منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم اليوم, 05:24 PM   رقم المشاركة : ( 189031 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,302,708

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



هناك اعتقاد خاطئ هو أن جميع العزاب يرغبون في الزواج أو أن جميع المتزوجين راضون بالزواج. الواقع أكثر تعقيدًا بكثير. فالعديد من العازبين يتقبلون حالتهم الحياتية بفرح، بينما قد يعاني بعض المتزوجين من عدم الإشباع. يجب أن نتجنب الافتراضات وبدلاً من ذلك يجب أن نستمع إلى رحلة كل شخص فريدة من نوعها.

في محاولاتنا ذات النوايا الحسنة لتكريم الزواج، ننتقص أحيانًا من العزوبية عن غير قصد. قد نتحدث عن الزواج على أنه "اكتمال" الشخص، مما يعني أن العزاب غير مكتملين بطريقة ما. هذا يتناقض مع حقيقة أن هويتنا الأساسية واكتمالنا يأتيان من المسيح وحده.

أخيرًا، غالبًا ما نفشل في كثير من الأحيان في إدراك التنوع في كل من العزوبية والزواج. قد يكون العزاب غير متزوجين أبدًا أو مطلقين أو أرامل أو عازبين باختيارهم. تأتي الزيجات بأشكال متعددة، وتواجه تحديات وأفراح مختلفة. يجب أن تكون مقارباتنا الرعوية مرنة بما يكفي لمعالجة هذا التنوع.

من خلال فحص هذه المفاهيم الخاطئة، نفتح أنفسنا على فهم أكثر ثراءً لدعوات الله المتنوعة والمواهب الفريدة لكل حالة من حالات الحياة.
 
قديم اليوم, 05:26 PM   رقم المشاركة : ( 189032 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,302,708

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

كيف يتعامل العزاب والمتزوجون مع قضايا العلاقة الحميمة والجنس من منظور الكتاب المقدس



يتطلب الإبحار في العلاقة الحميمة والحياة الجنسية حكمة ونعمة وأساسًا عميقًا في الكتاب المقدس لكل من العزاب والمتزوجين. على الرغم من اختلاف ظروف كل منهما، إلا أن كلاهما مدعوّان لعيش تصميم الله للجنس البشري بنزاهة ومحبة.

بالنسبة للعزاب، غالبًا ما يكون التحدي هو تبني العفة مع الاستمرار في تنمية العلاقة الحميمة الصحية. العلاقة الحميمة الجسدية محجوزة للزواج، لكن العلاقة الحميمة العاطفية والروحية يمكن وينبغي أن تتغذى من خلال الصداقات العميقة والمجتمع. يجب على العُزَّاب أن يحرسوا قلوبهم وأجسادهم، ومع ذلك يجب أن يظلوا منفتحين على التواصل الحقيقي.

يؤكد الكتاب المقدس على صلاح الحياة الجنسية في إطار الزواج بينما يدعو إلى الطهارة في العزوبية. يمكن للعازبين أن يجدوا الإلهام في يسوع وبولس، اللذين قدما نموذجًا لحياة حميمية قوية مع الله والآخرين دون علاقات جنسية. لم تكن عزوبيتهم حرمانًا بل هبةً حررتهم من أجل التكريس الجذري لملكوت الله.

بالنسبة للمتزوجين، الحياة الجنسية هي هبة جميلة يجب الاعتزاز بها وحمايتها. ومع ذلك، حتى في إطار الزواج، يجب على الأزواج التعامل مع التحديات بنعمة. فالاختلافات في الرغبة، أو جروح الماضي، أو المشاكل الصحية يمكن أن توتر العلاقة الحميمة الجنسية. الأزواج مدعوون إلى العطاء الذاتي المتبادل، واحترام كرامة بعضهم البعض وعدم استخدام الآخر كغرض للإشباع.

يجب على كل من العزاب والمتزوجين على حد سواء أن ينموا نقاوة القلب والحماية من الشهوة وتنمية الحب الحقيقي. في ثقافتنا المفرطة في الجنس، يتطلب هذا الأمر جهدًا مقصودًا وخيارات معاكسة في كثير من الأحيان حول الاستهلاك الإعلامي والحدود الاجتماعية.

تشير حياتنا الجنسية إلى شيء أعظم - الحب الحميم بين المسيح وكنيسته. سواء كنا عازبين أو متزوجين، نحن جميعًا مدعوون للنمو في قدرتنا على إعطاء وتلقي الحب. من خلال ترسيخ هويتنا في محبة المسيح، نجد القوة لنعيش تصميم الله للجنس بفرح ونزاهة.



 
قديم اليوم, 05:28 PM   رقم المشاركة : ( 189033 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,302,708

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



يتطلب الإبحار في العلاقة الحميمة والحياة الجنسية حكمة
ونعمة وأساسًا عميقًا في الكتاب المقدس

بالنسبة للعزاب، غالبًا ما يكون التحدي هو تبني العفة مع الاستمرار

في تنمية العلاقة الحميمة الصحية.
العلاقة الحميمة الجسدية محجوزة للزواج، لكن العلاقة الحميمة
العاطفية والروحية يمكن وينبغي أن تتغذى من خلال الصداقات
العميقة والمجتمع. يجب على العُزَّاب أن يحرسوا قلوبهم وأجسادهم،
ومع ذلك يجب أن يظلوا منفتحين على التواصل الحقيقي.


 
قديم اليوم, 05:29 PM   رقم المشاركة : ( 189034 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,302,708

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



يتطلب الإبحار في العلاقة الحميمة والحياة الجنسية حكمة
ونعمة وأساسًا عميقًا في الكتاب المقدس
يؤكد الكتاب المقدس على صلاح الحياة الجنسية في إطار الزواج بينما يدعو إلى الطهارة في العزوبية. يمكن للعازبين أن يجدوا الإلهام في يسوع وبولس، اللذين قدما نموذجًا لحياة حميمية قوية مع الله والآخرين دون علاقات جنسية. لم تكن عزوبيتهم حرمانًا بل هبةً حررتهم من أجل التكريس الجذري لملكوت الله.

بالنسبة للمتزوجين، الحياة الجنسية هي هبة جميلة يجب الاعتزاز بها وحمايتها. ومع ذلك، حتى في إطار الزواج، يجب على الأزواج التعامل مع التحديات بنعمة. فالاختلافات في الرغبة، أو جروح الماضي، أو المشاكل الصحية يمكن أن توتر العلاقة الحميمة الجنسية. الأزواج مدعوون إلى العطاء الذاتي المتبادل، واحترام كرامة بعضهم البعض وعدم استخدام الآخر كغرض للإشباع.
 
قديم اليوم, 05:30 PM   رقم المشاركة : ( 189035 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,302,708

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



يتطلب الإبحار في العلاقة الحميمة والحياة الجنسية حكمة
ونعمة وأساسًا عميقًا في الكتاب المقدسيجب على كل من العزاب والمتزوجين على حد سواء أن ينموا نقاوة القلب والحماية من الشهوة وتنمية الحب الحقيقي. في ثقافتنا المفرطة في الجنس، يتطلب هذا الأمر جهدًا مقصودًا وخيارات معاكسة في كثير من الأحيان حول الاستهلاك الإعلامي والحدود الاجتماعية.

تشير حياتنا الجنسية إلى شيء أعظم - الحب الحميم بين المسيح وكنيسته. سواء كنا عازبين أو متزوجين، نحن جميعًا مدعوون للنمو في قدرتنا على إعطاء وتلقي الحب. من خلال ترسيخ هويتنا في محبة المسيح، نجد القوة لنعيش تصميم الله للجنس بفرح ونزاهة.
 
قديم اليوم, 06:05 PM   رقم المشاركة : ( 189036 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,302,708

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الاهتمام ببيت الرب


بعد أن تذوَّق الكل، الملك ورؤساء الشعب والكهنة واللاويون والشعب، هذا الاحتفال الذي سُرَّت به السماء في مسكن قدس الله، انطلق الكل إلى مدن يهوذا. وضعوا في قلوبهم ألا يعودوا إلى العبادة الوثنية. فتح أبواب بيت الرب وتطهير الهيكل والاحتفال بالفصح مع شركة كثيرين من المملكة الشمالية في الاحتفال دفع إلى رغبة في مزيد من الالتصاق بالله.
تُعتبَر حياة حزقيا الملك التقي صورة حيَّة ومنهجًا عمليًا لحياة الخادم من جوانب كثيرة. لم يكن هذا التقي يحتمل ما فعله والده الذي أفسد البلد والقصر الملكي وهيكل الرب. وفي نفس الوقت لم يبدأ بالسلبيات وهدم الأصنام وكل متعلقاتها، بل أسرِعَ بتقديس الهيكل والبدء في عبادة الله الحيّ، فالتهب قلب الشعب بتحطيم الأصنام. إنه لم يتهاون مع العبادة الوثنية، لكنه آمن أن من يختبر عذوبة العبادة الحقيقية لا يعود يطيق الرجاسات. بهذا صار الكل معًا، خاصة الشعب، بكامل حرية إرادته ينتزع الشرور. هكذا يليق بنا أن نصنع الخير ونقتلع الشر خلال نعمة الله الفائقة.

1. هدم بقايا الوثنية في المملكتين

1 وَلَمَّا كَمَلَ هذَا خَرَجَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ الْحَاضِرِينَ إِلَى مُدُنِ يَهُوذَا، وَكَسَّرُوا الأَنْصَابَ وَقَطَعُوا السَّوَارِيَ، وَهَدَمُوا الْمُرْتَفَعَاتِ وَالْمَذَابحَ مِنْ كُلِّ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ وَمِنْ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى حَتَّى أَفْنَوْهَا، ثُمَّ رَجَعَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مُلْكِهِ، إِلَى مُدُنِهِمْ.

لم يكن ممكنًا تحطيم العبادة الوثنية قبل أن يُفتَح الهيكل ويَتَطَهَّر ويُعَاد تأسيس العبادة الحقيقية [1-4]. لا نستطيع إبادة الشر، ما لم نبدأ بالتمسُّك العملي بالحق الإنجيلي.
هذا ولا ننسى أن الشعب "قاموا، وأزالوا المذابح التي في أورشليم، وأزالوا كل مذابح التبخير وطرحوها إلى وادي قدرون" (2 أخ 30: 14) قبل الاحتفال بالفصح، فليس من شركة بين الحق والباطل، والاحتفال بالفصح حيث سكن الله في الجماعة مع بقاء عناصر غريبة عن الله.
وَلَمَّا كَمِلَ هَذَا خَرَجَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ الْحَاضِرِينَ إِلَى مُدُنِ يَهُوذَا،
وَكَسَّرُوا الأَنْصَابَ، وَقَطَعُوا السَّوَارِيَ، وَهَدَمُوا الْمُرْتَفَعَاتِ وَالْمَذَابِحَ،
مِنْ كُلِّ يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ وَمِنْ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى حَتَّى أَفْنُوهَا،
ثُمَّ رَجَعَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مُلْكِهِ إِلَى مُدُنِهِمْ. [1]
سبق أن طُهِّرَت مدينة أورشليم (2 أي 30: 14)، والآن لزم تطهير الأرض. أصدر حزقيا مرسومًا لقيام حركة شعبية جماعية، تتجه نحو المرتفعات، حيث يُقَام عليها الكثير من المذابح الوثنية، خاصة عبادة البعل، لتطهيرها. قام الشعب في يهوذا وبنيامين في الجنوب بهذه الحركة، كما تمَّ تطهير أفرايم ومنسَّى، يساعدهم في ذلك ضعف مملكة الشمال.
جاء تحطيم الوثنية ليس فقط بأمر حزقيا، بل تجاوب الشعب مع أمانة حزقيا الملك.
صورة مُبهِجة أن يجتمع بعض الباقين في مملكة إسرائيل التي دَمَّرها الأشوريون مع يهوذا. يَلتَفُّون حول الهيكل، ويَتَعَبَّدون معًا، مُشتهين العودة إلى الحياة المُقَدَّسة التي كانت لكل إسرائيل قبل الانقسام، في أيام داود النبي وسليمان الحكيم.
واضح أنه من ثمرة هذا التصرُّف الحكيم التقوي للملك حزقيا أن الراجعين إلى مدنهم في يهوذا قاموا بنزع كل ما يَتَعَلَّق بالعبادة الوثنية.
بانتهاء الاحتفال، لم يشعر المُشترِكون فيه بأنهم قد انتهوا من واجبٍ كانوا ملتزمين به، بل التهبت قلوبهم بالأكثر للحياة مع الله. هذا ومن جانب آخر، يرى البعض أن القادمين من المملكة الشمالية وإن كانت قد فقدت استقلالها وخضعت للإمبراطورية الأشورية، غير أنها منطقة خصبة للغاية وغنية. هؤلاء جاءوا إلى أورشليم يُقَدِّمون هدايا للهيكل، وينفقون أثناء إقامتهم، مما أدى إلى نوع من الرواج في أورشليم ومدن يهوذا. بجانب بركة الرب للجميع لاجتماعهم معًا بروح الحب والوحدة.
يرى علماء الآثار أن هذا التَقَدُّم أدى إلى امتداد مدينة أورشليم إلى الضعف، وربما ثلاثة أضعاف، فضمت تلاً آخر[1]. لقد صارت أورشليم ملجأ لكثير من اللاجئين من الشمال.
هذا الازدهار ساعد حزقيا على تحصين بعض المدن وتقوية الجيش.
حقًا لقد فعل الملك كل ما في إمكانه في هذا المضمار (2 مل 18: 4)، لكن الشعب في إمكانه اكتشاف الأماكن التي بها ما يخص الأوثان وغابت عن أعين جنود الملك. لذلك خرجوا بعد الاحتفال فورًا ليهدموها، لم يُؤجِّلوا يومًا واحدًا. هكذا يليق بالمؤمن إذ يختبر عذوبة الشركة مع الله، وتتهلل أعماقه به، وأن يقطع كل ارتباط بالخطية في الحال، ويتخلَّى عن كل ما يُغضِب الله.
لم يفعلوا هذا في مدن يهوذا وبنيامين فقط، بل وفي أفرايم ومنسَّى. يظن البعض أنه يقصد المدن التي كانت تحت ولاية حزقيا ملك يهوذا، لكن آخرين يرون أن ملك إسرائيل لم يمنعهم من ذلك، فترك الذين ذهبوا إلى أورشليم واشتركوا في الاحتفال بالفصح أن يفعلوا ذلك في ممتلكاتهم. قام كل من ساهم في الاحتفال بكسر كل ما لديه من أصنام، ولم يترك شيئًا ما من آثار الأوثان.
هكذا تَمَتَّع الإنسان بعذوبة الشركة مع الله تمتد إلى حياة الآخرين، ليس قسرًا، وإنما خلال الحب الأخوي الصادق.
لم يعودوا إلى منازلهم قبل أن يُتَمِّموا هذا العمل، بالرغم من غيابهم الطويل. لقد حدث هذا التغيير فجأةً وبقوةٍ (إش 2: 20؛ 31: 6-7). يليق بنا أن نقتدي بحزقيا الملك، فلا نترك أية آثار للآلهة الغريبة في قلوبنا. فما كُتِبَ عن الأوثان يَمِسُّ حياتنا كقول العلامة أوريجينوس في عظاته على سفر القضاة:
v عبد (هذا الجيل) البعليم وتركوا الرب إله آبائهم" (قض 2: 11-12). حقًا فعل الشعب في القديم هذه الأشياء، ولكن لم تُكتَب هذه الأشياء لهم، إنما: "كُتِبَتْ لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور" (1 كو 10: 11). ليتنا نرى ما إذا قيلت هذه الأشياء عنا أم بالحري عنهم.
هل تريدون رؤية هذه الأمور مُفَسرَّة علينا - ليس بواسطتي - ولكن بواسطة الرسول؟ اسمعوا ما يقوله هو نفسه: "ماذا يقول الكتاب في إيليا كيف يتوسل إلى الله ضد إسرائيل قائلاً: يا رب قتلوا أنبياءك، وهدموا مذابحك، وبقيتُ أنا وحدي، وهم يطلبون نفسي". لكن في الحقيقة بماذا أجابه الوحي الإلهي؟ "أبقيت لنفسي سبعة آلاف رَجُلٍ لم يحنوا ركبة لبعل" (1 مل 19؛ رو 11: 2-4). وبهذه الطريقة أضاف الرسول: "فكذلك في الزمان الحاضر أيضًا قد حصلت بقية حسب اختيار النعمة" (رو 11: 5).
انظروا إذن كيف أنه حُسِبَ الذين عبدوا البعليم من بين جمع غير المؤمنين والذين لم يسجدوا من بين البقية المؤمِنة. يُظهر ذلك أن غير المؤمنين وغير الأتقياء الذين عاشوا في عصر المُخلِّص "عبدوا البعليم" والأصنام، أما المؤمنون ومنفذو أعمال الإيمان "لم يعبدوا البعل". لأنه لم يُذكَر في أي موضعٍ في التاريخ أو الإنجيل أو أي من الأسفار المقدسة أن إنسانًا في زمن المُخَلِّص سجد للأصنام، ولكن ذُكِرَ هذا خصيصًا عن الذين كانوا مُكَبَّلين ومُقيَّدين بخطاياهم الخاصة. من المؤكد إننا عندما نخطئ "ونُسبى إلى ناموس الخطية" (رو 7: 23)، فإننا نعبد البعل. لكننا نحن غير مدعوِّين لذلك، ولم نؤمن لكي نكون في وفاقٍ مع هذه الأمور حتى نخدم الخطية ثانيةً، ونسجد للشيطان، بل بالأحرى نجثو باسم يسوع لأنه: "تجثو باسم يسوع كل رُكْبةٍ ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض" (في 2: 10). وهكذا نحني ركبتيْنا لدى أبي ربنا يسوع المسيح، الذي منه تُسَمَّى كل عشيرة في السماوات وعلى الأرض (أف 3: 14-15).
ولكن ماذا أستفيد عندما أحني ركبتي جسدي في الصلاة لله، بينما أحني رُكبَتَي قلبي للشيطان؟
فإني إن لم أقف صامدًا أمام مكايد الشيطان، أحني ركبتي للشيطان (أف 6: 11).
إذا لم أقف صامدًا أمام الغضب، أحني ركبتي للغضب أيضًا.
وهكذا بالمثل، إن لم أقف صامدًا لأُقاوِم الشهوة، أحني ركبتي قلبي لها.
في كل هذه الحالات التي تضاد الله، أبدو كأولئك "الذين عبدوا البعليم، وتركوا الرب إله آبائهم الذي قادهم خارج أرض مصر" (قض 2: 11-12؛ خر12: 42)، ما لم أقف بثباتٍ وشجاعةٍ.
ليتنا إذن لا نفكر أننا إذ لا نعبد الأصنام لا تتعلَّق هذه الأشياء بأي أحد منا. ما يعبده الإنسان ويُحِبُّه ويُعجَب به أكثر من سائر الأشياء هو إلهه.
باختصار هذا ما يطلبه الله من الإنسان قبل كل الأشياء وفوق كل الأشياء في وصيته: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك" (تث 6: 5)، رغبة منه أن يملك على كل عواطف القلب البشرية مُقَدَّمًا، وأن يعرف أن ما يحبه الإنسان من كل قلبه ومن كل نفسه ومن كل قدرته هو إلهه.
العلامة أوريجينوس

2. الاهتمام بتنظيم فرق الكهنة

وَأَقَامَ حَزَقِيَّا فِرَقَ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ حَسَبَ أَقْسَامِهِمْ كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ خِدْمَتِهِ:
الْكَهَنَةَ وَاللاَّوِيِّينَ لِلْمُحْرَقَاتِ، وَذَبَائِحِ السَّلاَمَةِ لِلْخِدْمَةِ وَالْحَمْدِ وَالتَّسْبِيحِ،
فِي أَبْوَابِ مَحَلاَّتِ الرَّبِّ. [2]

أقام حزقيا الملك فِرَق الكهنة واللاويين حسب ترتيب داود الملك، هذه التي كانت قد أوقفت لفترة طويلة. لم يضع حزقيا نظامًا جديدًا من فكره الخاص، بل التزم بالترتيبات التي وضعها داود بوحي من روح الله القدوس.
اهتم آباء الكنيسة الأولى أن يضعوا النظام الكهنوتي للقيام بالعبادة والرعاية والكرازة حسب ما ورد في الكتاب المقدس ومارسه الرسل. قَدَّمَ لنا القديس بولس صورة روحية عن الترتيبات الكنسية بخصوص الكهنة والشروط اللازمة بالنسبة لهم، ومسئولياتهم خاصة الروحية وعلاقتهم ببعضهم البعض، وعلاقتهم بالشعب وأيضًا حقوقهم[3].
"أبواب محلات الرب": يترجم البعض كلمة "محلات" بخيام. يُقصَد بالمَحلَّة الموضع الذي يجتمع فيه الله مع شعبه، ففي البرية كانت المَحَلَّة يُقصَد بها التفاف الأسباط حول خيمة الاجتماع، وبعد بناء الهيكل، فصارت تعني الهيكل ويضم الدار الخارجية واجتماع الشعب معًا حول الهيكل[4].
ما قام به حزقيا الملك بخصوص ترتيب بيت الرب يكشف لنا عن ما يلزمنا القيام به في هيكل الرب الذي تحدث عنه الرسول: "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم؟!" (1 كو 3: 17).
1. نزع الآلهة الغريبة من القلب، وذلك بعمل الروح القدس.
2. العمل بترتيبٍ ونظامٍ، وكما أقام حزقيا الكهنة واللاويين حسب أقسامهم، ولكل واحدٍ له دوره، هكذا يليق بالمؤمن بروح القيادة المقدسة المتواضعة أن يستخدم كل المواهب والأحاسيس والطاقات التي فيه لحساب مجد الله.
3. تقديم مُحرَقات الحب على المذبح المُقَام داخل النفس.
4. تقديم ذبائح السلامة والشكر لله على عطاياه.
5. ممارسة التسبيح والتمتُّع بخبرة الفرح السماوي.
6. الاعتزاز بالحضرة الإلهية، حيث يتحوَّل الإنسان الداخلي إلى مسكن للرب، له أبواب مُقَدَّسة.

3. الاهتمام بإعالة الكهنة وعائلاتهم

3 وَأَعْطَى الْمَلِكُ حِصَّةً مِنْ مَالِهِ لِلْمُحْرَقَاتِ، مُحْرَقَاتِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَالْمُحْرَقَاتِ لِلسُّبُوتِ وَالأَشْهُرِ وَالْمَوَاسِمِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ. 4 وَقَالَ لِلشَّعْبِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ أَنْ يُعْطُوا حِصَّةَ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ لِكَيْ يَتَمَسَّكُوا بِشَرِيعَةِ الرَّبِّ. 5 وَلَمَّا شَاعَ الأَمْرُ كَثَّرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ أَوَائِلِ الْحِنْطَةِ وَالْمِسْطَارِ وَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ، وَمِنْ كُلِّ غَلَّةِ الْحَقْلِ وَأَتَوْا بِعُشْرِ الْجَمِيعِ بِكِثْرَةٍ. 6 وَبَنُو إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا السَّاكِنُونَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا أَتَوْا هُمْ أَيْضًا بِعُشُرِ الْبَقَرِ وَالضَّأْنِ، وَعُشُرِ الأَقْدَاسِ الْمُقَدَّسَةِ لِلرَّبِّ إِلهِهِمْ، وَجَعَلُوهَا صُبَرًا صُبَرًا. 7 فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ ابْتَدَأُوا بِتَأْسِيسِ الصُّبَرِ، وَفِي الشَّهْرِ السَّابعِ أَكْمَلُوا. 8 وَجَاءَ حَزَقِيَّا وَالرُّؤَسَاءُ وَرَأَوْا الصُّبَرَ، فَبَارَكُوا الرَّبَّ وَشَعْبَهُ إِسْرَائِيلَ. 9 وَسَأَلَ حَزَقِيَّا الْكَهَنَةَ وَاللاَّوِيِّينَ عَنِ الصُّبَرِ، 10 فَكَلَّمَهُ عَزَرْيَا الْكَاهِنُ الرَّأْسُ لِبَيْتِ صَادُوقَ وَقَالَ: «مُنْذُ ابْتَدَأَ بِجَلْبِ التَّقْدِمَةِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ، أَكَلْنَا وَشَبِعْنَا وَفَضَلَ عَنَّا بِكِثْرَةٍ، لأَنَّ الرَّبَّ بَارَكَ شَعْبَهُ، وَالَّذِي فَضَلَ هُوَ هذِهِ الْكَثْرَةُ». 11 وَأَمَرَ حَزَقِيَّا بِإِعْدَادِ مَخَادِعَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، فَأَعَدُّوا. 12 وَأَتَوْا بِالتَّقْدِمَةِ وَالْعُشُرِ وَالأَقْدَاسِ بِأَمَانَةٍ. وَكَانَ رَئِيسًا عَلَيْهِمْ كُونَنْيَا اللاَّوِيُّ، وَشِمْعِي أَخُوهُ الثَّانِي، 13 وَيَحِيئِيلُ وَعَزَزْيَا وَنَحَثُ وَعَسَائِيلُ وَيَرِيمُوثُ وَيُوزَابَادُ وَإِيلِيئِيلُ وَيَسْمَخْيَا وَمَحَثُ وَبَنَايَا وُكَلاَءَ تَحْتَ يَدِ كُونَنْيَا وَشِمْعِي أَخِيهِ، حَسَبَ تَعْيِينِ حَزَقِيَّا الْمَلِكِ وَعَزَرْيَا رَئِيسِ بَيْتِ اللهِ. 14 وَقُورِي بْنُ يَمْنَةَ اللاَّوِيُّ الْبَوَّابُ نَحْوَ الشَّرْقِ كَانَ عَلَى الْمُتَبَرَّعِ بِهِ لِلهِ لإِعْطَاءِ تَقْدِمَةِ الرَّبِّ وَأَقْدَاسِ الأَقْدَاسِ. 15 وَتَحْتَ يَدِهِ: عَدَنُ وَمَنْيَامِينُ وَيَشُوعُ وَشِمْعِيَا وَأَمَرْيَا وَشَكُنْيَا فِي مُدُنِ الْكَهَنَةِ بِأَمَانَةٍ لِيُعْطُوا لإِخْوَتِهِمْ حَسَبَ الْفِرَقِ الْكَبِيرِ كَالصَّغِيرِ، 16 فَضْلًا عَنِ انْتِسَابِ ذُكُورِهِمْ مِنِ ابْنِ ثَلاَثِ سِنِينَ فَمَا فَوْقُ مِنْ كُلِّ دَاخِل بَيْتَ الرَّبِّ، أَمْرَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ حَسَبَ خِدْمَتِهِمْ فِي حِرَاسَاتِهِمْ حَسَبَ أَقْسَامِهِمْ، 17 وَانْتِسَابِ الْكَهَنَةِ حَسَبَ بُيُوتِ آبَائِهِمْ، وَاللاَّوِيِّينَ مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقُ حَسَبَ حِرَاسَاتِهِمْ وَأَقْسَامِهِمْ، 18 وَانْتِسَابِ جَمِيعِ أَطْفَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَبَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ فِي كُلِّ الْجَمَاعَةِ، لأَنَّهُمْ بِأَمَانَتِهِمْ تَقَدَّسُوا تَقَدُّسًا. 19 وَمِنْ بَنِي هَارُونَ الْكَهَنَةِ فِي حُقُولِ مَسَارِحِ مُدُنِهِمْ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ فَمَدِينَةٍ، الرِّجَالُ الْمُعَيَّنَةُ أَسْمَاؤُهُمْ لإِعْطَاءِ حِصَصٍ لِكُلِّ ذَكَرٍ مِنَ الْكَهَنَةِ وَلِكُلِّ مَنِ انْتَسَبَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ. 20 هكَذَا عَمِلَ حَزَقِيَّا فِي كُلِّ يَهُوذَا، وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ وَحَقٌّ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِهِ. 21 وَكُلُّ عَمَل ابْتَدَأَ بِهِ فِي خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ وَفِي الشَّرِيعَةِ وَالْوَصِيَّةِ لِيَطْلُبَ إِلهَهُ، إِنَّمَا عَمِلَهُ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَأَفْلَحَ.

أ. تقديم هبة من الملك لدعم الخدمة

وَأَعْطَى الْمَلِكُ حِصَّةً مِنْ مَالِهِ لِلْمُحْرَقَاتِ مُحْرَقَاتِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ،
وَالْمُحْرَقَاتِ لِلسُّبُوتِ وَالأَشْهُرِ وَالْمَوَاسِمِ،
كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ. [3]

خَصَّص الملك نصيبًا من دخل مملكته للإنفاق على خدمة الهيكل والعبادة، حتى لا يُثَقَّل على الشعب، قدمه الملك بسرورٍ.
يمكن القول بأن داود هو الذي وضع عمليًّا التزام الملك بالإنفاق من حسابه الخاص على المُحرَقات الصباحية والمسائية وبعض الذبائح الأخرى.
كانت هناك تقدمات بسيطة يقدمها الأغنياء والفقراء بالتساوي، حتى لا يظن أحد أنه أفضل من غيره أو أقل من غيره، فيُصَاب بالكبرياء أو بحالة إحباط. بهذا يدرك الجميع أنه ليس عند الله محاباة، إنما يتساوى كل البشر في عينيه.
وتوجد تقدمات أخرى يُقَدِّمها المؤمنون حسب إمكانياتهم، ليدركوا أن ما لديهم إنما هو عطية من الله؛ فيُقَدِّم الغني الكثير للإنفاق على خدام الهيكل ولمساندة الفقراء والمحتاجين.
"كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ": ما يشغل قلب حزقيا هو الوصية الإلهية والشريعة، فكان في حياته العملية مطيعًا لله، وهذا هو سرُّ نجاحه.

