منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08 - 03 - 2025, 01:52 PM   رقم المشاركة : ( 189461 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,428

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يارب أشكرك لأن محبتك تحيط بي
وقوتك تسندني، وسلامك يحميني
آمين
 
قديم 08 - 03 - 2025, 01:54 PM   رقم المشاركة : ( 189462 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,428

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يارب أجعل هذه الصلاة
لا يتعلق فقط بإيجاد راحة مؤقتة؛
بل يتعلق بترسيخ حياتنا في ثبات محبة الله
الأبدية وعنايته بنا
آمين
 
قديم 08 - 03 - 2025, 01:55 PM   رقم المشاركة : ( 189463 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,428

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يارب عندما تكون قلوبنا مضطربة
فإن تذكر اللجوء إلى الصلاة
يمكن أن يحول اضطرابنا إلى طمأنينة.
آمين
 
قديم 08 - 03 - 2025, 01:56 PM   رقم المشاركة : ( 189464 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,428

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يارب أجعل هذه الصلاة ليست فقط تضرعًا
من أجل السلام بل أيضًا تذكيرًا بأننا في كل لحظة
من لحظات الضيق، لدينا حاميًا ومعينًا ومانحًا للسلام.
آمين
 
قديم 08 - 03 - 2025, 01:58 PM   رقم المشاركة : ( 189465 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,428

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يارب من خلال سلام الله
يمكن لقلوبنا المغمورة
أن تجد الراحة التي ترغب فيها بشدة
آمين
 
قديم 08 - 03 - 2025, 01:59 PM   رقم المشاركة : ( 189466 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,428

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




صلاة لتجربة حضور الله المهدئ في لحظات الذعر

الإيجابيات:

يساعد الأفراد على الشعور بالسلام والهدوء أثناء لحظات القلق والذعر.
يعزز الإيمان بالقوة العليا التي هي دائمًا معنا وعلى استعداد لتقديم الراحة.
يشجع على اليقظة الذهنية والتواصل الروحي في أوقات الشدة.

السلبيات:

قد يفرط الأفراد في الاعتماد على الصلاة وحدها دون طلب المساعدة الطبية أو النفسية اللازمة لمشاكل القلق الخطيرة.
قد يشعر البعض بالإحباط إذا لم يشعروا على الفور بالهدوء بعد الصلاة.



في أوقات الذعر والتوتر الشديد، من الطبيعي أن نبحث عن العزاء خارج أنفسنا. إن فكرة اختبار حضور الله'الهادئ خلال هذه اللحظات المضطربة تقدم لنا منارة أمل. تهدف هذه الصلاة إلى سد الفجوة بين صراعاتنا الأرضية والسلام الإلهي الموعود لنا بالإيمان. بينما نتقرب إلى الله، دعونا نتذكر أن حضوره هو الملاذ الذي يقدم لنا الدعم الثابت والطمأنينة وسط عواصف الحياة.



صلاة لتجربة حضور الله المهدئ في لحظات الذعر

أيها الأب المحب والكريم

في لحظة الاضطراب هذه، حيث يتسارع قلبي ويدور عقلي في فوضى، أمد يدي إليك. مثل سفينة عالقة في عاصفة هوجاء تبحث عن الشاطئ، أبحث عن حضورك المهدئ. دع سلامك، الذي يفوق كل فهم، يحرس قلبي وعقلي في المسيح يسوع.

يا رب، بينما أبحر في هذه المياه المضطربة، كن مرساتي. في كلمتك، أنت تعدني بالسلام - ليس كما يمنح العالم - بل سلامًا فريدًا من نوعه لضمانتك الإلهية. ساعدني على أن أشعر بهذا السلام يغمرني الآن، مثل العناق اللطيف من والد محب لطفل خائف.

علمني أن أتنفس صفاءك وأن أزفر مخاوفي. في لحظات الذعر، ذكّرني بأنك أنت الإله الذي يهدئ العاصفة، الذي يقول للأمواج والرياح: "اهدأ، اهدأ، اهدأ، اهدأ، اهدأ، اهدأ، اهدأ، اهدأ، اهدأ، اهدأ، اهدأ، اهدأ. عسى أن أجد العزاء في ملجأ جناحيك، عالمًا أنك معي دائمًا.

آمين.



إن الانخراط في الصلاة من أجل حضور الله'المهدئ خلال لحظات الذعر يعمل كبوصلة روحية ترشدنا إلى التوازن. إن الأمر لا يتعلق فقط بالبحث عن إحساس فوري بالهدوء، بل بالأحرى تنمية الثقة الدائمة في تدبير الله وحمايته. من خلال هذه الصلاة، نعترف بنقاط ضعفنا ونفتح قلوبنا للسلام الذي لا يستطيع أحد سواه أن يوفره لنا، سلام يثبّتنا، ويمكّننا من مواجهة كل يوم بقوة وأمل متجددين.



 
قديم 08 - 03 - 2025, 03:02 PM   رقم المشاركة : ( 189467 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,428

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




مقدمة في سفري أخبار الأيام الأول والثاني



جاء اسم السفر عن الترجمة اللاتينية الفولجاتا "سفر الأخبار liberChronicorum". في الأصل العبري يُدعَى "أحداث الأزمنة Devri Hoyyamim" أو تسجيلات الأيام[2]Registers of days، وفي الترجمة السبعينية "الأمور المتروكة Paralipomeno things left over" التي لم تُذكَر في سفري الملوك[3].
الكاتب غير معروف، ربما يكون عزرا حسب التقليد اليهودي، كتبه بعد الرجوع من السبي البابلي مباشرةً.
يرى البعض أن هذيْن السفريْن مرتبطان بأسفار عزرا ونحميا وأستير[4]. تشهد بذلك محتويات السفريْن:
1. أشارا إلى العودة من السبي بُناءً على منشور كورش الفارسي (2 أي 36: 21-22).
2. سُجِّلا بعد عصر إرميا النبي الذي عاصر السبي (2 أي 35: 25)، ورثى أورشليم على خرابها، والهيكل على دماره، والشعب على ترحيله للسبي.
3. يرى البعض أن لغة السفرين هنا ضعيفة؛ وهذا ما ظهر في الأسفار التي كُتِبَت بعد السبي مباشرةً، فدخلت بعض كلمات غريبة على اللغة العبرية خلال ترحيل اليهود من أراضيهم، واحتكاكهم بشعوبٍ أخرى في السبي.
4. واضح أن الكاتب كان على الأقل معاصرًا لزرُبابل، قائد أول دُفْعَة من الراجعين من السبي، وأنه على علاقة وثيقة به، مُهْتَم به وبعائلته وابنته شلومية (1 أي 3: 19).
5. جاء اسم حطوش (1 أي 3: 22)، الوارد أيضًا في (عزرا 8: 2)؛ وهو من نسل داود، رجع مع عزرا من بابل.

بين سفري أخبار الأيام وسفري عزرا ونحميا

كتاب الأخبار أو كتاب أخبار الأيام (والسنين) سفران في كتابٍ واحدٍ: كلاهما يُكَوِّنان تاريخ شعب إسرائيل من آدم إلى قرار كورش بالرجوع من سبي بابل سنة 538 ق.م.
حسب التلمود اليهودي يُعتبَر عزرا الكاهن الذي كتب السفر المنسوب إليه في العهد القديم، هو كاتب سفري أخبار الأيام، وهذا ما يؤكده الكثير من الدارسين.
إن كان بعض الدارسين قد رفضوا هذا الرأي، غير أننا لا نستطيع تجاهل العلاقة الوثيقة بين سفري الأخبار وسفري عزرا ونحميا.
1. تُشِيرُ محتويات سفري الأخبار إلى مؤلف كهنوتي، بسبب التأكيد على الهيكل والكهنوت والعبادة الجماعية، والخط الثيؤقراطي لداود في مملكة يهوذا الجنوبية.
2. يوجد تشابُه كبير بين أسلوب سفري الأخبار وسفر عزرا، حيث تشترك هذه الأسفار في وجهة النظر الكهنوتية وخدمة الكهنوت والعبادة في الهيكل، والطاعة للتشريع الإلهي وذِكْر الأنساب. كذلك فإن العبارتين الختاميتين في سفر أخبار الأيام الثاني (2 أي 36: 22-23) تتكرران في افتتاحية سفر عزرا (عز 1: 1-3). هاتان العبارتان تفتحان لنا نافذة على زمن بناء الهيكل الثاني وحياة شعب إسرائيل في أيام الفُرْس. ربما كان سفر عزرا مُكَمِّلاً لسفري الأخبار، كما هو الحال في إنجيل القديس لوقا وسفر أعمال الرسل.
3. توجد تعبيرات وردت في سفري الأخبار كما في سفر عزرا لم تكن معروفة قبل العودة من السبي، مما يؤكد أن عزرا هو كاتب هذه الأسفار
التكامل بين سفري أخبار الأيام وسفري عزرا ونحميا

1. إن كان سفر عزرا قد اهتم بإعادة بناء الهيكل الذي حرقه البابليون، وسفر نحميا بترميم أسوار أورشليم لحفظ المدينة من الأمم المُعادِية لإسرائيل أو يهوذا، فإن سفري أخبار الأيام عالجا الأساس الروحي والكتابي لما تحتاجه هذه الدولة التي فقدت استقلالها، بل ووجودها الحقيقي.
لقد عاد البعض من اليهود إلى أورشليم، لكن بلا ملكٍ، بينما سبق فوعد الله أن يبقى نسل داود على العرش إلى الأبد. يؤكد السفران أن نسل داود فقد العرش بسبب إصراره على الشرِّ. وجاء السفران يُعِدَّان القلوب لقبول المُخَلِّص ابن داود، ملكًا على القلوب ورئيس كهنة سماويًا إلى الأبد. وعود الله قائمة وأمينة، تتحقق حسب الفكر الإلهي الفائق، وليس حسب الفكر البشري الحرفي.
2. اهتم السفران على وجه الخصوص بسبطي يهوذا الملوكي، واللاويين الكهنوتي. لكن خلال العصيان، فقد السبطان دورهما إلى حدٍ كبيرٍ. صارت هناك حاجة مُلِحَّة إلى ملك وكاهن وذبيحة في نفس الوقت، قادر أن يحمل البشرية المؤمنة إلى العرش الإلهي.
الإصلاح الذي قام به عزرا ونحميا وغيرهما، في جوهره إعداد لمجيء السيد المسيح، ابن داود حسب الجسد، وهو ملك الملوك، ورئيس الكهنة السماوي، والذبيحة القادرة أن تحمل خطايا العالم، إذ هو حمل الله، وعوض الخطية يُلْبِسنا برَّه الفائق.
3. إن كان كورش الفارسي قد سمح بعودة زرُبابل إلى أورشليم وهو من نسل داود، فإنه لم يرسله ملكًا له كمال الحرية في التصرُّف، بل كأحد المرازبة sutrapies يُعَيِّنهم الإمبراطور الفارسي كحكام لمناطق مُعَيَّنة. لم تكن في نيَّة الإمبراطور ترك زرُبابل في أورشليم على الدوام، ولا استقلاله عن الإمبراطورية الفارسية.
فمع ما أعطاه كورش من حق اليهود في العودة إلى بلدهم، وشعوره بأن الله قد طلب منه أن يبني له بيتًا في أورشليم، لم يكن في ذهن كورش إقامة مملكة لنسل داود.
4. مع بهجة الكثيرين بالعودة إلى أورشليم، وإعادة بناء الهيكل، وبناء سور أورشليم، والبدء في تقديم ذبائح ومُحرَقات للربِّ، بقيت أسئلة كثيرة في أذهان البعض يصعب أن يجدوا لها إجابات صريحة عملية، فذُكِرَ منها:
· تطلَّع كثير من الشيوخ الذين رأوا في طفولتهم هيكل سليمان بكونه أحد عجائب الدنيا، فصار بعضهم يَبْكُون، إذ لا وجه للمقارنة بينه وبين الهيكل الجديد. صاروا يتساءلون: تُرَى هل يأتي وقت يهدمون فيه الهيكل الجديد باعتباره هيكلاً مؤقتًا، ويُقِيمون هيكلاً كالهيكل القديم؟ ومن الذي يفعل هذا؟ وهل يوجد من ينفق عليه كما فعل داود قبل موته وأيضًا ابنه سليمان؟
· هل يمكن أن يعود الكهنوت في نقاوته ومجده كما في أيام هارون؟
· هل من مقارنة مع العبادة في الهيكل، خاصة في الأعياد، كما كان يحدث في أيام سليمان، حيث كان يجتمع الشعب من كل الأسباط؟
· هل سيسترد كل سبط نصيبه في الأرض التي استلمها من يشوع وتوارثتها الأجيال؟
· هل تسترد إسرائيل وحدتها بين كل الأسباط، ويكون لها عظمتها ومجدها وغناها وسلطانها كما في أيام سليمان؟
· كلما عَبَرَ الزمن اعتاد سكان أورشليم ويهوذا على الخضوع والاستسلام للإمبراطورية الفارسية التي وهبتهم العودة كمنحةٍ، لكن لم تتركهم يختارون لأنفسهم ملكًا من نسل داود. فأين هو الوعد الإلهي بخصوص بيت داود؟ هل بالفعل سيتحقق؟ هل ستتحقق نبوات الأنبياء حتى في أثناء السبيّ، كقول الرب على لسان حزقيال: "وأُقيم عليها راعيًا واحدًا، فيرعاها عبدي داود، هو يرعاها، وهو يكون لها راعيًا، وأنا الرب أكون لهم إلهًا، وعبدي داود رئيسًا في وسطهم. أنا الرب تكلمتُ" (حز 34: 23-24). "فيكونون لي شعبًا، وأنا أكون لهم إلهًا. وداود عبدي يكون ملكًا عليهم، ويكون لجميعهم راعٍ واحدٍ، فيسلكون في أحكامي، ويحفظون فرائضي، ويعملون بها. ويسكنون في الأرض التي أَعطيتُ عبدي يعقوب إيَّاها، التي سكنها آباؤكم، ويسكنون فيها هم وبنوهم وبنو بنيهم إلى الأبد، وعبدي داود رئيس عليهم إلى الأبد" (حز 37: 23-25).
وقول الرب على لسان زكريا النبي: "وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات" (زك 12: 10).
الآن بعد العودة من السبي، جاء هذان السفران يستعرضان خطة الله بخصوص بيت داود الملوكي والمهتم بعبادة الله الحيّ. لكن يقف اليهودي الراجع ليرى مملكة الشمال لم يعد لها وجود. ولم تُذكَر العاصمة "السامرة" في هذين السفرين سوى ثمان مرات، وجميعها تظهر في حالة حرب ومقاومة ليهوذا وأورشليم.

بين سفري أخبار الأيام وسفري صموئيل الثاني والملوك الثاني

كُتِبَ سفرا صموئيل الثاني والملوك الثاني قبل السبيّ، أما سفرا الأخبار فبعد العودة من السبي. سفرا صموئيل الثاني والملوك الثاني يتتبعان الجانب التاريخي من وجهة النظر النبوية، أما سفرا أخبار الأيام فيُرَكِّزان على الجانب الكهنوتي التعبُّدي، وعلى طقس الهيكل. يبرز الكاتب بركة الرب ونعمته على داود الذي كان يشتهي بناء الهيكل، وإذ لم يُسمَح له، اهتم بتدبير الإمكانيات المادية لابنه سليمان كي يحقق شهوة قلب أبيه، كما اهتم بتنظيم العبادة وفِرَق المُسَبِّحين.
كثيرًا ما اهتم ملوك يهوذا بالهيكل على خلاف ملوك إسرائيل المُقاوِمين للهيكل.
يرى القديس جيرومأن سفري أخبار الأيام الأول والثاني هما خلاصة العهد القديم.
يحتوي سفرا أخبار الأيام الأول والثاني على تاريخ الأمة اليهودية، خاصة ما هو مكتوب في أسفار صموئيل الثاني والملوك الأول والثاني، فيُحسَب أشبه بتفسيرٍ روحيٍ لأسفار صموئيل والملوك[9]. إنهما يشتملان على تاريخ اليهود من بداية حُكْمِ شاول الملك إلى صدقيا الملك. فهل يعني هذا أن أخبار الأيام الأول والثاني هما تكرار لما ورد في أسفار الملوك بلا هدف؟ بالتأكيد لا، للأسباب التالية:
1. يستخدم الكتاب المقدس أحيانًا الإعادة إلا أن هناك حكمة في هذا، مثال ذلك: يوجد بعض التكرار في كل من إنجيلي مرقس ومتى، ولكن الروح القدس في حكمة يراعي في توصيل كلمة الله أن يُعطِي الحقيقة مُرَكَّزة ثم يعود ويختار بعض الأجزاء ليُسَلِّطَ الضوء عليها. وكأن الروح القدس ينظر إلى المساحة خلال تليسكوب، ثم يختار جزءًا مُعَيَّنًا، ويوضحه لنا بالتفصيل تحت الميكرسكوب. هذا هو ما حدث تمامًا في سفري أخبار الأيام الأول والثاني.
2. بينما يُمَثِّل سفر صموئيل الثاني وسفرا الملوك الأول والثاني التاريخ السياسي لإسرائيل ويهوذا، فإن سفري أخبار الأيام الأول والثاني يُقَدِّمان النظرة الدينية لنسل داود في مملكة يهوذا. ويمكن القول بأنهما يُمَثِّلان وجهة النظر الكهنوتية والروحية، بينما الأسفار السابقة تُمَثِّل وجهة النظر النبوية والأخلاقية.
3. في سفري الأخبار يتخطَّى الله الأساس الذي كُتِبَ في أسفار صموئيل والملوك لكي يُؤكد أشياء يعتبرها مهمة، فمثلاً:
أ. التركيز في سفر أخبار الأيام الأول يقع على داود، والتركيز في سفر أخبار الأيام الثاني يقع على نسله. وعند ذكر انقسام مملكتي الشمال والجنوب نجد أن مملكة الشمال قد أُهمِلَتْ.
ب. لا يذكر سفر أخبار الأيام الأول أغلب أخطاء وضعفات داود، لأن الله غفرها له تمامًا، ولذلك لا يذكرها ثانية.
ج. يعطي سفرا الملوك تاريخ الأمة من وجهة نظر العرش، بينما سفرا الأخبار من وجهة نظر المذبح. في سفر الملوك القصر هو المركز، بينما في سفر الأخبار الهيكل هو المركز.
د. سفرا الأخبار هما تفسير لسفري الملوك، لأننا كثيرًا ما نرى ذكر العبارة الآتية في الملوك: "أليس هو مكتوب في سفر أخبار ملوك إسرائيل؟"
لمن كُتِبَ السفران؟

كُتِبَ هذان السفران بالأكثر للملوك والقادة الدينيين، ليدركوا أن القائد الحقيقي هو الله، فلا يتشامخ أحد أو يعتدُّ بذاته. كما قدَّمه للشعب، ليدركوا أن خلاصهم يتحقق لا بفضل القادة وقدرتهم، وإنما بالرجوع إلى الله. ونحن كمسيحيين، ندرك أن خلاصنا هو بالمسيح الملك الحقيقي ورئيس الكهنة السماوي وحمل الله المبذول، ليقود موكبنا إلى السماء.
يفتح لنا هذان السفران أبواب الرجاء في مراحم الله، الذي وإن أدَّبنا بسبب خطايانا، إنما إلى لحظة، فيفيض بمراحمه علينا. كما يكشف لنا عما يتوقعه الله من مؤمنيه كقادةٍ وشعبٍ.
هذا ويعلن السفر بطريقٍ أو آخر أن رجاءنا كله في إسرائيل الجديد، كنيسة المسيح، حيث يكون ملكها وكاهنها والذبيحة والشفيع هو السيد المسيح، ابن داود، يحمل البشرية إلى مملكته الأبدية.

تقسيم سفر أخبار الأيام

كان سفرا أخبار الأيام في الأصل سفرًا واحدًا، مثل أسفار صموئيل والملوك، وقد تمَّ تقسيمه إلى جزأين في الترجمة السبعينية في القرن الثالث قبل الميلاد.
في ذاك الوقت أُعطي اسم Pawa leipomenon أو "التي لم تُذكَر" أو "الأشياء المحذوفة"، إشارة إلى الأشياء التي لم تُذكَر في أسفار صموئيل والملوك.
يرجع اسم "أخبار الأيام" إلى القديس جيروم في الفولجاتا (385- 405 ق. م) وهو الذي رأى أنه حيث أن السفريْن يُعتبرَان مُلَخَّصًا للعهد القديم، لذلك من الأفضل أن يُسميا "أخبار Chronicon" كل التاريخ المُقدَّس.

الظروف المحيطة بالكاتب

على الرغم من أن كاتب سفري أخبار الأيام يُسجِّل أحداث نفس الحقبة الخاصة بأسفار صموئيل والملوك، وأحيانًا يستعمل نفس اللهجة، وربما يستعير من صفحاتها، إلاَّ إنه يكتب من وجهة نظر مختلفة وكتابته لها صفة مُميَّزة. ففي الوقت الذي كُتِبَ فيه هذان السفران كان شعب إسرائيل يجتاز حقبة حرجة جديدة في تاريخه تختلف عما كانت عند كتابة أسفار صموئيل والملوك.
لقد رجع عزرا إلى اليهودية في عام 458 قبل الميلاد، وكان نظام الملكية مُعَلَّقًا لمدة 130 عامًا بعد معاناة مُرَّة من الملوك الأشرار، ولم يكن عند الأمة رجاء أو تفكير في تجديد الملكية. وكان قد مضت عشرات السنوات منذ أن عاد أول فوج من السبي، عندما بدأوا في إعادة تثبيت الأمة في أورشليم، كانوا قد استسلموا لوضعهم كرعايا للإمبراطورية الفارسية، وكانت حكومتهم المدنية على نمط شعبٍ مقهورٍ، وإن كانت صفتهم القومية واضحة ومميزة، إلاِّ أنها أخذت شكًلا مختلفًا، إذ لم تكن بعد ملكية ودينية بل دينية فقط.
فيما عدا ما يخص الديانة، كانوا خاضعين للحكام وقوانين الإمبراطورية التي أصبحوا جزءًا منها. في إطار ديانتهم، كانوا بالأكثر عبرانيين وما زالوا خاضعين للثيؤقراطية theocracy لكن بشكلها الخارجي الذي كان قد تغيَّر مرة أخرى. فالملكية ولَّتْ ومعها سلسلة الخدام المُتميزين التابعين لحُكْمِ الله، أيّ سلسلة الأنبياء التي كانت ضابطة ومُنظِّمة للملكية. ومن ثَمَّ أصبح المُمَثِّل الأرضي للثيؤقراطية هو المُمَثِّل لرئاسة النظام الديني، أيّ رئيس الكهنة، وأصبحت قومية الشعب دينية منذ ذلك الوقت فصاعدًا.
كان هذا التغيُّر في الشعب العبراني هو السبب الذي دعا عزرا لإعادة كتابة الجزء الأخير من تاريخ جنسهم، فسفرا الملوك أشارا إلى العلاقة بين المملكتين مع النظام المميز مُمَثَّلاً في الأنبياء، بينما سفرا الأخبار أشارا إلى العلاقة بين مملكة داود الشرعية مع النظام العام للخدمة والعبادة المُرتّبة من الله. هذا المفتاح لغرض إعادة سرد التاريخ، لكي يهيئ الفكر أن ابن داود هو مَرْكَز التاريخ كله. في نهاية الأصحاح العاشر لسفر أخبار الأيام الأول بدأ يتابع المملكة الثيؤقراطية.
في سرد تاريخ داود وسليمان أرَّخَ الكاتب تقريبًا من وجهة النظر الدينية المحضة، وشغل مُلْك داود عدة أصحاحات أغلبها خُصِّص لنقل التابوت إلى أورشليم، وتحديد موقع الهيكل، والتحضير لبنائه، ووضع الترتيبات الخاصة بالعبادة الإلهية. أما العلاقات العائلية لداود، وخطيته مع بثشبع، وعصيان أبشالوم وأدونيا، ومزمور الشكر لانتصاره، وكلماته الأخيرة فلم تُذكَرْ.
كذلك الحال في سرد تاريخ سليمان، حتى خُصِّصَتْ ستة أصحاحات من تسعة لبناء الهيكل وتكريسه (2 أي 2-7)، أما الأمور الدنيوية المُختصَّة بالأربعين عامًا لملكه، فقد لُخِّصَتْ تقريبًا في ثلاثة أصحاحات (2 أي 1، 8-9).
كذلك كُتِبَ سرد لتاريخ الملوك اللاحقين بنفس الطريقة:
1. هرب الكهنة واللاويون من عبادة يربعام الخاطئة في المملكة الشمالية، وشَدَّدوا مُلْك رحبعام بتَجَمًّعهم حوله (2 أي 11: 13-17). كما جاء نداء أبيا إلى رعايا يربعام متهكمًا على عبادته التي هي مزيج بين عبادة الأصنام وعبادة الله الحي، هذه التي اخترعها. وقارن بينها وبين الأمجاد الدينية القديمة التي احتفظ بها في أورشليم (2 أي 13: 9، 12).
2. قام آسا بإحياء العبادة في الهيكل، وتجديد العهد بين الله وشعبه "وطلبوه بكل رضاهم، فوُجِد لهم، وأراحهم الرب من كل جهة" (2 أي 15: 1، 15). ويماثل ذلك أخبار ملك يهوشافاط ويوآش. وفي سرد أخبار يوآش أُعطِيَتْ أهمية خاصة لرئيس الكهنة يهوياداع لموقفه أثناء الكارثة التي سبَّبتها عثليا بقتل كل نسل داود (2 أي 23). وأيضًا السرد الطويل لمُلك حزقيا ويوآش حيث وصف في أصحاحات عديدة التجديدات التي تمَّتْ في الهيكل وخدمة الهيكل وترك أصحاحات قليلة لوصف الخدمات الأخرى (2 أي 29، 31، 34-35).
من الواضح أن غرض عزرا من كتابة سفري الأخبار هو أن يضع أمام اليهود اعتبارًا خاصًا لتاريخهم، لكي يظهر لهم أنه من قبل تكوين حكمهم كثيؤقراطية، فإن الأمجاد وكذلك الضعفات حتى الخاصة بالملك داود كان لها صلة وطيدة بالاعتراف بحضور الله خلال المحافظة على العبادة التي قرَّرها الله لهذا الغرض. والهدف من وجهة نظر تاريخهم بهذه الطريقة هو لتقوية الوعي الديني لقوميتهم، ولتعليمهم أن قمة مجدهم هو مُلْك الله عليهم، وأنه بالرغم من أن هذا المُلْك كان يُمارَس خلال الأنبياء إلاَّ أن مظهره العادي والطبيعي كان الاعتماد على النظام الكهنوتي (اللاوي).

