منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم اليوم, 12:35 PM   رقم المشاركة : ( 188211 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,460

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





v
v لأَتَّحِد بك، فيصير لي الحق في الانطلاق لأكون آخر الكل.
أحمل حُبَّك للبشرية،
فأشتهي أن أغسل أقدام الجميع.
أُكرِّمك في كل فقيرٍ وصغيرٍ.
ليس بين البشر من تزدري به.
بذلتَ ذاتك لأجل الجميع،
فتُقِيم من البشر ملوكًا عظماء في عينيك.
 
قديم اليوم, 12:36 PM   رقم المشاركة : ( 188212 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,460

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





v قتل يهورام إخوته من أجل تثبيت كرسيه.
لطخ يديه بدم إخوته،
وأفسد قلبه بمحبة السلطة.
سَلَّمه كبرياؤه للأعداء، فقتلوا نساءه وأبناءه.
v لم يسمع لصوت إيليا نبيك،
فلم يسمع له شعبه، ولا احترموه كمَلِكٍ.
تسلَّل المرض إلى أمعائه يومًا فيومًا.
فقد نساءه وأبناءه وأمواله وصحته.
v صار درسًا لكل من يحثه حُبُّ السلطة على الشرِّ.
لم يهتم شعبه به في مرضه.
وإذ مات لم يُدفَن في مقبرة الملوك.
ذهب غير مأسوف عليه!
 
قديم اليوم, 12:38 PM   رقم المشاركة : ( 188213 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,460

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





يارب هَبْ لي روح الملوكية الحقيقية
آمين
 
قديم اليوم, 12:40 PM   رقم المشاركة : ( 188214 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,460

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





يارب هَبْ لي سلطانًا بنعمتك
على أفكاري وحواسي وعواطفي.
آمين
 
قديم اليوم, 12:41 PM   رقم المشاركة : ( 188215 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,460

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





يارب أَقِمْ ملكوتك في داخلي
فلا تتسلَّل محبة السلطة إلى أعماقي

آمين
 
قديم اليوم, 12:41 PM   رقم المشاركة : ( 188216 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,460

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





يارب ساعدني حتى لا أحمل روح إبليس المُتسلِّط.
بل أسلك بروحك يا أيها العجيب في تواضعك.
آمين
 
قديم اليوم, 12:42 PM   رقم المشاركة : ( 188217 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,460

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





يارب ساعدني لأَتَّحِد بك
فيصير لي الحق في الانطلاق لأكون آخر الكل
آمين
 
قديم اليوم, 12:59 PM   رقم المشاركة : ( 188218 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,460

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





يارب ساعدني أحمل حُبَّك للبشرية،
فأشتهي أن أغسل أقدام الجميع

آمين
 
قديم اليوم, 01:00 PM   رقم المشاركة : ( 188219 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,460

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





يارب ساعدني أن أُكرِّمك في كل فقيرٍ وصغيرٍ.
فتُقِيم من البشر ملوكًا عظماء في عينيك.

آمين
 
قديم اليوم, 01:34 PM   رقم المشاركة : ( 188220 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,460

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




الملك أخزيا بن يهورام:

وعثليا الملكة المُتعطِّشة للدماء


ورد الكثير من تفصيلات هذا الأصحاح أيضًا في (2 مل 8: 25-29؛ 9: 27-28؛ 10: 13-14، 11: 1-2). ورث أخزيا الشر عن أبيه يهورام، إذ لم يتَّعِظْ مما حلَّ بأبيه. تأثر أخزيا بأُمِّه التي كانت تُشير عليه بفعل الشر [2].
لقد حلَّت أكثر ساعات الظلمة على يهوذا، كثمرة من ثمار دخول يهوشافاط في مصاهرة مع أخآب الشرير.
مات يهورام ودُفِنَ غير مأسوف عليه، واستلمت زوجته عثليا الكرسي، وهي نسخة مطابقة لأمها الشريرة إيزابل، لذا لا نعجب من تَعَطُّشها لسفك الدماء.

1. أخزيا ملك يهوذا

1 وَمَلَّكَ سُكَّانُ أُورُشَلِيمَ أَخَزْيَا ابْنَهُ الأَصْغَرَ عِوَضًا عَنْهُ، لأَنَّ جَمِيعَ الأَوَّلِينَ قَتَلَهُمُ الْغُزَاةُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَ الْعَرَبِ إِلَى الْمَحَلَّةِ. فَمَلَكَ أَخَزْيَا بْنُ يَهُورَامَ مَلِكِ يَهُوذَا. 2 كَانَ أَخَزْيَا ابْنَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ سَنَةً وَاحِدَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ عَثَلْيَا بِنْتُ عُمْرِي.

وَمَلَّكَ سُكَّانُ أُورُشَلِيمَ أَخَزْيَا ابْنَهُ الأَصْغَرَ عِوَضًا عَنْهُ،
لأَنَّ جَمِيعَ الأَوَّلِينَ قَتَلَهُمُ الْغُزَاةُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَ الْعَرَبِ إِلَى الْمَحَلَّةِ.
فَمَلَكَ أَخَزْيَا بْنُ يَهُورَامَ مَلِكِ يَهُوذَا. [1]
بقوله "ملّك سكان أورشليم أخزيا..." نستنبط أنه غالبًا لم يكن سكان أورشليم مستريحين لاستلامه العرش، ربما لأنه أصغر إخوته أو لضعف شخصيته، لكن لم يكن أمامهم بديل، حيث قتل العرب كل إخوته.
صار ملكًا من الجانب الشكلي، إذ كانت أُمُّه هي التي تُدَبِّر أمور المملكة.
كَانَ أَخَزْيَا ابْنَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ سَنَةً وَاحِدَةً فِي أُورُشَلِيمَ،
وَاسْمُ أُمِّهِ عَثَلْيَا بِنْتُ عُمْرِي. [2]
جاء في الترجمة السبعينية أن عمر أخزيا حين ملك كان عشرين عامًا. هذا مقبول مع ما ورد في الأصحاح السابق يهورام أنه ملك وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة، وملك ثماني سنين، أي مات في الأربعين من عمره، بهذا كان ابنه البالغ العشرين من عمره قد وُلِدَ حين كان والده عشرين سنة. وكان أخزيا متأثرًا بالمشيرين من مملكة الشمال (إسرائيل) أكثر من أي ملك آخر ليهوذا.
قرأنا في الأصحاح السابق عن سبي أبناء يهورام ونسائه، لكن لم يقل كل أبنائه وكل نسائه. لذلك ذكر في هذا الأصحاح أحد أبنائه "أخزيا" وإحدى نسائه "عثليا" التي يمكن القول إنها مع أمها إيزابل الشريرة هما مصدر خزي وكارثة سواء بالنسبة لمملكة إسرائيل أو مملكة يهوذا.
سبق أن رأينا كيف أرادت عثليا أن تبيد كل النسل الملوكي، لكي تؤكد أنه لن يتحقق الوعد الإلهي الخاص باستمرارية كرسي داود.

2. أخزيا يسلك في طريق أخآب

3 وَهُوَ أَيْضًا سَلَكَ فِي طُرُقِ بَيْتِ أَخْآبَ لأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تُشِيرُ عَلَيْهِ بِفِعْلِ الشَّرِّ. 4 فَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ مِثْلَ بَيْتِ أَخْآبَ لأَنَّهُمْ كَانُوا لَهُ مُشِيرِينَ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ لإِبَادَتِهِ.

وَهُوَ أَيْضًا سَلَكَ فِي طُرُقِ بَيْتِ أخآب،
لأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تُشِيرُ عَلَيْهِ بِفِعْلِ الشَّرِّ. [3]
بعد دفن أبيه الشرير يهورام، ربما كان الشعب ينتظر من الابن الأصغر ألا يسلك كأبيه، غير أن أُمَّه وأسرته دفعوه للسلوك في نفس طريق أبيه.
لم يكن لأخزيا مبادئ يعيش بها، إنما وثق في أمه عثليا ابنة عمري، المرأة الشديدة الطموح والعنيفة للغاية، كانت تقوده وتشير عليه بالشر.
أقام أخزيا تحالفًا مع يهورام بن أخآب.
فَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ مِثْلَ بَيْتِ أخآب،
لأَنَّهُمْ كَانُوا لَهُ مُشِيرِينَ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ لإِبَادَتِهِ. [4]

3. اشتراك أخزيا مع يهورام في الحرب

فَسَلَكَ بِمَشُورَتِهِمْ،
وَذَهَبَ مَعَ يهورَامَ بْنِ أخآب مَلِكِ إِسْرَائِيلَ لِمُحَارَبَةِ حَزَائِيلَ مَلِكِ أَرَامَ،
فِي رَامُوتَ جِلْعَادَ. وَضَرَبَ الأَرَامِيُّونَ يُورَامَ [5]

4. ياهو يقتل أخزيا

6 فَرَجَعَ لِيَبْرَأَ فِي يَزْرَعِيلَ بِسَبَبِ الضَّرَبَاتِ الَّتِي ضَرَبُوهُ إِيَّاهَا فِي الرَّامَةِ عِنْدَ مُحَارَبَتِهِ حَزَائِيلَ مَلِكَ أَرَامَ. وَنَزَلَ عَزَرْيَا بْنُ يَهُورَامَ مَلِكُ يَهُوذَا لِعِيَادَةِ يَهُورَامَ بْنِ أَخْآبَ فِي يَزْرَعِيلَ لأَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا. 7 فَمِنْ قِبَلِ اللهِ كَانَ هَلاَكُ أَخَزْيَا بِمَجِيئِهِ إِلَى يُورَامَ. فَإِنَّهُ حِينَ جَاءَ خَرَجَ مَعَ يَهُورَامَ إِلَى يَاهُوَ بْنِ نِمْشِي الَّذِي مَسَحَهُ الرَّبُّ لِقَطْعِ بَيْتِ أَخْآبَ. 8 وَإِذْ كَانَ يَاهُو يَقْضِي عَلَى بَيْتِ أَخْآبَ وَجَدَ رُؤَسَاءَ يَهُوذَا وَبَنِي إِخْوَةِ أَخَزْيَا الَّذِينَ كَانُوا يَخْدِمُونَ أَخَزْيَا فَقَتَلَهُمْ. 9 وَطَلَبَ أَخَزْيَا فَأَمْسَكُوهُ وَهُوَ مُخْتَبِئٌ فِي السَّامِرَةِ، وَأَتَوْا بِهِ إِلَى يَاهُو وَقَتَلُوهُ وَدَفَنُوهُ، لأَنَّهُمْ قَالُوا: « إِنَّهُ ابْنُ يَهُوشَافَاطَ الَّذِي طَلَبَ الرَّبَّ بِكُلِّ قَلْبِهِ». فَلَمْ يَكُنْ لِبَيْتِ أَخَزْيَا مَنْ يَقْوَى عَلَى الْمَمْلَكَةِ.

فَرَجَعَ لِيَبْرَأَ فِي يَزْرَعِيلَ بِسَبَبِ الضَّرَبَاتِ الَّتِي ضَرَبُوهُ بِهَا فِي الرَّامَةِ،
عِنْدَ مُحَارَبَتِهِ حَزَائِيلَ مَلِكَ أَرَامَ.
وَنَزَلَ أَخَزْيَا بْنُ يَهُورَامَ مَلِكُ يَهُوذَا لِيَزُورَ يُورَامَ بْنِ أخآب فِي يَزْرَعِيلَ،
لأَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا. [6]
فَمِنْ قِبَلِ الله كَانَ هَلاَكُ أَخَزْيَا بِمَجِيئِهِ إِلَى يُورَامَ.
فَإِنَّهُ حِينَ جَاءَ خَرَجَ مَعَ يُورَامَ إِلَى يَاهُوَ بْنِ نِمْشِي،
الَّذِي مَسَحَهُ الرَّبُّ لِقَطْعِ بَيْتِ أخآب. [7]
سبق لنا الحديث عن ياهو في تفسيرنا لسفر الملوك الثاني (2 مل 9: 27-28).
ما حدث لأخزيا هو ثمرة الالتصاق بالصداقات الشريرة ومعاشرة الأشرار والتزاوج منهم، وأيضًا عبادته للأوثان. إن كنا لا نخاف من العدوى بالانحراف نحو الشر، فلنخف من الهلاك مع الأشرار. لذلك جاءت الوصية: "اخرجوا من بابل" (رؤ 18: 4).
وَإِذْ كَانَ يَاهُو يَقْضِي عَلَى بَيْتِ أخآب،
وَجَدَ رُؤَسَاءَ يَهُوذَا وَبَنِي إِخْوَةِ أَخَزْيَا،
الَّذِينَ كَانُوا يَخْدُمُونَ أَخَزْيَا، فَقَتَلَهُمْ. [8]
وَطَلَبَ أَخَزْيَا، فَأَمْسَكُوهُ وَهُوَ مُخْتَبِئٌ فِي السَّامِرَةِ،
وَأَتُوا بِهِ إِلَى يَاهُو وَقَتَلُوهُ وَدَفَنُوهُ،
لأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّهُ ابْنُ يَهُوشَافَاطَ الَّذِي طَلَبَ الرَّبَّ بِكُلِّ قَلْبِهِ.
فَلَمْ يَكُنْ لِبَيْتِ أَخَزْيَا مَنْ يَقْوَى عَلَى الْمَمْلَكَةِ. [9]
قام ياهو بقتل أخزيا الذي اختبأ في السامرة، الذي ظن أنه يكون في أمان، وقد ترك ياهو جثمان أخزيا لكي يدفنوه.

5. اغتصاب عثليا أم أخزيا للعرش

وَلَمَّا رَأَتْ عَثَلْيَا أُمُّ أَخَزْيَا أَنَّ ابْنَهَا قَدْ مَاتَ،
قَامَتْ وَأَبَادَتْ جَمِيعَ النَّسْلِ الْمَلِكِيِّ مِنْ بَيْتِ يَهُوذَا. [10]