ب. حثّ الشعب على زيادة حصة الكهنة

وَقَالَ لِلشَّعْبِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ أَنْ يُعْطُوا حِصَّةَ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ،
لِيَتَمَسَّكُوا بِشَرِيعَةِ الرَّبِّ. [4]

أصدر الملك أمرًا لسكان أورشليم أولاً بالعطاء، ليكونوا مثالاً للآخرين. ثم امتدَّ الأمر بعد ذلك إلى مدن يهوذا، لكي يعطوا حصة للكهنة واللاويين حسب ما ورد في الناموس. فقد أُهملت هذه الوصية مما أدى إلى إهمال الخدمة. باختصار بثّ سخاء الملك هذا الروح في الشعب. هذا وعذوبة الاحتفال بالفصح جعلتهم أسخياء لتعضيد خدمة الهيكل.
ما يشغل قلب حزقيا ليس هو التنظيم في ذاته، ولا تقديم حصة للكهنة حتى يتفرَّغوا للعمل الروحي ولا يرتبكوا بالالتزامات المادية، وإنما "ليتمسّكوا بشريعة الرب". أدرك الملك أن التمسُّك بكلمة الله ووصاياه وشريعته هو الموضوع الرئيسي في حياة المؤمنين، حتى يتمتعوا بالشركة معه.
يرى القديس مار يعقوب السروجي أن وصايا الله هي الحليّ التي تَتَزَيَّن بها الكنيسة العروس، فتحمل بروح الله القدوس أيقونة عريسها السماوي.
v سرُّك الإلهي كنز مختبئ بين السطور، فهبني يا ابن الله العقل الراجح لاستخراجه.
ما حوته الأسفار المقدسة من وَحْيك جواهر نفيسة، فاجعلني أهلاً أن أجمعها.
كلمة الحياة جوهرة لمن أُحَبِّها، هلم أيها السامع وعَلِّقها في أذنك، وتجمَّل بها.
إنها أثمن من الياقوت والذهب.
فالحليّ الزمنية زائلة وتافهة، أما كلمة الحياة، فهي زينة للنفس الخالدة.
الحلية تُزيِّن إنسانًا واحدًا، أما الكلمات المقدسة فتُزيِّن ربوات من المستمعين البشر.
إنها تهب النور للنفوس المظلمة...
بها يصبح الفقير أغنى من الملوك، مثل نهارٍ مشمسٍ.
v فليقرأ وينتفع كل من يريد أن يربح نفسه، بالكنوز المطمورة لأجله في القراءات.
v أسفار (الكتاب المقدس) محيط، تجد فيه الدُرَّة الخفية.
فعلى المُفَسِّر أن يغطس في الماء ليستخرجها.
يغطس العقل في الأسفار، ويستخرج الدُرَّة، ويُريها للتجار.
ويغطس الذهن في التوراة، فيمسك الدُرَّة الإلهية.
ويُقَدِّمها اللسان للسامعين، فيقول: عَلِّقوا بأذهانكم ابنة النور كزينة لكم.
v كل الكلمات الموجودة في الكتب مملوءة نورًا، رَبِّي بها أستنير لأًصف خبرك بعجبٍ.
الأسرار مطمورة في القراءات كالكنوز، يا ابن الله ساعد العقل حتى يصعدها.
أيها الغني العظيم الموجود في كتب اللاهوت، ربنا، أَهِّلني لأغرف وآخذ من كنوزها.
كلمة الحياة هي لؤلؤة لمن يُحِبُّها، اقترب أيها السامع، وعلِّقها في أذنك، وتزيَّن بها.
لو تُشترى اللؤلؤة بوزنة ذهب، فإنها تزين أذنًا واحدة فقط لو عُلِّقَت فيها.
كلمة الحياة هي أفضل من اللؤلؤة، لأنها تكفي لتتزيَّن بها ربوات الآذان.
الكلمة تزين بجمالها السامي والطبيعي آذان كل جمعِ بني البشر.
انظرْ الآن: كيف أن اللؤلؤة ناقصة، وكيف أن كلمة الحياة عظيمة لمن يقتنيها.
الكلمة نور، ولو أشرقتْ في نفوس مُظلِمة، استنارت بها كالنهار.
الكلمة غنى، ولو حلَّتْ عند الفقير، تجعله ملكًا يبدأ يصرف على أقرانه.
بالكلمة فقط الإنسان أعظم من الحيوانات، وبها اغتنى آدم واقتنى الخالق.
السماء والأرض توجدان منذ البداية بالكلمة، والله بكلمته أقام كل الاتقانات.
القديس مار يعقوب السروجي

ج. سخاء الشعب

5 وَلَمَّا شَاعَ الأَمْرُ كَثَّرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ أَوَائِلِ الْحِنْطَةِ وَالْمِسْطَارِ وَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ، وَمِنْ كُلِّ غَلَّةِ الْحَقْلِ وَأَتَوْا بِعُشْرِ الْجَمِيعِ بِكِثْرَةٍ. 6 وَبَنُو إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا السَّاكِنُونَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا أَتَوْا هُمْ أَيْضًا بِعُشُرِ الْبَقَرِ وَالضَّأْنِ، وَعُشُرِ الأَقْدَاسِ الْمُقَدَّسَةِ لِلرَّبِّ إِلهِهِمْ، وَجَعَلُوهَا صُبَرًا صُبَرًا. 7 فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ ابْتَدَأُوا بِتَأْسِيسِ الصُّبَرِ، وَفِي الشَّهْرِ السَّابعِ أَكْمَلُوا. 8 وَجَاءَ حَزَقِيَّا وَالرُّؤَسَاءُ وَرَأَوْا الصُّبَرَ، فَبَارَكُوا الرَّبَّ وَشَعْبَهُ إِسْرَائِيلَ. 9 وَسَأَلَ حَزَقِيَّا الْكَهَنَةَ وَاللاَّوِيِّينَ عَنِ الصُّبَرِ، 10 فَكَلَّمَهُ عَزَرْيَا الْكَاهِنُ الرَّأْسُ لِبَيْتِ صَادُوقَ وَقَالَ: «مُنْذُ ابْتَدَأَ بِجَلْبِ التَّقْدِمَةِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ، أَكَلْنَا وَشَبِعْنَا وَفَضَلَ عَنَّا بِكِثْرَةٍ، لأَنَّ الرَّبَّ بَارَكَ شَعْبَهُ، وَالَّذِي فَضَلَ هُوَ هذِهِ الْكَثْرَةُ».

وَلَمَّا شَاعَ الأَمْرُ كَثَّرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ أَوَائِلِ الْحِنْطَةِ وَالْمِسْطَارِ وَالزَّيْتِ
وَالْعَسَلِ وَمِنْ كُلِّ غَلَّةِ الْحَقْلِ،
وَأَتُوا بِعُشْرِ الْجَمِيعِ بِكَثْرَةٍ. [5]
تحققت وحدة الشعب في هذا العيد الأساسي للفصح، والذي أُجريت ممارساته بعملٍ مشتركٍ ضد كل ما يهين الرب.
قام الشعب بتقديم بكور منتجات الحقول والعشور بسخاء ليس لسد أعواز الخدام والكهنة، وإنما بالأكثر لتقديم ذبائح حب لله نفسه.
لقد قَدَّموا أكثر مما يتطلبه الناموس. فالشريعة لم تطلب تقديم العسل للرب (لا 3: 11)، لكن شعر الشعب أنه يمكن تقديم البكور أو العشور من حصيلته للكهنة.
يرى يوسيفوس أن العسل لا يُقصَد به عسل النحل الذي لم يكن يخضع لتقديم العشور منه، إنما هو من نتاج البلح.
v عندما يقترب إنسان من الموت ليت صديق ذلك الشخص الذي يموت يُعِد له الأكفان ويحث الراحل أن يترك شيئًا للمحتاجين. ليرسله بهذه الثياب إلى القبر، تاركًا المسيح وارثًا له.
v من يعطي قليلاً من القليل الذي لديه أفضل مِمَّن يعطي الكثير من الكثير، إذ يكون كالأرملة، فالصدقة لا تُقَدَّر بمال العطاء، بل بإرادة المعطي وقوّته. لأن الله يلتفت للقصد وعليه يجزل العطاء...
القديس يوحنا الذهبي الفم
هذا وأن الإهمال في العطاء يصيب الخدمة والعبادة كما يظهر في (نح 13: 10-14).
وَبَنُو إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا السَّاكِنُونَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا،
أَتُوا هُمْ أَيْضًا بِعُشْرِ الْبَقَرِ وَالضَّأْنِ وَعُشْرِ الأَقْدَاسِ الْمُقَدَّسَةِ لِلرَّبِّ إِلَهِهِمْ،
وَجَعَلُوهَا كَوْمَةً كَوْمَةً (صُبرًا صُبرًا). [6]
فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ ابْتَدَأُوا بِتَأْسِيسِ الْكُوَمِ (الصُبرً) وَفِي الشَّهْرِ السَّابِعِ أَكْمَلُوا. [7]
في الشهر الثالث تُقَدَّم البكور، إذ تكون المحاصيل بدأ جمعها، وفي الشهر السابع تُقَدَّم عشور المحاصيل التي جُمعت بالكامل.
وَجَاءَ حَزَقِيَّا وَالرُّؤَسَاءُ وَرَأُوا الْكُوَمَ (الصُبرً)،
فَبَارَكُوا الرَّبَّ وَشَعْبَهُ إِسْرَائِيلَ. [8]
شَعْبَهُ إِسْرَائِيلَ: هذا وما حَلَّ بمملكة الشمال من أشور سبَّب نوعًا من الارتباك، ولم يعد يمكن فصل الأسباط عن بعضها البعض. ولهذا ما كان يشغل قلب حزقيا هو ضم الكل تحت اسم إسرائيل، لأن هوية الأسباط والتنافس بينهم كادت أن تنتهي. ومع هذا حرص حزقيا على وجود مُمَثِّلين لكل الأسباط، واحد عن كل سبط مع التأكيد على الوحدة معًا.
اختار السيد المسيح اثنى عشر تلميذًا، ليؤكد أن العهد الجديد امتداد للعهد القديم، بل أورشليم العليا نفسها أساساتها اثنا عشر حجرًا كريمًا (رؤ 21: 14).
وَسَأَلَ حَزَقِيَّا الْكَهَنَةَ وَاللاَّوِيِّينَ عَنِ الْكُوَم (الصُبرً) [9]
سأل الملك حزقيا عن كوم الغلال والمحاصيل التي جُمِعَت في بيت الرب في أكوام، وغاية السؤال الآتي:
1. التأكد من أن الكهنة واللاويين الذين يخدمون نالوا نصيبهم.
2. التأكد من أن ما تكدس في أكوام يُمَثِّل الفائض حقيقة، وقد نال كل من الكهنة واللاويين ما يشبع احتياجاته، ولم يُظلَم أحد.
فَأَجَابَ عَزَرْيَا الْكَاهِنُ الرَّأْسُ لِبَيْتِ صَادُوقَ:
مُنْذُ ابْتَدَأَ بِجَلْبِ التَّقْدِمَةِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ أَكَلْنَا وَشَبِعْنَا وَفَضَلَ عَنَّا بِكَثْرَةٍ،
لأَنَّ الرَّبَّ بَارَكَ شَعْبَهُ وَالَّذِي فَضَلَ هُوَ هَذِهِ الْكَثْرَةُ. [10]
إن كان عزريا هنا هو الكاهن الذي قاوم عُزِّيا (2 أي 26: 17-20)، فيكون قد مارس وظيفته على الأقل لمدة 33 سنة.
"الرب بارك شعبه": يبدو أن الملك قد دهش من فيض المحصولات التي جُمِعَت في أكوام من البكور والعشور بصورة فائقة، لذا طمأنه عزريا الكاهن أن هذه الأكوام التي جُمِعَت ليست عن طريق غبن (تجاهل حقوق) الكهنة واللاويين للشعب، إنما هو ثمرة بركة الرب التي حَلَّت على الشعب بسبب رجوعهم إليه.
لم ينسب الكاهن كثرة حصيلة الهيكل لتعب الكهنة ومجهوداتهم مع الشعب وحسن معاملاتهم، ولا نسب ذلك لغيرة الملك أنه دفع الشعب للعطاء، إنما بحق نسبه لبركة الرب الذي بارك الشعب، خاصة حين ساد الحب بين الكهنة وأيضًا بين الشعب وبين كل الفئات، وإخلاص الجميع من كل القلب.
ليتنا نطلب على الدوام مَسَرَّة الله ورضاه وبركته أن تحلَّ على كل الكنيسة. لقد بارك الرب أول أسرة في البشرية (تك 1: 28)، وبارك اليوم السابع (تك 2: 3)، ويبارك كل من له نصيب في القيامة الأولى، أي يتمتع بقيامة المسيح في حياته اليومية وهو بعد على الأرض، مشتاقًا إلى القيامة العامة. هذه البركة الإلهية هي التي تعمل في حياة المؤمن الشخصية والأسرية والاجتماعية الخ. في هذا الدهر، مع التمتُّع بالأمجاد الأبدية في الدهر الآتي.
v أيها الرجال، أَحبُّوا نساءكم (أف 5: 25). فقد كنتم غرباء عن بعضكم البعض، ولكن جُمِعتم بشركة الزواج. لتكن هذه الرابطة الطبيعيَّة، هذا النير الذي وضع عليكم بفعل البركة الزوجيَّة، صلة وصل تجمع فيما بينكم رغم المسافات.
v بالروح القدس استعادة سكنانا في الفردوس،
وصعودنا إلى ملكوت السماوات،
وعودتنا إلى البنوَّة الإلهيَّة،
ودالتنا لتسمية الله "أبانا"،
واشتراكنا في نعمة المسيح،
وتسميتنا أبناء النور، وحقِّنا في المجد الأبدي،
وبكلمة واحدة حصولنا على ملء البركة في هذا الدهر وفي الدهر الآتي.
القديس باسيليوس الكبير
v ليت نفوسنا تبارك الرب، وليباركنا الرب.
فعندما يباركنا الرب ننمو نحن، وعندما نبارك الرب ننمو نحن أيضًا، وفي كليهما نستفيد نحن (لا الله).
أولاً لتكن فينا بركة الرب، وعندئذ نباركه نحن، فهذا هو المطر (أي بركته لنا) وهي ذاتها الثمرة (أي نباركه بالبركة التي باركنا بها). إن المطر يرتد كثمرٍ لله صاحب الأرض الذي أمطر علينا وأفلحنا.
ليتنا نَتَغَنَّى بهذه الكلمات، بعبادة مُثمِرَة، وكلمات غير جوفاء، وبقلبٍ حقيقيٍ. فإنه من الواضح أن الله الآب قد دُعِي كرامًا (يو 1:15)، والرسول يقول: "أنتم فلاحة الله، بناء الله" (1 كو 9:3). كان يقوم بفلاحة حقله. فالله الآب كَرَّام له حقل، يقوم بفلاحته وينتظر منه ثمرًا.
ويقول الرب يسوع نفسه إنه "غرس كرمًا... وسَلَّمه إلى كرامين"، هؤلاء مُلزَمون بتقديم الثمار في أوانها.
القديس أغسطينوس


د. تعيين مُفوَّضين لتوزيع ما يُجمَع

11 وَأَمَرَ حَزَقِيَّا بِإِعْدَادِ مَخَادِعَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، فَأَعَدُّوا. 12 وَأَتَوْا بِالتَّقْدِمَةِ وَالْعُشُرِ وَالأَقْدَاسِ بِأَمَانَةٍ. وَكَانَ رَئِيسًا عَلَيْهِمْ كُونَنْيَا اللاَّوِيُّ، وَشِمْعِي أَخُوهُ الثَّانِي، 13 وَيَحِيئِيلُ وَعَزَزْيَا وَنَحَثُ وَعَسَائِيلُ وَيَرِيمُوثُ وَيُوزَابَادُ وَإِيلِيئِيلُ وَيَسْمَخْيَا وَمَحَثُ وَبَنَايَا وُكَلاَءَ تَحْتَ يَدِ كُونَنْيَا وَشِمْعِي أَخِيهِ، حَسَبَ تَعْيِينِ حَزَقِيَّا الْمَلِكِ وَعَزَرْيَا رَئِيسِ بَيْتِ اللهِ. 14 وَقُورِي بْنُ يَمْنَةَ اللاَّوِيُّ الْبَوَّابُ نَحْوَ الشَّرْقِ كَانَ عَلَى الْمُتَبَرَّعِ بِهِ لِلهِ لإِعْطَاءِ تَقْدِمَةِ الرَّبِّ وَأَقْدَاسِ الأَقْدَاسِ. 15 وَتَحْتَ يَدِهِ: عَدَنُ وَمَنْيَامِينُ وَيَشُوعُ وَشِمْعِيَا وَأَمَرْيَا وَشَكُنْيَا فِي مُدُنِ الْكَهَنَةِ بِأَمَانَةٍ لِيُعْطُوا لإِخْوَتِهِمْ حَسَبَ الْفِرَقِ الْكَبِيرِ كَالصَّغِيرِ، 16 فَضْلًا عَنِ انْتِسَابِ ذُكُورِهِمْ مِنِ ابْنِ ثَلاَثِ سِنِينَ فَمَا فَوْقُ مِنْ كُلِّ دَاخِل بَيْتَ الرَّبِّ، أَمْرَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ حَسَبَ خِدْمَتِهِمْ فِي حِرَاسَاتِهِمْ حَسَبَ أَقْسَامِهِمْ، 17 وَانْتِسَابِ الْكَهَنَةِ حَسَبَ بُيُوتِ آبَائِهِمْ، وَاللاَّوِيِّينَ مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقُ حَسَبَ حِرَاسَاتِهِمْ وَأَقْسَامِهِمْ، 18 وَانْتِسَابِ جَمِيعِ أَطْفَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَبَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ فِي كُلِّ الْجَمَاعَةِ، لأَنَّهُمْ بِأَمَانَتِهِمْ تَقَدَّسُوا تَقَدُّسًا. 19 وَمِنْ بَنِي هَارُونَ الْكَهَنَةِ فِي حُقُولِ مَسَارِحِ مُدُنِهِمْ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ فَمَدِينَةٍ، الرِّجَالُ الْمُعَيَّنَةُ أَسْمَاؤُهُمْ لإِعْطَاءِ حِصَصٍ لِكُلِّ ذَكَرٍ مِنَ الْكَهَنَةِ وَلِكُلِّ مَنِ انْتَسَبَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ.

وَأَمَرَ حَزَقِيَّا بِإِعْدَادِ مَخَادِعَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ فَأَعَدُّوا. [11]
يُقصَد بالمخادع هنا مخازن يودع فيها ما يفيض من الغلات وغيرها، مما قُدِّمَ للهيكل كبكورٍ وعشورٍ.
وَأَتُوا بِالتَّقْدِمَةِ وَالْعُشْرِ وَالأَقْدَاسِ بِأَمَانَةٍ.
وَكَانَ رَئِيسًا عَلَيْهِمْ كُونَنْيَا اللاَّوِيُّ وَشَمْعِي أَخُوهُ الثَّانِي [12]
كان شمعي مساعدًا لأخيه كوننيا.
وَيَحِيئِيلُ وَعَزَزْيَا وَنَحَثُ وَعَسَائِيلُ وَيَرِيمُوثُ وَيُوزَابَادُ وَإِيلِيئِيلُ وَيَسْمَخْيَا،
وَمَحَثُ وَبَنَايَا وُكَلاَءَ تَحْتَ يَدِ كُونَنْيَا وَشَمْعِي أَخِيهِ،
حَسَبَ تَعْيِينِ حَزَقِيَّا الْمَلِكِ وَعَزَرْيَا رَئِيسِ بَيْتِ الله. [13]
اهتم الملك بإعداد مخادع في بعض ساحات الهيكل لتخزين التقدمات بطريقة مُحْكَمة، كما عَيَّن أمناء صندوق أو أمناء خزينة لكي يمنعوا السرقات ويزيلوا أي فساد أو تبديد، وهذا يُشَجِّع الشعب على العطاء بسخاءٍ وباستمرارٍ.
وَقُورِي بْنُ يَمْنَةَ اللاَّوِيُّ الْبَوَّابُ نَحْوَ الشَّرْقِ
كَانَ عَلَى الْمُتَبَرَّعِ بِهِ لله لإِعْطَاءِ تَقْدِمَةِ الرَّبِّ وَأَقْدَاسِ الأَقْدَاسِ. [14]
تم تعيين موظفين من أناس أمناء وحكماء لتوزيع تقدمة الرب والأقداس بين الكهنة، والتأكد من سدِّ احتياجات الكهنة وعائلاتهم.
أقام حزقيا قوري بن يمنه ومعه ستة أشخاص للاهتمام بالأمور المادية للهيكل، أي سبعة أشخاص يعملون معًا في خدمة التدبير المالي. وأيضًا بعد حلول الروح القدس في العُليّة، اختار التلاميذ سبعة شمامسة للعمل الاجتماعي، وتدبير أمور المحتاجين، حتى يتفرَّغ التلاميذ لخدمة الكرازة والكلمة (أع 6: 1-5).
الرقمان لهما مدلولات روحية[12]:
الرقم الأول 12 يشير إلى ملكوت الله على الأرض. رقم 4 يشير إلى الإنسان المخلوق من الأرض (أركان الأرض الأربع أو الجهات الأربع)، ورقم 3 يشير إلى الثالوث القدوس، فرقم 12 يشير إلى اتحاد الإنسان مع الله (3×4).
أما رقم 7 فهو محصلة جمع 3 و4 يشير إلى الكمال، حيث أن الإنسان أعظم الكائنات الأرضية، وهو مخلوق من التراب (4)، والنفس صورة الله الثالوث القدوس (3).
هذا والزمن يتكون من الشهور (12 شهر)، ومن الأسابيع (7).
يرى البعض أن رقم 12 يشير إلى الجانب اللاهوتي حيث أساسات أورشليم العليا تتكون من اثني عشر حجرًا كريمًا. ورقم 7 يشير إلى الجانب العملي (أيام الأسبوع). وكأنه يليق في العبادة أن يكون لنا الفكر الروحي السماوي السليم، والسلوك الروحي العملي في المسيح يسوع.
وَتَحْتَ يَدِهِ:
عَدْنُ وَبِنْيَامِينُ وَيَشُوعُ وَشَمَعْيَا وَأَمَرْيَا وَشَكَنْيَا فِي مُدُنِ الْكَهَنَةِ بِأَمَانَةٍ،
لِيُعْطُوا لإِخْوَتِهِمْ حَسَبَ الْفِرَقِ الْكَبِيرِ كَالصَّغِير [15]
جاءت كلمة بنيامين في ترجمة الفولجاتا والسريانية والسبعينية مينيامين Miniamin.
فَضْلاً عَنِ انْتِسَابِ ذُكُورِهِمْ مِنِ ابْنِ ثَلاَثِ سِنِينَ فَمَا فَوْقُ،
مِنْ كُلِّ دَاخِلٍ بَيْتَ الرَّبِّ أَمْرَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ،
حَسَبَ خِدْمَتِهِمْ فِي حِرَاسَاتِهِمْ حَسَبَ أَقْسَامِهِمْ [16]
وَانْتِسَابِ الْكَهَنَةِ حَسَبَ بُيُوتِ آبَائِهِمْ وَاللاَّوِيِّينَ مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقُ،
حَسَبَ حَرَاسَاتِهِمْ وَأَقْسَامِهِمْ [17]
وَانْتِسَابِ جَمِيعِ أَطْفَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَبَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ فِي كُلِّ الْجَمَاعَةِ،
لأَنَّهُمْ بِأَمَانَتِهِمْ تَقَدَّسُوا تَقَدُّسًا. [18]
وَمِنْ بَنِي هَارُونَ الْكَهَنَةِ فِي حُقُولِ مَرَاعِي مُدُنِهِمْ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ فَمَدِينَةٍ،
الرِّجَالُ الْمُعَيَّنَةُ أَسْمَاؤُهُمْ لإِعْطَاءِ حِصَصٍ لِكُلِّ ذَكَرٍ مِنَ الْكَهَنَةِ،
وَلِكُلِّ مَنِ انْتَسَبَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ. [19]

هـ. التهاب قلب الملك للعمل

20 هكَذَا عَمِلَ حَزَقِيَّا فِي كُلِّ يَهُوذَا، وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ وَحَقٌّ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِهِ. 21 وَكُلُّ عَمَل ابْتَدَأَ بِهِ فِي خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ وَفِي الشَّرِيعَةِ وَالْوَصِيَّةِ لِيَطْلُبَ إِلهَهُ، إِنَّمَا عَمِلَهُ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَأَفْلَحَ.

هَكَذَا عَمِلَ حَزَقِيَّا فِي كُلِّ يَهُوذَا،
وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ وَحَقٌّ أَمَامَ الرَّبِّ إِلَهِهِ. [20]
كشف سلوك حزقيا عن حقيقة شخصيته، فهو صالح يمارس الصلاح؛ ومستقيم يسلك باستقامة، وعادل يسلك حسب الحق الذي أُعلِنَ له.
وَكُلُّ عَمَلٍ ابْتَدَأَ بِهِ فِي خِدْمَةِ بَيْتِ الله وَفِي الشَّرِيعَةِ وَالْوَصِيَّةِ لِيَطْلُبَ إِلَهَهُ،
إِنَّمَا عَمِلَهُ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَأَفْلَحَ. [21]
هذا الأمر لا يخص مدينة مُعَيَّنة أو مجموعة مدن، إنما عمل حزقيا هذا في كل يهوذا، لا لإرضاء الكهنة، وإنما ما يشغله في كل تصرُّفاته أن يعمل ما هو صالح أمام الرب إلهه. يعمل بكل نشاطٍ من كل قلبه وبِنيَّةٍ صادقةٍ لخدمة بيت الرب لمجد الله. لهذا نجح في أعماله، واستراح الكل لتصرُّفاته.

من وحي 2 أي 31

لأسكن في بيتك، وأَتَزَيَّن بوصاياك!

v تُرَى، هل كان يشغل قلب حزقيا وفكره شيء غير بيتك؟
كَرَّس طاقاته مع طاقات الكهنة واللاويين لتطهيره من الأوثان.
ألهب قلوب رؤساء إسرائيل والشعب بالغيرة على بيتك.
قام بتنظيم العبادة والعاملين في بيتك بكل دقةٍ.
اهتم بتدبير احتياجات العاملين فيه.
قَدَّم الكثير من حصّته للإنفاق على البيت.
v هَبْ لي مع حزقيا أن أهتم ببيتك القائم في قلبي.
لتسكن في داخلي وتقدسه،
وأسكن أنا في أحضانك وأتقدس بك!
لتكن أنت الإله الوحيد الذي يحتل القلب كله!
لن أسمح لإله آخر يتسلل إلى قلبي.
لن أعشق المال، ولا أتلذذ بالشهوات، ولا أطلب كرامة زمنية.
لتُحَطِّم كل وثنٍ تَرَبَّع في قلبي.
ليتك تتجلَّى في داخلي، فتعكس بهاءك عليَّ!
تشرق يا شمس البرِّ فيَّ،
فلا تجد الخطية لها مكانًا فيَّ!
v لتُعْلِن عن حضورك فيَّ، يا رئيس الكهنة السماوي.
يعمل عقلي مع قلبي وعواطفي تحت قيادتك.
تُصلَب معك، فتُقَدِّم مُحرَقات حب على الدوام.
وتُقَدِّم ذبائح السلامة والشكر والتسبيح لك!
نعمتك العجيبة تمارس حراسة دائمة على مسكنك فيَّ!
v بماذا أساهم لبناء هيكلك فيَّ؟
إنه عمل روحك القدوس الناري!
أُقَدِّم مع الأرملة فلسي الحب الأفضل من كنوز العالم!
أُقَدِّم عمري كله وطاقاتي لخدمتك!
أتمسك بشريعتك المقدسة ووصاياك.
تتزيَّن نفسي بوصاياك،
فتصير نفسي عروسًا لك!
v من يبني في داخلي مخازن أحتفظ فيها بكنوز بيتك.
في الخفاء أدخل إلى أعماقي،
وأغتصب كنوز أسرارك الإلهية.
عطاياك لي تهبني غِنَى وشبعًا وفرحًا دائمًا.
v سكناك يبارك كل ما في داخلي.
تمتلئ نفسي بالبركات والصالحات،
بل بنعمتك تجعلني بركة!
كلما التقيت بأحدٍ، أشتهي خلاصه ومجده فيك.
v بسكناك ينفتح قلبي لكل بشرٍ.
يمتد حُبِّي، فيرجع حتى إلى أيام آدم وحواء،
ويمتد إلى قدام، ليُحِب الأجيال القادمة.
أشتهي أن يتزيَّن كل بني البشر بحليّ الروح القدس.
ويعتز الكل بوصاياك ككنوز لا تُقَدَّر بثمنٍ.
ويشتهي السمائيون رؤيتهم، لأنهم أيقونة لك.
ويترقَّب الكل يوم مجيئك،
ليلتقوا معك على السحاب،
وينضمُّوا إلى خورُس السمائيين.
v لك المجد يا من تطلب أن تسكن فيَّ،
وتفتح أحضانك، لأسكن مع إخوتي فيها!



بالإيمان حزقيا الملك يتحدَّى أشور والمرض

روح القوة لا روح الفشل!