ارتباط مملكة إسرائيل ببيت الرب

1. سليمان الملك الذي اتَّسم بالحكمة والغِنَى، واشتهر اسمه في العالم، تبدو حياته كأنها تُرَكِّز على بناء بيت الرب. كما نراه يشفع ويُصَلِّي عن الشعب. كان رمزًا لمسيحنا الذي هو شفيعنا الكفَّاري السماوي (1 يو 2: 1–2).
v أية عظمة لحمل الله الذي ذُبِحَ لكي يرفع الخطية ليس عن قليلين بل عن كل العالم، الذي من أجله تألم؟ "لأنه إن أخطأ أحد، فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا العالم أيضًا" (1 يو 2: 1–2). إذ هو مُخَلِّص كل بشرٍ، ولاسيما المؤمنين (1 تي 4: 10). إنه هو الذي محا الصك الذي كان علينا بدمه، ورفعه من الوسط، فلم يعد أثر للخطايا التي وُجِدَتْ بل مُحِيَت، مُسَمِّرًا إياها على الصليب، هذا الذي إذ جرَّد الرئاسات والسلاطين أشهرهم جهارًا، ظافرًا بهم في الصليب (كو 2: 14–15). هكذا تعلَّمنا أن نكون فرحين حينما نتألم في العالم. نتعلَّم عِلَّة فرحنا، وهي أن العالم قد انهزم (يو 16: 33). وبالتأكيد خضع لمن غلبه. لهذا كل الأمم تتحرَّر ممن سيطروا عليهم، وصاروا يخدمونه، إذ ينقذ الفقراء من الجبار وذلك بقوة آلامه، ويُخَلِّص المسكين الذي لا مُعِين له (مز 72: 4–5).
العلامة أوريجينوس
2. يظهر الارتباط بين المملكة وعبادة الرب في الملوك الأتقياء. نقرأ عن الملوك الصالحين، مثل يهوشافاط وحزقيا ويوشيا أن سرَّ نجاحهم هو ارتباطهم بالهيكل والعبادة للرب.
3. في أيام آحاز الملك الشرير، إذ حاول تدمير العبادة لله، وكان يحمل بغضة شديدة لبيت الرب، تدمَّرت المملكة جزئيًا في عصره.
مع كل مقاومة لإبليس ضد العبادة لله، يرسل الله قائدًا أو أكثر ليُصلِحَ ما فسد، حتى عندما سقطت مملكة إسرائيل وبعدها يهوذا في السبي، أرسل الله أنبياء لرَدِّ الشعب إلى الله، وتكلم في قلب كورش الفارسي لعودة الشعب إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل.
مقاومة إبليس لبيت الرب لا تتوقَّف، بل تتزايد حتى عندما جاء كلمة الله المتجسد، حوَّل مقاومة إبليس ليُصْلَبَ ربُّ المجد عن العالم كله لخلاص البشرية. وسيبقى العدو يقاوم بيت الرب حتى مجيء ضد المسيح ليُفسِدَ العالم، لكن مع كل مقاومة يرجع الكثيرون إلى الرب، ويتزكَّى أولاد الله، حتى تُعلَن الكنيسة العروس المجيدة التي تتمتَّع بشركة الأمجاد الأبدية.

نظرة عميقة لدور الملك أو القائد

يُقَدِّم السفران للراجعين من السبي إجابة على التساؤلات الخفية التي كانت تدور في أذهانهم، تمسُّ حياة كل مؤمنٍ وتسند من يتمتَّع بعمل الله الذي يَرُد الإنسان من سبي الخطية، ومذلَّة العبودية لإبليس، ليعيش في كنيسة المسيح، أورشليم الروحية، عربون السماء.
بلا شكٍ فقد الراجعون من السبي الأمل في قيام مَلِكٍ من بيت داود يجلس على الكرسي، ليَرُدَّ لإسرائيل كيانه كمملكة يقودها ملك قادر أن يقف بين ملوك الأمم والشعوب المحيطة مرفوع الرأس. يرون في الملك عمودًا يستند عليه الشعب كما كل مؤمنٍ، فلا يقدر عدو أن يغتصب منهم أرض الموعد التي ورثوها منذ أيام يشوع، وامتدَّت في أيام داود، وسادها السلام في أيام سليمان.
ما يؤكده السفران أن سرَّ القوة في الملك أو القائد هو التصاقه بالرب، واهتمامه بالعبادة الصادقة المستقيمة، وحفظه لشريعة الرب، وارتباطه بالوصية الإلهية.
فإن كان داود الملك هو المثال الأعلى الذي يُقَاس عليه نجاح الملك أو فشله، فإن سرَّ نجاح داود لا قدرته على الإدارة ولا جاذبية شخصيته، ولا شجاعته، ولا خبرته العسكرية، إنما يُقَدِّم لنا سفر أخبار الأيام الأول داود، بكونه أشبه بموسى. كما كان موسى قائدًا لشعب الله في البريَّة، هكذا كان داود قائدهم في أرض كنعان. انشغل داود بتنظيم الشعب باسم الرب، واهتم بالإعداد لبيت الرب، لكي يُعلِنَ سُكنَى الله وسط شعبه، كما أقام موسى خيمة الاجتماع، حيث يجتمع الله بشعبه.
عندما يتحدث سفر أخبار الأيام الثاني عن ملك صالح في يهوذا يقول: "عمل المستقيم في عينيْ الرب"، ويضيف أحيانًا عبارة "كما فعل داود أبوه". فَسِرُّ نجاح داود، أنه عمل المستقيم في عينيْ الرب، لا في عينيْ نفسه، ولا في أعين القادة أو الشعب.
وعندما تحدَّث سفر أخبار الأيام الثاني عن سليمان كمَلِكٍ، أبرزه كمن لا عمل له إلا بناء الهيكل الذي وضع تصميمه أبوه بإرشاد إلهي، ودشَّنه بأُبَّهة لا مثيل لها.
وفي عرضه لملوك يهوذا الذين جلسوا على العرش بعد سليمان حتى أيام السبي، ما يشغل الكاتب أن يُعْلِنَ إن كان الملك قد عمل المستقيم في عيني الرب، أم عمل الشر.
وكأن الكاتب يود أن يُوَجِّه أنظارهم لا إلى البشر لأنهم ضعفاء وراحلون من هذا العالم، إنما يتطلَّعون أن يجلس ابن داود على كرسيه في داخل كنيسته المُقدَّسة كما في قلب كل مؤمنٍ.
يليق بهم كما بنا ألا ننشغل بأرضٍ في هذا العالم، إنما بسيد الأرض كلها، القادر أن يهبنا أرضًا جديدة وسماءً جديدة، بتقديسه لأجسادنا كما لنفوسنا، فيسكن برُّ المسيح فينا، ويعلن بهاءه في داخلنا!
إن ما قلناه عن داود وسليمان، وعن الهيكل والعبادة، يقودنا إلى نظرة خاصة تجعل الله مَلِكًا على شعبه في أرضه. فالجماعة اليهودية أسَّسها الله، وجعل داود مَلِكًا عليها. بل الله هو الملك الوحيد، أما داود فيجلس على عرش الله، باسم الله. وحينئذ يُصَوِّر كتاب الأخبار مملكة الله كما يُمَثِّلها أي إنسان.
كأن سفري أخبار الأيام أرادا توجيه أنظار العائدين من السبي إلى المَلِك الأبدي البار الممسوح ليُقِيمَ خيمة داود الساقطة، وتمتد مملكته إلى أقاصي الأرض، ناموسها الحق والعدل الإلهي.
نقتبس هنا بعض نبوات عن شخصه العجيب كمَلِكٍ سماوي ومملكته الفائقة:
"أقيم لداود غصن برّ، فيملك ملك وينجح ويُجري حقًا وعدلاً في الأرض" (إر 23: 5).
"اسألني، فأعطيك الأمم ميراثًا لك، وأقاصي الأرض مُلْكًا لك" (مز 2: 8).
"كرسيُّك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب استقامة قضيب ملكك. أحببتَ البرَّ وأبغضتَ الإثم، من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك... جُعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير..." (مز 45).
"اللهم أعطِ أحكامك للملك، وبرّكَ لابن الملك. يدين شعبك بالعدل ومساكنك بالحق... يملك من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض" (مز 72).
"وفي أيام هؤلاء الملوك يُقِيمُ إله السماوات مملكة لن تنقرض أبدًا، وملكها لا يُترك لشعبٍ آخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك، وهي تثبت إلى الأبد" (دا 2: 44).
"كنتُ أرى في رؤى الليل، وإذا مع سُحُبِ السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام، فقرَّبوه قدامه، فأعطي سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبَّد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطان أبدي ما لا يزول، وملكوته لا ينقرض" (دا 7: 13-14).
يُدعَى السيد المسيح "ملك الملوك". هو الملك السماوي، نتحد به، فنحمل الشركة في سمته كملكٍ، فنُحسَب ملوكًا، ويُدعَى هو "ملك الملوك" (1 تي 6: 15؛ رؤ 17: 14؛ 19: 16).
v الذين كانوا يُمسَحون في العهد القديم هم إما كهنة أو أنبياء أو ملوك. أما نحن المسيحيين، أصحاب العهد الجديد، فيلزم أن نُمسَح لكي نصير ملوكًا مُتسلِّطين على شهواتنا، وكهنة ذابحين أجسادنا، ومُقَدِّمين إياها ذبيحة حيَّة مُقدَّسة مرضيَّة عبادتنا العقليَّة، وأنبياء لإطلاعنا على أسرارٍ عظيمةٍ جدًا وهامة للغاية.
v ليتنا لا ننزع عنا الختم الملوكي والعلامة الملوكية لئلا نُحسَب مع غير المختومين، فلا نكون أصحاء، إنما يليق بنا أن نكون متأسسين بثبات على الأساس، فلا نُحمَل إلى هنا وهناك.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v أنت لا تسكن إلا في بيت نظيف ونقي، وتلحقك الإهانة إن سكنت في بيتٍ قذرٍ.
كيف يحلُّ ملك الملوك ورب جميع الأرباب في نفس مملوءة حمأة نتنة؟
اطرد من نفسك كل شر الأهواء الشريرة، حينئذ يحلُّ عندك الملك وجيشه العظيم.
القديس مار يعقوب السروجي

السلالة الكهنوتية في سفري الأخبار

كما اهتم السفران بالسلالة الملكية، اهتمَّا أيضًا بالسلالة الكهنوتية. وقد أبرزا نظرة عميقة للكهنوت:
1. يربط السفران بين العمل الملكي والعمل الكهنوتي، فازدهار بيت داود يصحبه ازدهار الكهنوت، وانحراف أحدهما يؤثر على الآخر.
يكشف السفران عن اهتمام الكهنة باستمرارية عرش بيت داود، وفي نفس الوقت الغيرة القوية للغاية التي للملوك الصالحين من بيت داود على الهيكل والعاملين فيه. فنرى يهوياداع الكاهن يهتم أن يخفي الطفل يوآش من عثليا حتى لا تقتله، وبالتالي يوجد شخص من بيت داود يستلم العرش بعد ست سنوات، وكان عمره سبع سنوات. ومن الجانب الآخر، إذ صار يوآش ملكًا كان مهتمًا بتجديد الهيكل إلى يوم وفاة يهوياداع. وحينما قتل يوآش الملك زكريا بن يهوياداع الكاهن قيل في السفر: "لم يذكر يوآش الملك المعروف الذي عمله يهوياداع أبوه معه، بل قتل ابنه" (2 أي 24: 22)[14].
2. أكَّد سفر أخبار الأيام الثاني التزام الملوك ألا يغتصبوا العمل الكهنوتي، ولا الكهنة العمل الملوكي، لكن الفريقين يعملان معًا في تناغمٍ وانسجامٍ لبنيان شعب الله. سرد السِفْر الحادث الفريد أثناء مُلك عُزِّيا الذي حاول اقتحام الخدمة المُقدَّسة الكهنوتية، فدخل الهيكل ليُبَخِّرَ، ولما قاومه الكهنة عَضَّدهم الله بقوته (2 أي 26: 16، 21)، إذ ضُرِبَ بالبرص في الحال، واضطر أن يقضي بقية سنوات حياته في بيت المرض، وكان ابنه يوثام يُدِير المملكة في هذه الفترة.
3. أبرز سفر أخبار الأيام الثاني ضعفات الكهنة، فجاء فيه: "لأن اللاويين أكثر استقامة قلبٍ من الكهنة في التقديس" (2 أي 29: 34).
يدعونا السفر إلى طلب مَلِك من نسل داود، لكن ليس على مستوى ملوك يهوذا، بل يكون ملكه أبديًا ويمتد إلى كل الأمم. ليس أن يكون الملك في انسجامٍ وتوافق مع كهنة إسرائيل، بل وهو ملك الملوك هو بعينه رئيس الكهنة السماوي.
ما يشغل قلب المؤمن المسيحي في سفري أخبار الأيام هو أن يرى هذا الوفاق وقد تمَّ في أسمى صورة في كلمة الله المتجسد. فهو عجيب في ملوكيته، وعجيب في كهنوته. بهذا يرى المسيحيون أن ما ورد في سفري أخبار الأيام يخدم الإيمان المسيحي[15].
من جهة ملوكيته، بَشَّرَ الملاك جبرائيل القدِّيسة مريم عن تجسد الكلمة في أحشائها، قائلاً: "هذا يكون عظيمًا وابن العليّ يُدعَى، ويُعطِيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لمُلكِه نهاية" (لو 1: 32-33). أما عن كهنوته، فالمسيحي يؤمن أن يسوع المسيح قدَّم نفسه على الصليب ذبيحة خطية وذبيحة كفَّارة عن العالم كله. يقول السيد نفسه: "هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفَك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (مت 26: 28). ويقول الرسول: "المسيح مات من أجل خطايانا" (1 كو 15: 3). كما يقول: "لأنه يشهد أنك كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق" (عب 7: 17). "لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس في يمين عرش العظمة في السماوات" (عب 8: 1).
أكَّد الرسول بولس في رسالته إلى العبرانيين الوحدة بين ملوكية السيد وكهنوته، فإن كهنوته يكمل بجلوسه على العرش في السماء. إذ كتب: "بعد ما صنع تطهيرًا لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي" (عب 1: 3)، وفي نفس الأصحاح يقول: "وأما عن الابن: كرسيُّك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب استقامة قضيب ملكك" (عب 1: 8).
يُقَدِّم لنا القديس بولس في رسالته إلى العبرانيين صورة حيَّة للسيد المسيح كرئيس الكهنة على رتبة ملكي صادق، يدخل بنا إلى الأقداس السماوية، يشفع فينا بدمه، ويُقَدِّم حياته ذبيحة عنا. بدأ حديثه في الأصحاح الخامس عن هرون بكونه أول رئيس كهنة مدعوًا من الله مباشرة لهذا العمل، والمتفوق على جميع رؤساء الكهنة الذين خلفوه، لكنه يحتاج إلى تقديم ذبائحٍ عن نفسه بسبب ضعفه، قبل أن يُقَدِّمها عن الشعب، ليُقَدِّمَ لنا من هو أعظم منه بما لا يُقَاس، ربنا يسوع الذي يدخل بنا إلى الأقداس السماوية، يشفع فينا على مستوى جديدٍ وفريدٍ.
ما قلناه عن السيد المسيح كملك الملوك السماوي، نقوله عنه كرئيس الكهنة السماوي. فمن جانب، نتمتَّع بالشركة معه، فننعم بالكهنوت العام، نبسط أيادينا في الصلاة، فتُقبَل ذبيحة شكر وتسبيح لدى الآب خلال ابنه الكاهن الأعظم. ونُقَدِّم العبادة ككهنة نطلب عن العالم كله، فنُصلِّي الصلاة الربانية باسم الكنيسة كلها قائلين: "أبانا الذي في السماوات".
v أنت هو الكاهن وأنت الذبيحة، أنت المُقَدِّم وأنت التقدمة!
v أظن أنه ليس أحد من بين المؤمنين يشكُّ بأن كهنوت اليهود كان رمزًا للكهنوت الملوكي الذي كان يلزم أن يتحقّق بالكهنوت الذي في الكنيسة، حيث يتكرَّس الكل، هؤلاء الذين يَنْتَمون إلى جسد المسيح، رئيس الكهنة الأعظم والأسمى. فالآن الكل ممسوحون، بينما في تلك الأيام كانت المسحة للملوك والكهنة وحدهم. وعندما كتب بطرس إلى الشعب المسيحي تحدَّث عن "كهنوت ملوكي"، وأظهر بوضوحٍ أن هذا الشعب يوصف باللقبيْن معًا هذه التي من أجلها قد تخصَّصت المسحة.
v يُصَلِّي المسيح عنا، ويُصَلِّي فينا، ونُصَلِّي إليه. يصلي عنا بكونه كاهننا، ويصلي فينا بكونه رأسنا، ونصلي إليه بكونه إلهنا، لهذا نتعرَّف على صوتنا فيه، ونتعرَّف على صوته فينا.
v ليُصلِّ كل واحد منَّا عن الآخر كما يشفع المسيح عنَّا.
القديس أغسطينوس
v عظيم هو الفارق! إنه هو الفدية والكاهن والذبيحة! فلو كان الأمر غير ذلك لصارت هناك حاجة إلى تقديم ذبائح كثيرة، وكان يُصلَب مرارًا كثيرة.
القديس يوحنا الذهبي الفم

اللاويون في سفري الأخبار

إذ اهتم سفرا أخبار الأيام بخدمة الهيكل، نرى كلمة "لاوي" التي وُجِدَتْ فقط خمس مرات في سفر اللاويين في أصحاحٍ واحدٍ، نجدها تتكرر في سفري أخبار الأيام 99 مرة. أن أضفنا إلى السفريْن سفري عزرا ونحميا كمُكَمِّليْن لهما، نجد الكلمة في الأسفار الأربعة تتكرَّر 158 مرة أكثر من استخدامها في كل بقية أسفار الكتاب المقدس معًا.
هذا وقد جاءت أنساب العشائر الخاصة باللاويين هنا بتفصيل لم ترد في سفر آخر.
يكشف سفرا أخبار الأيام عن دور اللاويين في إحياء العبادة في فترة ما بعد السبي، وقد تزايد دورهم وأهميتهم عمّا كان قبل السبي.
لقد أعطى السفران للاويين دورهم في بث روح التسبيح والفرح في وسط هذا الشعب الذي حطَّمه السبي. كما كان اللاويون ملتزمين ببث روح الأمان في الهيكل والاطمئنان بجانب اهتمامهم بالتعليم وإدارة شئون الهيكل. يرى بعض الدارسين أن اللاويين قاموا بالكثير من أعمال الأنبياء في فترة ما قبل السبي.
جاء الحديث عن نشاط المُغَنِّين (المُسَبِّحين) في الهيكل والموسيقيين (2 مل 23: 13)، حتى ظن بعض الدارسين أن كاتب السفريْن حتمًا أحد أحفاد المُغَنِّين الذين عيَّنهم داود الملك للتسبيح في بيت الرب.
يُحَدِّثنا سفرا الأخبار عن خدام الهيكل، وكلهم من أبناء لاوي. فوظيفة الكهنة هي النفخ في الأبواق أمام تابوت العهد (1 أي 15: 24؛ 2 أي 13: 12)، ورشّ دم الضحايا على المذبح (2 أي 30: 16). أما اللاويون فليسوا عُمَّالاً من درجة دنيا، بل لهم دورهم في شعائر العبادة. كانوا يحملون تابوت العهد، ويفتحون أبواب الهيكل، ويحرسون مداخله، ويعزفون وينشدون، ويشاركون الكهنة في تهيئة الذبائح، لا في تقديمها (2 أي 29: 24؛ 30: 16-17). كانوا يشاركونهم في حمل كتاب شريعة الله وتعليم الشعب (2 أي 17: 7-9؛ 35: 3). ولقد اهتم سفرا أخبار الأيام بلوائح أنساب اللاويين، فلم ينسَ عشيرة من عشائرهم. كما أثنى على غيرتهم ومهارتهم الفائقة في خدمة الرب، فقال عنهم: "لأن اللاويين أكثر استقامة قلبٍ من الكهنة في التقديس" (2 أي 29: 34).
نتوقَّف هنا نحن المسيحيين عند أُسس العبادة في كنائسنا، عند دور الكهنة ومساعديهم في ممارسة الطقوس. للأشخاص دورهم الذي لا يُستغنَى عنه، ولشعائر العبادة أهميتها اليوم وفي كل يومٍ. كان لشعب العهد القديم طرق عبادته، التي تقوم بتقدمة الذبائح في الهيكل ورفع الصلوات إلى الله. وسيكون لشعب العهد الجديد طرق عبادته، حول الذبيحة الوحيدة، ذبيحة ربنا يسوع المسيح التي نعيشها على مذبحنا في القداس، وفي حياتنا في سائر الأسرار والطقوس. جوهر العبادة هو بذاته، التقوى ضرورية لتنقلنا من عالم البشر العادي إلى السماء.

