاء بعضهم عندما كان في كهف عدلام [15-19]، والبعض حين كان في صقلغ (1 أخ 12: 1-22)، وآخرون عندما صار في حبرون (1 أخ 12: 23-40). وَهَؤُلاَءِ رُؤَسَاءُ الأَبْطَالِ الَّذِينَ لِدَاوُدَ، الَّذِينَ تَشَدَّدُوا مَعَهُ فِي مُلْكِهِ مَعَ كُلِّ إِسْرَائِيلَ، لِتَمْلِيكِهِ حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ. [10] أكَّدَ الوحي الإلهي أن سرَّ تزايد عظمة داود هو أن ربَّ الجنود كان معه [9]، وفي الحال بدأ يتحدث عن رؤساء الأبطال الذين له. عندما يكون المؤمن في شركة مع رب الجنود، لا ينحصر نجاحه في نموه الشخصي، وإنما في العاملين معه أيضًا. لا يليق بالعظماء أن ينسبوا عظمتهم إلى أنفسهم في تشامخ وكبرياء، وإنما في الله العامل فيهم وفي العاملين معهم. الله يعمل بنا وفينا خلال نعمته التي تعمل أيضًا فيمن يعملون معنا! علامة المعيَّة مع الله، أنه يعمل بالكل؛ فالله هو الكل في الكل، يريد أن يعمل بالجميع. تشدَّد داود بالله إله القوات، وتشدَّد معه العاملون معه، وتشدد معهم كل إسرائيل [10]. عمل الله في حياة شعبه، أن يحث القائد الأمين أن يُقِيمَ قادة نامين في كل شيء، والقادة يعملون لحساب الجماعة كلها، والجماعة ككل تسند الملك أو الرئيس أو القائد. شركة عجيبة بين الله الإنسان، وبين الإنسان وأخيه الإنسان. الرؤساء الأبطال الذين لداود هم الذين تبعوه في فترة رفضه، والآن وقد رُفِعَ إلى العرش، فارتفع هؤلاء أيضًا، وهنا نجد شيئًا لازمًا لنفعنا. داود كان رمزًا لربِّنا يسوع الذي يدعو مؤمنيه شعبًا له وهم "الأبطال الذين له". في مجيئه كان الرب يسوع مرفوضًا من الكثيرين. فقد قال خاصته: "لا نريد أن ذاك يملك علينا". في أيامنا هذه المسيح مرفوض من العالم، فنحن نعيش فترة رفض المسيح وهو يدعو رجاله الأبطال. فيما يلي قائمة لبعض رجال داود جبابرة البأس والقليل من أعمالهم العظيمة: أ. يشبعام وَهَذَا هُوَ عَدَدُ الأَبْطَالِ الَّذِينَ لِدَاوُدَ: يَشُبْعَامُ بْنُ حَكْمُونِي رَئِيسُ الثَّوَالِثِ. هُوَ هَزَّ رُمْحَهُ عَلَى ثَلاَثِ مِئَةٍ، قَتَلَهُمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً. [11] برمحه قتل ثلاثمائة دفعة واحدة. أعطاه الله نصرة فائقة للطبيعة على أعداء شعبه. ب. أليعازار ابن دودو 12 وَبَعْدَهُ أَلِعَازَارُ بْنُ دُودُو الأَخُوخِيُّ. هُوَ مِنَ الأَبْطَالِ الثَّلاَثَةِ. 13 هُوَ كَانَ مَعَ دَاوُدَ فِي فَسَّ دَمِّيمَ وَقَدِ اجْتَمَعَ هُنَاكَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ لِلْحَرْبِ. وَكَانَتْ قِطْعَةُ الْحَقْلِ مَمْلُوءَةً شَعِيرًا، فَهَرَبَ الشَّعْبُ مِنْ أَمَامِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. 14 وَوَقَفُوا فِي وَسَطِ الْقِطْعَةِ وَأَنْقَذُوهَا، وَضَرَبُوا الْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَخَلَّصَ الرَّبُّ خَلاَصًا عَظِيمًا. وَبَعْدَهُ أَلِعَازَارُ بْنُ دُودُو الأَخُوخِيُّ. هُوَ مِنَ الأَبْطَالِ الثَّلاَثَةِ. [12] كان ألعازار بن دودو الأخوخي مُخْلِصًا لداود، رافقه حتى حينما تركه الآخرون. هُوَ كَانَ مَعَ دَاوُدَ فِي فَسَّ دَمِّيمَ وَقَدِ اجْتَمَعَ هُنَاكَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ لِلْحَرْبِ. وَكَانَتْ قِطْعَةُ الْحَقْلِ مَمْلُوءَةً شَعِيرًا، فَهَرَبَ الشَّعْبُ مِنْ أَمَامِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. [13] هرب كل من كان حول داود أمام الفلسطينيين، أما ألعازار فثبت في مكانه، لذلك أنقذه الرب. أخطر عدو للإنسان هو الخوف؛ أما من يثبت بشجاعة متَّكلاً على الله، فيتمتَّع بالنصرة. وَوَقَفُوا فِي وَسَطِ الْقِطْعَةِ وَأَنْقَذُوهَا، وَضَرَبُوا الْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَخَلَّصَ الرَّبُّ خَلاَصًا عَظِيمًا. [14] هرب كل من هم حول ألعازار بن دودو أمام الفلسطينيين، وثبت هو في مكانه، فخَلَّصَه الرب. كان صورة رمزية للسيد المسيح في وسط آلامه، إذ قال: "هوذا تأتي ساعة وقد أتت، الآن تتفرقون فيها كل واحدٍ إلى خاصته، وتتركونني وحدي وأنا لست وحدي، لأن الآب معي" (يو 16: 32). حين يتخلَّى الكل عن إنسانٍ ما، ويقف ثابتًا في الله ولا يتزعزع، يتمتَّع بالنصرة. إن كان داود والأبطال والشعب كله يتعظَّم بالله رب القوات، فيليق بالكل أن يجاهدوا لا ضد البشر إنما ضد قوات الظلمة (أف 6: 12)، إذ يشير الفلسطينيون الوثنيون إلى الشر وقوات الظلمة. يليق بنا أن نجاهد الجهاد الحسن (2 تي 4: 7). ج. ثلاثة رجال في عدلام 15 وَنَزَلَ ثَلاَثَةٌ مِنَ الثَّلاَثِينَ رَئِيسًا إِلَى الصَّخْرِ إِلَى دَاوُدَ إِلَى مَغَارَةِ عَدُلاَّمَ وَجَيْشُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ نَازِلٌ فِي وَادِي الرَّفَائِيِّينَ. 16 وَكَانَ دَاوُدُ حِينَئِذٍ فِي الْحِصْنِ، وَحَفَظَةُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ حِينَئِذٍ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. 17 فَتَأَوَّهَ دَاوُدُ وَقَالَ: «مَنْ يَسْقِينِي مَاءً مِنْ بِئْرِ بَيْتِ لَحْمٍ الَّتِي عِنْدَ الْبَابِ؟» 18 فَشَقَّ الثَّلاَثَةُ مَحَلَّةَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَاسْتَقَوْا مَاءً مِنْ بِئْرِ بَيْتِ لَحْمٍ الَّتِي عِنْدَ الْبَابِ، وَحَمَلُوهُ وَأَتَوْا بِهِ إِلَى دَاوُدَ، فَلَمْ يَشَأْ دَاوُدُ أَنْ يَشْرَبَهُ بَلْ سَكَبَهُ لِلرَّبِّ. 19 وَقَالَ: «حَاشَا لِي مِنْ قِبَلِ إِلهِي أَنْ أَفْعَلَ ذلِكَ! أَأَشْرَبُ دَمَ هؤُلاَءِ الرِّجَالِ بِأَنْفُسِهِمْ؟ لأَنَّهُمْ إِنَّمَا أَتَوْا بِهِ بِأَنْفُسِهِمْ». وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَشْرَبَهُ. هذَا مَا فَعَلَهُ الأَبْطَالُ الثَّلاَثَةُ. وَنَزَلَ ثَلاَثَةٌ مِنَ الثَّلاَثِينَ رَئِيسًا إِلَى الصَّخْرِ إِلَى دَاوُدَ، إِلَى مَغَارَةِ عَدُلاَّمَ وَجَيْشُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ نَازِلٌ فِي وَادِي الرَّفَائِيِّينَ. [15] قصة الثلاثة من الأبطال حفظها سفر الأخبار ليكشف عمَّا في قلب داود من جهة الله واهتمامه الشديد لحياة أتباعه. كان هؤلاء الثلاثون هم أشجع وأعظم القادة في جيش داود. الرجال الثلاثة الذين أُفْرِزوا كأعز الأبطال هم الذين أحضروا ماء لداود من بئر بيت لحم. تحمل هذه قصة رمزًا عظيمًا، فداود تربَّى في بيت لحم كمسقط رأسه. وكان هناك بئر عند مدخلها، كثيرًا ما كان يرجع عطشانًا بعد رعي الأغنام ثم يشرب من تلك البئر. والآن كان مُحاصَرًا من الفلسطينيين، ولا يستطيع أن يذهب إلى تلك البئر، فقال: "من يسقيني ماءً من بئر بيت لحم التي عند الباب. إنها مُجَرَّد رغبة ولم تكن أمرًا، فشقَّ الثلاثة محلة الفلسطينيين، واستقوا ماءً من بئر بيت لحم التي عند الباب، وحملوه واتوا به إلى داود. والأمر المذهل أنه لم يشأ أن يشربه بل سكبه ذبيحة للرب. هنا تشابهات يمكننا أن نتأمل فيها، فالرب يسوع وُلِدَ في بيت لحم وهو هذا الماء الذي من بيت لحم، فهو ماء الحياة، وهناك الكثير من الرجال الأبطال عبر الأجيال والقرون الذين ليسوع المسيح، والذين أحضروا هذا الماء للعالم العطشان. ونلاحظ أن رجال داود استجابوا لمُجَرَّد إبدائه رغبة. فهو لا يمكن أن يُعطِي أمرًا مثل هذا. وها هو ربنا يسوع يأمرنا أن نأخذ ماء الحياة للعالم أجمع، فماذا فعلنا به؟ هل نحن مُطِيعين لأوامره؟ نلاحظ أيضًا ما فعله داود بهذا الماء الذي أُحضِرَ له تحت مخاطرة عظيمة، فداود لم يكن أنانيًا، ولا غرابة أن رجاله أَحَبُّوه، وكانوا مستعدين للتألم من أجله، لأنه كان مستعدًا أن يتألم معهم. فلم يشرب الماء، لأن رجاله لم يكن عندهم ماء، وفَضَّلَ أن يكون مثلهم. يخبرنا المزمور (1 أخ 22: 14) أنه عند موت ربنا يسوع المسيح على الصليب قال "كالماء انسكبت"، فهو سكب حياته كالماء على الأرض، وأخذ مكانه بيننا كواحد منا -أخذ الذي لنا ليعطينا الذي له- أخذ جسدنا وأعطانا روحه القدوس، وجعلنا واحدًا معه من قبل صلاحه[10]. وَكَانَ دَاوُدُ حِينَئِذٍ فِي الْحِصْنِ، وَحَفَظَةُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ حِينَئِذٍ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. [16] فَتَأَوَّهَ دَاوُدُ وَقَالَ: "مَنْ يَسْقِينِي مَاءً مِنْ بِئْرِ بَيْتِ لَحْمٍ الَّتِي عِنْدَ الْبَابِ؟" [17] الماء الذي طلبه داود من بيت لحم يشير إلى السيد المسيح المولود في بيت لحم. v بالماء الذي طلبه داود الملك ماذا اشتهى، إلا الابن الذي هو ماء الحياة لمن يُفَتِّش عليه؟ سُمِّي المسيحَ بالماء، لأنه كان مُتعطِّشًا عليه، وعُرِفَ بأنه سيأتي إلى الأرض من بيت لحم. لم يطلب ذاك الرائي (داود) الماء الصادر من نبعٍ، لأن ابن الله ليس من الزواج. ماء الجُب يأتي من قمة المُرتفع، كما نزل المسيح من العُلَى، ليصير شرابًا. الجُب هو البتول، لأن الشراب نزل إليه من العُلَى، ولم يصعد ينبوع من الأرض وسكب فيه الماء. تُدعَى المرأة أيضا جُبًّا في النبوة، والرجل جبلاً، ومن قرأ يفهم. القديس مار يعقوب السروجي يرى القديس أغسطينوس في سكب الماء كتقدمة إشارة إلى مفهوم الصوم، أنه ليس شكمًا أو تحطيمًا للأهواء القديمة، بل استبدالها بمسرات جديدة لائقة. v حفظ الصوم الكبير لا يكون شكمًا للأهواء القديمة، بل هو فرصة لمسرَّات جديدة. ضع في حسبانك مُقَدِّمًا بكل اجتهادٍ ممكنٍ أن تمنع هذه المواقف أن تزحف إليك. ملء المعدة يلزم أن يُلام. لهذا يلزم إزالة الحوافز على الشهوة. فالصوم ليس مقت أنواع مُعَيَّنة من الطعام، إنما هو ضبط للشهوة الجسدية... فالملك المقدَّس داود ندم من أجل رغبته الزائدة نحو الماء. القديس أغسطينوس فَشَقَّ الثَّلاَثَةُ مَحَلَّةَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَاسْتَقُوا مَاءً مِنْ بِئْرِ بَيْتِ لَحْمٍ الَّتِي عِنْدَ الْبَابِ وَحَمَلُوهُ وَأَتُوا بِهِ إِلَى دَاوُدَ، فَلَمْ يَشَأْ دَاوُدُ أَنْ يَشْرَبَهُ، بَلْ سَكَبَهُ لِلرَّبِّ [18] خاطروا بحياتهم من أجل إحضار ماء لداود من بئر بيت لحم. لم يفعلوا هذا لنوال كلمة مديحٍ، ولا ذُكِرَت أسماؤهم. ما كان يشغلهم هو بهجة قلب داود. يليق بنا متى أراد أحد أن يخدمنا أو يُقَدِّم لنا شيئًا من أجل الله العامل فينا، أن نُقَدِّم هذه الخدمة أو العطية لله في حياة المحتاجين. لأن ما يُقَدِّمه لنا الله خلالهم، إنما هو وديعة نُقَدِّمها نحن أيضًا للآخرين، فيحسبها عطية مُقدَّمة له شخصيًا. رفض الشرب من الماء، ربما لأنه شعر بالندامة أنه عبَّر عن رغبته أن يشرب من بئر بيت لحم، إذ كان يليق به أن يهتم بمن هم حوله، فقد يكونوا أكثر احتياجًا إلى الماء منه. وَقَالَ: "حَاشَا لِي مِنْ قِبَلِ إِلَهِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ! أَأَشْرَبُ دَمَ هَؤُلاَءِ الرِّجَالِ بِأَنْفُسِهِمْ؟ لأَنَّهُمْ إِنَّمَا أَتُوا بِهِ بِأَنْفُسِهِمْ." وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَشْرَبَهُ. هَذَا مَا فَعَلَهُ الأَبْطَالُ الثَّلاَثَةُ. [19] خاطر هؤلاء الرجال بحياتهم لإرضاء داود، وأدركوا أن تكريسهم له، إنما جاء من تكريسهم لله، لذلك سَكَبَ الماء كتقدمة سكيب، مُظهِرًا أن الله وحده يستحق مثل هذا التكريس. لقد قدَّموا الماء لداود، وهو بدوره قدَّمه لله. فإنه حسب أن الله وحده يستحق مثل هذا التكريس. عندما نخدم الآخرين من أجل الرب، إنما نخدم الله نفسه. يرى القدِّيس يوحنا الذهبيّ الفم أن الذين يشتركون في تكاليف الكارزين، يُحسَبون كمن ساهموا في العمل الكرازي. د. أبشاي أخو يوآبوَأَبْشَايُ أَخُو يُوآبَ كَانَ رَئِيسَ ثَلاَثَةٍ. وَهُوَ قَدْ هَزَّ رُمْحَهُ عَلَى ثَلاَثِ مِئَةٍ فَقَتَلَهُمْ، فَكَانَ لَهُ اسْمٌ بَيْنَ الثَّلاَثَةِ. [20] مِنَ الثَّلاَثَةِ أُكْرِمَ عَلَى الاِثْنَيْنِ وَكَانَ لَهُمَا رَئِيسًا، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى الثَّلاَثَةِ الأُوَلِ. [21] يُعتبر أبشاي أخو يوآب أكثر الثلاثة كرامة. يخبرنا الكتاب المقدس أنه في إخلاصه لداود كان ثابتًا بلا تردد. ذهب معه إلى محلة شاول (1 صم 26)، ورافقه في هروبه من أورشليم عندما تمرَّد عليه أبشالوم (2 صم 16)، وهو الذي حطَّم ثورة شيبا (2 صم 20)، وأنقذ داود من العملاق يشبي نبوب (2 صم 21). قَدَّم له خدمات بكل أمانة (2 صم 10، 18؛ 1 أي 18). هكذا بشجاعة وإخلاص وبذل خدم داود، كم بالأكثر يليق بنا أن نخدم ربَّ داود، ملك الملوك؟ هـ. بنايا بن يهوياداع 22 بَنَايَا بْنُ يَهُويَادَاعَ ابْنِ ذِي بَأْسٍ كَثِيرِ الأَفْعَالِ مِنْ قَبْصِيئِيلَ. هُوَ الَّذِي ضَرَبَ أَسَدَيْ مُوآبَ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ وَضَرَبَ أَسَدًا فِي وَسَطِ جُبٍّ يَوْمَ الثَّلْجِ. 23 وَهُوَ ضَرَبَ الرَّجُلَ الْمِصْرِيَّ الَّذِي قَامَتُهُ خَمْسُ أَذْرُعٍ، وَفِي يَدِ الْمِصْرِيِّ رُمْحٌ كَنَوْلِ النَّسَّاجِينَ. فَنَزَلَ إِلَيْهِ بِعَصًا وَخَطَفَ الرُّمْحَ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّ وَقَتَلَهُ بِرُمْحِهِ. 24 هذَا مَا فَعَلَهُ بَنَايَا بْنُ يَهُويَادَاعَ، فَكَانَ لَهُ اسْمٌ بَيْنَ الثَّلاَثَةِ الأَبْطَالِ. 25 هُوَذَا أُكْرِمَ عَلَى الثَّلاَثِينَ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى الثَّلاَثَةِ. فَجَعَلَهُ دَاوُدُ مِنْ أَصْحَابِ سِرِّهِ. بَنَايَا بْنُ يَهُويَادَاعَ ابْنِ ذِي بَأْسٍ كَثِيرِ الأَفْعَالِ مِنْ قَبْصِيئِيلَ. هُوَ الَّذِي ضَرَبَ أَسَدَيْ مُوآبَ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ وَضَرَبَ أَسَدًا فِي وَسَطِ جُبٍّ يَوْمَ الثَّلْجِ. [22] سرُّ قوة هؤلاء الأبطال أن الرب الذي مع داود كان أيضًا معهم. جاءت نصيحة يشوع: "التصِقوا بالرب إلهكم كما فعلتم إلى هذا اليوم. فقد طرد الرب من أمامكم شعوبًا عظيمة وقوية. وأما أنتم فلا يقف أحد قدامكم إلى هذا اليوم. رجل واحد منكم يطرد ألفًا، لأن الرب إلهكم هو المُحارِب عنكم كما كلَّمكم" (يش 23: 8-11). وَهُوَ ضَرَبَ الرَّجُلَ الْمِصْرِيَّ الَّذِي قَامَتُهُ خَمْسُ أَذْرُعٍ، وَفِي يَدِ الْمِصْرِيِّ رُمْحٌ كَنَوْلِ النَّسَّاجِينَ. فَنَزَلَ إِلَيْهِ بِعَصًا، وَخَطَفَ الرُّمْحَ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّ، وَقَتَلَهُ بِرُمْحِهِ. [23] والده كان كاهنًا (1 أي 27: 5) شجاعًا. كان رئيسًا على حُرَّاس داود. أخذ مكان يوآب رئيس جيوش إسرائيل (1 مل 2: 34-35). نصراته تُقَدِّم لنا صورة عن الحياة المُنتصِرة على العالم (مصر) والجسد (موآب) والشيطان (الأسد الزائر)، فقد غلب هؤلاء جميعًا. هَذَا مَا فَعَلَهُ بَنَايَا بْنُ يَهُويَادَاعَ، فَكَانَ لَهُ اسْمٌ بَيْنَ الثَّلاَثَةِ الأَبْطَالِ. [24] هُوَذَا أُكْرِمَ عَلَى الثَّلاَثِينَ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى الثَّلاَثَةِ. فَجَعَلَهُ دَاوُدُ مِنْ أَصْحَابِ سِرِّهِ. [25] وَأَبْطَالُ الْجَيْشِ هُمْ: عَسَائِيلُ أَخُو يُوآبَ، وَأَلْحَانَانُ بْنُ دُودُوَ مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ، [26] شَمُّوتُ الْهَرُورِيُّ، حَالَصُ الْفَلُونِيُّ، [27] عِيرَا بْنُ عِقِّيشَ التَّقُوعِيُّ، أَبِيعَزَرُ الْعَنَاثُوثِيُّ، [28] سِبْكَايُ الْحُوشَاتِيُّ، عِيلاَيُ الأَخُوخِيُّ، [29] مَهْرَايُ النَّطُوفَاتِيُّ، خَالِدُ بْنُ بَعْنَةَ النَّطُوفَاتِيُّ، [30] إِتَّايُ بْنُ رِيبَايَ مِنْ جِبْعَةِ بَنِي بِنْيَامِينَ، بَنَايَا الْفَرْعَتُونِيُّ، [31] حُورَايُ مِنْ أَوْدِيَةِ جَاعَشَ، أَبِيئِيلُ الْعَرَبَاتِيُّ، [32] عَزْمُوتُ الْبَحْرُومِيُّ، إِلْيَحْبَا الشَّعْلُبُونِيُّ. [33] بَنُو هَاشِمَ الْجَزُونِيُّ، يُونَاثَانُ بْنُ شَاجَايَ الْهَرَارِيُّ، [34] أَخِيآمُ بْنُ سَاكَارَ الْهَرَارِيُّ، أَلِيفَالُ بْنُ أُورَ، [35] حَافَرُ الْمَكِيرَاتِيُّ، وَأَخِيَا الْفَلُونِيُّ، [36] حَصْرُو الْكَرْمَلِيُّ، نَعْرَايُ بْنُ أَزْبَايَ، [37] يُوئِيلُ أَخُو نَاثَانَ، مَبْحَارُ بْنُ هَجْرِي، [38] و. صالق العموني كان صالق العموني وأُورِيَّا الْحِثِّيُّ [41] ويثمة الموابي [46] بالميلاد أعداء لإسرائيل لكنهم تحوَّلوا ليصيروا في خدمة داود ملك إسرائيل. نحن كأبناء لآدم الساقط دخلنا في عداوة مع الله، لكن بالنعمة صرنا في المسيح يسوع أبناء أحباء وجنودًا صالحين في جيش الخلاص. صَالِقُ الْعَمُّونِيُّ، نَحْرَايُ الْبَئِيرُوتِيُّ، (حَامِلُ سِلاَحِ يُوآبَ ابْنِ صَرُويَةَ)، [39] عِيرَا الْيِثْرِيُّ، جَارِبُ الْيِثْرِيُّ، [40] أُورِيَّا الْحِثِّيُّ، زَابَادُ بْنُ أَحْلاَيَ، [41] الأسماء الواردة في الآيات 41-47 لم ترد في القائمة الواردة في (2 صم 23). من بين قادته المُخلِصين أوريّا الحثِّي [41] الغريب الجنس، صار مُخْلِصًا له وحارسًا، لكن للأسف دبَّر قتله (2 صم 11) وتزوج امرأته. بالتوبة قام من سقطته، وخضع لتأديبات الله! كان عضوًا في الشعب الذي أباده الإسرائيليون حين ملكوا أرض الموعد (تث 7: 1-2)، لكننا نراه هنا مُحارِبًا مُخلِصًا لداود. للأسف أخطأ داود حين خطَّطَ لقتله ليتزوج بثشبع امرأته (2 صم 11). من جهة أوريّا الحثّي في صموئيل يبرز كشاهد على خطية داود. أما هنا فيَعْبُر السفر في صمتٍ بخصوص سقوط داود الشنيع. كما لا يرد أليعام بن أخيتوفل (2 صم 23: 34)، الذي ارتبط أبوه بالخيانة ضد داود. عَدِينَا بْنُ شِيزَا الرَّأُوبَيْنِيُّ (رَأْسُ الرَّأُوبَيْنِيِّينَ) وَمَعَهُ ثَلاَثُونَ، [42] حَانَانُ ابْنُ مَعْكَةَ، يُوشَافَاطُ الْمَثْنِيُّ، [43] عُزِّيَّا الْعَشْتَرُوتِيُّ، شَامَاعُ وَيَعُوئِيلُ ابْنَا حُوثَامَ الْعَرُوعِيرِيِ، [44] يَدِيعَئِيلُ بْنُ شِمْرِي وَيُوحَا أَخُوهُ التِّيصِيُّ، [45] ز. يثمة الموآبي إِيلِيئِيلُ مِنْ مَحْوِيمَ، وَيَرِيبَايُ وَيُوشُويَا ابْنَا أَلْنَعَمَ وَيِثْمَةُ الْمُوآبِيُّ، [46] إِيلِيئِيلُ وَعُوبِيدُ وَيَعِيسِيئِيلُ مِنْ مَصُوبَايَا. [47] عَلِّمني ودَرِّبني على روح القيادة! v عَلِّمني يا رب الجنود كيف أقتني روح القيادة. بحُبِّك لبني البشر، تريد أن يكون الكل قادة. لم تخلق طفلاً ليكون عبدًا، بل ليكون ملكًا. تُسَرُّ بكل من يعمل بك بروح القيادة. مادمتَ معي أسلك بروح الثقة واليقين. أطلب أن يتشدد كل بشرٍ لك. فيحيا الكل بروح التحدِّي لقوات الظلمة كما للألم وحتى الموت. v متى نرى شعبك العروس الواحدة المقدسة فيك؟! متى نراها الكنيسة المجاهدة التي بك تتكلل؟! تدخل إلى أحضانك متهللة. يعتزُّ بها السمائيون، ويفرحون بنصرتها. v هَبْ لنا أن يحسب كل واحدٍ نجاح أخيه نجاحًا له. بحُبِّك يتشدِّد كل واحدٍ، ويتشدَّد الجميع أيضًا معًا! داود القائد الجذَّاب يضم قادة عظماءفي الأصحاح السابق رأينا تمليك داود على كل إسرائيل، وقد تمَّ ذلك بخطة إلهية سبق أن أعلنها صموئيل النبي حين كان داود صبيًّا صغيرًا، وقام بدهنه بالمسحة المقدسة، وبعد عشرين عامًا تقريبًا تم تجليسه في حبرون على كل إسرائيل. هنا يوضح الكاتب أن داود صعد أخيرًا على العرش بالتدريج، وذلك مثل ثمرة ظهرت على غصن الشجرة، لكنها بقيت زمانًا حتى نضجت ببطءٍ. لقد انتظر داود طويلاً حتى تحقق الوعد، دون أن يتسرَّع في البلوغ إليه، وكان قلبه ليس في الكرسي، ولا في المجد الزمني، إنما في الله وفي الشعب. وقد تحقق الوعد على خطوتين رئيسيّتين. الخطوة الأولى في صقلغ، حيث كان هاربًا من وجه شاول بن قيس وهو يطلب قتله. تَجَمَّع تدريجيًّا حوله أبطال، وانتهى الأمر بإقامته ملكًا على يهوذا [1-22]. الخطوة الثانية: حيث كان في حبرون، وجاء إليه قاده من كل إسرائيل، يطلبونه ملكًا على كل أسباط إسرائيل، بعد مرور سبعة أعوام على تَمَلُّكه على يهوذا [23-40]. الحديث هنا عن داود في الفترة التي كان فيها هاربًا من وجه شاول، ولجأ إلى الفلسطينيين، فأعطاه أحد ملوكهم مدينة صقلغ مِلكًا له (1 صم 27: 1-7). تاريخيًا يُنظَر إلى التجائه إلى الفلسطينيين كنقطة ضعف في حياة داود؛ أما سفر أخبار الأيام، فيُقَدِّمه ككوكبٍ برَّاق جذب حتى بعض رجال من سبط بنيامين (سبط شاول) ليعبروا وينضمّوا إليه. سبق أن قدَّمنا مقارنة سريعة بين داود وشاول في مقدمة السفر، وفي هذا الأصحاح برزت النقاط التالية: 1. إن قارنّا بين شاول وداود، فالأول كان وهو ملك يبذل كل الجهد ليجد رجال بأس يضمّهم إليه، لكن كثيرين بعد أن انضموا إليه تركوه، رغم كل الإغراءات والإمكانيات التي يُقَدِّمها لهم كملكٍ صاحب سلطان، أما داود وهو مختبئ في صقلغ من وجه شاول الملك كان الأبطال يأتون إليه، منهم من كانوا إخوة شاول من بنيامين. كإنسان الله كان يجذب الطاقات للعمل معه [1-2]. 2. سبق فقاومه بعض من بني بنيامين ويهوذا، الآن جاءوا لينضمّوا إليه، وبروح الله الذي حلَّ على عماساي [18]، فقال: "لك نحن يا داود، ومعك نحن يا ابن يسَّى"، فصاروا رؤوس جيوش معه. الله يُحوِّل حتى المقاومين إلى أصدقاء عاملين معه. 3. وهبهم الله روح الوحدة: "كذلك كل بقية إسرائيل بقلبٍ واحدٍ لتمليك داود" [38]. 4. قدَّموا له إمكانياتهم: "كانوا يأتون بخبزٍ على الحمير والجمال والبغال والبقر وبطعامٍ من دقيقٍ... بكثرةٍ" [40]. 5. ساد روح الفرح على الكل: "لأنه كان فرح في إسرائيل" [40]. كان شاول الملك يبذل كل الجهد ليجد رجل بأس فيضمّه إليه (1 صم 14: 52)، بينما كان رجال البأس الأمناء والأقوياء ينجذبون إلى رجل الله داود، يبحثون عنه حتى وهو هارب من وجه الملك ويلتصقون به. جمع داود حوله جبابرة بأس أمناء مُخْلِصين وأصحاب مواهب، اتَّحدوا معه لبنيان الجماعة المقدسة. ليتنا ننجذب إلى ملك الملوك ونطلبه ونلتصق به، فهو يُنَمِّي المواهب التي هي بالحق عطيته المجانية لنا، يقيم منَّا جيشًا روحيًا يهزُّ مملكة إبليس ويُحَطِّم سلطانه. نُقَدِّم له مما أعطانا، فيكون فرح في إسرائيل الجديد. يقيم الله من المؤمنين جيش الخلاص الروحي، الذي لا عدو له سوى إبليس وملائكته. يُدَرِّب مؤمنيه على القتال الروحي، ويهب حتى الأطفال الصغار إمكانية النصرة، فيُقال عن الكنيسة التي كانت كعظام جافة مُلقاة في وسط بقعة: "فدخل فيهم الروح، فحيوا، وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جدًا جدًا" (حز 37: 10)؛ كما يُقال عنها: "كأورشليم مرهبة، كجيشٍ بألوية" (نش 6: 4). v لتحاربوا برجولة كجنودٍ صالحين، ولتركضوا بنبلٍ في سباقكم من أجل الإكليل الأبدي في المسيح يسوع ربنا، الذي له المجد إلى الأبد. آمين. القديس باسيليوس الكبير v يسمح لنا نحن أيضًا أن نغلب، متطلعين إلى رئيس إيماننا، ونسير في ذات الطريق الذي قطعه من أجلنا... إننا لسنا مائتين بسبب صراعنا مع الموت، بل نحن خالدون بسبب نصرتنا... هل يُفسِد الموت أجسامنا؟ ما هذا؟ إنها لن تبقى في الفساد، بل تصير إلى حالٍ أفضل... إذن لنغلب العالم، لنركض نحو الخلود، لنتبع الملك، لنُعِد النصب التذكاري للغلبة، لنستخف بملذات العالم. لسنا نحتاج إلى تعب لإتمام ذلك. لنُحَوِّل نفوسنا إلى السماء، فينهزم كل العالم! عندما لا تشتهيه تغلبه؛ إن سخرتَ به يُقهَر. غرباء نحن ورُحَّل، فليتنا لا نحزن على أي أمورٍ مُحزِنة خاصة به. القديس يوحنا الذهبي الفم فمن يستحي من إظهار جرحه يمتد الضرر إلى جسده كله. من لا يستحي من ذلك يُشفَى جرحه، ويعود إلى المعركة. القديس أفراهاط الأب ثيؤدورت عالج الأصحاح السابق الأفراد الذين ارتبطوا بشخص داود، أما هذا الأصحاح فاهتم بالحديث عن الأسباط وقادتهم الذين تحالفوا مع الملك. الأسباط المذكورون هنا جاءوا إليه عندما كان مختبئًا [1-22]، والذين جاءوا إلى حبرون بعد موت إيشبوشت [23-40]. وكل بقية إسرائيل كانوا بفكرٍ واحدٍ يريدون إقامة داود ملكًا، وكان فرح في إسرائيل [38]. كثيرون ممن كانوا في ضيق ومتاعب جاءوا إليه لحمايتهم (1 صم 22: 1-2)، أما هؤلاء فجاءوا لخدمة داود ومساعدته ليحتل العرش الذي وهبه الله إيَّاه بأمره الإلهي. إذ يكشف سفرا الأخبار عن النعمة الإلهية التي تُغَطِّي كثرة من الخطايا والضعفات، لم يُشِرْ إلى الفترة ما قبل اعتراف كل الأسباط به في حبرون. كانت أغلب الأسباط في ذلك الوقت تنظر إليه بكونه الملك المرفوض، في ضعف إيمانه هرب إلى أخيش بين غير المؤمنين ووجد في صقلغ (1 صم 29-30). قبل ذلك ارتبط به رجال جاد ويهوذا وبنيامين وهو في حالة وضيعة، ومرفوض من الأكثرية. العجيب أن سبط بنيامين الذي تخرَّج منه شاول الملك الشرير، صار ملاصقًا لسبط يهوذا، ومُحبًا لداود ربما أكثر من بقية الأسباط. حين كان داود في صقلغ جاء إليه أبطال في الحرب من إخوة شاول من بنيامين ينضمون إليه [2]. وحين كان في الحصن جاء إليه قوم من بني بنيامين ويهوذا، وقد ذكر قوم بنيامين قبل قوم يهوذا [16]. وحين كان في حبرون جاء إليه من بني بنيامين إخوة شاول ثلاثة آلاف وكان أكثرهم يقومون بحراسة بيت شاول [29]. نستطيع بشيءٍ من الجرأة أن نقول إن رجال بنيامين ربما كانوا أكثر غيرة من كل رجال الأسباط الأخرى في إقامة داود ملكًا! هذا هو عمل النعمة الإلهية الفائقة لكل تفكيرٍ أو تخطيطٍ بشريٍ! كنا بحسب الفكر البشري نتوقَّع من سبط بنيامين إن لم يأخذ موقف المعارضة في الاعتراف لمملكة داود، على الأقل يكونون متردِّدين في أخذ القرار حتى يتأكدوا أن بقية الأسباط تعترف به ملكًا. سبط بنيامين الذي في وقت ما كاد يتلاشى بسبب خطيتهم (قض 20-21)، يتَّخِذ مكانًا متميزًا بين الأسباط في الشهادة لداود الملك. إنهم إخوة شاول، لكنهم رجال إيمان حيّ وغيرة على شعب الله على خلاف شاول نفسه. 1. أبطال شاول يلتصقون بداود 1 وَهؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى دَاوُدَ إِلَى صِقْلَغَ وَهُوَ بَعْدُ مَحْجُوزٌ عَنْ وَجْهِ شَاوُلَ بْنِ قَيْسَ، وَهُمْ مِنَ الأَبْطَالِ مُسَاعِدُونَ فِي الْحَرْبِ، 2 نَازِعُونَ فِي الْقِسِيِّ، يَرْمُونَ الْحِجَارَةَ وَالسِّهَامَ مِنَ الْقِسِيِّ بِالْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، مِنْ إِخْوَةِ شَاوُلَ مِنْ بَنْيَامِينَ. 