تكشف لنا الفترة الأخيرة من حياة حزقيا الملك أنه مهما نلنا من روح القوة، يلزمنا أن نحذر لئلا يتسرَّب روح الضعف والفشل إلينا. اختبر حزقيا روح القوة حين واجه أكبر قوة في ذلك الحين، أشور، التي استولت وسَبَت الكثير من الأمم والشعوب. كما تحدَّى حزقيا ما حلَّ به من مرض خطير مُستعصى. لكنه إذ تهاون وارتفع قلبه بسبب نصرته وشفائه، وبسبب شهرته حيث صار موضع دهشة الملوك والعظماء، سقط وعرِّض مملكة يهوذا للمرارة في أيام أحفاده. يُشَجِّعنا الرسول بولس وأيضًا يحذرنا بقوله: "لأن الله لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح" (2 تي 1: 7)؛ "من يظن أنه قائم ، فلينظر أن لا يسقط" (1 كو 10: 12). خلقنا الله على صورته، وعندما أفسدناها بالعصيان ردَّها لنا بصلبه وقيامته لكي نحيا بروح النصرة والغلبة على الموت وعلى إبليس.
v من يسقط من النعمة التي هي ملء المسيح، يسقط فارغًا أمام أعدائه.
v تأمل مليًّا كيف جُبِلْتَ. فَكِّرْ في المعمل الذي خَرَجَتْ منه طبيعتك. إنها يد الله التي تسلمتك. فالذي جُبِلَ بواسطة الرب لا يكون ملوَّثا بالشر، لا يكون فاسدًا بالخطية، ولا يسقط من يد الله.
أنت إناء شُكِّلْتَ بطريقة إلهية وخُلِقْتَ بيدي الله، لذلك مَجِّدْ خالقك. لم تُخْلَقْ لأجل شيء آخر غير أن تكون أداة لتمجيد الله، وهذا الكون بأكمله بمثابة كتاب يذيع مجد الله، مُعلِنًا لك -يا مَنْ لك عقل تُدرِك به الحقيقة:- عظمة الله الخفية والظاهرة. لهذا السبب، تذكَّر بعناية ما قد قيِل.
v لا تيأس من الخلاص، مُسترجِعًا إلى ذاكرتك ما ورد في الكتاب المقدَّس أن الذي يسقط يقوم، والضال يعود (إر 8: 4) والمجروح يُشفَي، والفريسة تهرب (من الوحش)، ومن يعترف بخطيَّته لا يُحتقَر. لا يشاء الرب موت الخاطي، بل بالحري أن يعود ويحيا (حز 18: 32). لا تستهتر، فتكون كالشرِّير في هوة الشر (أم 18: 3). إنه الآن وقت لاحتمالك وطول الأناة (عليك) والشفاء والإصلاح. هل عثرت؟ قُمْ. هل أخطأت؟ كُفّ عن الخطيَّة. ولا تقف في طريق الخطاة (مز 1: 1)، بل اهرب. عندما تندم وتتأوَّه تخلص، إذ يخرج من العمل صحَّة، ومن العرق خلاص.
القديس باسيليوس الكبير

تجارب حزقيا الملك الثلاث

تجارب حزقيا تُماثِل تجارب أيوب الثلاث، وهي:
1. مقاومة أعدائه له (أي 13:1-21). لم يهتم سفر الأخبار بانجازات حزقيا العسكرية والسياسية، إنما أبرز أن خلاصه من جيش أشور تحت قيادة سنحاريب تحقق خلال الصلاة الطاهرة القادرة أن تُغَيِّرَ كل شيءٍ، لأن الله يقف مع صاحب القلب المُخْلِص.
اشترك إشعياء مع حزقيا في الصلاة من أجل الخلاص من جيش سنحاريب (2 أخ 32: 20).
2. معاناته من المرض (أي 7:2-10).
3. معاناته من أصدقائه (أي 11:2-13).

الظروف التي عاش فيها حزقيا الملك

عاش حزقيا الملك في فترة عصيبة حيث امتدت إمبراطورية أشور وتَوَسَّعت جدًا، وصارت موضع رُعْب للأمم المحيطة بيهوذا. استسلمت الأمم لسلطان أشور، وأظهرت كل ترحيبٍ لجيشه، حتى يتجنَّبوا شره، ومع هذا لم تَسْلَمْ أُمة ما من عنف أشور وشراسته.
لقد غزا شلمناصر ملك أشور مملكة إسرائيل، وأخضعها له. وها هو سنحاريب ملك أشور يود أن يغزو مملكة يهوذا ويخضعها لنفسه.
بعد أن قام حزقيا بالإصلاحات الخاصة بالهيكل وعبادة الله الحيّ أثار عدو الخير سنحاريب ليفسد كل ما قام به حزقيا. هذا وقد بدأت بعض الأمم الخاضعة لأشور بالتمرُّد، فقد نجح الفلسطينيون في التخلُّص من سيطرة أشور عليهم. وكان كل من أدوم ويهوذا يود أن يكون لهم استقلالهم مثل الفلسطينيين، خاصة وأن فرعون مصر كان يحثهم على ذلك.
عارض إشعياء بقوة هذا التمرُّد على أشور، ليس فقط لعدم ثقته في مصر التي كانت تثير الأمم على هذا التمرُّد، وإنما لإدراكه أن سياسة مصر وفلسطين لم تكن حسب مشيئة الله. لقد حثَّ النبي الملك حزقيا ألا يشترك في التمرُّد الذي كانت تحركه كوش ومصر (إش 18-19).
في نظر الأشوريين في عام 712 ق.م أن حزقيا قام بهدم المذابح الأشورية التي كانت في أرض الموعد، لكنه على الأقل لم يشترك في التمرُّد العلني الذي قام به الفلسطينيون.
في سنة 705 ق.م عندما قُتِلَ سرجون الثاني في معركة مع Cimmerians أثناء غزو آسيا الصغرى، تَعَرَّضت الإمبراطورية الأشورية مرة أخرى لمتاعب كثيرة بسبب العصيان. واجه الإمبراطور الجديد سنحاريب (704-681 ق.م) متاعب من كل جانبٍ. منها أن البابليين ثاروا على أشور، وكانوا يزدادون قوة حتى غلبوا أشور في القرن التالي.
شعر حزقيا أن الوقت قد حان لاستقلال يهوذا، فكان يضغط على بعض الفلسطينيين للتحالف (2 مل 18: 8)، كما قام بتقوية حصون أورشليم، وحفر قناة تحت الأرض. كما أرسل مندوبين إلى مصر يطلب عونًا في تمرده. هاجم إشعياء النبي هذا الأسلوب (إش 30: 1-7)، لكن الملك لم يُعطِ اهتمامًا لنصائح النبي.
احتاج سنحاريب إلى ثلاث سنوات تقريبًا ليحارب بابل، وفي عام 701 ق.م. صار مستعدًا للتحرُّك ضد حركات التمرُّد في الغرب. فقام بتغيير ملك صور الذي التجأ إلى قبرص، وتحطيمه لثورة الفينيقيين سنة 701 ق.م أدى إلى زوال أعظم أسطول بحري في البحر الأبيض المتوسط. بعد سقوط الفينيقيين، تحقق حزقيا أن سنحاريب سينطلق نحو يهوذا. وبالفعل قام سنحاريب بتدمير ست وأربعين مدينة مُحَصَّنة في يهوذا، وقام بترحيل سكانها.
هذه هي الظروف التي دارت فيها الأحداث الواردة في هذا الأصحاح. بحسب ما ورد في يوسيفوس لم يكتفِ سنحاريب بما قَدَّمه حزقيا له، فوضع في قلبه مُحاصَرة المدينة تحت أي ظرف.
إذ اقترب سنحاريب من أورشليم حسب حزقيا أن الموت حلَّ به، فإنه لم يعد يوجد أي مجال للحوار. لأن الدخول في حوار مع سنحاريب معناه التدمير الكامل للمدينة، فهو لا يَقْبَلُ أقل من هذا. هذا ما حدث سنة 722 ق.م في مملكة الشمال، فالمتوقَّع أنه سيسبي شعب يهوذا كما قام بسبي السامرة. بهذا لم يكن أمام حزقيا سوى الجهاد حتى الموت.



1. نزول سنحاريب على مدن يهوذا

وَبَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ وَهَذِهِ الأَمَانَةِ أَتَى سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ،
وَدَخَلَ يَهُوذَا، وَنَزَلَ عَلَى الْمُدُنِ الْحَصِينَة،ِ
وَطَمِعَ بِإِخْضَاعِهَا لِنَفْسِهِ. [1]

جاءت الرواية الخاصة بهجوم سنحاريب ملك أشور تكاد تطابق ما ورد في إشعياء 36-39، كلمة بكلمة.
بتدبير إلهي لم تحدث هذه المحنة قبل إتمام الإصلاح، وإلا لتوقَّف العمل تمامًا.
لعل سنحاريب سمع عن كل ما فعله حزقيا وأمانته لله، وكيف ألهب قلوب شعبه بإبادة كل أثرٍ للعبادة الوثنية. شعر سنحاريب أن هذه الآلهة الوثنية لن تعضد حزقيا ولن تحميه.
إن كان عدو الخير قد هَيَّجَ سنحاريب ليُحَطِّمَ حزقيا، ويثير شعبه عليه، ظن أن الله لا ينقذهم من يديه، لكن وقد ترك الرب من جانبه سنحاريب يُجَدِّف عليه إلى حين، ويتهوَّر جدًا في تجديفه وتحدِّيه لحزقيا ولله نفسه، حتى يكشف للشعب قوته وحمايته لهم في أقوى صورة!

2. سنحاريب يتوجه لمحاربة أورشليم

2 وَلَمَّا رَأَى حَزَقِيَّا أَنَّ سِنْحَارِيبَ قَدْ أَتَى وَوَجْهُهُ عَلَى مُحَارَبَةِ أُورُشَلِيمَ، 3 تَشَاوَرَ هُوَ وَرُؤَسَاؤُهُ وَجَبَابِرَتُهُ عَلَى طَمِّ مِيَاهِ الْعُيُونِ الَّتِي هِيَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ فَسَاعَدُوهُ. 4 فَتَجَمَّعَ شَعْبٌ كَثِيرٌ وَطَمُّوا جَمِيعَ الْيَنَابِيعِ وَالنَّهْرَ الْجَارِيَ فِي وَسَطِ الأَرْضِ، قَائِلِينَ: «لِمَاذَا يَأْتِي مُلُوكُ أَشُّورَ وَيَجِدُونَ مِيَاهًا غَزِيرَةً؟» 5 وَتَشَدَّدَ وَبَنَى كُلَّ السُّورِ الْمُنْهَدِمِ وَأَعْلاَهُ إِلَى الأَبْرَاجِ، وَسُورًا آخَرَ خَارِجًا، وَحَصَّنَ الْقَلْعَةَ، مَدِينَةَ دَاوُدَ، وَعَمِلَ سِلاَحًا بِكِثْرَةٍ وَأَتْرَاسًا. 6 وَجَعَلَ رُؤَسَاءَ قِتَال عَلَى الشَّعْبِ، وَجَمَعَهُمْ إِلَيْهِ إِلَى سَاحَةِ بَابِ الْمَدِينَةِ، وَطَيَّبَ قُلُوبَهُمْ قَائِلًا: 7 «تَشَدَّدُوا وَتَشَجَّعُوا. لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا مِنْ مَلِكِ أَشُّورَ وَمِنْ كُلِّ الْجُمْهُورِ الَّذِي مَعَهُ، لأَنَّ مَعَنَا أَكْثَرَ مِمَّا مَعَهُ. 8 مَعَهُ ذِرَاعُ بَشَرٍ، وَمَعَنَا الرَّبُّ إِلهُنَا لِيُسَاعِدَنَا وَيُحَارِبَ حُرُوبَنَا». فَاسْتَنَدَ الشَّعْبُ عَلَى كَلاَمِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا.

وَلَمَّا رَأَى حَزَقِيَّا أَنَّ سَنْحَارِيبَ قَدْ أَتَى،
وَوَجْهُهُ عَلَى مُحَارَبَةِ أُورُشَلِيمَ [2]
يرى القديس كيرلس الكبير أن سنحاريب يرمز إلى الشيطان الذي يرسل من هم تحت سلطانه ليُحَطِّموا كنيسة المسيح، ويُحَقِّقوا هدفه الخبيث، حين يثيرون المعركة ضد أبطال الإيمان، ويسخرون بالمجد الإلهي. لكنه كما يقول: [اليد الإلهية بقوتها لديها الكفاية لخلاص الذين يسلكون في الصلاح، وتحطيم العدو. بالحقيقة إنها تطردهم باتخاذ قرارٍ فعالٍ بقوة لا تُقهَر، وتُحَرِّر المدينة المقدسة التي بلا لوم، أي الكنيسة، فإن أبواب الجحيم لن تقوى عليها (مت 16: 18).]
تَشَاوَرَ هُوَ وَرُؤَسَاؤُهُ وَجَبَابِرَتُهُ عَلَى طَمِّ مِيَاهِ الْعُيُونِ،
الَّتِي هِيَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، فَسَاعَدُوهُ. [3]
بحكمةٍ واجه حزقيا الملك الخطر الذي يُهَدِّده من جهة أشور. "تشاور هو ورؤساؤه وجبابرته"، وأخذ بنصيحتهم وقام بالإجراءات الواقية. خلال الإعداد للحصار، قام حزقيا ورجاله ببذل كل الجهد لتجريد المنطقة من الماء خارج أورشليم. لقد انتفع سكان أورشليم المُحاصرين بالماء الذي في القناة التي تحت الأرض. هذه القناة ارتفاعها ستة أقدام، منحوتة في حجارة قوية من ينبوع جيحون إلى بركة سلوام [30].
اهتم حزقيا بتقوية أسوار أورشليم. بعد ذلك حث الشعب على الإيمان بخلاص الرب. ما ورد هنا بالتفصيل [2-8] لم يرد في الملوك الثاني ولا في كتابات يوسيفوس.
ما يليق بنا ملاحظته أن حزقيا فعل كل ما في استطاعته بجانب ثقته في معونة الله. إنه لم ينكر ضرورة كل جهدٍ بشريٍ للدفاع عن المدينة. ثقته في الرب لم تحمل أية غباوة، بل سندته ثقته في الرب ليبذل كل جهد بحكمةٍ مع الرجوع إلى الخبرة.
لم يهتم كاتب السفر أن يذكر تاريخ العدو، ولا أسماء مندوبي سنحاريب كما فعل ملوك الثاني. ولا ذكر العدد الضخم من الأشوريين الذين هلكوا [21].
فَتَجَمَّعَ شَعْبٌ كَثِيرٌ، وَطَمُّوا جَمِيعَ الْيَنَابِيعِ،
وَالنَّهْرَ الْجَارِيَ فِي وَسَطِ الأَرْضِ، قَائِلِينَ:
لِمَاذَا يَأْتِي مُلُوكُ أَشُّورَ، وَيَجِدُونَ مِيَاهًا غَزِيرَةً؟ [4]
كان هذا النهر موجودًا في القديم واندثر مع الأيام.
أي جيش مهما بلغت إمكانياته إن حُرِمَ من الماء لبضعة أيام هلك. لذلك أسرع لطمّ مياه العيون التي هي خارج المدينة. قام بتحويل المياه إلى داخل المدينة عن طريق أنابيب تحت الأرض.
وَتَشَدَّدَ وَبَنَى كُلَّ السُّورِ الْمُنْهَدِمِ، وَأَعْلاَهُ إِلَى الأَبْرَاجِ،
وَسُورًا آخَرَ خَارِجًا، وَحَصَّنَ الْقَلْعَةَ مَدِينَةَ دَاوُدَ،
وَعَمِلَ سِلاَحًا بِكَثْرَةٍ وَأَتْرَاسًا. [5]
اهتم حزقيا أيضًا بالأسوار، وتَشَدَّد، وبنى كل السور المُنهدِم في أيام أبيه آحاز لقلة الاعتناء به، وأقام أبراجًا عليه. وبنى سورًا آخر خارجًا. قام أيضًا بتحصين المدينة، إذ بنى السور المُنهدِم، كما عيَّن رؤساء قتال. الأمانة في خدمة الرب لا تعني التواكل أو التراخي في الأعمال الأخرى. الله هو الذي يُحَصِّن، ويهب النصرة للمتوكِّلين عليه، العاملين بحكمة، وليس للمتراخين المُهمِلين.
وَجَعَلَ رُؤَسَاءَ قِتَالٍ عَلَى الشَّعْبِ،
وَجَمَعَهُمْ إِلَيْهِ إِلَى سَاحَةِ بَابِ الْمَدِينَةِ،
وَطَيَّبَ قُلُوبَهُمْ، قَائِلاً: [6]
في اجتماع الملك بالقادة خاطبهم بروح الثقة واليقين في عمل الله، أن هذا الغزو سينتهي بالخير لشعب الله. لم يكن مثل أبيه الذي لم يكن له الإيمان ليقويه في وسط الضيق، فقد كانت خطاياه هي مصدر رُعْبه.
تَشَدَّدُوا وَتَشَجَّعُوا. لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا مِنْ مَلِكِ أَشُّورَ،
وَمِنْ كُلِّ الْجُمْهُورِ الَّذِي مَعَهُ،
لأَنَّ مَعَنَا أَكْثَرَ مِمَّا مَعَهُ. [7]
جاءت كلمات الملك تعكس خبرة شعب الله والمؤمنين عبر الأجيال، فقد اختبر موسى في حربه مع عماليق، كيف غلبهم، فقد بسط يديه على شكل صليب (2 مل 6: 16)، واختبره أليشع النبي القائل لتلميذه جيحزي: "لا تخف، لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم" (2 مل 6: 16).
v كانت يدا موسى تديران كل الحرب، وهو يهب النصرة والاندحار.
إنه مثل الحاكم وفي كفِّ يديه كان موضوعًا القيام والسقوط، فنصر ودحَرَ من أراد.
ببسط يديه صار مثل الحوذيّ للمعركة، فأمسك البهي رسنَ الصفوف وقوّادهم.
حين كان موسى يحني يدَه كان الشعب ينهزم، وحين كان يرفعها هزمت إسرائيل الشعوب.
جرت الحرب بين الجيوش، وأمَّا النصرة فمن موسى؛
كانت المعارك في الجبهات وأمَّا فعالياتها فبِيَدِّ ثقيل اللسان.
لم ينجُ المحاربون بقوتهم، ولا غلب الودعاء بعنايتهم...
الذين ألقوا لم ينتصروا، والذين أهملوا لم يخسروا، والذين هربوا لم يتمردوا.
الذين حاربوا لم يغلبوا، والذين خسروا لم يبطلوا، والذين سكتوا لم يموتوا.
حين قاتلوا بقوتهم لم ينتصروا، لو لم يرفع موسى يده ويقويهم.
لم يجدوا بسعيهم على الغلبة عونًا، فإذا ظهرت قوة من الأكمة تقوى صفوفهم.
لم ينتصروا بالسيوف المصقولة التي في أيديهم، بل مال ظِل من الجبل، فاشتدت المعركة.
لم يشقوا الصفوف برماح وسهام تروسهم، وكلما قام ابن عمرام (موسى) على قدمَيه كثر القتلى.
لم يدحرهم الأعداء حتى لو سكتوا، لكن لو أهمل موسى قليلاً لركعت الفيالق (الكتائب).
كانت قوة الفريقين عبثًا، لأن القوة التي تُسقِط وتُقِيم كانت (تصدر) من قمة الأكمة.
قُهِرَت الشجاعة في المعركة، لأن حرب الصفوف كانت تديرها يدا موسى.
صار السلاح المصاغ سخرية مع حامليه، لأنه لم يقاوم الظلَ ويغلبه.
سيوف مُستلَّة، وسهام طائرة، وأوتار مطنطنة، لم تقوَ على دحر واحد مُجَرَّدًا من السلاح.
صفوف مجتمعة تُهَدِّد وترمي وتصرخ وتسخر، ورَجل عارٍ ومصلوبٍ على الجبل يحتقرهم.
خيول مطرودة، وأناس في رُعْبٍ، وسلاح يُضرَب، ومصلوب ساكتٌ جُعِلَ له سلطان على النصرة.
ارتبطت معركة الفريقين وتَعَلَّقت بيديه، وبظله سار سلطان الحرب عليهما.
خصام جيشين أسيرٌ بالعصا التي معه، والى أية جهة أمالت نفسَها انتصر الجيش[5].
v كان أليشع تحرسه الملائكة، وحيثما يمضي تسير معه القوات.
يُحِيط جيش خدام الله بخائفيه، ويُنَجِّيهم من الأضرار (مز 34: 7).
يحيط ساهرو النار به من كل جانب، فلا يقترب منه الخطر ولا التهديد.
أما تلميذه الذي رأى الخيول والقوات العظيمة، فخاف مثل صبي، وارتعب من الأفواج القوية.
خاف وعاد إلى أليشع وهو يرتعب، وقال: آه يا سيدي، كيف نعبر من الفرسان؟ (2 مل 6: 15)
أما أليشع فلم يَخَفْ من الأفواج، ولم يحسب حسابًا لبأس الملوك.
أحاطت به قوات بيت الله، التي كانت أكثر من الجموع المُحِيطة به.
كان يوجد معه ساهرو النار وخدام اللهيب، الذين كانوا أكثر من أن يُحصوا.
ركب أبناء اللهيب (الخيل) ضد الأراميين، ليصيروا سورًا لمختار بيت الله هذا.
حالما أمر الملك ليأتوا إلى أليشع، أمر الله الخدام، وتطلَّعوا قبالتهم.
أشار ربُّ الكل إلى جوقة اللهيب، وامتطت لتطرد المُفسِدين عن أليشع.
ركبوا وخرجوا من معسكر السماويّين، ليقلقوا هؤلاء الذين أتوا إلى الجميل.
امتلأ الجبل بفرسان النار وخيول النار والقوات ضد قوة المحاربين.
أحاطوا به حتى ينثروا الجمرات، وينقذوه من أيدي الأراميين، إن اقتربوا منه.
أحاط عبيد الملك بالقرية ليصطادوه، ونزل عبيد الرب على الجبل لينقذوه.
نار الخدام مخفية في أشخاصهم، وصامتة، وحاضرة لتظهر بأسها إن طُلب منها.
امتطت النار خيول اللهيب المخيفة، ووقفت لتحرق إن حدث شيء ما لأليشع.
القديس مار يعقوب السروجي
مَعَهُ ذِرَاعُ بَشَرٍ،
وَمَعَنَا الرَّبُّ إِلَهُنَا لِيُسَاعِدَنَا وَيُحَارِبَ حُرُوبَنَا.
فَاسْتَنَدَ الشَّعْبُ عَلَى كَلاَمِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا. [8]
سعى الملك إلى تهدئة مخاوفهم، إذ طَيَّب قلوبهم، قائلاً: "تشددوا وتشجعوا. لا تخافوا ولا ترتاعوا من ملك أشور، ومن كل الجمهور الذي معه، لأن معنا أكثر مما معه. معه ذراع بشر ومعنا الرب إلهنا، ليساعدنا ويحارب حروبنا". لم يقل "ليساعدنا فنحاربهم، إنما قال: ليساعدنا ويحارب حروبنا"! لقد شَجَّعهم إشعياء النبي بقوله: "ولكن هكذا يقول السيد رب الجنود: لا تخف من أشور يا شعبي الساكن في صهيون. يضربك بالقضيب، ويرفع عصاه عليك على أسلوب مصر. لأنه بعد قليل جدًا يتم السخط وغضبي في إبادتهم، ويقيم عليه رب الجنود سوطًا كضربة مديان عند صخرة غُراب، وعصاه على البحر، ويرفعها على أسلوب مصر" (إش 10: 24-26).
يصف إشعياء النبي موقف حزقيا النبي، قائلاً: "الملك ببهائه تنظر عيناك... انظر صهيون مدينة أعيادنا. عيناك تريان أورشليم مسكنًا مطمئنًا، خيمة لا تنتقل، لا تُقلع أوتادها إلى الأبد، وشيء من أطنابها لا ينقطع، بل هناك الرب العزيز..." (إش 33: 17-21).

3. بعث رسالة من سنحاريب

9 بَعْدَ هذَا أَرْسَلَ سِنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ عَبِيدَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَهُوَ عَلَى لَخِيشَ وَكُلُّ سَلْطَنَتِهِ مَعَهُ، إِلَى حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا وَإِلَى كُلِّ يَهُوذَا الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ يَقُولُونَ: 10 «هكَذَا يَقُولُ سِنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ: عَلَى مَاذَا تَتَّكِلُونَ وَتُقِيمُونَ فِي الْحِصَارِ فِي أُورُشَلِيمَ؟ 11 أَلَيْسَ حَزَقِيَّا يُغْوِيكُمْ لِيَدْفَعَكُمْ لِلْمَوْتِ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ، قَائِلًا: الرَّبُّ إِلهُنَا يُنْقِذُنَا مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ؟ 12 أَلَيْسَ حَزَقِيَّا هُوَ الَّذِي أَزَالَ مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ، وَكَلَّمَ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ قَائِلًا: أَمَامَ مَذْبَحٍ وَاحِدٍ تَسْجُدُونَ، وَعَلَيْهِ تُوقِدُونَ؟ 13 أَمَا تَعْلَمُونَ مَا فَعَلْتُهُ أَنَا وَآبَائِي بِجَمِيعِ شُعُوبِ الأَرَاضِي؟ فَهَلْ قَدِرَتْ آلِهَةُ أُمَمِ الأَرَاضِي أَنْ تُنْقِذَ أَرْضَهَا مِنْ يَدِي؟ 14 مَنْ مِنْ جَمِيعِ آلِهَةِ هؤُلاَءِ الأُمَمِ الَّذِينَ حَرَّمَهُمْ آبَائِي، اسْتَطَاعَ أَنْ يُنْقِذَ شَعْبَهُ مِنْ يَدِي حَتَّى يَسْتَطِيعَ إِلهُكُمْ أَنْ يُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِي؟ 15 وَالآنَ لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ حَزَقِيَّا، وَلاَ يُغْوِيَنَّكُمْ هكَذَا وَلاَ تُصَدِّقُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ إِلهُ أُمَّةٍ أَوْ مَمْلَكَةٍ أَنْ يُنْقِذَ شَعْبَهُ مِنْ يَدِي وَيَدِ آبَائِي، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ إِلهُكُمْ لاَ يُنْقِذُكُمْ مِنْ يَدِي؟». 16 وَتَكَلَّمَ عَبِيدُهُ أَكْثَرَ ضِدَّ الرَّبِّ الإِلهِ وَضِدَّ حَزَقِيَّا عَبْدِهِ. 17 وَكَتَبَ رَسَائِلَ لِتَعْيِيرِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ وَلِلتَّكَلُّمِ ضِدَّهُ قَائِلًا: «كَمَا أَنَّ آلِهَةَ أُمَمِ الأَرَاضِي لَمْ تُنْقِذْ شُعُوبَهَا مِنْ يَدِي، كَذلِكَ لاَ يُنْقِذُ إِلهُ حَزَقِيَّا شَعْبَهُ مِنْ يَدِي». 18 وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ بِالْيَهُودِيِّ إِلَى شَعْبِ أُورُشَلِيمَ الَّذِينَ عَلَى السُّورِ لِتَخْوِيفِهِمْ وَتَرْوِيعِهِمْ لِكَيْ يَأْخُذُوا الْمَدِينَةَ. 19 وَتَكَلَّمُوا عَلَى إِلهِ أُورُشَلِيمَ كَمَا عَلَى آلِهَةِ شُعُوبِ الأَرْضِ صَنْعَةِ أَيْدِي النَّاسِ.

بَعْدَ هَذَا أَرْسَلَ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ عَبِيدَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ.
(وَهُوَ عَلَى لَخِيشَ وَكُلُّ سَلْطَنَتِهِ مَعَهُ)
إِلَى حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا وَإِلَى كُلِّ يَهُوذَا الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ، يَقُولُونَ: [9]
يروي سفر الملوك الثاني (2 مل 18-19) قصة تجديف سنحاريب على الله، وصلاة حزقيا، وخلاص أورشليم من دمار جيش أشور بأكثر تفصيل، وجاءت هنا باختصار.
يظهر في القصة خبث عدوّ الخير: كان سنحاريب مشغولاً بمحاصرة لخيش، لكنه إذ سمع أن حزقيا يقوم بتحصين أورشليم، ويُشَدِّد شعبه بروح الإيمان، بعث برسلٍ يلقون الرعب في قلب حزقيا وشعبه، لكي يُسَلِّموا المدينة قبل أن يأتي بنفسه قائدًا جيشه. بخبثٍ وَجَّه الحديث إلى الشعب، لكي يزعزع ثقتهم وولاءهم لحزقيا. استعرض خلال رسله نصراته على شعوب كثيرة، التي لم تستطع آلهتهم أن تحميهم، فلماذا يخدعهم حزقيا بأن إلههم ينقذهم من يديه؟
هَكَذَا يَقُولُ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ:
عَلَى مَاذَا تَتَّكِلُونَ وَتُقِيمُونَ فِي الْحِصَارِ فِي أُورُشَلِيمَ؟ [10]
حسبهم سنحاريب محاصرين قبل أن يتم الحصار، ولم يدرك أنه هو وجيشه سيصيرون مُحاصَرين من الله.
أَلَيْسَ حَزَقِيَّا يُغْوِيكُمْ، لِيَدْفَعَكُمْ لِلْمَوْتِ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ، قَائِلاً:
الرَّبُّ إِلَهُنَا يُنْقِذُنَا مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. [11]
لم يدرك سنحاريب أن أورشليم تمتلك لنفسها ينابيع المياه الخفية.
أَلَيْسَ حَزَقِيَّا هُوَ الَّذِي أَزَالَ مُرْتَفَعَاتِهِ، وَمَذَابِحَهُ،
وَقَالَ لِيَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ:
أَمَامَ مَذْبَحٍ وَاحِدٍ تَسْجُدُونَ، وَعَلَيْهِ تُوقِدُونَ؟ [12]
أَمَا تَعْلَمُونَ مَا فَعَلْتُهُ أَنَا وَآبَائِي بِجَمِيعِ شُعُوبِ الأَرَاضِي؟
فَهَلْ قَدِرَتْ آلِهَةُ أُمَمِ الأَرَاضِي أَنْ تُنْقِذَ أَرْضَهَا مِنْ يَدِي؟ [13]
v كشف ربشاقى عن حقده الهمجي، ونطق بكلمات وقحة ضد الله، مفتخرًا بصوتٍ عالٍ على كل المدن التي للأمم والتي أسرها الأشوري، فإنه ليست مدينة منها خلصت بواسطة آلهتها الباطلة.
لم يكن (ربشاقى) مُدرِكًا أنها أخشاب وحجارة، من صنع أيادٍ بشريةٍ ليس إلا. أما إله يهوذا فعلى عكس هذا، بل بالحري إله كل المسكونة، هو الله الحقيقي، ليس بالمُبتدَع حديثًا، بل هو خالق كل الأجيال، صانع كل الأشياء، رب القوات. ظن ربشاقى أنه يوجد دليل واضح أنهم جميعًا سوف يصيرون أسرى، حتى وإن جاء الله في عظمته ليُعِينَهم، فإنه بالحقيقة ليس من بين آلهة اليونانيين من نجح في إنقاذ مدنه أو أرضه التي كُرِّم فيها...
وكما قلت سابقًا، إن كان لم ينقذ أحد آلهة الأمم شعبه، فإن هذا ليس حقيقي بالنسبة لمن هو الله الحقيقي بالطبيعة، فهو الله في عظمته، أما الآلهة الأخرى، فهي من اختراعٍ بشري لا تساوي شيئًا، بينما الأخير هو ضابط كل الأشياء، يَتَمَتَّع بسلطانٍ لا يُقهَر، وهو رب القوات.
القديس كيرلس الكبير
مَنْ مِن جَمِيعِ آلِهَةِ هَؤُلاَءِ الأُمَمِ الَّذِينَ حَرَّمَهُمْ آبَائِي،
اسْتَطَاعَ أَنْ يُنْقِذَ شَعْبَهُ مِنْ يَدِي،
حَتَّى يَسْتَطِيعَ إِلَهُكُمْ أَنْ يُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِي؟ [14]
وَالآنَ لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ حَزَقِيَّا، وَلاَ يُغْوِيَنَّكُمْ هَكَذَا، وَلاَ تُصَدِّقُوهُ،
لأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ إِلَهُ أُمَّةٍ أَوْ مَمْلَكَةٍ أَنْ يُنْقِذَ شَعْبَهُ مِنْ يَدِي وَيَدِ آبَائِي.
فَكَمْ بِالْحَرِيِّ إِلَهُكُمْ لاَ يُنْقِذُكُمْ مِنْ يَدِي! [15]
وَتَكَلَّمَ عَبِيدُهُ أَكْثَرَ ضِدَّ الرَّبِّ الإِلَهِ وَضِدَّ حَزَقِيَّا عَبْدِهِ. [16]
وَكَتَبَ رَسَائِلَ لِتَعْيِيرِ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ، وَلِلتَّكَلُّمِ ضِدَّهُ، قَائِلاً:
كَمَا أَنَّ آلِهَةَ أُمَمِ الأَرَاضِي لَمْ تُنْقِذْ شُعُوبَهَا مِنْ يَدِي،
كَذَلِكَ لاَ يُنْقِذُ إِلَهُ حَزَقِيَّا شَعْبَهُ مِنْ يَدِي. [17]
وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ بِالْيَهُودِيِّ إِلَى شَعْبِ أُورُشَلِيمَ،
الَّذِينَ عَلَى السُّورِ لِتَخْوِيفِهِمْ وَتَرْوِيعِهِمْ لِيَأْخُذُوا الْمَدِينَةَ. [18]
وَتَكَلَّمُوا عَلَى إِلَهِ أُورُشَلِيمَ كَمَا عَلَى آلِهَةِ شُعُوبِ الأَرْضِ،
صَنْعَةِ أَيْدِي النَّاسِ. [19]
كان سنحاريب يأمل أن يغزو المدينة ويسبي الشعب دون حاجة إلى الدخول في معركةٍ معهم. فكثير من الأمم سَلَّمت نفسها له، بل واستقبلت جيشه بالرقص والغناء، ومع هذا لم يحسن معاملتهم. ما قاله سنحاريب سبق أن قاله أعداء داود: "ليس له خلاص بإلهه" (مز 3: 2؛ 71: 11). لقد دعا الله الحيّ "إله أورشليم" [19]، حاسبًا إيّاه إلهًا لمدينة واحدة كسائر آلهة الأمم، وليس خالق السماء والأرض.