اللاويون في العهد الجديد

اهتمت الكنيسة منذ العصر الرسولي بالشمامسة، بكونهم يقومون بدور اللاويين في كنيسة العهد الجديد. شعر التلاميذ أنه ليس حسنًا لهم أن يرتبكوا بالأمور المادية، حتى وإن كانت لخدمة الأرامل والفقراء، فإن مَسَرَّتهم هي في نشر الكلمة والصلاة. فالكرازة هي العمل الأساسي للرسل، لن يسمحوا لتدبير شئون الكنيسة الإدارية أو المالية أن تسحب قلوبهم أو وقتهم عن هذا العمل. لقد حسب التلاميذ كل المهام المالية الخاصة بالكنيسة خدمة موائد. مع ما لها من أهمية، فهي ليست من اختصاص الرسل.
وضع الاثنا عشر شرطًا هامًا للشعب في اختيار السبعة شمامسة، وهو أن يكونوا "مملوءين من الروح القدس وحكمة" (أع 6: 3)، ليقوم هؤلاء بخدمة الموائد اليوميَّة، أي خدمة الأرامل والمحتاجين.
عمل الشمَّاس المؤتمَن على خدمة الموائد في الكنيسة، لا أن يقف عند إشباع احتياجاتهم الماديّة والنفسيّة والاجتماعيّة، بل أن يُقِيم من الفقراء والمحتاجين هيكلاً للرب السماوي الذي يسكنه الثالوث القدُّوس. لا يقف عمله أن يأخذ من عند أقدام الرسل المال ويُقَدِّمه للمحتاجين، بل أن يغرف من غِنَى نعمة الله فيه ويسكب في القلوب بروح الله الساكن فيه، وبالسيد المسيح نفسه، حكمة الله.
v لقد اهتموا بسيامة الشمامسة حتى لا ينسحب (الرسل) من الالتزام بالكرازة بالكلمة.
القديس أغسطينوس
v لم يكونوا فقط مُجَرَّد رجال روحيين بل كانوا "مملوءين من الروح القدس وحكمة"، لأن خدمتهم تحتاج إلى مستوى عالٍ من التصرُّف بتعقُّلٍ حتى يتحمَّلوا شكاوى الأرامل. لأنه ما الفائدة أن يكون الخادم رجلاً أمينًا لا يسرق ومن ناحية أخرى يُبَدِّد الأموال أو يتعامل بفظاظة ويَسهُل إثارته؟
القديس يوحنا الذهبي الفم

خدمة الهيكل في سفري الأخبار

1. يُمكننا في اختصار أن نقول بأن سفري أخبار الأيام مشغولان بالملوك والكهنة واللاويين، وهؤلاء جميعًا شُغْلهم الشاغل هو خدمة الهيكل أكثر من كل الأعمال والانجازات الأخرى. كانت السلالة الملكية والكهنوتية والهيكل أعمدة يستند عليها المؤمن كما الأمة كلها كشعب الله. وحين زالت كل هذه الأعمدة، فقد الشعب رجاءه. كان لابد أن تزول على المستوى الحرفي، حتى لا يتعلَّق الشعب بالبشر الضعفاء، ولئلا يسند حياته على المباني التي لا تدوم. وحين ذهب الشعب إلى السبي، فهم الكثيرون أن الله هو سيد الأرض كلها، والسماء عرشه، والأرض موطئ قدميه. فهم الشعب ذلك، فكان يلزمهم أن يترقَّبوا الوعود الإلهية بمفهوم روحي جديد.
2. الهيكل والعبادة هما محور سفري أخبار الأيام، فيُقَدِّمان لنا تاريخ أورشليم المدينة المُقَدَّسة، والاحتفالات التي تُقَام في الهيكل. من أجل هذا، نرى السفريْن يتوسعان في ذكر سلسلة أنساب يهوذا لاوي لارتباطهما بالهيكل. وحين يذكر خلفاء داود يتوقَّف بصورة خاصة عند الملوك الذين كان شُغْلهم الشاغل بناء الهيكل وتنظيم شعائر العبادة. يظهر هذا الاهتمام أيضًا في سفري عزرا ونحميا. أما أبرز هؤلاء الملوك المُصلِحين فهم خمسة:
أ. آسا (2 أي 15).
ب. يهوشافاط (2 أي 20).
ج. يوآش (2 أي 24-25).
د. حزقيا (2 أي 29-31).
هـ. يوشيا (2 أي 34-35).
ويُحَدِّثنا سفر الأخبار عن الهيكل، فيقول: ليس هيكل إلا هيكل أورشليم، ولا عبادة شرعية إلا في المكان الذي اختاره الله لسكناه. ولهذا نراه يرفض كل المحاولات لتأسيس هيكلٍ غير هذا الهيكل الواحد. ويرفض إقامة الطقوس خارجًا عن الهيكل. ويقوم بهجومٍ عنيفٍ على السامريين الذين يبنون لهم هيكلاً على جبل جرزيم، بل تُغفَل أخبار مملكة السامرة التي قطعت كل علاقة بالهيكل بعد موت سليمان.
3. هذا الهيكل الذي أُعيِدَ بناؤه بعد الرجوع من السبي، ويتعلَّق به الشعب اليهودي، تنجَّس في زمن السلوقيين وأنطيوخس أبيفانُس في القرن الثاني ق. م. ولكن هيرودس جمَّله في بداية المسيحية ليصبح قبلة الأنظار. هُدِمَ هذا الهيكل سنة 70م، وتشتَّت كهنته، وأُلغيت ذبائحه، فتأسَّف عليه المسيحيون الجدد القادمون من العالم اليهودي. ولكن الرسالة إلى العبرانيين تُعْلِنُ لهم: لا فائدة من الذبائح إذ لنا ذبيحة واحدة هي يسوع المسيح. لا فائدة من الكهنة الذين يحتاجون أن يُقَدِّموا الذبائح الحيوانية عنهم وعن الشعب، لأن يسوع هو الكاهن والذبيحة الذي قدَّم نفسه مرة واحدة، فكان لنا سبب خلاص أبدي. ولا فائدة من هيكل من الحجر، لأن جسد يسوع هو الهيكل الجديد، ومركز حضور الله وسط البشر، فلا نحتاج إلى وسيط آخر.

الطاعة للشريعة في سفري الأخبار

كانت العبادة في موضع واحد هو هيكل أورشليم، والإقامة في مدينة مُقَدَّسة بالإيمان والفرح والتهليل، بفضل وجود الكهنة واللاويين، أما الطاعة لشريعة الله، فهي أولى واجبات الشعب في حياته اليومية. والعلاقة بين الله والشعب تُترجَم بمبدأ المكافأة والمجازاة: برُّ الله يجازي بالبركة أمانة الشعب وإخلاصه لله، وهي تؤدب كل تخاذلٍ أو عصيانٍ، وبالأخص فيما يتعلَّق بالهيكل والعبادة. مثل هذا التعليم يبدو واضحًا في حياة خلفاء داود.
حاولت فئات صغيرة أن تعيش هذه الحياة الخاصة بالطاعة لشريعة الله على مستوى الأمة كلها.
نذكر الفريسيين وجماعة قمران الذين سعوا أن يطبعوا الحياة اليومية بطابع قدسي. لكن الفريسيين تحجَّروا حول الشريعة، وممارسات الأجداد بالحرف القاتل. وجماعة قمران انفصلوا عن الشعب، وابتعدوا عن الهيكل، وانغلقوا على ذواتهم. لكن الفكرة التي أعلنوها ما زالت حية في جماعتنا الرهبانية، وإنما بمفهومٍ روحي والحب والصلاة عن البشرية كلها، خاصة تلك الجماعات التي تُكَرِّس حياتها للعمل والصلاة الليتورجية. مع اعتزالهم سواء في البراري أو الأديرة لم يفصلوا بين الحياة اليومية والحياة القدسية، فليس من استقلال الحياة اليومية عن شريعة الله التي تُنِيرها وتوجهها نحو الحب الإلهي والحب الأخوي.

النبوة في سفري الأخبار

ترجع النبوة إلى أيام أبوينا في جنة عدن، حيث قيل عن نسل المرأة يسحق رأس الحيَّة، والحيَّة تسحق عقبه (تك 3: 15). ونسمع عن أول قائد لشعب الله عند تحريرهم من عبودية فرعون وهو موسى النبي. كما قيل عن أخته مريم إنها نبية، ووُجِدَ أنبياء في عصر القضاة، من بينهم دبُّورة النبيَّة. وفي أيام الملوك مثل شاول وداود وُجِد أنبياء.
في مملكة الشمال حيث تزايد الشر جدًا، خاصة في أيام أخآب وامرأته إيزابل، وُجِدَ إيليا وأيضًا إليشع الخ. وفي مملكة الجنوب ظهر أنبياء يُعلِنون إرادة الله، ويسندون الملوك والقادة والشعب مع دعوتهم للتوبة والرجوع عن الشر.
يكشف سفرا أخبار الأيام عن دور الأنبياء في المملكتيْن.

المسيح في سفري أخبار الأيام

علينا كمؤمنين أن نُعْلِنَ الحضور الإلهي في حياتنا العملية على الدوام. إذا أردنا أن يأتي ملكوت الله، كما نطلب كل يومٍ في الصلاة الربانية، يلزمنا أن نتقدَّس على الدوام، فيعلن الرب ملكوته فينا بكوننا هيكله المقدس.
يرى بعض الآباء والدارسين أن غاية هذيْن السفريْن هو أن يضع المؤمنون رجاءهم في ابن داود الذي يملك على القلوب، ويُقِيم مملكته وهيكله داخل النفس.



مصادر السفرين

واضح أن سفري أخبار الأيام اقتبسا من الأسفار الموحى بها السابقة لهما، كما توجد مراجع أخرى مثل السجلات العامة والأنساب الخاصة باليهود. فقد كان اليهود يهتمون جدًا بحفظ سجلات الأنساب، وأيضًا بتسجيل الحوادث التاريخية الهامة. يظهر ذلك من تعليق أخبار الأيام الأول على الإحصاء الذي قام به يوآب بن صروية كتعليمات الملك داود: "لأنه كان من جرى ذلك سخط على إسرائيل، ولم يُدوَّن العدد في سفر أخبار الأيام للملك داود" (1 أي 27: 24).
ولعل أهم المصادر للسفر، هي:
أ. سفر أخبار الأيام للملك داود (1 أي 27: 24).
ب. سفر أخبار صموئيل الرائي: "وأمور داود الملك الأولى والأخيرة هي مكتوبة في سفر أخبار صموئيل الرائي وأخبار ناثان النبي وأخبار جاد الرائي" (1 أي 29:29).
ج. سفر أخبار ناثان النبي (1 أي 29:29؛ 2 أي 9: 29).
د. أخبار جاد الرائي (1 أي 29:29).
هـ. نبوة أخيَّا الشّيلونيّ: وبقية أمور سليمان الأولى والأخيرة، أما هي فمكتوبة في أخبار ناثان النبي، وفي نبوة أخيَّا الشّيلونيّ ورؤى يعدو الرَّائي على يربعام بن نباط " (2 أي 9: 29).
و. رؤى يعدو الرائي على يربعام بن نباط (2 أي 9: 29).
ز. مِدارَس (مدراش) النبي عدُّو: "وبقية أمور أبيَّا وطرقه وأقواله مكتوبة في مِدارَس (مدراش) النبي عدُّو" (2 أي 13: 22).
ح. سفر الملوك ليهوذا وإسرائيل: "وأمور آسا الأولى والأخيرة ها هي مكتوبة في سفر الملوك ليهوذا وإسرائيل" (2 أي 16: 11؛ 25: 26؛ 27: 7؛ 28:26؛ 35: 27؛ 36: 8). هذا السفر غير سفري الملوك اللذين في أيدينا.
ط. أخبار ياهو بن حناني: "وبقية أمور يهوشافاط الأولى والأخيرة ها هي مكتوبة في أخبار ياهو بن حناني المذكور في سفر ملوك إسرائيل" (2 أي 20: 34).
ي. إشعياء بن آموص النبي "وبقية أمور عُزّيا الأولى والأخيرة، كتبها إشعياء بن آموص النبي" (2 أي 26: 22).
ك. رؤيا إشعياء بن آموص: "وبقية أمور حزقيا ومراحمه ها هي مكتوبة في رؤيا إشعياء بن آموص النبي في سفر ملوك يهوذا وإسرائيل" (2 أي 32:32).
ل. أخبار ملوك إسرائيل: "وبقية أمور منسَّى، وصلاته إلى إلهه وكلام الرائين الذين كلَّموه باسم الرب إله إسرائيل ها هي في أخبار ملوك إسرائيل" (1 أي 33: 18).
م. أخبار الرائين: "وصلاته والاستجابة له (المنسَّى) وكل خطاياه وخيانته... ها هي مكتوبة فيأخبار الرائين" (2 أي 33: 19).
ن. المراثي: "ورثى إرميا يوشيا، وكان جميع المغنين والمغنيات يندبون يوشيا في مراثيهم إلى اليوم، وجعلوها فريضة على إسرائيل، وها هي مكتوبة في المراثي" (2 أي 35: 25)، وهو غير سفر مراثي إرميا الذي سجَّله النبي، إذ هو خاص بموت يوشيا من مدة طويلة.
بجانب هذه المصادر توجد أيضًا مصادر أخرى أخذت عنها أبطال داود (1 أي 11: 10-47)، والذين جاءوا إلى داود في صقلغ (1 أي 12: 1-22)، كما يوجد مصدر به نصوص مثل رسالة إيليا النبي إلى الملك يهورام (2 أي 21: 12) لم يصل إلى أيدينا.
v توجد معلومات وفيرة في سفري أخبار الأيام، كُتِبَتْ كاستمرارية لسفري الملوك ولحفظ ذكرى بعض الأحداث الهامة.
يبدأ السفر الأول بالأنساب التي وضعها لتأكيد أن الجنس البشري جاء عن إنسانٍ واحدٍ. وهو يُرَكِّز على مملكة يهوذا وحدها (عد 10: 14؛ قض 15: 10؛ 2 صم 2: 4، 7؛ عز 5: 8؛ نح 1: 3؛ 3: 1-32)، فيمكنه أن يخبرنا عن مدنها وقراها، وكيف أخذت أسماءها.
هنا نتعرَّف على ناثان (سيراخ 47: 1؛ 2 صم 7: 3، 8-17؛ 12: 1-14؛ 1 مل 1:1، 14 22، 27، 32-38)، الذي منه أقام الطوباوي لوقا (لو 3: 23-38) بدء أنساب ربنا ومخلصنا، ابن داود، وأخ سليمان من ناحية أمه. وُلِدَ الأبناء في أورشليم: شيما وشوباب وناثان وسليمان، أي الأربعة أبناء تبنَّاهم مع برشبع (بثشبع) ابنة Ammiel.
راحاب Rahabنفسها التي أُشير إليها في أسفار كثيرة من الكتاب المقدس، يُقَال إنها من سبط يهوذا.
أيضًا يوضح بجلاء لماذا فقد رأوبين حق البكورية، واقتناها يوسف، وأخيرًا نال سبط يهوذا الكرامة العظمى.
"أبناء رأوبين بكر إسرائيل. كان البكر، ولكن لأنه نجَّس مضجع أبيه أُعطيت باكوريته لابنيْ يوسف بن إسرائيل، لهذا لم يُسَجَّل في الأنساب كبكرٍ، وقد صار يهوذا الشهير بين إخوته، وجاء الحاكم من سبطه مع أن البكورية أُعطِيَتْ ليوسف".
بإرادة الله صار ليهوذا كرامة أن يولد الرب حسب الجسد منه. هذا هو المعنى الملموس الذي تُعَبِّر عنه الكلمات: "قائد منه".
حقًا يبدو أن العبارة تؤكد ليس فقط أن ملوك الأرض يأتون من يهوذا، بل والملك الأبدي نفسه الذي بلا بداية ولا نهاية.
يصف أيضًا حال الأسباط التي خلف (شرق) الأردن، أي رأوبين وجاد ونصف سبط منسَّى الذي مؤخرًا جاء في أبناء هاجر Naphiseans وكل الشعوب التي دخلت في صراع معهم.
بالإضافة إلى ذلك يروي النص كيف حاربوا وغلبوا، وجعلوا أبناء هاجر يهربون. ويُقَدِّم لنا تقريرًا عن سبب النصرة: "عندما نالوا عونًا ضدهم، أبناء هاجر وكل الذين معهم سُلَّموا في أيديهم، إذ صرخوا إلى الرب في المعركة، ووهبهم طلبتهم إذ وثقوا فيه". أخذوا من مواشيهم 50000 من جمالهم، 250000 من الغنم، و2000 حمارًا، وسبوا مئة ألف. قُتِلَ الكثيرون، لأن الحرب كانت من عند الله، وعاشوا في بلادهم حتى السبي"
ثيؤدورت أسقف قورش

نظرة شاملة للسفريْن

يُشَكِّل السفران نظرة تعود بنا إلى زمن الخلق، وتمتد بنا إلى القرن الخامس ق.م. وهو يضم أربعة أقسام.
القسم الأول: سلسلة أنساب (1 أي 1-9)، تقع في تسعة أصحاحات. يُقَدِّم لنا لوائح من الأنساب منذ آدم إلى الأسباط الاثني عشر، ومن الأسباط الاثني عشر حتى داود، وغايته أن يصل بسرعة إلى داود الذي اختاره الله.
لماذا يروي أخبارًا يعرفها القارئ؟ لأنه يريد أن يربط داود بأول إنسان على الأرض، وبالتالي يهيئ اليهود لقبول الأمم الإيمان عند مجيء المسيا ابن داود، كما يربط البشرية بابن داود.
تبدو هذه الفصول التسعة جافة للقارئ، لكنها تُعَبِّر عن فكرة عميقة وهي أن بناء الهيكل وتنظيم العبادة فيه يعودان إلى بداية البشرية. وقد لعب كل من سبط يهوذا (داود) وسبط لاوي (الكهنوت) وسبط بنيامين (حيث بُنِي الهيكل) دورًا هامًا في تهيئة الحدث الهام ألا وهو بناء الهيكل، حتى يأتي كلمة الله المتجسد القائل: "انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه" (يو 2: 19).
القسم الثاني: الملك داود مؤسِّس العبادة في الهيكل (1 أي 10-29). يبدأ خبره مع موت شاول، وينهيه مع موت داود. يحتوي على بعضٍ من أعمال داود. سرد الأحداث في هذا القسم يكون في بعض الأحيان مُطابِقًا لما جاء في سفري صموئيل.
في هذا القسم يظهر داود الملك التقي الذي تهمه مصالح الرب والهيكل والكهنوت والتسابيح الدينية والاحتفالات. داود ملك، لكنه في خدمة الرب يهوه، لأن الرب وحده ملك في إسرائيل، وداود وكيله، وشعب إسرائيل هو بيت الرب ومملكته. عرش داود هو عرش الرب في إسرائيل، ما يشغل داود هو تمجيد الرب. لذلك لم يكتفِ بالتفكير في بناء الهيكل، بل هيَّأ التصميم ولم ينسَ حتى آنية الخدمة والسرج والمنائر (1 أي 28: 11-18). نظم كل شيءٍ قبل موته. لقد تأهَّل داود أن يأتي من نسله كلمة الله المتجسد.
القسم الثالث: الملك سليمان باني الهيكل (2 أي 1-9). يتحلَّى سليمان الملك بالكمال والتقوى، لهذا يَحِقُ له أن يبني بيتًا لاسم الرب (2 أي 6: 8-9). ويطيل الكاتب كلامه عن بناء الهيكل، ولا يتوقَّف إلا قليلاً على نشاط سليمان السياسي. وحين أنهى الملك سليمان العمل الذي هيَّأه له أبوه، رقد بسلام غير خائف على المستقبل، واثقًا في كلام الرب: "أقيمه (أي سليمان) في بيتي وفي ملكوتي إلى الأبد، ويكون كرسيه ثابتًا إلى الأبد" (1 أي 17: 14).غير أن ما بناه سليمانلا يدوم أبديًا، إنما يأتي ملك السلام ليفتح أبواب السماء، ويُقَال عنها: "لأن الرب الله القادر على كل شيء هو والخروف هيكلها" (رؤ 21: 22).
القسم الرابع: ملوك يهوذا الصالحون والأشرار (2 أي 10-36) من رحبعام إلى صدقيا، مع سرد ما ورد في سفر الملوك في أكثر تفصيًل. يرافق مملكة يهوذا منذ موت سليمان حتى السبي إلى بابل وبداية الرجوع إلى أورشليم. بَنَى داود وسليمان صرحًا عاليًا، ولكنه بدأ ينهار. انشقت أسباط الشمال، وتمرَّدت على بيت داود (2 أي 10: 19)، فما عاد الكاتب يتحدث عنها إلا قليلاً. كما أن بعض ملوك يهوذا حادوا عن طريق داود، فلامهم الكاتب، وأكَّد لهم: "إذا سهرت على تنفيذ الأحكام التي أمر بها الرب موسى شعبه تنجح" (1 أي 22: 13). هذا ما قاله داود لابنه، وقال له أيضًا: [إن طلبت الرب وجدته، وإن تركته خذلك إلى الأبد] (1 أخ 28: 9). ويقول عزريا النبي للملك آسا وشعبه: "الرب معكم مادمتم معه. إن طلبتموه وجدتموه، وإن تركتموه ترككم" (2 أي 15: 2).
في الحديث عن رحبعام وعزريا ويوشيا، نراهم قد نجحوا ما داموا أمناء للرب، وحين تركوا الرب عرفوا الشقاء والهزيمة. ويكلم الرب الملوك والشعب بواسطة أنبياء يُرسلهم إليهم.
أرسل شمعيا إلى رحبعام وشعبه، فقال لهم: قال الرب: تركتموني، وأنا أيضًا تركتكم في يد شيشيق: فخشعوا وقالوا: بار هو الرب (2 أي 12: 5- 6).
وإلى آسا أرسل عزريا بن عوديد ( 2 أي 15: 1-7). وحنانيا الرائي الذي قال للملك: اتكلت على ملك آرام، ولم تتكل على الرب إلهك، لذلك أفلت من يدك جيش ملك آرام (2 أي 16: 7).
وإلى يهوشافاط أرسل ياهو بن حنانيا (2 أي 19: 1-3) ويحزئيل (2 أي 20: 14-17). وحين حلَّ روح الله على زكريا بن يهوياداع الكاهن، وقف أمام الشعب، وقال لهم: هكذا يقول الله لماذا تتعدُّون وصايا الله؟ فلا تُفلحون، لأنكم تركتم الرب قد ترككم، ففتنوا عليه، ورجموه بحجارةٍ بأمر الملك ( 2 أي 24: 20).
هؤلاء الأنبياء أرسلهم الله، لأنه أشفق على شعبه وعلى مسكنه، ولكن الشعب لم يفهم، والملوك لم يتوبوا، فحلَّت الكارثة.

سفرا أخبار الأيام والملكوت المُفرِح

غاية الكتاب المقدس أن يحمل المؤمن بفكره وقلبه وأحاسيسه ومشاعره إلى التمتُّع بخبرة الملكوت السماوي المُفرِح، فينطلق بكل كيانه الداخلي يومًا فيومًا بروح الرجاء وسط ضيقات العالم وأحداثه.
الآن يسجل لنا عزرا بالوحي الإلهي ما يليق وما لا يليق بالراجعين من السبي أن يختبروه ويعيشوه. لا يليق بهم أن يعيشوا في كآبة بسبب السبي الذي امتد إلى سبعين عامًا. ومن جانب آخر لا تنغلق أذهانهم في حدود أرض الموعد بطريقة حرفية. إنما يرون في عودتهم من السبي البابلي انطلاقًا نحو أورشليم العليا الحُرَّة، وشركة عملية مع السمائيين بروح التهليل.
جاءت أقسام السفر كلها تؤكد حقيقة هامة جوهرية، وهي حاجتنا إلى التمتُّع بالملكوت المُفرِح:
1. بعرض الأنساب: يدعونا روح الله أن نثق بأن أسماءنا لن ينساها الله، بل ينقشها على كفِّه، ويعتز بها.
2. شخصية داود: يُقَدِّمها سفر أخبار الأيام الأول كي نقتدي بمرتل إسرائيل الحلو، نركز أنظارنا على مصدر الفرح الحقيقي، ابن داود مُخَلِّص العالم.
3. اهتمام أخبار الأيام الثاني بفئة المغنين أو المُسَبِّحين من اللاويين، لتأكيد سرّ نصرتنا، وهو الفرح والتهليل وسط معركتنا مع إبليس وكل قواته (2 أي 19-21).
4. يختتم السفر الثاني بتحقيق الوعد الإلهي في الزمن المُحَدَّد الخاص بالعودة من السبي. هكذا يليق بنا أن نثق في وعود الله ونتمسك بها.
5. نغمة السفرين الرئيسية هي تجاهل الكثير من أخطاء المؤمنين الأتقياء، فإن الله لا يريد بعد أن يذكرها بعد توبتنا ورجوعنا إليه.

1. لا يعود يذكرها!