3 الرَّأْسُ أَخِيعَزَرُ ثُمَّ يُوآشُ ابْنَا شَمَاعَةَ الْجِبْعِيُّ، وَيَزُوئِيلُ وَفَالَطُ ابْنَا عَزْمُوتَ، وَبَرَاخَةُ وَيَاهُو الْعَنَاثُوثِيُّ، 4 وَيَشْمَعْيَا الْجِبْعُونِيُّ الْبَطَلُ بَيْنَ الثَّلاَثِينَ وَعَلَى الثَّلاَثِينَ، وَيَرْمِيَا وَيَحْزِيئِيلُ وَيُوحَانَانُ وَيُوزَابَادُ الْجَدِيرِيُّ، 5 وَإِلْعُوزَايُ وَيَرِيمُوثُ وَبَعْلِيَا وَشَمَرْيَا وَشَفَطْيَا الْحَرُوفِيُّ، 6 وَأَلْقَانَةُ وَيَشِيَّا وَعَزْرِيئِيلُ وَيُوعَزَرُ وَيَشُبْعَامُ الْقُورَحِيُّونَ، 7 وَيُوعِيلَةُ وَزَبَدْيَا ابْنَا يَرُوحَامَ مِنْ جَدُورَ. وَهَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى دَاوُدَ إِلَى صِقْلَغَ، وَهُوَ بَعْدُ مَحْجُوزٌ عَنْ وَجْهِ شَاوُلَ بْنِ قَيْسَ، وَهُمْ مِنَ الأَبْطَالِ مُسَاعِدُونَ فِي الْحَرْبِ. [1] حُرِم داود المملوء حبًا لشعبه أن يجد له موضعًا في وطنه، فإذا بأخيش الملك الفلسطيني يُقَدِّم له ولعائلته ومن التف حوله في صقلغ (1 صم 27: 5-7). صار سعيدًا أن يلجأ إليه مُحارِب شهير من بين إسرائيل. اختبأ داود في صقلغ؛ ولم تكن تحرُّكاته سرَّية تمامًا. من الجانب التاريخي في هذه الفترة يُعتبَر داود قد وصل إلى أقصى الضعف (راجع 1 صم 27: 1-7)، غير أن سفر الأخبار هنا يبرزها كفترة لامعة في حياة داود، حيث صعد إليه بعض أعضاء من سبط بنيامين (إخوة شاول). انجذب أصحاب الطاقات الجبارة إلى داود المطرود والتفُّوا حوله. جاء إليه أفضل من كان في جيش شاول. كأن الله يؤكد لداود أن أعداءه صاروا رجاله العاملين معه [16]. وقد اتَّسموا بالآتي: 1. كانوا بارعين في استخدام السهام والقسيّ والحجارة بالمقاليع [1]. 2. اتَّسموا بالجدِّية وقوة العزيمة، وجوههم كوجوه الأسود [8]. 3. لائقين بدنيًّا في الحروب، سرعتهم كسرعة ظباء الجبال [8]. 4. مُخلِصون لله ولإنسان الله [1-17]. صقلغ: مدينة في جنوب يهوذا، كانت أولاً لشمعون (يش 19: 5)، ثم للفلسطينيين، وبعد ذلك ليهوذا. بقي داود في صقلغ سنة وأربعة أشهر حتى مات شاول. العجيب أن هؤلاء الأبطال المساعدين في الحرب من بينهم إخوة شاول، جاءوا إلى داود في صقلغ، والتفُّوا حوله وهم لا يدرون أنه قد اقترب وقت موت شاول. لم يأتِ هؤلاء الأبطال إلى داود بعد موت شاول يتملَّقونه، لأنهم أدركوا أن العرش صار بين يديّ داود، إنما انجذبوا إليه، قائلين على لسان عماساي: "لأن إلهك مُعِينك" [18]. نَازِعُونَ فِي الْقِسِيِّ، يَرْمُونَ الْحِجَارَةَ وَالسِّهَامَ مِنَ الْقِسِيِّ بِالْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، مِنْ إِخْوَةِ شَاوُلَ مِنْ بِنْيَامِينَ. [2] كان المقلاع متواضعًا في مظهره، لكنه كان قاتلاً في المعركة، حيث يندفع الحجر إلى هدفه القاتل. أما القوس والسهم، فكانا يستخدمان من آلاف السنين، وكانت رؤوس السهام تُصنَع من الحجر أو الخشب أو العظام... الرَّأْسُ أَخِيعَزَرُ ثُمَّ يُوآشُ ابْنَا شَمَاعَةَ الْجِبْعِيُّ، وَيَزُوئِيلُ وَفَالَطُ ابْنَا عَزْمُوتَ، وَبَرَاخَةُ وَيَاهُو الْعَنَاثُوثِيُّ، [3] وَيَشْمَعْيَا الْجِبْعُونِيُّ الْبَطَلُ بَيْنَ الثَّلاَثِينَ وَعَلَى الثَّلاَثِينَ، وَيَرْمِيَا وَيَحْزِيئِيلُ وَيُوحَانَانُ وَيُوزَابَادُ الْجَدِيرِيُّ [4] وَإِلْعُوزَايُ وَيَرِيمُوثُ وَبَعْلِيَا وَشَمَرْيَا وَشَفَطْيَا الْحَرُوفِيُّ [5] وَأَلْقَانَةُ وَيَشِيَّا وَعَزْرِيئِيلُ وَيُوعَزَرُ وَيَشُبْعَامُ الْقُورَحِيُّونَ [6] وَيُوعِيلَةُ وَزَبَدْيَا ابْنَا يَرُوحَامَ مِنْ جَدُورَ. [7] 2. جبابرة جاد يلتصقون بداود 8 وَمِنَ الْجَادِيِّينَ انْفَصَلَ إِلَى دَاوُدَ إِلَى الْحِصْنِ فِي الْبَرِّيَّةِ جَبَابِرَةُ الْبَأْسِ رِجَالُ جَيْشٍ لِلْحَرْبِ، صَافُّو أَتْرَاسٍ وَرِمَاحٍ، وَوُجُوهُهُمْ كَوُجُوهِ الأُسُودِ، وَهُمْ كَالظَّبْيِ عَلَى الْجِبَالِ فِي السُّرْعَةِ: 9 عَازَرُ الرَّأْسُ، وَعُوبَدْيَا الثَّانِي، وَأَلِيآبُ الثَّالِثُ، 10 وَمِشْمِنَّةُ الرَّابعُ، وَيَرْمِيَا الْخَامِسُ، 11 وَعَتَّايُ السَّادِسُ، وَإِيلِيئِيلُ السَّابعُ، 12 وَيُوحَانَانُ الثَّامِنُ، وَأَلْزَابَادُ التَّاسِعُ 13 وَيَرْمِيَا الْعَّاشِرُ، وَمَخْبَنَّايُ الْحَادِي عَشَرَ. 14 هؤُلاَءِ مِنْ بَنِي جَادَ رُؤُوسُ الْجَيْشِ. صَغِيرُهُمْ لِمِئَةٍ، وَالْكَبِيرُ لأَلْفٍ. 15 هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ عَبَرُوا الأُرْدُنَّ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ إِلَى جَمِيعِ شُطُوطِهِ وَهَزَمُوا كُلَّ أَهْلِ الأَوْدِيَةِ شَرْقًا وَغَرْبًا. وَمِنَ الْجَادِيِّينَ انْفَصَلَ إِلَى دَاوُدَ إِلَى الْحِصْنِ فِي الْبَرِّيَّةِ، جَبَابِرَةُ الْبَأْسِ رِجَالُ جَيْشٍ لِلْحَرْبِ، صَافُّو أَتْرَاسٍ وَرِمَاحٍ، وَوُجُوهُهُمْ كَوُجُوهِ الأُسُودِ، وَهُمْ كَالظَّبْيِ عَلَى الْجِبَالِ فِي السُّرْعَةِ: [8] ربما يقصد بالحصن مغارة عدلام (2 صم 23: 13). وللجاديين فضل، لأنهم شاركوا داود وهو في الضيق. وكان لهم فضل أيضًا نظرًا لقوتهم وشجاعتهم في الحرب على اختلاف أنواعها. بينما كان البنيامينيّون بارعين في استخدام القسيّ والمقاليع، كان المحاربون من جاد بارعين في استعمال الأتراس والرماح. وكانت رؤوس الرماح من العظام أو الحجارة. أما رماح الفلسطينيين، فكانت أياديها من البرونز، ورؤوسها من الحديد، إذ كانوا يحتكرون صناعة الحديد (1 صم 13: 19-20). يُصَوِّر لنا السِفْر مدى اقتناع سبط جاد بتمليك داود، فقد انفصلوا عن إخوتهم الذين في الضفة الشرقية. وهو انفصال جدير بالثناء، لأنه يقوم على قبول داود ملكًا، بالرغم من كونه في الحصن الذي في البرية [8]، ربما أحد الحصون القوية في عين جدي. بالرغم من قلة عدد المذكورين هنا، أحد عشر شخصًا، لكنهم مَثَّلوا قوة لا يُستهَان بها تُضَاف إلى قوة داود. إنهم رؤوس جيش أبطال وشجعان لهم وجوه أسود قوية، وسرعة حركة كالظباء. لم يأتِ هؤلاء هاربين من ضيق، ولا يطلبون منه حماية من عدو، إنما جاءوا مقتنعين به كرجل الله المُعَيَّن ليكون ملكًا على إسرائيل. يُقَدِّم هؤلاء الجبابرة لنا مثالاً حيًا كجنود المسيح الصالحين والمُخْلِصين. أ. كما كان هؤلاء رؤساء جيش، هكذا يليق بالمؤمن أن يحمل روح القوة، مُدرِكًا أن لديه إمكانيات جبَّارة لمقاومة الخطية والشر والفساد وإبليس نفسه وكل حيَّله وخداعاته. إنه قائد لكل طاقته وإمكانياته في الرب. ب. كان لهؤلاء وجوه أسود قوية، لا ليحملوا روح العنف والافتراس، وإنما ليعملوا بروح القوة لحساب ملكوت الله بلا خوفٍ. لا يضطربون بسبب الضيق، ولا يخشون المرض ولا المصاعب ولا الظلم. يقولون مع المرتل: "لأني بك اقتحمت جيشًا، وبإلهي تسوَّرت أسوارًا" (مز 18: 29). "إن نزل عليَّ جيش لا يخاف قلبي، إن قامت عليَّ حرب، ففي ذلك أنا مطمئن" (مز 27: 3). يتَّسمون بالسرعة في الحركة حتى وهم على الجبال يسرعون، لا في الهروب أمام العدو حتى لا يلحق بهم، إنما يسرعون في النصرة على إبليس عدّوهم. عَازَرُ الرَّأْسُ وَعُوبَدْيَا الثَّانِي وَأَلِيآبُ الثَّالِثُ [9] وَمِشْمِنَّةُ الرَّابِعُ وَيَرْمِيَا الْخَامِسُ [10] وَعَتَّايُ السَّادِسُ وَإِيلِيئِيلُ السَّابِعُ [11] وَيُوحَانَانُ الثَّامِنُ وَأَلْزَابَادُ التَّاسِعُ [12] وَيَرْمِيَا الْعَاشِرُ وَمَخْبَنَّايُ الْحَادِي عَشَرَ. [13] هَؤُلاَءِ مِنْ بَنِي جَادَ رُؤُوسُ الْجَيْشِ. صَغِيرُهُمْ لِمِئَةٍ وَالْكَبِيرُ لأَلْفٍ. [14] ما يؤكده الكتاب المقدس أن الإنسان خُلِقَ كقائد يقود بروح الله القدوس كل حواسه وعواطفه ومواهبه، بغير خنوع ولا اضطراب. ما يشغل قلب المؤمن ليس مقدار إمكانياته ليكون رأسًا لمائةٍ أو ألفٍ، وإنما أن يكون أمينًا فيما بين يديه. هَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ عَبَرُوا الأُرْدُنَّ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ، وَهُوَ مُمْتَلِئٌ إِلَى جَمِيعِ شُطُوطِهِ، وَهَزَمُوا كُلَّ أَهْلِ الأَوْدِيَةِ شَرْقًا وَغَرْبًا. [15] في الشهر الأول، أي في شهر نيسان، حيث يمتلئ نهر الأردن إلى جميع شواطئه (يش 3: 15). بالنسبة لأبطال بنيامين إخوة شاول، لم تعقهم عداوة شاول أخيهم عن الاعتراف بتمليك داود، ومساندته. وأما بالنسبة لجاد فكان العائق هو موقع إقامتهم شرقي الأردن كمن في حاجز عن الالتقاء بداود، ومع كون النهر قد امتلأت شواطئه بالمياه، عبروا النهر بيقين، لأن محبتهم العظيمة جذبتهم إليه. هنا مجموعة من الرجال أتوا إلى داود عائمين في الأردن في وقت الفيضان، وكانوا على وشك أن تثبط همتهم حينما جاء داود لمقابلتهم، ولم يكن يعلم إذا كانوا أصدقاء أم أعداء فقال لهم ما معناه "إذ كنتم قد أتيتم لضرري فسأُبيدكم" ولكنهم أجابوه "حاشا يا داود، نحن أتينا لنكون بجانبك". فقد أرادوا أن يحيوا لداود ويكونوا بجانبه ليساعدوه. كثيرون منا يريدون أن يكونوا في خدمة الرب، ولكنهم يظنون أنها مُجَرَّد مهمة لشغل الوقت، ولكن المهم هو هل نحن نريد أن نحيا للمسيح كما أراد هؤلاء الرجال أن يحيوا لداود؟ ويمكننا أن نرفع هذا التأمل أكثر. المسيح عبَّرنا نهر الأردن عندما متنا وقمنا معه في المعمودية المقدسة، كما باركنا بكل بركة روحية، فيجب علينا أن نخدمه ليس خدمة الشفتين أو تضييع الوقت، بل الخضوع الكامل لإرادته. لقد عبرنا الأردن ليس لخدمة داود بل لخدمة من هو أعظم من داود. بقوله: "وهزموا كل أهل الأودية شرقًا وغربًا" يكشف عن الآتي: 1. لقد انطلقوا من شرق الأردن ثم عبروا النهر بقوة وبسرعة، ثم عبروا في غرب الأردن حتى بلغوا إلى داود. رحلتهم هذه تُمَثِّل رحلة كل مؤمنٍ جاء يود أن يستقر في حضن ربِّ داود. يليق بالمؤمن أن يعيش كما على الجبال العالية، لا يطلب السفليات والأرضيات بل السماويات، ولا يستقر قلبه في الأودية، أي في الأمور السفلية الزائلة. إنه يحارب بالأمور الشرقية والغربية، أي الملذات الجسدية والضيقات. لا ينشغل قلبه بالملذَّات، ولا تُحَطِّمه المتاعب والضيقات. إنه يسلك في الطريق عابرًا على المباهج والمتاعب، مُنطلِقًا إلى العلويات. يقول المرتل: "الجبال العالية للوعول؛ الصخور ملجأ للوبار (نوع من الأرانب)" (مز 104: 18). v لاحظنا فعلاً وحقًا أن الوعول تُشِير إلى القديسين الذين جاءوا إلى هذا العالم لكي يبيدوا سُمَّ الحيَّة. لكن لنرى ما هي الجبال العالية التي تبدو محفوظة للوعول وحدها، والتي لا يُمكِن أن يتسلَّقها من لا يكون وعلاً. في اعتقادي الشخصي إنها معرفة الثالوث، هي التي تُدعَى بالجبال العالية، فما من أحدٍ يبلغ هذه المعرفة ما لم يكن وعلاً. v يسوع نفسه عندما تجلَّى لم يحدث هذا في السهل، إنما صعد على جبل، وهناك تجلَّى. لتفهموا من هذا أنه دائمًا يظهر على الجبال أو التلال، ليعلمكم أنتم أيضًا، فلا تبحثوا عنه في أي موضع، وإنما على جبال الشريعة والأنبياء. العلامة أوريجينوس 16 وَجَاءَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي بَنْيَامِينَ وَيَهُوذَا إِلَى الْحِصْنِ إِلَى دَاوُدَ. 17 فَخَرَجَ دَاوُدُ لاسْتِقْبَالِهِمْ وَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «إِنْ كُنْتُمْ قَدْ جِئْتُمْ بِسَلاَمٍ إِلَيَّ لِتُسَاعِدُونِي، يَكُونُ لِي مَعَكُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ. وَإِنْ كَانَ لِكَيْ تَدْفَعُونِي لِعَدُوِّي وَلاَ ظُلْمَ فِي يَدَيَّ، فَلْيَنْظُرْ إِلهُ آبَائِنَا وَيُنْصِفْ». 