ورد ذلك في (2 مل 11: 1 إلخ.) أمرت عثليا بقتل أحفادها حتى تضمن بقاءها على العرش.
عثليا امرأة شريرة تسعى لهدم بيت داود إلى الأبد، لتُقِيمَ على أنقاضه عرشًا لنفسها. أبادت جميع النسل الملكي بوحشيةٍ، وغالبًا ما كانت تود أن تنقل العرش من بيت داود إلى أقاربها من أمها.
لم يكشف الكتاب المقدس عن دوافعها الخفيّة وخِطَّتِها، سوى ضمانها أن يبقى العرش في يدها. أول من تأمل في هذا الأمر يوسيفوس المؤرخ، فوصف تصرُّفاتها بأنها قد ورثت من والديها الكراهية لبيت داود. يقول عنها إنها كانت ترغب "في ألا يبقى أحد من بيت داود حيًّا، بل أن تبيد كل الأسرة، حتى لا يَتَسَلَّم ملك فيما بعد يقوم من الأسرة[1]". كان دافعها هو تكذيب الوعد الإلهي أن يجلس نسل داود على العرش، ومجيء المسيّا المُخَلِّص من نسل داود.
يرى البعض أن عثليا بجانب رغبتها ألا يلمس أحد إكليلها، ولا يجلس أحد من بيت داود على عرش يهوذا. إنها أرادت الانتقام لقتل إيزابل أمها وإبادة أسرتها على يد ياهو. ظَنَّت أنها على حق أن تنتقم لوالديها ولكل أسرتها حتى من نسلها الذين هم خليفة يهورام الذي من بيت داود. لعل عثليا كانت في أعماقها كراهية مُرَّة لما حَلَّ بأُسرتِها؛ وكراهيتها لبيت داود دفعتها لكراهية إله داود.
ما فعلته عثليا مارسه أيضًا هيرودس في مذبحة أطفال بيت لحم، ليحتفظ بكرسي العرش. ظَنَّت عثليا وأيضًا هيرودس أنهما صارا في أمان، ولم يُدرِكا أن الله ضابط الكل وراعي شعبه.
سمح الله بما حدث لبيت داود ليؤكد أن رعاية الله وحدها هي التي أنقذت الموقف، ليبقى طفل صغير لبيت داود، خلاله يبقى سراج مُنِير للبيت، ويأتي من نسل داود المسيَّا المُخَلِّص. باطلاً حاول عدو الخير أن يُبطِلَ خطة الله للخلاص.
v لاحظت الأشرار، فرأيتهم في سلامٍ، أي سلام؟ سلام مؤقت، مُتغيِّر، عابر وأرضي، ومع هذا فإني أنا أيضًا أطلب هذا من الله. رأيت الذين لم يخدموا الله ينالون ما اشتهيته أنا الذي أخدم الله، لكن قدميّ زلتا وخطواتي زلقت (مز 73: 2). الآن أدركت لماذا لهم سلام وانتعاش على الأرض... لأن عقابهم ليس مؤقتًا، بل ثابتًا إلى الأبد.
القديس أغسطينوس
v يُقَال عن الأشرار بعد موتهم: "أين خيمة مساكن الأشرار؟"
إن أمعنا النظر في هذا، هل تقدرون أن تنكروا بأنه توجد مجازاة من قِبَل العدل الإلهي؟ الأول (البار) تغمر السعادة قلبه، والثاني البؤس. الأول بشهادة نفسه أنه بريء من الذنب، والثاني مجرم.
ذاك الإنسان سعيد في رحيله من العالم، والثاني حزين عليه.
من يقدر أن ينطق بالبراءة على من هو ليس ببريء في عيني ضميره؟ يقول: "أين غطاء خيمته، تذكاره لن يوجد" (راجع أي 28:21).
حياة المجرم حلم. لا، حتى الراحة ذاتها التي للأشرار وهم يعيشون هنا هي وهم، إنهم الآن في الجحيم، إذا ينحدرون إلى جهنم وهم أحياء[3].
v يجيب القديس أيوب: لا تظنوا أنكم سعداء وأنتم منغمسون في الملذات، لأن ضربات الله لم تحل عليكم في هذه الحياة.
"سراج الأشرار ينطفئ". إنه يعطي ضوءًا إلى زمنٍ، لكنه لا يحمل نورًا أبديًا.
وبالرغم من أن العالم يحابي مثل هؤلاء الناس، لأنهم يمارسون إرادة الله صاحب السلطان على العالم (يو 14: 30)، لكن عادة ما تحل لحظة التحوُّل في الأحداث، حيث تأتي الأحزان من قبل غضب السماء وسخطها، حيث يُغَربَل الأشرار "كالتبن قدام الريح". يُغَربَل الظالمون كالقشٍ، والأبرار كحنطةٍ. التفتوا إلى الرب القائل لبطرس: "هوذا الشيطان طلبكم لكي يُغَرْبِلَكم كالحنطة، ولكني طلبتُ من أجلك لكي لا يفنى إيمانك" (لو 22: 31-32).
القديس أمبروسيوس
v "وعدد سنوات ظلمه غير أكيدة"... معروف أن كل إنسانٍ مُتكَبِّر يمارس الطغيان حسب قياسه. فما يمارسه شخص في دولة وذلك بحُكْمِ مركزه العالي الذي يتناسب معه؛ وآخر في مقاطعة، وآخر في مدينة، وآخر في أسرته، وآخر يخفي شره، فيمارسه على نفسه في فكر قلبه.
فالله لا يشغله كمية الشر التي يستطيع الإنسان أن يمارسها، وإنما الكمية التي في ذهنه ليمارسها. وعندما يكون الإنسان بلا سلطان في الخارج، يُحسَب طاغية في داخله، ويسيطر الإثم عليه في داخله. فإنه وإن كان لا يضغط على أقربائه من الخارج، إلاَّ أنه في الداخل يبحث ليجد فرصة وسلطانًا للضغط على الغير. فإن الله يتطلَّع إلى قلوب البشر، فيُحسَب في عيني الله الشرير أنه مارس بالفعل حسب ما يتخيَّله.
البابا غريغوريوس (الكبير)
6. إخفاء يهواش بن أخزيا في الهيكل

11 أَمَّا يَهُوشَبْعَةُ بِنْتُ الْمَلِكِ فَأَخَذَتْ يُوآشَ بْنَ أَخَزْيَا وَسَرَقَتْهُ مِنْ وَسَطِ بَنِي الْمَلِكِ الَّذِينَ قُتِلُوا، وَجَعَلَتْهُ هُوَ وَمُرْضِعَتَهُ فِي مُخْدَعِ السَّرِيرِ، وَخَبَّأَتْهُ يَهُوشَبْعَةُ بِنْتُ الْمَلِكِ يَهُورَامَ امْرَأَةُ يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنِ، لأَنَّهَا كَانَتْ أُخْتَ أَخَزْيَا، مِنْ وَجْهِ عَثَلْيَا فَلَمْ تَقْتُلْهُ. 12 وَكَانَ مَعَهُمْ فِي بَيْتِ اللهِ مُخْتَبِئًا سِتَّ سِنِينٍ وَعَثَلْيَا مَالِكَةٌ عَلَى الأَرْضِ.

أَمَّا يَهُوشَبْعَةُ بِنْتُ الْمَلِكِ، فَأَخَذَتْ يَهُوآشَ بْنَ أَخَزْيَا،
وَسَرَقَتْهُ مِنْ وَسَطِ بَنِي الْمَلِكِ الَّذِينَ قُتِلُوا،
وَجَعَلَتْهُ هُوَ وَمُرْضِعَتَهُ فِي مِخْدَعِ السَّرِيرِ،
وَخَبَّأَتْهُ يَهُوشَبْعَةُ بِنْتُ الْمَلِكِ يَهُورَامَ امْرَأَةُ يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنِ.
(لأَنَّهَا كَانَتْ أُخْتَ أَخَزْيَا)
مِنْ وَجْهِ عَثَلْيَا فَلَمْ تَقْتُلْهُ. [11]
وثق أخزيا في أمه عثليا ابنة عمري، المرأة العنيفة للغاية، والتي تشير عليه بالشر [3]. أقام تحالفًا مع يهورام بن أخآب.
في وسط المذبحة التي صنعتها عثليا لإبادة جميع النسل الملكي لتبقى بمفردها في الحكم، لم ينطفئ سراج مسيح الرب؛ فقد حفظ الله رضيعًا ضعيفًا، وذلك رمزًا للسيد المسيح الذي حُفِظَ من مذبحة أطفال بيت لحم.
في السنة السبتية - السنة السابعة - سنة راحة الأرض ظهر يوآش ليملك أمام عيون الجميع، استُعلن أنه الملك الوحيد الذي له السلطان أن يلبس التاج.
v كما أن ما أَعَدَّه الله للذين يحبونه يفوق العقل، كذلك ما أَعَدَّه من عذابات للأشرار يفوق العقل.
العلامة أوريجينوس
v يُذرى الأشرار بمرارة (كزوانٍ خفيفٍ)، أما الأبرار فيخلصون كحنطةٍ ثقيلةٍ. لاحظوا ما يقوله الرب لبطرس: "هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة، ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك" (لو 22: 31). الذين يُذرون مثل زوانٍ يهلكون، أما الذي لا يهلك فهو مثل البذرة التي تسقط وتنمو وتزيد وتأتي بثمرٍ كثيرٍ (لو 8: 8)... يُشبَّه الشر بالعصافة التي تحترق سريعًا وتصير ترابًا[6].
القديس أمبروسيوس
وَكَانَ مَعَهُمْ فِي بَيْتِ الله مُخْتَبِئًا سِتَّ سِنِينٍ،
وَعَثَلْيَا مَالِكَةٌ عَلَى الأَرْضِ. [12]
حُبُّها لسفك الدماء أفقدها شعبيتها، إن كانت قد وُجِدَت. وتوليها العرش ليس له أي أساس قانوني. كل ما تتسم به هو عنفها وجبروتها، فظنَّت أنه ليس من يقدر أن يعصاها أو يقاومها.
جاء اختباء الطفل في بيت الله بحكمة إلهية فائقة:
1. لم يكن ممكنًا لإنسانٍ ما أن يخفي الطفل في بيته، لئلا يتسرَّب الخبر، فتنتقم عثليا من صاحب البيت وكل عائلته.
2. بقاء طفل صغير مع مرضعته في بيت الرب لمدة ست سنوات دون تسرُّب الخبر إلى الملكة، لم يتم باطلاً، إنما بخطة إلهية تكشف عن رعاية الله نفسه للأمر.
3. حفظ الطفل في بيت الرب تحت رعاية رئيس الكهنة، كشف عن خطة الله الذي خصص سبطًا معينًا للعمل الكهنوتي، وآخر للعمل الملوكي، مع تعاون السبطين. وكأن الله يعلن رعايته لشعبه روحيًا وزمنيًا.

من وحي 2 أي 22

هَبْ لي روح الرعاية والقيادة

v هَبْ لي روحك يعمل فيّ، يا أيها الراعي الصالح.
بحُبِّك ترعى شعبك، وتبذل ذاتك عنهم.
بحُبِّك تُقِيم من كل طفلٍ قائدًا محبًا!
v تَسَلَّم أخزيا العرش، ولم يكن له مبادئ صادقة.
كانت أُمُّه الشريرة تقوده وتشير عليه بشرها.
دفعته إلى الشر، وحرمته من الالتصاق بك.
دفعته إلى الالتصاق بيهورام عابد الأصنام.
ظَنَّ في تحالفه مع يهورام أن نفسه تطمئن.
فإذا بالموت يلاحقه، والعار يلتصق به.
v تسلَّمت عثليا أمه عرش ابنها.
في حُبِّها للسلطة، قتلت كل ذكرٍ من بيت داود.
قتلت واستراحت، وظنت أنها في أمانٍ واستقرارٍ.
لم يعد بعد من ينافسها على عرشها.
ليس من يستطيع أن يقف أمامها.
ولا يوجد في المملكة كلها من يقدر أن يعصاها.
بقيت على العرش ست سنوات،
وظَنَّت أنها قديرة وحكيمة وقائدة فريدة.
لم يعد بعد أحد من بيت داود يجلس على العرش.
ولا يمكن للنبوات عن بيت داود أن تتحقق.
v لكنك أيها الراعي الصالح أَنقذت طفلاً ابن سنة واحدة.
احتضنته في هيكلك المقدس.
حرسته بعنايتك، وهيأته ليجلس على العرش.
تعمل بالكثير كما بالقليل، وبالكبير كما بالطفل الصغير.
تسكب روحك على مؤمنيك،
فيحملون روح الحب والرعاية والقيادة!




تجليس يوآش بن أخزيا ملكًا واغتيال عثليا


وردت هذه القصة في (2 مل 11: 4) إلخ.
تم إصلاح النظام الملكي وعودة بيت داود إلى العرش في داخل الهيكل الذي بناه سليمان بن داود، حتى يتمكَّن السبط الكهنوتي أن يخدم الله. التاريخ الحقيقي هو في بيت العبادة.
ارتبطت رئاسة الكهنوت المُمَثَّلة في يهوياداع ارتباطًا وثيقًا بالمملكة. هذا الارتباط واضح جدًا في أخبار الأيام على الرغم من أن المملكة والكهنوت لا يُمْنَحَان كليهما لشخصٍ واحدٍ، إنما في شخص المسيح وحده الذي هو ملك الملوك ورئيس الكهنة السماوي. قيل عنه: "يكون كاهنًا على كرسيه" (زك 6: 13).

1. يهوياداع يُعِد الشعب لاستقبال يوآش

1 وَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ تَشَدَّدَ يَهُويَادَاعُ وَأَخَذَ مَعَهُ فِي الْعَهْدِ رُؤَسَاءَ الْمِئَاتِ: عَزَرْيَا بْنَ يَرُوحَامَ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ يَهُوحَانَانَ، وَعَزَرْيَا بْنَ عُوبِيدَ، وَمَعَسِيَا بْنَ عَدَايَا، وَأَلِيشَافَاطَ بْنَ زِكْرِي، 2 وَجَالُوا فِي يَهُوذَا وَجَمَعُوا اللاَّوِيِّينَ مِنْ جَمِيعِ مُدُنِ يَهُوذَا وَرُؤُوسَ آبَاءِ إِسْرَائِيلَ وَجَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. 3 وَقَطَعَ كُلُّ الْمَجْمَعِ عَهْدًا فِي بَيْتِ اللهِ مَعَ الْمَلِكِ. وَقَالَ لَهُمْ: «هُوَذَا ابْنُ الْمَلِكِ يَمْلِكُ كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ عَنْ بَنِي دَاوُدَ. 4 هذَا هُوَ الأَمْرُ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ. الثُّلْثُ مِنْكُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ فِي السَّبْتِ مِنَ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ يَكُونُونَ بَوَّابِينَ لِلأَبْوَابِ، 5 وَالثُّلْثُ فِي بَيْتِ الْمَلِكِ، وَالثُّلْثُ فِي بَابِ الأَسَاسِ، وَجَمِيعُ الشَّعْبِ فِي دِيَارِ بَيْتِ الرَّبِّ. 6 وَلاَ يَدْخُلْ بَيْتَ الرَّبِّ إِلاَّ الْكَهَنَةُ وَالَّذِينَ يَخْدِمُونَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ، فَهُمْ يَدْخُلُونَ لأَنَّهُمْ مُقَدَّسُونَ، وَكُلُّ الشَّعْبِ يَحْرُسُونَ حِرَاسَةَ الرَّبِّ. 7 وَيُحِيطُ اللاَّوِيُّونَ بِالْمَلِكِ مُسْتَدِيرِينَ، كُلُّ وَاحِدٍ سِلاَحُهُ بِيَدِهِ. وَالَّذِي يَدْخُلُ الْبَيْتَ يُقْتَلُ. وَكُونُوا مَعَ الْمَلِكِ فِي دُخُولِهِ وَفِي خُرُوجِهِ». 8 فَعَمِلَ اللاَّوِيُّونَ وَكُلُّ يَهُوذَا حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ يَهُويَادَاعُ الْكَاهِنُ. وَأَخَذُوا كُلُّ وَاحِدٍ رِجَالَهُ الدَّاخِلِينَ فِي السَّبْتِ، مَعَ الْخَارِجِينَ فِي السَّبْتِ، لأَنَّ يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنَ لَمْ يَصْرِفِ الْفِرَقَ. 9 وَأَعْطَى يَهُويَادَاعُ الْكَاهِنُ رُؤَسَاءَ الْمِئَاتِ الْحِرَابَ وَالْمَجَانَّ وَالأَتْرَاسَ الَّتِي لِلْمَلِكِ دَاوُدَ الَّتِي فِي بَيْتِ اللهِ. 10 وَأَوْقَفَ جَمِيعَ الشَّعْبِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ سِلاَحُهُ بِيَدِهِ مِنْ جَانِبِ الْبَيْتِ الأَيْمَنِ إِلَى جَانِبِ الْبَيْتِ الأَيْسَرِ حَوْلَ الْمَذْبَحِ وَالْبَيْتِ، حَوْلَ الْمَلِكِ مُسْتَدِيرِينَ.

وَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ تَشَدَّدَ يَهُويَادَاعُ،
وَأَخَذَ مَعَهُ فِي الْعَهْدِ رُؤَسَاءَ الْمِئَاتِ:
عَزَرْيَا بْنَ يَرُوحَامَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ يَهُوحَانَانَ وَعَزَرْيَا بْنَ عُوبِيدَ
وَمَعْسِيَّا بْنَ عَدَايَا وَأَلِيشَافَاطَ بْنَ زِكْرِي [1]
لم يذكر سفر الملوك أسماء هؤلاء الرؤساء المئات. إنما ذكر وجود حراسات ملكية في خمسة أقسام (2 مل 11: 4-8). كان رؤساء المئات الخمسة من قوة الحرس الملكي، وكانوا مستاءين من عثليا واتجاهاتها العدائية لبيت الرب ولنسل داود، وغالبًا ما كانوا في ودٍ مع يهوياداع الكاهن.