4. حزقيا وإشعياء يصليان

فَصَلَّى حَزَقِيَّا الْمَلِكُ وَإِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ النَّبِيُّ لِذَلِكَ،
وَصَرَخَا إِلَى السَّمَاءِ [20]

كانت الضيقة فرصة للصلاة والصراخ إلى الله الساكن في السماوات، مسكن عرشه.
إذ سمع حزقيا الملك من ألياقيم وشبنة كلمات سنحاريب ملك أشور على لسان مندوبه ربشاقى (2 مل 19: 1)، بعثهما إلى إشعياء النبي، يُعَبِّران بملامحهما ومشاعرهما عما قاله ربشاقى. لقد ارتديا المسوح، وقالا لإشعياء: "هكذا يقول حزقيّا: هذا اليوم يوم شدةٍ وتأديبٍ وإهانةٍ، لأن الأجنَّة قد دَنَتْ إلى المَولِد، ولا قوة للولادة!" (2 مل 19: 3). اعترف حزقيا بأن مملكة يهوذا بلا قوة، في وقتٍ تحتاج أن تكون قوية للغاية، لتواجه القوة العظمى في العالم، أي أشور. ما كان يشغل قلب حزقيا ليس فقط جسارة ربشاقى ليُعَيِّر الله الحي، وإنما أنه حلَّ يوم شدة وتأديب وإهانة على يهوذا وأورشليم.
لقد شبَّه هذا اليوم بيوم ولادة عسيرة مع عدم وجود قوة للولادة. لقد طالت مدة الطَلْقِ، فخارت قُوَى يهوذا، وصارت عاجزة عن الولادة، ويحتاج الأمر إلى تدخُّل الله نفسه صانع العجائب. فالأمر خطير للغاية، ويحتاج إلى عونٍ إلهي.
صرخ كل من حزقيا الملك وإشعياء النبي إلى السماء، ولم يكن الساكن في السماء بعيدًا عنهما. بالصلاة إليه كان قريبًا جدًا إليهما.
v ذاك الذي يُخَلِّص ليس على مسافة بل قريب، وجاءت محصلة الطلبات (بسرعة)، بعد الصلاة مباشرةً... غيرة القديسين جديرة بالإطراء جدًا، وعندما يُسَاء إلى مجد الله، يهب فرحًا لهم عندما يحزنون.
القديس كيرلس الكبير
v هذا اليوم يوم شدةٍ وتأديبٍ وإهانةٍ..." رسم تشبيهًا بامرأة تعاني من آلام الولادة، فقد جاء وقت الطلق، وهي عاجزة عن الولادة، بمعنى أننا نحبل بالخوف منك، ونحن نعاني، ونلد بروح الخلاص.
القديس جيروم

5. إرسال ملاك ينقذ حزقيا

21 فَأَرْسَلَ الرَّبُّ مَلاَكًا فَأَبَادَ كُلَّ جَبَّارِ بَأْسٍ وَرَئِيسٍ وَقَائِدٍ فِي مَحَلَّةِ مَلِكِ أَشُّورَ. فَرَجَعَ بِخِزْيِ الْوَجْهِ إِلَى أَرْضِهِ. وَلَمَّا دَخَلَ بَيْتَ إِلهِهِ قَتَلَهُ هُنَاكَ بِالسَّيْفِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ أَحْشَائِهِ. 22 وَخَلَّصَ الرَّبُّ حَزَقِيَّا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ مِنْ سِنْحَارِيبَ مَلِكِ أَشُّورَ وَمِنْ يَدِ الْجَمِيعِ، وَحَمَاهُمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ.

فَأَرْسَلَ الرَّبُّ مَلاَكًا،
فَأَبَادَ كُلَّ جَبَّارِ بَأْسٍ وَرَئِيسٍ وَقَائِدٍ فِي مَحَلَّةِ مَلِكِ أَشُّورَ.
فَرَجَعَ بِخِزْيِ الْوَجْهِ إِلَى أَرْضِهِ.
وَلَمَّا دَخَلَ بَيْتَ إِلَهِهِ، قَتَلَهُ هُنَاكَ بِالسَّيْفِ،
الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ أَحْشَائِهِ. [21]
تجديف الأعداء الأشرار يُلفِت نظر الله، إن صحَّ التعبير، وصراخ شعبه المتألم أيضًا يلفت نظره إليهم.
إذ استخف سنحاريب بإله القوات، لمس بيديه كيف في ليلة واحدة مات 185 ألفًا من جيشه بدون سلاح بشري. وإذ عاد إلى معبد إلهه نسروخ يحمل مشاعر الغيظ والضيق، إذا به يُقتَل بأيدي ابنيه.
v إنه يفضح تجاوزات عجرفة الفارسي (الأشورى) وأفكاره الغبية، وبشاعة افتخاره، فإن الفارسيين والأشوريين ينسبون لسلطانهم كل منجزاتهم: غزوهم للبلاد، وعبورهم الأنهار.
القديس كيرلس الكبير
وَخَلَّصَ الرَّبُّ حَزَقِيَّا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ مِنْ سَنْحَارِيبَ مَلِكِ أَشُّورَ،
وَمِنْ يَدِ الْجَمِيعِ، وَحَمَاهُمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. [22]
في وسط الضيق يميل الرب أذنه ليَسمعنا، ويُعطِينا أكثر مما نسأل، وفوق ما نطلب. كل ما اشتهاه الملك والشعب هو أن ينقذهم من يد سنحاريب وجيشه، لكن الرب خَلَّصهم أيضًا "من يدِّ الجميع، وحماهم من كل ناحية". وأعطاهم كرامة في أعين جميع الأمم.
v مات العدد الضخم من الأشوريين ليس بقدرة يهودية، وليس بسَحْبِ أحد القوس عليهم، وليس ببراعة الضرب برمح في معركة، ولا بأن استل أحد سيفًا، أو بقوة الخيل، وإنما بمبادرة ملاك.
في المعركة حطَّمهم بقدرة لا يُعَبَّر عنها، فجلب جثثًا ميتة بلا عددٍ.
انظروا فإن سنحاريب مع كونه قائدًا، ارتعب لِمَا حدث بطريقة معجزية، ورجع إلى بيته، وقد سُلِبَ منه جيشه تمامًا. عاد إلى نينوى في بؤسٍ.
القديس كيرلس الكبير

6. مرض حزقيا وشفاؤه

23 وَكَانَ كَثِيرُونَ يَأْتُونَ بِتَقْدِمَاتِ الرَّبِّ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَتُحَفٍ لِحَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، وَاعْتُبِرَ فِي أَعْيُنِ جَمِيعِ الأُمَمِ بَعْدَ ذلِكَ. 24 فِي تِلْكَ الأَيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا إِلَى حَدِّ الْمَوْتِ وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ فَكَلَّمَهُ وَأَعْطَاهُ عَلاَمَةً.

وَكَانَ كَثِيرُونَ يَأْتُونَ بِتَقْدِمَاتِ الرَّبِّ إِلَى أُورُشَلِيمَ،
وَتُحَفٍ لِحَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا،
وَاُعْتُبِرَ فِي أَعْيُنِ جَمِيعِ الأُمَمِ بَعْدَ ذَلِكَ. [23]
رأى الشعب بنفسه يد الله القوية التي تحمي من يلجأ إليه، فجاءوا بتقدمات للرب، وهدايا للملك، إذ حسبوه صديقًا للرب.
فِي تِلْكَ الأَيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا إِلَى حَدِّ الْمَوْتِ،
وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ، فَكَلَّمَهُ، وَأَعْطَاهُ عَلاَمَةً. [24]
لم يُذكَرْ مرض حزقيا سوى في آية واحدة [24]، فقد سبق وورد ذلك بالتفصيل في (2 مل 20: 1-11؛ إش 38: 1-8، 21-22)، ويوسيفوس[12].
v مرض حزقيا للموت، فقال له النبي إنه يموت وأن يُدَبِّرَ بيته. الآن قيل هذا ليس عن جهلٍ أنه سيعيش، وسيهرب من النتيجة الرهيبة للمرض كثمرٍ لمراحم (الله)، بل بالحري يدعوه ويحثه أن يُصَلِّي، لكي بطلبته ينعم بالرحمة. فإن (الله) فوق كل شيءٍ رءوف على الذين يُحِبُّونه، ويهب المُخْلِصين طلباتهم، ويَقْبَل صلواتهم التي يُقَدِّمونها كما حدث في هذه الحالة...
يفرح إله الكل بحياتهم التقوية، ويقبل رغبات الذين يمارسون الحياة المستقيمة عندما يراهم في دموعٍ، وترتبط صلواتهم بالتعب.
القديس كيرلس الكبير
أعطاه الرب علامة، وردت في (إش 38: 8) "هأنذا أرجع ظل الدرجات الذي نزل في درجات آحاز بالشمس عشر درجات إلى الوراء. فرجعت الشمس عشر درجات في الدرجات التي نزلتها".
وكما يقول القديس كيرلس الكبير: [لقد ثبَّت إيمانه أن ما وعده به يتحقق، بعلامةٍ خاصة بالشمس برجوع الظل عشر درجات. الآن قيل إن والد حزقيا آحاز صنع بمهارةٍ وحذقٍ عشر درجات في بيته، مثل أولئك الذين يصنعون ساعات لقياس تحرُّكات الشمس. هكذا أوضح الله أن حزقيا سيعود إلى الحياة كانسحاب ظل الشمس، وامتداد النهار بطريقة فريدة. ليس شيء ما ليس في سلطان إله الكل، فما يختاره يتحقق ببساطة بمُجَرَّد أنه يريده.]

7. ارتفاع قلب حزقيا

25 وَلكِنْ لَمْ يَرُدَّ حَزَقِيَّا حَسْبَمَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ لأَنَّ قَلْبَهُ ارْتَفَعَ، فَكَانَ غَضَبٌ عَلَيْهِ وَعَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ. 26 ثُمَّ تَوَاضَعَ حَزَقِيَّا بِسَبَبِ ارْتِفَاعِ قَلْبِهِ هُوَ وَسُكَّانُ أُورُشَلِيمَ، فَلَمْ يَأْتِ عَلَيْهِمْ غَضَبُ الرَّبِّ فِي أَيَّامِ حَزَقِيَّا. 27 وَكَانَ لِحَزَقِيَّا غِنًى وَكَرَامَةٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَعَمِلَ لِنَفْسِهِ خَزَائِنَ لِلْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالْحِجَارَةِ الْكَرِيمَةِ وَالأَطْيَابِ وَالأَتْرَاسِ وَكُلِّ آنِيَةٍ ثَمِينَةٍ، 28 وَمَخَازِنَ لِغَلَّةِ الْحِنْطَةِ وَالْمِسْطَارِ وَالزَّيْتِ، وَأَوَارِيَ لِكُلِّ أَنْوَاعِ الْبَهَائِمِ، وَلِلْقُطْعَانِ أَوَارِيَ. 29 وَعَمِلَ لِنَفْسِهِ أَبْرَاجًا وَمَوَاشِيَ غَنَمٍ وَبَقَرٍ بِكَثْرَةٍ، لأَنَّ اللهَ أَعْطَاهُ أَمْوَالًا كَثِيرَةً جِدًّا. 30 وَحَزَقِيَّا هذَا سَدَّ مَخْرَجَ مِيَاهِ جَيْحُونَ الأَعْلَى، وَأَجْرَاهَا تَحْتَ الأَرْضِ، إِلَى الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ مِنْ مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَأَفْلَحَ حَزَقِيَّا فِي كُلِّ عَمَلِهِ. 31 وَهكَذَا فِي أَمْرِ تَرَاجِمِ رُؤَسَاءِ بَابِلَ الَّذِينَ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ لِيَسْأَلُوا عَنِ الأُعْجُوبَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الأَرْضِ، تَرَكَهُ اللهُ لِيُجَرِّبَهُ لِيَعْلَمَ كُلَّ مَا فِي قَلْبِهِ.

وَلَكِنْ لَمْ يَرُدَّ حَزَقِيَّا حَسْبَمَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ،
لأَنَّ قَلْبَهُ ارْتَفَعَ،
فَكَانَ غَضَبٌ عَلَيْهِ وَعَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ. [25]
لم يُدرِك أحد ممن هم حوله بما سقط فيه حزقيا، إذ بدا كإنسانٍ مؤمنٍ بريءٍ، غير أن الله غضب عليه من أجل كبرياء قلبه وتشامخه الخفي.
مع كل ما لحزقيا من حكمةٍ واستقامةٍ، غير أنه لم يحتمل الكرامة التي قُدِّمَت له، خاصة بسبب نصرته على أشور وشفائه من مرضٍ مُستعصى. لم يكن له فضل في شيءٍ، غير أن قلبه ارتفع بسبب الكرامة. لقد قَدَّمت له الأمم المجاورة هدايا، وأرسل ملك بابل سفراء لملاطفته والتودُّد إليه. لقد غلب حزقيا عبادة الأوثان بينما سقط في تأليه نفسه. كان يليق به عوض الكبرياء أن يُرَدِّدَ: "ماذا أَرُد للرب من أجل كثرة إحساناته لي؟" (مز 116: 12).
ما حدث لحزقيا يدعونا إلى الآتي:
1. أن نطلب من روح الله القدوس أن يعمل فينا، حتى لا تنحرف قلوبنا عن طريق الاستقامة.
2. أن نُقَدِّمَ الشكر لله على أعماله معنا.
3. أن نصلي من أجل القيادات، حتى لا تسقط فيما سقط فيه داود حين أحصى الشعب، ولا فيما سقط فيه حزقيا الذي ارتفع قلبه.
يوضح لنا إشعياء النبي ما حدث، فإنه إذ أرسل ملك بابل رسائل وهدية إلى حزقيا (إش 39: 1)، عوض الحديث مع الرسل عن عمل الله معه، فرح بهم حزقيا، وأراهم بيت ذخائره، وكل بيت أسلحته، وكل ما وُجِدَ في خزائنه. لم يكن شيء لم يرهم إياه حزقيا في بيته وفي كل ملكه" (إش 39: 2-3).
يرى القديس كيرلس الكبير أنه من الظاهر أرسل ملك بابل الرسل والهدايا ليُهَنِّئَ حزقيا على شفائه، لكن الحقيقة أن البابليين والكلدانيين كانوا بارعين في الفلك وحركات الكواكب، فدهشوا عندما لاحظوا أن اليوم قد طال بطريقة فريدة لم يستطيعوا تبريرها في دراستهم، وأن هذا تم كتحقيق لوعد الله لحزقيا. كما دهش مردوخ ملك بابل لما فعله الله لإنقاذ أورشليم من حصار ربشاقى (قائد جيش سنحاريب)، وكيف ضرب ملاك الرب في ليلة واحدة 185 ألفًا، فصاروا جثثًا ميتة (إش 37: 36-37). لكن حزقيا لم يُمَجِّدْ الله أمامهم، بل سقط في الكبرياء.
v وصل الرسل يحملون إعجاب مردوخ لبرِّ حزقيا كثمرة لهذه العلامات الإلهية، يسألون الإيمان. من الجانب الآخر، كان يليق لحزقيا أن يُقَدِّمَ حسابًا متوهجًا للذين وصلوا إليه من بابل عن عون الله القدير في الوقت المناسب، وعن عظمة الأعمال المجيدة غير العادية، من سمو عمل الله الفائق، وسلطان رب الجميع الذي لا يُغلَبْ، فيعودون إلى بلدهم أغنياء بمعرفة الله خلال تعليم المعلمين الذين عيَّنهم (حزقيا)، وبهذا يصيرون سبب نفع للآخرين بنقل ما تَعَلَّموه. عوض أن يحدث هذا، حمل البطلان البشري، ونسب شهرته لا للكرامات التي قَدَّمها له الله، وإنما لغِنَى مملكته.
القديس كيرلس الكبير
ثُمَّ تَوَاضَعَ حَزَقِيَّا بِسَبَبِ ارْتِفَاعِ قَلْبِهِ،
هُوَ وَسُكَّانُ أُورُشَلِيمَ،
فَلَمْ يَأْتِ عَلَيْهِمْ غَضَبُ الرَّبِّ فِي أَيَّامِ حَزَقِيَّا. [26]
التواضع أمام الرب هو الطريق العملي للتمتُّع بمراحمه وحنوه، بينما بسبب الكبرياء يُؤدِّبنا بتسليمنا في يد الأعداء.
v رذيلة الكبرياء مكروهة في عين الله، كما يقول الكتاب المقدس: "أول كبرياء الإنسان، ارتداده عن الرب" (سيراخ 10: 12). وفي موضع آخر يقول الكتاب: "يقاوم الله المستكبرين، وأما المتواضعون، فيعطيهم نعمة" (1 بط 5: 5). لذلك إذا احتقر أحدهم تواضع المسيح من أجلنا "الذي إذ كان في صورة الله... وُجِدَ في الهيئة كإنسانٍ، وضع نفسه، وأطاع حتى الموت" (في 2: 6-8). أيضًا إذا ارتفع واندفع نحو السلطة والمراتب العالية والسعي وراء المهارات التي تساعده على الحصول على كل ذلك حتى ولو تعارض مع إيمانه وديانته لا يتفادى ولا يرتجف طالما يحصل على شهواته، بعد ذلك يحدث كما هو مكتوب: "فعمل الشر في عيني الرب" (قض 3: 7). فبعد أن يحصل على أعلى درجات القوة (عالميًا)، ويصعد إلى أعلى مراتب العظمة، حينئذ يسقط ويُسَلَّم إلى "كوشان رشعتايم"، إلى واحدٍ من (أتباع) "رئيس سلطان الهواء" (أف 2: 2) تمامًا مثلما حدث في أيام فرعون (خر 1: 11)، وفي وقت حيرام ملك صور (1مل 9: 11). فإن الله يذل الشخص الذي يتعالى بشدة، ويضعفه ويتآكل إلى أن يرجع إلى رشده، ويبحث عن الله. إنه عندما يستمر في زهوه وتمجيده لذاته، لا يعرف الله[16].
العلامة أوريجينوس
v أتريد أن تعرف ما هي قوة التوبة؟
أتريد أن تعلم سلاح الخلاص القوي وتدرك قوة الاعتراف؟
حزقيا بالاعتراف ضرب خمسة وثمانين ألفًا ومائة من أعدائه (2 مل 19: 25). يا له من أمر عظيم، لكنه يُحسَب قليلاً بالنسبة لما أذكره لك. إذ بالتوبة استطاع الملك أن يحصل على تغيير في القول الإلهي الذي نطق به فعلاً. إذ لما مرض، قال له إشعياء: "أوصِ بيتك، لأنك تموت ولا تعيش" (2 مل 20: 1). هل يمكن أن يقوم استثناء بعد، أو يوجد رجاء شفاء بعدما قال له النبي: "لأنك تموت"؟!
لكن حزقيا لم يكف عن التوبة. وبتَذَكُّرِه ما هو مكتوب: "متي رجعت وبكيت تخلص" (راجع إش 30: 15)، اتَّجَه بوجهه إلى الحائط وهو على سريره، رافعًا ذهنه إلى السماء (حيث لا تعوق الحائط بلوغ الصلوات بورعٍ إلى السماء) وقال: "اذكرني يا رب. يكفي أن تذكرني فأشفى!" (راجع إش 38).
إنك لا تخضع للزمان، بل أنت خالق القانون. أنت واهب قانون الحياة وتدبيرها حسب إرادتك، إذ لا تعتمد حياتنا على يوم ميلادنا، ولا على اقتران النجوم معًا في برجٍ واحد كما يظن البعض في غباوة.
ذاك الذي كان يمكنه ألاّ يرجو الحياة بسبب العبارة النبوية، صار له خمسة عشر عامًا مُضافَة إلى حياته، وكانت العلامة أن الشمس رجعت إلى خلف عشر درجات (2 مل 20: 11).
حسنًا! من أجل حزقيا رجعت، وأمّا من أجل المسيح انكسفت. لم ترجع درجات بل انكسفت مُعلِنة بذلك الفارق بين حزقيا ويسوع!...
أرجعوا ونوحوا على أنفسكم! أغلقوا أبوابكم وصَلُّوا لكي يغفر لكم!
صَلُّوا لكي ينزع عنكم النار المُحرِقة، لأن له السلطان أن يطفئ حتى النار، وله قوة أن يبكم حتى الأسود!
القديس كيرلس الأورشليمي
وَكَانَ لِحَزَقِيَّا غِنًى وَكَرَامَةٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَعَمِلَ لِنَفْسِهِ خَزَائِنَ لِلْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالْحِجَارَةِ الْكَرِيمَةِ وَالأَطْيَابِ وَالأَتْرَاسِ،
وَكُلِّ آنِيَةٍ ثَمِينَةٍ [27]
أغدق الله على حزقيا بعطايا كثيرة وغِنَى وكرامة، فبنى لنفسه خزائن للفضة والذهب والحجارة الكريمة والأطياب والأتراس وكل آنية ثمينة.
وَمَخَازِنَ لِغَلَّةِ الْحِنْطَةِ وَالْمِسْطَارِ وَالزَّيْتِ،
وَإِسْطَبْلاَتٍ لِكُلِّ أَنْوَاعِ الْبَهَائِمِ وَلِلْقُطْعَانِ. [28]
وَعَمِلَ لِنَفْسِهِ أَبْرَاجًا،
وَمَوَاشِيَ غَنَمٍ وَبَقَرٍ بِكَثْرَةٍ،
لأَنَّ الله أَعْطَاهُ أَمْوَالاً كَثِيرَةً جِدًّا. [29]
أعطاه الله فوق ما كان حزقيا يظن: "أعطاه أموالاً كثيرة جدًا".
وَحَزَقِيَّا هَذَا سَدَّ مَخْرَجَ مِيَاهِ جَيْحُونَ الأَعْلَى،
وَأَجْرَاهَا تَحْتَ الأَرْضِ إِلَى الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ مِنْ مَدِينَةِ دَاوُدَ.
وَأَفْلَحَ حَزَقِيَّا فِي كُلِّ عَمَلِهِ. [30]
تَحَوَّلت الضيقة أيضًا للخير، فمن أجل توقُّع هجوم أشور عليه، قام بتحويل مياه جيحون، فجاءت إلى داخل المدينة في البركة العتيقة (إش 22: 11)، والبركة العليا (إش 7: 3)، وفي مكان جديد يُدعَى "البركة السفلى" (إش 22: 9).
جعل حزقيا ينابيع جيحون وينابيع البحر الجاري يمتدان داخل أسوار أورشليم. يقول المرتل: "كل ينابيعي فيكِ" (مز 87: 7)، ويقول الحكيم: "اشرب مياها من جبك، ومياها جارية من بئرك" (أم 5: 15)". كل ينابيعنا هي الثالوث الساكن فينا، يفيض بالحب الإلهي فينا.
v توجد آبار عندما توجد مياه خفية جارية وقوية في الكلمة والتعاليم، عندما تُزال عنها الأمور الدنيئة التي تغطيها. لذلك من الضروري لكل أحد أن يُعدَّ بئرًا لنفسه، لكي ما يحرس الأمر السابق ذكره، القائل: "اشرب مياهًا من جبكcistern ، ومياهًا جارية من بئرك" (أم 5: 15). بهذا نُدعَى أبناء الذين حفروا الآبار، إبراهيم وإسحق ويعقوب. لكننا لا نحفر هوة (حفرة) لئلا نسقط فيها، كما قيل هنا في هذا الموضع. وبهذا نفشل في سماع الكلمات الواردة في إرميا لتوبيخ الخطاة، إذ يقول عنهم الله ما سبق أن أشرنا إليه: "تركوني أنا ينبوع المياه الحيَّة، وحفروا لأنفسهم أحواض أرضية lakkous، أحواض أرضية مكسورة، لا تضبط ماءً" (إر 2: 13).
القديس باسيليوس الكبير
وَهَكَذَا فِي أَمْرِ سُفَرَاءِ رُؤَسَاءِ بَابِلَ الَّذِينَ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ،
لِيَسْأَلُوا عَنِ الأُعْجُوبَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الأَرْضِ،
تَرَكَهُ الله لِيُجَرِّبَهُ لِيَعْلَمَ كُلَّ مَا فِي قَلْبِهِ. [31]
جاء سفراء رؤساء بابل، لا ليحاربوا، إنما ليبتهجوا، ويسألونه عن أمرين:
1. كيفية نواله نصرة أكيدة وهلاك الأشوريين أعداء بابل الأقوياء.
2. إذ كانت الشمس هي إلههم لم تخدمهم، بل خدمت الذي يعبد الله الحي، فكرَّمته برجوعها عشرة درجات. اعتبروا حزقيا شخصًا عجيبًا ينحني له إلههم (الشمس) احترامًا. لكن للأسف افتخر حزقيا بغناه، وفرح بتكريم هذه البعثة له، كما جاء في سفر الملوك.

8. موت حزقيا ودفنه

32 وَبَقِيَّةُ أُمُورِ حَزَقِيَّا وَمَرَاحِمُهُ، هَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي رُؤْيَا إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ النَّبِيِّ فِي سِفْرِ مُلُوكِ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ. 33 ثُمَّ اضْطَجَعَ حَزَقِيَّا مَعَ آبَائِهِ فَدَفَنُوهُ فِي عَقَبَةِ قُبُورِ بَنِي دَاوُدَ، وَعَمِلَ لَهُ إِكْرَامًا عِنْدَ مَوْتِهِ كُلُّ يَهُوذَا وَسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ. وَمَلَكَ مَنَسَّى ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.

وَبَقِيَّةُ أُمُورِ حَزَقِيَّا وَمَرَاحِمُهُ،
مَكْتُوبَةٌ فِي رُؤْيَا إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ النَّبِيِّ،
فِي سِفْرِ مُلُوكِ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ. [32]
في هذا الأصحاح ما شغل الكاتب حالة حزقيا الروحية، لا إنجازاته السياسية والعسكرية.
ثُمَّ اضْطَجَعَ حَزَقِيَّا مَعَ آبَائِهِ،
فَدَفَنُوهُ فِي عَقَبَةِ قُبُورِ بَنِي دَاوُدَ،
وَعَمِلَ لَهُ إِكْرَامًا عِنْدَ مَوْتِهِ كُلُّ يَهُوذَا وَسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ.
وَمَلَكَ مَنَسَّى ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [33]
أكرمه الشعب عند موته:
1. كتب إشعياء النبي قصة حياته وأعماله في الرب.
2. دفنه الشعب في عقبة قبور بني داود.
3. غالبًا عملوا له حريقة كبيرة، فقد كانت العادة أن تُحرق أطياب ثمينة أثناء إقامة جنازة الملوك، وأيضًا مناحة عظيمة كتلك التي ليوشيا.