لاحظنا في مقارنتنا بين الأسفار التاريخية الأخرى وسفري أخبار الأيام الأول والثاني، أن الأسفار الأخرى إذ تُقَدِّم حياة الملوك الصالحين، سواء قبل انقسام مملكة إسرائيل، أو بعد الانقسام، غالبًا ما تكشف عن أهم ضعفاتهم وخطاياهم في شيء من التفصيل، بينما إذ يتحدث هذان السفران عن نفس الشخصيات، غالبًا وما يتجاهلان ضعفاتهم وخطاياهم كأن لا وجود لها. لماذا؟
تتعمَّد الأسفار الأخرى الحديث باستفاضة عن بعض الضعفات والخطايا لشخصيات بارزة من رجال الإيمان، مثل داود وسليمان وحزقيا وغيرهم لكي تؤكد لنا أنه ليس إنسان مهما بلغت تقواه بدون خطية. لهذا يليق بنا في تواضعٍ أن نُدرِكَ أننا مادمنا في الجسد، نتمسَّك بنعمة الله، ونصارع مع الله لكي يحفظنا إلى النفس الأخير، فلا نتراخى أو نهمل أو نتشامخ بعملٍ صالحٍ قُمْنا به. لهذا يقول بعض آباء البرية إن الله أحيانًا يسمح لنا أن نكتشف ضعفنا، فنسقط حتى في شيخوختنا ما لم نسقط فيه في شبابنا المُبَكِّر أو مرحلة المراهقة كما يدعوها البعض.
هذا الضعف يدعوه الآباء كلاب الحراسة للحياة المُقَدَّسة الفاضلة في الرب. فإن مرَّ بنا فكر متشامخ بأننا أتقياء أو أبرّ من غيرنا، في انسحاق قلبِ ندرك ضعفنا وخطايانا. فنرجع إلى الله، ونرتمي في أحضانه الإلهية بروح الرجاء والفرح بدون كبرياء أو تشامخ.
أما بالنسبة لهذيْن السفريْن، وقد كتُبا بعد العودة من السبي، وكثيرون فقدوا الرجاء أن يرجع الشعب إلى عصور المجد الأولى سواء في عهد داود أو سليمان أو حزقيا الخ، فغاية السفرين هي رفع الشعب ككل، والمؤمن كعضوٍ في هذه الجماعة، بأن ابن داود قادم كحمل الله يحمل خطية العالم، من يؤمن به، ويلتصق به، ويسلك فيه بالروح، يسمع الصوت الإلهي قائلاً له عن خطاياه: "لا أعود أذكرها!" ما يشغل المؤمن في توبته اليومية، اطمئنانه ورجاؤه وفرحه في الرب غافر الخطايا ومُنْقِذ النفوس من الفساد.
ما دام الإنسان في الجسد لا يتوقَّف عن السير في طريق التوبة، بكونها علامة الالتصاق بغافر الخطايا. يقول الرسول بولس: "من يظن أنه قائم فلينظر ألا يسقط" (1 كو 10: 12). فإن عدو الخير لا ييأس من أن يُثِيرَ فينا الإرادة الشريرة، لنَقْبَلَها عوض إرادة المسيح الصالحة العاملة فينا.
حقًا إن المؤمن يصارع بين الإرادتيْن، فهو في حاجة دائمة إلى نعمة المسيح حتى لا تميل إرادته إلى الشر! يشتاق أحيانًا إلى الإرادة الصالحة، لكنه في ضعف يُمارِس الخطأ، فتتغلب الإرادة الشريرة على الصالحة. يتوسَّل القديس مار يعقوب السروجي إلى المُخَلِّص لينقذه من مذلة الإرادة الشريرة. يطلب منه أن يُريه حنوَّه بغفران خطاياه! وكأنه يقول للرب: "بك يا سيدي أنتصر، لأني أضعف من أن أنتصر بنفسي! عملك عجيب ومُدهِش!"
v أطلبُ المغفرة، فأنا المحتاج للغفران؛ لكن إرادتي فقط تمنع هذا الفعل العظيم.
أسأل الإرادة أن ترجع من الشرور، لكنها لا توافقني.
إني أشاء الصالحات، لكنني أميل إلى الشرور؛ وحيث أبغض الإثم، كل يوم أفعله.
إرادتان تجاهدان فيَّ، الواحدة مُقابِل الأخرى؛ وكل يوم إرادة الشرّ تغلب بنجاحٍ.
بك يا سيدي أغلب، لأني ضعيف جدًا أن أنال الغلبة؛ فإنه يكفي عملك المُدهِش ليغلب بنا.
من هو الذي يخدم فيَّ الأفعال المرذولة؟ أين أنتِ أيتها القوة التي للحرية؟
أشفق على ذلي، يا رب، لأني لا أشاء أن أهلك؛ بغلبتك أعطني الغلبة يا غالب الكل.
عوض الخطايا جئتَ يا ابن الله بغفرانك؛ أرِ عبدك الذي يطلب تحننك.
القديس مار يعقوب السروجي

2. اسمك منقوش على كفِّ خالقك

لتفرح، فإن اسمك منقوش على كفِّ الله، لن ينساك! سِجِل الأنساب الذي ورد في الأصحاحات التسعة الأولى من أخبار الأيام الأول يبعث فينا روح الفرح؛ إن لم يوجد أحد في العالم يذكرني أو يعرفني أو يهتم بي، فلن ينساني إلهي الذي خلقني على صورته ومثاله وحقق خلاصي بصليبه. إني منقوش على كفِّه، يحفظ اسمي في سفر الحياة، لي مكان خاص في قلبه، إن صحَّ التعبير.
محتاج إلى أُبوَّة حانية، أجدها في الآب الذي يفتح لي حضنه، إذ تمتَّعت بالتبنِّي له في مياه المعمودية. ومحتاج إلى صديقٍ، لا يفارقني حتى في لحظات نعاسي، فأجد مسيحي يضع شماله تحت رأسي، ويمينه تعانقني (نش 2: 6؛ 8: 3). محتاج إلى من يقودني ويرشدني، إنه روح الله الساكن فيَّ، يهبني من فيض نعمته أن أصير أيقونة لعريس نفسي.
يليق بنا ألا نُعانِي من الملل من أجل كثرة الأسماء في هذه الأصحاحات مع عدم معرفتنا لأكثرهم، فإن إلهنا يُسَرُّ بأسمائنا جميعًا، حاسبًا كل مؤمنٍ حقيقيٍ محبوبه الذي له موضع في السماء عينها.
هكذا مجرد تسجيل الأسماء يسكب فينا روح الفرح بالثالوث القدوس المشغول بكل شخصٍ منّا.
هذه مشاعرنا ونحن بعد في الجسد في هذا العالم، ما دام السيد المسيح يُقِيم ملكوته فينا، مؤكدًا لنا "ملكوت الله داخلكم" (لو 17: 21).
v عدد النفوس - في نظرنا - لا يمكن حصره؛ ينطبق نفس الشيء على الشخصيات، إذ لهم جميعًا من الحركات والتصرُّفات والغايات والمشاعر والأحاسيس مالا يُحصَى! يوجد واحد فقط يقدر أن يُهَيْمِنَ على هؤلاء جميعًا، كأحسن ما تكون الهيمنة والسيادة، فهو يعرف الأوقات المناسبة، والعون الملائم اللائق ومتى يمنحه، وسبل التدريب والإرشاد؛ هو الله أب كل الكون.
v عناية الله تهتم بنا كل يومٍ، على مستوى الجماعة كما في الحياة الخاصة، سرًا وعلانية، حتى حينما لا نعرف عن تدبيره شيئًا.
العلامة أوريجينوس

3. داود المُرَتِّل مثلنا الأعلى

اهتم سفر أخبار الأيام الأول بشخصية داود، خاصة ببناء الهيكل وتنظيم الخدمة والتسبيح. إنه مُرَنِّم إسرائيل الحلو (2 صم 23: 1)، الذي يَشتهِي أن يُقِيم خورُس التسبيح في هيكل الرب. لقد سجَّل لنا مزامير تتَّسم بالفرح والتهليل بالرغم مما عاناه من آلام منذ صباه حتى أواخر حياته. إنه إنسان الله المثالي المُتهلِّل، يشتهي أن يتمتَّع كل المؤمنين بحياة التسبيح، لا باللسان فقط، بل بكل الكيان الداخلي وأعضاء الجسد.
v البشر مخلوقون ليُسَبِّحوا كثيرًا، ولعلهم يذكرون التسبيح كل يومٍ بفيضٍ!
الشمس النيِّرة ليست نيِّرة لنفسها أو تسير لنفسها، لكن لها نور لتُنِيرَ البشر.
ولأجلهم صارت النيِّرات (الكواكب) في الغلاف الجوي، وينتفع (البشر المستنيرون) بالأيام والليالي.
للبشر يوجد التمييز والمعرفة والكلمة والصوت، ليعطوا التسبيح للعلي في موضعه.
فم الإنسان متقن، كأنما لتسبيح الرب، ومن يتوقَّف عن التسبيح يصير ناكرًا (للجميل).
ولهذا لك الفم لتُسَبِّحَ به وتشكر به وتُهَلِّل به وتُبارِك به.
سَبِّحْ، لأن لك الكلمة المُسَبِّحة. وهَلِّلْ، لأن لك الصوت المملوء أنغامًا.
اشكرْ، لأن لك الذهن والتمييز. وبارِكْ، لأنك صرتَ إناء ناطقًا وغير صامتٍ.
لم تكن شيئًا، وجَعَلَتك المراحم شيئًا عظيمًا، وبما أنك صرتَ هكذا، فاشكرْ بعجبٍ، لماذا أنت ساكت؟
ادخل إلى ذاتك، وانظر إلى شخصك في داخلك، ففيك توجد كل عجائب القدرة الخالقة.
v ربُّنا، حَرِّكْ فيَّ أيضًا تسبيحك مثل غِنَى يُوَفِّر مجانًا كل الاحتياجات لمن يطلبون منه.
v ساعدني لأتعجَّبَ بحواس أسمى من العادة، وإذ يتعجب بك العقل، يصفك الفم الذي فتحتَه.
ليُسَبِّحك العقل لأجل عجائبك الخفية التي هي أسمى من أن يعرفها العقل.
ليُسَبِّحك القلب بالدقات السريعة، والأفكار النقية والقائمة مثل الملائكة للخدمة.
ربِّي، يُعطي لك التسبيح النقي الضمير أيضًا، لأنه نظر ويرى كم أنك مُسَبَّح بأعمالك.
ربِّي، تُسَبِّحك كل الحواس النفسية والروحية والجسدية، لأنك مُسَبَّح.
لتُسَبِّحك العين، لأنك أعطيت لها كل جمال كل المخلوقات لتسعد به برؤيتها.
لتُسَبِّحك الأذن، التي فيها تنسكب كل حلاوة الأصوات وتَقْبَلها بلذة.
ربِّي، لتُسبِّحك اليدان الاثنتان والأصابع العشرة التي تتحرَّك للعمل بدل كل الجسد.
لتُسَبِّحك الرِجْلان اللتان تحملان كل الجسد وتزفَّانه كمَرْكبة في كل المواضع.
لتُسَبِّحْ حاسة الشم التي هي مُلكها كل العطور والروائح، وبها تسعد كثيرًا.
ليشكر الحنك[29]، الذي يُمَيِّز الحلو من المرِّ، ويعرف أن يفحص كل اختلافات الأطعمة.
ليُسَبِّحْ الفم تسبيحه والتسبيح الذي ليس خاصته، لأنه يملك الكلمة ليشكر عن كل الجسم.
الفم مُلزَم بالتسبيح بدون جدال، نيابة عن الأعضاء الموضوعة في الجسم التي هي بلا كلمة.
اللسان أيضًا والأسنان التي منها يرنُّ الصوت، لتُسَبِّح كثيرًا بأصوات عمومية.
ربِّي، كل الجسم مُلزَم بتسبيحك. وهوذا الفم مفتوح ليُسَبِّح عوض الجسم كله.
ساعد الفم ليوفي كل هذه الأمور بدل كل الحواس الصامتة التي تُحَرِّك الفم حتى يشكر.
القديس مار يعقوب السروجي

4. اهتمام السفريْن بالمُغَنِّين المُسَبِّحين لله

لا ندهش إن كان السفران يركزان على خدمة التسبيح ليس فقط في بيت الرب، بل حتى في وسط المعركة مع قوات الظلمة. فعندما واجه يهوشافاط مقاومة من بعض الأمم الوثنية، طلب الرب منه أن يقف مع جيشه ويثبت وينظر. افتتحت المعركة بدخول فرقة التسبيح التي للهيكل، وتمت النصرة دون الدخول في معركة بأسلحة. سلاح المؤمن في معركته ضد إبليس هو الشكر والحمد والتسبيح.
ملكوت المسيح الذي يختبره المؤمن مُفرِح، حتى في جهادنا ضد إبليس والخطية ومحبة العالم.
لا تفارقنا لغة التسبيح حتى في وسط ضيقتنا.

5. وعود إلهية مُفرِحة وسط التأديبات

انتهى سفرا أخبار الأيام بالحديث في إيجاز عن عمل الله خلال إرميا النبي وكورش الفارسي، أعلن الأول على أن فترة التأديب في السبي مؤقتة، وأعلن الثاني أن الله وضع في قلبه أن يسمح لليهود بالعودة.
هكذا وإن دخلنا تحت التأديب غير أن الله يعدنا أن ننعم بالحياة الجديدة المُتحرِّرة من عبودية إبليس (البابليين) والرجوع إلى أورشليمنا.
لنتكئ على وعود الله أبينا الرحوم والحكيم والقدير، واثقين أنه يشتهي لنا الحياة المقدسة المتهللة.
غضب الله خاصة نحو كنيسته أو أولاده ليس انتقامًا كانتقام البشر، ولا يصدر عن كراهية، فإن الله كلي الحب لكل البشرية، خاصة للملتصقين به.
تكشف كلمات القديس مار يعقوب السروجيالتالية عن سمو غضب الله وعذوبته. فالله يدعونا أن نحمل صورته، ويدعونا أن نسعى بلا توقُّف كل حياتنا "إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسانٍ كاملٍ، إلى قياس قامة ملء المسيح" (أف 4: 13).
يسمح الله بالضيقات لأنها تسندنا بنعمته أن ننضم إلى فئة شبه السمائيين، إن صحَّ لنا القول.
v المجد لك، يا ربي، إذ بكل الوسائل والطرق تريد أن تربح كل من يسمع بتمييزٍ (وتعقلٍ).
بالبرِّ والنعمة، تتقدَّم كطبيبٍ لكل محتاج إلى الصحة.
من هنا يهتم محيي الكل أن يشفي، لأنه قادر أن يحيي كل البشر.
معه الغضب وأيضًا له الغفران؛ الغيرة والحنق؛ موجود فيه السلام والحب.
في جانبٍ واحدٍ يفيض بالعطاء العظيم لسائليه، وفي الجانب الآخر يمنع قطرة (ماء) عن طالبيه.
رحمته تمتزج بالخوف، وأيضًا انتقامه بالحنو العظيم.
يُهدِّد ويُفَّرح؛ مملوء رحمة وكثير الانتقام.
في جانبٍ واحدٍ دعا اللص ليدخل الفردوس، وفي الجانب الآخر طرد من عنده صانعي القوات (مت 7: 22).
في وقتٍ تقبَّل من زانية دموعها (لو 7: 44)؛ وفي وقت آخر منع بنات أورشليم أن يبكين (لو 23: 28).
في موضعٍ أعطى دينارًا للفعلة الآخرين (مت 20: 9)؛ وفي موضع آخر أخرج الكهنة من ملكوته (مت 8: 12).
لم يعرف هؤلاء الذين أخرجوا الشياطين باسمه (مت 7: 22)؛ وللص قال: اليوم تكون معي في الفردوس.
دعا واحدًا من العشارين أن يتبعه (مت 9: 9)؛ وآخر زاحم أن يأتي خلفه، ولم يعطه ذلك (مت 8: 19-20).
هذا جميعه لأجل حياة البشر؛ بكل وسيلة لا يسمح أن يهلك ولا واحد من بيت الآب.
القديس مار يعقوب السروجي

سفر أخبار الأيام وداود الملك


داود الملك والعبادة الليتورجية لله الحقيقي

خصَّص سفرا الأخبار من بين الخمسة وستين أصحاحًا تسعة عشر أصحاحًا عن مُلك داود (1 أي 11-29)، وذُكر اسمه في السفرين أكثر من 220 مرة. بهذا يكشف عن مدى اهتمام السفريْن بشخصية داود.
أما ما يشغل السفر بخصوص الملك داود ليس انتصاراته على الأمم المقاومة له، ولا اتِّساع المملكة، ولا الإنشاءات والإنجازات التي قام بها، إنما اهتمامه العجيب بقيام إسرائيل بالعبادة اللائقة لله، فقد خصَّص الآتي:
1. من التسعة عشر أصحاحًا الخاصة بداود الملك، نجد أحد عشر أصحاحًا، أي أكثر من النصف، تصف غيرته المتَّقِدة نحو العبادة الجماعية (1 أي 13؛ 15-16؛ 22-29):
‌أ. نقل تابوت العهد إلى أورشليم.
‌ب. تنظيم خدمة الكهنة واللاويين.
‌ج. الإعداد للموسيقى المقدسة في الهيكل.
‌د. وصيته وتعليماته لابنه سليمان بخصوص الهيكل.
2. أكَّد داود الملك أن ما يفعله وما يُهَيِّئه بخصوص الهيكل وتنظيم العبادة هو بوصية من الرب نفسه (2 أي 29: 25).
3. يرجع إليه الفضل في استخدام الموسيقى في العبادة (2 أي 29: 27؛ نح 12: 26).
4. إن كان سفرا صموئيل قد أشارا إلى اهتمامه بالعبادة الليتورجية في 77 آية، ففي سفري الأخبار ورد ذلك في 323 آية.
5. لم ينشغل السفران بمعارك داود ونصراته، إنما أشارا إليها كأمرٍ عابر، ولا أوردا ضعفاته مثل سقوطه في الزنا مع بثشبع وقتل رجلها. كما لم يُشِرْ قط إلى ضعفاته قبل اعتلائه العرش. وكأن ما كان يشغل قلب داود وفكره هو قيام شعب ليتورجي، يمارس عبادة جماعية مُقدَّسة ومُنظَّمة تُقدَّم لله القدوس، وأن كل بقية تاريخ حياته والأحداث التي عاشها، إنما أساسها هو هذا الأمر الحيوي.
ومن جانب آخر، إذ كان كل ملك من الملوك يُشِير إلى ملكوت الله الذي يُقِيمه ملك الملوك في أعماقنا، لهذا لم تُذْكَر ضعفات هؤلاء الملوك، لأن عمل المسيح فينا لا ضعف فيه!

العبادة الليتورجية وخلفاء داود

سجَّل سفرا أخبار الأيام حياة خلفاء داود وتقييم أعمالهم، على أساس إخلاصهم للعبادة الليتوجية لله القدوس.
1. لم يُشِرْ السفر إلى إنجازات سليمان الضخمة، إنما خصَّص ستة أصحاحات من تسعة أصحاحات خاصة بسليمان عن بناء الهيكل وما يَخصّه.
2. أخبرنا سفر أخبار الأيام الثاني وحده عن اللاويين الذين في مملكة الشمال، هربوا إلى أورشليم، ليخدموا في الهيكل في أيام رحبعام (2 أي 11: 13-17).
3. خلال "أخبار الأيام" تعرَّفنا على إصلاحات الملك آسا الليتورجية (1 أخ 15: 8-15)، والتزام الملك يهوشافاط بتعليم اللاويين (1 أخ 17: 7-9) وصلاته في الهيكل (1 أخ 20: 5-12). ووصف في شيءٍ من التفصيل إصلاحات الملك حزقيا الليتورجية (1 أخ 29: 12-31)، ومنسَّى (1 أخ 33: 15-17)؛ ويوشيا (1 أخ 35: 2-18).
4. أدان أخبار الأيام دون بقية الأسفار الملك عُزِّيا لاقتحامه الخدمة الكهنوتية في الهيكل (1 أخ 26: 16-23).
باختصار يمكن القول إن عصب "أخبار الأيام" هو التمتُّع بالعبادة الليتورجية لكنيسة الله خلال عمل ابن داود الذي يملك فيها إلى الأبد. وكأن هذيْن السفريْن قد أشارا إلى أن الرب قد وضع في قلب كورش أن يبني بيتًا للرب في أورشليم، لكي يعود اليهود إلى بلدهم كتهيئة لبناء كنيسة العهد الجديد التي تحمل عربون أورشليم العليا، حيث تمارس عبادة روحية شبه سماوية، حتى تلتقي بالعريس السماوي، وتحيا إلى الأبد في ليتورجية سماوية، تتغنَّى بالترنيمة الجديدة (رؤ 5: 9) التي لن تقْدُم ولا تشيخ!

سفرا أخبار الأيام والمزمور 132

يُقَدِّم لنا Reardon صورة رائعة عن العلاقة بين سفري أخبار الأيام وأحد مزامير الصعود (مزمور 132) أو (مزمور 131) LXX التي يتغنَّى بها القادمون إلى أورشليم، وهم يصعدون على التلِّ للذهاب إلى الهيكل.
يتغنَّى القادم إلى الهيكل، قائلاً: "اذكرْ داود وكل دعته... من أجل داود عبدك، لا تَرُد وجه مسيحك. أقسم الرب لداود بالحق ولا يرجع عنه. من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك... هناك أنبت قرنًا لداود. رتَّبت سراجًا لمسيحي".
هكذا يربط المُرَتِّل ما بين ازدهار بيت داود وبركات بيت الرب. يعتقد المُرَتِّل أنه إن تذكَّر الرب داود بالحقيقة، فسيلبس كهنته الخلاص، ويُسَبِّح أتقياؤه القديسون بتهليل، بينما يلبس عدو الخير الخزي. جاء المزمور متناغمًا مع سفري أخبار الأيام، ليس فيه كلمة واحدة سوى ارتباط داود بالعبادة الليتورجية الكنسية.
يتذكَّر الشعب داود، لأنهم لن ينعموا باللقاء مع الله في بيته ما لم يذكروا داود. تُرَى من هو داود هذا سوى مُخَلِّص العالم، المسيَّا ابن داود؟
إن سفر أخبار الأيام يُمَيِّز بين داود الملك وبقية الملوك، كما ميَّز إسرائيل القديم عن بقية الشعوب. هكذا إذ نلتصق بابن داود ملك الملوك، نصير كنيسة المسيح المميزة، موضوع حب الله، شركاء السمائيين في حياتهم السماوية، نصير بالحق "أهل بيت الله" (أف 2: 19).
ربما يتساءل البعض: لماذا لم يتحدث سفرا أخبار الأيام عن بداية العبادة الليتورجية التي استلمها موسى النبي ومعه أخوه رئيس الكهنة هارون؟
يرى البعض أن سفرا أخبار الأيام اكتفيا بما ورد في أسفار الخروج واللاويين والعدد في شيءٍ من التفصيل. لكنني أظن أن السفرين ركَّزا على داود الملك ودوره في هذا المجال، لأن الشعب كان في حالة شبه يأس من العودة إلى الحياة في أيام موسى وهرون. فأراد الوحي الإلهي تأكيد أن الحياة الليتورجية ستعود بصورة روحية تفوق تلك التي كانت في أيام موسى وهرون، إذ تحمل سمة سماوية، وذلك خلال رئيس الكهنة السماوي ابن داود، وليس خلال الرموز كما في الكهنوت اللاوي.
يقول Reardon: [في منهج العبادة الأرثوذكسية ندرك المنظور التاريخي لكاتب أخبار الأيام.] ما في ذهن المُتأمِّل في سفري أخبار الأيام هو إدراك الفهم الحقيقي العميق للتاريخ، وهو العبادة الليتورجية القائمة على ميثاق الله مع شعبه. هذا هو جوهر التاريخ الخاص بشعب الله وخلاصه.
بنفس الروح تحدَّث بعد ذلك ابن سيراخ، إذ يقول: "الآن لنمدح الرجال المشهورين، وآباءنا بحسب أجيالهم" (سي 44: 1). وأخذ يُسَجِّل لنا التاريخ الكتابي في شخصيات أخنوح وداود وإبراهيم وإيليا وحزقيا وإشعياء ويوشيا وإرميا وحزقيال وزرُبابل ونحميا. أما ما قام به هؤلاء العظماء، حتى الأصحاح التاسع والأربعين وفي الأصحاح الخمسين يتحدث عن عظمة وجمال الليتورجيا التي للهيكل تحت رئاسة سمعانبن أونيا، رئيس الكهنة، وأبناء هارون وهم يسجدون إلى الأرض يُسَبِّحون الله، ويسجد معهم كل المُتعبِّدين لله الحقيقي، فيقول:
"حينئذ كان بنو هارون يهتفون، وينفخون بالأبواق المطروقة، ويصنعون صوتًا عظيمًا يُسمع ذكرًا أمام العلي.
كان عند ذلك كل الشعب يبادرون معًا، ويجثون على وجوههم إلى الأرض، ساجدين لربِّهم القدير، لله العلي.
وكان المُغَنُّون يُسَبِّحون بأصواتهم في هتافٍ عظيمٍ ولحنٍ عذبٍ.
وكان الشعب يتضرع إلى الرب العلي بصلاته أمام ذاك الرحيم، إلى أن يفرغ من إكرام الرب، وتتم خدمته.
ثم كان ينزل (سمعان)، ويرفع يديه على كل جماعة بني إسرائيل، ليبارك الرب بشفتيه، ويفتخر بلفظ اسمه.
وكانوا يُكَرِّرون السجود، لينالوا البركة من العلي.
والآن باركوا إله الكل، الذي يصنع العظائم في كل مكان، والذي أعلى شأن أيامنا منذ الرحم، ويعاملنا على حسب رحمته.
ليمنحنا سرور القلب، والسلام في إسرائيل في أيامنا، وعلى مدى الدهور!" (سي 50: 16-23)
هكذا يربط ابن سيراخ بين التاريخ والعبادة الليتورجية في تماثلٍ وتطابقٍ مع سفري الأخبار.

لماذا يربط السفران التاريخ بالعبادة الليتورجية؟

إننا نرتبط بالتاريخ الذي يرجع بنا إلى الإنسان الأول "آدم"، ويعبر بنا خلال الأجيال، لا لشيءٍ إلا لأننا نرى ربَّنا يسوع المسيح ضابط الكل يرفعنا خلال التاريخ إلى ما فوق الزمن، وذلك خلال الحياة التعبدية الحقيقية.
عندما تحدث الرسول بولس عن رجال الإيمان عبر التاريخ (عب 11). قال: "لكنكم لم تأتوا إلى جبلٍ ملموسٍ مُضطرِب بالنار، وإلى ضبابٍ وظلامٍ وزوبعةٍ... بل قد أتيتم إلى جبل صهيون، وإلى مدينة الله الحيِّ أورشليم السماوية، وإلى ربوات هم محفل ملائكة، وكنيسة أبكارٍ، مكتوبين في السماوات" (عب 12: 18-23).
كل رجال الإيمان المُخلِصين والأمناء متى عبدوا الرب يرتبطون بالعبادة السماوية. وكما جاء في سفر الرؤيا: "وجاء ملاك آخر، لكي يُقَدِّمه مع صلوات القديسين جميعهم على مذبح الذهب الذي أمام العرش، فصعد دُخَان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله. ثم أخذ الملاك المبخرة وملأها من نار المذبح، وألقاها إلى الأرض، فحدثت أصوات ورعود وبروق وزلزلة" (رؤ 8: 3-5).