شخصية الكاهن يهوياداع
يُعتبَر يهوياداع كاهنًا مثاليًا يخدم لا لحساب نفسه أو الناس إنما لمجد الله؛ يليق بنا أن نقتدي به في أمورٍ كثيرة.
أ. كان ذا حكمة وتدبير صالح وحياة مقدسة، فقد حفظ الأمير الصغير لعدة أعوام حتى أصبح قادرًا على الظهور أمام الشعب والقادة الصالحين الذين سئموا تصرفات الملكة المغتصبة للعرش. خَطَّط يهوياداع لهذا العمل ونَفَّذَه في سِرِّيةٍ عجيبةٍ وبسرعةٍ، بلا تراخٍ.
v قَدَّم ثلاث سمات للكرازة بالكلمة: غيرة متقدة مغامرة، ونفس مستعدة لاحتمال أية مخاطر مُحتَمَل حدوثها، ومعرفة وحكمة مرتبطان معًا. فإن حُبَّه للمغامرة في كرازته، وفي حياته التي بلا لومٍ ما كانت تنفعه في شيء لو لم يتقبَّلْ قوة الروح. تطلع إليه إذ تظهر فيه هو أولاً، أو بالأحرى اسمع كلماته: "لئلا تُلام خدمتنا"[1].
v يليق بالكاهن أن يتلألأ، فيضئ بسيرته الحسنة على جميع الناس ليقتدوا بمثاله. أما إذا تحوَّل هذا النور إلى ظلام، فماذا يحل بالعالم؟! أما يصير خرابًا؟[2]
القديس يوحنا الذهبي الفم
ب. إنسان الله، يشعر أن الله قد دعاه لهذا العمل، ويرافقه في عمله، وبدونه لا يستطيع أن يمارس عمله الكهنوتي.
v من هو الطاهر وبدون زيف قدام الله، حتى يلبس النار، ويقوم ويخدم اللهيب؟
أي ترابي الْتَهَبَ بلاهوتك حتى يقدر أن يمسك ذلك اللهيب الذي لا يُدرَك؟
من تنقَّى من قذارة العالم البغيض، وقام بدرجة عظيمة المجد حتى يكهن؟
لو كان أحد ساروفَ ناريًا، لن يقدر أن يكهن ذبائح مصاف الرسل الكاملة.
القديس مار يعقوب السروجي
ج. رجل ذو نفوذ، جذَّاب، انضم إليه القوّاد، وخضع له اللاويون ورؤوس آباء إسرائيل عندما دعاهم إلى أورشليم [2]. كإنسانٍ حكيمٍ ومحبٍ وأُعطي سلطانًا من الله، يسمعون له في هدوءٍ (جا 9: 17).
v كملكٍ أرسلهم حكامًا، معطيًا إياهم سلطانًا أن يُلقوا في السجن أو أن يُخرجوا منه، هكذا إذ أرسلهم قلَّدهم ذات السلطان.
القديس يوحنا الذهبي الفم
د. رجل إيمان عظيم، لم يكن الذين حوله يُحَرِّكونه، بل تقوده كلمة الله، يطلب أن يعمل حسب إرادة الله [3]. يعمل لا ليمَّلك ابن الملك الصغير لمقاومة عثليا، وإنما "كما تكلم الرب" [3].
v إنها لدينونة عنيفة يسقط تحتها من يُعَلِّمون. هذا ما يظهره تلميذ المسيح القائل: "لا تكونوا مُعَلِّمين كثيرين يا إخوتي، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم" (يع 3: 1). فإن عطيَّة المواهب الروحيَّة وفيرة للذين هم رؤساء الشعب، إذ يكتب الحكيم بولس إلى الطوباوي تيموثاوس: "فليُعطك الرب فهمًا في كل شيء" (2 تي 2: 7)، "لا تُهمِلْ أيضًا موهبة الله التي فيك بوضع يديّ" (راجع 2 تي 1: 6). من هذا يظهر أن مُخَلِّص الكل إذ يعطيهم أكثر يطالبهم أكثر.
ما هي الفضائل التي يطالبهم بها؟ الثبات في الإيمان، والتعليم الصحيح، والتأسيس حسنًا في الرجاء، والصبر بلا زعزعة، والقوَّة الروحيَّة التي لا تُغلَب، والفرح والشجاعة في كل تقدُّم حسن. بهذا نصير قدوة للآخرين في الحياة الإنجيلية. فإن عشنا هكذا يمنحنا المسيح الإكليل، الذي به ومعه السُبْح والسلطان للآب والروح القدس إلى أبد الأبد آمين.
القديس كيرلس الكبير
هـ. رجل عبادة، لا لتنفيذ الطقوس بلا فهمٍ، إنما يطلب الله به وفيه. يجد في الله شبعه.
v خادم المسيح الكامل ليس له شيء بجانب المسيح.
القديس جيروم
و. ذو إرادة قوية وتصميم عجيب. عَرَّض نفسه للقتل، لكنه عمل بروح القوة بغير خوفٍ.
v ذاك الذي هذَّب رغباته ودرَّب نفسه على الاحتمال، ونما إلى حالة كمال المعرفة يكون مساويًا للملائكة!
لقد استنار فعلاً وصار مُضِيئًا كالشمس في ممارسة اللطف، مُسرِعًا بمعرفة مملوءة بِرًا إلى المسكن المُقدَّس خلال حُبِّ الله كما فعل الرسل. فإن هؤلاء الرسل لم يصيروا رسلاً لاختيارهم للرسوليّة بسبب امتياز في طبيعتهم، إذ كان يهوذا أيضًا مختارًا من بينهم، لكنهم كانوا قادرين أن يكونوا رسلاً (أن يمارسوا الحياة الرسوليّة المستنيرة)... فيروا أمورًا غير محدودة. متياس لم يكن مختارًا بينهم، لكنه أظهر نفسه مستحقًا أن يكون رسولاً عوضًا عن يهوذًا.
الآن أيضًا، الذي يُدَرِّب نفسه على وصايا الرب، ويعيش بالكمال بمعرفة حسب الإنجيل، يحسب في جسد الرسل المختارين. مثل هذا يكون بحق كاهنًا للكنيسة، وخادمًا (شماسًا) حقيقيًا لإرادة الله، ما دام يعمل ويُعَلِّم حسب الرب، وليس مُجرَّد أنه سيم من أناس، فهو لا يُحسب بارًا لمُجرَّد كونه كاهنًا، وإنما صار في الكهنوت لأنه بار. فإنه حتى وإن لم ينل هنا على الأرض كرامة الكرسي الأعظم، لكنه سيجلس (مع) الأربعة وعشرين عرشًا، يدين الناس، كما قال يوحنا في سفر الرؤيا.
القديس إكليمنضس السكندري
وَجَالُوا فِي يَهُوذَا، وَجَمَعُوا اللاَّوِيِّينَ مِنْ جَمِيعِ مُدُنِ يَهُوذَا،
وَرُؤُوسَ آبَاءِ إِسْرَائِيلَ، وَجَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. [2]
حرص يهوياداع على دعوة القيادات العسكرية مع المدنية والدينية للقيام بالثورة ضد عثليا، والمناداة بيوآش ملكًا، فقد تحرَّك رؤساء المئات وجمعوا القيادات الدينية (اللاويين) والسياسية (رؤوس آباء إسرائيل) ليجتمع الكل معًا في أورشليم.
يقصد بإسرائيل هنا مملكة يهوذا التي كانت تضم يهوذا وبنيامين والأتقياء من الأسباط الأخرى، وقد تركوا مملكة الشمال وانضموا إلى مملكة الجنوب.
لم يستدعِ يهوياداع الكاهن رؤساء الأسباط الذين في مملكة الشمال، لأنهم لا يُؤتَمَنون على أمرٍ كهذا، وقد تركوا الهيكل وقبول حصر الملوك في نسل داود.
يحتمل أن ما حدث كان في فترة الاحتفال بأحد الأعياد الكبرى السنوية، حيث كان اليهود يجتمعون في أورشليم. بهذا لم تشعر عثليا بوجود مؤامرة مُدَبَّرة ضدها.
وَقَطَعَ كُلُّ الْمَجْمَعِ عَهْدًا فِي بَيْتِ الله مَعَ الْمَلِكِ.
وَقَالَ لَهُمْ: هُوَذَا ابْنُ الْمَلِكِ يَمْلِكُ، كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ عَنْ بَنِي دَاوُدَ. [3]
قصد بكل المجمع هنا القيادات السابق ذكرها في العبارة السابقة.
هَذَا هُوَ الأَمْرُ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ.
الثُّلْثُ مِنْكُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ فِي السَّبْتِ مِنَ الْكَهَنَةِ،
وَاللاَّوِيِّينَ يَكُونُونَ بَوَّابِينَ لِلأَبْوَابِ [4]
إن كان يهوياداع في حكمته ورغبته في العمل الجماعي، قد جمع القيادات العسكرية والدينية والمدنية، ليشعر الكل أن العمل خاص بالجميع وليس بفئةٍ معينةٍ، غير أنه حرص على التفاف الكهنة واللاويين حَوْلَ الملك، ومراعاة الشريعة بخصوص الاحتفال في الهيكل.
"هذا هو الأمر الذي تعملونه": يصف هنا التنظيم الخاص بالدفاع عن هذه الثورة ضد عثليا وتنصيب يوآش ملكًا، فقد قسَّم القائمين بالحراسة إلى ثلاث مجموعات: قسم لحراسة الملك أينما وجد [7]، وقسمان يقومان بحراسة كل الأبواب ومداخل بيت الرب وبيت الملك.
وَالثُّلْثُ فِي بَيْتِ الْمَلِكِ،
وَالثُّلْثُ فِي بَابِ الأَسَاسِ،
وَجَمِيعُ الشَّعْبِ فِي دِيَارِ بَيْتِ الرَّبِّ. [5]
وَلاَ يَدْخُلْ بَيْتَ الرَّبِّ إِلاَّ الْكَهَنَةُ وَالَّذِينَ يَخْدِمُونَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ،
فَهُمْ يَدْخُلُونَ لأَنَّهُمْ مُقَدَّسُونَ،
وَكُلُّ الشَّعْبِ يَحْرُسُونَ حِرَاسَةَ الرَّبِّ. [6]
وَيُحِيطُ اللاَّوِيُّونَ بِالْمَلِكِ مُسْتَدِيرِينَ كُلُّ وَاحِدٍ سِلاَحُهُ بِيَدِهِ.
وَالَّذِي يَدْخُلُ الْبَيْتَ يُقْتَلُ.
وَكُونُوا مَعَ الْمَلِكِ فِي دُخُولِهِ وَفِي خُرُوجِهِ. [7]
غالبًا ما خشي يهوياداع من هجوم كهنة البعل على الملك داخل الهيكل، لذلك حمل اللاويون المحيطون بالملك السلاح لمنعهم من الدخول.
فَعَمِلَ اللاَّوِيُّونَ وَكُلُّ يَهُوذَا حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ يَهُويَادَاعُ الْكَاهِنُ.
وَأَخَذُوا كُلُّ وَاحِدٍ رِجَالَهُ الدَّاخِلِينَ فِي السَّبْتِ مَعَ الْخَارِجِينَ فِي السَّبْتِ،
لأَنَّ يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنَ لَمْ يَصْرِفِ الْفِرَقَ. [8]
كان الكهنة واللاويون مُقسَّمين إلى فرق، كل فرقة تقوم بنوبتها، وتنصرف لتحل فرقة أخرى مكانها. أما في هذا الحدث فاعتبر يهوياداع أن جميع الفرق في حالة طوارئ، فلم يسمح لها أن تنصرف حتى يتم الاحتفال، ويطمئن أن الجو في المدينة كلها يسوده الهدوء والسلام.
وَأَعْطَى يَهُويَادَاعُ الْكَاهِنُ رُؤَسَاءَ الْمِئَاتِ الْحِرَابَ وَالْمَجَانَّ،
وَالأَتْرَاسَ الَّتِي لِلْمَلِكِ دَاوُدَ الَّتِي فِي بَيْتِ الله. [9]
وَأَوْقَفَ جَمِيعَ الشَّعْبِ وَكُلُّ وَاحِدٍ سِلاَحُهُ بِيَدِهِ،
مِنْ جَانِبِ الْبَيْتِ الأَيْمَنِ إِلَى جَانِبِ الْبَيْتِ الأَيْسَرِ،
حَوْلَ الْمَذْبَحِ وَالْبَيْتِ حَوْلَ الْمَلِكِ مُسْتَدِيرِينَ. [10]

2. يهوياداع يُظهِر الملك أمام الشعب

ثُمَّ أَخْرَجُوا ابْنَ الْمَلِك،ِ
وَوَضَعُوا عَلَيْهِ التَّاجَ،
وَأَعْطُوهُ الشَّهَادَةَ وَمَلَّكُوهُ.
وَمَسَحَهُ يَهُويَادَاعُ وَبَنُوهُ،
وَقَالُوا: لِيَحْيَ الْمَلِكُ! [11]

كم كان فرح الشعب وهو يرى الطفل الصغير، ابن داود يقف على المنبر. لقد تَحَطَّم اليأس الذي حَلَّ بالأكثرين، فركضوا فرحين ليروا ما لم يكن يتوقعونه.
جاء في الترجوم: "وجاءوا بابن الملك، ووضعوا عليه التاج الملكي الذي أخذه داود من رأس ملك بني عمون. وقد رُصِّع بحجرٍ كريم جذَّاب، وقد نُقِشَ عليه ما يُعبِّر عن عظمة اسم "يهوه" وكرامته، هذا الذي وضعه عليه بالروح القدس. وكان يزن وزنة ذهب. وكان ذلك شهادة لبيت داود، وأنه لا يقدر لملكٍ ليس من بيت داود أن يحتمل وزنه. وعندما رأى الشعب أنه قد وضع على رأس يوآش، وأنه احتمل هذا التاج، صدَّقوا أنه من نسل داود، وللحال نصَّبوه ملكًا. عندئذ مسحه يهوياداع وأبناؤه، وقالوا: "ليزدهر الملك في مملكته!"
عندما قتل داود جليات أخذ الإكليل الذي على رأسه والسوار الذي على ذراعه، وقَدَّمهما للملك شاول (2 صم 1: 10). أما الشهادة التي أُعطِيت للملك، فيقال إنها درج مكتوب عليه الشريعة (تث 17: 18)، يوضع في يدي الملك الذي يمسك بصولجان المُلك.
كان الملك يستلم هذا الدرج بيديه ويضعه فوق رأسه قبل أن يقرأه، علامة خضوعه لما في الدرج وتكريمه لما ورد فيه.

3. قتل عثليا مغتصبةِ العرش

12 وَلَمَّا سَمِعَتْ عَثَلْيَا صَوْتَ الشَّعْبِ يَرْكُضُونَ وَيَمْدَحُونَ الْمَلِكَ، دَخَلَتْ إِلَى الشَّعْبِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. 13 وَنَظَرَتْ وَإِذَا الْمَلِكُ وَاقِفٌ عَلَى مِنْبَرِهِ فِي الْمَدْخَلِ، وَالرُّؤَسَاءُ وَالأَبْوَاقُ عِنْدَ الْمَلِكِ، وَكُلُّ شَعْبِ الأَرْضِ يَفْرَحُونَ وَيَنْفُخُونَ بِالأَبْوَاقِ، وَالْمُغَنُّونَ بِآلاَتِ الْغِنَاءِ، وَالْمُعَلِّمُونَ التَّسْبِيحَ. فَشَقَّتْ عَثَلْيَا ثِيَابَهَا وَقَالَتْ: «خِيَانَةٌ، خِيَانَةٌ!». 14 فَأَخْرَجَ يَهُويَادَاعُ الْكَاهِنُ رُؤَسَاءَ الْمِئَاتِ الْمُوَكَّلِينَ عَلَى الْجَيْشِ وَقَالَ لَهُمْ: «أَخْرِجُوهَا إِلَى خَارِجِ الصُّفُوفِ، وَالَّذِي يَتَّبِعُهَا يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ». لأَنَّ الْكَاهِنَ قَالَ: «لاَ تَقْتُلُوهَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ». 15 فَأَلْقَوْا عَلَيْهَا الأَيَادِيَ. وَلَمَّا أَتَتْ إِلَى مَدْخَلِ بَابِ الْخَيْلِ إِلَى بَيْتِ الْمَلِكِ قَتَلُوهَا هُنَاكَ.