18 فَحَلَّ الرُّوحُ عَلَى عَمَاسَايَ رَأْسِ الثَّوَالِثِ فَقَالَ: «لَكَ نَحْنُ يَا دَاوُدُ، وَمَعَكَ نَحْنُ يَا ابْنَ يَسَّى. سَلاَمٌ سَلاَمٌ لَكَ، وَسَلاَمٌ لِمُسَاعِدِيكَ. لأَنَّ إِلهَكَ مُعِينُكَ». فَقَبِلَهُمْ دَاوُدُ وَجَعَلَهُمْ رُؤُوسَ الْجُيُوشِ. وَجَاءَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي بِنْيَامِينَ وَيَهُوذَا إِلَى الْحِصْنِ إِلَى دَاوُدَ. [16] للمرة الثانية يظهر بعض من بني بنيامين، لكن ليس وحدهم كما في المرة الأولى، بل في صحبة البعض من بني يهوذا، ليذهبوا إلى داود في الحصن، تحت قيادة روح الله القدوس [18]. فَخَرَجَ دَاوُدُ لاِسْتِقْبَالِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: "إِنْ كُنْتُمْ قَدْ جِئْتُمْ بِسَلاَمٍ إِلَيَّ لِتُسَاعِدُونِي، يَكُونُ لِي مَعَكُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ. وَإِنْ كَانَ لِتَدْفَعُونِي لِعَدُوِّي وَلاَ ظُلْمَ فِي يَدَيَّ، فَلْيَنْظُرْ إِلَهُ آبَائِنَا وَيُنْصِفْ". [17] كان لدى داود أسباب كثيرة تدعوه للتشكُّك في نيَّتهِم، فقد شكَّ في نِيَّتهم لئلا يكونوا قد تظاهروا بالصداقة، فيثق فيهم، ثم يُسَلِّمونه لشاول، لكن عماساي أكَّد له صدق نيَّتهم. بقوله إن كنتم قد جئتم بسلام يكشف أن البعض اجتمعوا به بنيَّة غير صادقة، ربما لمعرفة خطته، ويُخبِرون شاول بها. هذا وقد اجتمع إليه الذين كانوا متضايقين وكل من كان عليه دين وكل رجل مُرّ النفس (1 صم 22: 2). تشكَّك داود لم يأتِ من فراغ، لأن بعضهم سبق أن خانوه (1 صم 21-22). كثيرًا ما عانى المرتل من كذب الناس، حتى قال: "أنا قلت في حيرتي كل إنسانٍ كاذبٍ" (مز 116: 11). يرى القديس جيروم أن كل إنسان كاذب بمعنى أنه إذ يسلك كإنسانِ يكذب، إنما أن يتقدس وينطبق عليه القول: "أنا قلت إنكم آلهة، وبنو العلي كلكم" (مز 82: 6) لا يعود يكون كاذبًا. [إنسان القداسة يصير إلهًا، وإذ هو إله، يكف عن أن يكون إنسانًا فلا ينطق بالكذب.] فَحَلَّ الرُّوحُ عَلَى عَمَاسَايَ رَأْسِ الثَّوَالِثِ فَقَالَ: "لَكَ نَحْنُ يَا دَاوُدُ، وَمَعَكَ نَحْنُ يَا ابْنَ يَسَّى. سَلاَمٌ سَلاَمٌ لَكَ، وَسَلاَمٌ لِمُسَاعِدِيكَ. لأَنَّ إِلَهَكَ مُعِينُكَ." فَقَبِلَهُمْ دَاوُدُ، وَجَعَلَهُمْ رُؤُوسَ الْجُيُوشِ. [18] ما نطق به عماساي بوحي الروح "سلام، سلام لك وسلام لمساعديك"، يُعتبَر أعظم عطية وُهِبَتْ لداود، فهي تفوق كلمة peace بالإنجليزية، إذ شالوم Shalom بالعبرية لا تعني عدم وجود حرب، بل كمال السعادة ووفرة الخيرات[8]. يتمتع داود بذلك لأن الله في صفِّه. عماساي: ربما هو عماسا بن أبيجائيل أخت داود (1 أخ 2: 17). وكان كلامه فصيح العبارات، يُقَدِّم نبوة. سرُّ القوة هو حلول روح الرب على العاملين لحساب مملكة الله. بعمل الروح القدس الذي حلَّ على عماساي رأس الثوالث أعلنوا محبتهم وإعجابهم وإخلاصه لداود. قبلهم داود وجعلهم رؤوس الجيوش. ينسب الكتاب إلى الروح قوة جسدية كما حدث مع يفتاح (قض 11: 29) وشمشون (قض 14: 19)، والحكمة كبصلئيل (خر 31: 3)، والفصاحة كعماساي، ومعرفة أمور إلهية كالأنبياء، ومواهب روحية. يهب روح الرب عطايا خاصة لأناس الله، فوهب بصلئيل مهارة فنية (خر 31: 1-5)، ويفتاح مهارة حربية (قض 11: 29)، وداود قدرة على الحُكْمِ (1 صم 16: 13)، وزكريا بن يهوياداع كلمة نبوية (2 أي 24: 20). v نقرأ عن بني إسرائيل أنهم خرجوا ليحاربوا بقلبٍ مملوءٍ سلامًا؛ في وسط السيوف ذاتها والدم المسفوك والأجسام المقتولة، لأنهم كانوا يفكرون في نصرة السلام، لا في نصرتهم هم أنفسهم. القديس أغسطينوس 19 وَسَقَطَ إِلَى دَاوُدَ بَعْضٌ مِنْ مَنَسَّى حِينَ جَاءَ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ ضِدَّ شَاوُلَ لِلْقِتَالِ وَلَمْ يُسَاعِدُوهُمْ، لأَنَّ أَقْطَابَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ أَرْسَلُوهُ بِمَشُورَةٍ قَائِلِينَ: «إِنَّمَا بِرُؤُوسِنَا يَسْقُطُ إِلَى سَيِّدِهِ شَاوُلَ». 20 حِينَ انْطَلَقَ إِلَى صِقْلَغَ سَقَطَ إِلَيْهِ مِنْ مَنَسَّى عَدْنَاحُ وَيُوزَابَادُ وَيَدِيعَئِيلُ وَمِيخَائِيلُ وَيُوزَابَادُ وَأَلِيهُو وَصِلْتَايُ رُؤُوسُ أُلُوفِ مَنَسَّى. 21 وَهُمْ سَاعَدُوا دَاوُدَ عَلَى الْغُزَاةِ لأَنَّهُمْ جَمِيعًا جَبَابِرَةُ بَأْسٍ، وَكَانُوا رُؤَسَاءَ فِي الْجَيْشِ. 22 لأَنَّهُ وَقْتَئِذٍ أَتَى أُنَاسٌ إِلَى دَاوُدَ يَوْمًا فَيَوْمًا لِمُسَاعَدَتِهِ حَتَّى صَارُوا جَيْشًا عَظِيمًا كَجَيْشِ اللهِ. وَسَقَطَ إِلَى دَاوُدَ بَعْضٌ مِنْ مَنَسَّى، حِينَ جَاءَ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ ضِدَّ شَاوُلَ لِلْقِتَالِ وَلَمْ يُسَاعِدُوهُمْ، لأَنَّ أَقْطَابَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ أَرْسَلُوهُ بِمَشُورَةٍ قَائِلِينَ: "إِنَّمَا بِرُؤُوسِنَا يَسْقُطُ إِلَى سَيِّدِهِ شَاوُلَ". [19] ما ورد هنا في الآيات 19-22 نجده في (1 صم 29-30). لقد منع الله داود من محاربة إسرائيل حينما كان مع الفلسطينيين. لم يُظهِرْ رجال منسَّى إيمان بنيامين، ولا قوة جاد، ولا قوة الروح كما في يهوذا وبنيامين، إنما أعلنوا اعترافهم به حين رفضه الفلسطينيون. إذ يرفض العالم مسيحنا أن يملك على قلوبهم، نعلن اعترافنا به ليملك في داخلنا. حِينَ انْطَلَقَ إِلَى صِقْلَغَ، سَقَطَ إِلَيْهِ مِنْ مَنَسَّى عَدْنَاحُ وَيُوزَابَادُ وَيَدِيعَئِيلُ وَمِيخَائِيلُ وَيُوزَابَادُ وَأَلِيهُو وَصِلْتَايُ رُؤُوسُ أُلُوفِ مَنَسَّى. [20] وَهُمْ سَاعَدُوا دَاوُدَ عَلَى الْغُزَاةِ لأَنَّهُمْ جَمِيعاً جَبَابِرَةُ بَأْسٍ، وَكَانُوا رُؤَسَاءَ فِي الْجَيْشِ. [21] الغزاة من العمالقة. وكان داود ورجاله يدافعون عن إسرائيل ضد العمالقة، لأن شاول لم ينتبه إليهم إما لضعفه أو إهماله. لأَنَّهُ وَقْتَئِذٍ أَتَى أُنَاسٌ إِلَى دَاوُدَ يَوْماً فَيَوْماً لِمُسَاعَدَتِهِ حَتَّى صَارُوا جَيْشاً عَظِيماً كَجَيْشِ اللَّهِ. [22] يا لها من صورة رائعة لتمليك داود، فهو الشخص الذي جمع إسرائيل معًا بقلب واحدٍ. 23 وَهذَا عَدَدُ رُؤُوسِ الْمُتَجَرِّدِينَ لِلْقِتَالِ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى دَاوُدَ إِلَى حَبْرُونَ لِيُحَوِّلُوا مَمْلَكَةَ شَاوُلَ إِلَيْهِ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. 24 بَنُو يَهُوذَا حَامِلُو الأَتْرَاسِ وَالرِّمَاحِ سِتَّةُ آلاَفٍ وَثَمَانِ مِئَةِ مُتَجَرِّدٍ لِلْقِتَالِ. وَهَذَا عَدَدُ رُؤُوسِ الْمُتَجَرِّدِينَ لِلْقِتَالِ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى دَاوُدَ إِلَى حَبْرُونَ لِيُحَوِّلُوا مَمْلَكَةَ شَاوُلَ إِلَيْهِ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. [23] تدفقت الأسباط نحو داود، ليتَّخِذ كل سبط مكانه في مساندة داود، خاصة في الجيش. هذه صورة رمزية للمؤمنين العاملين في كنيسة المسيح، جسده الواحد، لكن ليس لجميع الأعضاء عمل واحد. لكل منهم موهبته الخاصة له، يستخدمها بحسب نعمة الله المتنوعة. "فانه كما في جسد واحد لنا أعضاء كثيرة، ولكن ليس جميع الأعضاء لها عمل واحد. هكذا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح وأعضاء بعضًا لبعض، كل واحد للآخر" (رو 12: 4-5). لعل المثل الرائع هنا هو رجال بنيامين؛ فقد تركوا المظاهر الشرفية، إذ كانوا يقومون بحراسة بيت شاول، وحسبوا ذلك بلا نفع، وكرَّسوا طاقتهم للخدمة والبنيان مع داود. صار بنو بنيامين مثالاً حيًّا لبقية الأسباط. وكما يقول الرسول بولس: "لاحظوا الذين يسيرون هكذا كما نحن عندكم قدوة" (في 3: 17)، كما قال: "تمثَّلوا بإيمانهم" (عب 13: 7). مجموع كل الذين جاءوا إلى حبرون 339000 ما عدا يساكر والذين جاءوا مع صادوق. يُلاحَظ في الذين اجتمعوا معه الآتي: 1. كثرة القادمين من شرق الأردن إذ يبلغون 120000، أي أكثر من الثلث. 2. كثيرون جاءوا من الشمال (زبولون وأشير ونفتالي). 3. قليلون جاءوا من بنيامين، لأنهم كانوا مع بيت شاول [29]. 4. قليلون جاءوا من يهوذا وشمعون، لأن كثيرين منهم كانوا مع داود من البداية، وربما هم الإخوة الذين أعدُّوا الطعام [39]. لعل أحد العوامل التي دفعت الأسباط إلى الالتجاء إلى داود هو سقوط شاول بين يدَي داود ورفض داود أن يمدَّ يده على مسيح الرب، بالرغم من محاولات شاول الكثيرة لقتله. لقد بدأ سبط يهوذا بتمليك داود في حبرون، فملك لمدة سبع سنين وستة أشهر، وكانت حرب مستمرة بين بيت شاول وبيت داود (2 صم 2-4)، لم يُذكَرْ هذا في سفري أخبار الأيام. بَنُو يَهُوذَا حَامِلُو الأَتْرَاسِ وَالرِّمَاحِ سِتَّةُ آلاَفٍ وَثَمَانِ مِئَةِ مُتَجَرِّدٍ لِلْقِتَالِ. [24] ربما يتساءل البعض: لماذا قدَّمت الأسباط القريبة له والمجاورة أعدادًا قليلة نسبيًا، فقدَّم سبط يهوذا 6800 جنديًا وشمعون 7100 محاربًا، بينما قدَّم زبولون 50000 من المُحارِبين، وأسباط شرق الأردن 120000 من المقاتلين؟ هذا لا يعني أن الأسباط القريبة والمجاورة أقل غيرة أو إخلاصًا عن الأسباط البعيدة من جهة الموقع؛ وإنما لأنها شعرت أنها في متناول يد داود، يمكنه أن يطلب ما يريد، فيجدهم بين يديه يسندونه. ومن جانب آخر فإن هذه الأسباط كانت ملتزمة باستضافة القادمين من أماكن بعيدة. وربما لم تُرِد هذه الأسباط أن تُمَثِّل ثقلاً على داود. مِنْ بَنِي شَمْعُونَ جَبَابِرَةُ بَأْسٍ فِي الْحَرْبِ سَبْعَةُ آلاَفٍ وَمِئَةٌ. [25] 26 مِنْ بَنِي لاَوِي أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَسِتُّ مِئَةٍ. 27 وَيَهُويَادَاعُ رَئِيسُ الْهرُونِيِّينَ وَمَعَهُ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ وَسَبْعُ مِئَةٍ. 28 وَصَادُوقُ غُلاَمٌ جَبَّارُ بَأْسٍ وَبَيْتُ أَبِيهِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ قَائِدًا. مِنْ بَنِي لاَوِي أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَسِتُّ مِئَةٍ. [26] كان اللاويون يُعفَون من الخدمة العسكرية (عد 1: 47-50)، إلا أنهم هنا مع تقديم الصلوات، تطوَّعوا اختياريًا للتجنيد العام في تلك الظروف الحرجة، للمساعدة بكل قلوبهم على الدخول في المعارك من أجل إقامة داود ملكًا. وَيَهُويَادَاعُ رَئِيسُ الْهَارُونِيِّينَ وَمَعَهُ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ وَسَبْعُ مِئَةٍ. [27] دُعِي الكهنة هارونيين، لأنهم من نسل هارون. وَصَادُوقُ غُلاَمٌ جَبَّارُ بَأْسٍ وَبَيْتُ أَبِيهِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ قَائِدًا. [28] صادوق: كان خادمًا أمينًا لداود كل حياته، وكان رئيس الكهنة في بدء مُلْكِ سليمان. وَمِنْ بَنِي بِنْيَامِينَ إِخْوَةُ شَاوُلَ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ (وَإِلَى هُنَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ يَحْرُسُونَ حِرَاسَةَ بَيْتِ شَاوُلَ). [29] العدد أقل من بقية الأسباط، ربما لأن البعض كان متخوِّفًا لئلا ينتقم داود لنفسه بسبب مقاومة شاول المستمرة له، ومحاولة قتله. 9. انجذاب جبابرة من بني أفرايم إليه وَمِنْ بَنِي أَفْرَايِمَ عِشْرُونَ أَلْفًا وَثَمَانُ مِئَةٍ، جَبَابِرَةُ بَأْسٍ وَذَوُو اسْمٍ فِي بُيُوتِ آبَائِهِمْ. [30] اتَّسم هؤلاء بأنهم جبابرة بأس مثل الكثير ممن جاءوا من الأسباط الأخرى [25، 28، 30]، أما هؤلاء فكانوا أصحاب مراكز، فلم يلتصقوا طمعًا في نوال مراكز في الدولة. وَمِنْ نِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى ثَمَانِيَةُ عَشَرَ أَلْفًا، قَدْ تَعَيَّنُوا بِأَسْمَائِهِمْ لِيَأْتُوا وَيُمَلِّكُوا دَاوُدَ. [31] "قد تعيَّنوا بأسمائهم لكي يأتوا ويملِّكوا داود". ما أروع ما فعله سبط منسَّى، لم يكن بينهم مخاصمة أو منافسة، من الذين يذهبون ليمَّلكوا داود، إنما تعيَّنوا بأسمائهم، إذ كشفت مواهبهم وأعمالهم وغيرتهم عن صلاحيتهم لهذه الرسالة. وَمِنْ بَنِي يَسَّاكَرَ الْخَبِيرِينَ بِالأَوْقَاتِ لِمَعْرِفَةِ مَا يَعْمَلُ إِسْرَائِيلُ، رُؤُوسُهُمْ مِئَتَانِ وَكُلُّ إِخْوَتِهِمْ تَحْتَ أَمْرِهِمْ. [32] قدَّم هذا السبط أقل عددٍ يُقَدِّمه أي سبط، وهو 200 قائدًا. لكن اتَّسم هؤلاء القادة من سبط يسَّاكر أنهم ذوو خبرة في إصدار قرارات حكيمة للأمة المناسبة لذلك العصر، خبراء بالأوقات [32]. فما يناسب زمنٍ مُعَيَّنٍ قد لا يناسب زمن آخر. لقد تخصَّص هذا السبط في تدبير الوقت المناسب للاتحاد معًا، والقيام بعمل مشترك، خاصة الإعلان عن تمليك داود. ربما كانوا العقل المُفَكِّر كيف يتصرفون مع شاول وبنيه، ومتى يُتَمِّمون مقاصد الله الحقيقية بخصوص الاتحاد معًا حول داود! بنفس الروح يقول الرسول بولس: "هذا وإنكم عارفون