بين شخصية شاول وشخصية داود

أشار السفر إلى شخصية شاول كأول ملك لإسرائيل. بدأ بنجاحٍ وبروح التواضع، لكن إذ نال نصرات فائقة سقط في الكبرياء، وحسد الشاب الناجح التقي والشجاع داود، وأراد الخلاص منه بأي ثمنٍ، ولو على حساب الأمة كلها. فكان مثلاً خطيرًا لما يجب ألا يكون على المؤمن، خاصة القائد أو من في مركزٍ قياديٍ.
أما داود، فبدأ صغيرًا بروح التقوى، له أخطاء خطيرة، ربما تبدو أخطر من تلك التي سقط فيها شاول، لكن الفارق بين الشخصيتين هو:
1. كان مركز تفكير شاول نجاحه الزمني ونصراته على الأعداء وتجميع رجال البأس حوله من أجل تكوين شعبية له ليس إلا. أما داود فكان مركز تفكيره الله نفسه كقائدٍ لحياته، وقائدٍ للشعب كله. ما يشغله أن يكون في حضرة الله، يُسَبِّحه ويُمَجِّده ويشكره نهارًا وليلاً.
2. مع كل سقوطٍ في خطية أو خطأ، كان ما يشغل فكر شاول التغطية على الخطأ أمام الشعب، حتى لا يفقد شعبيته، فكان علاج الخطأ أشر من الخطأ نفسه وأسوأ. أما بالنسبة لداود، فكان مع كل خطأ، يُعَوِّم كل ليلة سريره بدموعه. وكان مع كل تأديب استجابته "ما يحسن في عيني الله يفعله". لهذا مع خطورة خطاياه، كان يقوم ولا يستسلم للسقوط. إنه القدِّيس المثالي، ليس بأنه لا يخطئ، وإنما مع كل خطأ يرتكبه يختبر رحمة الله حتى في تأديبات الرب له مهما بدت قاسية.
3. كان شاول يبحث عن قادة جبابرة بأس، لا لحساب مجد الله وملكوت السماوات، بل لحساب مجده الذاتي. أما بالنسبة لداود، إذ كان الله هو غاية حياته كلها، فكان جذَّابًا لجبابرة البأس، حتى الذين كانوا من نسل شاول أو سبطه أو رجاله. فكانوا بكل مسرةٍ وبإرادتهم الحُرَّة يتركون شاول ويلتصقون بداود.
4. كانت العبادة بالنسبة لشاول شكليات، يُتَمِّمها حتى وإن اغتصب عمل الكهنوت، أما بالنسبة لداود فحتى في معاركه وعلاقاته مع الأمم ما يشغله هو سُكْنَى الله وسط شعبه.
5. لم يكن يشغل قلب شاول وحدة إسرائيل، فليس لديه ما يمنعه من أن يُكَرِّسَ كل طاقاته وطاقات القيادات العسكرية لقتل داود ومن هو حوله. أما داود فلم يمد يده على شاول وبنيه. وبروح الحب والوحدة، جمع شمل إسرائيل كله ليس حوله، بل حول الله العامل فيه.
6. في أحاديث داود الأخيرة، لم يتحدَّث عن نصراته وأعماله البطولية، بل كان يحث كل القيادة والشعب على المساهمة في بناء بيت الرب الذي لم يسمح له الله بالقيام به، بل وعده أن يتحقق على يدي سليمان ابنه. هذه الروح لم توجد قط في فكر شاول وقلبه وخطته!

هل سفر أخبار الأيام الأول كتاب دفاعي عن الملك داود؟

مع اهتمام السفريْن بداود الملك ونسله الملوكي، كما لو كان الموضوع الرئيسي للسفريْن، غير أن السفرين ليسا سفرين دفاعيين عن العرش الملوكي الداودي. إنهما يُقَدِّمان داود الملك من الجانب التعبدي أكثر منه الملكي، وكأن دوره الرئيسي هو خدمة الهيكل الذي كان يشتهي أن يبنيه بنفسه أكثر من خدمته للقصر الملكي. اهتمام السفر بالملك داود ونسله إنما هو اهتمام بقُدْسية شعب الله، كشعب مُتعَبِّد له.

لماذا سمح الله بالانقسام وبالسبي؟

يتساءل البعض:
  1. لماذا سمح الله بانقسام المملكة إلى مملكتين، شمالية وجنوبية، وفقد كرسي داود عشرة أسباط؟
  2. لماذا يسمح أحيانًا ببعض الملوك الأشرار أن تمتد حياتهم إلى فترة طويلة، وبالتالي جلوسهم على العرش؟
  3. لماذا سمح الله بسبي أشور لمملكة الشمال، وبابل لمملكة الجنوب؟
  4. لماذا سمح الله بتدمير هيكل سليمان ومدينته أورشليم؟
هذه التساؤلات وما على شاكلتها تثور في أفكار الكثيرين، وقد أجاب أخبار الأيام عليها بطريقة غير مباشرة، إذ نلاحظ الآتي:
أ. الله لا يريد أن يُحَرِّك البشرية كقطع الشطرنج، إنما وهب الإنسان حرية الإرادة، وهي هبة إلهية عظمى. فلا يُلزِم الأشرار على السلوك قسرًا بما يليق بهم كخليقة الله.
ب. إذ فسد الشعب، سمح الله بالانقسام لكي يذوق كل من المملكتين مرارة الشر والانقسام والبغضة، لعلَّهم يرجعون إليه.
ج. في وسط هذا الانقسام ساد الشر مملكة الشمال في كل عصور ملوكها، كما ساد الشر من وقتٍ إلى آخرٍ في مملكة الجنوب. غير أن لله بقية باقية مُقدَّسة اختارت الالتصاق بالرب، فنسمع عند ذهاب اللاويين والكهنة الذين كانوا في وسط أسباط مملكة الشمال إلى أورشليم وذهب معهم الأتقياء من بعض الأسباط إلى مملكة يهوذا. في نفس الوقت نعمته لا تتوقَّف عن العمل، لمن يطلبها ويتجاوب معها. فقد قال النبي لآسا الملك: "لأن عيني الرب تجولان في كل الأرض، ليتشدد مع الذين قبولهم كاملة من نحوه" (2 أي 16: 9). وقال نبي آخر ليهوشافاط: "وُجِدَ فيك أمور صالحة، لأنك نزعت السواري من الأرض، وهيّأت قلبك لطلب الرب" (2 أي 19: 3)، وقيل عن ملوك يهوذا الصالحين إنهم عملوا المستقيم في عينيّ الرب (2 أي 29: 2؛ 34: 2).
د. إن كان الخطأ المُشترَك من يربعام ورحبعام أدَّى إلى انقسام المملكة، وسلك الشعب في الشر، فقد انتهت المملكتان بالسبي، وهناك ليس لمملكة أن تفتخر على الأخرى، إذ فقدت المملكتان هويّتهما، ليعودا مملكة واحدة مع الأمم بمجيء ابن داود الذي يُحَرِّر الكل من الخطايا والفساد.
هـ. لم يترك الله المملكتين بلا رعاية، إذ كان في كل العصور في المملكتين يُقِيم أنبياء ينادون بالتوبة والرجوع إليه





يوشيا والاحتفال بالفصح


بداية حسنة ونهاية مُحزِنة

يُقَدِّم لنا الكتاب المقدس تحذيرًا لئلا نبدأ حسنًا ولا نكمل، إذ نسحب أيدينا من يد الرب، ونعطيه القفا لا الوجه، فنسقط في الشر أو العناد مع الرب ولو إلى حين. وفيما يلي بعض ملوك يهوذا (مملكة الجنوب) ابتدأوا ولم يُكَمِّلوا:
1. الملك آسا: عمل ما هو صالح ومستقيم في عيني الرب (1 مل 15: 11؛ 2 أي 14: 2). في آخر أيامه اعتمد على ملك أرام طالبًا معونته ضد إسرائيل (2 أي 16: 4)، ولم يطلب مشورة الله.
2. يهوشافاط (1 مل 22: 43) أخطأ، إذ صاهر الملك أخآب الشرير، وخرج مع أخآب للحرب (2 أي 19: 2-3).
3. يوآش أو يهوآش (2 أي 24: 2) عمل المستقيم في أيام يهوياداع الكاهن التقي. وإذ مات الكاهن سلك حسب مشورة رؤساء يهوذا الذين خدعوه، فترك عبادة الرب، وعندما وبَّخه زكريّا بن يهوداع أمر برجمه. وقام اثنان غالبًا يعيشان في قصره باغتياله (2 أي 24: 26).
4. أمصيا (2 أي 25: 1)، أطاع الرب، لكنه فيما بعد عبد أصنام الأدوميين، كما تَحَدَّى ملك إسرائيل في تشامخ، اُغتيل في لخيش (2 أي 25: 27).
5. عُزِّيا: بدأ بحياة مستقيمة، وانتهت بتشامخه واغتصابه العمل الكهنوتي، فأُصِيب بالبرص، وأكمل حياته في بيت المرض، وتَسَلَّمَ ابنه العرش (2 أي 26).
6. حزقيا الملك: رجل الإصلاح العجيب، لكن في أواخر حياته استعرض غناه أمام مندوبي ملك بابل عوض تمجيد الرب، فأرسل إليه الرب إشعياء النبي يُوَبِّخه (2 أي 29-32).
7. يوشيا الملك رجل الإصلاح الغيور، للأسف تَدَخَّل في معركة ضد نخو ملك مصر الذي تَحَرَّك عندما سمع عن هزيمة أشور أمام البابليين. تَدَخَّل فيما لا يعنيه، وكان نتيجة ذلك أنه جُرِحَ في معركة كركميش ومات (2 أي 35: 23).

الاحتفال بالفصح

يُقَدِّم لنا هذا الأصحاح صفحة جديدة لإصلاحات يوشيا الملك وهي حفظ فصح الرب. قام الملك يوشيا بالاحتفال بعيد الفصح بطريقةٍ رائعةٍ، حتى قيل إنه لم يُحتفل بمثله منذ أيام صموئيل النبي. هذا الاحتفال يثير فينا تساؤلات كثيرة مها الآتي:
1. من الذي حث الملك على هذا العمل المُفرِح؟ هل قَدَّمَتْ له والدته هذا الفكر ليقتدي بجدِّه حزقيا الملك رجل الإصلاح العجيب؟ فقد سلك على منواله من جهة تطهير الأرض من الأوثان ورجاساتها والاهتمام بعبادة الله الحي والاحتفال بعيد الفصح، أم قام هو بدراسة الشريعة وأدرك أهمية هذا الاحتفال؟ ما هي دوافعه حين بذل كل هذا الجهد للاحتفال بالعيد؟ هل أراد أن يسلك حسب الشريعة التي أَحَبَّها بكل قلبه، ووجد سعادته في الطاعة لها والالتصاق بالرب؟
2. تُرَى هل كانت نفسه مُرَّة من جهة روح البؤس الذي ساد الدولة بسبب انحرافها عن الله مصدر السعادة، في عصري جدِّه مَنَسَّى ووالده آمون، فاشتهى أن يرد الكل إلى الله مَصْدَر الفرح ؟
هل أدرك أن ذبيحة الفصح ستجمع الأسباط كلها بروح الحب والوحدة والرجوع إلى الله؟
على أي الأحوال، احتفاله بعيد الفصح أبرز شخصيته كقائد حيّ، اقتدى بحزقيا الملك، وكلاهما سلكا في طريق أبيهما داود كنموذج للقائد الصالح.
سبق أن ورد الحديث عن حفظ الفصح افي سفر الملوك الثاني ولكن بإيجاز (2 مل 23: 21-23)، تَمَّ ذلك في أورشليم في نفس العام الذي اُكتشف فيه سفر الشريعة. ورد هنا بأكثر تفصيل.
قام الملكان المُصلِحان حزقيا ويوشيا بالاحتفال بعيد الفصح، وذلك كجزءٍ حيويٍ في إحياء العبادة، إذ كان الفصح يُحسَب أعظم الأعياد اليهودية. قيل في سفر الملوك الثاني "إنه لم يعمل مثل هذا الفصح منذ أيام القضاة" (2 مل 23: 22).

1. الاهتمام بالاحتفال بالفصح

1 وَعَمِلَ يُوشِيَّا فِي أُورُشَلِيمَ فِصْحًا لِلرَّبِّ، وَذَبَحُوا الْفِصْحَ فِي الرَّابعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّلِ. 2 وَأَقَامَ الْكَهَنَةَ عَلَى حِرَاسَاتِهِمْ وَشَدَّدَهُمْ لِخِدْمَةِ بَيْتِ الرَّبِّ. 3 وَقَالَ لِلاَّوِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يُعَلِّمُونَ كُلَّ إِسْرَائِيلَ، الَّذِينَ كَانُوا مُقَدَّسِينَ لِلرَّبِّ: «اجْعَلُوا تَابُوتَ الْقُدْسِ فِي الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ. لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَحْمِلُوا عَلَى الأَكْتَافِ. الآنَ اخْدِمُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ وَشَعْبَهُ إِسْرَائِيلَ. 4 وَأَعِدُّوا بُيُوتَ آبَائِكُمْ حَسَبَ فِرَقِكُمْ، حَسَبَ كِتَابَةِ دَاوُدَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، وَحَسَبَ كِتَابَةِ سُلَيْمَانَ ابْنِهِ. 5 وَقَفُوا فِي الْقُدْسِ حَسَبَ أَقْسَامِ بُيُوتِ آبَاءِ إِخْوَتِكُمْ بَنِي الشَّعْبِ وَفِرَقِ بُيُوتِ آبَاءِ اللاَّوِيِّينَ، 6 وَاذْبَحُوا الْفِصْحَ وَتَقَدَّسُوا وَأَعِدُّوا إِخْوَتَكُمْ لِيَعْمَلُوا حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ عَنْ يَدِ مُوسَى». 7 وَأَعْطَى يُوشِيَّا لِبَنِي الشَّعْبِ غَنَمًا، حُمْلاَنًا وَجِدَاءً، جَمِيعَ ذلِكَ لِلْفِصْحِ لِكُلِّ الْمَوْجُودِينَ إِلَى عَدَدِ ثَلاَثِينَ أَلْفًا وَثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِنَ الْبَقَرِ. هذِهِ مِنْ مَالِ الْمَلِكِ. 8 وَرُؤَسَاؤُهُ قَدَّمُوا تَبَرُّعًا لِلشَّعْبِ وَالْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ حِلْقِيَا وَزَكَرِيَّا وَيَحْيِئِيلَ رُؤَسَاءِ بَيْتِ اللهِ. أَعْطَوْا الْكَهَنَةَ لِلْفِصْحِ أَلْفَيْنِ وَسِتَّ مِئَةٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ ثَلاَثَ مِئَةٍ. 9 وَكُونَنْيَا وَشِمْعِيَا وَنِثْنِئِيلُ أَخَوَاهُ وَحَشَبْيَا وَيَعِيئِيلُ وَيُوزَابَادُ رُؤَسَاءُ اللاَّوِيِّينَ قَدَّمُوا لِلاَوِيِّينَ لِلْفِصْحِ خَمْسَةَ آلاَفٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ خَمْسَ مِئَةٍ. 10 فَتَهَيَّأَتِ الْخِدْمَةُ، وَقَامَ الْكَهَنَةُ فِي مَقَامِهِمْ وَاللاَّوِيُّونَ فِي فِرَقِهِمْ حَسَبَ أَمْرِ الْمَلِكِ، 11 وَذَبَحُوا الْفِصْحَ. وَرَشَّ الْكَهَنَةُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَأَمَّا اللاَّوِيُّونَ فَكَانُوا يَسْلَخُونَ. 12 وَرَفَعُوا الْمُحْرَقَةَ لِيُعْطُوا حَسَبَ أَقْسَامِ بُيُوتِ الآبَاءِ لِبَنِي الشَّعْبِ، لِيُقَرِّبُوا لِلرَّبِّ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ مُوسَى. وَهكَذَا بِالْبَقَرِ. 13 وَشَوَوْا الْفِصْحَ بِالنَّارِ كَالْمَرْسُومِ. وَأَمَّا الأَقْدَاسُ فَطَبَخُوهَا فِي الْقُدُورِ وَالْمَرَاجِلِ وَالصِّحَافِ، وَبَادَرُوا بِهَا إِلَى جَمِيعِ بَنِي الشَّعْبِ. 14 وَبَعْدُ أَعَدُّوا لأَنْفُسِهِمْ وَلِلْكَهَنَةِ، لأَنَّ الْكَهَنَةَ بَنِي هَارُونَ كَانُوا عَلَى إِصْعَادِ الْمُحْرَقَةِ وَالشَّحْمِ إِلَى اللَّيْلِ. فَأَعَدَّ اللاَّوِيُّونَ لأَنْفُسِهِمْ وَلِلْكَهَنَةِ بَنِي هَارُونَ. 15 وَالْمُغَنُّونَ بَنُو آسَافَ كَانُوا فِي مَقَامِهِمْ حَسَبَ أَمْرِ دَاوُدَ وَآسَافَ وَهَيْمَانَ وَيَدُوثُونَ رَائِي الْمَلِكِ. وَالْبَوَّابُونَ عَلَى بَابٍ فَبَابٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَحِيدُوا عَنْ خِدْمَتِهِمْ، لأَنَّ إِخْوَتَهُمُ اللاَّوِيِّينَ أَعَدُّوا لَهُمْ. 16 فَتَهَيَّأَ كُلُّ خَدَمَةِ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ لِعَمَلِ الْفِصْحِ وَإِصْعَادِ الْمُحْرَقَاتِ عَلَى مَذْبَحِ الرَّبِّ حَسَبَ أَمْرِ الْمَلِكِ يُوشِيَّا. 17 وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْمَوْجُودُونَ الْفِصْحَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ، وَعِيدَ الْفَطِيرِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. 18 وَلَمْ يُعْمَلْ فِصْحٌ مِثْلُهُ فِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَيَّامِ صَمُوئِيلَ النَّبِيِّ. وَكُلُّ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ لَمْ يَعْمَلُوا كَالْفِصْحِ الَّذِي عَمِلَهُ يُوشِيَّا وَالْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ وَكُلُّ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ الْمَوْجُودِينَ وَسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ. 19 فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ لِمُلْكِ يُوشِيَّا عُمِلَ هذَا الْفِصْحُ.