وَلَمَّا سَمِعَتْ عَثَلْيَا صَوْتَ الشَّعْبِ يَرْكُضُونَ وَيَمْدَحُونَ الْمَلِكَ،
دَخَلَتْ إِلَى الشَّعْبِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. [12]
تجاسرت الملكة عثليا ودخلت الهيكل، إذ ظنَّت أن نفوذها لا يصدّه شيء ما.
وَنَظَرَتْ وَإِذَا الْمَلِكُ وَاقِفٌ عَلَى مِنْبَرِهِ فِي الْمَدْخَلِ،
وَالرُّؤَسَاءُ وَالأَبْوَاقُ عِنْدَ الْمَلِكِ،
وَكُلُّ شَعْبِ الأَرْضِ يَفْرَحُونَ وَيَنْفُخُونَ بِالأَبْوَاقِ،
وَالْمُغَنُّونَ بِآلاَتِ الْغِنَاءِ وَالْمُعَلِّمُونَ التَّسْبِيحَ.
فَشَقَّتْ عَثَلْيَا ثِيَابَهَا وَقَالَتْ: خِيَانَةٌ! خِيَانَةٌ! [13]
كان الملك على منبره في دار الشعب مُقابِل الكهنة، فقد أُحضر الملك الصغير من الداخل إلى دار الشعب. يرى البعض أن الملك كان على المنصة النحاسية التي لسليمان، موضوعة بجوار المنبر (العمود).
لم تكن عثليا تظن أن أحدًا من بيت داود قد نجا من المذبحة التي ارتكبتها. فجْأة رأت ما لم يكن في حسبانها، فصرخت: "خيانة! خيانة!"
يليق بالأبرار ألا يشمتوا في الأشرار عند هلاكهم، فإنهم يحملون إرادة أبيهم أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقْبِلُون (1 تي 2: 4)، لكنهم يفرحون بإبادة سلطان الشر والظلم حتى لا يتعثَّر الضعفاء، كما يُسَرُّون بمجد الله الذي لا يَقْبَل الفساد.
يجد الأبرار الفرصة للكشف عن بطلان الشر وضعفه وعدم ديمومته، وسخافة حكمة الأشرار ومكرهم وخبثهم. يُسَرُّ الأبرار بانهيار إبليس ومملكته، وبدمار الخطية لا الخاطي. فإن البار لا يعرف إلا الحب حتى بالنسبة للخطاة.
v "يرى الأبرار ذلك فيبتهجون، ويضحك الأبرياء عليهم ساخرين" [19]. إذ يرى الأبرار الأشرار يخطئون هنا، لا يُسَرُّون بخطأ أناس يهلكون أنفسهم. فإنهم إن كانوا يسرون بالخطأ لا يُحسَبون بعد أبرارًا...
لقد فقد الفريسي برَّه لأنه سُرّ، حاسبًا نفسه أسمى من العشار، قائلاً: "أشكرك إني لست مثل باقي الناس الخاطفين، الظالمين، الزناة، ولا مثل هذا العشار" (لو 18: 11).
مرة أخرى إن قلنا إن البار يمكن أن ينتصر بفرحٍ كامل لموت الأشرار، أي نوع هو هذا الفرح من أجل الانتقام من الأشرار في هذا العالم، الذي فيه حياة البار غير أكيدة؟
لنُمَيِّز بين الأزمنة التي للرعب والتي للمجد. فالأبرار يرون الأشرار الآن، ويصيرون في هزالٍ من أجل شرورهم. وعندما يرونهم يُضرَبون، لا يثقون في حياتهم هم أيضًا... الآن يرى الأبرار أبناء الهلاك ويئنون، وفي الدينونة النهائية يرونهم ويضحكون ساخرين.
البابا غريغوريوس (الكبير)
فَأَخْرَجَ يَهُويَادَاعُ الْكَاهِنُ رُؤَسَاءَ الْمِئَاتِ الْمُوَكَّلِينَ عَلَى الْجَيْشِ، وَقَالَ لَهُمْ:
أَخْرِجُوهَا إِلَى خَارِجِ الصُّفُوفِ،
وَالَّذِي يَتَّبِعُهَا يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ.
لأَنَّ الْكَاهِنَ قَالَ: لاَ تَقْتُلُوهَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ. [14]
بحكمةٍ أخذ يهوياداع كل حيطة ألا تقتل المرأة الشريرة في بيت الرب، فالموضع مُقَدَّس، ويلزم ألا يلحق به عار. وفي نفس الوقت يجب ألا تُترَك الملكة الطاغية، لئلا تغتال الملك الصغير، لذلك طلب قتل من يتبعها، رافضا إقامة يوآش ملكًا.
فَأَلْقُوا عَلَيْهَا الأَيَادِيَ.
وَلَمَّا أَتَتْ إِلَى مَدْخَلِ بَابِ الْخَيْلِ إِلَى بَيْتِ الْمَلِكِ قَتَلُوهَا هُنَاكَ. [15]
v أولئك الذين يرضون بالإثم لا يكون لهم نصيب بين الخالدين.
القديس أنطونيوس الكبير
v "محوت اسمهم إلى الدهر والأبد" (مز 9: 5). إنك تُدَمِّرهم تمامًا، تستأصلهم من أصولهم، وتمحوهم، فتختفي ذكراهم أيضًا... "باد ذكرهم بتحطيم" "(أي 18: 18). وفي نص آخر "باد ذكرهم معهم". ماذا يعني بقوله: "بتحطيم"؟ إنه يتحدث عن تدميرٍ تامٍ، أو عن بشاعة الشرور. وهذه في الواقع علامة عناية الله، أنه لا يُفعل هذا سرًا، حتى يُصلِحَ من حال الناس خلال مصائب الآخرين. لذلك يشير إلى شهوة الدمار الذي يحلُّ بهم.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v هذا التبن لا يُهلِك من هم حنطة الرب، والذين هم قليلون إن قورنوا بالآخرين، لكنهم هم جمع عظيم. لا يهلك مختارو الله الذين يُجمَعون من أقاصي العالم، من أربعة رياح، من أقصى السماء إلى أقصاها (مت 24: 31). يصرخ المختارون قائلين: "خَلِّص يا رب، لأنه قد انقرض التقي، لأنه قد انقطع الأمناء من بني البشر" (مز 12: 1). فيقول لهم الرب: "من يصبر إلى المنتهى (حيث يُقيد الشرّ) فهذا يَخلُص" (مت 24: 13).
v ارتجَّت الأرض وارتعشت" (مز 18: 7). عندما تمجَّد ابن الإنسان هكذا ارتج الخطاة وارتعشوا. "أسس الجبال ارتعدت" (مز 18: 7)، فإن رجاء المتكبرين الذين كانوا في هذه الحياة قد ارتعد. "وارتجت لأنه غضب". هذا هو الرجاء في البركات الزمنية، لم يعد بعد متأسسًا في قلوب الناس.
القديس أغسطينوس
v "ذابت الجبال مثل الشمع" (مز 97: 5). بالنسبة لي تبدو الجبال أنها قوات الشياطين. سواء كانوا جبالاً أو لا يكونون، فهم بالتأكيد الناس المتكبرون.
هذه النار لا تهلك الذين في الأسفل (المتواضعين)، وإنما تهلك المتشامخين وحدهم.
كحقيقة واقعة فإن البرق نادرًا ما يؤثر على الذين هم في الوادي، وإنما لن ينجو منه أولئك الذين في الأعالي على الجبال.
القديس جيروم
يرى يوسيفوس أنها قُتِلَتْ عند باب البغال، جنوب شرقي الهيكل، بالقُرْبِ من باب الخيل في وادي قدرون، كان في ذلك الوقت يُحسَب مكانًا دنسًا.

4. إصلاحات الملك

16 فَقَطَعَ يَهُويَادَاعُ عَهْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ الشَّعْبِ وَبَيْنَ الْمَلِكِ أَنْ يَكُونُوا شَعْبًا لِلرَّبِّ. 17 وَدَخَلَ جَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى بَيْتِ الْبَعْلِ وَهَدَمُوهُ وَكَسَّرُوا مَذَابِحَهُ وَتَمَاثِيلَهُ، وَقَتَلُوا مَتَّانَ كَاهِنَ الْبَعْلِ أَمَامَ الْمَذْبَحِ. 18 وَجَعَلَ يَهُويَادَاعُ مُنَاظِرِينَ عَلَى بَيْتِ الرَّبِّ عَنْ يَدِ الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ الَّذِينَ قَسَمَهُمْ دَاوُدُ عَلَى بَيْتِ الرَّبِّ، لإِصْعَادِ مُحْرَقَاتِ الرَّبِّ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى، بِالْفَرَحِ وَالْغِنَاءِ حَسَبَ أَمْرِ دَاوُدَ. 19 وَأَوْقَفَ الْبَوَّابِينَ عَلَى أَبْوَابِ بَيْتِ الرَّبِّ لِئَلاَّ يَدْخُلَ نَجِسٌ فِي أَمْرٍ مَّا. 20 وَأَخَذَ رُؤَسَاءَ الْمِئَاتِ وَالْعُظَمَاءَ وَالْمُتَسَلِّطِينَ عَلَى الشَّعْبِ وَكُلَّ شَعْبِ الأَرْضِ، وَأَنْزَلَ الْمَلِكَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ، وَدَخَلُوا مِنْ وَسَطِ الْبَابِ الأَعْلَى إِلَى بَيْتِ الْمَلِكِ، وَأَجْلَسُوا الْمَلِكَ عَلَى كُرْسِيِّ الْمَمْلَكَةِ. 21 فَفَرِحَ كُلُّ شَعْبِ الأَرْضِ وَاسْتَرَاحَتِ الْمَدِينَةُ، وَقَتَلُوا عَثَلْيَا بِالسَّيْفِ.

فَقَطَعَ يَهُويَادَاعُ عَهْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ الشَّعْبِ وَبَيْنَ الْمَلِكِ،
أَنْ يَكُونُوا شَعْبًا لِلرَّبِّ. [16]
حرص يهوياداع على بدء الإصلاح بتجديد العهد مع الله. لقد قطع عهدًا بينه كممثل لله والشعب والملك بعد أن أفسدت عثليا العبادة لله، وبذلت كل جهدها أن تستبدل عبادة الله بعبادة الأوثان.
عهد ثلاثي: حرص الكاهن أن يُجَدِّدَ الميثاق بين الرب والملك، وبين الله والشعب، وبين الملك والشعب (2 مل 11: 17). أما غاية هذا التجديد للعهد، فهو الحرص أن يكون الشعب "شعب الرب"، فلا يطلب الملك ولا الكاهن ولا الشعب مجدًا لأنفسهم بل للرب.
وَدَخَلَ جَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى بَيْتِ الْبَعْلِ وَهَدَمُوهُ،
وَكَسَّرُوا مَذَابِحَهُ وَتَمَاثِيلَهُ،
وَقَتَلُوا مَتَّانَ كَاهِنَ الْبَعْلِ أَمَامَ الْمَذْبَحِ. [17]
أفظع ما فعلته عثليا هو السير في طريق أمها الشريرة إيزابل، وإدخال عبادة البعل وتعضيدها.
طالبت الشريعة بقتل كهنة الأوثان، لأنهم يغوون الشعب على العبادة الوثنية ورجاساتها (تث 7: 5-6).
متان Mattan: غالبًا كان أول كاهن للبعل، جاء مرافقا عثليا من السامرة، وهو الذي كان مُقَرَّبًا ليربعام في نشر عبادة البعل بأورشليم، دعاه يوسيفوس معثان[13].
وَجَعَلَ يَهُويَادَاعُ حُرَّاسًا عَلَى بَيْتِ الرَّبِّ عَنْ يَدِ الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ،
الَّذِينَ قَسَمَهُمْ دَاوُدُ عَلَى بَيْتِ الرَّبِّ،
لإِصْعَادِ مُحْرَقَاتِ الرَّبِّ.
كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى بِالْفَرَحِ وَالْغِنَاءِ حَسَبَ أَمْرِ دَاوُدَ. [18]
أُهمِلَ الهيكل في أيام الملوك الأشرار، وحدث مزجٌ بين عبادة الله وعبادة الأوثان، وفسد نظام الهيكل، لذلك قام يهوياداع رئيس الكهنة بالآتي:
1. عيَّن الكهنة لإصعاد المحرقات كما هو مكتوب في شريعة موسى.
2. عيَّن المُسَبِّحين حسب ترتيب داود النبي والملك، إذ ارتبطت العبادة بالفرح (رو 5: 11).
3. أقام حُرَّاس الأبواب حسب ما أمر داود [19]، كي لا يدخل الهيكل من كان نجسًا.
وَأَوْقَفَ الْبَوَّابِينَ عَلَى أَبْوَابِ بَيْتِ الرَّبِّ،
لِئَلاَّ يَدْخُلَ نَجِسٌ فِي أَمْرٍ مَا. [19]
وَأَخَذَ رُؤَسَاءَ الْمِئَاتِ وَالْعُظَمَاءَ وَالْمُتَسَلِّطِينَ عَلَى الشَّعْبِ،وَكُلَّ شَعْبِ الأَرْضِ،
وَأَنْزَلَ الْمَلِكَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ،
وَدَخَلُوا مِنْ وَسَطِ الْبَابِ الأَعْلَى إِلَى بَيْتِ الْمَلِكِ،
وَأَجْلَسُوا الْمَلِكَ عَلَى كُرْسِيِّ الْمَمْلَكَةِ. [20]
فَفَرِحَ كُلُّ شَعْبِ الأَرْضِ، وَاسْتَرَاحَتِ الْمَدِينَةُ،
وَقَتَلُوا عَثَلْيَا بِالسَّيْفِ. [21]
ما يلاحظ في كل هذه الإصلاحات سيادة روح الفرح الحقيقي مع السلام الداخلي. هكذا عندما يملك ابن داود على القلب لا يفارقنا فرح الروح، وننعم بعربون السماء!

من وحي 2 أي 23

لتملُك في قلبي، وتقتل كل شر فيه!

v ظَنَّت عثليا أنها ملكت،
وقتلت كل وريث للعرش.
بطغيانها صارت تُحَرِّك القيادات كقطع الشطرنج.
ظَنَّت أنه لا يوجد إله تخشاه!
v وجدت في عبادة البعل ملذاتها،
وأقامت نفسها إلهة، لا يستطيع أن يقف أمامها أحد.
استهانت بكل وعودك لبيت داود.
خططت وظَنَّت أنه يستحيل أن يكون لبيت داود موضع على العرش.
v عنايتك عجيبة، وتدابيرك حكيمة.
حَرَّكتَ كاهنك يهوياداع وزوجته لحفظ طفلٍ بدا كأنه منسي.
وحان الوقت ليجلس على كرسي العرش.
بفرحٍ تحرَّكت القيادات العسكرية والدينية والمدنية.
قُتِلَت عثليا عند باب البغال،
وقُتِلَ معها كاهن البعل متان.
v تجسدت يا كلمة الله وصرتَ طفلاً،
أَرعبتَ إبليس وكل قواته.
تتربَّع على قلوب البشر،
وتُقِيم ملكوتك فيهم داخليًا.
تُحوِّل الترابيين إلى شِبْه سمائيين.
وتضم البشر إلى الخورُس السماوي.
لك المجد يا مُخَلِّص البشرية.


انحراف الملك يوآش


يؤكد هذا الأصحاح ارتباط النظام الملكي لبيت داود بالنظام الكهنوتي اللاوي.
إذ كان يوآش تحت إرشاد يهوياداع رئيس الكهنة التقي، سلك باستقامة قلبٍ، واهتم بالهيكل والعبادة. لكن بعد موت يهوياداع، صار له مشيرون أشرار، فارتدَّ عن الإيمان.