الوقت، إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم. فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنًا. قد تناهى الليل وتَقارَب النهار" (رو 13: 11-12). فقد عُرِفوا بالتعقُّل والنصح والتمييز الحكيم إن الأسباط الأخرى خضعت لهم "وكل إخوتهم تحت أمرهم" [32]. يا لها من صورة رائعة، يلزمنا أن نخضع بروح الحبِّ والتواضع لمن منهم الله هذه الموهبة. يظهر عمل الله بوضوح أن قيام يسَّاكر بهذا الدور لم يُسَبِّب غيرة الأسباط الأخرى منهم، إنما قيل بالبدء، ورجال زبولون خارجون للحرب. وأيضًا رجال أشير يحملون نفس الروح. مِنْ زَبُولُونَ الْخَارِجُونَ لِلْقِتَالِ الْمُصْطَفُّونَ لِلْحَرْبِ، بِجَمِيعِ أَدَوَاتِ الْحَرْبِ خَمْسُونَ أَلْفًا، وَلِلاِصْطِفَافِ مِنْ دُونِ خِلاَفٍ. [33] اتَّسم سبط زبولون بالاستعداد للخروج للقتال، يؤازرون بعضهم، ويحفظون ترتيب صفوفهم، لا يعرفون الخلاف، بل لهم القلب الواحد. "من دون خلاف": جاء التعبير العبراني يعني أنهم كانوا يمشون كرجلٍ واحدٍ، بقلبٍ واحدٍ، وهو تعبير عسكري يُشير إلى العمل العسكري المُنَظَّم بروحٍ واحدٍ. وَمِنْ نَفْتَالِي أَلْفُ رَئِيسٍ وَمَعَهُمْ سَبْعَةٌ وَثَلاَثُونَ أَلْفًا بِالأَتْرَاسِ وَالرِّمَاحِ. [34] نفتالي قريب الشَبَه بيهوذا، فهم يحملون الرماح والأتراس، متشبِّهين بالرجال الذين بنوا السور بقيادة نحميا. وَمِنَ الدَّانِيِّينَ مُصْطَفُّونَ لِلْحَرْبِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَسِتُّ مِئَةٍ. [35] يتَّسم كل من دان وزبولون بالوقوف مُستعدِّين للحرب. رجال دان مصطفّون كأنهم يترقَّبون الإشارة (2 تي 1: 7). وَمِنْ أَشِيرَ الْخَارِجُونَ لِلْجَيْشِ لأَجْلِ الاِصْطِفَافِ لِلْحَرْبِ أَرْبَعُونَ أَلْفًا. [36] وَمِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ مِنَ الرَّأُوبَيْنِيِّينَ وَالْجَادِيِّينَ وَنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى، بِجَمِيعِ أَدَوَاتِ جَيْشِ الْحَرْبِ مِئَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. [37] الأسباط القاطنون شرق الأردن جاءوا بأعداد كبيرة، عبروا النهر، ومع سكناهم في مكانٍ بعيدٍ، اجتازوا النهر ومعهم أسلحة الحرب. جاءوا بقلب واحد، إذ كان يسود الأسباط كلها روح المحبة الأخوية. 38 كُلُّ هؤُلاَءِ رِجَالُ حَرْبٍ يَصْطَفُّونَ صُفُوفًا، أَتَوْا بِقَلْبٍ تَامٍّ إِلَى حَبْرُونَ لِيُمَلِّكُوا دَاوُدَ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. وَكَذلِكَ كُلُّ بَقِيَّةِ إِسْرَائِيلَ بِقَلْبٍ وَاحِدٍ لِتَمْلِيكِ دَاوُدَ. 39 وَكَانُوا هُنَاكَ مَعَ دَاوُدَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ لأَنَّ إِخْوَتَهُمْ أَعَدُّوا لَهُمْ. 40 وَكَذلِكَ الْقَرِيبُونَ مِنْهُمْ حَتَّى يَسَّاكَرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي، كَانُوا يَأْتُونَ بِخُبْزٍ عَلَى الْحَمِيرِ وَالْجِمَالِ وَالْبِغَالِ وَالْبَقَرِ، وَبِطَعَامٍ مِنْ دَقِيق وَتِينٍ وَزَبِيبٍ وَخَمْرٍ وَزَيْتٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ بِكَثْرَةٍ، لأَنَّهُ كَانَ فَرَحٌ فِي إِسْرَائِيلَ. كُلُّ هَؤُلاَءِ رِجَالُ حَرْبٍ يَصْطَفُّونَ صُفُوفًا، أَتُوا بِقَلْبٍ تَامٍّ إِلَى حَبْرُونَ، لِيُمَلِّكُوا دَاوُدَ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. وَكَذَلِكَ كُلُّ بَقِيَّةِ إِسْرَائِيلَ بِقَلْبٍ وَاحِدٍ لِتَمْلِيكِ دَاوُدَ. [38] بلغ عدد هذه الفِرَق أكثر من ثلاثمائة ألف رجل، غايتهم تأييد داود وإقامته ملكًا. إذ كان قلب داود مستقيمًا، وهبه الله قادة أصحاب مواهب وخبرات مختلفة من كل الأسباط، يعملون بروحٍ واحدٍ، وغايةٍ واحدةٍ، وفكرٍ واحدٍ. ![]() قدَّم كل سبط حسب مواهبه وإمكانياته من يقومون بمساعدة داود في إقامته ملكًا. يُعَلِّق القديس جيروم على المُحارِبين بقلب تام أو مملوء سلامًا peaceful heart في تفسير المزمور 120 "يا رب نجِّ نفسي من شفاه الكذب، من لسان غشٍ" (مز 120: 2). v "يا رب نجِّ نفسي من شفاه الكذب، من لسان غشٍ"، لا من لسان شخصٍ آخر، بل من لساني. لسان الآخر لا يؤذيني، لساني هو عدوِّي. نجِّني، خلِّصني من لساني. لساني هو سيف، يقتل نفسي. أظن إنني أضر عدوِّي، ولا أُدرِك أنني أقتل نفسي. مقاومي قد يقاومونني حين أتحدث معهم، لكنني سأتكلم بالسلام. روحهم قد تعاديني، لكن فلتكن روحنا لصانعي السلام. مكتوب في الأخبار Paralipomenon: "أتى (بنو إسرائيل) بقلبٍ تام (مملوء سلامًا) ليحاربوا (راجع 1 أي 12: 38). القديس جيروم وَكَانُوا هُنَاكَ مَعَ دَاوُدَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، لأَنَّ إِخْوَتَهُمْ أَعَدُّوا لَهُمْ. [39] يأكلون ويشربون: بمعنى أن الأسباط كانوا حتى في أكلهم وشربهم يشتركون معًا كأسرةٍ واحدةٍ. وَكَذَلِكَ الْقَرِيبُونَ مِنْهُمْ حَتَّى يَسَّاكَرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي، كَانُوا يَأْتُونَ بِخُبْزٍ عَلَى الْحَمِيرِ وَالْجِمَالِ وَالْبِغَالِ وَالْبَقَرِ، وَبِطَعَامٍ مِنْ دَقِيقٍ وَتِينٍ وَزَبِيبٍ وَخَمْرٍ وَزَيْتٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ بِكَثْرَةٍ، لأَنَّهُ كَانَ فَرَحٌ فِي إِسْرَائِيلَ. [40] إن كانت كل الأسباط قدَّمت قادة في الحروب وفي السياسة وتدبير شئون المملكة، فإن عشائر الأسباط القريبة قدَّمت بفيضٍ مؤونة، بروح الفرح الذي عمَّ إسرائيل بسبب قائدهم رجل الله داود النبي والملك والمرتل الحلو والقاضي. كان سرُّ فرحهم ليس الإمكانيات السياسية والخبرات والإمدادات المادية، إنما الشعور بالحضرة الإلهية واهبة الفرح. "كان فرح في إسرائيل" (1 أخ 11: 40). يرى البعض أن هذا التعبير ليس بالفرح العادي بسبب تجليس الملك. إنه نفس الفرح الذي يتمتَّعون به في الاحتفال بالسنة اليهودية الجديدة، ففيه يرقص اليهود الأرثوذكس حتى الآن وهم متهللون بالتوراة. سرُّ فرحهم هو اجتماعهم معًا بروح التآلف والوحدة دون نزاعات أو منافسة. هذا مع الشعور بأن داود ممسوح من الرب نفسه، ليكون ملكًا على كل إسرائيل. هذا وقد عانت الأسباط من الحزن زمانًا بسبب تمرُّد شاول على الرب ومقاومته لداود، فانكسروا أمام الفلسطينيين ومات شاول وأبناؤه. لقد فرح داود إذ رأى كل الأسباط قد اتحدت معًا وتآلفت، عوض الانشقاقات والحروب الأهلية. لم ينسَ كثير من الأسباط أن تأتي بالطعام على الحمير والجمال والبغال ومع الطعام خمر يشير إلى وجود جوٍ مفرحٍ. فالكل يحملون روح الجهاد بجديةٍ والشبع والفرح مع المحبة الأخوية والوحدة "لأنه كان فرح في إسرائيل" [18]. سرُّ القوة في هذه الأسباط، هو الآتي: 1. اجتماع هذا العدد الكبير لحساب مجد الله. 2. كانوا مع كثرة عددهم، وكثرة الفرق المتنوعة لهم هدف واحد. 3. قدموا إمكانيات بفيضٍ. 4. كان الفرح قد عمَّ الشعب كله! الآن إذ اتَّحد إسرائيل حول الملك الذي عيَّنه الرب نفسه، صاروا في فرحٍ عظيمٍ. لقد اجتمعوا معًا حول الراعي الصالح. v "أهتفوا أيها الصديقون بالرب، بالمستقيمين يليق التسبيح" (مز 33: 1). كثيرًا ما نسمع عن صرخات الهتاف في الكتاب المقدس، التي تعبر عن حالة النفس السعيدة جدًا، والمملوءة فرحًا. ليس لأن كل شيءٍ يسير على ما يرام، وليس لأجل صحة جسدية، ولا لأن الحقول أتت بالثمار من كل نوعٍ، بل لأنكم امتلكتم الرب. فهو الجميل والطيب والحكيم. ألا يكفيكم هذا الفرح الذي ملأكم به... يحث هذا النص الصديقين أن يدركوا مقدار كرامتهم، لكونهم استحقوا أن يكونوا من قطيع هذا المُعَلِّم، وأن يشعروا بالفخر وهم يخدمونه. لقد امتلأوا بفرح لا يُنطَق به، وهم يقفون وكأن قلوبهم تندفع في حماس المحبوب نحو الله المحب. إن أحسست في قلبك بمثل هذا النور الذي يولِّد فيك معرفة شاملة نحو الله، إن أنار الله قلبك لتُحِبَّه، يقِل اهتمامك بالعالم وأموره المادية. بهذا الإحساس الغامض القصير تستطيع أن تدرك ملء امتلاء الصديقين الذين استمدوا سعادتهم من الله باستمرار وبلا توقُّف. نادرًا ما تشعر بهذا الإحساس الذي يعطي لك بتدبير من الله. بهذا الإحساس تعود وتتذكر ما تفتقده. أما الإنسان البار فيشعر بهذه السعادة الإلهية المستمرة، لأن فيه يسكن الروح، وأولى ثمار الروح "محبة وفرح وسلام" (غل 5: 22). "اهتفوا أيها الصديقون بالرب" (مز 33: 1). يحل إله الصديقين في النفوس التي تستطيع أن تسعه، والذي يحل فيه يتسم بالشجاعة. ويتهلل ويصير البار مسكنًا للرب عندما يَقْبَله في قلبه. أما الذي يخطئ فيترك المكان لإبليس، ويغلق أذنه عن سماع تلك الكلمات: "لا تعطوا إبليس مكانًا" (أف 4: 27) ولا تلك التي جاءت في سفر الجامعة: "إن صعدت عليك روح المتسلط.. فلا تترك مكانك" (جا 10: 4) ليتنا ننظر- قدر ما نستطيع- في الرب، ولنُخَزِّن الفرح في قلوبنا، ونحن نتأمل في هذه الكلمات: "بالمستقيمين يليق التسبيح" (مز 33: 1). القديس باسيليوس الكبير لِيَقُلِ الضَّعِيفُ: «بَطَلٌ أَنَا!» v بسبب شاول لم يجد داود له موضعًا وسط شعبه. هرب إلى الفلسطينيين، فأعطاه أحد ملوكهم مدينة له. اختبأ في مدينة صقلغ، غير أن تحركاته لم تكن سرَّية تمامًا. في وسط هذه الضيق، ومع هروبه، فاحت رائحة التقوى فيه، وبلغت إلى كل الأسباط. اشتهى حتى بعض المقاومين له أن يلتصقوا به. انسحب كثيرون حتى من إخوة شاول الأبطال وحرسه وذهبوا إليه. صار حوله رؤوس جيوش ذوو قدرات عجيبة. v أما مسيحنا ابن داود، فنزل بإرادته وإرادة أبيه. نزل إلينا لا ليطلب مدينة يلجأ إليها، بل يطلب قلوبنا عرشًا له. التف حوله رجال ونساء وأطفال وشباب. أقامهم ملوكًا وجبابرة بأس. ينشدون على الدوام النشيد العسكري الروحي: "ليقل الضعيف بطلٌ أنا" (يؤ 3: 10). v أرض المعركة هي قلوبنا، وطريقها هو مسيحنا. سلاحنا هو صليب مُخَلِّصنا، وسرُّ نصرتنا هو فيض نعمته. عيوننا تتطلع إلى السماوات. أما عدوّنا إبليس فتحت الأقدام، لا سلطان له علينا. جراحاتنا في المعركة تصدر بهاءً ومجدًا. حصننا هو طبيب النفوس والأجساد، قائد المعركة! لا نهاب الموت، لأن بموته حطَّم متاريس الهاوية. ولا نخشى القبر، لأننا نلتقي بواهب القيامة والخلود وعدم الفساد. v جيش الخلاص يضم مؤمني العهدين القديم والجديد. يضم محاربين من كل الشعوب والأمم والألسنة. علمه الحب الإلهي والحب الأخوي. نصرته هي عبور إلى السماء! v سلاحنا التوبة بروح الرجاء، والتواضع بروح اليقين في الله، والتمتُّع بنعمة الله دون التراخي والكسل من جانبنا! v في وسط المعركة تمتلئ نفوسنا فرحًا وتهليلاً. يلتصق بنا القادمون من عدم الإيمان إلى الإيمان. والفاسدون الذين يخلعون ثوب الفساد ويرتدون برَّ المسيح. v معركتنا لا تعرف الرخاوة ولا التهاون. في وسط الجدِّية يسكب قائدنا عذوبته في قلوبنا. يفتح عن بصيرتنا، فننعم بعربون السماء. معركتنا مع إبليس لن تتوقف مادمنا في الجسد. معركتنا معه قائمة بينه وبين كل مؤمنٍ! لكننا بالحق لسنا طرفًا فيها، فهي معركة مسيحنا ضد إبليس. v مسيحنا القائد العجيب حوَّل معركة الصليب إلى عُرْسٍ. قدَّم دمه المبذول مَهْرًا لكنيسته. بسط يديه ليضم عروسه في أحضانه. في وسط معركتنا يتجلَّى القائد الإلهي، نراه عريس السماء، مُفَرِّح القلوب، واهب الخلود، المُشرِق ببهائه علينا أبديًّا! v انطلق بعضٌ من بني جاد إلى داود. عبروا أودية الشرق والغرب، والتفُّوا معه في الحصن على الجبل. هَبْ لي أن أَعْبُر فوق كل ملذَّات العالم وضيقاته. وأنطلق إليك يا ابن داود لألتقي بك على الجبل. على جبل تابور تفتح عن عينيّ، فأتمتَّع بأسرار مجدِك. لا تجتذبني شهوات العالم، ولا أرتبك بمضايقاته. تعكس بهاءك على أعماقي، وتُقِيم ملكوتك في داخلي، فأدرك أسرار لاهوتك، وأختبر عربون سماواتك. لألتقي بك على الجبل، وأنت تتحدث مع الجموع. أسمع صوتك الحلو، وأختبر قوة كلمتك. أتمسَّك بوصيتك، فأنجو من كل مكائد العدو. ألتقي بك على جبل الجلجثة، جبل العُرْسِ. أصرخ كما مع ديماس اللص: اذكرني يا عريس نفسي متى جئت في ملكوتك! داود وتابوت العهد (أصحاحات 13-16) في (2 صم 5: 11-25) نرى داود يبني قصره، ويدخل في معركة مع الفلسطينيين ويتمتَّع بالنصرة قبل أن يجعل من أورشليم مركزًا دينيًا للمملكة. هنا يهتم الكاتب بالكشف عن رغبة داود الملتهبة غيرة في إحضار تابوت العهد إلى مدينة أورشليم بكونه يُمَثِّل العرش الإلهي. يود أن يبرز أن نقل تابوت العهد إلى أورشليم يُعتبَر العمل الأول والرئيسي لدى داود، هذا التابوت الذي تجاهله شاول. اهتم داود بتجمُّع الأسباط ووحدة الشعب وحضورهم [2، 5، 6]. تُخبِرنا الأصحاحات 13-16عن هذه الغيرة المقدسة. ربما يتذكَّر القارئ أنه في فترة القضاة، استولى الفلسطينيون على تابوت العهد، ولكن إذ سبَّب لهم متاعب لا حصر لها، قاموا بوضعه على عجلة جديدة وأعادوه إلى إسرائيل (1 صم 6). ومن ذك الوقت، بقي تابوت العهد في منزل أبيناداب في قرية يعاريم، إلى أن رأى داود أن يقوم بمحاولة إحضار تابوت الله إلى عاصمة مملكته أورشليم، لكي ما تصبح المدينة الملكية هي أيضًا المدينة المقدسة. لم يطلب داود يومًا من الأيام كرامته الشخصية، ولا تسرَّع في اعتلاء العرش، بالرغم من نواله وعدًا إلهيًا بذلك منذ صباه، إنما ما كان يشغله هو أن يجتمع الشعب مع القادة حول تابوت العهد، بكونه مُمَثِّلاً عرش الله، حيث يوجد كرسي الرحمة. جمع داود كل جماعة إسرائيل ليأخذ قرارًا جماعيًا صادقًا خاصًا بهذا العمل. اشترك فيه قادة الجيش ورؤساء الأسباط والكهنة واللاويون، وأرسلوا إلى كل إسرائيل، لكن غاب عنهم أن يستشيروا الرب، لذا تحوَّل العمل المُفرِح إلى مرارةٍ، فقد مات عُزَّا الذي لمس التابوت لكي لا يسقط من العجلة، وحميَ غضب الرب، وخاف داود، ولم ينقل التابوت إلى أورشليم! 