وَعَمِلَ يُوشِيَّا فِي أُورُشَلِيمَ فِصْحًا لِلرَّبِّ،
وَذَبَحُوا الْفِصْحَ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّلِ. [1]
كل الأعياد التي وردت في العهد القديم، سواء الأسبوعية (السبت) أو الشهرية أو السنوية (لا 23)، لها رسالتها الروحية حيث ترمز لعمل السيد المسيح الخلاصي خلال صلبه وقيامته وصعوده إلى السماء. أما عيد الفصح فله تقديره الخاص، إذ يَذْكُرُ اليهود كيف أطلقهم من عبودية فرعون (رمز إبليس) إلى جبل سيناء لاستلام الشريعة وإقامة خيمة الاجتماع (كرمزٍ للانطلاق إلى كنعان السماوية). في هذا العيد يَتَذَكَّر الشعب أنه شعب مختار من الله ليتمتع بإقامة عهدٍ معه، ويشير إلى تمتعنا بالأمجاد الأبدية.
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن عيد الفصح المسيحي هو عيد يومي في حياة المؤمن المُلتهِب بالروح، هو عيد الانطلاق المُستمِر إلى عربون الحياة السماوية.
تَمَّ الاحتفال بعيد الفصح في اليوم الرابع عشر من الشهر الأول حسب الشريعة تمامًا، وليس من الشهر الثاني مثل فصح حزقيا، لأن الكهنة واللاويين تهيأوا وتقدَّسوا للربِّ. في الاحتفال الذي قام به حزقيا، نلاحظ الغيرة الشديدة للشعب مع شيءٍ من التقوى، الأمر المفقود هنا. إذ كان الشعب يحتفل به مجاراةً للملك [17-18]. حمل هنا الشعب صورة التقوى وهم ينكرون قوتها (2 تي 3: 5).
يمكننا القول إن الرؤساء والخدام أعطوا من جانبهم نوعًا من العناية لتتمَّ الخدمة بالوقار اللازم، مما يُعَوِّض النقص في روح الشعب.
v إنه عيد كل أيام حياتنا. فمع قوله "لنحفظ العيد" لم يقل هذا بخصوص حلول الفصح أو البنطقستي، وإنما يشير إلى كل الزمن كعيد للمسيحيين، وذلك بسبب سمو الخيرات التي نَتَقَبَّلها... إنه عيد يمتدُّ كل زماننا. لذلك يقول بولس: "افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا افرحوا" (في 4:4). في أيام العيد لا يرتدي أحد ثيابًا قذرة. هكذا ليتنا نحن أيضًا لا نفعل ذلك. فقد تحقق الزواج، الزواج الروحي، لأنه يقول: "يُشْبِه ملكوت السماوات إنسانا ملكًا صنع عُرْسًا لابنه" (مت 2:22).
v كان اليهود دائمًا ينسون إحسان الله لهم. لهذا ربط الله معنى هذه الأمور وإحسانه، ليس فقط بزمنٍ معينٍ بل وبعاداتهم مثل الأكل. لهذا كانوا يأكلونه (الفصح) متمنطقين وأحذيتهم في أرجلهم (خر 11:15). فإن سُئلوا عن السبب يقولون: كنا مستعدِّين للرحلة، كنا على وشك الخروج من مصر إلى أرض الموعد، كنا مستعدِّين لخروجنا. هذا إذن هو الرمز التاريخي. لكن الحقيقة هي أننا نحن أيضًا نأكل فصحنا المسيح، لأنه قد ذُبِحَ لأجلنا. ماذا إذن؟ يلزمنا أن نأكله متمنطقين وأحذيتنا في أرجلنا. لماذا؟ لنكون نحن أيضًا مستعدّين لخروجنا، لرحيلنا من هنا.
القديس يوحنا الذهبي الفم
وَأَقَامَ الْكَهَنَةَ عَلَى حِرَاسَاتِهِمْ وَشَدَّدَهُمْ لِخِدْمَةِ بَيْتِ الرَّبِّ. [2]
حثَّ الملك الكهنة واللاويين ووجَّههم وشَجَّعهم للقيام بواجبهم. وذلك كما فعل الرسول بولس، إذ كتب: "قولوا لأرخبس انظر إلى الخدمة التي قبلتها في الرب لكي تُتَمِّمَها" (كو 4: 17).
لم يغتصب الملك عمل رئيس الكهنة أو الكهنة كما فعل شاول الملك حين قَدَّم ذبيحة عندما تأخر صموئيل النبي، لكنه حث الجميع على العمل ووَجَّههم حسب ما ورد في الشريعة [6].
وَقَالَ لِلاَّوِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يُعَلِّمُونَ كُلَّ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا مُقَدَّسِينَ لِلرَّبِّ:
اجْعَلُوا تَابُوتَ الْقُدْسِ فِي الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ.
لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَحْمِلُوا عَلَى الأَكْتَافِ.
الآنَ اخْدِمُوا الرَّبَّ إِلَهَكُمْ وَشَعْبَهُ إِسْرَائِيلَ. [3]
مرة أخرى يضع اللاويون تابوت العهد في قدس الأقداس، فقد طلب الملك من اللاويين أن يردوا تابوت العهد إلى بيت الرب. ربما كان آمون قد استبعده من مكانه أو أخفاه بعض الكهنة خشية أن يدركه الملك آمون، وربما أخرجوه أثناء الإصلاح والبناء في أيام الملك يوشيا.
بقوله "ليس لكم أن تحملوا على الأكتاف"، يطلب استقرار التابوت كمُمَثِّل للحضرة الإلهية في بيت الرب بعد إزالة كل الأصنام والرجاسات الوثنية... بعد استقرار تابوت العهد قدس الأقداس، يتفرَّغون لخدمة الله (تقديم الذبائح الخ) وتعليم الشعب.
بقوله للاويين: "اخدموا الرب إلهكم وشعبه" يؤكد دورهم كقادة أن يُدرِكوا مركزهم كخدمٍ يتهللون بخدمة الله وشعبه، وليس بطلب السلطة عليهم وإصدار الأوامر والنواهي (2 كو 4: 5). كما تحمل العبارة نوعًا من التعديل في خدمة اللاويين، إذ قاموا بالآتي:
أ. عندما اتخذوا مكانهم في القدس، ذبحوا الفصح وأَعَدُّوه لإخوتهم.
ب. كانوا في خدمة الكهنة.
ج. خصصوا المُحرَقات، وقاموا بشوي الفصح بالنار، وطبخوا ذبائح السلامة للشعب.
د. أعدوا أنصبتهم وأنصبة بني هرون.
هـ. اهتموا بتنفيذ ما وُجِدَ في كل كتابات الوحي، خاصة التسبيح بواسطة فِرَق المُغنِّين، وترتيب العبادة في بيت الرب.
وَأَعِدُّوا بُيُوتَ آبَائِكُمْ حَسَبَ فِرَقِكُمْ،
حَسَبَ كِتَابَةِ دَاوُدَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ،
وَحَسَبَ كِتَابَةِ سُلَيْمَانَ ابْنِهِ. [4]
"حسب فِرَقكم"، أي طلب أن يكون الاحتفال بتدبيرٍ ونظامٍ، كل حسب موهبته، وحسبما ورد في الشريعة الموسوية، وكما سلك داود وسليمان [4]. لم يضع نظامًا جديدًا، ولا غَيَّر في الطقس.
وَقِفُوا فِي الْقُدْسِ حَسَبَ أَقْسَامِ بُيُوتِ آبَاءِ إِخْوَتِكُمْ بَنِي الشَّعْبِ،
وَفِرَقِ بُيُوتِ آبَاءِ اللاَّوِيِّين. [5]
طلب أن تكون خدمة الكهنة واللاويين بنظامٍ وتدبيرٍ، فتوجد مجموعة لخدمة القادمين من كل سبط للاحتفال بالعيد، فتَشَعَّر جميع الأسباط أنها موضع اهتمام اللاويين.
وَاذْبَحُوا الْفِصْحَ وَتَقَدَّسُوا،
وَأَعِدُّوا إِخْوَتَكُمْ لِيَعْمَلُوا حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ عَنْ يَدِ مُوسَى. [6]
أدرك الملك أن اللاويين لا يقدرون على خدمة شعب الله ما لم يُقَدِّموا الفصح، أي خلال الصليب واهب العبور من العبودية إلى مجد حرية أولاد الله، وأن يتقدسوا [6].
بلا شك أن كثيرين كانوا يجهلون ما تتطلبه الشريعة بخصوص الاحتفال بعيد الفصح، ودور الشعب في تقديم خروف الفصح، لذا وجب على اللاويين أن يُعِدُّوا الشعب للتصرُّف بحكمةٍ وتدبير حسنٍ حسب ما ورد في الشريعة.
وَأَعْطَى يُوشِيَّا لِبَنِي الشَّعْبِ غَنَمًا حُمْلاَنًا وَجِدَاءً،
جَمِيعَ ذَلِكَ لِلْفِصْحِ لِكُلِّ الْمَوْجُودِينَ إِلَى عَدَدِ ثَلاَثِينَ أَلْفًا وَثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِنَ الْبَقَرِ.
هَذِهِ مِنْ مَالِ الْمَلِكِ. [7]
بدأ الملك بالعطاء من ماله بفيضٍ لشعب الله، حتى يشاركوه احتفاله بالعيد المقدس.
تَحَمَّلَ الملك والرؤساء الذين اقتدوا به الكثير من تكلفة الاحتفال، إذ لم يكن الشعب قادرًا على الإنفاق عليه، لأنه لم تكن لدى الشعب الغيرة الكافية للقيام بالاحتفال. لذلك:
قَدَّم الملك 30000 من الغنم والحملان، 3000 من البقر، من ماله الخاص [7].
قَدَّم الرؤساء 2600 من الحملان، 300 من البقر [8].
قَدَّم رؤساء اللاويين 5000 من الحملان، 500 من البقر [9].
وَرُؤَسَاؤُهُ قَدَّمُوا تَبَرُّعًا لِلشَّعْبِ،
وَالْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ حِلْقِيَا وَزَكَرِيَّا وَيَحْيِئِيلَ رُؤَسَاءِ بَيْتِ الله.
أَعْطُوا الْكَهَنَةَ لِلْفِصْحِ أَلْفَيْنِ وَسِتَّ مِئَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَمِنَ الْبَقَرِ ثَلاَثَ مِئَةٍ. [8]
كما قَدَّم الملك من ماله هكذا اقتدى به الرؤساء، وقَدَّموا الكثير للشعب والكهنة واللاويين.
انشغال الملك بممارسة الاحتفال بعيد الفصح في صورة مثالية فريدة، كشف عما في قلبه من جهة الفقراء. فقَدَّم من جانبه الكثير للشعب بسخاءٍ وفرحٍ. وطلب من الرؤساء أن يشاركوه بركة العطاء، فسألهم أن يُقَدِّموا تبرعات للشعب. كما طلب من الكهنة واللاويين المُقتدِرين أن يُقَدِّموا بسخاء للكهنة المحتاجين. لقد اختبر الملك بركة العطاء!
v إن أخذ كل واحدٍ فقط ما يحتاج إليه، وأعطي البقيَّة للمحتاجين، لما وُجِدَ بعد غَنِي أو فقير[3].
v الذين يُحِبُّون قريبهم مثل أنفسهم، لا يقتنون شيئًا أكثر منه، ومع هذا تشعر أنك تملك الكثير!
كيف يتحقق هذا إلا بكونك تُفَضِّل التمتُّع بتعزيات الكثيرين؟
بقدر ما تقتني ثروة أكثر، يزداد عجزك في الحب.
إن كنتَ بالحق تُحِبُّ قريبك، كان يليق بك أن تتجرَّد منذ وقت طويل من هذه الثروة. لكن الآن مقتنياتك صارت جزءًا منك أكثر من أعضاء جسمك نفسه، وصار الحرمان منها أكثر مرارة من بتر عضو من أطرافك.
هل أعطيت ثيابًا للعرايا؟ هل تعطي خبزك للجياع؟ هل فتحت بابك لكل غريب؟ هل صرت أبًا (أو أمًا) للأيتام؟ هل حسبت آلام العاجزين آلامك؟ أيّة أموال ستتركها هذه التي تحزن عليها بفقدانك لها؟ هل صممت منذ زمن طويل أن تُعطِي المحتاجين، فكيف لا تحتمل الآن توزيع ما تبقَّى معك؟
في المواسم لا يتأسَّف الناس على إنفاق ما بأيديهم لكي يقتنوا ما هو لازم للعيد. بالحري إنه الأرخص أن يقتنوا سلعًا ثمينة، فيسرون بالأكثر بمثل هذه الصفقة. لكنك تحزن عندما تترك الذهب والفضة والممتلكات، أي الحجارة والتراب، لكي تقتني الحياة المُطوَّبة.
v عندما تُوزَّع الثروة بالطريقة التي يوجهنا إليها ربنا بالطبيعة ترجع إليك، وعندما تُجمَع (في المخزن) تتبدَّد طبيعيًا. إن حاولت الاحتفاظ بها لن تنالها، وإن قُمْتَ بتوزيعها لا تفقدها. " فرَّق، أعطى المساكين، برّه قائم إلى الأبد" (مز 112: 9).
v بقدر ما تكون بالأكثر مُحِبًا للغِنَى، فلتحرص ألا تترك شيئًا من ممتلكاتك يُفقَد. لتجعل كل شيء بالحق هو لك، حوِّل كل شيء إلى العالم الأبدي. لا تترك شيئًا من ثروتك للغرباء...
أَعِدّ نفسك مُقَدَّمًا لدفنك. أعمال التقوى هي أفضل كفنٍ. لتجعل رحيلك مرتديًا ثيابًا فخمة بأعمالك الصالحة؛ حوِّل ثروتك إلى زينة حقًا لا تنفصل عنك. احتفظ بكل شيءٍ معك عندما ترحل. اقتدِ في هذا بالمسيح المُشِير الصالح الذي يُحِبُّك. صار فقيرًا من أجلنا ليجعلنا أغنياء بفقره (2 كو 8: 9)، وقَدَّم نفسه فدية عن الكل (1 تي 2: 6). لنقتدي به، فإنه حكيم، وعارف بكل شيءٍ، وننتظره، إذ هو يُحِبُّنا، أو لنعطه مقابل عطائه، لأنه هو المُنعِم علينا.
على أي الأحوال لنمارس ما أمرنا به، لنصير ورثة الحياة الأبدية في المسيح نفسه الذي يليق به المجد والسلطان إلى أبد الأبد، آمين.
القديس باسيليوس الكبير
وَكُونَنْيَا وَشَمَعْيَا وَنِثْنِئِيلُ أَخَوَاهُ وَحَشَبْيَا وَيَعِيئِيلُ وَيُوزَابَادُ رُؤَسَاءُ اللاَّوِيِّينَ،
قَدَّمُوا لِلاَّوِيِّينَ لِلْفِصْحِ خَمْسَةَ آلاَفٍ مِنَ الْغَنَمِ وَمِنَ الْبَقَرِ خَمْسَ مِئَةٍ. [9]
فَتَهَيَّأَتِ الْخِدْمَةُ، وَقَامَ الْكَهَنَةُ فِي مَقَامِهِمْ،
وَاللاَّوِيُّونَ فِي فِرَقِهِمْ حَسَبَ أَمْرِ الْمَلِكِ. [10]
عَهدَ الملك الإعداد لهذا الاحتفال إلى اللاويين الموثوق فيهم والذين يقومون بذبح حملان الفصح [3-5]. كان اللاويون يقومون كمُساعِدين للكهنة وكمُسَبِّحين وبَوَّابين [10-15]. قام الكهنة واللاويون بمراسيم عيد الفصح حسب أمر الملك، وحسب ما يتطلبه الناموس.
صورة رائعة للعمل الجماعي بروح الحُبِّ والفرح والتهليل. مارس الكهنة واللاويون أعمالهم، فذبحوا حملان الفصح في دار الهيكل، وقام الكهنة برش الدم على المذبح. وقام اللاويون بسلخ الجلد، وأخذوا أجزاء مُعَيَّنة وقاموا بشيها، وقَدَّموا اللحم للشعب حسب عشائرهم. أما الذبائح الأخرى التي للشكر، فقاموا بطبخها في القدور والمراجل [13].
وَذَبَحُوا الْفِصْحَ. وَرَشَّ الْكَهَنَةُ مِنْ أَيْدِيهِمْ.
وَأَمَّا اللاَّوِيُّونَ فَكَانُوا يَسْلُخُونَ. [11]
كان الشعب نفسه يقوم بذبح الخروف (الفصح)، ويُقَدِّمون الدم للكهنة لرشِّه أمام المذبح، ويقوم اللاويون بسلخه، ويعدون لتمليحه[7].
كان اللاويون يُعِدُّون الطعام للكهنة، لأن الكهنة كانوا مشغولين بالمذبح طول اليوم.
وَرَفَعُوا الْمُحْرَقَةَ لِيُعْطُوا حَسَبَ أَقْسَامِ بُيُوتِ الآبَاءِ لِبَنِي الشَّعْبِ،
لِيُقَرِّبُوا لِلرَّبِّ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ مُوسَى. وَهَكَذَا بِالْبَقَرِ. [12]
لقد دعا البقية الباقية في مملكة إسرائيل للاشتراك في الاحتفال كما سبق ففعل حزقيا الملك. لم يكن الاحتفال مثل أيّ عيدٍ عادي، إنما جاء فريدًا، فجمع شمل إسرائيل في وحدةٍ وحبٍ.
عزلوا من خرفان الحمل الأجزاء التي تُحرَق على المذبح. وأعطوا هذه الأجزاء إلى مُقَدِّمي الذبائح ليرفعوها على المذبح ويُسَلِّموها للكهنة الذين يُقَدِّسونها.
وَشَوُوا الْفِصْحَ بِالنَّارِ كَالْمَرْسُومِ.
وَأَمَّا الأَقْدَاسُ فَطَبَخُوهَا فِي الْقُدُورِ وَالْمَرَاجِلِ وَالصِّحَافِ،
وَبَادَرُوا بِهَا إِلَى جَمِيعِ بَنِي الشَّعْبِ. [13]
كان لحم الفصح يُشوَى بالنار، ولحم ذبائح الخطية يُطبَخ.
وَبَعْدُ أَعَدُّوا لأَنْفُسِهِمْ وَلِلْكَهَنَةِ،
لأَنَّ الْكَهَنَةَ بَنِي هَارُونَ كَانُوا عَلَى إِصْعَادِ الْمُحْرَقَةِ وَالشَّحْمِ إِلَى اللَّيْلِ.
فَأَعَدَّ اللاَّوِيُّونَ لأَنْفُسِهِمْ وَلِلْكَهَنَةِ بَنِي هَارُونَ. [14]
وَالْمُغَنُّونَ بَنُو آسَافَ كَانُوا فِي مَقَامِهِمْ حَسَبَ أَمْرِ دَاوُد،َ
وَآسَافَ وَهَيْمَانَ وَيَدُوثُونَ رَائِي الْمَلِكِ.
وَالْبَوَّابُونَ عَلَى بَابٍ فَبَابٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَحِيدُوا عَنْ خِدْمَتِهِمْ،
لأَنَّ إِخْوَتَهُمُ اللاَّوِيِّينَ أَعَدُّوا لَهُمْ. [15]
لما كان التسبيح جزءًا حيًّا في العبادة، خاصة في الاحتفال بالعيد، قام المُغَنُّون بنو آساف بالتسبيح، واشترك فيه أساف وهيمان ويدوثون الرائي، فصار جو الاحتفال تسوده البهجة والفرح.
والتزم البوَّابون بعملهم وخدمتهم مثل بقية اللاويين... يبقون في مواقعهم، بينما يقوم اللاويون بالذبح، ويحضرون لهم نصيبهم من الحملان[9]. ومارس المُغَنُّون عملهم، وأيضًا البَوَّابون. اهتم المُغَنُّون بعزف التسابيح المُفرِحة، واهتم البَوَّابون بحراسة الأبواب لكي لا يدخل شيءٍ دنس أو نجس إلى الهيكل. هكذا يمتزج الفرح الروحي بالحياة المقدسة.
فَتَهَيَّأَ كُلُّ خَدَمَةِ الرَّبِّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِعَمَلِ الْفِصْحِ،
وَإِصْعَادِ الْمُحْرَقَاتِ عَلَى مَذْبَحِ الرَّبِّ حَسَبَ أَمْرِ الْمَلِكِ يُوشِيَّا. [16]
يُقصَد بالقول في ذلك اليوم ليس فقط يوم الفصح، بل السبعة أيام التالية.
وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْمَوْجُودُونَ الْفِصْحَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعِيدَ الْفَطِيرِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. [17]
وَلَمْ يُعْمَلْ فِصْحٌ مِثْلُهُ فِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَيَّامِ صَمُوئِيلَ النَّبِيِّ.
وَكُلُّ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ لَمْ يَعْمَلُوا كَالْفِصْحِ الَّذِي عَمِلَهُ يُوشِيَّا،
وَالْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ وَكُلُّ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ الْمَوْجُودِينَ وَسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ. [18]
كان الاحتفال عظيمًا، حُسب معادلاً لما حدث في أيام صموئيل، كما يُعتبَر عملاً ليتورجيًا.
بسبب قلب يوشيا الناري، بالرغم مما كان فيه الشعب من فتورٍ، فقد اشترك كل خادمٍ بدوره في العمل بكل قوةٍ وهِمَّةٍ نشاطٍ وبروح الفرح. لم يكن يوشيا في غِنَى داود وسليمان ويهوشافاط وحزقيا، لكن جو الاحتفال المُفرِح لم يكن مثله منذ أيام صموئيل النبي. لقد ساهم الملك بروحه وغيرته، وأيضًا من ماله الخاص.
فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ لِمُلْكِ يُوشِيَّا عُمِلَ هَذَا الْفِصْحُ. [19]
شعر المحتفلون بالعيد أنهم لا يمارسون عملاً يذكرون به ما حدث في الماضي، إنما يتمتعون بالله المُخَلِّص للشعب في أرض مصر ومُخَلِّصهم على الدوام في كل مكانٍ وفي كل زمانٍ. هذا كان رمزًا لما فعله السيد المسيح وورثته الكنيسة لتحيا به. وكما يقول الرسول بولس: "لأن فصحنا أيضًا المسيح قد ذُبِحَ لأجلنا، إذًا لنُعَيِّد لا بخميرة عتيقة، ولا بخميرة الشر والخبث، بل بفطير الإخلاص والحق" (2 كو 5: 7-8).

2. دخوله في معركة مع فرعون

20 بَعْدَ كُلِّ هذَا حِينَ هَيَّأَ يُوشِيَّا الْبَيْتَ، صَعِدَ نَخُوُ مَلِكُ مِصْرَ إِلَى كَرْكَمِيشَ لِيُحَارِبَ عِنْدَ الْفُرَاتِ. فَخَرَجَ يُوشِيَّا لِلِقَائِهِ. 21 فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رُسُلًا يَقُولُ: «مَا لِي وَلَكَ يَا مَلِكَ يَهُوذَا! لَسْتُ عَلَيْكَ أَنْتَ الْيَوْمَ، وَلكِنْ عَلَى بَيْتِ حَرْبِي، وَاللهُ أَمَرَ بِإِسْرَاعِي. فَكُفَّ عَنِ اللهِ الَّذِي مَعِي فَلاَ يُهْلِكَكَ». 22 وَلَمْ يُحَوِّلْ يُوشِيَّا وَجْهَهُ عَنْهُ بَلْ تَنَكَّرَ لِمُقَاتَلَتِهِ، وَلَمْ يَسْمَعْ لِكَلاَمِ نَخُوٍ مِنْ فَمِ اللهِ، بَلْ جَاءَ لِيُحَارِبَ فِي بُقْعَةِ مَجِدُّو. 23 وَأَصَابَ الرُّمَاةُ الْمَلِكَ يُوشِيَّا، فَقَالَ الْمَلِكُ لِعَبِيدِهِ: «انْقُلُونِي لأَنِّي جُرِحْتُ جِدًّا».

لقد سقطت نينوى، عاصمة أشور. ولم تكن هزيمة أشور أمام البابليين تُمَثِّل أخبارًا سارة بالنسبة لنخو (610-594 ق.م) ملك مصر الجديد، فقد أدرك أنه بعد أن يقضي البابليون على أشور سيتَّجِهون نحو مصر لمقاومتها. لذلك اتَّجه نخو بجيشه نحو الفرات بقصد صد تحرُّكات البابليين وجيش مادي نحوه. كان لابد أن يَعْبُرَ على يهوذا، ولم يكن في قلب نخو أية عداوة من جهة يهوذا. لكن يوشيا أخطأ إذ دخل في معركة مع نخو، كان في غِنَى عنها. ربما قام يوشيا بذلك من أجل الصداقة التي كانت بين جدِّه حزقيا مع بابل (2 أخ 32: 31)، وأن كل الأرض المقدسة (إسرائيل ويهوذا) قد عانت الكثير من الأشوريين. إذ التقى الجيشان في سهل أرمجدون، عند تل مجدو أُصِيب يوشيا بجراحات خطيرة، نُقِلَ إلى أورشليم ومات هناك.
بَعْدَ كُلِّ هَذَا حِينَ هَيَّأَ يُوشِيَّا الْبَيْتَ،
صَعِدَ نَخُو مَلِكُ مِصْرَ إِلَى كَرْكَمِيشَ لِيُحَارِبَ عِنْدَ الْفُرَاتِ.
فَخَرَجَ يُوشِيَّا لِلِقَائِهِ. [20]
مَرَّ ثلاثة عشر عامًا من الاحتفال بعيد الفصح إلى يوم موته، لم نسمع شيئًا عن هذه الفترة. يرى البعض أن الشعب في هذه الفترة لم يتخلّ عن خطاياه.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رُسُلاً يَقُولُ:
مَا لِي وَلَكَ يَا مَلِكَ يَهُوذَا! لَسْتُ عَلَيْكَ أَنْتَ الْيَوْمَ،
لَكِنْ عَلَى بَيْتٍ حَرِبي، وَالله أَمَرَ بِإِسْرَاعِي.
فَكُفَّ عَنِ الله الَّذِي مَعِي فَلاَ يُهْلِكَكَ. [21]
لقد أخطأ يوشيا بسبب تسرُّعه في الدخول في معركة مع نخو ملك مصر دون سبب.
لم يستشر يوشيا الرب قبل دخوله في المعركة. أرسل إليه ملك مصر سفراءه ليُحذِّره من الدخول في المعركة. فمع كونه رجلاً بارًا وتقيًا، لكن كان يليق به أن يحترم شريعة التعاون الدولي ولا يبدأ بالدخول في معركة لا لزوم لها. يدعوه الترجوم: " فرعون الكسيح".
مع كل هذه الأعمال المجيدة، أخطأ يوشيا إذ لم يسمع لكلام الله على فم نخو، دخل في معركة بين الأمم لم تكن تخص شعب الله. الدخول في معارك الناس، والمشاركة في سياستهم والانشغال في خططهم، يدفع إلى الفشل التام. يليق بنا أن نرجع إلى الله ضابط التاريخ، اليد العليا في كل ما يجري في العالم.
يرى البعض أن نخو في انطلاقه نحو أشور لم يكن هدفه مساعدة أشور ضد بابل، لأنه وُجِدَت عداوة بين مصر وأشور. إنما تطلع نخو إلى المعركة بين بابل وأشور فرصة لمقاومة بابل التي تهاجم أشور، إذ كان يتطلع إلى بابل أنها ستخلف أشور، وتبقى في عداوة ضد مصر. فأراد أن يقاوم بابل، لا دفاعًا عن أشور، وإنما دفاعًا عن مصر التي ستحاربها بابل بعد نصرتها على أشور. وأن ما يفعله نخو أمر شخصي يمسُّ مصر، لا علاقة له بيهوذا، لأن جيوش مصر وأشور كانت تعبر من وإلى سوريا دون أن تمسَّ أرض أورشليم أثناء عبورها الطريق الساحلي.
"الله أمر بإسراعي": كان فرعون وثنيًا، لكن كثير من النقوش القديمة تظهر أن ملوك مصر يعرفون بطريقة ما وجود إله أسمى فريد. وأن ما ينطق به هنا إنما بوحي من هذا الإله.
وَلَمْ يُحَوِّلْ يُوشِيَّا وَجْهَهُ عَنْه،
بَلْ تَنَكَّرَ لِمُقَاتَلَتِهِ وَلَمْ يَسْمَعْ لِكَلاَمِ نَخُو مِنْ فَمِ الله،
بَلْ جَاءَ لِيُحَارِبَ فِي بُقْعَةِ مَجِدُّو. [22]
إذ أخطأ يوشيا في إثارة الحرب بلا سببٍ تحدث الله معه، لا خلال فم نبي أو كاهن، ولا برؤيا أو حلم، بل على لسان الملك الوثني نخو، "ولم يسمع لكلام نخو من فم الله".
لم يسلك الملك يوشيا على مثال أبيه، إذ لم يسأل الله: "هل أَصعد؟ هل تُسَلِّمهم في يدي؟"... ربما لهذا السبب تحدَّث الله معه خلال الملك الوثني. وكأن ما نطق به الملك الوثني هو نبوة؛ وبالفعل تحققت.
وَأَصَابَ الرُّمَاةُ الْمَلِكَ يُوشِيَّا،
فَقَالَ الْمَلِكُ لِعَبِيدِهِ: انْقُلُونِي، لأَنِّي جُرِحْتُ جِدًّا. [23]
أخطأ يوشيا فنال تأديبًا، إذ قُتل وهو في سن شبابه، لكن الله لم ينسَ عمله الصالح واستقامة قلبه. لا نعجب من بكاء إرميا ورثائه يوشيا، فقد رأى بروح النبوة ما سيحلُّ بالشعب بعد موته.

3. موته وحزن الشعب الشديد عليه

24 فَنَقَلَهُ عَبِيدُهُ مِنَ الْمَرْكَبَةِ وَأَرْكَبُوهُ عَلَى الْمَرْكَبَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي لَهُ، وَسَارُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ فَمَاتَ وَدُفِنَ فِي قُبُورِ آبَائِهِ. وَكَانَ كُلُّ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ يَنُوحُونَ عَلَى يُوشِيَّا. 25 وَرَثَى إِرْمِيَا يُوشِيَّا. وَكَانَ جَمِيعُ الْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَنْدُبُونَ يُوشِيَّا فِي مَرَاثِيهِمْ إِلَى الْيَوْمِ، وَجَعَلُوهَا فَرِيضَةً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَهَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي الْمَرَاثِي. 26 وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يُوشِيَّا وَمَرَاحِمُهُ حَسْبَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ. 27 وَأُمُورُهُ الأُولَى وَالأَخِيرَةُ، هَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا.