1. إصلاح الهيكل

1 كَانَ يُوآشُ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ ظَبْيَةُ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ. 2 وَعَمِلَ يُوآشُ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنِ. 3 وَاتَّخَذَ يَهُويَادَاعُ لَهُ امْرَأَتَيْنِ فَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. 4 وَحَدَثَ بَعْدَ ذلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي قَلْبِ يُوآشَ أَنْ يُجَدِّدَ بَيْتَ الرَّبِّ. 5 فَجَمَعَ الْكَهَنَةَ وَاللاَّوِيِّينَ وَقَالَ لَهُمُ: «اخْرُجُوا إِلَى مُدُنِ يَهُوذَا وَاجْمَعُوا مِنْ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ فِضَّةً لأَجْلِ تَرْمِيمِ بَيْتِ إِلهِكُمْ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ، وَبَادِرُوا أَنْتُمْ إِلَى هذَا الأَمْرِ». فَلَمْ يُبَادِرِ اللاَّوِيُّونَ. 6 فَدَعَا الْمَلِكُ يَهُويَادَاعَ الرَّأْسَ وَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا لَمْ تَطْلُبْ مِنَ اللاَّوِيِّينَ أَنْ يَأْتُوا مِنْ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ بِجِزْيَةِ مُوسَى عَبْدِ الرَّبِّ وَجَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ لِخَيْمَةِ الشَّهَادَةِ؟ 7 لأَنَّ بَنِي عَثَلْيَا الْخَبِيثَةِ قَدْ هَدَمُوا بَيْتَ اللهِ، وَصَيَّرُوا كُلَّ أَقْدَاسِ بَيْتِ الرَّبِّ لِلْبَعْلِيمِ». 8 وَأَمَرَ الْمَلِكُ فَعَمِلُوا صُنْدُوقًا وَجَعَلُوهُ فِي بَابِ بَيْتِ الرَّبِّ خَارِجًا، 9 وَنَادَوْا فِي يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ بِأَنْ يَأْتُوا إِلَى الرَّبِّ بِجِزْيَةِ مُوسَى عَبْدِ الرَّبِّ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي الْبَرِّيَّةِ. 10 فَفَرِحَ كُلُّ الرُّؤَسَاءِ وَكُلُّ الشَّعْبِ وَأَدْخَلُوا وَأَلْقَوْا فِي الصُّنْدُوقِ حَتَّى امْتَلأَ. 11 وَحِينَمَا كَانَ يُؤْتَى بِالصُّنْدُوقِ إِلَى وَكَالَةِ الْمَلِكِ بِيَدِ اللاَّوِيِّينَ، عِنْدَمَا يَرَوْنَ أَنَّ الْفِضَّةَ قَدْ كَثُرَتْ، كَانَ يَأْتِي كَاتِبُ الْمَلِكِ وَوَكِيلُ الْكَاهِنِ الرَّأْسِ وَيُفْرِغَانِ الصُّنْدُوقَ، ثُمَّ يَحْمِلاَنِهِ وَيَرُدَّانِهِ إِلَى مَكَانِهِ. هكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ يَوْمًا فَيَوْمًا، حَتَّى جَمَعُوا فِضَّةً بِكَثْرَةٍ. 12 وَدَفَعَهَا الْمَلِكُ وَيَهُويَادَاعُ لِعَامِلِي شُغْلِ خِدْمَةِ بَيْتِ الرَّبِّ، وَكَانُوا يَسْتَأْجِرُونَ نَحَّاتِينَ وَنَجَّارِينَ لِتَجْدِيدِ بَيْتِ الرَّبِّ، وَلِلْعَامِلِينَ فِي الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ أَيْضًا لِتَرْمِيمِ بَيْتِ الرَّبِّ. 13 فَعَمِلَ عَامِلُو الشُّغْلِ وَنَجَحَ الْعَمَلُ بِأَيْدِيهِمْ، وَأَقَامُوا بَيْتَ اللهِ عَلَى رَسْمِهِ وَثَبَّتُوهُ. 14 وَلَمَّا أَكْمَلُوا أَتَوْا إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ وَيَهُويَادَاعَ بِبَقِيَّةِ الْفِضَّةِ وَعَمِلُوهَا آنِيَةً لِبَيْتِ الرَّبِّ، آنِيَةَ خِدْمَةٍ وَإِصْعَادٍ وَصُحُونًا وَآنِيَةَ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ. وَكَانُوا يُصْعِدُونَ مُحْرَقَاتٍ فِي بَيْتِ الرَّبِّ دَائِمًا كُلَّ أَيَّامِ يَهُويَادَاعَ.

إذ لم يعد يوجد ملك على يهوذا، إنما استلمت عثليا العرش، صار لرئيس الكهنة والكهنة دور رئيسي. وكان الجيش والشعب متعاطفين مع يهوياداع.
في بداية مُلْكِه كان يوآش يسلك تحت إرشاد يهوياداع الكاهن التقي. لم تكن إرشاداته تُمَثِّل ثقلاً على نفسه، بل سكبت عليه وعلى الشعب سعادة وفرحًا.
والعجيب أن يوآش أظهر غيرة على إصلاح الهيكل أكثر من يهوياداع نفسه [6].
اهتم الملك ببناء الهيكل، ولكن إلى حين، أما يهوياداع فانشغل بالأكثر بالإصلاح الداخلي حتى النفس الأخير.
كَانَ يَهُوآشُ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ،
وَاسْمُ أُمِّهِ ظَبْيَةُ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ. [1]
وَعَمِلَ يَهُوآشُ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنِ. [2]
وَاتَّخَذَ يَهُويَادَاعُ لَهُ امْرَأَتَيْنِ، فَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. [3]
ربما نظن أن يهوياداع اهتم بقيام الملك من نسل داود كرد جميل لما فعله داود وسليمان في بناء الهيكل، وتنظيم العبادة، وتدبير كل ما يمسُّ العمل الكهنوتي، غير أن العلاقة كانت قوية للغاية حتى في الأمور الشخصية. تَدَخَّل يهوياداع في حياة الملك الخاصة جدًا، فلم يتزوج الملك إلا بامرأتيْن. فقد قيل عن الملك: "ولا يكثر له نساء، لئلاَّ يزيغ قلبه" (تث 17: 17). هذا ما سقط فيه سليمان الحكيم: "وأحبَّ الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون، موآبيات وعمونيَّات وأدوميَّات وصيدونيَّات وحثِّيَّات... فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبَّة... فأمالت نساؤه قلبه. وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى، ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه" (1 مل 11: 1-6).
وَحَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي قَلْبِ يَهُوآشَ أَنْ يُجَدِّدَ بَيْتَ الرَّبِّ. [4]
وضع يوآش في قلبه أن يُجَدِّدَ بيت الرب، فقد مَرَّ على إنشائه حوالي مئة وثلاثين عامًا.
شعر يوآش أن بيت الرب هو الملجأ الذي تربَّى فيه، والحصن الذي لجأ إليه من الموت. شعر بحنينٍ نحو هذا البيت، فوضع في قلبه أن يُجَدِّدَه بعد أن تجاهله الكثير من ملوك يهوذا خاصة في أيام يهورام وعثليا، فكان الهيكل في حاجة إلى ترميمٍ دقيقٍ وشاملٍ. وبالفعل تَمَّت بعض الترميمات والإصلاحات فيه.
لقد اختبر يوآش عذوبة السُكنَى في بيت الرب، وبركات الالتقاء مع الرب في بيته، فمن يصعد إلى بيت الرب باشتياق للعشرة معه، يكون كمن يصعد إلى السماء.
v أنتم تعرفون أيها الأعزاء الأحباء أن أغنية المصاعد (إلى بيت الرب) هي أغنية صعودنا، وأن هذا الصعود لا يتحقق بأقدام الجسد بل بمشاعر القلب.
v تُعَلِّمنا المزامير التي تُدعَى "مزامير المصاعد" كيف نصعد ونتقدَّم في سيرنا مع الله.
يدعونا المرتل بالروح القدس أن نصعد بالقلب، أي أن نزداد في الرغبة المقدسة الحقيقية، الأمر الذي هو أعظم من البحث عن "المشاعر الروحية".
نبدأ بالإيمان. ونؤمن في حقيقة عالم الله غير المنظور، وأسس ملكوته الثابت. هذا يلهب فينا رجاءً حيًا بأننا أبناء الملكوت. هذا بدوره يجعلنا نسكب حُبَّ الله على الغير.
هذا يُزِيد رغبتنا لخبرة حضور الله الأبدي الآن، كما في الحياة العتيدة، التي بلا نهاية. هذا هو ما يعنيه أننا نصعد.
v إننا نئن في رحلتنا، وسنفرح في المدينة. لكننا نجد لنا رفقاء في رحلتنا، هؤلاء قد رأوا تلك المدينة عينها. هؤلاء يحثوننا أن نجري نحوها. يفرح (المرتل) بهؤلاء أيضًا، قائلاً: "فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب نذهب".
v بالرغم من أنك لا تزال على الطريق، ضع نصب عينيك كما لو كنت بالفعل واقفًا، كما لو كنت بالفعل فرحًا بلا توقُّف مع الملائكة، كما لو أن المكتوب قد تحقق فيك: "طوبى للساكنين في بيتك، دائمًا يسبحونك".
القديس أغسطينوس
v وجودنا في الكنيسة ما هو إلا استغاثة للعزة الإلهية، وإظهار عبوديتنا له، وشكرنا للنعمة المجانية التي أسبغها علينا حال كوننا أعداء له ومضادين وغير خاضعين لعزته، إذ أرسل ابنه الوحيد من السماء سافكًا دمه الزكي، وباذلاً جسده الكريم الطاهر فداءً عنا، ذاكرين هذه الآلام المجيدة، وصانعين هذه التذكارات الجليلة المحجوبة تحت ستار طبيعتي الخبز والخمر اللذين هما سرّ الجسد المبذول والدم الزكي المسفوك، ومشتركين في هذه النعم الفريدة، مُتَّحدين في هذه الأمجاد الإلهية.
القديس يوحنا الذهبي الفم
فَجَمَعَ الْكَهَنَةَ وَاللاَّوِيِّينَ وَقَالَ لَهُمُ:
اخْرُجُوا إِلَى مُدُنِ يَهُوذَا،
وَاجْمَعُوا مِنْ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ فِضَّةً،
لأَجْلِ تَرْمِيمِ بَيْتِ إِلَهِكُمْ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ،
وَبَادِرُوا أَنْتُمْ إِلَى هَذَا الأَمْرِ.
فَلَمْ يُبَادِرِ اللاَّوِيُّونَ. [5]
طلب الملك من الكهنة واللاويين أن يخرجوا إلى كل المدن، يجمعون فضة لأجل ترميم بيت الرب.
إن كان بيت الرب قائمًا في أورشليم، إلا إنه يُمَثِّل الحضرة الإلهية في المملكة كلها، بل في وسط الشعب أينما وُجِدُوا، فهو مصدر بركة للجميع. هذا وقد أراد الملك أن يشترك الكل في تكلفة الترميم والصيانة المستمرة عبر السنوات، ليتمتعوا ببركة العطاء كذبيحة شكر مُقَدَّمة للرب، راعي الجميع والمعتني بالكل والمهتم بخلاصهم.
يظهر من أسلوب هذا الملك الشاب في حديثه مع اللاويين أن غيرته على ترميم بيت الرب كانت شديدة. غير أنه إذ يتحدث عنه الله يقول: "لأجل ترميم بيت إلهكم"، ولم يقل: "إلهنا". مما يجعلنا نتصور أن غيرة الملك على بيت الرب كانت تمسُّ التجديد والمظهر، وليس العلاقة الشخصية التي تليق بالملك كما بكل القادة والشعب مع الرب.
هذا يُذَكِّرنا بالرؤساء والقادة حين كانوا يتحدثون مع إرميا، قالوا له: "فتصلي لأجلنا إلى الرب إلهك" (إر 42: 2، 3).
إذ تهاون الكهنة واللاويون في ترميم بيت الرب، اهتم الملك نفسه بذلك. بذل كل الجهد لترميم بيت الرب، ولم يَكُف عن العمل لتحقيق هذا:
1. جمع الكهنة واللاويين، ودفعهم للتحرُّك في كل مدن يهوذا، ليشترك كل الشعب في المساهمة في تجديد الهيكل.
2. لم يقاوِم اللاويون الأمر، لكنهم تراخوا في حث الشعب على المساهمة.
3. عاتب الملك رئيس الكهنة يهوياداع على تراخي اللاويين، كما ذَكَّره بما فعلته عثليا من تخريب لبيت الرب.
4. لم يقف عند الحث والعتاب، إنما تحرَّك للقيام بعملٍ إيجابي بسيطٍ، إذ صنع صندوقًا عند باب بيت الرب خارجًا للتبرُّعات. ففرح كل الرؤساء، وألقوا في الصندوق حتى امتلأ.
5. تعاون الملك مع الكهنة معًا، فكان كاتب الملك ووكيل رئيس الكهنة يُفرِّغان الصندوق ويعيدانه من جديد يوميًا[11].
6. كمل العمل، وبقيت فضة استخدمت في عمل آنية ذهبية وفضية لبيت الرب؛ وكانت تُصعَد مُحرَقات في بيت الرب كل أيام يهوياداع [14].
فَدَعَا الْمَلِكُ يَهُويَادَاعَ الرَّئِيسَ وَسَأَلَهُ:
لِمَاذَا لَمْ تَطْلُبْ مِنَ اللاَّوِيِّينَ أَنْ يَأْتُوا مِنْ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ
بِجِزْيَةِ مُوسَى عَبْدِ الرَّبِّ وَجَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ لِخَيْمَةِ الشَّهَادَةِ؟ [6]
طُلِبَ من كل من بلغ العشرين من عمره فما فوق أن يُقَدِّمَ نصف شاقل لبيت الرب، الغني لا يُكثر والفقير لا يقلل، لكي يدرك أن الكل متساوون في عيني الرب (خر 30: 12-15).
لأَنَّ بَنِي عَثَلْيَا الْخَبِيثَةِ قَدْ هَدَمُوا بَيْتَ الله،
وَصَيَّرُوا كُلَّ أَقْدَاسِ بَيْتِ الرَّبِّ لِلْبَعْلِيمِ. [7]
وَأَمَرَ الْمَلِكُ فَعَمِلُوا صُنْدُوقًا، وَجَعَلُوهُ فِي بَابِ بَيْتِ الرَّبِّ خَارِجًا [8]
وَنَادُوا فِي يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ بِأَنْ يَأْتُوا إِلَى الرَّبِّ بِجِزْيَةِ مُوسَى عَبْدِ الرَّبِّ
الْمَفْرُوضَةِ عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي الْبَرِّيَّةِ. [9]
التزم الشعب بتقديم مساهمة حب في نفقات الخيمة (أو الهيكل) من كل الرجال، 20 عامًا فما فوق، دون تمييز بين غني وفقير (خر 30: 12 الخ). تُشير إلى أن التقدمة وإن كانت تحمل روحًا جماعية، لكنها تحمل أيضًا علاقة شخصية بين كل مؤمن وإلهه. خدمة الخيمة (أو الهيكل) هي خدمة الجماعة كلها، دون أن تفقد المؤمن شخصيته كعضو حيّ له علاقة مباشرة مع الله، وفي نفس الوقت خلال اتحاده بالجماعة.
فَفَرِحَ كُلُّ الرُّؤَسَاءِ وَكُلُّ الشَّعْبِ وَأَدْخَلُوا،
وَأَلْقُوا فِي الصُّنْدُوقِ حَتَّى امْتَلأَ. [10]
وَحِينَمَا كَانَ يُؤْتَى بِالصُّنْدُوقِ إِلَى وَكَالَةِ الْمَلِكِ بِيَدِ اللاَّوِيِّينَ،
عِنْدَمَا يَرُونَ أَنَّ الْفِضَّةَ قَدْ كَثُرَتْ،
كَانَ يَأْتِي كَاتِبُ الْمَلِكِ وَوَكِيلُ الْكَاهِنِ الرَّئِيسِ وَيُفْرِغَانِ الصُّنْدُوقَ،
ثُمَّ يَحْمِلاَنِهِ وَيَرُدَّانِهِ إِلَى مَكَانِهِ.
هَكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ يَوْمًا فَيَوْمًا،
حَتَّى جَمَعُوا فِضَّةً بِكَثْرَةٍ. [11]
وَدَفَعَهَا الْمَلِكُ وَيَهُويَادَاعُ لِعَامِلِي شُغْلِ خِدْمَةِ بَيْتِ الرَّبِّ،
وَكَانُوا يَسْتَأْجِرُونَ نَحَّاتِينَ وَنَجَّارِينَ لِتَجْدِيدِ بَيْتِ الرَّبِّ،
وَلِلْعَامِلِينَ فِي الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ أَيْضًا لِتَرْمِيمِ بَيْتِ الرَّبِّ. [12]
فَعَمِلَ عَامِلُو الشُّغْلِ وَنَجَحَ الْعَمَلُ بِأَيْدِيهِمْ،
وَأَقَامُوا بَيْتَ الله عَلَى رَسْمِهِ وَثَبَّتُوهُ. [13]
وَلَمَّا أَكْمَلُوا أَتُوا إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ وَيَهُويَادَاعَ بِبَقِيَّةِ الْفِضَّةِ،
وَعَمِلُوهَا آنِيَةً لِبَيْتِ الرَّبِّ،
آنِيَةَ خِدْمَةٍ وَإِصْعَادٍ وَصُحُونًا وَآنِيَةَ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ.
وَكَانُوا يُصْعِدُونَ مُحْرَقَاتٍ فِي بَيْتِ الرَّبِّ دَائِمًا كُلَّ أَيَّامِ يَهُويَادَاعَ. [14]

2. إعادة العبادة في الهيكل

15 وَشَاخَ يَهُويَادَاعُ وَشَبعَ مِنَ الأَيَّامِ وَمَاتَ. كَانَ ابْنَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً عِنْدَ وَفَاتِهِ. 16 فَدَفَنُوهُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مَعَ الْمُلُوكِ لأَنَّهُ عَمِلَ خَيْرًا فِي إِسْرَائِيلَ وَمَعَ اللهِ وَبَيْتِهِ.