من وحي 2 أي 32

لتكن معي، ولتحارب حروبي!

v إلهي، كم أنت عجيب في حُبِّك لي!
خلقتني لأحيا على الأرض، كما في فردوسٍ مبهجٍ!
بعصياني أعطيتك القفا لا الوجه،
عزلتُ نفسي عنك يا مصدر سعادتي!
تحولت الأرض إلى أرض معركة مع إبليس وقوات الظلمة.
v لأسمع صوتك على لسان حزقيا التقي:
لا تخافوا ولا ترتاعوا من ملك أشور،
ومن كل الجمهور الذي معه.
لأن معنا أكثر مما معه!
أنت معنا، تساعدنا وتحارب حروبنا!
أختفي فيك يا رب القوات،
فلا يقترب مني إبليس وكل قواته.
أنت ترسي وحصني وخلاصي!
v لن ألجأ إلى ذراعٍ بشريٍ، ولن تسبيني حكمة بشرية،
فإنك تُحَرِّك القوات الملائكية لتنقذني.
لقد أتيتَ بنفسك، وستأتي لتَعْبُرَ بي إلى الأبدية.
v احتاج حزقيا الملك إلى إشعياء ليصلي معه ولأجله.
ها أنا اطلب من كل آبائي وإخوتي الذين في الفردوس.
يسندونني بصلواتهم أمام عرش النعمة.
قلوبهم مُلتهِبة بالشوق نحو خلاص كل بشرٍ!
تسابيحهم لك ممزوجة بالحب لإخوتهم المجاهدين.
v إذ أنقذت حزقيا من جيش أشور،
كما من المرض المستعصي،
سقط في الكبرياء، وافتخر بغناه أمام الغرباء.
غلب الأعداء الذين هم في الخارج،
لكنه انحدر بسبب الكبرياء الذي استعبده.
بالتواضع اقتني رحمتك!
هَبْ لي روح التواضع، فأقترب إليك.
ألتصق بك كل أيام غربتي.
احفظني إلى النفس الأخير!


الملك مَنَسَّى وابنه آمون


يسرد هذا الأصحاح الشر العظيم الذي ارتكبه الملك مَنَسَّى (687-642 ق.م.، كان شريكًا في العرش منذ 697 ق.م)، وقد جاء الحديث مُطابِقًا كلمة بكلمة بما ورد في (2 مل 21: 1-9).
تمتع حزقيا بعدة إمكانيات من القوة والسلطة والغِنَى (2 أي 27:32-29)، لكن لم تتسبب تلك الأمور في بُعْدِه عن طريق الله ووصاياه. وعلى عكس ذلك نجد مَنَسَّى ابنه الذي تولَّى الحكم كشف المال والسلطة عن خفايا قلبه الداخلية. فالغِنَى المفاجئ لشخص ما عن طريق الميراث أو أي عمل يكشف عن الأغراض والأهداف الدفينة في القلب. هل هو يخدم الله وإخوته ويُتاجر ويربح، أم يخدم نفسه وأنانيته؟
في تاريخ حزقيا رأينا أن الله يخبره بسبي يهوذا إلى بابل كنتيجة لخطية الكبرياء التي سقط فيها. تواضع حزقيا وشعبه أمام هذا الحكم مما جعل الله يؤجِّل تنفيذ القضاء إلى وقتٍ لاحقٍ بعد موت حزقيا. ساء موقف يهوذا في علاقته بالله، واقتيد مَنَسَّى مُقيَّدًا بالسلاسل إلى بابل، حيث كانت في ذلك الوقت تحت سلطان أشور.
ينقسم حكم مَنَسَّى الذي استمر 55 سنة إلى ثلاث مراحل:
1. فترة العبادة الوثنية.
2. سقوطه في السبي.
3. رجوعه من السبي، حيث صرخ مَنَسَّى كما من أعماق الهاوية، وتذلل أمام إله آبائه، واعترف بخطئه، فصار إنسانًا جديدًا.
لم يذكر سفر الملوك سقوطه في السبي ولا توبته واعترافه بخطئه، ربما لأن كثرة شروره وبشاعتها واستمراره في ارتكابه لها مدة طويلة أَثَّرَت على الشعب حتى بعد توبته. تجاهل سفر الملوك قصة توبة مَنَسَّى؛ لكنه لم ينكرها، إنما كان هدف الكاتب إظهار شر الأمة الذي أدى إلى هلاكهم. أما هنا فذُكِرَت توبته في شيءٍ من التفصيل مع تأكيد غِنَى مراحم الله وطول أناته وقوة نعمته واهبة التجديد. يرى البعض أن سفر الملوك يهتم بالحديث عما يمسُّ الشعب، أما أخبار الأيام فما يشغله الحالة الشخصية للملك، لذلك لم يذكر سفر الملوك توبة مَنَسَّى.

* صلاة مَنَسَّى

1. شروره وارتداده عن الله

1 كَانَ مَنَسَّى ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. 2 وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ رَجَاسَاتِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 3 وَعَادَ فَبَنَى الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي هَدَمَهَا حَزَقِيَّا أَبُوهُ، وَأَقَامَ مَذَابحَ لِلْبَعْلِيمِ، وَعَمِلَ سَوَارِيَ وَسَجَدَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ وَعَبَدَهَا. 4 وَبَنَى مَذَابحَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي قَالَ عَنْهُ الرَّبُّ: «فِي أُورُشَلِيمَ يَكُونُ اسْمِي إِلَى الأَبَدِ». 5 وَبَنَى مَذَابحَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ فِي دَارَيْ بَيْتِ الرَّبِّ. 6 وَعَبَّرَ بَنِيهِ فِي النَّارِ فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ، وَعَافَ وَتَفَاءَلَ وَسَحَرَ، وَاسْتَخْدَمَ جَانًّا وَتَابِعَةً، وَأَكْثَرَ عَمَلَ الشَّرِّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ لإِغَاظَتِهِ. 7 وَوَضَعَ تِمْثَالَ الشَّكْلِ الَّذِي عَمِلَهُ فِي بَيْتِ اللهِ الَّذِي قَالَ اللهُ عَنْهُ لِدَاوُدَ وَلِسُلَيْمَانَ ابْنِهِ: «فِي هذَا الْبَيْتِ وَفِي أُورُشَلِيمَ الَّتِي اخْتَرْتُ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ أَضَعُ اسْمِي إِلَى الأَبَدِ. 8 وَلاَ أَعُودُ أُزَحْزِحُ رِجْلَ إِسْرَائِيلَ عَنِ الأَرْضِ الَّتِي عَيَّنْتُ لآبَائِهِمْ، وَذلِكَ إِذَا حَفِظُوا وَعَمِلُوا كُلَّ مَا أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ، كُلَّ الشَّرِيعَةِ وَالْفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ عَنْ يَدِ مُوسَى». 9 وَلكِنْ مَنَسَّى أَضَلَّ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ لِيَعْمَلُوا أَشَرَّ مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 10 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مَنَسَّى وَشَعْبَهُ فَلَمْ يُصْغُوا.

كَانَ مَنَسَّى ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. [1]
وُلِدَ بعد ثلاث سنوات من امتداد عُمْر أبيه حزقيا. هذا يجعل البعض يتساءل: هل كان سبب حزن حزقيا على موته حين جاءه إشعياء يخبره بأنه سيموت، أنه لم يكن لديه ابن يرثه (2 مل 1:20)؟ وفي نفس الوقت يتساءل البعض: إن كان حزقيا لم يكن قد أنجب ابنًا يرثه، كيف قال له إشعياء النبي: "هوذا أيام يحمل فيها كل ما في بيتك... ويؤخذ من بنيك الذين يخرجون منك الذين تلدهم، فيكونون خصيانا في قصر ملك بابل" (2 مل20: 17-18)؟
يمكن القول بأنه إلى يوم مرضه الشديد ومجيء إشعياء إليه يخبره أنه لا يعيش لم يكن قد أنجب ابنًا، وكان النبي يتحدَّث عما سيحدث لأبنائه أنهم يكونون خصيانًا في قصر ملك بابل بروح النبوة، أنه إذ يوهب خمسه عشر عامًا ينجب أبناء، وغالبًا ما كان مَنَسَّى هو الابن الأكبر.
تُرَى هل أهمل حزقيا التقي في تربية ابنه، فصار الابن مدللاً، لا يلتزم في طفولته وصباه بحياة روحية لائقة؟ أم أنه اهتم به، ولكن بعد موت حزقيا انحرف الصبي مَنَسَّى وراء الشهوات وأعطى أذنه لمشيرين أشرار؟
وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ رَجَاسَاتِ الأُمَمِ،
الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. [2]
سلك مَنَسَّى حسب رجاسات الأمم:
أولاً: قام ببناء أو سمح بإعادة بناء المعابد الوثنية في البلاد، مُحَطِّمًا ما فعله حزقيا أبوه.
ثانيًا: قام بتدنيس هيكل الرب نفسه، بإقامة مذابح وثنية في داخله [4-5].
ثالثًا: أعاد تقديم الذبائح البشرية، مُقَدِّمًا أبناءه ذبائح.
رابعًا: انشغل بالسحر والخزعبلات [6].
سُجِّلَت خطايا مَنَسَّى في (2 مل 21: 3-6؛ إر 7: 31)، جاء فيها: "وبنوا مرتفعات توفة التي في مادي ابن هنوم، ليحرقوا بنيهم وبناتهم بالنار الذي لم آمر به ولا صعد على قلبي".
يقف القارئ في ذهول للتحوُّل السريع في جيلٍ واحدٍ، من ملك يُكَرِّس طاقاته للعمل لحساب ملكوت الله إلى ابنه الذي يهدم كل ما فعله والده، ويبذل كل طاقاته للعمل لحساب العبادة الوثنية.
يرى البعض أن خلاص أورشليم في أيام حزقيا بطريقة مفاجئة دون الدخول في معركة جعل البعض يحسبون أن أورشليم لم ولن تسقط يومًا ما مهما كان شر القائد والشعب. على هذا أعطى مَنَسَّى العنان لنفسه للملذات الشهوانية. هذا ما حذَّر منه إرميا النبي (إر 7: 4).
هذا وكان مَنَسَّى قاتلاً وعنيفًا حتى قَدَّمَ أبناءه ذبائح (2 مل 21: 3-11).
كتب يوسيفوس المؤرخ اليهودي عنه: [ذبح بطريقة بربرية كل الأتقياء بين اليهود، ولم يعفِ الأنبياء من ذلك، فكان في كل يومٍ يقتل بعضًا منهم، حتى صارت أورشليم تفيض بالدم.]
أحد الأنبياء المرموقين الذين قتلهم مَنَسَّى هو العظيم إشعياء. جاء في قصة عن استشهاده أن الملك أمر بنشره، وقطع جسمه إلى قطعتين[2].
وَعَادَ فَبَنَى الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي هَدَمَهَا حَزَقِيَّا أَبُوهُ،
وَأَقَامَ مَذَابِحَ لِلْبَعْلِيمِ، وَعَمِلَ سَوَارِيَ،
وَسَجَدَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ وَعَبَدَهَا. [3]
حَطَّم كل الإصلاح الذي قام به حزقيا أبوه، فإن كان حزقيا قد كَرَّسَ حياته لإعادة العبادة لله الحي، جاء ابنه يُكَرِّس حياته لتحطيم عبادة الله ونشر العبادة الوثنية.
وَبَنَى مَذَابِحَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ،
الَّذِي قَالَ عَنْهُ الرَّبُّ فِي أُورُشَلِيمَ يَكُونُ اسْمِي إِلَى الأَبَدِ. [4]
وَبَنَى مَذَابِحَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ فِي دَارَيْ بَيْتِ الرَّبِّ. [5]
وَعَبَّرَ بَنِيهِ فِي النَّارِ فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ،
وَعَافَ وَتَفَاءَلَ وَسَحَرَ.
وَاسْتَخْدَمَ جَانًّا وَتَابِعَةً،
وَأَكْثَرَ عَمَلَ الشَّرِّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ لإِغَاظَتِهِ. [6]
نجَّس بيت الرب بعبادة الأوثان، وعبَّر بنيه في النار للإله ملوك. جعل وسائط الشيطان الشريرة مصادر إرشاده واستشاراته. كان أشبه بالذين يعبدون الشيطان في العصر الحديث.
وَوَضَعَ تِمْثَالَ الشَّكْلِ الَّذِي عَمِلَهُ فِي بَيْتِ الله،
الَّذِي قَالَ الله عَنْهُ لِدَاوُدَ وَلِسُلَيْمَانَ ابْنِهِ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَفِي أُورُشَلِيمَ،
الَّتِي اخْتَرْتُ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ أَضَعُ اسْمِي إِلَى الأَبَدِ. [7]
تمثال الشكل هو تمثال للملك ليعبدوه كإله.
وَلاَ أَعُودُ أُزَحْزِحُ رِجْلَ إِسْرَائِيلَ عَنِ الأَرْضِ الَّتِي عَيَّنْتُ لآبَائِهِمْ،
وَذَلِكَ إِذَا حَفِظُوا وَعَمِلُوا كُلَّ مَا أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ،
كُلَّ الشَّرِيعَةِ وَالْفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ عَنْ يَدِ مُوسَى. [8]
استخف باختيار الرب صهيون مكان راحته إلى الأبد، وإسرائيل شعبه الذي أقام معهم ميثاقًا.
وَلَكِنْ مَنَسَّى أَضَلَّ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ لِيَعْمَلُوا
أَشَرَّ مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. [9]
انحراف مَنَسَّى دفع بالمملكة سريعًا إلى الهاوية للتباين بين حكمه وحُكْمِ أبيه، حتى صارت يهوذا أَشرّ من الأمم.
وَكَلَّمَ الرَّبُّ مَنَسَّى وَشَعْبَهُ، فَلَمْ يُصْغُوا. [10]
لم يصغِ مَنَسَّى وشعبه لصوت الرب. يلاحظ في هذا كله الآتي:
1. أنه ليس بالأمر الغريب ولكنه مُحزِنٌ للغاية أن بعض الأبناء الذين تَرَبُّوا في بيوت مُقَدَّسة وصالحة، يُقاوِمون الله، ويحرمون أنفسهم من نعمته. لذا يليق بالوالدين أن يطلبوا باستمرار أن تعمل نعمة الله في أبنائهم وأحفادهم. إنهم يستطيعون أن يُقَدِّموا لأبنائهم غِنَى وكرامة زمنية، أما التقوى، فتحتاج إلى نعمة الله أن تعمل فيهم.
2. يليق بالكنيسة التي تسلك بالروح أن تطلب بإلحاح من الله ألا تنحرف الأجيال القادمة، بل أن تنمو في الروح، وتكون أكثر روحانية مما هي عليه.

2. توبته ونجاحه

11 فَجَلَبَ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ الجُنْدِ الَّذِينَ لِمَلِكِ أَشُّورَ، فَأَخَذُوا مَنَسَّى بِخِزَامَةٍ وَقَيَّدُوهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى بَابِلَ. 12 وَلَمَّا تَضَايَقَ طَلَبَ وَجْهَ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَتَوَاضَعَ جِدًّا أَمَامَ إِلهِ آبَائِهِ، 13 وَصَلَّى إِلَيْهِ فَاسْتَجَابَ لَهُ وَسَمِعَ تَضَرُّعَهُ، وَرَدَّهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى مَمْلَكَتِهِ. فَعَلِمَ مَنَسَّى أَنَّ الرَّبَّ هُوَ اللهُ. 14 وَبَعْدَ ذلِكَ بَنَى سُورًا خَارِجَ مَدِينَةِ دَاوُدَ غَرْبًا إِلَى جِيحُونَ فِي الْوَادِي، وَإِلَى مَدْخَلِ بَابِ السَّمَكِ، وَحَوَّطَ الأَكَمَةَ بِسُورٍ وَعَلاَّهُ جِدًّا. وَوَضَعَ رُؤَسَاءَ جُيُوشٍ فِي جَمِيعِ الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ فِي يَهُوذَا. 15 وَأَزَالَ الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ وَالأَشْبَاهَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ، وَجَمِيعَ الْمَذَابِحِ الَّتِي بَنَاهَا فِي جَبَلِ بَيْتِ الرَّبِّ وَفِي أُورُشَلِيمَ، وَطَرَحَهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ. 16 وَرَمَّمَ مَذْبَحَ الرَّبِّ وَذَبَحَ عَلَيْهِ ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ وَشُكْرٍ، وَأَمَرَ يَهُوذَا أَنْ يَعْبُدُوا الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ. 17 إِلاَّ أَنَّ الشَّعْبَ كَانُوا بَعْدُ يَذْبَحُونَ عَلَى الْمُرْتَفَعَاتِ، إِنَّمَا لِلرَّبِّ إِلهِهِمْ.

فَجَلَبَ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ ْجُنْدِ مَلِكِ أَشُّورَ،
فَأَخَذُوا مَنَسَّى بِخِزَامَةٍ وَقَيَّدُوهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ،
وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى بَابِلَ. [11]
كلمة "بابل" هنا لا تعني مدينة بابل، وإنما منطقة بابلون، أو بابلونيا Bablonia في الإمبراطورية الأشورية، كانت نينوى في منطقة بابيلون، وهي حاليًا في العراق.
إذ قاوم مَنَسَّى الله نفسه وعبد الأوثان، أَذَلَّه رئيس جيش أشور الوثني. هكذا إن كان عدو الخير يبذل كل الجهد ليغري المؤمنين على الشرِّ، فإنه إذ يسقط المؤمن في الشر، يذله الشر نفسه.
قيل إن لسبي مَنَسَّى قصة، فقد كان ملك أشور غالبًا أشور بانيبال، وكان أخوه يحكم في بابل كنائبٍ عنه. يبدو أن أخاه قام بحركة تمرُّد ضد أشور بانيبال، وكان ذلك غالبًا في عام 648 ق.م. قام أشور بانيبال بإخماد الحركة واشتبه أن مَنَسَّى من بين المشتبه فيهم أن لهم دورًا في حركة التمرُّد، فأراد أن يذلَّه.
لم يأخذ مَنَسَّى في محنته موقف العناد كما فعل آحاز، الذي ضاعف تعدِّيه.
غضب الله حب وحنو!

دُهِشْتُ لعمل الله العجيب؛ فبينما كانت كلمات الفقرات التالية أمامي لأكتب تعليقًا عليها، إذا بأحد الأحباء يتصل بي ليعاتبني لأنني وسط أحاديثي عن تعزيات رب المجد يسوع للكثيرين في أحداث انفجار السيارة المُفَخَّخة ليلة رأس السنة (2011م) أمام كنيسة القديسيْن مار مرقس والبابا بطرس بالإسكندرية والبركات العجيبة التي قدَّمها الله للكنيسة، يلزمنا أن نذكر بأن هذه التجربة دعوة لكل مؤمنٍ ليمارس بحق التوبة، لأن الله يغضب علينا كأولاد لله نتهاون أحيانًا مع الخطية.
غضب الله خاصة نحو كنيسته أو أولاده ليس انتقامًا كانتقام البشر، ولا يصدر عن بغضه، فإن الله كلي الحب لكل البشرية، خاصة للملتصقين به.
تكشف كلمات القديس مار يعقوب السروجي التالية عن سمو غضب الله وعذوبته. فالله يدعونا أن نحمل صورته، ويدعونا أن نسعى بلا توقُّفٍ كل حياتنا "إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله إلى إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح" (أف 4: 13).
يسمح الله بالضيقات لأنها تسندنا بنعمته أن ننضم إلى فئة شبه السمائيين، إن صحَّ لنا القول.
v المجد لك، يا ربي، إذ بكل الوسائل والطرق تُرِيد أن تربح كل من يسمع بتمييزٍ (وتعقلٍ).
بالبرِّ والنعمة، تَتَقَدَّم كطبيبٍ لكل محتاج إلى الصحة.
من هنا يهتم محيي الكل أن يشفي، لأنه قادر أن يحيي كل البشر.
معه الغضب وأيضًا له الغفران؛ الغيرة والحنق؛ موجود فيه السلام والحب.
في جانبٍ واحدٍ يفيض بالعطاء العظيم لسائليه، وفي الجانب الآخر يمنع قطرة (ماء) عن طالبيه.
رحمته تمتزج بالخوف، وأيضًا انتقامه بالحنو العظيم.
يُهَدِّد ويُفَّرح؛ مملوء رحمة وكثير الانتقام.
في جانبٍ واحدٍ دعا اللص ليدخل الفردوس (لو 23: 43)، وفي الجانب الآخر طرد من عنده صانعي القوات (مت 7: 22).
في وقتٍ تَقَبَّل من زانية دموعها (لو 7: 44)؛ وفي وقت آخر منع بنات أورشليم أن يبكين (لو 23: 28).
في موضعٍ أعطى دينارًا للفعلة الآخرين (مت 20: 9)؛ وفي موضع آخر أخرج الكهنة من ملكوته (مت 8: 12).
لم يعرف هؤلاء الذين أخرجوا الشياطين باسمه (مت 7: 22)؛ وللصٍ قال: اليوم تكون معي في الفردوس (لو 23: 43).
دعا واحدًا من العشارين أن يتبعه (مت 9: 9)؛ وآخر زاحم أن يأتي خلفه، ولم يعطه ذلك (مت 8: 19-20).
هذا جميعه لأجل حياة البشر؛ بكل وسيلة لا يسمح أن يهلك ولا واحد من بيت الآب.
خوَّف الصالحين لئلا يستندوا على الافتخار؛ وشَجَّعَ الأشرار لئلا يسقطوا في قطع الرجاء.
بحكمته وَبَّخ أولئك من الكبرياء؛ وبنعمته دعا هؤلاء للتوبة.
قال: إن كنت تصنع قوات وتفتخر لست تعرفني؛ ومن كان عشارًا وفيه حب، فليأتِ إليَّ.
من يخرج الشياطين وينتفخ هو فاعل إثم؛ وإن كانت زانية تبكي فهي خير منه بكثيرٍ.
وضع للمتجاسرين أساس الجحيم؛ وحثَّ المتكاسلين بالفعلة الآخرين.
بساعةٍ واحدةٍ شوَّق هؤلاء للتوبة، وأولئك خوَّفهم حين قال: هوذا الأولون يصيرون آخرين، ويكونون في ملكوت السماوات (مت 20: 16).
أيها الخاطي، لك رجاء عظيم إن كنتَ تتوب؛ وخوَّف البار وأرعبه لئلا يتراخى.
يبدو قاسيًا على الصالحين؛ ويوقظ الغضب على الأبرار.
إنه بسيط مع الأشرار، ومملوء تحنُّنًا على الخطاة...
هذا الطبيب مملوء حكمة، ومع الكل يصير كالكل، وبمهارةٍ يعطي العونَ لكل أحدٍ.
من كان صحيحًا يعطيه طعامًا قويًا، ويُقَدِّم للمرضى كل واحدٍ ما يناسبه.
القديس مار يعقوب السروجي
وَلَمَّا تَضَايَقَ طَلَبَ وَجْهَ الرَّبِّ إِلَهِهِ،
وَتَوَاضَعَ جِدًّا أَمَامَ إِلَهِ آبَائِهِ [12]
جاء في النسخة الكلدانية الإضافة التالية: [إذ صنع الكلدانيون بغلاً نحاسيًا، وكان مملوءًا ثقوبًا، ووضعوه في داخله، أشعلوا نارًا حوله، وإذ كان في هذا البؤس، طلب عونًا من الأصنام التي صنعها، لم ينل شيئًا، إذ لا تنفع في شيءٍ. لذلك تاب، وصَلَّي أمام الرب إلهه، وتواضع جدًا في عيني الرب إله آبائه[4].]
قدم مَنَسَّى توبة، وأصلح من طرقه، لكن بقيت آثار الشرور التي مارسها لمدة طويلة وسط الرؤساء والشعب، حتى عندما قام يوشيا الملك بإصلاحاته فيما بعد لم يستطع أن يُغَيِّرَ مصير أورشليم وسقوطها أمام البابليين. وحُسِبَ هذا الانهيار أو السبي البابلي بسبب خطايا مَنَسَّى (2 مل 24: 3).
استجاب الله لتوبة مَنَسَّى بالرغم من كثرة شروره، ومرارة آثارها على الرؤساء والشعب، ذلك لأن توبته جاءت حسب مَسَرَّة الله، إذ قيل هنا:
1. طلب الرب [12]: قد يعترف الإنسان بشرِّه مثل يهوذا بعدما خان السيد المسيح، لكنه لم يطلب الرب. فالعنصر الرئيسي في التوبة ليس معرفة خطايانا واعترافنا بها فحسب، وإنما يلزم تقديم الجانب الإيجابي وهو الشوق نحو الرجوع إلى الرب والالتصاق به وخدمته. هذا ما نلمسه في توبة بطرس الرسول بعد جحده للرب. وها نحن نلمسه هنا مع مَنَسَّى.
2. التواضع أمام الرب [12] فإن الرب قريب من المتواضعين.
3. الصلاة لله [13]، فطلب الرب من كل القلب والتواضع أمامه زكياه أمام الله بالصلاة إليه.
v ليس هناك من يحزننا مثل ذلك الساقط في الخطية، الذي يتذكَّر خطاياه ليتلذذ بالأمور الجسدية الأرضية، بدلاً من أن ينشغل ذهنه بسبل معرفة الله الجميلة!
فآدم أخفى نفسه عندما عرف بحضور الله. راغبًا في الاختباء عندما دعاه الله بذلك الأمر الذي جرح به نفسه (عدم ملاقاة الرب)، قائلاً: "آدم أين أنت؟" (تك 3: 9). بمعنى "أين تخفي نفسك؟ لماذا تختبئ؟ لماذا تهرب من الله الذي كنت تتوق إلى رؤيته؟!
القديس أمبروسيوس
v كما أن الأرض لا تعطي ثمارا بغير بذار... هكذا الإنسان لا يستطيع أن يصنع توبة بغير التواضع وتعب الجسد.
القديس إشعياء الإسقيطي
v الصلاة الممتدَّة والدموع الغزيرة تجتذبان الله للرحمة.

العلامة أوريجينوس
v سبيلنا نحن أيضًا أن نتوسل إلى الله، لكي يُجَرِّدَنا من الإنسان العتيق ويلبسنا المسيح السماوي... لأن الرب عندما شاء أن يشبعنا بذوق ملكوته قال: بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا (يو 15: 5).
يجب على كل واحدٍ منا أن يغصب نفسه على التوسل إلى الله، لكي يُحسَب أهلاً لنوال كنز الروح السماوي، لكي يقدر بلا تعبٍ وصعوبة أن يُتَمِّمَ وصايا الرب كلها بطهارة وبدون عيب.
القديس مقاريوس الكبير
وَصَلَّى إِلَيْهِ، فَاسْتَجَابَ لَهُ وَسَمِعَ تَضَرُّعَهُ،
وَرَدَّهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى مَمْلَكَتِهِ.
فَعَلِمَ مَنَسَّى أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الله. [13]
لا نعلم المدة التي قضاها في السبي، ولا كيف عاد من السبي.
اقتبس آدم كلارك إضافة غالبًا من النسخة الكلدانية حيث واضح أنها تكملة للإضافة السابقة في (ع 12). [إذ كان يصلي هكذا (وهو في البغل النحاسي) خرج كل الملائكة الرؤساء إلى أبواب الصلاة التي في السماء، وأغلقوا كل أبواب الصلاة وكل النوافذ والمنافذ التي للسماء، لئلا تُسمَع صلاته. للحال تحرَّكت مراحم خالق العالم، الذي يبسط يمينه لاستقبال الخطاة الذين يتحوَّلون إلى مخافته، والذين تنسحق رغبات قلوبهم بالتوبة. عندئذ صنع نافذة في السماء تحت عرش مجده وسمع صلاته، وقبل طلبته بحنوٍ. وعندما هَزَّت كلمة الرب الأرض، انفجر البغل وهرب (الملك). عندئذ خرج الروح من بين أجنحة الكاروبيم الذين أوحي لهم خلال مرسوم كلمة الرب، عاد إلى مملكته في أورشليم. عندئذ عرف مَنَسَّى أن الرب الإله هو الذي صنع هذه العجائب والآيات، وعاد إلى الرب بكل قلبه. ترك مَنَسَّى كل أصنامه، ولم يعد يعبدها بعد.]
هذه الإضافة وإن أبرزت حنو الله غير أنها لا تتفق مع نظرة الكتاب المقدس نحو القوات السماوية التي تشتهي خلاص البشرية، وتُسَبِّح الرب المُخَلِّص من أجل محبته للبشر.
سمح الله بمذلة مَنَسَّى في صورة مُرَّة، لئلا يذهب إلى بابل بدون مَذَلَّة، فيعبد آلهة البابليين. راجع مَنَسَّى نفسه، وأدرك أن الآلهة التي تعبَّد لها عاجزة عن مساعدته، وأنه لا طريق للخلاص إلا بالرجوع إلى الله الحيّ بالتوبة والتواضع.
أما ثمار توبته فهي:
1. عَلِمَ مَنَسَّى أن الرب هو الله [13]. ما لم يستطع أن يَتَعَلَّمَه من والده التقي وهو في القصر الملكي مُدَلَّلاً، أدركه وهو مُقَيَّد بسلاسل من نحاس وممسوك بخزامة، يعيش في بابل في مَذَلَّة.
2. اهتم ببناء أسوار لمدينته [14]، كما بَنَى أسوار عالية لأعماقه لحفظها من العدو غير المنظور.
3. أزال الآلهة الغريبة وطرحها خارج المدينة [15]، وقال لها: "اخرجي" (إش 33: 22).
4. عاد إلى عبادة الله الحيّ "ورَمَّم مذبح الرب" [16]، الذي أُهمِلَ لمدة طويلة أو قام كهنة الأوثان بتكسيره. وذبح عليه ذبائح سلامة وشكر. صار يشكر الله على خلاصه.
كما سبق أن أَضَلَّ شعبه، ودفعهم لعبادة الأوثان، بعد توبته "أمر يهوذا أن يعبدوا الرب إله إسرائيل" [16]. استطاع أن يُبْعِدَهم عن الآلهة الكاذبة، لكنهم استمرُّوا يعبدون الرب على المرتفعات [17].
يقول عنه يوسيفوس أنه في كل بقية حياته تغيَّر إلى الأفضل، ونُظِرَ إليه كرجلٍ مبارك.
vأبناؤنا الأحباء، لقد سمعنا كيف عاقبه الرب الإله إلى حين ذاك الذي أدمن الوثنية، وذبح أشخاصًا أبرياء كثيرين، ومع هذا قبله عندما تاب، وغفر له معاصيه، ورَدَّه إلى مملكته. فإنه ليس فقط يغفر للتائبين، بل ويردّهم إلى كرامتهم السابقة.
الدسقولية
v كانمَنَسَّى شريرًا إلى أبعد حد (2 مل 21: 2-7). لقد نشر إشعياء ومَزَّقه، وتَدَنَّس بكل العبادات الوثنية، ولطخ أورشليم بدم الأبرياء. لكنه عندما أُسِرَ، استخدم خبرته في محنته مستعينًا بالتوبة كعلاج، إذ يقول الكتاب عنه إنه تواضع جدًا أمام الرب، وصَلَّى إليه، فاستجاب له، ورَدَّه إلى مملكته (2 أي 33: 12). فإن كانت التوبة قد أنقذت مَنْ نَشَرَ النبي ومَزَّقه، أفما تُخَلِّصك أنت يا من لم ترتكب مثل هذا الشر العظيم؟!
القديس كيرلس الأورشليمي
v ينصت الآب إليك وأنت تتكلم في داخل نفسك، ويسرع لمقابلتك. عندما تكون لا تزال بعيدًا يراك ويركض.
إنه ينظر ما في داخل قلبك، ويُسرِع حتى لا يؤخرك أحد، بل ويحتضنك.
"مقابلته لك" هي سبق معرفته، و"احتضانه لك" هو إعلان رحمته، وتعبير عن حُبِّه الأبوي.
يقع على عنقك لكي يُقِيمَك أنت الساقط تحت ثقل الخطايا، ولكي يُرجعك إلى السماء إذ اتجهت إلى الأرض، فتطلب خالقك.
يقع المسيح على عنقك، لكي يُخَلِّصَ عنقك من نير العبوديَّة، فيحملك نيره الهَيِّن (مت 11: 30)...
يقع على عنقك بقوله: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم، احملوا نيري عليكم" (مت 11: 28). هكذا يحتضنك الرب عندما تتوب.
القديس أمبروسيوس
v أيها الحق الكلي القداسة، كيف أُغَنِّي لك!
لقد نذرت هذا اليوم أن يكون عيدًا لك.
لكنني أنا معتم قبل أن يَحِلَّ الليل.
بالتأكيد أُقَدِّم صلاتي، لكنني أحسب أنني قادر على حفظ شعاع مصباحك في هذا الشعاع الخالي من العيوب، والبهي.
لكن قدمي قد زلَّت، وإذ سقطتُ أرضًا جاء عدوي المُظْلِم، وسلبني لهيب السماء!
أَعِنْ ظلمتي، حتى أصير يا رب نورًا!
القديس غريغوريوس النزينزي
vيا ابن الله افتح لي بحُبِّك الباب العظيم؛ أنت هو الباب وطريق الحياة للسائرين فيك.
أيها الصاحب (الصديق) الصالح، معك أسير إلى الذي أرسلك؛ لأن الشرير بالتصاقه بالعالم صحبه كثيرون.
بك أَتَقَدَّم للحديث معك، يا مُعَلِّم الحياة، لأن بدونك لا يستطيع إنسان أن ينظر أبيك.
القديس مار يعقوب السروجي
وَبَعْدَ ذَلِكَ بَنَى سُورًا خَارِجَ مَدِينَةِ دَاوُدَ غَرْبًا إِلَى جِيحُونَ فِي الْوَادِي،
وَإِلَى مَدْخَلِ بَابِ السَّمَكِ،
وَحَوَّطَ الأَكَمَةَ بِسُورٍ وَعَلاَّهُ جِدًّا.
وَوَضَعَ رُؤَسَاءَ جُيُوشٍ فِي جَمِيعِ الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ فِي يَهُوذَا. [14]
ربما أعاد بناء نقط الضعف في السور وقَوَّاها، وكان قد قام الأشوريون بهدمها.
وَأَزَالَ الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ وَالصَّنَمَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ،
وَجَمِيعَ الْمَذَابِحِ الَّتِي بَنَاهَا فِي جَبَلِ بَيْتِ الرَّبِّ وَفِي أُورُشَلِيمَ،
وَطَرَحَهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ. [15]
قام بكل ما في استطاعته أن يفعله من إزالة الأصنام التي أقامها والده، وتطهير العبادة لله الحقيقي. لقد طرح ما يمت للعبادة الوثنية خارج المدينة، وكان يلزمه تدميرها. لكن للأسف أعادها ابنه فيما بعد.
وَرَمَّمَ مَذْبَحَ الرَّبِّ وَذَبَحَ عَلَيْهِ ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ وَشُكْرٍ،
وَأَمَرَ يَهُوذَا أَنْ يَعْبُدُوا الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ. [16]
إِلاَّ أَنَّ الشَّعْبَ كَانُوا بَعْدُ يَذْبَحُونَ عَلَى الْمُرْتَفَعَاتِ،
إِنَّمَا لِلرَّبِّ إِلَهِهِمْ. [17]
جاء في الترجوم: [مع ذلك ذبح الشعب على المرتفعات، ولكن فقط لاسم كلمة الرب إلههم.]