فَنَقَلَهُ عَبِيدُهُ مِنَ الْمَرْكَبَةِ،
وَأَرْكَبُوهُ عَلَى الْمَرْكَبَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي لَهُ، وَسَارُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ،
فَمَاتَ وَدُفِنَ فِي قُبُورِ آبَائِهِ.
وَكَانَ كُلُّ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ يَنُوحُونَ عَلَى يُوشِيَّا. [24]
ربما كانت هذه المركبة مرافقة لمركبة الملك، وهي لا تحمل أية علامات ملوكية، نُقِلَ إليها في سريةٍ، حتى لا تُوجَّه إليه ضربات من العدو. وربما قد تعطلت مركبة الملك وأُصيبت.
وَرَثَى إرميا يُوشِيَّا.
وَكَانَ جَمِيعُ الْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَنْدُبُونَ يُوشِيَّا فِي مَرَاثِيهِمْ إِلَى الْيَوْمِ،
وَجَعَلُوهَا فَرِيضَةً عَلَى إِسْرَائِيلَ. وَهَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي الْمَرَاثِي. [25]
كتب إرميا مراثيه في موت يوشيا، إذ أدرك أن الرجاء الأخير للحُكْمِ بحسب فكر الله قد انتهى بهذا الملك التقي. رجع كثير من القادة والشعب إلى الشر، ومع هذا لم يستطع الكل أن يكف عن رثاء هذا الملك الصالح عبر الأجيال، فالحياة المُقدَّسة تحمل في داخلها قوة وشهادة لا يقدر الشر أن ينكرها أو يتجاهلها أو يقاومها. لا نعجب إن كان إرميا النبي رثاه، فقد أدرك أن بموته انتهى آخر فصل من الإصلاحات في يهوذا، وقد رأى ما سيحلُّ بيهوذا من فسادٍ بعد موت هذا الملك الصالح، فقد توقَّع النبي الشر القادم على يهوذا.
كانت عينا إرميا تتجه نحو المسيا (مرا 4: 22؛ 5: 19).
ما نعجب له هو رثاء الشعب بهذه الصورة، لكن ربما خلال إعلانات إرميا النبي أدركوا أن بموت هذا الملك اقترب جدًا يوم التأديب المرّ، فكانوا يبكون حالهم.
أحد أسباب هذا الحزن غير الطبيعي أنه لم يسبق قط بين ملوك يهوذا أن سقط أحدهم في معركة ذهب إليها هكذا بغير حكمةٍ.
لم يُعثَر بعد على رثاء إرميا الملك يوشيا (2 أخ 35: 25). يرى البعض إن ما يشير إليه هنا هو سفر المراثي كله، والبعض يرى أنه الأصحاح الرابع وحده من السفر، لكن غالبية الدارسين يرون أن المراثي التي يتحدث عنها هنا مفقودة.
جاء في الترجوم: [ناح إرميا على يوشيا بمراثٍ عظيمةٍ، وكل الرؤساء والرئيسات ينشدون هذه المراثي الخاصة بيوشيا إلى يومنا هذا، ويوجد قانون في إسرائيل أن ينوحوا كل سنة على يوشيا. هوذا هذه كُتِبَت في كتاب المراثي التي سجَّلها باروخ من فم إرميا.]
وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يُوشِيَّا وَمَرَاحِمُهُ حَسْبَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ. [26]
وَأُمُورُهُ الأُولَى وَالأَخِيرَةُ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. [27]
جاء في الترجوم: [الأمور الأولى التي فعلها في طفولته، والأخيرة التي صنعها في شبابه، وكل الأحكام التي نطق بها منذ السنة الثامنة من تولِّيه المملكة إلى السنة الثامنة عشرة عندما نما وبدأ في إصلاح مَقْدِس الرب، وكل ما أحضره مما لديه إلى يد القضاء لتطهير كل من بيت إسرائيل ويهوذا من كل دنسٍ، فها هي مكتوبة في سفر ملوك بيت إسرائيل وبيت يهوذا.]

من وحي 2 أي 35

لأحتفل بالفصح المسيحي، وأَتزيَّن بالحُبِّ الحقيقي!

v في طاعة للشريعة احتفل يوشيا بالفصح.
قَدَّم لكَ طاعة وحُبًّا وعطاءً.
سكب روح الفرح على القيادات والشعب.
هَبْ لي أن أحتفل بك كل يومٍ، يا أيها الفصح الحقيقي!
أنت هو فصحُنا،
لا لنتذكر تحررًا من عبودية فرعون،
وإنما تهبنا بصليبك أن نُحَطِّمَ إبليس عدو البشرية.
بك ننطلق من الأرض كما إلى السماء عينها.
بك لا أدعو كل أسباط إسرائيل للاحتفال.
إنما أشتهي أن تنعم البشرية كلها بخلاصك!
v لتحسب كل أيامي عيدًا لا ينقطع.
تتهلل نفسي بخلاصك،
وتحمدك على أعمال حُبِّك وحنوك ورعايتك.
لستُ أُقَدِّم حملاً للذبح،
إنما تتهلل نفسي مع الرسول بولس القائل:
مع المسيح صلبتُ،
فأحيا لا أنا، بل يحيا المسيح فيَّ.
لك المجد يا فصحنا المبذول لأجلنا،
واهب القيامة والحياة الأبدية والأمجاد السماوية.
v أعلن يوشيا حُبَّه بتقديم الكثير،
بل وطلب من الأغنياء أن يتمتعوا معه ببركة العطاء.
ذاق عذوبة الحب،
فاشتهي أن يُشارِكَه الكل خبرته.
v بترتيبٍ ونظامٍ، وفي إبداع استمع الكل لخورُس اللاويين.
حسب الكل أنفسهم كمن هم في السماء.
وقَبلتَ مع ذبائحهم ذبائح التسبيح والحمد.
هذه هي مسرّتك، أن تشترك البشرية مع السمائيين،
ويصير الكل خورُس تسبيحٍ، يتَّسم بالفرح والحب!
v هَبْ لي أن يتناغم جسدي مع نفسي، وقلبي مع فكري، في التسبيح لك!
وليعزف روحك القدوس على أوتار قلبي.
وليتناغم كل ما في داخلي كقيثارةٍ فريدةٍ!
لتدعو حواسي وعواطفي تعمل مع أفكاري بروح الحُبِّ.
نعم ليحتفل العالم كله بك، يا فصحنا العجيب.
ولتتهلل السماء بك، يا مُخَلِّص البشرية!




إلى السبي والعودة منه

آخر ملوك يهوذا

قام حزقيا الملك بتطهير أرض يهوذا من نشر العبادة الوثنية ورجاستها على يد أبيه آحاز، ومَنَسَّى قام بتطهيرها عند توبته في أواخر أيام حياته بعد قضاء مدة طويلة من حُكْمِه في الفساد، ويوشيا قام بذات العمل لتطهيرها مما فعله والده آمون، أما بعد يوشيا آخِر ملك صالح، وفي خلال اثنين وعشرين عامًا كان الأربعة ملوك الذين جاءوا بعده أشرارًا. وقد عَجَّل حُكْمَهم الفاسد بحلول التأديب القاسي. بدأ الشعور بقُرْبِ زوال استقلال يهوذا يسيطر على الكثيرين. كان لانهيار أشور وزوال إمبراطوريتها أثارها على المنطقة الغربية من الهلال الخصيب. لقد حلَّ الخراب على يهوذا وأورشليم تدريجيًا، لكي يُعطِي فرصة للتوبة، لأن الله لا يشاء موت الخطاة مثل أن يرجعوا إليه فيحيوا.
سُجِّلَ أغلب تاريخ هؤلاء الملوك في سفر ملوك الثاني. اختصر الكاتب هنا الحديث عن هذه الفترة المُرَّة التي عاشت فيها مملكة يهوذا.
في الحقيقة دمار يهوذا لم يأتِ بسبب قوة الإمبراطورية البابلية، إنما بسبب فساد يهوذا، فبإصرارها على انعزالها عن الإله الحقيقي مصدر حياتها دفعها إلى الدمار الكامل. ما حلّ بها أشبه بارتكاب جريمة انتحار، قام بها هؤلاء الملوك الأربعة ومعهم القيادات المدنية والدينية والشعب أيضًا، فإن أُجرَة الخطية هي موت (رو 6: 23).
يؤكد كثير من آباء الكنيسة مثل القديس مقاريوس الكبير أن الخطية تحمل فسادها فيها، فالشرير المُصَمِّم على شرِّه، يهلك كثمرة طبيعية للشر مُحَقِّق الفساد. لا يحتاج الشرير إلى من يردعه ويعاقبه، إنما ما يفعله يُقَدِّم له المرارة والموت! يشرب من ذات الكأس التي ملأها لنفسه، اللهم إلا إذا ألقى بالكأس خلال التوبة وتَمَتُّعه بالشركة مع مُخَلِّصه، وجهاده الجاد خلال الإرادة المقدسة في الرب.
v كل شخصٍ: يهودي أو يوناني، غني أو فقير، صاحب سلطة أو في مركز عام، الإمبراطور أو الشحاذ، "كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" [34]. إن عرف الناس عبوديتهم يرون كيف يقتنون الحرية.
المولود حُرًا ويسبيه البرابرة يتحوَّل من حُرٍ إلى عبدٍ، وإذ يسمع عنه شخص آخر يتحنَّن عليه، ويتطلع أن لديه مالاً فيفديه، يذهب إلى البرابرة، ويعطيهم مالاً ويفدي الرجل. إنه بالحق يرد له الحرية، إذ ينزع الظلم... إني أسأل الذي اُفتدى: هل أخطأتَ؟ يجيب "أخطأتُ". إذن لا تفتخر بنفسك أنك قد اُفتديت، ولا تفتخر يا من افتديته، بل ليهرب كلاكما إلى الفادي الحقيقي. إنه جزئيًا يُدعَى الذين تحت الخطية عبيدًا، إنهم يدعون أمواتًا.
ما يخشاه الإنسان حلول السبي عليه الذي جلبه الإثم عليه فعلاً. لماذا؟ هل لأنهم يبدون أنهم أحياء؟ هل أخطأ القائل: "دَعْ الموتى يدفنون موتاهم" (مت 8: 22)؟ إذن فكل الذين تحت الخطية هم أموات، عبيد أموات، أموات في خدمتهم، وخدام (عبيد) في موتهم[1].
v الآن قيل: "لقد أنتن (لعازر) لأن له أربعة أيام" (يو 11: 39). فإنه بالحقيقة تبلغ النفس إلى هذه العادة التي أتحدث عنها بنوع من التقدُّم أربع مرات.
المرحلة الأولى: هي كما لو كانت إثارة اللذة التي في القلب. والثانية: هي قبولها. والثالثة: هي تحوُّلها إلى عمل. والرابعة: تحوُّلها إلى عادة.
يوجد من يلقون عنهم الأمور الشريرة عن أفكارهم، كأنهم لا يجدون فيها لذة. ويوجد من يجدون فيها لذة، ولكنهم لا يوافقونها. هنا لا يكمل الموت، لكن يحمل بداية معينة، فقد أضيف إلى الشعور باللذة موافقة. في الحال تحدث إدانة للشخص.
بعد الموافقة يحدث تقدُّم للموافقة، إذ تتحوَّل إلى عملٍ ظاهرٍ.
والعمل يتحوَّل إلى عادة. فيحدث نوع من اليأس، حتى يُقَال: "قد أنتن لأن له أربعة أيام". لذلك جاء الرب هذا الذي كل الأمور بالنسبة له سهلة. ومع هذا فوجد في هذه الحالة كما لو كانت هناك صعوبة. لقد اضطرب بالروح، وأظهر الحاجة إلى احتجاجٍ كثيرٍ وعونٍ، ليقيم الذين تقَّسوا بالعادة. ولكن عند صرخة الرب تفجَّرت أربطة الضرورة. ارتعبت قوات الجحيم، وعاد لعازر حيًا. فإن الرب ينقذ حتى من العادات الشريرة. هذا الذي له أربعة أيام ميتًا، بالنسبة للرب وحده يُحسَب راقدًا هذا الذي يريد الرب أن يقيمه.
القديس أغسطينوس
v إن بقيت فيما يخص التراب، فستتحوَّل إليه في النهاية. يليق بك أن تتغيَّر، يجب أن تتحوَّل، يجب أن تصير سماويًا.
العلامة أوريجينوس
v تتقاذف الأمواج العاتية من هم ليسوا مع يسوع، وقد انفصلوا عنه أو بدوا غائبين عنه، بانصرافهم عن شرائعه المقدسة. فانفصلوا بسبب الخطية عن ذاك القادر أن يُخَلِّصَ. فإن كان الأمر ثقيلاً علينا أن نكون في ظلمة روحية، فإن كنا مُثَقَّلين بسبب ابتلاع بحر الملذات المريرة، فلنَقْبَل يسوع، لأنه هو يُخَلِّصنا من المخاطر ومن الموت في الخطية.
القديس كيرلس الكبير
























1. يهوآحاز (3 شهور، عزلته مصر)

1 وَأَخَذَ شَعْبُ الأَرْضِ يَهُوآحَازَ بْنَ يُوشِيَّا وَمَلَّكُوهُ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ فِي أُورُشَلِيمَ. 2 كَانَ يُوآحَازُ ابْنَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي أُورُشَلِيمَ. 3 وَعَزَلَهُ مَلِكُ مِصْرَ فِي أُورُشَلِيمَ وَغَرَّمَ الأَرْضَ بِمِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَبِوَزْنَةٍ مِنَ الذَّهَبِ. 4 وَمَلَّكَ مَلِكُ مِصْرَ أَلِيَاقِيمَ أَخَاهُ عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ، وَغَيَّرَ اسْمَهُ إِلَى يَهُويَاقِيمَ. وَأَمَّا يُوآحَازُ أَخُوهُ فَأَخَذَهُ نَخُوُ وَأَتَى بِهِ إِلَى مِصْرَ.

وَأَخَذَ شَعْبُ الأَرْضِ يَهُوآحَازَ بْنَ يُوشِيَّا،
وَمَلَّكُوهُ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ فِي أُورُشَلِيمَ. [1]
للأسف ارتكب يوشيا الملك التقي خطأ فاحشًا بانطلاقه للدخول في معركة ضد نخو، دون أن يسأل الرب، ودون أن يُدرِكَ أن بابل هي العدو الأخطر على يهوذا من أشور. تَنَكَّر يوشيا في المعركة، وأُصِيب بجرح خطير أَدَّى إلى وفاته. وبموت يوشيا فقدت يهوذا استقلالها، وصارت خاضعة لمصر لمدة ثلاث أو أربع سنوات (609-606 ق.م). انسحبت مصر، لتسيطر بابل على يهوذا.
حسب ما ورد في (1 أي 3: 15-16)، كان ليوشيا أربعة أبناء:
1. يوحانان Johanan : وهو البكر، لا نَعْلَم عنه شيء، ويُظَن أنه مات في طفولته.
2. الياقيم Eliakim.
3. صدقيا.
4. شلوم، وعُرِفَ باسم يهوآحاز Jehoahaz: أقام الشعب هذا الابن الأصغر ليجلس على العرش عوض والده. تغيَّر اسمه من شلوم Shallum (إر 22: 11) إلى يهوآحاز عند تجليسه.
كَانَ يَهُوآحَازُ ابْنَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي أُورُشَلِيمَ [2]
يبدو أن ألياقيم كان يُفَضِّل مصر على بابل من الجانب السياسي، أما يهوآحاز فكان يُفَضِّل التحالف مع بابل ضد مصر مثل أبيه يوشيا. لذلك عندما التقى نخو مع يهوآحاز في ربلة -المقر العسكري المصري- قَيَّده بسلاسل وأخذه سجينًا في مصر حيث مات هناك. وقد تنبأ عن ذلك إرميا عندما طالب الشعب ألا يبكي على موت يوشيا، بل يحزن على ابنه الذي يخلفه شلوم (يهوآحاز) الذي لا يعود يرى يهوذا بعد (إر 22: 10-12). هكذا خلع يهوآحاز الشرير، الذي لم يَدُم مُلْكه سوى ثلاثة أشهر. ، وفرض غرامة كبيرة على يهوذا. وأقام أخاه ألياقيم بدلاً منه، وغيَّر اسمه إلى يهوياقيم.
وَعَزَلَهُ مَلِكُ مِصْرَ فِي أُورُشَلِيمَ،
وَغَرَّمَ الأَرْضَ بِمِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَبِوَزْنَةٍ مِنَ الذَّهَبِ. [3]
اعتبر نخو أنه هزم يهوذا، وصارت تحت ولايته خاضعة له، وإذ أقام الشعب يهوآحاز ملكًا دون العودة إليه، عزله وأقام أخاه عوضًا عنه، لا لسبب سوى إعلان سلطانه على يهوذا.


وَمَلَّكَ مَلِكُ مِصْرَ أَلِيَاقِيمَ أَخَاهُ عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ،
وَغَيَّرَ اسْمَهُ إِلَى يَهُويَاقِيمَ. وَأَمَّا يَهُوآحَازُ أَخُوهُ فَأَخَذَهُ نَخُو،
وَأَتَى بِهِ إِلَى مِصْرَ. [4]
كان الشعب يظن أن يهوآحاز سيعود من مصر ويجلس على العرش، لكن تحقَّق ما تنبأ به إرميا. هذه هي ثمرة الخطية؛ يفقد الإنسان روح الملوكية ولا يُعَايِن أورشليم العليا، بل يعيش كما في أرض العبودية في مَذَلَّة كما عاش يهوآحاز في مصر في مرارةٍ وحزنٍ حتى مات.
يشير نخو إلى الخطية التي نرتكبها، فتصير كملكٍ مستبدٍ، تأسرنا وتدخل بنا إلى أرض العبودية.
v الهلاك هو البُعْد عن الله، فإنه ليس للقوات المُعادِية مأرب آخر غير هلاكنا. حين تَرَقَّبوني لإهلاكي، فهمت شهاداتك، ولم أبتعد عنها.
العلامة أوريجينوس
v أمور النعمة يصحبها فرح وسلام ومحبة وحق... أما أشكال الخطية فيصحبها اضطراب وليس محبة ولا فرح نحو الله.
القديس مقاريوس الكبير
v إذ أنا ملوم بكل غضن خطاياي، أقضي أيامي وليالي في رُعْبٍ، لكنني إذ أنظر الله يحلُّ القيود ويسند النفس المتواضعة المُرتعِبة، يقول لي وأنا منبطح في قبر شَرِّي: "چيروم هلم خارجًا".
القديس چيروم
v ما دمتَ تحمل جسدًا قابلاً للموت تحاربك الخطيّة؛ لكن ليتك لا تجعلها تملك... أي اقطع رغباتها. فإن بدأتَ تُطِيعها تملك عليك. ماذا يعني "تطيع"؟ تخضع أعضاؤك كآلات إثم للخطية.
v ما دامت الخطيّة موجودة في أعضائك فلا تجعل لها سلطانًا عليك لتملك، وإنما على الأقل اطردها ولا تطع متطلباتها. هل يثور فيك الغضب؟ لا تُخضِع له لسانك بالنطق بكلمة شريرة، ولا تُخضِع له يدك أو قَدَمك كأن تضرب بهما. ما كان يمكن للغضب غير المتعقل أن يثور فيك لو لم توجد الخطيّة في أعضائك، ولكن اُطرد قوّتها الحاكمة، فلا يكون لها أسلحة لمحاربتك، عندئذ تتعلَّم هي ألا تثور فيك إذ تجد نفسها بلا أسلحة... هكذا يليق بكل أحد أن يجاهد إذ يبغي الكمال، حتى إذ تجد الشهوة نفسها بلا استجابة من الأعضاء تقل يومًا فيومًا خلال رحلتها.
القديس أغسطينوس

2. يهوياقيم (11 سنة، أَسَرَه ملك بابل)

5 كَانَ يَهُويَاقِيمُ ابْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ إِحْدَى عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلهِهِ. 6 عَلَيْهِ صَعِدَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ وَقَيَّدَهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى بَابِلَ، 7 وَأَتَى نَبُوخَذْنَاصَّرُ بِبَعْضِ آنِيَةِ بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى بَابِلَ وَجَعَلَهَا فِي هَيْكَلِهِ فِي بَابِلَ. 8 وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يَهُويَاقِيمَ وَرَجَاسَاتُهُ الَّتِي عَمِلَ وَمَا وُجِدَ فِيهِ هَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَمَلَكَ يَهُويَاكِينُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.

كَانَ يَهُويَاقِيمُ ابْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ إِحْدَى عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ،
وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلَهِهِ. [5]
عَلَيْهِ صَعِدَ نَبُوخَذْنَصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ،
وَقَيَّدَهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى بَابِلَ [6]
صعد نبوخذنصر ملك بابل عليه، وقَيَّده بسلاسل نحاس، وذهب به إلى بابل، كما سلب آنية الهيكل [7]. مات ميتة فاعل شر (إر 30:36).
يهوآحاز يُمَثِّل الإنسان المُصَمِّم على شرِّه، يفقد ملوكيته ووطنه السماوي، لتملك الخطية عليه! أما يهوياقيم، فيشير إلى الشرير الذي يصعد إليه ملك بابل (رمز الشيطان) ويُقَيِّده بسلاسل ويذهب به إلى بابل (البلبلة). وكأن ثمار الخطية هي:
1. عوض السلطان المُعطَى للإنسان أن يدوس على الحيات والعقارب وكل قوة العدو (لو 10: 19)، يرتفع عليه العدو، ليطأ عليه ويذله.
2. يحرمه من الحرية ويُقَيِّده بسلاسل مُرَّة.
3. يحرمه من المعرفة والحكمة والتعقُّل، إذ يدخل به إلى بابل.
وعلى العكس بالتوبة يتمتَّع المؤمن بالآتي:
1. ينعم بالسلطان ليطأ قوات الظلمة.
2. يتمتع بحرية مجد أولاد الله.
3. ينعم بمعرفة مُتَجَدِّدة وحكمة نامية وتعقُّلاً في كل شيء.
يعتبر البعض أن مدة السبعين عامًا للسبي التي تنبأ عنها إرميا بدأت منذ قُبِضَ على يهوياقيم وقُيِّد بالسلاسل وأُرسِلَ إلى بابل.
v كما أن الطبيب يكره مرض المريض ويعمل بمقاييس الشفاء لينزع المرض ويشفي العليل، هكذا الله يعمل بنعمته فينا، ليُبَدِّدَ الخطية ويتحرَّر الإنسان.
v من ثَمَّ يقول الرسول ما نبدأ نحن نقوله: "فإني أُسَر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن" (رو 7: 22). هنا إذن نصير أحرارًا عندما نُسَر بناموس الله، لأن الحرية لها الفرح. فإنك ما دمت تفعل الصلاح عن خوفٍ، فإن الله لا يكون موضع مسرَّتك. لتجد مسرَّتك فيه فتكون حرًا. لا تخف العقوبة بل أَحِبّ البرَّ. هل لازلت لا تحب البرَّ؟ خفْ من العقوبة حتى تنال محبة البرِّ.
v لا يقل المسيحي إنني حُرٌّ، أفعل ما يحلو لي، ليس لأحد أن يكبح إرادتي ما دمُت حُرًا. إن كنتَ بهذه الحرية ترتكب خطيّة فأنت عبدٌ للخطية. لا تُفسِدْ حريتك بالتحرّر للخطية، إنما لاستخدامها في عدم ارتكاب الخطيّة. "فإنكم إنما دُعيتم للحرية أيها الإخوة، غير أنه لا تُصَيِّروا الحرية فرصة للجسد بل بالمحبّة اخدموا بعضكم بعضًا" (غل 5: 12).
القديس أغسطينوس
v لا نعتبر الأحرار هم أولئك الأحرار بحسب مركزهم، بل الذين هم بحق أحرار في حياتهم وطبعهم... حرية النفس وطوباويتها هما نتيجة النقاء الحقيقي والازدراء بالزمنيات[13].
v الإنسان الحُرّ هو ذاك الذي لا تستعبده الملذات، بل يتحكَّم في الجسد بتمييز صالح وعفة، قانعًا بما يعطيه الله، مهما كان قليلاً، شاكرًا إياه من كل قلبه.
القديس أنبا أنطونيوس
وَأَتَى نَبُوخَذْنَصَّرُ بِبَعْضِ آنِيَةِ بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى بَابِلَ،
وَجَعَلَهَا فِي هَيْكَلِهِ فِي بَابِلَ. [7]
إذ سلك الملك والقادة والشعب في الشرِّ، وعبدوا الأوثان، سُحِبَتْ أواني الهيكل التي كانت تُحسَب أفضل الأواني في المعابد في العالم، وصارت لخدمة آلهة الأمم تأديبًا ليهوذا. كان الأنبياء الكذبة يتكلَّمون بالناعمات، قائلين بأنها سترجع سريعًا (إر 27: 16). غير أن إرميا النبي تنبأ أن بقية الأواني ستُحمَل إلى بابل بعد سبيهم (إر 27: 21-22)، وقد تمَّ ذلك.
وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يَهُويَاقِيمَ وَرَجَاسَاتُهُ الَّتِي عَمِلَ وَمَا وُجِدَ فِيهِ،
مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا.
وَمَلَكَ يَهُويَاكِينُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [8]
بخصوص الرجاسات التي مارسها يهوياقيم، يبدو أنه أعاد كل ما يمسُّ العبادة الوثنية ورجاساتها التي أزالها والده يوشيا (راجع إر 7: 9، 30-31؛ 19: 3-13؛ 25: 1)[15].
"وما وُجِدَ فيه" [8]: يرى البعض أنه يقصد ما وُجِدَ فيه من خيانة لملك بابل، غير أن بعض المُفَسِّرين اليهود يرون أنها كانت علامات خاصة أو أختام وُجِدَت في جثمانه، كانت تُصنَع تكريمًا للأوثان؛ وكانت كتابة الوشم على الجسم مُحَرَّمة (لا 19: 28).