وَشَاخَ يَهُويَادَاعُ وَشَبِعَ مِنَ الأَيَّامِ وَمَاتَ.
كَانَ ابْنَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً عِنْدَ وَفَاتِهِ. [15]
مات يهوياداع وهو ابن مئة وثلاثين سنة. يبدو أنه وُلِدَ في أيام سليمان، وعاصر ستة ملوك، وتبنَّى حفظ الطفل يوآش، وتخبئته لمدة ست سنوات حتى قام بتجليسه وهو في السابعة من عمره.
فَدَفَنُوهُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مَعَ الْمُلُوكِ،
لأَنَّهُ عَمِلَ خَيْرًا فِي إِسْرَائِيلَ وَمَعَ الله وَبَيْتِهِ. [16]
أَكْرَمه الملك والرؤساء والشعب، إذ عمل خيرًا في إسرائيل ومع الله وبيته [16]، فدُفِن مع الملوك.
حسبه الكل كملكٍ، لأنه خلال احتضانه ليوآش الذي يبدو أنه كان ضعيف الشخصية، كان يُدَبِّر شئون المملكة تحت اسمه.
قيل: "عمل خيرًا في إسرائيل" [16]، لأن مملكة يهوذا صارت تُمَثِّل إسرائيل، أما بقية الأسباط فزاغوا عن الرب.

3. ارتداد الملك وتحذيره

17 وَبَعْدَ مَوْتِ يَهُويَادَاعَ جَاءَ رُؤَسَاءُ يَهُوذَا وَسَجَدُوا لِلْمَلِكِ. حِينَئِذٍ سَمِعَ الْمَلِكُ لَهُمْ. 18 وَتَرَكُوا بَيْتَ الرَّبِّ إِلهِ آبَائِهِمْ وَعَبَدُوا السَّوَارِيَ وَالأَصْنَامَ، فَكَانَ غَضَبٌ عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ لأَجْلِ إِثْمِهِمْ هذَا. 19 وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَ لإِرْجَاعِهِمْ إِلَى الرَّبِّ، وَأَشْهَدُوا عَلَيْهِمْ فَلَمْ يُصْغُوا.

وَبَعْدَ مَوْتِ يَهُويَادَاعَ،
جَاءَ رُؤَسَاءُ يَهُوذَا وَسَجَدُوا لِلْمَلِكِ.
حِينَئِذٍ سَمِعَ الْمَلِكُ لَهُمْ. [17]
جاء رؤساء يهوذا إلى الملك بعد موت يهوياداع مباشرة ليصطادوه في فخ عبادة الأصنام. جاء في الترجوم: "بعد موت يهوياداع، جاء عظماء يهوذا إلى الملك يوآش، وسجدوا له وأغووه، فقبل منهم أصنامهم".
للأسف بدفن يهوياداع الذي كان مشيرًا للملك، دُفِنَ كل فكرٍ صالحٍ في الملك، ونسي ما فعله معه الكاهن، وكيف حفظه في الهيكل حتى يعتلي العرش في السابعة من عمره.
تَصَرُّف يوشيا الملك بعد موت مُرْشِده الروحي يكشف سرَّ اهتمام الكنيسة بالأب الروحي.
v ذرفت سيلاً من الدموع على حياتي التعيسة، وصلَّيت لأَجِدَ مُرشِدًا يمكنه أن يبث فيَّ مبادئ التقوى الحقيقية... وأصبح جل اهتمامي أن أعمل على إصلاح أخلاقي بعد أن أفسدها طول اختلاطي برفقاء الشرّ، ثم قرأت الإنجيل، ورأيت أنه لا سبيل إلى بلوغ الكمال إلاَّ بأن يبيع المرء ما له ويعطي للفقراء نصيبهم، ويتخلَّى عن مطامع الحياة جميعها، حتى لا يبقى للنفس ما يُعَكِّر صفوها من كل ما في الدنيا من أشياء.
v يلزم أن يوجد قائد واحد مُعيَّن، ليأمر بهذه الطريق العجيب للحياة، يُختار بكونه أفضل من البقية، خلال امتحان حياته وشخصيته وسلوكه الصالح.
يجب أخذ العمر في الاعتبار حيث يطفي عليه نوعًا من الكرامة. فإنه إلى حد ما بحسب طبيعة الإنسان أن الذي أكثر سنًا يستحق كرامة أعظم.
تبعًا لهذا فان هذا الرأس يمارس سلطة هكذا، ويلتزم الإخوة بالطاعة الاختيارية فقط، في خضوع وتواضع، لكي يمنع أي شخص في الجماعة من مقاومة إرادته عندما يصدر أمرًا ما يساهم في تكريم الحياة الدينية وكمالها.
v إذ يليق بالجماعة أن تطيع الرئيس وتخضع له بكل الطرق، لذا فإنه على جانب عظيم من الأهمية أن الذي يُختار كمرشدٍ في هذه الحالة من الحياة أن تصلح حياته أن تكون نموذجًا في كل فضيلة لكل الذين يتطلعون إليه. وكما يقول الرسول أن يكون "صاحيًا، عاقًلاً، ذا سلوك صالح، معلمًا" (1 تي 3: 2).
لهذا ففي رأيي يلزم الاستقصاء عن طريقة حياته، ولا يقف الأمر عند بلوغه عمرًا معينًا من جهة الزمن، فأحيانًا توجد سمات صبيانية مع الشيبة والتجاعيد.
فالاستفسار عنه يلزم أن يكون فوق كل شيء لمعرفة إن كانت شخصيته وأخلاقياته نمت في شيبة بلياقة، حتى أن كل ما يفعله ويقوله يمكن أن يمثل قانونًا وقاعدة ملزمة للجماعة.
علاوة على هذا فإن الذين يقودون الحياة الرهبانية أن تُؤخذ حياتهم في الاعتبار كما يصفها الرسول، حتى أن الذين يشتغلون بأياديهم يأكلون خبزهم بكرامة (2 تس 3: 12).
v تضفي بعض الحيوانات على حياتها معنى سياسيًا معينًا، إذا كنا نعتبر أن عمل السياسة هو توجيه الطاقات الفرديَّة نحو غاية مشتركة...
إن ما يلاحظ في حياة النحل هو أنه يعمل تحت أمر رئيسٍ أو مندوبٍ عنه. فهو لا يذهب إلى الحقول قبل أن يتولَّى الملك رأس الحملة.
القديس باسيليوس الكبير
وَتَرَكُوا بَيْتَ الرَّبِّ إِلَهِ آبَائِهِمْ،
وَعَبَدُوا السَّوَارِيَ وَالأَصْنَامَ،
فَكَانَ غَضَبٌ عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ لأَجْلِ إِثْمِهِمْ هَذَا. [18]
قام الرؤساء بدور أصدقاء السوء؛ لعلهم صاروا يَتَمَلَّقونه ويداهنونه، ويُظهِرون له كل ولاءٍ. وفي نفس الوقت هنأوه بموت الكاهن الشيخ الذي حسبوه كمن قام بعمل الوِصاية على الملك. وحَثُّوا الملك أن يتحرَّر من الكبت الذي عاشه في أيام يهوياداع، لينعم بالحياة خلال الانغماس في الرجاسات الوثنية. لم يُدرِكْ أنهم دفعوه إلى العبودية للشهوات والفساد والحياة المُخزِية.
من المحتمل أن رؤساء يهوذا تقدَّموا بطلبٍ مباشرٍ أو خفيٍ، مُعلِنين فيه أنهم لم يجسروا أن يَتَقَدَّموا به في حياة يهوياداع من أجل مجهوداته وشيخوخته، وهو أن يعودوا إلى نصب السواري والأصنام التي هُدِمَت في بداية حكم يوآش، وأنهم لا يريدون التقيُّد بخدمة الهيكل العتيقة والصعبة.
لم يسمح لهم الملك بذلك فحسب، وإنما اشترك معهم في إحياء العبادة الوثنية.
وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَ لإِرْجَاعِهِمْ إِلَى الرَّبِّ،
وَأَشْهَدُوا عَلَيْهِمْ فَلَمْ يُصْغُوا. [19]
إن كان عدو الخير قد أثار رؤساء اليهود على العودة إلى العبادة الوثنية، فإن الرب من جانبه، وإن كان لم يُلزِمهم بالعبادة السليمة قسرًا، أرسل إليهم أنبياء يُوَبِّخونهم على إثمهم، ويُحَذِّرونهم من عواقب الشر والخطية.
في خبثٍ تَحَرَّك رؤساء يهوذا مستغلين موت يهوياداع لبعث روح الشر، لكن في كل عصرٍ يوجد شهود لله، يعلنون الحق الإلهي، ويُحَذِّرون الأشرار من الهلاك الذي ينتظرهم.
لم يصغ رؤساء الكهنة ولا الملك لرسالة الرب خلال أنبيائه.

4. قتل زكريا النبي

20 وَلَبِسَ رُوحُ اللهِ زَكَرِيَّا بْنَ يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنَ فَوَقَفَ فَوْقَ الشَّعْبِ وَقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا يَقُولُ اللهُ: لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصَايَا الرَّبِّ فَلاَ تُفْلِحُونَ؟ لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمُ الرَّبَّ قَدْ تَرَكَكُمْ». 21 فَفَتَنُوا عَلَيْهِ وَرَجَمُوهُ بِحِجَارَةٍ بِأَمْرِ الْمَلِكِ فِي دَارِ بَيْتِ الرَّبِّ. 22 وَلَمْ يَذْكُرْ يُوآشُ الْمَلِكُ الْمَعْرُوفَ الَّذِي عَمِلَهُ يَهُويَادَاعُ أَبُوهُ مَعَهُ، بَلْ قَتَلَ ابْنَهُ. وَعِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ: «الرَّبُّ يَنْظُرُ وَيُطَالِبُ».

وَلَبِسَ رُوحُ الله زَكَرِيَّا بْنَ يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنَ،
فَوَقَفَ فَوْقَ الشَّعْبِ وَقَالَ لَهُمْ:
هَكَذَا يَقُولُ الله: لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصَايَا الرَّبِّ فَلاَ تُفْلِحُونَ؟
لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمُ الرَّبَّ، قَدْ تَرَكَكُمْ. [20]
إذ لبس روح الله زكريَّا بن يهوياداع الكاهن، وقف أمام الشعب الذي لم يكن بعد قد فارق الهيكل، بل كان يجتمع فيه، لكنهم بدأوا يعبدون الأصنام.
ربما مع عبادتهم للأصنام، كانوا يجتمعون معًا في الهيكل في بعض المناسبات كالأعياد.
جاء في الترجوم: "عندما رأى إثم الملك والشعب، إذ كانوا يُقَدِّمون بخورًا لصنم في هيكل الرب، في يوم الكفارة، ويمنعون كهنة الرب من تقديم المُحرَقات والذبائح والتقدمات اليومية والخدمات كما ورد في شريعة موسى، وقف على الشعب وقال".
فَفَتَنُوا عَلَيْهِ، وَرَجَمُوهُ بِحِجَارَةٍ،
بِأَمْرِ الْمَلِكِ فِي دَارِ بَيْتِ الرَّبِّ. [21]
نطق الكاهن بالحق الإلهي في وضوحٍ كاملٍ وبلغةٍ غير مثيرةٍ للغضب، ودون أن يُوَجِّه اللوم إلى الملك أو رؤساء يهوذا، ولم يُهَدِّدهم بالقصاص الإلهي. لقد طالبهم بالالتزام بالشريعة وحفظ الوصية الإلهية.
أثار حديث الكاهن الصريح ضمير الملك ورؤساء يهوذا، فعوض الرجوع إلى الله، عاملوه بوحشيةٍ، إذ رجموه بالحجارة بفتنة من هؤلاء الرؤساء ومن معهم، وبأمر الملك الذي حسب في كلمات الكاهن تحدّيًا له شخصيًا.
لم يذكر الكاتب أن الملك أمر بمحاكمته أو اتَّهمه بالتجديف أو الخيانة أو أنه نبي كذَّاب، إنما غالبًا ما قام به أتباع الرؤساء بتهييج الشعب، فحدث شغب، لذلك أصدر الملك أمره برجمه لتهدئة الشعب.
يا له من ملك بائس! ترك الله، فاحتل عدو الخير قلبه، فصار عنيفًا يأمر برجم نبي الله وكاهنه، وابن ذاك الذي له الفضل في اعتلائه كرسي الحكم!
يا للعجب! لقد ارتكب جريمة بشعة من جوانبٍ كثيرةٍ، منها:
1. تَمَّ رجمه وهو كاهن تقي مُقَدَّس في بيت الله المقدس نفسه. يبدو أن زكريا هو المذكور في (لو 11: 51)، ودُعِي ابن برخيا (مت 23: 35)، ربما بتأثير إشعياء 8: 2.
2. العجيب أن الملك أمر برجمه في دار بيت الله، مع أن والد زكريا لم يرد أن يقتل عثليا في بيت الرب، وهي ملكة شريرة مُقاوِمة لله ومفسدة للهيكل وامتحدِّية لبيت داود ، فطلب أن يخرجوها من بيت الرب لتُقتَل هناك.
3. نسي الملك أن والد هذا الكاهن يهوياداع هو الذي عَرَّض حياته للموت لأجل حفظ العرش له! بذل كل الجهد ليحافظ على بقاء العرش لبيت داود.
4. نسي الملك العهد الذي قطعه مع الله يوم تجليسه.
5. تُظهِر بشاعة هذه الجريمة أنها ضد زكريا الذي استُشهِدَ من أجل أمانته لله ووطنه، وأنه ابن يهوياداع الذي عمل الكثير من الإصلاحات في يهوذا، وأنه كان أشبه بوالد للملك.
6. جاء في التقليد اليهودي أن حادثة رجم الكاهن زكريا تمَّت في يوم الكفَّارة. لذلك يرى بعض اليهود أن هذه الجريمة تُمَثِّل سبعة تعدِّيات وهي: إنها جريمة قتل كاهن، نبي، قاضي، سفك دم بريء، ودَنَّست دار بيت الرب، حدثت في يوم سبت، تَمَّت في يوم الكفَّارة.
وَلَمْ يَذْكُرْ يَهُوآشُ الْمَلِكُ الْمَعْرُوفَ الَّذِي عَمِلَهُ يَهُويَادَاعُ أَبُوهُ مَعَهُ،
بَلْ قَتَلَ ابْنَهُ.
وَعِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ: الرَّبُّ يَنْظُرُ وَيُطَالِبُ. [22]
يوآش الذي بدأ حياته كملكٍ في غيرة مُتَّقِدة على بيت الرب، إذا به في جحود يأمر بقتل زكريا بن يهوياداع داخل بيت الرب. عند قتله صرخ زكريا: "الرب يرى ويطالب" [22]. وهي صرخة ناموس يُنتهك. سمع الله لهذه الصرخة، فسمح لجيش أرام أن يأتي بشرذمة قليلة إلى أورشليم لكي يَذلوا جيشًا عظيمًا جدًا ليوآش [24].
لم يطلب الكاهن الانتقام من الملك، إنما تنبأ عمَّا سيحل بالملك بقوله لراجميه: "ينظر الرب ويطالب" [22].
لا ننسى أن زكريا من دم ملوكي، لأن والدته هي عمّة الملك (2 أخ 22: 11)، وقامت بدورٍ هامٍ مع زوجها رئيس الكهنة يهوياداع في حفظ حياة يوآش الملك وتدبير وتنفيذ تجليسه ملكًا، مُعَرِّضين نفسيهما لغضب عثليا.