1. داود يستشير القادة وكل جماعة إسرائيل 1 وَشَاوَرَ دَاوُدُ قُوَّادَ الأُلُوفِ وَالْمِئَاتِ وَكُلَّ رَئِيسٍ. 2 وَقَالَ دَاوُدُ لِكُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ: «إِنْ حَسُنَ عِنْدَكُمْ وَكَانَ ذلِكَ مِنَ الرَّبِّ إِلهِنَا، فَلْنُرْسِلْ إِلَى كُلِّ جِهَةٍ، إِلَى إِخْوَتِنَا الْبَاقِينَ فِي كُلِّ أَرَاضِي إِسْرَائِيلَ وَمَعَهُمُ الْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ فِي مُدُنِ مَسَارِحِهِمْ لِيَجْتَمِعُوا إِلَيْنَا، 3 فَنُرْجعَ تَابُوتَ إِلهِنَا إِلَيْنَا لأَنَّنَا لَمْ نَسْأَلْ بِهِ فِي أَيَّامِ شَاوُلَ». 4 فَقَالَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ بِأَنْ يَفْعَلُوا ذلِكَ، لأَنَّ الأَمْرَ حَسُنَ فِي أَعْيُنِ جَمِيعِ الشَّعْبِ. لماذا بدأ الحديث هنا في إنجازات داود بنقل تابوت العهد من يعاريم إلى أورشليم، مع أنه جاء في (2 صم 5-6) أنه قام بإنجازات كثيرة قبل نقل التابوت؟ يريد الكاتب أن يؤكد أن كل أعمال داود وإنجازاته غايتها التمتُّع بالحضرة الإلهية. فقد احتل تابوت العهد قلب داود حتى من قبل أن يصير ملكًا. وجاء نقله إلى أورشليم ليس بالأمر الجديد في فكر داود وتصرفاته. فما ما يشغل الكاتب ليس العرض التاريخي الزمني، بل الإعلان عمَّا في فكر داود وقلبه وتصرفاته. وَشَاوَرَ دَاوُدُ قُوَّادَ الأُلُوفِ وَالْمِئَاتِ وَكُلَّ رَئِيسٍ [1] ما أن تثبَّت داود على عرشه، حتى فكَّر في نقل تابوت الله، وكان له هدفان: أ. تقديم الكرامة لله كقائدٍ حقيقيٍ لشعبه، بإظهار الاحترام لتابوته الذي يُمَثِّل حضوره. يا ليت الاهتمام الأول والأعظم لأولئك الذين تمتَّعوا بالسلطان والكرامة والغِنَى أن يكون تقديم الكرامة لله وخدمته وخدمة ملكوته بين البشر. ب. الحصول على الراحة الحقيقية والسعادة والفائدة من وجود التابوت في العاصمة. فإنه من الحكمة أن يأخذ حكام العالم تابوت الله معهم، بل وفي أعماقهم، ليتمتَّعوا بحكمته ومشورته ومن نواميسه، فالذين يبدأون بمخافة الرب يحظون بنعمته. اعتاد داود أن يستشير الرب في كل شيءٍ، ويطلب بركته وتدخُّله، لكن إذ حسب أن نقل التابوت لا يحتاج إلى مشورة، فهو عمل مبارك دون شكٍ يفرح قلب الله، لذا فشل، إذ اعتمد على القرار الجماعي وعلى فهمه، متجاهلاً الالتجاء إلى الله. نسيَ داود أن تابوت العهد، وهو يُمَثِّل عرش الله، لا يعتمد على الأذرع البشرية، ولا على غيرة إنسانٍ. تَعلَّم داود ذلك، لكن للأسف ليس قبل البدء في العمل، وإنما بعد أن تمت جنازة عُزَّا ودفنه في القبر! يُلاحَظ أن سفر صموئيل لم يذكر استشارة داود للقادة. بحكمة استشار داود قواد الألف والمئات وكل رئيس، حتى يشعر الكل أن هذا العمل يخص القادة مع الشعب، وليس خاصًا بالملك وحده، غير أنه أخطأ إذ لم يسأل الرب، ربما لأنه شعر بأن الأمر لا يحتاج إلى سؤال الرب، لأنه عملٌ فيه محبة لله. من جانب آخر لم يسأل الكهنة واللاويين عن شريعة حمل التابوت والسير به. حسن أن يقوم داود باستشارة قادة الشعب، فبالرغم من أنه كان عمًلا جليًلا، وبما أن داود هو الملك، وفي سلطانه أن يأمر بتنفيذ هذا العمل، إلاَّ أنه اختار أن يأخذ المشورة، وفضَّل أن يُشرِك الآخرين في القيادة. هذا دفع الجميع أن يثقوا في قراراته الحكيمة، ويستريحوا لسلوكه بروح التواضع، فنال التأييد بالإجماع. ليس من مُدَبِّر حكيم يشتهي أن يتخذ قراراته دون مشورة. فداود نفسه كان ذكيًا جدًا، ومع ذلك استشار قواده، "لأن الخلاص بكثرة المشيرين" (أم 24: 6). لو أن داود سأل الرب المشورة، وسأل أي لاوي عن كيفية نقل التابوت، لتم نقل التابوت بسلامٍ وفرحٍ. وَقَالَ دَاوُدُ لِكُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ: "إِنْ حَسُنَ عِنْدَكُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الرَّبِّ إِلَهِنَا، فَلْنُرْسِلْ إِلَى كُلِّ جِهَةٍ إِلَى إِخْوَتِنَا الْبَاقِينَ فِي كُلِّ أَرَاضِي إِسْرَائِيلَ، وَمَعَهُمُ الْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ فِي مُدُنِ مَرَاعِيهِمْ لِيَجْتَمِعُوا إِلَيْنَا. [2] قام باستدعاء كل الشعب ليحضروا هذه المناسبة، لتكريم التابوت، ولأجل إرضاء الشعب وتنويره. إنه يدعو عامة الشعب إخوتنا، وهذا يدل على تواضعه وكياسته ومدى المحبة التي كان يكنها لهم، هكذا لم يستحِ ربنا يسوع أن يدعونا إخوة (عب 2: 11) من أجل محبته العجيبة لنا. اشترط داود أن يكون هذا حسب إرادة الله، وكأنه يقول: "بالرغم من أن هذا يظهر حسن لي ولكم، إلاَّ أنه إن لم يكن من الرب، فلا نعمله". ليتنا نحن أيضًا في كل أمر نفعله يجب أن يكون سؤالنا: "هل هذا من الله؟ هل هذا حسب إرادته؟ هل يمكننا أن نعطي جوابًا حسنًا أمام الله عن هذا؟ هل نتوقع أن يكون هذا مرضيًا لله؟ هل سألنا الله قبل البدء فيه؟ فَنُرْجِعَ تَابُوتَ إِلَهِنَا إِلَيْنَا، لأَنَّنَا لَمْ نَسْأَلْ بِهِ فِي أَيَّامِ شَاوُلَ." [3] دعا تابوت العهد "تابوت الله" أو "تابوت إلهنا". أراد أن يُحضِرَه إلى العاصمة، ليجعل منها مركزًا للعبادة للشعب كله. أراد تأكيد أن الله هو مركز حياة جميع المؤمنين. في أيام شاول حدث تجاهل لتابوت العهد. استولى الفلسطينيون عليه لمدة سبعة شهور، ورجع إلى قرية يعاريم، حيث حُفِظَ في بيت أبيناداب اللاوي (1 صم 4-7). ظلَّ تابوت العهد في القرية سنين عديدة، هذا يكشف عن المبالاة بالحضرة الإلهية، أو الالتصاق بالله، أو قبول الله كمركز للحياة، أما الرغبة في نقل تابوت العهد إلى العاصمة، فيحمل رغبة أن يكون الله هو الأول في حياة الجماعة، وهو مركز الصدارة. هكذا يليق بنا أن يكون الكتاب المقدس، بكونه كلمة الله، مركز الصدارة في حياتنا. كان ما يشغل قلب داود الملك أن يجمع إسرائيل بكل أسباطه وقادته مع الكهنة واللاويين لإرجاع تابوت العهد من قرية يعاريم. وأن يجمع كل الساجدين للربِّ لهذا الأمر، قائلاً في مرارة: "لأننا لم نسأل به في أيام شاول" [3]. أدرك داود أن سرَّ فشل إسرائيل في أيام شاول أن تابوت العهد كان في طي النسيان. فمنذ وقت إرجاعه بأيدي الفلسطينيين لم يهتم أحد به (1 صم 14: 18-19). نلاحظ أن داود لم يُبدِ أيّة ملاحظة سيئة عن شاول، فلم يقل "شاول لم يهتم أبدًا بالتابوت، على الأقل في أواخر مُلكْه"، ولكن بتواضعٍ قال: "لأننا لم نسأل به في أيام شاول". فاعتبر نفسه مُذنِبًا مع الآخرين عن هذا الإهمال. إنه من الأفضل أن نحكم على أنفسنا، وليس على الآخرين، فالمتواضعون والصالحون "يندبون نصيبهم في الذنب العام، وينسبون العار لأنفسهم" (دا 9: 5 الخ.). فَقَالَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ بِأَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، لأَنَّ الأَمْرَ حَسُنَ فِي أَعْيُنِ جَمِيعِ الشَّعْبِ. [4] 5 وَجَمَعَ دَاوُدُ كُلَّ إِسْرَائِيلَ مِنْ شِيحُورِ مِصْرَ إِلَى مَدْخَلِ حَمَاةَ لِيَأْتُوا بِتَابُوتِ اللهِ مِنْ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ. 6 وَصَعِدَ دَاوُدُ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ إِلَى بَعْلَةَ، إِلَى قَرْيَةِ يَعَارِيمَ الَّتِي لِيَهُوذَا، لِيُصْعِدُوا مِنْ هُنَاكَ تَابُوتَ اللهِ الرَّبِّ الْجَالِسِ عَلَى الْكَرُوبِيمَ الَّذِي دُعِيَ بِالاسْمِ. وَجَمَعَ دَاوُدُ كُلَّ إِسْرَائِيلَ مِنْ شِيحُورِ مِصْرَ إِلَى مَدْخَلِ حَمَاةَ، لِيَأْتُوا بِتَابُوتِ الله مِنْ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ. [5] شيحور مصر: معناه أسود أو مُكدِّر وهو نهر النيل. ينقسم في آخر مجراه (فرعي الدلتا). والقسم الشرقي هو الحدّ بين مصر وإسرائيل، وهو المُشار إليه هنا. مدخل حماة: في الأرض حوالي حمص، وهو سهل مفتوح إلى الشمال نحو حماة، وإلى الشرق نحو برية سوريا، وإلى الجنوب نحو ربلة والبقاع وإلى الغرب نحو بلاد الحصن والبحر، وهي مدخل لهذه الجهات. أي شيحور كان في أقصى الجنوب، ومدخل حماة في أقصى الشمال. وَصَعِدَ دَاوُدُ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ إِلَى بَعْلَةَ، إِلَى قَرْيَةِ يَعَارِيمَ الَّتِي لِيَهُوذَا، لِيُصْعِدُوا مِنْ هُنَاكَ تَابُوتَ الله الرَّبِّ، الْجَالِسِ عَلَى الْكَرُوبِيمَ الَّذِي دُعِيَ بِالاِسْمِ. [6] كان التابوت في بيت أبيناداب في قرية يعاريم حين ردَّه الفلسطينيون إلى إسرائيل (1 صم 4: 3). وأما خيمة الاجتماع فكانت في شيلوه في أيام عالي الكاهن (1 صم 1: 3) وفي نوب في أيام شاول (1 صم 21: 1-9)، وفي جبعون في أيام داود وكان الكاهن صادوق، وأخيرًا في أورشليم في أيام سليمان قبل بناء الهيكل. 3. احتفال عظيم بنقل التابوت 7 وَأَرْكَبُوا تَابُوتَ اللهِ عَلَى عَجَلَةٍ جَدِيدَةٍ مِنْ بَيْتِ أَبِينَادَابَ، وَكَانَ عُزَّا وَأَخِيُو يَسُوقَانِ الْعَجَلَةَ، 8 وَدَاوُدُ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ يَلْعَبُونَ أَمَامَ اللهِ بِكُلِّ عِزّ وَبِأَغَانِيَّ وَعِيدَانٍ وَرَبَابٍ وَدُفُوفٍ وَصُنُوجٍ وَأَبْوَاق. وَأَرْكَبُوا تَابُوتَ الله عَلَى عَجَلَةٍ جَدِيدَةٍ مِنْ بَيْتِ أَبِينَادَابَ، وَكَانَ عُزَّا وَأَخِيُو يَسُوقَانِ الْعَجَلَةَ، [7] إن عجلة يجرها ثيران كانت وسيلة مناسبة للفلسطينيين لنقل التابوت (انظر 1 صم 6: 7)، ولكن شعب الله قد أعطى أوامر مُحدَّدة في هذا المضمار (انظر عدد 4: 11، 15)، فبالرغم من أنهم احتفلوا بحضور التابوت، إلا أنهم عصوا تعليمات الله. بهذا فشلوا في الاعتراف بوجود الله القدوس بينهم. من كان يظن أن داود كان من الممكن أن يعمل مثل هذا الخطأ أن يحمل التابوت على عجلة؟ لأن الفلسطينيين حملوه بهذه الطريقة والتدبير الإلهي سمح بدفع العجلة، ظنَّ داود أنه من الممكن أن يعملوا المِثْل. ولكن يجب أن نسير طبقًا للوصية الإلهية، وليس طبقًا للتمثُّل بالآخرين حينما يختلفون عما جاء في الوصية، حتى وإن كانت مثل هذه الأمثال قد سمحت بها العناية الإلهية في ظروف خاصة. لذلك لما لمس عُزَّا التابوت ضربه الرب ومات، وخطية عُزَّا تُنذِرنا بقوة لنتجنب الافتراض المُسبَّق والتسرُّع وعدم الهيبة أثناء التعامل مع المقدسات، ولا نظن أن حُسن النية يُبَرِّر العمل الخاطئ. فمثًلا عند التقدُّم من الأسرار المقدسة يجب أن نلاحظ ونفحص قلوبنا، لئلا تُؤدي الزلة والألفة والاعتياد إلى قلة الاحترام. ليتنا لا نعبث في طرقنا للاقتراب من الله، ولكننا نتقدَّم خلال المسيح بدالة إلى عرش النعمة، لأننا تحت تدبير الحرية والنعمة وليس تحت العبودية والإرهاب، ليت الكآبة التي بدَّلت فرح إسرائيل بسبب عقوبة عُزَّا تذكرنا دائمًا أن نعبد الرب بخوفٍ ورعدةٍ، بينما نخدم بفرحٍ وسرورٍ. ليكن غيظ داود في هذه المناسبة مُحَذِّرًا لنا، لنلاحظ أنفسنا حينما نكون تحت تأديب من الله، لئلا نتخاصم معه بدلاً من الخضوع لإرادته. وَدَاوُدُ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ يَلْعَبُونَ أَمَامَ الله، بِكُلِّ عِزٍّ وَبِأَغَانِيَّ وَعِيدَانٍ وَرَبَابٍ وَدُفُوفٍ وَصُنُوجٍ وَأَبْوَاقٍ. [8] مع أَخْذِ داود قراراته في كل شيءٍ حتى في الأمور الدينية بجدِّية وتوازُن ووقار، وضع في قلبه أن يسود روح الفرح سائر الشعب. يرى العلامة أوريجينوس في استخدام الموسيقى تعبيرًا عن الفرح بروح الوحدة والانسجام معًا في الرب. بنغمات الموسيقى، يستطيع الراغبون في الوحدة أن ينسجموا مع الغير، أما رافضو الوحدة، فلا يستمتعون بالموسيقى. هذا ما ظهر بقوةٍ في مثل السيد المسيح عن الابن الراجع إلى أبيه، إذ التقى الابن بأبيه الذي ركض إليه ووقع على عنقه وقبَّله (لو 15: 20)، ضُرِبَت الموسيقى في البيت الذي هو الكنيسة، وحدث رقص رمزًا للوحدة العجيبة بين الآب المملوء حنوًا والابن الراجع بكل قلبه. لكن للأسف لم يُسَر الابن الأكبر بذلك (لو 15: 25-28). v تُستخدَم كلمة "سيمفونية بكل دقةٍ عن الأصوات المتناغمة. ففي وسط الأنغام الموسيقية ينسجم البعض فيما بينهم. هذا التعبير معروف في الكتاب المقدس وينطبق على الموسيقى، حيث قيل: "سمع صوت آلات الطرب symphonias ورقصًا" (لو 15: 25). فإنه يليق عند الانسجام الذي تمَّ بين الأب وابنه الذي كان مفقودًا ووُجِدَ بالتوبة أن تُسمَع سميفونية في هذه المناسبة التي تفرح البيت... يماثل هذا ما ورد في الملوك (صموئيل)، عندما تَقَدَّم إخوة عميناداب التابوت، وعزف داود وأبناء إسرائيل أمام وجه الرب موسيقى رائعة بقوٍة مع أغانٍ (راجع 2 صم 6: 4-5) LXX . العلامة أوريجينوس 9 وَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى بَيْدَرِ كِيدُونَ، مَدَّ عُزَّا يَدَهُ لِيُمْسِكَ التَّابُوتَ، لأَنَّ الثِّيرَانَ انْشَمَصَتْ. 