3. يهوياكين (3 أشهر و10 أيام، أَسَرَه ملك بابل)

9 كَانَ يَهُويَاكِينُ ابْنَ ثَمَانِي سِنِينَ حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ فِي أُورُشَلِيمَ. وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. 10 وَعِنْدَ رُجُوعِ السَّنَةِ أَرْسَلَ الْمَلِكُ نَبُوخَذْنَاصَّرُ فَأَتَى بِهِ إِلَى بَابِلَ مَعَ آنِيَةِ بَيْتِ الرَّبِّ الثَّمِينَةِ، وَمَلَّكَ صِدْقِيَّا أَخَاهُ عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ.

كَانَ يَهُويَاكِينُ ابْنَ ثَمَانِي سِنِينَ حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ فِي أُورُشَلِيمَ.
وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. [9]
جاء في المخطوطات اليونانية "ثمانية عشر عامًا"، عوض ثمانية أعوام.
ورد هنا أن يهوياكين أو يكونيا بن يهوياقيم كان ابن ثماني سنين حين ملك، وجاء في سفر الملوك أنه كان ابن ثمانية عشر سنة، يبدو أنه كان شريكًا في الحُكْمِ مع أبيه وهو في الثامنة من عمره، وتسلَّم العرش بمفرده في الثمانية عشر.
عندما ملك أويل مردوخ على بابل رَدَّه بعد 37 سنة من سبيه (2 مل 25: 27-30)، وهي غير مذكورة هنا.
وَعِنْدَ رُجُوعِ السَّنَةِ، أَرْسَلَ الْمَلِكُ نَبُوخَذْنَصَّرُ،
فَأَتَى بِهِ إِلَى بَابِلَ مَعَ آنِيَةِ بَيْتِ الرَّبِّ الثَّمِينَةِ،
وَمَلَّكَ صِدْقِيَّا أَخَاهُ عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ. [10]
لقد اختار الملوك الفاسدون بإرادتهم عبادة الأوثان، لذلك سمح الله أن تذهب آنية بيت الرب إلى هياكل الأوثان ببابل. هكذا عندما يختار الإنسان طريق الخطية بإرادته من أجل الملذات الجسدية، يتركه الله فيستعبده إبليس الشرير.
دُعِي صدقيا أخًا ليهوياكين مع أنه عمه، وهو تعبير يُستخدَم عن القرابة، كما قال إبراهيم لابن أخيه لوط إنهما أخوان.

4. صدقيا (11 سنة، تمرَّد على بابل)

11 كَانَ صِدْقِيَّا ابْنَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ إِحْدَى عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. 12 وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَلَمْ يَتَوَاضَعْ أَمَامَ إِرْمِيَا النَّبِيِّ مِنْ فَمِ الرَّبِّ. 13 وَتَمَرَّدَ أَيْضًا عَلَى الْمَلِكِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ الَّذِي حَلَّفَهُ بِاللهِ، وَصَلَّبَ عُنُقَهُ وَقَوَّى قَلْبَهُ عَنِ الرُّجُوعِ إِلَى الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ، 14 حَتَّى إِنَّ جَمِيعَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشَّعْبِ أَكْثَرُوا الْخِيَانَةَ حَسَبَ كُلِّ رَجَاسَاتِ الأُمَمِ، وَنَجَّسُوا بَيْتَ الرَّبِّ الَّذِي قَدَّسَهُ فِي أُورُشَلِيمَ. 15 فَأَرْسَلَ الرَّبُّ إِلهُ آبَائِهِمْ إِلَيْهِمْ عَنْ يَدِ رُسُلِهِ مُبَكِّرًا وَمُرْسِلًا لأَنَّهُ شَفِقَ عَلَى شَعْبِهِ وَعَلَى مَسْكَنِهِ، 16 فَكَانُوا يَهْزَأُونَ بِرُسُلِ اللهِ، وَرَذَلُوا كَلاَمَهُ وَتَهَاوَنُوا بِأَنْبِيَائِهِ حَتَّى ثَارَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى شَعْبِهِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ شِفَاءٌ.

كَانَ صِدْقِيَّا ابْنَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ إِحْدَى عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. [11]
كان اسم صدقيا متانيا، وقد غيَّر ملك بابل اسمه إلى صدقيا (2 مل 24: 17).
وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلَهِهِ،
وَلَمْ يَتَوَاضَعْ أَمَامَ إِرْمِيَا النَّبِيِّ مِنْ فَمِ الرَّبِّ. [12]
كان الملوك يَعْلَمون تاريخ مملكتهم، ويدركون أنهم شعب الله، ويُقَدِّم لهم تاريخهم شهادة عملية أنه لا خلاص لهم ما لم يلتصقوا بالإله الحي، فيثبتوا على العرش بكونهم من بيت داود التقي، ومع هذا كانوا يسعون بكل طاقتهم لنشر العبادات الوثنية ومقاومة عبادة الله الحي. لم يرتدعوا بالتأديبات الإلهية بالرغم مما عانوا منه في مذلة!
وَتَمَرَّدَ أَيْضًا عَلَى الْمَلِكِ نَبُوخَذْنَصَّرَ الَّذِي حَلَّفَهُ بِالله،
وَصَلَّبَ عُنُقَهُ، وَقَوَّى قَلْبَهُ عَنِ الرُّجُوعِ إِلَى الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ [13]
من الخطايا التي ارتكبها صدقيا أنه كسر الحلف الذي أقسم به (حز 17: 18-20، 21: 25).
تمَّ الخراب في صورة بشعة بسبب حماقة صدقيا الذي تمرَّد على ملك بابل. يلوم الكتاب صدقيا لعدم سماعه مشورة إرميا آخر أنبياء ما قبل السبيّ، وتمرده على نبوخذنصر ملك بابل الذي وضعه تحت التأديب الإلهي، وحنث بالقسم الذي باسم الرب.
كان لدى صدقيا فرصة للتوبة، هو ورجال قصره، وذلك خلال كرازة إرميا النبي وأنبياء آخرين (إر 37: 2)، لكنهم رفضوا بعنادٍ، مما أَدَّى إلى دمار المملكة تمامًا.
حَتَّى أَنَّ جَمِيعَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشَّعْبِ أَكْثَرُوا الْخِيَانَةَ،
حَسَبَ كُلِّ رَجَاسَاتِ الأُمَمِ،
وَنَجَّسُوا بَيْتَ الرَّبِّ الَّذِي قَدَّسَهُ فِي أُورُشَلِيمَ. [14]
للأسف الذي قام بتدنيس الهيكل وعبادته كل من شعب الله وأعدائهم في مقاومتهم لهوية إسرائيل. سلَّمهم الرب للهوان، لأنهم سلَّموا قلوبهم للفساد ونجَّسوا بيت الرب.
فَأَرْسَلَ الرَّبُّ إِلَهُ آبَائِهِمْ إِلَيْهِمْ عَنْ يَدِ رُسُلِهِ مُبَكِّرًا وَمُرْسِلاً،
لأَنَّهُ شَفِقَ عَلَى شَعْبِهِ وَعَلَى مَسْكَنِهِ [15]
فَكَانُوا يَهْزَأُونَ بِرُسُلِ الله وَرَذَلُوا كَلاَمَهُ، وَتَهَاوَنُوا بِأَنْبِيَائِهِ،
حَتَّى ثَارَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى شَعْبِهِ، حَتَّى لَمْ يَكُنْ شِفَاءٌ. [16]
أشار السفر إلى تصلُّف القادة وعدم أخذهم تحذيرات رجال الله لهم بشيءٍ من الجدّية [15]، مثل ما ورد في إرميا النبي (إر 7: 13، 25؛ 25: 3-4؛ 26: 5؛ 29: 10؛ 35:15؛ 44: 4؛ راجع 11: 7؛ 32: 33). في جهالة لم يسمعوا لتحذيرات الله بواسطة أنبيائه، وإنما تعاملوا معهم بهزءٍ وسُخرية واستخفاف، بهذا لم يعد يوجد علاج سوى التأديب القاسي خلال السبي البابلي. تفاقم الأمر وامتلأت الكأس بشرورهم بسبب سوء معاملتهم للأنبياء الذين أرسلهم الرب ليُحَذِّروهم من شرورهم.

5. مذبحة الجماهير

فَأَصْعَدَ عَلَيْهِمْ مَلِكَ الْكِلْدَانِيِّينَ،
فَقَتَلَ مُخْتَارِيهِمْ بِالسَّيْفِ فِي بَيْتِ مَقْدِسِهِمْ.
وَلَمْ يُشْفِقْ عَلَى فَتًى أَوْ عَذْرَاءَ وَلاَ عَلَى شَيْخٍ أَوْ أَشْيَبَ،
بَلْ دَفَعَ الْجَمِيعَ لِيَدِهِ. [17]

يُصوَّر لنا الخراب الذي لحق بيهوذا كالآتي:
1. قَتْلُ الجماهير بالسيف في بيت مقدسهم (حز 9: 6-7؛ مرا 2: 7، 20)، فقد لجأوا إلى بيت الرب ليَحمِيهم من البابليين، بينما قاموا هم أنفسهم بتنجيسه بأوثان الأمم [14].
2. سَلْبُ كل ما كان قد تبقَّى من آنية في الهيكل، وما في خزائن بيت الرب وبيوت الملك ورؤساء يهوذا [18].
3. حَرْقُ الهيكل، وهَدْمُ أسوار أورشليم وقصورها [19]، وما لم يحملوه من آنية أهلكوها.
4. سَبْي من تبقَّى من القتل إلى بابل [20].

6. دمار المدينة والهيكل

وَجَمِيعُ آنِيَةِ بَيْتِ الله الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ، وَخَزَائِنِ بَيْتِ الرَّبِّ،
وَخَزَائِنِ الْمَلِكِ وَرُؤَسَائِهِ،
أَتَى بِهَا جَمِيعًا إِلَى بَابِلَ. [18]
وَأَحْرَقُوا بَيْتَ الله، وَهَدَمُوا سُورَ أُورُشَلِيمَ،
وَأَحْرَقُوا جَمِيعَ قُصُورِهَا بِالنَّارِ،
وَأَهْلَكُوا جَمِيعَ آنِيَتِهَا الثَّمِينَةِ. [19]

تَمَّ الدمار الكامل للهيكل وخراب مدينة أورشليم:
1. اغتصاب كل الآنية التي للهيكل وفي خزانة القصر الملكي وقصور الرؤساء، وإرسالها إلى بابل [18]
2. حَرْقُ الهيكل، بيت الله، وتدميره تمامًا، لا وجود له.
3. هَدْمُ سور أورشليم، ففقدت حصانتها.
4. حرق القصور الخاصة بالملك والرؤساء وكل القادة.
5. تحطيم كل الأواني الثمينة، وتحويلها إلى سبائك ذهبية وفضية، ولم يُترَك إلا قلة قليلة نُقِلَت كما هي إلى بابل.
v لستُ أنكر أن أورشليم الأولى قد خُرِّبَت بسبب شرِّ سكانها، لكنني أتساءل: ألا يليق بك البكاء على أورشليمك الروحية؟!
إن أخطأ أحد بعد قبوله أسرار الحق، فإنه يُبكَى عليه، لأنه كان من أورشليم ولم يعد بعد...
ليُبْك على أورشليمنا، لأنه بسبب الخطية يحيط بها الأعداء (الأرواح الشريرة) بمترسة ويحاصرونها، ولا يتركون فيها حجرًا على حجرٍ، خاصة لو أن هذا الإنسان كان قد سبق فمارس العفة زمانًا والطهارة سنوات طويلة، فتثور فيه شهوات الجسد ويفقد نقاوته وعفته ليسقط في الزنا، ولا يُترَك فيه حجر على حجر، كقول حزقيال: "كل برِّه الذي عمله لا يُذكَر" (حز 18: 24).
العلامة أوريجينوس

7. سبي الشعب

20 وَسَبَى الَّذِينَ بَقُوا مِنَ السَّيْفِ إِلَى بَابِلَ، فَكَانُوا لَهُ وَلِبَنِيهِ عَبِيدًا إِلَى أَنْ مَلَكَتْ مَمْلَكَةُ فَارِسَ، 21 لإِكْمَالِ كَلاَمِ الرَّبِّ بِفَمِ إِرْمِيَا، حَتَّى اسْتَوْفَتِ الأَرْضُ سُبُوتَهَا، لأَنَّهَا سَبَتَتْ فِي كُلِّ أَيَّامِ خَرَابِهَا لإِكْمَالِ سَبْعِينَ سَنَةً.

وَسَبَى الَّذِينَ بَقُوا مِنَ السَّيْفِ إِلَى بَابِلَ،
فَكَانُوا لَهُ وَلِبَنِيهِ عَبِيدًا إِلَى أَنْ مَلَكَتْ مَمْلَكَةُ فَارِسَ [20]
استخدمهم نبوخذنصر وخلفاؤه كعبيد في أعمال السخرة في إنشاءاتهم التي قاموا بها. إذ رفض الملوك والقادة والشعب الالتصاق بالله الذي وهبهم الكثير من البركات وجاء بهم إلى أرض الموعد، سمح لهم بالذهاب إلى بابل حيث دُعِي أبوهم إبراهيم رجل الإيمان بالخروج منها، فينال نسله الكثير من البركات في أرض الموعد. وكأنه يدعوهم أن يقتدوا بأبيهم إبراهيم فينالوا ما فقدوه بسبب رفضهم للإيمان. ليس من وسيلة للرجوع إلى أورشليم سوى الإيمان والتوبة الصادقة.
v من الأفضل للقارئ أن يتأمل في نفسه، في طريقة حياته، وفي ندرة السمو الحقيقي. تذكر أنه عندما اقُتيد كل يهوذا إلى السبي عند مجيء نبوخذنصر وأُرسل الآلاف إلى بابل كأسري، بقي إرميا وحده يُسَبِّح الله. لقد ألقوه (رجال ملك يهوذا) في جبٍ به وَحْل (إر 38: 6) مع هذا فإن نفس هذا الرجل كانت أكثر حسمًا في تقرير مصير إسرائيل.
القديس جيروم
لإِكْمَالِ كَلاَمِ الرَّبِّ بِفَمِ إِرْمِيَا،
حَتَّى اسْتَوْفَتِ الأَرْضُ سُبُوتَهَا،
لأَنَّهَا سَبَتَتْ فِي كُلِّ أَيَّامِ خَرَابِهَا لإِكْمَالِ سَبْعِينَ سَنَةً. [21]
امتدَّ سبي يهوذا إلى سبعين عامًا من سنة 587 ق.م حيث سقطت أورشليم إلى سنة 517 ق.م [20]. لم تتحقَّق العودة من السبي مصادفةً أو جزافًا، فقد بشَّر بها النبي الباكي إرميا (إر 25: 10-12).
"حتى استوفت الأرض سبوتها": لم تكن كلمة "العقاب" أو "التأديب" هي آخر المطاف في السِفْرِ، إنما التمتُّع براحة السبت هي النهاية، فقد عادوا من السبي في السنة السبعين من السبي، أي السنة السبتية (لا 26:24-35). فالسبي هو فترة تطهير للشعب، ولا بد للسبي أو التأديب من نهاية.
هذه السبعون سنة تُعادِل السبوت التي كسرها اليهود، وعوض الاحتفال والعبادة لله، انشغلوا بالأعمال الزمنية لمكاسبٍ أرضيةٍ. من أجل الطمع لم يحفظوا السبت والسنة السبتية، فكانوا يعملون في الأرض في أيام السبوت، كما في السنة السابعة كسبتٍ للرب، لذلك صارت الأرض خربة دون زراعة، مُجبَرين حتى تُستوفَى السبوت التي لم يحفظها الشعب عبر الأجيال. قيل: "حينئذ تستوفي الأرض سبوتها كل أيام وحشتها وأنتم في أرض أعدائكم، حينئذ تسبِّت الأرض، وتستوفي سبوتها" (لا 26: 34).

8. العودة من السبي

22 وَفِي السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ لأَجْلِ تَكْمِيلِ كَلاَمِ الرَّبِّ بِفَمِ إِرْمِيَا، نَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ، فَأَطْلَقَ نِدَاءً فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ وَكَذَا بِالْكِتَابَةِ قَائِلًا: 23 «هكَذَا قَالَ كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ: إِنَّ الرَّبَّ إِلهَ السَّمَاءِ قَدْ أَعْطَانِي جَمِيعَ مَمَالِكِ الأَرْضِ، وَهُوَ أَوْصَانِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا فِي أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا. مَنْ مِنْكُمْ مِنْ جَمِيعِ شَعْبِهِ، الرَّبُّ إِلهُهُ مَعَهُ وَلْيَصْعَدْ».

وَفِي السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ،
لأَجْلِ تَكْمِيلِ كَلاَمِ الرَّبِّ بِفَمِ إِرْمِيَا نَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ،
فَأَطْلَقَ نِدَاءً فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ وَكَذَا بِالْكِتَابَةِ، قَائِلاً: [22]
ختم سفر أخبار الأيام الثاني بتحقيق نبوة إرميا النبي بالوعد من السبي في نهاية السبعين عامًا. هكذا مع ما كشفه السفر عن فساد غالبية الملوك مع القادة والشعب، يبقى الله أمينًا ويُعلِن مراحمه وتحقيق وعوده الإلهية.
لقد تحقَّق الوعد الإلهي الذي نطق به بفم إرميا النبي عن العودة من السبي بعد سبعين عامًا، وكان رمزًا لتمتُّعنا بالتحرُّر من سبي إبليس والخطية بعمل السيد المسيح الخلاصي.
هَكَذَا قَالَ كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ،
إِنَّ الرَّبَّ إِلَهَ السَّمَاءِ قَدْ أَعْطَانِي جَمِيعَ مَمَالِكِ الأَرْضِ،
وَهُوَ أَوْصَانِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا فِي أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا.
مَنْ مِنْكُمْ مِنْ جَمِيعِ شَعْبِهِ الرَّبُّ إِلَهُهُ مَعَهُ وَلْيَصْعَدْ. [23]
هكذا بهذه الخاتمة يكشف الكاتب عن غاية السفر وهو أن الله ضابط التاريخ يطلب عودتنا إلى الحياة الفردوسية، وأن يُقِيمَ ملكوته في أورشليم الداخلية، أي في قلوبنا.
v حتى بالنسبة للحرية في هذه الحياة، أين هو الحق عندما تقولون: "لم نُستعبَد لأحدٍ قط"؟ ألم يُبَع يوسف (تك 37: 28)؟ ألم يذهب الأنبياء القديسون إلى السبي (2 مل 24؛ خر 1: 1)؟ مرة أخرى أليست هذه الأمة عندما كانت تصنع اللبن في مصر خدمت حكامًا عنفاء ليس في ذهب وفضة بل في صنع الطوب (خر 1: 14)؟ إن كنتم لم تُستعبَدوا قط لأحد يا أيها الشعب الجاحد، فلماذا يُذَكِّركم الله باستمرار أنه خَلَّصكم من بيت العبودية (خر 13: 3؛ تث 5: 6)؟... كيف تدفعون الجزية للرومان، والتي من خلالها أقمتم فخًا لتصطادوا الحق فيه عندما قلتم: "هل يجوز أن نعطي الجزية لقيصر؟" وذلك حتى إن قال يجوز ذلك تتهمونه بسرعة أنه يسيء إلى حرية نسل إبراهيم، وإن قال لا يجوز تشتكونه أمام ملوك الأرض بكونه يمنع الجزية لمثل هؤلاء؟
القديس أغسطينوس
v "سَبَى سَبْيًا وَأَعْطَى النَّاسَ عَطَايَا" (أف 4: 8). عندما ارتفع على الصليب المُقَدَّس سَمَّر الخطية التي انتزعتنا من الفردوس على الصليب، وسَبَى سبيًا كما هو مكتوب...
نتيجة سقوط آدم سبانا عدونا، وأمسك بنا، وجعلنا تحت سلطانه. عندئذ صارت نفوس البشر بعد تركها الجسد تذهب إلى الجحيم، إذ أُغلِقَ الفردوس أمامها. لذلك إذ ارتفع المسيح على الصليب المقدس واهب الحياة اختطفنا بدمه من السبي الذي اُستعبدنا فيه خلال سقوطنا. بمعنى آخر أَمسَك بنا من يد العدو، وجعلنا مسبيين له بغلبته وطرده ذاك الذي سبق فسبانا. هذا هو السبب الذي لأجله يُقال: "سَبَى سبيًا".
الأب دوروثيؤس من غزة
v رجع يسوع ممتلئًا من الروح القدس إلى البرية يتحدَّى إبليس، فلو لم يجُرِّبه إبليس، لما انتصر الرب لأجلي بطريقة سِرية، مُحَرِّرا آدم من السبي.
القديس أمبروسيوس

من وحي 2 أي 36

أَطْلِقني من هذا السبي!

v دفع الملوك الأشرار بيهوذا إلى السبي البابلي.
سَبَتْ يهوذا نفسها بنفسها في عبودية الأوثان.
فأَعطيتَها سؤل قلبها، حيث سباها ملك بابل الوثني.
شربت من الكأس المُرِّ الذي ملأته لنفسها.
فَقَدَتْ استقلالها وحُرِّيتها وسلامها وفرحها مع كل خيراتها.
وأنت يا كلي الصلاح، حَرَّرتها من السبي،
لتترقَّب مجيئك لا لتفديها وحدها، بل تفدي العالم كله.
جئتَ إلى أرضنا، تُحَرِّر البشرية من أَسْرِ الخطية وعبودية إبليس!
v مع كل ملكٍ شريرٍ ليهوذا أكتشف ضعفاتي،
فأصرخ إليك طالبًا عمل نعمتك في حياتي!
يهوآحاز الشرير عزله ملك مصر.
قَيَّده بسلاسل، وأَخذَه سجينًا في مصر،
وفرض جزية ثقيلة على يهوذا.
خلال خطاياي تسلَّل رئيس هذا العالم إلى قلبي.
نزع عني ملكوتك، لأنه ليس من شركة بينك وبينه!
قَيَّدَني بسلاسل الملذات وسحبني من الفكر السماوي.
أَحدَرَني إلى الهاوية، وحملتُ نيره الثقيل، عِوَض نير وصاياك الحلو!
v أقام ملك مصر الياقيم ملكًا، وغَيَّر اسمه إلى يهوياقيم.
صعد ملك بابل إليه، وقَيَّده بسلاسل نحاس،
قادَه في مذلة وعار وسلب أواني الهيكل المقدس،
وحملها إلى هيكل الأوثان في بابل وسط الرجاسات.
يا لعُنْفِ عدو الخير، إذ أَسمَح له بالدخول إلى أفكاري وعواطفي،
أَفقَدَني هويتي كمؤمنٍ واستبدل العدو اسمي،
عِوَض كَوْني ابنًا لله، صرتُ عبدًا لإبليس.
يسلب كل طاقاتي ومواهبي وقدراتي.
عوض استخدامها لحساب ملكوت الله،
صارت آلات إثم لحساب مملكة إبليس!
أَفْسَد جسدي مع نفسي وكل كياني.
عِوَض كَوْني هيكلاً لك، يسكنه روحك القدوس،
صرتُ إناءً فاسدًا للهوان والرذيلة!
ارحمني يا إله المستحيلات! قَدِّسني يا أيها القدوس القدير!
v سلك يهوياكين في ذات موكب الأشرار الفاسدين،
فأَسَرَه ملك بابل وأتى به مع بقية آنية بيت الرب الثمينة.
ارحمني يا حكمة الله، وانزعْ عني فسادي.
فأتحرر من مدينة بابل حيث بلبلة الأفكار وفسادها!
أتمتع بعطاياك الثمينة، عوض ما سلبه العدو مني!
v ارحمني لئلا أسلك طريق صدقيا المتمرِّد.
لأسمع لصوتك خلال أنبيائك،
حتى لا أُنَجِّس بيتك، أي جسدي، الذي قَدَّسته بدمك الثمين.
بك أتحرر من ملك بابل الذي دمَّر مدينة أورشليم وهيكلك.
توبني فأتوب، اِشفني فأُشفَى،
طَهِّرني فأتطهَّر، قَدِّسني فأَتَقَدَّس.
اشتهيتُ العودة إلى أحضانك الإلهية.
اِرفعْ قلبي إلى سماواتك.
لك المجد يا من تقيم من الأرض سماءً، ومن البشر ملائكة!
ها أنا أراك تشتهي أن تحمل البشرية، وتدخل بها إلى سماواتك!
 
قديم 08 - 03 - 2025, 03:05 PM   رقم المشاركة : ( 189468 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,428

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

لتتهلل السماء بك يا مُخَلِّص البشرية
 
قديم 08 - 03 - 2025, 03:22 PM   رقم المشاركة : ( 189469 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,428

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



أبنى الغالى .. بنتي الغالية
لن أترككم حتي في اصعب ظروفكم
دايما مادد ايدي وحضني ليكم
فأنا السند والمعين إرسل لكم ملاك السلامه
ليحرسكم من كل شر وخطر ومن كل تجربة قلوبكم لاتتحملها
 
قديم 08 - 03 - 2025, 03:24 PM   رقم المشاركة : ( 189470 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,428

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




إرسل لكم ملاك السلامه
ليحرسكم من كل شر
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 02:32 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025