5. غزو الأراميين له

23 وَفِي مَدَارِ السَّنَةِ صَعِدَ عَلَيْهِ جَيْشُ أَرَامَ وَأَتَوْا إِلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ وَأَهْلَكُوا كُلَّ رُؤَسَاءِ الشَّعْبِ مِنَ الشَّعْبِ، وَجَمِيعَ غَنِيمَتِهِمْ أَرْسَلُوهَا إِلَى مَلِكِ دِمَشْقَ. 24 لأَنَّ جَيْشَ أَرَامَ جَاءَ بِشِرْذِمَةٍ قَلِيلَةٍ، وَدَفَعَ الرَّبُّ لِيَدِهِمْ جَيْشًا كَثِيرًا جِدًّا لأَنَّهُمْ تَرَكُوا الرَّبَّ إِلهَ آبَائِهِمْ. فَأَجْرَوْا قَضَاءً عَلَى يُوآشَ.

وَفِي مَدَارِ السَّنَةِ صَعِدَ عَلَيْهِ جَيْشُ أرام،
وَأَتُوا إِلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ،
وَأَهْلَكُوا كُلَّ رُؤَسَاءِ الشَّعْبِ مِنَ الشَّعْبِ،
وَجَمِيعَ غَنِيمَتِهِمْ أَرْسَلُوهَا إِلَى مَلِكِ دِمَشْقَ. [23]
تحققت نبوَّة الكاهن، ففي مدار السنة صعد على المدينة جيش أرام، وأهلكوا كل رؤساء الشعب، وأرسلوا جميع غنيمتهم إلى دمشق.
لأَنَّ جَيْشَ أرام جَاءَ بِشِرْذِمَةٍ قَلِيلَةٍ،
وَدَفَعَ الرَّبُّ لِيَدِهِمْ جَيْشًا كَثِيرًا جِدًّا،
لأَنَّهُمْ تَرَكُوا الرَّبَّ إِلَهَ آبَائِهِمْ.
فَأَجْرُوا قَضَاءً عَلَى يَهُوآشَ. [24]




6. قتله ودفنه

25 وَعِنْدَ ذَهَابِهِمْ عَنْهُ، لأَنَّهُمْ تَرَكُوهُ بِأَمْرَاضٍ كَثِيرَةٍ، فَتَنَ عَلَيْهِ عَبِيدُهُ مِنْ أَجْلِ دِمَاءِ بَنِي يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنِ، وَقَتَلُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ فَمَاتَ. فَدَفَنُوهُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَلَمْ يَدْفِنُوهُ فِي قُبُورِ الْمُلُوكِ. 26 وَهذَانِ هُمَا الْفَاتِنَانِ عَلَيْهِ: زَابَادُ بْنُ شِمْعَةَ الْعَمُّونِيَّةِ، وَيَهُوزَابَادُ بْنُ شِمْرِيتَ الْمُوآبِيَّةِ. 27 وَأَمَّا بَنُوهُ وَكَثْرَةُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ وَمَرَمَّةُ بَيْتِ اللهِ، هَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي مِدْرَسِ سِفْرِ الْمُلُوكِ. وَمَلَكَ أَمَصْيَا ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.

وَعِنْدَ ذَهَابِهِمْ عَنْهُ -لأَنَّهُمْ تَرَكُوهُ بِأَمْرَاضٍ كَثِيرَةٍ- فَتَنَ عَلَيْهِ عَبِيدُهُ،
مِنْ أَجْلِ دِمَاءِ بَنِي يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنِ،
وَقَتَلُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ فَمَاتَ.
فَدَفَنُوهُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ،
وَلَمْ يَدْفِنُوهُ فِي قُبُورِ الْمُلُوكِ. [25]
يبدو أن يوآش تَمَرَّدَ على ملك أرام... شرب يوآش من كأس الشر الذي ملأه. ومع هذا لم يستجب للتأديبات التي حلَّت عليه بالتوبة والرجوع إلى الله.
1. سمح الله بشرذمة قليلة من أرام أن تهزم جيشه العظيم وتقتل رؤساء الشعب.
2. أخذ حزائيل كل الأقداس وذهب الهيكل وما في خزائن بيت الملك [27].
3. أُصِيبَ يوآش بسلسلة من الأمراض كثيرة، ربما بسبب الضغوط الشديدة التي وقعت عليه. قد تكون أمراض جسدية أو عقلية. فمع كونه في ربيع عمره، كان يتخلَّص من مرض ليَحِلَّ به مرض آخر.
4. بينما كان يظن أنه ينجو من الأمراض إذا به يُغتَال بالسيف وهو على سريره، وذلك من أجل دماء أبناء يهوياداع البريئة، إذ قتل زكريا وإخوته [25].
5. إذ أعاد الملك تأسيس العبادة الوثنية، ودفع الشعب إلى عبادة الأصنام، ودخلوا في زيجات مع نساء وثنيات؛ هلك على يدي اثنين من أبناء الوثنيات. أوضح الكتاب أن اللذين فتنا عليه أحدهما ابن أم عمونية، والآخر أمه موآبية.
6. لم ينل يوآش حتى كرامة دفنه في قبور الملوك، هذا الذي في السابعة من عمره تُوِّج مَلِكًا في بيت الرب بمجدٍ عظيمٍ وفرحٍ. لم يُدفَن في قبور الملوك، لأنه لطَّخ اسمه وكرامته، وكما يقول المرتل: "ليته لا يُكتَب مع الصدّيقين" (مز 69: 28).
لم يُدفَن يوآش الملك في قبور الملوك، بينما دُفِنَ الكاهن يهوياداع في قبور الملوك. يوضح يوسيفوس أن الأخير كُرِّم من أجل إعادة العرش لبيت داود.
v الله هو الذي يرفع الملوك وهو الذي يُنزِلهم عن عروشهم.
v الويل لذاك الرئيس الذي يحاول استغلال السلطة والإسراف في غيِّه وأنانيَّته، فإن القصاص ينتظره من قبل الديَّان العادل، ويكون له بمقدار القسوة التي عامل بها قدِّيسي الله.
القديس باسيليوس الكبير
وَهَذَانِ هُمَا الْفَاتِنَانِ عَلَيْهِ:
زَابَادُ بْنُ شِمْعَةَ الْعَمُّونِيَّةِ، وَيَهُوزَابَادُ بْنُ شِمْرِيتَ الْمُوآبِيَّةِ. [26]
غالبًا هذان اللذان قاما بالاغتيال كانا في جناح القصر الملكي، وكانا موضع ثقة الملك وحاشيته، حتى استطاعا أن يقوما بهذا الاغتيال.
من جانب آخر لم يذكر السفر أن والديهما كانا يهوديين أم غرباء من الأمم.
وَأَمَّا بَنُوهُ وَكَثْرَةُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ وَمَرَمَّةُ بَيْتِ الله فَمَكْتُوبَةٌ فِي مِدْرَسِ سِفْرِ الْمُلُوكِ.
وَمَلَكَ أَمَصْيَا ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [27]
لقد حَذَّره النبي الكاهن، وإذ لم يسمح له، وأمر برجمه حمل ثمار عصيانه وشرّه، فإذا بها أحمال فوق طاقة البشر. صار يوآش عبره لمن ينحرف عن الرب، وكما قيل عن امرأة لوط: "اذكروا امرأة لوط..."
مدرس: سبق الحديث عن هذه الكلمة في (2 أي 13: 22).

من وحي 2 أي 24

احفظني من نفسي!

v استطاع يوآش الطفل والشاب أن يعمل بقوةٍ.
رأى في يهوياداع الكاهن أبًا ومشيرًا وسندًا.
ورأى في بيتك أيقونة السماء،
فاشتهى أن يشارك كل الشعب والقادة في ترميم بيتك المقدس.
كان القائد الناجح السالك باستقامة في عينيك،
بك صار مصدر فرح للشعب كما للرؤساء!
أكرم أباه الروحي إلى يوم وفاة أبيه!
v بعد موت أبيه الروحي أعطى لله القفا لا الوجه.
سجد له الرؤساء والعظماء، فسجد لأصنامهم.
عصى الرب، ولم يبالِ وبالوصية الإلهية.
كان عدوه الحقيقي أعماقه التي انحرفت للشر.
تركك وأقام ذاته إلهًا، يطلب الكرامة الزمنية.
انفتحت أبواب قلبه على مصراعيها لقوات الظلمة.
v ما أصعب أن يكتشف الإنسان خداع نفسه.
يسهل علينا أن ندرك أخطاء الغير، ونُشَهِّر بها.
ويصعب علينا أن ندرك حقيقة أنفسنا.
ليعمل روحك القدوس فينا، فنكتشف ضعفاتنا.
v يا للمرارة والبؤس!
لقد أقام من قلبه عرشًا لإبليس.
فقد حتى الطبيعة البشرية العامة،
وتَحوَّل إلى شيطانٍ عنيفٍ.
لم يسمع لزكريا كرجل الله،
ولا كابن ليهوياداع الذي عَرَّض نفسه للموت كي يُجَلِّسَه على العرش.
أمر برجمه بالحجارة،
لأن قلبه قد تَحَجَّر.
v سفك دمًا بريئًا لرجلٍ بارٍ،
فأَدَّبه الرب بشرذمة قليلة من أرام.
أهلكوا كل رؤساء شعبه الذين خدعوه.
استولوا على غنيمة ضخمة أرسلوها إلى ملك دمشق.
v لم يرجع إلى الرب حتى بعد انهياره هو وجيشه.
بقي في عناده مُتغرِّبًا عن الرب الإله الحقيقي.
فقام غريبان باغتياله وهو على سريره في قصره.
استاء الكل منه، ولم يدفنوه في قبور الملوك.
v احفظني يا ربي من نفسي لئلا تنحرف.
هَبْ لي أن ألتصق ولا أتركك،
فأشعر بحضورك وحُبِّك في أعماقي.
لا تمتد يدي إلى العنف.
ولا أحمل جحودًا لبنيك وخدامك.
لا تتركني، ولا تتخلَّ نعمتك عني!

أمصيا ملك يهوذا


أغلب ما ورد هنا سبق أن ورد في ملوك الثاني 14، غير أنه ضمَّ إضافات هامة.
للأسف بدأ حكمة بالعدل والحكمة ومراعاة شريعة الرب، لكن إذ انتصر على الأدوميين يبدو أنه تشامخ واعتزَّ بقوته وقدرته، فسقط في عبادة الأصنام التي كان يَتَعَبَّد لها الأدوميون، فتخلَّى الرب عنه.
في جهالةٍ وتهورٍ طلب الدخول في معركة مع إسرائيل أخيه، فانهزم أمامه، وأكمل أيامه في خزي. فَتَنُوا عليه في أورشليم واغتالوه.


1. انتقم لوالده بعدلٍ

1 مَلَكَ أَمَصْيَا وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَمَلَكَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ يَهُوعَدَّانُ مِنْ أُورُشَلِيمَ. 2 وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلكِنْ لَيْسَ بِقَلْبٍ كَامِل. 3 وَلَمَّا تَثَبَّتَتِ الْمَمْلَكَةُ عَلَيْهِ قَتَلَ عَبِيدَهُ الَّذِينَ قَتَلُوا الْمَلِكَ أَبَاهُ. 4 وَأَمَّا بَنُوهُمْ فَلَمْ يَقْتُلْهُمْ، بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الشَّرِيعَةِ فِي سِفْرِ مُوسَى حَيْثُ أَمَرَ الرَّبُّ قَائِلًا: «لاَ تَمُوتُ الآبَاءُ لأَجْلِ الْبَنِينَ، وَلاَ الْبَنُونَ يَمُوتُونَ لأَجْلِ الآبَاءِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ لأَجْلِ خَطِيَّتِهِ».

مَلَكَ أَمَصْيَا وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً،
وَمَلَكَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ،
وَاسْمُ أُمِّهِ يَهُوعَدَّانُ مِنْ أُورُشَلِيمَ. [1]
وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ،
وَلَكِنْ لَيْسَ بِقَلْبٍ كَامِلٍ. [2]
لَيْسَ بِقَلْبٍ كَامِلٍ: لقد عمل المستقيم في عينيّ الرب، أي عبد الرب، وأقام خدمة الهيكل، لكنه لم يفعل هذا بقلبٍ كاملٍ.
لا يتجاهل الكتاب المقدس أعمال أمصيا الصالحة، غير أن قلبه لم يكن كاملاً، إذ سرعان ما تَحَوَّل إلى عابد للوثنٍ.
استأجر من إسرائيل مئة ألف جبار بأس دون أن يستشير الرب.


سمع لكلمات النبي الذي وبَّخه على التجائه إلى إسرائيل، وكافأه الرب على ذلك بنصرته على بني ساعير. لكن بعد نصرته جلب أصنام بني ساعير وسجد لها وعبدها، مع أنها لم تنقذ بني ساعير من يد أمصيا نفسه. عوض أن يشكر الله على نصرته، ويُحَطِّم الأصنام العاجزة، ترك الله وعبد هذه الأصنام.
عندما وبَّخه النبي على عبادته للأصنام لم يرجع عن ذلك، بل هَدَّد النبي بقتله.
لم يشرح لنا الكتاب لماذا سمح الله للجنود الإسرائيليين أن يخربوا مدن يهوذا، ويقتلوا ثلاثة آلاف من بني يهوذا وينهبوا الكثير. لعلَّه لعدم استقامة قلب أمصيا، أو مع طاعته للنبي كان في أعماقه مُتذمِّرًا. ولعل هذا دفع الملك أمصيا ألا يقبل النبي ولا يسمع له.
كثيرون من المعاصِرين يُقَدِّمون أعمالاً صالحة، ويهتمون بمساعدة الآخرين، لكن ليس بقلبٍ كاملٍ مشتاق للحياة السماوية الخالدة.
v إذا تطهَّر قلب إنسان يظهر صورة الطبيعة الإلهية في جماله.
القديس غريغوريوس النيسى
v أين يهرب قلبي من قلبي؟ أين أهرب من نفسي؟
القديس أغسطينوس
v ليُعدّ طريق الرب في قلوبنا، فإن قلب الإنسان هو عظيم ومُتَّسع، كما لو كان هو العالم. أنظر إلى عظمته لا في كمّ جسداني، بل في قوّة الذهن التي تعطيه إمكانيّة أن يحتضن معرفة عظيمة جدًا للحق. إذن فليُعَد طريق الرب في قلوبكم خلال حياة لائقة وبأعمال صالحة وكاملة، فيحفظ هذا الطريق حياتكم باستقامة، وتَدخل كلمات الرب إليكم بلا عائق.
العلامة أوريجينوس
وَلَمَّا تَثَبَّتَتِ الْمَمْلَكَةُ عَلَيْهِ،
قَتَلَ عَبِيدَهُ الَّذِينَ قَتَلُوا الْمَلِكَ أَبَاهُ. [3]
إذ ثبتت مملكته، انتقم لأبيه من قاتليه، غير أنه التزم بالشريعة، إذ منع قتل أبنائهم.
وَأَمَّا بَنُوهُمْ فَلَمْ يَقْتُلْهُمْ،
بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الشَّرِيعَةِ فِي سِفْرِ مُوسَى،
حَيْثُ أَمَرَ الرَّبُّ: لاَ تَمُوتُ الآبَاءُ لأَجْلِ الْبَنِينَ،
وَلاَ الْبَنُونَ يَمُوتُونَ لأَجْلِ الآبَاءِ،
بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ لأَجْلِ خَطِيَّتِهِ. [4]
بدأ أمصيا بن يوآش الحكم باستقامة، ولكن ليس بقلبٍ كاملٍ. فإنه لم ينزع المرتفعات بالرغم من أنه هو نفسه لم يذبح فيها.
حرص على تنفيذ الشريعة (تث 24: 16) بعدم قتل أبناء قاتلي أبيه، غير أنه لم يرتبط بالإيمان أن الله قادر أن يُخَلِّصَ بالكثير أو بالقليل، كما خلص الملك آسا الذي قضى على مليون محارب لزارح الكوشي (2 أخ 14: 8-9).
قام أمصيا باستئجار مئة ألف متطوّع جبار بأس من إسرائيل دون أن يستشير الرب. جاء رجل الله النبي يحذره مما فعل، لأن الله لم يكن مع إسرائيل.