10 فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى عُزَّا وَضَرَبَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَدَّ يَدَهُ إِلَى التَّابُوتِ، فَمَاتِ هُنَاكَ أَمَامَ اللهِ. 11 فَاغْتَاظَ دَاوُدُ لأَنَّ الرَّبَّ اقْتَحَمَ عُزَّا اقْتِحَامًا، وَسَمَّى ذلِكَ الْمَوْضِعَ «فَارَصَ عُزَّا» إِلَى هذَا الْيَوْمِ. وَلَمَّا انْتَهُوا إِلَى بَيْدَرِ كِيدُونَ، مَدَّ عُزَّا يَدَهُ لِيُمْسِكَ التَّابُوتَ، لأَنَّ الثِّيرَانَ انْشَمَصَتْ. [9] فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى عُزَّا، وَضَرَبَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَدَّ يَدَهُ إِلَى التَّابُوتِ، فَمَاتَ هُنَاكَ أَمَامَ الله. [10] أعطى الله تعليمات مُحَدَّدة عن كيفية حمل التابوت ونقله (عد 4: 5-15). وكان يلزم أن يقوم الكهنة بحمله بواسطة عصي توضع في حلقاته دون أن يُلمَسَ. تمنع الشريعة حتى الكهنة لمس التابوت نفسه (عد 4: 15). مات عُزَّا لأنه لمس تابوت العهد، بينما تبارك بيت عوبيد أدوم حيث حُفِظَ التابوت. يقول الرسول: "مُخيف هو الوقوع في يديّ الله الحيّ" (عب 10: 31). نتطلع إلى الله بكونه الأب الرحوم، ونلتزم أيضًا بتكريمه بكونه ملك الملوك ورب الأرباب! يرى يوسيفوس[2] أن سبب موت عُزَّا أنه اقتحم حقوقًا خاصة بالكهنة، ولا يجوز له ممارستها. إن كان عُزَّا عن عدم إدراك تصرف، فسقط ميّتًا لأنه مارس ما لا يجوز له فعله، هكذا من يتناول جسد الرب ودمه بغير استحقاق يُدَان، وإن لم يكن يدرك خطورة الأمر. سمح الله بموت عُزَّا لأنه لمس التابوت الذي لا يجوز له فعل ذلك، لكي لا نستهين بأية وصية إلهية، فمع محبة الله الفائقة للإنسان، غير أنه يليق بالإنسان أن يلتزم بالطاعة للوصية الإلهية مهما بدت بسيطة؟ v كما أن الذي يكشط جزئيًا صورة (الإمبراطور) عن العملة الملوكية، يُحسَب كمن ارتكب عملاً مفسدًا كاملاً، هكذا من ينحرف ولو قليلاً عن الإيمان الطاهر يُحسَب أنه ارتكب أخطاءً جسيمةً ويصير فاسدًا بكامله... النقص في الغيرة في الأمور الصغيرة هو السبب لكل كوارثنا. ولأن الأخطاء الهَيِّنة تمنع الإصلاح المناسب، تزحف الأخطاء الكبيرة إلى الداخل. وكما أن الإهمال في جراحات الجسد تُسَبِّب حمى ومتاعب وموتًا، هكذا في النفس، فإن الشرور البسيطة تفتح الباب لشرورٍ خطيرةٍ. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس جيروم وَسَمَّى ذَلِكَ الْمَوْضِعَ "فَارِصَ عُزَّا" إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. [11] اغتاظ وداود وغضب وارتعب، وخشي أن يُحضِرَ التابوت إلى أورشليم. لأن احتفاله العظيم بنقل التابوت قد فشل تمامًا، وأدَّى إلى قتل رجلٍ في نظره كان بريئًا. لكن الله لم يتركه في غضبه وحزنه، إنما فتح عينيه ليرى بركات تابوت العهد التي حلَّتْ على بيت عوبيد أدوم الجتِّي، فاشتهى الالتصاق بتابوت العهد ونقله إلى العاصمة، ولكن بروح الطاعة للوصية. فَارِصَ عُزَّاPerez Uzzah: هذا الاسم عبري، معناه عقوبة عُزَّا. وَخَافَ دَاوُدُ الله فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، قَائِلاً: "كَيْفَ آتِي بِتَابُوتِ الله إِلَيَّ؟" [12] وَلَمْ يَنْقُلْ دَاوُدُ التَّابُوتَ إِلَيْهِ إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ، بَلْ مَالَ بِهِ إِلَى بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ الْجَتِّيِّ. [13] وُضِعَ تابوت العهد في بيت عوبيد أدوم الجتِّي لمدة ثلاثة شهور، فملأ البيت بالبركة. العجيب أن سفر أخبار الأيام الأول الذي ستر على خطايا خطيرة وبشعة لداود، سجَّل لنا خطأه هنا، إذ لم يتبع الشريعة في نقل تابوت العهد؛ لماذا؟ 1. حسن أن يفرح داود ومن معه ويُسَبِّحون الله، لأنهم ينقلون التابوت إلى العاصمة، لكن مع التسبيح يلزم الحرص على الطاعة لشريعة الله، فعدم الالتزام بأن الكهنة هم الذين يحملون التابوت، مكتفيًا بأن يأتي بعجلةٍ جديدةٍ تحمل التابوت وإن بدت أمرًا صغيرًا، لكن الطاعة لله فوق كل شيء. 2. راحة تابوت العهد لا في نقله إلى العاصمة، إنما في طاعة الإنسان للوصية، نتمتَّع بحضور الله بطاعتنا للوصية الإلهية. 3. حمل الفلسطينيون تابوت العهد عند إرجاعه إلى إسرائيل على عجلةٍ جديدةٍ، ولم يمت منهم أحد، لأنهم لا يَعْلَمون شيئًا عن هذه الشريعة. لقد أرجعوا التابوت حسب ضمائرهم، وحسبما أدركوا بالناموس الطبيعي، ولم يكن لديهم ناموس موسى. 4. فشل داود في نقل التابوت، وتحوَّلت ثقته مع الفرح والتسبيح إلى خوفٍ ومرارةٍ وسخطٍ، بل وإلى اتهام لله. ومع هذا تحقق نقل التابوت بعدما تَعَلَّم داود الطاعة. 5. قَدَّم الله لنا درسًا عمليًا ألا نطلب أن نرضيه حسب فكرنا البشري، إنما بالطاعة لكلمته الإلهية ووصيته التي وهبنا إيّاها. v يليق بنا أن نؤمن أن فترة التأخير في تنفيذ الوصية هي وقت للعصيان بالنسبة لمن يُنَفِّذ الوصية بعد ذلك... لذلك وجب علينا أن نتذكر القول: "لا تتأخر في الرجوع إلى الرب، ولا تؤجله من يوم إلى يوم" (ابن سيراخ 5: 7)، والقول: "لا تقل لصاحبك اذهب وعد، فأعطيك غدًا، وموجود عندك" (أم 3: 28). يلزمنا أن نعتقد أنه دينونة على مرثا إن الكلمات: "فرفعوا الحجر" [41] قد كُتِبَتْ مؤخرًا، وكان يجب أن تُقال فورًا بعد الكلمات: "قال يسوع: ارفعوا الحجر". العلامة أوريجينوس البابا غريغوريوس (الكبير) لذلك يجب علينا أيضًا أن ننظر إن كنا نصغي إليه طوعًا، إذ قال: "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي... الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني، والذي يحبني يحبه أبي، وأنا أحبه، وأظهر له ذاتي" (يو 15:14، 21). ألا ترى كيف أنه يجعل في وصاياه مكمنًا لإعلان ذاته؟ إن أعظم الوصايا هي أن تحب الله والقريب، تلك التي تأتي بعدما نرفض كل الأمور الزمنية ويستقر ذهننا. v التدريب الروحي ليس شيئًا منفصلاً عن الوصية، بل هو الوصية عينها. أرني عملاً ليس هو وصية؟! فإن تكلمت عن الصلاة فهي وصية. وإن تكلمت عن طرد الأفكار فهي وصية (كن وقورًا وساهرًا). وإن تكلمت عن الصوم أو السهر... فهذه وصايا أيضًا. وإن تكلمت عن إماتة الذات، فهي أيضًا وصية (أنكر نفسك). القديس مرقس الناسك وَبَقِيَ تَابُوتُ الله عِنْدَ بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ فِي بَيْتِهِ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. وَبَارَكَ الرَّبُّ بَيْتَ عُوبِيدَ أَدُومَ وَكُلَّ مَا لَهُ. [14] إن كان الموت فد حلَّ بعُزَّا لأنه لمس تابوت العهد غير مُرَاعي الوصية الإلهية، فقد بارك الرب بيت عوبيد أدوم لأن التابوت مكث فيه. هكذا يؤكد الله أنه مصدر البركات التي لا تُحصَى لمن يتمسك به ويطلبه، لكن من لا يبالي بوصيته، يسمع القول الإنجيلي: "حقًا ما أرهب الوقوع في يديّ الله الحيّ" (عب 10: 31). لتكن البركة التي حلَّت في بيت عوبيد أدوم بسبب التابوت، مُشَجِّعة لنا لنرحب بطقوس الكنيسة في بيوتنا، أيّ كمن يؤمنون أن التابوت كضيفٍ لا يسبب ضررًا، وإنما كانت كلمة الإنجيل للبعض هي "رائحة موت لموت"، كما كان التابوت لعُزَّا، فلنقبلها نحن بفرحٍ ومحبةٍ وسوف تكون لنا "رائحة حياة لحياة". لتُعلِنْ عن حضورك الإلهي في قلبي! v بروحك القدوس تُقِيم من أعماقي هيكلاً لك. تتجلَّى يا سيدي في أعماقي، فأراك عميقًا في داخلي أعمق من عمقي، وعاليًا يا أيها القدوس أعلى من عُلوِّي! v هَبْ لي بحضورك الإلهي ألا أنشغل إلا بك! سَمِّرْ خوفك في قلبي، وأعلن حبك في أعماقي. مع الشاروبيم والسيرافيم أقف أمامك بمخافة! وبالصليب ينسكب قلبي بالحب والشوق إليك! إن كان الأصحاح السابق يكشف لنا عن قلب داود النقي، فإنه إذ أقام أورشليم عاصمة لمملكته، أراد أن يُعْلِنَ أن الملك الحقيقي هو الله، وأن كل نجاحٍ يبلغ إليه، إنما هو عطية من الله. لهذا وضع في قلبه أن ينقل تابوت العهد بكونه يُمَثِّل الحضور الإلهي إلى العاصمة. أخطأ داود كما رأينا، لأنه لم يسلك حسب تدبير الشريعة فيما يخص بحمل تابوت العهد، وعوض الاحتفال المُبهِج، أقيمت جنازة لعُزَّا الذي لمس التابوت فمات. تطلَّع الرب إلى قلب داود النقي، فثبَّت مملكته، ووهبه نجاحًا ونموًّا ونصرة ومجدًا. هذا النجاح ولَّد ثورة وحقدًا لدى الأعداء، فثاروا ضده. استشار داود الرب، فحاربهم وغلب. أعطاه الرب هيبة من عنده على كل الأمم المحيطة به. 1. ملك حيرام يرسل عُمَّالاً ومواد بناء 1 وَأَرْسَلَ حِيرَامُ مَلِكُ صُورَ رُسُلًا إِلَى دَاوُدَ وَخَشَبَ أَرْزٍ وَبَنَّائِينَ وَنَجَّارِينَ لِيَبْنُوا لَهُ بَيْتًا. 2 وَعَلِمَ دَاوُدُ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَثْبَتَهُ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، لأَنَّ مَمْلَكَتَهُ ارْتَفَعَتْ مُتَصَاعِدَةً مِنْ أَجْلِ شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ. وَأَرْسَلَ حِيرَامُ مَلِكُ صُورَ رُسُلاً إِلَى دَاوُدَ، وَخَشَبَ أَرْزٍ وَبَنَّائِينَ وَنَجَّارِينَ لِيَبْنُوا لَهُ بَيْتًا. [1] يبرز هنا استقرار داود في أورشليم، مع فيضٍ من العطايا يُقَدِّمها له ملك غريب من الأمم. أظهر الله لداود نعمته، وأعطاه نعمة في عينيّ حيرام ملك صور، فأرسل إليه رسلاً يطلب وِدَّ داود. كما أرسل له خشب أرز وبنَّائين مهرة، ونَجَّارين ليبنوا له بيتًا. هذه بداية صداقة قوية ومُمْتَدَّة لفترة طويلة بين داود وحيرام ملك صور، استمرت حتى أيام سليمان. صار لداود مملكة عظيمة وممتدة، بينما كانت مملكة حيرام صغيرة لا تُقارَن بمملكة داود، لكن الله الذي كان يسند داود في كل أعماله أراد أن يقوده إلى الحُبِّ مع التواضع. فمع كل إمكانيات داود ما كان يمكنه أن يبني لنفسه قصرًا بدون مساندة حيرام ملك صور. إنه يطالبنا ألا نحتقر من هم أقل منَّا في الإمكانيات والسلطان. فالإنسان مهما بلغ نجاحه، ومهما نال من إمكانيات، في حاجة إلى أخيه. يطلب منه أن يسنده، ويشكره على خدماته ومساعداته حتى وإن كانت بأجرٍ. لا يستطيع أن يعيش الإنسان في معزلٍ عن أخيه، إنما كلما أُتيحَتْ له الفرصة، يكشف لأخيه أنه محتاج إلى مساندته والتعاون معه، فلا يعاني الأخ بصِغَرِ نفسٍ. وَعَلِمَ دَاوُدُ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَثْبَتَهُ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، لأَنَّ مَمْلَكَتَهُ ارْتَفَعَتْ مُتَصَاعِدَةً مِنْ أَجْلِ شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ. [2] إنه إذ يقودهم ويهتم برعايتهم وإشباع احتياجاتهم وحمايتهم، لا يشعر أن له فضلاً في ذلك، فإن هذا ما يلزم أن يفعله كراعٍ صالحٍ ومُحِبٍ لشعب الله. العامل الأول: كانت عينا داود مُرَكِّزتين على الله، فكل نجاحٍ وازدهارٍ وكرامةٍ تَحِلُّ به، يُحسب هذا كله عطايا إلهية، ليس لأنه أكثر ذكاءً أو قدرة أو حكمة، من غيره، إنما لأن الله معه. العامل الثاني: أن ما يناله من نجاحٍ ومجدٍ وعظمةٍ وُهِبَ له، لا ليتنعَّم به شخصيًا، وإنما لكي يخدم شعب الله. هكذا يليق بالمؤمن ألا يتمركز حول ذاته his ego وإنما يحسب نفسه مدعوًّا من الله لسعادة الآخرين وراحتهم ومجدهم وخلاصهم الأبدي. فإنه ما استحق أن يولد من عاش لأجل نفسه، ولا يبالي بأخيه. ما تتمتع به مملكة داود من استقرار ليس مُحَصِّلة جاذبية شخصيته، حيث تجمَّعت حوله كل الأسباط، ولا محصلة محبة الناس وإخلاصهم وغيرتهم على بناء الشعب ونموّه، إنما سرّ عظمة مملكة داود عاملان رئيسيّان، وهما: 1. ما تمتع به من نمو روحي وسمو ومجد وفرح، إنما هو عطية الله له. 2. مع محبة الله الفائقة لعبده داود، قَدَّم له من امتيازات فريدة، حتى وعده أن نسله يملك إلى الأبد، هذا كله "من أجل شعبه إسرائيل". لقد أدرك داود هذا. 3 وَأَخَذَ دَاوُدُ نِسَاءً أَيْضًا فِي أُورُشَلِيمَ، وَوَلَدَ أَيْضًا دَاوُدُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. 