3. ختام مُلْكِه

18 وَبَقِيَّةُ أُمُورِ مَنَسَّى وَصَلاَتُهُ إِلَى إِلهِهِ، وَكَلاَمُ الرَّائِينَ الَّذِينَ كَلَّمُوهُ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ، هَا هِيَ فِي أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. 19 وَصَلاَتُهُ وَالاسْتِجَابَةُ لَهُ، وَكُلُّ خَطَايَاهُ وَخِيَانَتُهُ وَالأَمَاكِنُ الَّتِي بَنَى فِيهَا مُرْتَفَعَاتٍ وَأَقَامَ سَوَارِيَ وَتَمَاثِيلَ قَبْلَ تَوَاضُعِهِ، هَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي أَخْبَارِ الرَّائِينَ. 20 ثُمَّ اضْطَجَعَ مَنَسَّى مَعَ آبَائِهِ فَدَفَنُوهُ فِي بَيْتِهِ، وَمَلَكَ آمُونُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.

وَبَقِيَّةُ أُمُورِ مَنَسَّى وَصَلاَتُهُ إِلَى إِلَهِهِ،
وَكَلاَمُ الرَّائِينَ الَّذِينَ كَلَّمُوهُ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ،
هِيَ فِي أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. [18]
كلام الرائيين الذين كَلَّموه باسم الرب إله إسرائيل: جاء في الترجوم: [التي قيلت له باسم كلمة الرب إله إسرائيل.]
يبدو أن بعد توبته أراد أن يشهد لله عن طول أناته ورحمته، فأرسل اعترافه إلى الرائيين (الأنبياء) الذين "كَلَّموه باسم الرب". أراد أن يُفَرِّح قلوب الأنبياء الذين سبقوا ووَبَّخوه على ما كان يفعله ولم يسمع لهم زمانًا طويلاً.
وَصَلاَتُهُ وَالاِسْتِجَابَةُ لَهُ وَكُلُّ خَطَايَاهُ وَخِيَانَتُهُ،
وَالأَمَاكِنُ الَّتِي بَنَى فِيهَا مُرْتَفَعَاتٍ، وَأَقَامَ سَوَارِيَ وَتَمَاثِيلَ قَبْلَ تَوَاضُعِهِ،
مَكْتُوبَةٌ فِي أَخْبَارِ الرَّائِينَ. [19]
v ارتكب مَنَسَّى رجاسات بلا عدد، ومَدَّ يده ضد القديسين، وأدخل الرجاسات إلى الهيكل، وملأ المدينة بالقتلى، وصنع أمورًا أخرى تَعَدَّت كل حدود، ومع هذا بعد كل هذا الشر العظيم والمستمر، غسل نفسه من كل هذه الأشياء. كيف؟ وبأية طريقة ؟ بالتوبة!
القديس يوحنا الذهبي الفم
ثُمَّ اضْطَجَعَ مَنَسَّى مَعَ آبَائِهِ
فَدَفَنُوهُ فِي بَيْتِهِ وَمَلَكَ آمُونُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [20]
كثيرًا ما يُظهِر الله مصادقته للملك أو عدم رضاه عنه خلال دفنه:
1. دُفِنَ كثير من ملوك يهوذا في مدينة داود في مقابر الملوك، وليسوا دائمًا الأفضل من غيرهم.
2. حُرِمَ البعض من هذا المدفن، إذ قيل عن يوآش الذي قَتَلَ الكاهن زكريا بن يهوياداع: "فدفنوه في مدينة داود، ولم يدفنوه في قبور الملوك" (2 أخ 24: 25).
3. دُفن عُزِّيا أو عزريا في حقل المقبرة التي للملوك، لأنهم قالوا إنه أبرص، لأنه حاول اقتحام العمل الكهنوتي الذي لا يحق له (2 أخ 26: 23).
4. آحاز المرتد عن الإيمان "دفنوه في المدينة في أورشليم، لأنهم لم يأتوا به إلى قبور ملوك إسرائيل" (2 أخ 28: 27).
5. مَنَسَّى دُفِنَ في بيته [20] أو في بستان بيته كما جاء في الملوك (2 مل 21: 18). يبدو انه اختار هذا بنفسه، إذ شعر في أعماقه أنه غير مستحق أن يُدفَنَ في المقابر الملكية.
6. الأربعة ملوك الذين في نهاية ملوك يهوذا ثلاثة منهم (يهوآحاز ويهوياكين وصدقيا) ماتوا في مصر أو في بابل. ويهوياكين تحقق فيه القضاء المُعلَن في إرميا: "وتكون جثته مطروحة للحر نهارًا، وللبرد ليلاً" (إر 30:36).

4. الملك آمون وشروره

21 كَانَ آمُونُ ابْنَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ سَنَتَيْنِ فِي أُورُشَلِيمَ. 22 وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ كَمَا عَمِلَ مَنَسَّى أَبُوهُ، وَذَبَحَ آمُونُ لِجَمِيعِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي عَمِلَ مَنَسَّى أَبُوهُ وَعَبَدَهَا. 23 وَلَمْ يَتَوَاضَعْ أَمَامَ الرَّبِّ كَمَا تَوَاضَعَ مَنَسَّى أَبُوهُ، بَلِ ازْدَادَ آمُونُ إِثْمًا. 24 وَفَتَنَ عَلَيْهِ عَبِيدُهُ وَقَتَلُوهُ فِي بَيْتِهِ. 25 وَقَتَلَ شَعْبُ الأَرْضِ جَمِيعَ الْفَاتِنِينَ عَلَى الْمَلِكِ آمُونَ، وَمَلَّكَ شَعْبُ الأَرْضِ يُوشِيَّا ابْنَهُ عِوَضًا عَنْهُ.

كَانَ آمُونُ ابْنَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ سَنَتَيْنِ فِي أُورُشَلِيمَ. [21]
وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ كَمَا عَمِلَ مَنَسَّى أَبُوهُ،
وَذَبَحَ آمُونُ لِجَمِيعِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي عَمِلَ مَنَسَّى أَبُوهُ وَعَبَدَهَا. [22]
أخطأ مَنَسَّى الملك، لأنه عندما تاب نزع الأوثان وألقاها خارج المدينة، ولم يقم بحرقها أو سحقها كما طلبت الشريعة (تث 7: 5). لذلك لما ملك آمون عرف أن يجدها، وقام حالاً بنصبها وتقديم ذبائح لها.
وَلَمْ يَتَوَاضَعْ أَمَامَ الرَّبِّ كَمَا تَوَاضَعَ مَنَسَّى أَبُوهُ،
بَلِ ازْدَادَ آمُونُ إِثْمًا. [23]
عاد إلى ما فعله أبوه قبل توبته، فأعاد تأسيس العبادة الوثنية، ولم يتواضع مثل أبيه، بل ازداد إثمًا [33].
قُتِلَ في بيته ولم يذكر أخبار الأيام أين دُفِنَ. جاء في (2 مل 21: 26) أنه دُفِنَ مثل أبيه في بستان عُزِّيا.
كان الشر متغلغلاً في قلب آمون حتى بعد توبة أبيه، لهذا ففي فترة سنتين "ازداد آمون إثمًا" عمَّا فعله أبوه.
لم يُقَدِّم آمون توبة في تواضعٍ كما فعل أبوه [23]. ربما وضع آمون في قلبه أن يتوب في أواخر أيامه مثل أبيه، فإن أباه حكم خمسة وخمسين عامًا، بينما قُتِلَ آمون بعد سنتين من استلامه الحكم.
وَفَتَنَ عَلَيْهِ عَبِيدُهُ وَقَتَلُوهُ فِي بَيْتِهِ. [24]
وَقَتَلَ شَعْبُ الأَرْضِ جَمِيعَ الْفَاتِنِينَ عَلَى الْمَلِكِ آمُونَ،
وَمَلَّكَ شَعْبُ الأَرْضِ يُوشِيَّا ابْنَهُ عِوَضًا عَنْهُ. [25]

صلاة مَنَسَّى

وردت صلاة مَنَسَّى في الترجمة السبعينية تحت عنوان "صلاة مَنَسَّى ملك يهوذا أثناء سبيه في بابل"، وهي تُقرَأ أو يُسَبَّح بها في ليلة أبوغالمسيس، جاء فيها:
"أنت يا رب لم تجعل التوبة للصديقين إبراهيم وإسحق ويعقوب، هؤلاء الذين لم يخطئوا إليك. بل جعلت التوبة لمثلي أنا الخاطي.
لأنني أخطأت أكثر من عدد رمل البحر".
اعترف بخطيته وبشاعتها، وصَلَّى:
"أطلب إليك يا رب اغفر لي، ولا تهلكني بآثامي".
يدعو الله: "أنت إله التائبين"، ويختم صلاته: "فأُسَبِّحك كل أيام حياتي".
لقد أَدَّت الضيقة غرضها، فقدم مَنَسَّى التوبة بأمانة، لذلك: "استجاب له، وسمع تضرعه، ورَدَّه إلى أورشليم إلى مملكته". ففيه "أظهر الله كل أناة" (1 تي 1: 16؛ إش 1: 18).

من وحي 2 أي 33

أبواب حُبِّك مفتوحة لكل خاطي

v لك المجد يا مُخَلِّصي الصالح!
تركت مَنَسَّى الشرير يحكم خمسة وخمسين عامًا.
أَطلتَ أناتك عليه، حتى يرجع إليك.
كَرَّس كل طاقاته لنشر عبادة الأصنام.
نَجَّس بيتك المقدس ومذبحك الطاهر.
أقام لنفسه تمثالاً في بيتك،
وكأنه يود أن يجلس على عرشك الإلهي.
قَدَّم من أبنائه ذبائح للشياطين.
سَلَّم من أبنائه للحرق، حاسبًا هذا عبادة!
مارس بوحشية ما لا تفعله الحيوانات المفترسة.
v جلب عليه شره مرارةً لا تُحتَمَل.
سيق كحيوانٍ إلى أرض السبي.
وعاش في ذلٍ وعارٍ.
سمحت له بالتأديب ليس انتقامًا لما فعله،
إنما كمشرط في يد طبيبٍ.
تطلب شفاءه وخلاصه ومجده الأبدي!
v حين تحرَّكَ قلبه بالتوبة، تحرَّكت السماء متهللة،
لم تحتمل تنهُّدات قلبه ودموعه.
غفرت له كل ما فعله.
أَعَدته إلى مملكته في أورشليم.
فتحتَ يا مُخَلِّصي باب الرجاء لكل الخطاة.
من لا يرجع إليك يا غافر الخطية، ليتطهر بدمك الثمين؟
من لا يُسَبِّحك يا من تعدُّ لنا الأمجاد؟!
_____

إصلاحات يوشيا الملك

2 أخبار الأيام 34-35
من بين العشرين ملكًا ليهوذا تسعة عشر ملكًا وعثليا الملكة، يمكن أن يقال إنه يوجد فقط ثمانية ملوك يُدعَون صالحين، وإن كان بعضهم صارت لهم أخطاء جسيمة. هؤلاء الثمانية هم آسا، ويهوشافاط، ويوآش، وأمصيا، وعزيا (عزريا)، ويوثام، وحزقيا، ويوشيا.
أما يوشيا فيُعتبَر أحد عظماء ملوك يهوذا المُصلِحين وآخرهم، قَدَّمه إرميا مثلاً كان يليق بخلفائه أن يقتدوا به، قائلاً عنه: "أما أكل أبوك وشرب وأجري حقًا وعدلاً، حينئذ كان له خير. قضى قضاء الفقير والمسكين، حينئذ كان خير. أليس ذلك معرفتي، يقول الرب؟" (إر 22: 15-16).
من العجيب أن الله يسمح بحركة إصلاح قبل السبي بفترة قصيرة، بعد حكمي مَنَسَّى وآمون، اللذيْن أغرقا يهوذا في الوثنية والخطية. أراد أن يُعطِي رجاءً، أنه في كل العصور يوجد خلاص لكل من يطلب أن يرجع إليه.
جاء عصر يوشيا الذي يُعتبَر آخِر ضوء تبعثه الشمعة الأخيرة التي كادت أن تنطفئ، يتبعها ليل طويل حالك السواد، حتى يأتي الملك الحقيقي، يُشرِق بنور برِّه على الجالسين في الظلمة.
تبقى حياة الملك يوشيا صورة مبهجة تملأ النفس رجاءً، فقد وُلِدَ من أبٍ شريرٍ وعن جدٍ شريرٍ، وفي جو ديني فاسد، وفي قصر ملوكي مُنْحَل بالفساد، وتسلَّم كرسي العرش في الثامنة من عمره تحت وصاية أناسٍ لا يبالون بما هو لله. ومع هذا فقد التصق بالرب، وبدأ حركة الإصلاح على مستوى الهيكل وكل يهوذا وحتى إسرائيل قدر استطاعته.
لقد سمح الله بظهور هذه الشخصية قبل دمار يهوذا وإسرائيل تمامًا ليختبر الشعب والقادة سنوات مجيدة تكون شاهدة عليهم بأنهم كانوا قادرين على اختيار طريق الرب.

اتَّسم عصره بالأمور الهامة التالية:
1. انهيار أشور تدريجيًا أعطى فرصة ليوشيا أن يبدأ بالاستقلال والتحرير من أشور.
2. اهتمامه بترميم الهيكل أَدَّى به إلى اكتشاف سفر الشريعة في السنة الثامنة عشرة من حُكْمِه (2 مل 22: 3). وقراءة السفر قاد إلى تجديد العهد بين الملك وكل الشعب مع الله.
3. الاحتفال بعيد الفصح.

اَلأَصْحَاحُ الرَّابِعُ وَالثَّلاَثُونَ
الملك يوشيا

وُلد عام 648 ق.م، وتَوَلَّى العرش سنة 640 ق.م (حتمًا كان تحت الوصاية)، وصار أبًا في السادسة عشرة من عمره (2 أخ 36: 2). في عام 628 ق.م صارت المملكة بين يديه، وقام بالإصلاحات الدينية [3-7]. ويلاحظ في إصلاحاته الآتي[2]:
1. نزع الآلهة الكنعانية، وكانت قد نزعت الآلهة الأشورية بواسطة الملك منسّى (2 أخ 33: 15).
2. امتدَّ إصلاحه إلى أسباط مَنَسَّى وإفرايم وشمعون، فطهَّر أراضيها من الأوثان. استطاع أن يفعل هذا، لأن أشور بدأت تضعف عسكريًا، ولم تعد تستطيع أن تقترب من أورشليم. فقد مات آخر إمبراطور أشوري قوي آشوربانيبال Assurbanipal (668-633 ق.م) ولم يعد أحد من خلفائه قادرًا على تهديد الجانب الغربي من الهلال الخصيب. اقترب وقت ثورة نبوخذنصر البابلي على أشور (626-605 ق.م). سقطت أشور أمام بابل في 614 ق.م، ونينوى في عام 612 ق.م، وحاران في عام 610 ق.م، ولم يعد لأشور المُرعِبة كيان بعد.
كان إرميا النبي وراء إصلاحات يوشيا، فقد وُلِدَ عام 640 ق.م نفس السنة التي استلم فيها يوشيا العرش، وتَسلَّم النبوة بعد اكتشاف سفر الشريعة وكان عُمْرُ إرميا 18 سنة عند اكتشاف السفر، ولذلك اشتكى إرميا بأنه وَلَدٌ عاجز عن القيام بالعمل النبوي (إر 1: 6).
ارتبطت إصلاحات الهيكل باكتشاف سفر الشريعة. يقول الدارسون منذ العصور الآبائية إنه سفر التثنية أو جزء مُعَيَّن منه.


1. شخصية يوشيا الملك

كَانَ يُوشِيَّا ابْنَ ثَمَانِيَ سِنِينَ حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ إِحْدَى وَثَلاَثِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. [1]
وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ،
وَسَارَ فِي طُرُقِ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَلَمْ يَحِدْ يَمِينًا وَلاَ شِمَالاً. [2]

سار يوشيا في "طرق داود أبيه"، قيل هذا عن اثنين من أجداده العظام وهما يهوشافاط وحزقيا. يعني هذا التعبير أن هؤلاء الملوك كانوا يضعون أمام أعينهم أبيهم داود نموذجًا لهم في محبته المخلصة للرب ولشعبه، وفي عبادته المتهللة بالروح.
مع استقامة قلب الملك، غير أن الشعب لم يكن قلبه مستقيمًا. ففي عصره قال إرميا عن مملكة يهوذا: "لم ترجع إليَّ أختها الخائنة يهوذا بكل قلبها، بل بالكذب يقول الرب" (إر 3: 10).
لم يكن غير مبالٍ بالحياة المقدسة، وفي غيرته لم يتعدَّى حدوده، بهذا لم ينحرف يمينًا في برٍ ذاتي واعتداد بذراعه البشري، ولا شمالاً بتهاونه وتراخيه مع الشر. سار في الطريق الملوكي الذهبي. عمل المستقيم في عينيّ الرب، لكنه كطفلٍ صغيرٍ ترك تدبير الأمور في أيدي آخرين.
"لم يحد يمينًا ولا يسارًا"، لأن عيني قلبه لم تتطلعا من حوله يمينًا أو يسارًا ولا خلفه، ينسى ما هو وراء، ويمتد إلى قدام (في 3: 13)، كان يتطلع إلى فوق، يطلب السماوي. وكما يقول الرسول: "إن كنتم قد قمتم مع المسيح، فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله " (كو 3: 1).
v رقص بولس روحيًا عندما امتد إلى قدام من أجلنا، ونسي ما هو وراء، واضعًا هدفه قدامه، طالبًا نوال مكافأة المسيح... هذا الرقص يصحبه الإيمان، وترافقه النعمة.
القديس أمبروسيوس

v كان يركض على الأرض، والمكافأة متدليّة من السماء. إذن ركض على الأرض، وصعد بالروح. انظروا فإنه يبسط نفسه إلى خارج، انظروا إنه مُتعلِّق بالمكافأة.
v إن كنت مكتفيًا، فأنت مفقود. تقدَّم، احتفظ بالتقدُّم. لا تقف في ذات الموضع، ولا ترجع إلى الوراء، ولا تخرج من الطريق.
القديس أغسطينوس
v يليق بنا حتى إن أوكل إلينا أقل الأعمال أن نمارسها بغيرةٍ عظيمةٍ وحبٍ، عالمين أن ما يُصنَع بالله ليس تافهًا، بل يقابله ملكوت السماوات.
القديس باسيليوس الكبير




2. غيرته لإبادة الأوثان

3 وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ مُلْكِهِ إِذْ كَانَ بَعْدُ فَتًى، ابْتَدَأَ يَطْلُبُ إِلهَ دَاوُدَ أَبِيهِ. وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَشَرَةَ ابْتَدَأَ يُطَهِّرُ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ مِنَ الْمُرْتَفَعَاتِ وَالسَّوَارِي وَالتَّمَاثِيلِ وَالْمَسْبُوكَاتِ. 4 وَهَدَمُوا أَمَامَهُ مَذَابحَ الْبَعْلِيمِ، وَتَمَاثِيلَ الشَّمْسِ الَّتِي عَلَيْهَا مِنْ فَوْقُ قَطَعَهَا، وَكَسَّرَ السَّوَارِيَ وَالتَّمَاثِيلَ وَالْمَسْبُوكَاتِ وَدَقَّهَا وَرَشَّهَا عَلَى قُبُورِ الَّذِينَ ذَبَحُوا لَهَا. 5 وَأَحْرَقَ عِظَامَ الْكَهَنَةِ عَلَى مَذَابِحِهِمْ وَطَهَّرَ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ. 6 وَفِي مُدُنِ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ وَشِمْعُونَ حَتَّى وَنَفْتَالِي مَعَ خَرَائِبِهَا حَوْلَهَا 7 هَدَمَ الْمَذَابحَ وَالسَّوَارِيَ وَدَقَّ التَّمَاثِيلَ نَاعِمًا، وَقَطَعَ جَمِيعَ تَمَاثِيلِ الشَّمْسِ فِي كُلِّ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ.

وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ مُلْكِهِ، إِذْ كَانَ بَعْدُ فَتىً،
ابْتَدَأَ يَطْلُبُ إِلَهَ دَاوُدَ أَبِيهِ.
وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَشَرَةَ ابْتَدَأَ يُطَهِّرُ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ،
مِنَ الْمُرْتَفَعَاتِ وَالسَّوَارِي وَالتَّمَاثِيلِ وَالْمَسْبُوكَاتِ. [3]
واضح أن نبوات إرميا المبكرة (إر 2-3) كانت متزامنة مع مجهودات يوشيا الأولى في اقتلاعه وإبادته للوثنية، وقد جاءت هذه النبوات تسنده في عمله هذا[6].
بدأت النبوات بكلمات تشجيع يُوجِّهها الرب لشعبه بكونه يُمَثِّل العروس المخطوبة له، وأنه لا ينسى غيرة صباها ومحبتها له وذهابها ورائه في البرية (إر 2:1-2). وأن الله يتطلع إلى إسرائيل بكونه قدسًا للرب (إر 3:2). وأما في عتابه، فيوضِّح الآتي:
1. لم تستبدل أُمةٌ ما آلهتها، أما إسرائيل فسرعان ما يستبدل إلهه الحقيقي المُحِب والعامل لحساب شعبه بأصنام ميتة (إر 11:2).
2. ارتكب شعبه شرِّيْن: الأول إنه ترك إلهه الينبوع الحي، والثاني نقر لنفسه آبارًا لا تضبط ماءً (إر 13:2).
أدرك يوشيا الفساد الذي تعيش فيه يهوذا على مستوى القصر الملكي ورجال الدولة والقادة الدينيين، فابتدأ يطلب إله داود أبيه. طلبه في سنه المُبَكِّر، لأن من يبكر إلى الرب يجده (أم 8: 17).
لم يستطع يوشيا أن يبدأ الإصلاح إلا في الثانية عشرة من استلامه العرش، وهو بعد فتى حيث بلغ العشرين من عمر، حيث رُفِعَت عنه الوصاية، وأمسك بزمام الحُكْم كله في يديه. هكذا يليق بالشباب أن يطلب الرب في سنٍ مبكر ما استطاعوا.
إن كان الملك منسى قد أزال الأصنام، فإن يوشيا لم يقف عند إزالتها، بل قام بتكسيرها وسحقها ورشها على قبور الذين ذبحوا لها، حتى لا يبقى لها أية أثار، ولكي يدرك الكل أن الذين ذبحوا للأوثان لم ينالوا سوى التراب الدنس الذي من سحق التماثيل.
وَهَدَمُوا أَمَامَهُ مَذَابِحَ الْبَعْلِيمِ وَتَمَاثِيلَ الشَّمْسِ الَّتِي عَلَيْهَا مِنْ فَوْقُ،
قَطَعَهَا وَكَسَّرَ السَّوَارِيَ وَالتَّمَاثِيلَ وَالْمَسْبُوكَاتِ،
وَدَقَّهَا وَرَشَّهَا عَلَى قُبُورِ الَّذِينَ ذَبَحُوا لَهَا. [4]
كم من المرات هُدِمَت مذابح البعليم، لكن للأسف كلما ارتدَّ ملك إلى الوثنية وجد في القادة الدينيين والسياسيين، وفي الشعب رغبة حارة وقوية لإقامة مذابح وثنية وتماثيل وسواري.
لم يطرح التماثيل خارج المدينة كما سبق ففعل جده مَنَسَّى عند توبته، وإنما قام بتكسيرها وسحقها كالتراب. بغيرته كان له تأثير لا في يهوذا وأورشليم فقط، وإنما حتى في بعض مدن إسرائيل.
وَأَحْرَقَ عِظَامَ الْكَهَنَةِ عَلَى مَذَابِحِهِمْ،
وَطَهَّرَ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ. [5]
أمر بحرق عظام كهنة الأوثان (2 مل 23: 5).
وَفِي مُدُنِ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ وَشَمْعُونَ إلى نَفْتَالِي مَعَ خَرَائِبِهَا حَوْلَهَا [6]
كان لإصلاحات يوشيا صداها، ليس فقط في يهوذا، وإنما حتى في مُدُنِ مَنَسَّى وأفرايم وشمعون إلى نفتالي، هذه التي كانت تابعه لمملكة إسرائيل.
عندما يخدم المؤمن إلهه بإخلاص ونقاوة قلب، يعمل روح الله ليجتذب حتى الذين ليس له علاقة بهم، ليرجعوا إلى الرب. حقًا إن الحق الإلهي له جاذبيته في حياة السالكين بالروح، ليعمل من خلالهم في حياة الآخرين. هذا يدفعنا للدخول إلى العمق في علاقتنا مع الله، والصلاة من أجل خلاص العالم حتى بالنسبة لمقاومي الحق الانجيلي والكنيسة.
هَدَمَ الْمَذَابِحَ وَالسَّوَارِيَ وَدَقَّ التَّمَاثِيلَ نَاعِمًا،
وَقَطَعَ جَمِيعَ تَمَاثِيلِ الشَّمْسِ فِي كُلِّ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ،
ثُمَّ رَجَعَ إلى أُورُشَلِيمَ. [7]


3. اهتمامه بإصلاح الهيكل

8 وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ مِنْ مُلْكِهِ بَعْدَ أَنْ طَهَّرَ الأَرْضَ وَالْبَيْتَ، أَرْسَلَ شَافَانَ بْنَ أَصَلْيَا وَمَعَسِيَا رَئِيسَ الْمَدِينَةِ وَيُوآخَ بْنَ يُوآحَازَ الْمُسَجِّلَ لأَجْلِ تَرْمِيمِ بَيْتِ الرَّبِّ إِلهِهِ. 9 فَجَاءُوا إِلَى حِلْقِيَا الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ، وَأَعْطَوْهُ الْفِضَّةَ الْمُدْخَلَةَ إِلَى بَيْتِ اللهِ الَّتِي جَمَعَهَا اللاَّوِيُّونَ حَارِسُو الْبَابِ مِنْ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ وَمِنْ كُلِّ بَقِيَّةِ إِسْرَائِيلَ وَمِنْ كُلِّ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. 10 وَدَفَعُوهَا لأَيْدِي عَامِلِي الشُّغْلِ الْمُوَكَّلِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، فَدَفَعُوهَا لِعَامِلِي الشُّغْلِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ لأَجْلِ إِصْلاَحِ الْبَيْتِ وَتَرْمِيمِهِ. 11 وَأَعْطَوْهَا لِلنَّجَّارِينَ وَالْبَنَّائِينَ لِيَشْتَرُوا حِجَارَةً مَنْحُوتَةً وَأَخْشَابًا لِلْوُصَلِ وَلأَجْلِ تَسْقِيفِ الْبُيُوتِ الَّتِي أَخْرَبَهَا مُلُوكُ يَهُوذَا. 12 وَكَانَ الرِّجَالُ يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ بِأَمَانَةٍ، وَعَلَيْهِمْ وُكَلاَءُ يَحَثُ وَعُوبَدْيَا اللاَّوِيَّانِ مِنْ بَنِي مَرَارِي، وَزَكَرِيَّا وَمَشُلاَّمُ مِنْ بَنِي الْقَهَاتِيِّينَ لأَجْلِ الْمُنَاظَرَةِ، وَمِنَ اللاَّوِيِّينَ كُلُّ مَاهِرٍ بِآلاَتِ الْغِنَاءِ. 13 وَكَانُوا عَلَى الْحُمَّالِ وَوُكَلاَءَ عَلَى كُلِّ عَامِلِ شُغْل فِي خِدْمَةٍ فَخِدْمَةٍ. وَكَانَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ كُتَّابٌ وَعُرَفَاءُ وَبَوَّابُونَ.

وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ مِنْ مُلْكِهِ،
بَعْدَ أَنْ طَهَّرَ الأَرْضَ وَالْبَيْتَ،
أَرْسَلَ شَافَانَ بْنَ أَصَلْيَا وَمَعْسِيَّا رَئِيسَ الْمَدِينَةِ وَيُوآخَ بْنَ يُوآحَازَ الْمُسَجِّلَ،
لأَجْلِ تَرْمِيمِ بَيْتِ الرَّبِّ إِلَهِهِ. [8]
بعد أن طهر بيت الرب من الرجاسات التي كانت فيه، ابتدأ في إعداده لممارسة العبادة. لم يقف الإصلاح عند الجانب السلبي من إزالة الشر وسحقه، وإنما قام بالعمل الإيجابي من إصلاح الهيكل وممارسة العبادة الحقيقية. في بداية الإصلاح بدأ يطلب إله داود أبيه [3]، الآن قد أزال كل أثر للوثنية، وبدأ الإصلاح الإيجابي، شعر بالعلاقة الشخصية مع الله فدُعي الله "الرب إلهه" [8].
المُسَجِّل: ضابط officer ذو مكانة عالية في السلطة اليهودية، فهو ليس مجرد مُسجِّل للأحداث فحسب، إنما مسؤول رفيع المكانة أو رئيس لمجلس الملك، ربما يشير لقبه إلى وظيفته كمُشير للمَلِك. في أيام داود ظهر المُسجِّل وسط رئيس الجيش (2 صم 8: 16؛ 20: 24؛ 1 أي 18: 15). في حُكْمِ حزقيا كان المُسجِّل بالاشتراك مع القائم البيت والكاتب يُمَثِّلون المَلِك (2 مل 18: 18، 37). وهنا نراه مُكَلَّفًا مع رئيس المدينة بترميم بيت الرب، مما يشير إلى سمو عمله[7].
فَجَاءُوا إلى حِلْقِيَّا الْكَاهِنِ الْعَظِيم،ِ
وَأَعْطُوهُ الْفِضَّةَ الْمُدْخَلَةَ إلى بَيْتِ الله الَّتِي جَمَعَهَا اللاَّوِيُّونَ حَارِسُو الْبَابِ،
مِنْ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ وَمِنْ كُلِّ بَقِيَّةِ إِسْرَائِيلَ،
وَمِنْ كُلِّ يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ،
ثُمَّ رَجَعُوا إلى أُورُشَلِيمَ. [9]
اشترك الكل في عمل الإصلاح، فقد بدأ الملك بالعمل، وقام اللاويون بجمع فضة من الشعب للخدمة، وسَلَّم اللاويون الفضة لرئيس الكهنة حلقيا، الذي صار ينفق على حركة الإصلاح [10-11]. فالقائد الناجح هو الذي يُشرِك الكثيرين معه، ولا يمركز العمل في شخصه وحده.
نزح البعض من مَنَسَّى وأفرايم وبقية الأسباط التي في الشمال، وعاشوا في يهوذا.
وَدَفَعُوهَا لأَيْدِي عَامِلِي الشُّغْلِ الْمُوَكَّلِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ،
فَدَفَعُوهَا لِعَامِلِي الشُّغْلِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ،
لأَجْلِ إِصْلاَحِ الْبَيْتِ وَتَرْمِيمِهِ. [10]
استطاع رجلٌ واحدٌ مُخْلِصٌ، الملك يوشيا، أن يُعطِي الفرصة لأعداد كبيرة للكشف عما في قلوبهم من روح الأمانة والرغبة الحارة في العمل لحساب الرب.
لم يعمل الملك وحده، إنما أرسل اللاويين ليشترك كل الشعب في المساهمة في إصلاح البيت. قَدَّم اللاويون ما كانوا يجمعونه إلى ثلاثة أمناء [8]، وهؤلاء بدورهم قَدَّموه إلى رئيس الكهنة [9]. دُفِعَت الأموال المجموعة إلى الوكلاء والعاملين، وهؤلاء كانوا أمناء مجتهدين [12].
وَأَعْطُوهَا لِلنَّجَّارِينَ وَالْبَنَّائِينَ، لِيَشْتَرُوا حِجَارَةً مَنْحُوتَةً وَأَخْشَابًا لِلْوُصَلِ
وَلأَجْلِ تَسْقِيفِ الْبُيُوتِ الَّتِي أَخْرَبَهَا مُلُوكُ يَهُوذَا. [11]
يُقصَد بالبيوت هنا الغرف التي كانت تُحِيط بالهيكل من ثلاثة جوانب منه (1 مل 6: 5)، أو المباني الخارجية المُلْحَقَة بالساحات.
يُقصَد بملوك يهوذا منسى وآمون[8].
يمكننا أن نتطلع إلى شخصية يوشيا كنموذج عملي للقائد الناجح:
1. لا يعتمد نجاح القائد الصالح الحي ولا سلطانه على عمره، فقد تسلَّم الملك العرش في الثامنة من عمره (2 أخ 34: 1)، وقام بتطهير أورشليم ويهوذا وهو في العشرين من عمره (2 أخ 34: 3)، وبلا شك وجد مقاومة من الجماهير التي كانت تعبد الأصنام في المرتفعات، وترتبط بالسواري والمسبوكات. هذا مع مقاومة الأعداد الغفيرة من الكهنة الوثنيين وعائلاتهم ومن المنتفعين من هذه العبادة، وأيضًا من الذين كانوا مُعجَبين ببعض التماثيل والمسبوكات.
2. وُلِدَ هذا الطفل الذي صار ملكًا من أبٍ شريرٍ (آمون) وجِدُّه مَنَسَّى الذي وإن كان قد تاب في آخر حياته، غير أنه ملك لمدة خمسة وخمسين سنة، أفسد خلالها كل أرض يهوذا. وكان جو القصر الملكي في عهد جدِّه وأبيه مملوءًا بالرجاسات، غير أنه بلا شك كان لوالدته أثرها عليه. جلس على العرش وسط رجال الدولة والقصر الفاسدين، ومع هذا تحدَّى هذه الظروف التي أحاطت به.
3. سرُّ نجاح يوشيا أنه لم يمركز الإصلاح في يده وحده، بل نجح في خلق قيادات جادة في الإصلاح بين الكهنة واللاويين والرؤساء والشعب، حتى بين العمال البنائين والنجارين. نجاح القائد في تشغيل الطاقات مع توجيهها في غير دكتاتورية (2 أخ 34: 8-13).
4. ارتباطه بالشريعة أو الوصية الإلهية، والتزامه بها، ومساندة الكل أن يقتدي به في إقامة عهدٍ مع الرب (2 أخ 34: 14-21).
5. في تواضع حقيقي كان يستشير أناس الله، مثل خلدة النبية (2 أخ 34: 22).
6. بث روح الفرح الروحي، إذ احتفل بعيد الفصح، "لم يُعمَل فصح مثله في إسرائيل من أيام صموئيل النبي" (2 أخ 35: 18). هذا بث في القادة روح الرجاء!
وَكَانَ الرِّجَالُ يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ بِأَمَانَة،ٍ
وَعَلَيْهِمْ وُكَلاَءُ يَحَثُ وَعُوبَدْيَا اللاَّوِيَّانِ مِنْ بَنِي مَرَارِي،
وَزَكَرِيَّا وَمَشُلاَّمُ مِنْ بَنِي الْقَهَاتِيِّينَ لأَجْلِ الْمُنَاظَرَةِ،
وَمِنَ اللاَّوِيِّينَ كُلُّ مَاهِرٍ بِآلاَتِ الْغِنَاءِ. [12]
انفرد سفر أخبار الأيام بالحديث عن اللاويين من حيث تعهدهم بالإشراف المالي على ترميم الهيكل [11-13]، هذا أَدَّى إلى اكتشاف سفر شريعة الرب. هذا ما يكشف عن اهتمام اللاويين والكهنة بإصلاحات يوشيا.
لا نتعجَّب من ربط الكاتب بين أمانة عمال البناء والنجارين وغيرهم بالقول "ومن اللاويين كل ماهرٍ بآلات الغناء"، ولعل هؤلاء الرجال ساهموا في العمل بالترنُّم بالمزامير والتسابيح المُفرِحة، فخلقت جوًا من الفرح والبهجة، مما سند الكل في عمله. فالفرح هو سمة صحيحة للمجتمع الروحي، قادر أن يسند كل يدٍ للعمل الجاد بروحانية وأمانة لحساب الملك السماوي. وكما أن الفرح في الرب يسند النفس في جهادها، فإن الحزن المُفرِط يُحَطِّم النفس ويبعث حالة من الإحباط، كما يُفسِد العقل.
v "أحسنوا العزف لمجده بالرباب بهتافٍ" (مز 33: 1). كانوا مثل جنودٍ مُلتزِمين انتصروا على أعدائهم، فرفعوا أصواتهم بهتافات النصر.
لقد قال: "ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو 16: 33)، فمن هو الإنسان الذي يستطيع أن يحارب الشرير دون أن يختبئ في ظل قدرة قائده؟ ونحن في ملء الرجاء فيه، نطرح عدونا ونصيبه بالسهام...
الهتاف صرخة غير منطوقة بكلمات، يتَّفق عليها جميع المحاربين، ويطلقونها بنفس واحدة، وقد ارتبطوا جميعًا برباط المحبة.
v لا تُحبَطْ، فإن الحزن الزائد يصير مصدرًا للخطية. يفيض الحزن على العقل (فيفسده)، يُسَبِّب العجز ارتباكًا، ويُوَلِّد الاضطراب أفكار جحودٍ.
القديس باسيليوس الكبير
v "أخيرًا يا إخوتي افرحوا في الرب" يقول بحق "في الرب"، وليس "حسب العالم"، فإن هذا ليس بفرحٍ. يقول إن هذه المتاعب التي بحسب المسيح تجلب فرحًا.
v تحفظ من أن تحوط نفسك بطاغية الحزن. يمكنك أن تسيطر على نفسك، فإن العاصفة ليست أعظم من مهارتك.
v الحزن المُفرِط أمر مرعب يوَّلد موتًا. لذلك يقول بولس: "لئلا يُبتلَع مثل هذا من الحزن المُفرِط" (2 كو 2: 7).
v يمكن للشيطان أن يُحَطِّمَ حتى تحت مظهر التقوى. فإنه يقدر أن يُحَطِّمَ ليس فقط بأن يقود الشخص إلى الزنا بل وأحيانًا بالعكس بالحزن المُفرِط الذي يجعل اليأس يتبع التوبة... أنه يقاتلنا بسلاحنا لا بسلاحه.
القديس يوحنا الذهبي الفم
وَكَانُوا عَلَى الْحُمَّالِ وَوُكَلاَءَ عَلَى كُلِّ عَامِلِ شُغْلٍ فِي خِدْمَةٍ فَخِدْمَةٍ.
وَكَانَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ كُتَّابٌ وَعُرَفَاءُ وَبَوَّابُونَ. [13]
صورة رائعة للعمل الجماعي الذي دستوره الحب والاحترام المتبادل، فالكل يعمل حسب موهبته، يعتز كل واحدٍ بدوره، ويخدم الآخرين بالحُبِّ، لبنيان كنيسة الله، ومجد اسمه القدوس.
1. الملك يقود حركة الإصلاح.
2. اللاويون يجمعون الفضة لحساب الهيكل.
3. الشعب يدفع بسخاء.
4. رئيس الكهنة يتقبَّل العطايا للإنفاق.
5. النجارون والبناؤون والحُمَّال يعملون بأمانة.
6. الوكلاء بروح الحب يُدَبِّرون الأعمال.
7. فِرَقُ التسبيح من اللاويين يخلقون جوًا من الفرح الروحي.
جاءت كلمة "كُتَّاب" هنا لا لتعني طبقة معينة، إنما هم مجموعة من اللاويين تأسست لحفظ الكتابات الخاصة بالشريعة والنبوات، غالبًا ما قام حزقيا الملك بتخصيص بعض اللاويين لحفظ النبوات على وجه الخصوص[14]

4. العثور على سفر الشريعة

14 وَعِنْدَ إِخْرَاجِهِمِ الْفِضَّةَ الْمُدْخَلَةَ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ، وَجَدَ حِلْقِيَا الْكَاهِنُ سِفْرَ شَرِيعَةِ الرَّبِّ بِيَدِ مُوسَى. 15 فَأَجَابَ حِلْقِيَا وَقَالَ لِشَافَانَ الْكَاتِبِ: «قَدْ وَجَدْتُ سِفْرَ الشَّرِيعَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ». وَسَلَّمَ حِلْقِيَا السِّفْرَ إِلَى شَافَانَ، 16 فَجَاءَ شَافَانُ بِالسِّفْرِ إِلَى الْمَلِكِ وَرَدَّ إِلَى الْمَلِكِ جَوَابًا قَائِلًا: «كُلُّ مَا أُسْلِمَ لِيَدِ عَبِيدِكَ هُمْ يَفْعَلُونَهُ، 17 وَقَدْ أَفْرَغُوا الْفِضَّةَ الْمَوْجُودَةَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَدَفَعُوهَا لِيَدِ الْوُكَلاَءِ وَيَدِ عَامِلِي الشُّغْلِ». 18 وَأَخْبَرَ شَافَانُ الْكَاتِبُ الْمَلِكَ قَائِلًا: «قَدْ أَعْطَانِي حِلْقِيَا الْكَاهِنُ سِفْرًا». وَقَرَأَ فِيهِ شَافَانُ أَمَامَ الْمَلِكِ. 19 فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلاَمَ الشَّرِيعَةِ مَزَّقَ ثِيَابَهُ، 20 وَأَمَرَ الْمَلِكُ حِلْقِيَا وَأَخِيقَامَ بْنَ شَافَانَ وَعَبْدُونَ بْنَ مِيخَا وَشَافَانَ الْكَاتِبَ وَعَسَايَا عَبْدَ الْمَلِكِ قَائِلًا: 21 «اذْهَبُوا اسْأَلُوا الرَّبَّ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ مَنْ بَقِيَ مِنْ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا عَنْ كَلاَمِ السِّفْرِ الَّذِي وُجِدَ، لأَنَّهُ عَظِيمٌ غَضَبُ الرَّبِّ الَّذِي انْسَكَبَ عَلَيْنَا مِنْ أَجْلِ أَنَّ آبَاءَنَا لَمْ يَحْفَظُوا كَلاَمَ الرَّبِّ لِيَعْمَلُوا حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي هذَا السِّفْرِ». 22 فَذَهَبَ حِلْقِيَا وَالَّذِينَ أَمَرَهُمُ الْمَلِكُ إِلَى خَلْدَةَ النَّبِيَّةِ امْرَأَةِ شَلُّومَ بْنِ تُوقَهَةَ بْنِ حَسْرَةَ حَارِسِ الثِّيَابِ، وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِي أُورُشَلِيمَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَكَلَّمُوهَا هكَذَا. 23 فَقَالَتْ لَهُمْ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: قُولُوا لِلرَّجُلِ الَّذِي أَرْسَلَكُمْ إِلَيَّ: 24 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا جَالِبٌ شَرًّا عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ، جَمِيعَ اللَّعَنَاتِ الْمَكْتُوبَةِ فِي السِّفْرِ الَّذِي قَرَأُوهُ أَمَامَ مَلِكِ يَهُوذَا. 25 مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُونِي وَأَوْقَدُوا لآلِهَةٍ أُخْرَى لِكَيْ يَغِيظُونِي بِكُلِّ أَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ، وَيَنْسَكِبُ غَضَبِي عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ وَلاَ يَنْطَفِئُ. 26 وَأَمَّا مَلِكُ يَهُوذَا الَّذِي أَرْسَلَكُمْ لِتَسْأَلُوا مِنَ الرَّبِّ، فَهكَذَا تَقُولُونَ لَهُ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ مِنْ جِهَةِ الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعْتَ: 27 مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ رَقَّ قَلْبُكَ، وَتَوَاضَعْتَ أَمَامَ اللهِ حِينَ سَمِعْتَ كَلاَمَهُ عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ، وَتَوَاضَعْتَ أَمَامِي وَمَزَّقْتَ ثِيَابَكَ وَبَكَيْتَ أَمَامِي يَقُولُ الرَّبُّ، قَدْ سَمِعْتُ أَنَا أَيْضًا. 28 هأَنَذَا أَضُمُّكَ إِلَى آبَائِكَ فَتُضَمُّ إِلَى قَبْرِكَ بِسَلاَمٍ، وَكُلَّ الشَّرِّ الَّذِي أَجْلِبُهُ عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ لاَ تَرَى عَيْنَاكَ». فَرَدُّوا عَلَى الْمَلِكِ الْجَوَابَ.

وَعِنْدَ إِخْرَاجِهِمِ الْفِضَّةَ الْمُدْخَلَةَ إلى بَيْتِ الرَّبِّ،
وَجَدَ حِلْقَّيَا الْكَاهِنُ سِفْرَ شَرِيعَةِ الرَّبِّ بِيَدِ مُوسَى. [14]
إذ بدأوا في العمل وجد رئيس الكهنة حلقيا سفر شريعة الرب في بيت الرب. وجد الينبوع الذي يفيض بمياه الراحة السماوية. وُجِدَ سفر الشريعة الذي كان مفقودًا بسبب تراخي الملوك وعدم مبالاتهم بالشركة مع الله، وكان العثور على هذه النسخة له فاعليته على الملك ورجال المملكة والقادة والشعب، وساد جو الفرح والتهليل في المملكة كلها.
ألا يليق بنا أن نشكر الله ونُسَبِّحه، لأن الكتاب المقدس صار في متناول يد الجميع، ولم يعد الإنجيل مصدر الفرح نادرًا. لم تعد كلمة الرب عزيزة. أي عُذْرٍ نُقَدِّمه إن أهملنا التمتُّع بكلمة الرب؟!
فَقَالَ حِلْقِيَّا لِشَافَانَ الْكَاتِبِ:
قَدْ وَجَدْتُ سِفْرَ الشَّرِيعَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ.
وَسَلَّمَ حِلْقِيَّا السِّفْرَ إلى شَافَانَ. [15]
فَجَاءَ شَافَانُ بِالسِّفْرِ إلى الْمَلِكِ وَقَالَ:
كُلُّ مَا أُسْلِمَ لِيَدِ عَبِيدِكَ هُمْ يَفْعَلُونَهُ. [16]
وَقَدْ أَفْرَغُوا الْفِضَّةَ الْمَوْجُودَةَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ،
وَدَفَعُوهَا لِيَدِ الْوُكَلاَءِ، وَيَدِ عَامِلِي الشُّغْلِ. [17]
وَأَخْبَرَ شَافَانُ الْكَاتِبُ الْمَلِكَ:
قَدْ أَعْطَانِي حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ سِفْرًا.
وَقَرَأَ فِيهِ شَافَانُ أَمَامَ الْمَلِكِ. [18]
فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلاَمَ الشَّرِيعَةِ مَزَّقَ ثِيَابَهُ [19]
ارتعب الملك والشعب بعد اكتشاف سفر الشريعة، وإدراك كسرهم لبعض الشرائع، فقد شعر بأن إصلاحاته هذه لا تعفيه من كسره للشرائع. ربما لأول مَرَّة يسمع يوشيا كلمة الرب، فمزَّق ثيابه [19]، وتهلل بالرب إلهه [27]. حقًا يليق بنا أن نُمَزِّقَ قلوبنا لا ثيابنا.
في تواضع وانسحاق مَزَّق الملك ثيابه الملوكية، وأرسل ليسألوا الرب عما يفعله، حتى يرفع غضبه، لا عن أسرته ولا عن دولته فحسب، بل وحتى عن إسرائيل التي كانت مُنْشَقَّة عن المملكة.
وَأَمَرَ الْمَلِكُ حِلْقِيَا وَأَخِيقَامَ بْنَ شَافَانَ وَعَبْدُونَ بْنَ مِيخَا
وَشَافَانَ الْكَاتِبَ وَعَسَايَا عَبْدَ الْمَلِكِ: [20]
اذْهَبُوا، اسْأَلُوا الرَّبَّ مِنْ أَجْلِي،
وَمِنْ أَجْلِ مَنْ بَقِيَ مِنْ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا،
عَنْ كَلاَمِ السِّفْرِ الَّذِي وُجِدَ،
لأَنَّهُ عَظِيمٌ غَضَبُ الرَّبِّ الَّذِي انْسَكَبَ عَلَيْنَا،
مِنْ أَجْلِ أَنَّ آبَاءَنَا لَمْ يَحْفَظُوا كَلاَمَ الرَّبِّ،
لِيَعْمَلُوا حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي هَذَا السِّفْرِ. [21]
لم يخجل الملك من أن يطلب من الكاهن والكاتب وغيرهما أن يسألوا الرب من أجل ما يلزم أن يفعله. في سفر الأعمال سأل المُستمِعون لكلمة الرب: "ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة؟" (أع 2: 37). وبنفس الروح قال السجَّان: "يا سيدي ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟" (أع 16: 3). وقيل في إشعياء: "إن كنتم تطلبون، فاطلبوا" (إش 21: 12).
كان يوشيا يشعر بالتزامه برعاية الأسباط العشرة كما بسبطي يهوذا وبنيامين. ضمت خدمته كل الأسباط، لأن ما كان يشغله هو خلاص الكل، ورجوعهم إلى الله. أما بالنسبة للمسيحي فيليق به وقد التصق بالمُخَلِّص محب البشر، أن يتَّسِعَ قلبه بالحُبِّ لكل البشرية، مشتهيًا خلاص الكل.
vالتقرُّب بنفسٍ واحدةٍ إلى الله بالتوبة أفضل عند الله من جميع القرابين؛ إذ ليس في العالم عند الله أفضل من النفس الإنسانية. لأن كل ما في العالم يزول إلاَّ النفس فإنها لا تزول.
القديس يوحنا الدرجي
vإن رأيتَ حمارًا ساقطًا، فإنك تُقِيمه دون أن تسأل عن صاحبه، أليس بالأكثر جدًا بالنسبة للإنسان الساقط، ألاَّ تسأل لمن هذا؟ إنه ملك لله، حتى وإن كان وثنيًا... حتى وإن كان غير مؤمنٍ، فإنه يحتاج إلى عونٍ!
vلنولول عليهم أشد من ولولة النساء النادبات، لأنهم يجهلون خلاصهم، لأن المرأة لا تحب الرجل هكذا كما نحب نحن كافة الناس لنجذبهم إلى الخلاص.
vإن كان يونانيًا (أمميًا) أو أيا من كان فلننح عليه، لأن ذكر الصليب عنده جهالة، مع أنه حكمة الإله وقوته!
vإن رأيتَ أعمى سيسقط في هوة، أما تمدُّ يدك إليه وتسنده حالاً، فكيف إذن يسوغ لنا أن نرى إخوتنا ساقطين في مثل هذه المخاطر ولا نمد إليهم يد الإعانة وهم مُشرِفون على السقوط في الحفرة الجهنمية الخالدة؟
vيجب علينا أن نُظهِرَ الحب الأخوي والتدبير اللائق نحو بني طبيعتنا، ونَتَحَمَّلها بالمحبة التي هي رأس الفضائل، التي بدونها لا يستطيع أحد أن ينجو. لهذا لا تفتر أيها الحبيب أبدًا، بل كن ناصحًا لأخيك، ولو قذفك وأرهبك بالضرر والخسارة. فأَظهِر له جناح الحنو وأَطِل أناتك عليه، حتى تربح نفسه، ولو بالغ في عدائه لك. فعليك أن تفرح، إذ يكون الإله نفسه محبًا وصديقًا، لأن النفس ثمينة جدًا ولا يُوازِيها العالم بأسره. ورجوع نفسٍ واحدة إلى طريق الحق والصواب أفضل من ربوات الأموال التي تُقَدِّمها رحمة...
ومتى رأيت إنسانًا محتاجًا إلى شفاء روحي أو جسدي، لا تقل في نفسك إن هذا من عمل فلان أن ينقذه من شره ويشفيه، فإنني من الشعب لي زوجة وأولاد، وهذا من عمل الكهنة والرهبان.
أجبني يا هذا: هل لو وجدتَ وعاءً مملوءً ذهبًا تقول في نفسك لم لا يأخذ هذا الوعاء فلان أو فلان؟... بل تبادر كالذئب الخاطف وتأخذه قبل أي إنسان!ليكن لك هذا الاشتياق نحو إخوتك الساقطين، واضعًا في نفسك أنك وجدت كنزًا ثمينًا جدًا، هو اعتناؤك بخلاص أخيك. هوذا الله يقول على فم رسوله إن أنقذت إنسانًا ضالاً تخلص نفسًا من الموت (1 يو 5: 20).
القديس يوحنا الذهبي الفم
فَذَهَبَ حِلْقِيَّا وَالَّذِينَ أَمَرَهُمُ الْمَلِكُ إلى خَلْدَةَ النَّبِيَّةِ امْرَأَةِ شَلُّومَ بْنِ تُوقَهَةَ بْنِ حَسْرَةَ حَارِسِ الثِّيَابِ،
وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِي أُورُشَلِيمَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَكَلَّمُوهَا هَكَذَا. [22]
لم يستشير حلقيا إرميا النبي ولا صفنيا النبي الذي كان أحد المُقَرَّبين من الملك يوشيا (صف 1: 1). ربما لأن إرميا لم يكن في أورشليم بل كان في قرية عائلته (عناثوث)، وصفنيا كان خارج المدينة. لذلك التجأت اللجنة التي عَيَّنها الملك إلى خلدة النبية الأرملة والتي كان زوجها يعمل في البلاط الملكي في حفظ الملابس والحلي الملكية[16]. ذكر الكتاب المقدس خلدة من بين نبيات أخريات، مثل مريم أخت هارون (خر 15: 20)، ودبورة القاضية والنبية (قض 4: 4)، ونعودية (نح 6: 14)، وزوجة إشعياء النبي (إش 8: 3)؛ حنة (لو 2: 36)، أربعة بنات فيلبس ( أع 21: 8-9).
فَقَالَتْ لَهُمْ: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ:
قُولُوا لِلرَّجُلِ الَّذِي أَرْسَلَكُمْ إِلَيَّ. [23]
جاء حديث خلدة مع مندوبي الملك ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: مُوَجَّه إلى يوشيا كإنسان من بين كل رجال إسرائيل أمام شريعة الله، فانه إذ تواضع أمام الرب يضمه من وجه الشرِّ القادم.
القسم الثاني: مُوَجَّه إلى يوشيا كملك يهوذا مسئول عن كل الأمة، فإنه إذ ملأ شر الأمة الكأس، فإن تأديبًا مُرًّا سيحلُّ بها بعد موت يوشيا الصالح.
هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَئَنَذَا جَالِبٌ شَرًّا عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ،
جَمِيعَ اللَّعَنَاتِ الْمَكْتُوبَةِ فِي السِّفْرِ الَّذِي قَرَأُوهُ أَمَامَ مَلِكِ يَهُوذَا. [24]
مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُونِي، وَأَوْقَدُوا لآلِهَةٍ أُخْرَى لِيَغِيظُونِي بِكُلِّ أَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ.
وَيَنْسَكِبُ غَضَبِي عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَلاَ يَنْطَفِئُ. [25]
أَكَّدَتْ لهم النبيّة خِلْدة بأن شرور يهوذا قد طفح كيلها، وأن التأديب سيحلُّ بها كما بإسرائيل. غير أن التأديب لا يحلُّ عليهم في أيام يوشيا. وإذ كان يوشيا شابًا ظنَّ الشعب أن التأديب لن يلحق بهم، ولم يُدرِكوا أن يوشيا يموت صغير السن، في الثلاثين من عمره.
استمر الملك في تواضعه، وقرأ السفر في حضور القادة. ومن أمكنهم الحضور، ولم يُخفِ عنهم خطورة الموقف، حتى لا يتراخوا ويهملوا في التوبة.
وَأَمَّا مَلِكُ يَهُوذَا الَّذِي أَرْسَلَكُمْ لِتَسْأَلُوا مِنَ الرَّبِّ، فَهَكَذَا تَقُولُونَ لَهُ:
هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ مِنْ جِهَةِ الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعْتَ: [26]
مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ رَقَّ قَلْبُكَ، وَتَوَاضَعْتَ أَمَامَ الله،
حِينَ سَمِعْتَ كَلاَمَهُ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ،
وَتَوَاضَعْتَ أَمَامِي، وَمَزَّقْتَ ثِيَابَكَ، وَبَكَيْتَ أَمَامِي،
يَقُولُ الرَّبُّ قَدْ سَمِعْتُ أَنَا أَيْضًا. [27]
هَئَنَذَا أَضُمُّكَ إلى آبَائِكَ، فَتُضَمُّ إلى قَبْرِكَ بِسَلاَمٍ،
وَكُلَّ الشَّرِّ الَّذِي أَجْلِبُهُ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ لاَ تَرَى عَيْنَاكَ.
فَرَدُّوا عَلَى الْمَلِكِ الْجَوَابَ. [28]
لقد طلب يوشيا أن يرفع الله غضبه عن الشعب كله، لكن إذ كانت الخطية متأصلة في الشعب، ويحملون في داخلهم عنادًا خفيًا، وهب الله يوشيا بركة خاصة، إذ يقول: "هأنذا أضمك إلى آبائك، فتُضم إلى قبرك بسلام..." [28].
أراد الرب أن يضمه إلى آبائه وإلى قبره بسلام من وجه الشر القادم، بسبب إصرار القادة والشعب على الرجوع إلى الشر والفساد بعد موته.