4 وَهذِهِ أَسْمَاءُ الأَوْلاَدِ الَّذِينَ كَانُوا لَهُ فِي أُورُشَلِيمَ: شَمُّوعُ وَشُوبَابُ وَنَاثَانُ وَسُلَيْمَانُ 5 وَيِبْحَارُ وَأَلِيشُوعُ وَأَلِفَالَطُ 6 وَنُوجَهُ وَنَافَجُ وَيَافِيعُ 7 وَأَلِيشَمَعُ وَبَعَلْيَادَاعُ وَأَلِيفَلَطُ. وَأَخَذَ دَاوُدُ نِسَاءً أَيْضاً فِي أُورُشَلِيمَ، وَوَلَدَ أَيْضاً دَاوُدُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. [3] كان تعدُّد الزوجات والسراري عادة شائعة في ذلك العصر عند العائلات المالكة في الشرق الأوسط، ولم يكن ذلك يتفق مع الوصية الإلهية وفكر الله (تك 2: 24). كان لداود ضعفاته، فقد تمثَّل بالعادات التي كانت سائدة بين عائلات الملوك في الشرق الأوسط في ذلك الحين، وعدم التزامه بالزوجة الواحدة. كان بعض الملوك يستغلون هذه العادة للدخول في علاقة نسب مع الملوك المُجاورِين، فيُعطِي نوعًا من السلام السياسي. هذه العادة كثيرًا ما تُسَبِّب حسدًا وغيره في القصر الملكي بين النساء، وأيضًا بين الأبناء. بسببها دخل داود في مشاكل أسرية كثيرة ونزاعات بين أولاده، ولم يكن لديه الوقت الكافي لتربية أولاده في مخافة الرب، كما حدث مع أبشالوم وأمنون، لأن الأخير اغتصب أخت الأول، وهي أخته من نفس الوالد وليس من والدته. ارتبط داود بزوجات وسراري من بينهن الآتي: 1. ميكال ابنة شاول الملك: لم تُنْجِبْ، ربما لأنها احتقرته عندما رأته يرقص أمام تابوت العهد (2 صم 6: 14). يبدو أنها قد تَبَنَّت خمسة من أبناء أختها. أعطى داود أبناء أختها الخمسة للجبعونيين ليقتلوهم من أجل خطايا شاول. 2. أخينوعم اليزرعيلية: أنجبت أمنون، وهو البكر. اغتصب أخته غير الشقيقة ثامار. انتقم منه أبشالوم أخ ثامار شقيقتها. 3. معكة ابنة تلماوي ملك جاشور: أنجبت أبشالوم وهو الابن الثالث لداود. قتل أخاه أمنون (غير الشقيق) وأقام في خيمة على السطح ولم يرد أبوه أن يلتقي به. اضطجع مع نساء أبيه، تمرَّد على أبيه، وقُتِلَ أثناء المعركة ضد جيش أبيه. 4. حجيث: أنجبت الابن الرابع أدونيا. أقام نفسه ملكًا قبل موت أبيه، لكن مؤامرته فشلت، وأبقى داود على حياته، غير أن سليمان قتله بعد تولِّيه العرش. 5. بثشبع: أخطأ معها داود ودبَّر مؤامرة لقتل رجلها أوريّا الحثِّي لكي يُخفِي جريمته: أنجبت طفلاً لم يُذكَر اسمه، مات وهو طفل. ثم أنجبت سليمان الذي تولَّى العرش بعد والده. للأسف تزوج بنساء كثيرات وثنيّات جذبنه للعبادة الوثنية. وَهَذِهِ أَسْمَاءُ الأَوْلاَدِ الَّذِينَ كَانُوا لَهُ فِي أُورُشَلِيمَ: شَمُّوعُ وَشُوبَابُ وَنَاثَانُ وَسُلَيْمَانُ [4] وَيِبْحَارُ وَأَلِيشُوعُ وَأَلِفَالَطُ [5] وَنُوجَهُ وَنَافَجُ وَيَافِيعُ [6] وَأَلِيشَمَعُ وَبَعَلْيَادَاعُ وَأَلِيفَلَطُ. [7] تَذْكُر الأنساب لميلاد السيد المسيح اثنيْن من بنيه من بثشبع وهما ناثان (لو 3: 31)، وجاءت من نسله القديسة مريم. والثاني سليمان (مت 1: 6)، وجاء من نسله القدِّيس يوسف خطيبها. 3. هجوم الفلسطينيين عليه 8 وَسَمِعَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ أَنَّ دَاوُدَ قَدْ مُسِحَ مَلِكًا عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ، فَصَعِدَ كُلُّ الْفِلِسْطِينِيِّينَ لِيُفَتِّشُوا عَلَى دَاوُدَ. وَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ خَرَجَ لاسْتِقْبَالِهِمْ. 9 فَجَاءَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَانْتَشَرُوا فِي وَادِي الرَّفَائِيِّينَ. 10 فَسَأَلَ دَاوُدُ مِنَ اللهِ قَائِلًا: «أَأَصْعَدُ عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ فَتَدْفَعُهُمْ لِيَدِي؟» فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اصْعَدْ فَأَدْفَعَهُمْ لِيَدِكَ». 11 فَصَعِدُوا إِلَى بَعْلِ فَرَاصِيمَ وَضَرَبَهُمْ دَاوُدُ هُنَاكَ. وَقَالَ دَاوُدُ: «قَدِ اقْتَحَمَ اللهُ أَعْدَائِي بِيَدِي كَاقْتِحَامِ الْمِيَاهِ». لِذلِكَ دَعَوْا اسْمَ ذلِكَ الْمَوْضِعِ «بَعْلَ فَرَاصِيمَ». 12 وَتَرَكُوا هُنَاكَ آلِهَتَهُمْ، فَأَمَرَ دَاوُدُ فَأُحْرِقَتْ بِالنَّارِ. 13 ثُمَّ عَادَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ أَيْضًا وَانْتَشَرُوا فِي الْوَادِي. 14 فَسَأَلَ أَيْضًا دَاوُدُ مِنَ اللهِ، فَقَالَ لَهُ اللهُ: «لاَ تَصْعَدْ وَرَاءَهُمْ، تَحَوَّلْ عَنْهُمْ وَهَلُمَّ عَلَيْهِمْ مُقَابِلَ أَشْجَارِ الْبُكَا. 15 وَعِنْدَمَا تَسْمَعُ صَوْتَ خَطَوَاتٍ فِي رُؤُوسِ أَشْجَارِ الْبُكَا فَاخْرُجْ حِينَئِذٍ لِلْحَرْبِ، لأَنَّ اللهَ يَخْرُجُ أَمَامَكَ لِضَرْبِ مَحَلَّةِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». 16 فَفَعَلَ دَاوُدُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ، وَضَرَبُوا مَحَلَّةَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ مِنْ جِبْعُونَ إِلَى جَازِرَ. 17 وَخَرَجَ اسْمُ دَاوُدَ إِلَى جَمِيعِ الأَرَاضِي، وَجَعَلَ الرَّبُّ هَيْبَتَهُ عَلَى جَمِيعِ الأُمَمِ. أكَّد له الرب مساندته له، فبعد أن أظهر ملك صور خضوعه وتقديره لداود، وهبه نصرات على الفلسطينيين، وأعطاه هيبة على جميع الأمم. وَسَمِعَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ أَنَّ دَاوُدَ قَدْ مُسِحَ مَلِكًا عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ، فَصَعِدَ كُلُّ الْفِلِسْطِينِيِّينَ لِيُفَتِّشُوا عَلَى دَاوُدَ. وَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ خَرَجَ لاِسْتِقْبَالِهِمْ. [8] فَجَاءَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَانْتَشَرُوا فِي وَادِي الرَّفَائِيِّينَ. [9] في حبرون لم يشعر الفلسطينيون بخطورة داود عليهم، أما في أورشليم فشعروا بخطورته، وأرادوا أن يُحَطِّموه، غير أن داود كان يستشير الرب قبل دخوله في المعارك. فَسَأَلَ دَاوُدُ مِنَ الله: "أَأَصْعَدُ عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَتَدْفَعُهُمْ لِيَدِي؟" فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: "اصْعَدْ فَأَدْفَعَهُمْ لِيَدِكَ." [10] أراد الكاتب بطريق غير مباشر أن يُقَدِّم لنا مقارنة بين تصرف شاول وتصرف داود. الأول استشار الجان (1 أخ 10: 13)، ولم يسأل الرب (1 أخ 10: 14) في معركته ضد الفلسطينيين في جبل جلبوع، أما داود فسأل الرب في معركته ضدهم في بعل فراصيم. اعتاد داود قبل أن يخرج للحرب يطلب مرافقة الله له، كما يطلب مشورته. يقول يوسيفوس: "لم يسمح داود لنفسه أن يفعل شيئًا بدون نبوة وأمر الله، وبدون الاعتماد عليه كوقاية له في المستقبل[1]." كثيرًا ما نلجأ إلى الله بعد أن تحلَّ بنا الضيقات والمتاعب، أما داود فسأل الرب المشورة قبل أن يتحرَّك. ليت استشارتنا لله لا تأتي في المؤخرة، بل في المقدمة، فنتحاشى الكثير من المتاعب الخطيرة. v بعد (قتله جليات) لم يدخل قط في حربٍ دون أن يستشير الرب. بهذا كان منتصرًا في كل معاركه، وحتى في أواخر حياته كان مستعدًا أن يحارب. عندما قامت حرب مع الفلسطينيين دخل المعركة معهم بفرقهم الشرسة... إننا نحسب ثبات (المؤمنين) مجيدًا، هؤلاء الذين بعظمة فكرهم "بالإيمان... سدُّوا أفواه أسود، أطفأوا قوة النار، نجوا من حدِّ السيف، تقوُّوا من ضعف" (عب 11: 33-34). إنهم لم يقتنوا نصرة عامة مع كثيرين، محاطين بمحاربين وتسندهم فرق، إنما ينالون نصرتهم وحدهم على أعدائهم المخادعين، وذلك بمجرد شجاعة نفوسهم. القديس أمبروسيوس وَقَالَ دَاوُدُ: "قَدِ اقْتَحَمَ الله أَعْدَائِي بِيَدِي كَاقْتِحَامِ الْمِيَاهِ". لِذَلِكَ دَعُوا اسْمَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ "بَعْلَ فَرَاصِيمَ". [11] وَتَرَكُوا هُنَاكَ آلِهَتَهُمْ، فَأَمَرَ دَاوُدُ فَأُحْرِقَتْ بِالنَّارِ. [12] لجأ داود إلى الله الحيّ، فنال نصرة عظيمة على الوثنيين، فحرق أصنامهم ومتعلقاتها. كان تصرف داود حازمًا وجادًا أن يُحَطِّم الأوثان ويحرقها بالنار مع متعلقاتها. إذ لم يرد أن يترك أي أثرٍ للشر في حياته وفي حياة إخوته والمجتمع الذي يعيش فيه. يليق بنا ألا نترك شيئًا يحتل مركز الله في قلوبنا أو أفكارنا. لعل داود فعل هذا خشية أن يعجب بعض الجنود ببعض الأصنام، خاصة المصنوعة من الذهب أو الفضة، فلم يترك لهم فرصة أن يُفَكِّروا في الاحتفاظ ببعض الأصنام الصغيرة الحجم. تمَّم الوصية بكل قوة (تث 7: 5)، على عكس الكثير من الملوك من نسل داود الذين تهاونوا في إبادة الأصنام. ثُمَّ عَادَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ أَيْضًا، وَانْتَشَرُوا فِي الْوَادِي. [13] فَسَأَلَ أَيْضًا دَاوُدُ مِنَ الله، فَقَالَ لَهُ الله: "لاَ تَصْعَدْ وَرَاءَهُمْ، تَحَوَّلْ عَنْهُمْ، وَهَلُمَّ عَلَيْهِمْ مُقَابِلَ أَشْجَارِ الْبُكَا. [14] سرُّ نجاح داود وعظمته أنه في كل موقفٍ لا يتكل على خبرته القديمة أو إمكانياته، إنما يطلب مشورة الله. مع كل موقف جديد كان داود يستشير الله، حتى يتجنَّب أية مخاطر تحلُّ به. يليق بنا مع كل موقف، نتطلَّع إليه كفرصة جديدة للقاء مع الله وطلب مشورته، فهو يريدنا أن نكون في لقاءٍ دائمٍ معه. فلتكن حادثة هجوم الفلسطينيين ثانية على داود وسؤاله مرة ثانية من الله درسًا لنا لنعترَّف بالرب: نهرب إليه في وقت المحنة، نلتجئ إليه عندما نُظلَم، وعندما لا نعرف ماذا نعمل. نسأله المشورة ونضع مشيئتنا تحت إرادته وتدبيره، ونلح في الطلب ليهدينا الطريق. وَعِنْدَمَا تَسْمَعُ صَوْتَ خَطَوَاتٍ فِي رُؤُوسِ أَشْجَارِ الْبُكَا، فَاخْرُجْ حِينَئِذٍ لِلْحَرْبِ، لأَنَّ اللهَ يَخْرُجُ أَمَامَكَ لِضَرْبِ مَحَلَّةِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ". [15] ليكن سماع الصوت في أعلى شجر البُكا دليًلا لنا لنسمع حركة الله في إلهامه الإلهي وتأثيرات روحه القدوس. فَفَعَلَ دَاوُدُ كَمَا أَمَرَهُ الله، وَضَرَبُوا مَحَلَّةَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ مِنْ جِبْعُونَ إِلَى جَازَرَ. [16] قام الفلسطينيون بهجومٍ ثانٍ، ونال داود النصرة بطريق آخر بمعونة الله. وَخَرَجَ اسْمُ دَاوُدَ إِلَى جَمِيعِ الأَرَاضِي، وَجَعَلَ الرَّبُّ هَيْبَتَهُ عَلَى جَمِيعِ الأُمَمِ. [17] جعل الرب هيبة داود على كل الأمم، إذ ارتعبت الأمم المحيطة، ونال داود شهرة في الأرض كلها [16-17]. فقد جاء الوعد الإلهي: "يقول الرب: حاشا لي، فإني أُكرم الذين يكرمونني، والذين يحتقرونني يصغرون" (1 صم 2: 30). لتُثبِّتْ مملكتك في أعماقي يا ابن داود v أَقمتَ داود من رعاية الغنمات، ليرعى شعبك الذي اخترته لك. أعطيتَه نعمة في أعين كل الأسباط، وهبتَه نجاحًا ونصرةً في كل عملٍ تمتد إليه يداه. v أتيت يا ابن داود في عالمنا، لكي تُقِيمَ ملكوتك في أعماق قلوبنا. تجعل من قلوبنا أورشليم المتلألئة ببهائك. وتحوِّل ترابنا إلى أشبه بسماءٍ جديدة. v أعطيته نعمة في عينيّ حيرام ملك صور، فبعث برُسُلٍ إليه لإقامة علاقة ودٍّ وصداقة. وأرسل له بنَّائين ونجَّارين ليبنوا له قصرًا. نزلتَ بنفسك إليَّ يا ملك الملوك. وأرسلتَ لي روحك القدوس القدير. لا ليبني لي قصرًا، بل يُقِيم مني هيكلاً لك. تعالَ أيها الابن الوحيد مع أبيك وروحك القدوس. ولتقم في داخلي، وتعلن ملكوتك فيَّ. v وهبتَ داود أبناءَ في حبرون كما في أورشليم. وها أنت تهبنا روح البنوة للآب القدوس. لا تعود تدعونا عبيدًا بل أحبَّاء وأبناء. نحن لسنا أهلاً أن نُحسَب عبيدًا لك. حُبُّك أقام منَّا ورثة الله ووارثين معك. ما هو ميراثنا سوى حُبِّك وحنانك؟! v ليهج العدو علينا، فنحن مستترون فيك! أنت ملجأ لنا، وحصن حياتنا! أنت قائد الموكب وواهب النصرة! تُحَطِّم إبليس، وتطرحه تحت الأقدام. v مع كل صباح تتلألأ صورتك في حياتنا. ترد لنا جمالنا الروحي، وتنزع عنَّا فسادنا! تُعطِينا روح القوة والسلطة. فنمتلئ من انعكاس بهائك. وتتهلل نفوسنا بنُصرتك العجيبة! |
||||