5. قراءة الشريعة في محفلٍ عامٍ

29 وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ وَجَمَعَ كُلَّ شُيُوخِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ، 30 وَصَعِدَ الْمَلِكُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ مَعَ كُلِّ رِجَالِ يَهُوذَا وَسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَالْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ وَكُلِّ الشَّعْبِ مِنَ الْكَبِيرِ إِلَى الصَّغِيرِ، وَقَرَأَ فِي آذَانِهِمْ كُلَّ كَلاَمِ سِفْرِ الْعَهْدِ الَّذِي وُجِدَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. 31 وَوَقَفَ الْمَلِكُ عَلَى مِنْبَرِهِ وَقَطَعَ عَهْدًا أَمَامَ الرَّبِّ لِلذَّهَابِ وَرَاءَ الرَّبِّ وَلِحِفْظِ وَصَايَاهُ وَشَهَادَاتِهِ وَفَرَائِضِهِ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَكُلِّ نَفْسِهِ، لِيَعْمَلَ كَلاَمَ الْعَهْدِ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا السِّفْرِ. 32 وَأَوْقَفَ كُلَّ الْمَوْجُودِينَ فِي أُورُشَلِيمَ وَبَنْيَامِينَ، فَعَمِلَ سُكَّانُ أُورُشَلِيمَ حَسَبَ عَهْدِ اللهِ إِلهِ آبَائِهِمْ. 33 وَأَزَالَ يُوشِيَّا جَمِيعَ الرَّجَاسَاتِ مِنْ كُلِّ الأَرَاضِي الَّتِي لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَعَلَ جَمِيعَ الْمَوْجُودِينَ فِي أُورُشَلِيمَ يَعْبُدُونَ الرَّبَّ إِلهَهُمْ. كُلَّ أَيَّامِهِ لَمْ يَحِيدُوا مِنْ وَرَاءِ الرَّبِّ إِلهِ آبَائِهِمْ.

وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ وَجَمَعَ كُلَّ شُيُوخِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ [29]
بعد سماع الناموس ورسالة الله من النبية خلدة، لم ييأس ولا تراخَ، بل دعا كل القادة والشعب، الكبار والصغار، الشيوخ والشبان، الأغنياء والفقراء، ووقف الملك ليقرأ الناموس بنفسه، وكان متأثرًا جدًا، فحرَّك مشاعر السامعين.
وَصَعِدَ الْمَلِكُ إلى بَيْتِ الرَّبِّ،
مَعَ كُلِّ رِجَالِ يَهُوذَا وَسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَالْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ وَكُلِّ الشَّعْبِ،
مِنَ الْكَبِيرِ إلى الصَّغِيرِ.
وَقَرَأَ فِي آذَانِهِمْ كُلَّ كَلاَمِ سِفْرِ الْعَهْدِ الَّذِي وُجِدَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. [30]
"كل الشعب، من الكبير إلى الصغير": أدرك الملك أن بيت الرب مفتوح للجميع، وأن الدخول في عهدٍ مع الرب يلتزم به الكبير كما الصغير.
كلمة الله فعَّالة في حياة الجميع، تُقَدَّم لا لسنٍ معينٍ، بل للطفل كما الشيخ والرجل كما المرأة، للفتيان كما للشباب. لقد أراد الملك أن يتمتَّع الشعب كله بشريعة الرب، بكونها هي غِنَى النفس وسندها في تغرُّبها في هذا العالم، تملأها بالرجاء والفرح الحقيقي، مع السلام الداخلي.
v الشعب الذي كان منتسبًا للأمم في حداثته، وهو الذي كان يسير في طرقٍ معوجةٍ قبل قبوله الإيمان. كيف يمكن لهذا الشعب أن يُقَوِّم طريقه إلا بحفظه أقوالك، أي كلمات الرب؟!
العلامة أوريجينوس
v بما أن ذكر الله يجعلنا نهرب من الشباك الشيطانية، وحيث إنني كرست لك يا إلهي كل عقلي وكل إدراكي، لذا فأنا لا أستحق أن أمكث خارج وصاياك.
البابا أثناسيوس الرسولي
وَوَقَفَ الْمَلِكُ عَلَى مِنْبَرِهِ،
وَقَطَعَ عَهْدًا أَمَامَ الرَّبِّ لِلذَّهَابِ وَرَاءَ الرَّبِّ،
وَلِحِفْظِ وَصَايَاهُ وَشَهَادَاتِهِ وَفَرَائِضِهِ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَكُلِّ نَفْسِهِ،
لِيَعْمَلَ كَلاَمَ الْعَهْدِ الْمَكْتُوبِ فِي هَذَا السِّفْرِ. [31]
قبل أن يطلب الملك من الشعب أن يقطعوا عهدًا مع الله، قطع هو عهدًا وهو على المنبر، وتعهَّد بحفظ وصايا الرب بكل قلبه وكل نفسه حسب ما هو مكتوب في السفر، مهما لاقى من متاعبٍ.
v من هم هؤلاء الذين لا يحفظون عهدك، إلا الذين حادوا عن شهادات الله، ولم يحتملوا متاعب مضطهديهم الكثيرين؟ الآن هذا هو العهد أن من يغلب يُكَلَّل. فالذين لا يحتملون الاضطهاد إذ ينحرفون عن شهادات الله لا يحفظون العهد. هؤلاء رآهم المرتل وذاب أسى لأنه أحبهم. فالغيرة حسنة، هذه النابعة عن الحب لا الحسد. أضاف بخصوص الذين فشلوا في حفظ الناموس: "لأنهم لأقوالك لم يحفظوا"، لأنهم صاروا جاحدين في ضيقاتهم.
القديس أغسطينوس
وَأَوْقَفَ كُلَّ الْمَوْجُودِينَ فِي أُورُشَلِيمَ وَبِنْيَامِينَ،
فَعَمِلَ سُكَّانُ أُورُشَلِيمَ حَسَبَ عَهْدِ الله إِلَهِ آبَائِهِمْ. [32]
إذ قطع الملك عهدًا مع الله، طلب من كل الموجودين أن يقفوا في خوف الله عندما قرأ بنود العهد ليشهدوا بالتصديق على العهد، وحفظه بكل إخلاص وأمانة.
أمام ما سمعه الملك من مندوبيه عن رسالة الله بخصوص الأمة، جمع الكهنة والأنبياء والشعب، وسألهم أن يُقِيموا عهدًا مع الله. هذا الأمر كان يرافق الرجوع إلى الله. فعندما كان الجيل الجديد يستعد لدخول أرض الموعد تحت قيادة يشوع، جَدَّدَ موسى العهد قبل انتقاله، كما جاء في سفر التثنية. وفي مناسبتين قام يشوع بتجديد العهد مع الله (يش 8: 34 الخ؛ يش 24). وهكذا فعل صموئيل (1 صم 7: 2 الخ؛ 1 صم 12)، وأيضًا بعد أن أعاد نحميا بناء سور أورشليم صَلَّى عزرا واعترف وهو يبكي وكان ساقطًا أمام بيت الرب، واجتمع إليه من إسرائيل جماعة كثيرة جدًا من الرجال النساء والأولاد، لأن الشعب بكى بكاء عظيمًا (عز 10: 1)[17].
هكذا يليق بكنيسة المسيح في كل بلد أن تجتمع دومًا لتُجَدِّدَ عهدها مع مُخَلِّصِها بقيادة روحه القدوس الذي وهبه لها في يوم الخمسين، الذي سكن فينا في سري المعمودية والميرون، لنحيا بالحق كجسد المسيح السالك بالروح.
وَأَزَالَ يُوشِيَّا جَمِيعَ الرَّجَاسَاتِ مِنْ كُلِّ الأَرَاضِي الَّتِي لِبَنِي إِسْرَائِيلَ،
وَجَعَلَ جَمِيعَ الْمَوْجُودِينَ فِي أُورُشَلِيمَ يَعْبُدُونَ الرَّبَّ إِلَهَهُمْ.
كُلَّ أَيَّامِهِ لَمْ يَحِيدُوا مِنْ وَرَاءِ الرَّبِّ إِلَهِ آبَائِهِمْ. [33]
كان للملك أثره على الشعب، فلم يحيدوا من وراء الرب إله آبائهم كل أيام حياته، لكن قلوبهم كانت منجذبة للأصنام ورجاسات الوثنية. كان قدوة ومثالاً، عرف أن يكسبهم للرب، لا بالأوامر المشددة، بل بالحُبِّ.
حقًا وُجِدَ كثيرون لم يرجعوا بكل قلوبهم، بل بالكذب (إر 6-10). قيل عن يهوذا في أيامه إنها مضت وزنت (إر 3: 8).
ففي العام الثالث والعشرين لهذا الحكم، أي بعد أربعة أو خمسة أعوام "أغاظوا الله بأعمال أياديهم" (إر 25: 3-7).
كان يوشيا مخلصًا في علاقته مع الله، لكن عامة الشعب مع تجاوبهم مع إصلاحاته، لم تكن قلوبهم نقيةتمامًا. كل إصلاحٍ يحتاج إلى روح الله يُحَرِّك القلب، ويرفعه كما إلى السماء، ليجد عذوبةً صادقةً في الشركة مع الله.
ما فعله يوشيا الملك العظيم هو نموذج لكل قائد في الكنيسة أن يُقَدِّمَ توبة وتجديدًا للعهد مع ربنا يسوع، ويحث من هم حَوْلَه للتوبة الصادقة، سواء كان هذا القائد أسقفًا أو كاهنًا أو شماسًا أو خادمًا أو خادمة في التربية الكنسية واجتماعات الشباب أو أب أسرة أو والدة. لنبدأ بأنفسنا كما بدأ الملك التقى يوشيا بنفسه حين دعا شعبه إلى التوبة والرجوع عن كل الرجاسات التي سقطوا فيها.

من وحي 2 أي 34

أَرْسِلْ أيها القدوس رعاة حسب قلبك!

v نفسي تتهلل بعملك العجيب، يا أيها الراعي الصالح.
أَرسلتَ يوشيا ليملك وهو في الثامنة من عمره.
كيف رَعَى شعبك باستقامة وهو طفل صغير؟
من يُصَدِّق أنه ابن آمون الشرير وحفيد مَنَسَّى؟
تُرَى من الذي حرَّك قلبه نحو الاستقامة منذ طفولته؟
نعمتك العجيبة، وحُبك لشعبك أرسلا هذا الملك المستقيم!
v تُرَى كيف عاش هذا الملك الراعي كل أيامه باستقامة؟
في أيامه كان إرميا لا يكف عن البكاء، كانت جدران قلب إرميا توجعه.
كان الفساد قد بلغ حتى إلى هيكلك المقدس،
في شبابه المبكر طَهَّر الملك يهوذا وأورشليم.
أزال المرتفعات والسراري والتماثيل والمسبوكات.
قام بترميم بيتك لكي يُعِيدَ العبادة لك.
v أرسلتَه في وسط الظلمة، ليحمل سراجك المنير.
تحرَّك بقوة في رجاءٍ مُفرِح دون إحباطٍ.
قاد حركة الإصلاح بنفسه واستمر بلا يأس.
غيرته وحكمته وتقواه والتصاقه بك دفع الكثيرين للعمل معه.
نعمتك جذبت الكثيرين حوله ليعملوا معه.
قَدَّم الشعب عطايا للهيكل بسخاء.
وبغيرة مقدسة جمع اللاويون الفضة لحساب الهيكل.
وتَقَبَّل رئيس الكهنة العطايا للإنفاق على الإصلاح.
والتهبت قلوب النجارين والبنائين والحُمَّال للعمل بأمانةٍ وإخلاصٍ.
ووقف خورُس اللاويين يُسَبِّحونك كمن هم في السماء.
لم يكن أحد محتاجًا إلى من يدفعه للعمل.
نعمتك العجيبة العاملة في يوشيا، عملت في الجميع.
v أَرْسِلْ لنا رعاة مثل يوشيا الذي لم ينهمك في إدارة المملكة،
ولا في إصلاح الهيكل على حساب شريعتك المقدسة!
أَحنَى الملك رأسه بمخافة ليسمع الشريعة.
في تواضعٍ انسحق قلبه ومَزَّق ثيابه.
طلب من كل من هم حوله أن يُصَلُّوا عنه.
v يا لقلب هذا الملك العجيب!
يطلب الصلاة عنه كخاطي،
ويطلب الصلاة عن كل الأسباط.
قَلْبُه مُتَّسِع، يطلب خلاص حتى الأسباط التي سبق أن انشقت!
v في تواضعٍ أرسل إلى خلدة النبية يسألها.
صعد إلى بيت الرب مع كل رجال يهوذا
والكهنة واللاويين والشعب.
وقف على المنبر يقطع عهدًا مع الرب.
وسأل الموجودين أن يقفوا في مخافة الرب.
v هوذا الحصاد كثير، والفعلة قليلون.
لتُرسِلْ فعلة يسلكون طريقك بلا انحرافٍ.
أنت فاحص القلوب، وواهب الحب بنعمتك.
أنت هو الراعي الصالح، تعمل خلال من تُرْسِلهم!
أَرْسِلْ أيها القدوس في كل الأجيال رعاة حسب قلبك.
 
قديم اليوم, 06:06 PM   رقم المشاركة : ( 189037 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,302,708

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الاهتمام ببيت الرب


بعد أن تذوَّق الكل، الملك ورؤساء الشعب والكهنة واللاويون والشعب، هذا الاحتفال الذي سُرَّت به السماء في مسكن قدس الله، انطلق الكل إلى مدن يهوذا. وضعوا في قلوبهم ألا يعودوا إلى العبادة الوثنية. فتح أبواب بيت الرب وتطهير الهيكل والاحتفال بالفصح مع شركة كثيرين من المملكة الشمالية في الاحتفال دفع إلى رغبة في مزيد من الالتصاق بالله.
تُعتبَر حياة حزقيا الملك التقي صورة حيَّة ومنهجًا عمليًا لحياة الخادم من جوانب كثيرة. لم يكن هذا التقي يحتمل ما فعله والده الذي أفسد البلد والقصر الملكي وهيكل الرب. وفي نفس الوقت لم يبدأ بالسلبيات وهدم الأصنام وكل متعلقاتها، بل أسرِعَ بتقديس الهيكل والبدء في عبادة الله الحيّ، فالتهب قلب الشعب بتحطيم الأصنام. إنه لم يتهاون مع العبادة الوثنية، لكنه آمن أن من يختبر عذوبة العبادة الحقيقية لا يعود يطيق الرجاسات. بهذا صار الكل معًا، خاصة الشعب، بكامل حرية إرادته ينتزع الشرور. هكذا يليق بنا أن نصنع الخير ونقتلع الشر خلال نعمة الله الفائقة.
 
قديم اليوم, 06:08 PM   رقم المشاركة : ( 189038 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,302,708

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




هدم بقايا الوثنية في المملكتين

1 وَلَمَّا كَمَلَ هذَا خَرَجَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ الْحَاضِرِينَ إِلَى مُدُنِ يَهُوذَا، وَكَسَّرُوا الأَنْصَابَ وَقَطَعُوا السَّوَارِيَ، وَهَدَمُوا الْمُرْتَفَعَاتِ وَالْمَذَابحَ مِنْ كُلِّ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ وَمِنْ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى حَتَّى أَفْنَوْهَا، ثُمَّ رَجَعَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مُلْكِهِ، إِلَى مُدُنِهِمْ.

لم يكن ممكنًا تحطيم العبادة الوثنية قبل أن يُفتَح الهيكل ويَتَطَهَّر ويُعَاد تأسيس العبادة الحقيقية [1-4]. لا نستطيع إبادة الشر، ما لم نبدأ بالتمسُّك العملي بالحق الإنجيلي.
هذا ولا ننسى أن الشعب "قاموا، وأزالوا المذابح التي في أورشليم، وأزالوا كل مذابح التبخير وطرحوها إلى وادي قدرون" (2 أخ 30: 14) قبل الاحتفال بالفصح، فليس من شركة بين الحق والباطل، والاحتفال بالفصح حيث سكن الله في الجماعة مع بقاء عناصر غريبة عن الله.
 
قديم اليوم, 06:33 PM   رقم المشاركة : ( 189039 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,302,708

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




وَلَمَّا كَمِلَ هَذَا خَرَجَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ الْحَاضِرِينَ إِلَى مُدُنِ يَهُوذَا،
وَكَسَّرُوا الأَنْصَابَ، وَقَطَعُوا السَّوَارِيَ، وَهَدَمُوا الْمُرْتَفَعَاتِ وَالْمَذَابِحَ،
مِنْ كُلِّ يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ وَمِنْ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى حَتَّى أَفْنُوهَا،
ثُمَّ رَجَعَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مُلْكِهِ إِلَى مُدُنِهِمْ. [1]
سبق أن طُهِّرَت مدينة أورشليم (2 أي 30: 14)، والآن لزم تطهير الأرض. أصدر حزقيا مرسومًا لقيام حركة شعبية جماعية، تتجه نحو المرتفعات، حيث يُقَام عليها الكثير من المذابح الوثنية، خاصة عبادة البعل، لتطهيرها. قام الشعب في يهوذا وبنيامين في الجنوب بهذه الحركة، كما تمَّ تطهير أفرايم ومنسَّى، يساعدهم في ذلك ضعف مملكة الشمال.
جاء تحطيم الوثنية ليس فقط بأمر حزقيا، بل تجاوب الشعب مع أمانة حزقيا الملك.
صورة مُبهِجة أن يجتمع بعض الباقين في مملكة إسرائيل التي دَمَّرها الأشوريون مع يهوذا. يَلتَفُّون حول الهيكل، ويَتَعَبَّدون معًا، مُشتهين العودة إلى الحياة المُقَدَّسة التي كانت لكل إسرائيل قبل الانقسام، في أيام داود النبي وسليمان الحكيم.
واضح أنه من ثمرة هذا التصرُّف الحكيم التقوي للملك حزقيا أن الراجعين إلى مدنهم في يهوذا قاموا بنزع كل ما يَتَعَلَّق بالعبادة الوثنية.
بانتهاء الاحتفال، لم يشعر المُشترِكون فيه بأنهم قد انتهوا من واجبٍ كانوا ملتزمين به، بل التهبت قلوبهم بالأكثر للحياة مع الله. هذا ومن جانب آخر، يرى البعض أن القادمين من المملكة الشمالية وإن كانت قد فقدت استقلالها وخضعت للإمبراطورية الأشورية، غير أنها منطقة خصبة للغاية وغنية. هؤلاء جاءوا إلى أورشليم يُقَدِّمون هدايا للهيكل، وينفقون أثناء إقامتهم، مما أدى إلى نوع من الرواج في أورشليم ومدن يهوذا. بجانب بركة الرب للجميع لاجتماعهم معًا بروح الحب والوحدة.
يرى علماء الآثار أن هذا التَقَدُّم أدى إلى امتداد مدينة أورشليم إلى الضعف، وربما ثلاثة أضعاف، فضمت تلاً آخر[1]. لقد صارت أورشليم ملجأ لكثير من اللاجئين من الشمال.
هذا الازدهار ساعد حزقيا على تحصين بعض المدن وتقوية الجيش.
حقًا لقد فعل الملك كل ما في إمكانه في هذا المضمار (2 مل 18: 4)، لكن الشعب في إمكانه اكتشاف الأماكن التي بها ما يخص الأوثان وغابت عن أعين جنود الملك. لذلك خرجوا بعد الاحتفال فورًا ليهدموها، لم يُؤجِّلوا يومًا واحدًا. هكذا يليق بالمؤمن إذ يختبر عذوبة الشركة مع الله، وتتهلل أعماقه به، وأن يقطع كل ارتباط بالخطية في الحال، ويتخلَّى عن كل ما يُغضِب الله.
لم يفعلوا هذا في مدن يهوذا وبنيامين فقط، بل وفي أفرايم ومنسَّى. يظن البعض أنه يقصد المدن التي كانت تحت ولاية حزقيا ملك يهوذا، لكن آخرين يرون أن ملك إسرائيل لم يمنعهم من ذلك، فترك الذين ذهبوا إلى أورشليم واشتركوا في الاحتفال بالفصح أن يفعلوا ذلك في ممتلكاتهم. قام كل من ساهم في الاحتفال بكسر كل ما لديه من أصنام، ولم يترك شيئًا ما من آثار الأوثان.
هكذا تَمَتَّع الإنسان بعذوبة الشركة مع الله تمتد إلى حياة الآخرين، ليس قسرًا، وإنما خلال الحب الأخوي الصادق.
لم يعودوا إلى منازلهم قبل أن يُتَمِّموا هذا العمل، بالرغم من غيابهم الطويل. لقد حدث هذا التغيير فجأةً وبقوةٍ (إش 2: 20؛ 31: 6-7). يليق بنا أن نقتدي بحزقيا الملك، فلا نترك أية آثار للآلهة الغريبة في قلوبنا. فما كُتِبَ عن الأوثان يَمِسُّ حياتنا كقول العلامة أوريجينوس في عظاته على سفر القضاة:
v عبد (هذا الجيل) البعليم وتركوا الرب إله آبائهم" (قض 2: 11-12). حقًا فعل الشعب في القديم هذه الأشياء، ولكن لم تُكتَب هذه الأشياء لهم، إنما: "كُتِبَتْ لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور" (1 كو 10: 11). ليتنا نرى ما إذا قيلت هذه الأشياء عنا أم بالحري عنهم.
هل تريدون رؤية هذه الأمور مُفَسرَّة علينا - ليس بواسطتي - ولكن بواسطة الرسول؟ اسمعوا ما يقوله هو نفسه: "ماذا يقول الكتاب في إيليا كيف يتوسل إلى الله ضد إسرائيل قائلاً: يا رب قتلوا أنبياءك، وهدموا مذابحك، وبقيتُ أنا وحدي، وهم يطلبون نفسي". لكن في الحقيقة بماذا أجابه الوحي الإلهي؟ "أبقيت لنفسي سبعة آلاف رَجُلٍ لم يحنوا ركبة لبعل" (1 مل 19؛ رو 11: 2-4). وبهذه الطريقة أضاف الرسول: "فكذلك في الزمان الحاضر أيضًا قد حصلت بقية حسب اختيار النعمة" (رو 11: 5).
انظروا إذن كيف أنه حُسِبَ الذين عبدوا البعليم من بين جمع غير المؤمنين والذين لم يسجدوا من بين البقية المؤمِنة. يُظهر ذلك أن غير المؤمنين وغير الأتقياء الذين عاشوا في عصر المُخلِّص "عبدوا البعليم" والأصنام، أما المؤمنون ومنفذو أعمال الإيمان "لم يعبدوا البعل". لأنه لم يُذكَر في أي موضعٍ في التاريخ أو الإنجيل أو أي من الأسفار المقدسة أن إنسانًا في زمن المُخَلِّص سجد للأصنام، ولكن ذُكِرَ هذا خصيصًا عن الذين كانوا مُكَبَّلين ومُقيَّدين بخطاياهم الخاصة. من المؤكد إننا عندما نخطئ "ونُسبى إلى ناموس الخطية" (رو 7: 23)، فإننا نعبد البعل. لكننا نحن غير مدعوِّين لذلك، ولم نؤمن لكي نكون في وفاقٍ مع هذه الأمور حتى نخدم الخطية ثانيةً، ونسجد للشيطان، بل بالأحرى نجثو باسم يسوع لأنه: "تجثو باسم يسوع كل رُكْبةٍ ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض" (في 2: 10). وهكذا نحني ركبتيْنا لدى أبي ربنا يسوع المسيح، الذي منه تُسَمَّى كل عشيرة في السماوات وعلى الأرض (أف 3: 14-15).
ولكن ماذا أستفيد عندما أحني ركبتي جسدي في الصلاة لله، بينما أحني رُكبَتَي قلبي للشيطان؟
فإني إن لم أقف صامدًا أمام مكايد الشيطان، أحني ركبتي للشيطان (أف 6: 11).
إذا لم أقف صامدًا أمام الغضب، أحني ركبتي للغضب أيضًا.
وهكذا بالمثل، إن لم أقف صامدًا لأُقاوِم الشهوة، أحني ركبتي قلبي لها.
في كل هذه الحالات التي تضاد الله، أبدو كأولئك "الذين عبدوا البعليم، وتركوا الرب إله آبائهم الذي قادهم خارج أرض مصر" (قض 2: 11-12؛ خر12: 42)، ما لم أقف بثباتٍ وشجاعةٍ.
ليتنا إذن لا نفكر أننا إذ لا نعبد الأصنام لا تتعلَّق هذه الأشياء بأي أحد منا. ما يعبده الإنسان ويُحِبُّه ويُعجَب به أكثر من سائر الأشياء هو إلهه.
باختصار هذا ما يطلبه الله من الإنسان قبل كل الأشياء وفوق كل الأشياء في وصيته: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك" (تث 6: 5)، رغبة منه أن يملك على كل عواطف القلب البشرية مُقَدَّمًا، وأن يعرف أن ما يحبه الإنسان من كل قلبه ومن كل نفسه ومن كل قدرته هو إلهه.
العلامة أوريجينوس

 
قديم اليوم, 06:34 PM   رقم المشاركة : ( 189040 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,302,708

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يليق بنا أن نقتدي بحزقيا الملك، فلا نترك أية آثار للآلهة الغريبة في قلوبنا. فما كُتِبَ عن الأوثان يَمِسُّ حياتنا كقول العلامة أوريجينوس في عظاته على سفر القضاة:
v عبد (هذا الجيل) البعليم وتركوا الرب إله آبائهم" (قض 2: 11-12). حقًا فعل الشعب في القديم هذه الأشياء، ولكن لم تُكتَب هذه الأشياء لهم، إنما: "كُتِبَتْ لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور" (1 كو 10: 11). ليتنا نرى ما إذا قيلت هذه الأشياء عنا أم بالحري عنهم.
هل تريدون رؤية هذه الأمور مُفَسرَّة علينا - ليس بواسطتي - ولكن بواسطة الرسول؟ اسمعوا ما يقوله هو نفسه: "ماذا يقول الكتاب في إيليا كيف يتوسل إلى الله ضد إسرائيل قائلاً: يا رب قتلوا أنبياءك، وهدموا مذابحك، وبقيتُ أنا وحدي، وهم يطلبون نفسي". لكن في الحقيقة بماذا أجابه الوحي الإلهي؟ "أبقيت لنفسي سبعة آلاف رَجُلٍ لم يحنوا ركبة لبعل" (1 مل 19؛ رو 11: 2-4). وبهذه الطريقة أضاف الرسول: "فكذلك في الزمان الحاضر أيضًا قد حصلت بقية حسب اختيار النعمة" (رو 11: 5).
انظروا إذن كيف أنه حُسِبَ الذين عبدوا البعليم من بين جمع غير المؤمنين والذين لم يسجدوا من بين البقية المؤمِنة. يُظهر ذلك أن غير المؤمنين وغير الأتقياء الذين عاشوا في عصر المُخلِّص "عبدوا البعليم" والأصنام، أما المؤمنون ومنفذو أعمال الإيمان "لم يعبدوا البعل". لأنه لم يُذكَر في أي موضعٍ في التاريخ أو الإنجيل أو أي من الأسفار المقدسة أن إنسانًا في زمن المُخَلِّص سجد للأصنام، ولكن ذُكِرَ هذا خصيصًا عن الذين كانوا مُكَبَّلين ومُقيَّدين بخطاياهم الخاصة. من المؤكد إننا عندما نخطئ "ونُسبى إلى ناموس الخطية" (رو 7: 23)، فإننا نعبد البعل. لكننا نحن غير مدعوِّين لذلك، ولم نؤمن لكي نكون في وفاقٍ مع هذه الأمور حتى نخدم الخطية ثانيةً، ونسجد للشيطان، بل بالأحرى نجثو باسم يسوع لأنه: "تجثو باسم يسوع كل رُكْبةٍ ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض" (في 2: 10). وهكذا نحني ركبتيْنا لدى أبي ربنا يسوع المسيح، الذي منه تُسَمَّى كل عشيرة في السماوات وعلى الأرض (أف 3: 14-15).
ولكن ماذا أستفيد عندما أحني ركبتي جسدي في الصلاة لله، بينما أحني رُكبَتَي قلبي للشيطان؟
فإني إن لم أقف صامدًا أمام مكايد الشيطان، أحني ركبتي للشيطان (أف 6: 11).
إذا لم أقف صامدًا أمام الغضب، أحني ركبتي للغضب أيضًا.
وهكذا بالمثل، إن لم أقف صامدًا لأُقاوِم الشهوة، أحني ركبتي قلبي لها.
في كل هذه الحالات التي تضاد الله، أبدو كأولئك "الذين عبدوا البعليم، وتركوا الرب إله آبائهم الذي قادهم خارج أرض مصر" (قض 2: 11-12؛ خر12: 42)، ما لم أقف بثباتٍ وشجاعةٍ.
ليتنا إذن لا نفكر أننا إذ لا نعبد الأصنام لا تتعلَّق هذه الأشياء بأي أحد منا. ما يعبده الإنسان ويُحِبُّه ويُعجَب به أكثر من سائر الأشياء هو إلهه.
باختصار هذا ما يطلبه الله من الإنسان قبل كل الأشياء وفوق كل الأشياء في وصيته: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك" (تث 6: 5)، رغبة منه أن يملك على كل عواطف القلب البشرية مُقَدَّمًا، وأن يعرف أن ما يحبه الإنسان من كل قلبه ومن كل نفسه ومن كل قدرته هو إلهه.
العلامة أوريجينوس
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 10:01 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025