2. طاعته للرب

5 وَجَمَعَ أَمَصْيَا يَهُوذَا وَأَقَامَهُمْ حَسَبَ بُيُوتِ الآبَاءِ رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ فِي كُلِّ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ، وَأَحْصَاهُمْ مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقُ، فَوَجَدَهُمْ ثَلاَثَ مِئَةِ أَلْفِ مُخْتَارٍ خَارِجٍ لِلْحَرْبِ حَامِلِ رُمْحٍ وَتُرْسٍ. 6 وَاسْتَأْجَرَ مِنْ إِسْرَائِيلَ مِئَةَ أَلْفِ جَبَّارِ بَأْسٍ بِمِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ. 7 وَجَاءَ إِلَيْهِ رَجُلُ اللهِ قَائِلًا: «أَيُّهَا الْمَلِكُ، لاَ يَأْتِي مَعَكَ جَيْشُ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّ الرَّبَّ لَيْسَ مَعَ إِسْرَائِيلَ، مَعَ كُلِّ بَنِي أَفْرَايِمَ. 8 وَإِنْ ذَهَبْتَ أَنْتَ فَاعْمَلْ وَتَشَدَّدْ لِلْقِتَالِ، لأَنَّ اللهَ يُسْقِطُكَ أَمَامَ الْعَدُوِّ، لأَنَّ عِنْدَ اللهِ قُوَّةً لِلْمُسَاعَدَةِ وَلِلإِسْقَاطِ». 9 فَقَالَ أَمَصْيَا لِرَجُلِ اللهِ: «فَمَاذَا يُعْمَلُ لأَجْلِ الْمِئَةِ الْوَزْنَةِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لِغُزَاةِ إِسْرَائِيلَ؟» فَقَالَ رَجُلُ اللهِ: «إِنَّ الرَّبَّ قَادِرٌ أَنْ يُعْطِيَكَ أَكْثَرَ مِنْ هذِهِ». 10 فَأَفْرَزَ أَمَصْيَا الْغُزَاةَ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَيْهِ مِنْ أَفْرَايِمَ لِكَيْ يَنْطَلِقُوا إِلَى مَكَانِهِمْ، فَحَمِيَ غَضَبُهُمْ جِدًّا عَلَى يَهُوذَا وَرَجَعُوا إِلَى مَكَانِهِمْ بِحُمُوِّ الْغَضَبِ.

وَجَمَعَ أَمَصْيَا يَهُوذَا،
وَأَقَامَهُمْ حَسَبَ بُيُوتِ الآبَاءِ رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ،
فِي كُلِّ يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ،
وَأَحْصَاهُمْ مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقُ،
فَوَجَدَهُمْ ثَلاَثَ مِئَةِ أَلْفِ مُخْتَارٍ خَارِجٍ لِلْحَرْبِ حَامِلِ رُمْحٍ وَتُرْسٍ. [5]
بحكمةٍ أقام أمصيا قادة الجيش من رؤساء ألوف ورؤساء مئات حسب بيوت الآباء، لكي يشعر كل فريقٍ أن الجنود والقادة من ذات السبط، تربطهم روح الأخوّة والقرابة والصداقة.
أراد أن يهاجم الأدوميين الذين تَمَرَّدوا على حكم يهوذا منذ فترة طويلة، فقام باستعدادٍ كبيرٍ. جمع قواته الخاصة من يهوذا وبنيامين، وكان عددهم ثلاثمائة ألف مختار صالحين للحرب.
في أيام يهوشافاط، أي قبل ذلك بحوالي ستّ سنوات، كان عددهم أربعة أضعاف هذا الرقم (2 أي 17: 14-19)، غير أن الخطية أضعفت الشعب والجيش، وأفسدت معنوياتهم.
لقد حَطَّمت الحروب الجيش إلى حد ما (2 أي 21: 8، 16؛ 24: 23-34)، وأيضًا كان لانحدار المملكة وضعفها أثره على الجيش.
يقول الحكيم: "البرّ يرفع شان الأمة، وعار الشعوب الخطية" (أم 14: 34). يشهد التاريخ عبر كل العصور أن الأمم، كما الأفراد، يرفعها البرّ، ويُحَطِّمها الشر بفساده. إن كانت الأمم كثيرًا ما تتشامخ بإمكانياتها العسكرية، لكن يبقى التاريخ يشهد لقوة البرِّ وقدرته.
v لا يوجد مكتوبًا في حروف الناموس (أي الكتاب المقدس) ما هو البرّ، ولكن القلب النقي هو برُّ الإنسان.
القديس أنبا أنطونيوس الكبير
الخطية تُحَطِّم الجيوش، وتُفقِد الإنسان سلطانه وأبديته، حتى وإن كان ملكًا.
v الكذب والمحاباة مرفوضان هناك؛ لأن الدينونة عادلة وتقف كلها باستقامة.
في تلك المحكمة يدخل أيضًا الحكام، وتُعقَّب أعمالهم وأفعالهم.
تُنزع الدرجات عن الحكام، ويدخلون ليصبحوا مُحاكَمين بمحكمة عادلة من قبل العدالة.
تُمزق هناك حلل السلاطين، ويقفون عراة، ورقبتهم مكشوفة مثل الضعفاء.
لن يرى أحد هناك ملكًا له إكليل، ولا حاكمًا له عرش في تلك المحكمة.
يقوم هناك الأسياد مع الفقراء، ولا أحد يأمر، لكن واحد هو رئيس القضاة.
كل الأحكام التي قُضِي فيها هنا زورًا تدخل إلى المحكمة لتصدر هناك بعدلٍ.
تسقط أكاليل السلاطين وتيجانها وعروشها في المحكمة...
ما لم تكن أفعالهم مستقيمة يقفون هناك مثل مذنبين في خجلٍ بسبب أعمالهم.
v أيتها النفس يا محبوبة رَبِّها، مَن أضلك؟ مَن سخر منكِ؟ مَن أغواكِ بالشهوات؟
مَن أنزلكِ من الروحانية إلى دناءة العبيد وحقارتهم الساقطة فيه؟
أنتِ بنت الأحرار، أنتِ بنت الملك، أنتِ بنتِ النور، لماذا أنتِ لابسة لون الليل وأنتِ مُظلِمة؟
القديس مار يعقوب السروجي
v تؤذي الخطايا النفس بخطورة أعظم من أذية الدود للجسم. ومع هذا فنحن لا ندرك فسادها، ولا نشعر بإلحاح ضرورة التطهر منها. وذلك كالسكران الذي يعجز عن أن يعرف كيف أن مذاق الخمر مشمئز، أما المُتعقِّل فيمكنه تمييز ذلك بسهولة. هكذا بالنسبة للخطايا، فمن يعيش في وقارٍ يُمَيِّز بسهولة الوحل والفساد، وأما من يعيش في الشرٍ فيكون كالمخمور بالمسكر، فلا يتحقق من أنه مريض. هذا هو أشر ما في الخطية أنها لا تسمح للساقطين فيها أن يدركوا حالة المرض الخطير التي هم فيها، وإنما يكونون كمن يرقدون في وحلٍ ويظنون أنهم يتمتعون بالأطياب. فليس لديهم أدنى رغبة للتحرُّر. وإذ يعمل فيهم الدود يفتخرون كمن لديهم حجارة كريمة. لهذا لا يريدون قتلها، بل أن ينعشوها ويضاعفوها حتى تعبر بهم إلى الدود الذي في الحياة العتيدة.
القديس يوحنا الذهبي الفم
وَاسْتَأْجَرَ مِنْ إِسْرَائِيلَ مِئَةَ أَلْفِ جَبَّارِ بَأْسٍ بِمِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ. [6]
استأجر أمصيا مئة ألف جبار بأس من إسرائيل مقابل دفع مئة وزنة من الفضة. أخطأ أمصيا في هذا التصرُّف، أولاً لأنه لم يستشر الرب خلال أحد أنبيائه، ولأنه لم يتَّعِظْ مما فعله إسرائيل بيهوذا، حيث دخلت عبادة البعل إلى يهوذا خلال التصاقه بإسرائيل.
واضح أن الملك أمصيا قَدَّم هذه الفضة لملك إسرائيل، وأودعت الفضة في خزانة الدولة، ولم تُسَلِّمْ لجبابرة البأس كمنحة لهم مقابل دخولهم في حربٍ وتعرُّضهم للموت[5].
وَجَاءَ إِلَيْهِ رَجُلُ الله قَائِلاً:
أَيُّهَا الْمَلِكُ لاَ يَأْتِي مَعَكَ جَيْشُ إِسْرَائِيلَ،
لأَنَّ الرَّبَّ لَيْسَ مَعَ إِسْرَائِيلَ مَعَ كُلِّ بَنِي أَفْرَايِمَ. [7]
واضح أن أمصيا بجانب عدم استشارته الرب قبل طلب جبابرة من إسرائيل، أنه لم يكن واثقًا في الله الذي يعمل بالقليل كما بالكثير، ولم يأخذ في اعتباره انحراف إسرائيل في عبادة الرب. "لأن الرب ليس مع إسرائيل مع كل بني أفرايم". فأية منفعة نتوقعها من الذين يعلن الرب بنفسه أنه ليس معهم؟
جاء في الترجوم: "كلمة الرب ليست معينًا للإسرائيليين، ولا لمملكة سبط أفرايم".
كانت عبادة الأصنام هي العبادة السائدة في إسرائيل، وأفرايم تضم مراكز القيادة لهذه العبادة.
وَإِنْ ذَهَبْتَ أَنْتَ، فَاعْمَلْ وَتَشَدَّدْ لِلْقِتَالِ،
لأَنَّ الله يُسْقِطُكَ أَمَامَ الْعَدُوِّ،
لأَنَّ عِنْدَ الله قُوَّةً لِلْمُسَاعَدَةِ وَلِلإِسْقَاطِ. [8]
قوله هنا: "اعمل وتشدد" هو نوع من التهكُّم، أي مهما عملت وتشددت، فسيسقطك الله، بعدم معاونته لك.
اعتبر الرب الالتجاء إلى إسرائيل المقاوم لله، مقاومة مباشرة للرب نفسه.
فَقَالَ أَمَصْيَا لِرَجُلِ الله:
فَمَاذَا يُعْمَلُ لأَجْلِ الْمِئَةِ الْوَزْنَةِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لِغُزَاةِ إِسْرَائِيلَ؟
فَقَالَ رَجُلُ الله: إِنَّ الرَّبَّ قَادِرٌ أَنْ يُعْطِيَكَ أَكْثَرَ مِنْهَا. [9]
قَدَّمَ أمصيا عُذْرًا يمنعه من التراجُع، لأنه دفع مبلغًا عظيمًا مقابل هذا العدد من جبابرة الناس، وإن كانت المئة وزنة ليست مبلغًا كبيرًا بالنسبة لرجال الحرب، غير أن المُستأجرين كانوا ينتظرون نصيبًا من الغنيمة. وهي أيضًا مبلغ زهيد جدًا بالنسبة لله القادر أن يعوضه أضعافًا بحضوره معهم.
أَكَّد له الملك أن القوة أو المساعدة التي يُقَدِّمها الرب أعظم من المال مهما كان قدره.
فَأَفْرَزَ أَمَصْيَا الْغُزَاةَ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَيْهِ مِنْ أَفْرَايِمَ لِيَنْطَلِقُوا إِلَى مَكَانِهِمْ،
فَحَمِيَ غَضَبُهُمْ جِدًّا عَلَى يَهُوذَا،
وَرَجَعُوا إِلَى مَكَانِهِمْ بِحُمُوِّ الْغَضَبِ. [10]
حسب أمصيا أية خسارة مهما بلغت لا تعادل تعويض الله له بحضوره في وسط جيشه وشعبه!
العجيب أن الله رَدَّ لأمصيا ما يقابل هذه الخسارة، وهو النصرة على أدوم، كما رَدَّ نفس المبلغ لحفيده يوثام (2 أخ 27: 5).
نجح أمصيا في طاعته لأمر الرب، فصرف رُبْعَ الجيش بعد أن استعد في الميدان، ولم يبالِ بغضب حلفائه؛ مُقابِل مَسرَّة الله به ورضاه عنه.
"حميَ غضبهم جدًا على يهوذا". غضبوا لأنهم حسبوا هذا نبذًا وإهانة لهم كرجال غير أهلٍ للخدمة العسكرية، ولعلهم كانوا يترجَّون العودة إلى بلادهم حاملين غنائم من أدوم. فرَفْضهم حسبوه إهانة لسمعتهم وخسارة لمكاسبهم.
يرى البعض أن علّة غضبهم أنهم صاروا في موقفٍ حرجٍ، إذ حسبوا أن مملكة يهوذا قد تشكَّكت في إيمانهم بالله الحي.

3. انتصاره على أدوم

11 وَأَمَّا أَمَصْيَا فَتَشَدَّدَ وَاقْتَادَ شَعْبَهُ وَذَهَبَ إِلَى وَادِي الْمِلْحِ، وَضَرَبَ مِنْ بَنِي سِعِير عَشَرَةَ آلاَفٍ، 12 وَعَشَرَةَ آلاَفٍ أَحْيَاءَ سَبَاهُمْ بَنُو يَهُوذَا وَأَتَوْا بِهِمْ إِلَى رَأْسِ سَالِعَ وَطَرَحُوهُمْ عَنْ رَأْسِ سَالِعَ فَتَكَسَّرُوا أَجْمَعُونَ. 13 وَأَمَّا الرِّجَالُ الْغُزَاةُ الَّذِينَ أَرْجَعَهُمْ أَمَصْيَا عَنِ الذَّهَابِ مَعَهُ إِلَى الْقِتَالِ فَاقْتَحَمُوا مُدُنَ يَهُوذَا مِنَ السَّامِرَةِ إِلَى بَيْتِ حُورُونَ، وَضَرَبُوا مِنْهُمْ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَنَهَبُوا نَهْبًا كَثِيرًا.

وَأَمَّا أَمَصْيَا فَتَشَدَّدَ،
وَاقْتَادَ شَعْبَهُ وَذَهَبَ إِلَى وَادِي الْمِلْحِ،
وَضَرَبَ مِنْ بَنِي سَاعِيرَ عَشَرَةَ آلاَفٍ [11]
وادي الملح: يقع هذا الوادي الضيق الشديد الانحدار جنوب البحر الميِّت.
وَعَشَرَةَ آلاَفٍ أَحْيَاءَ سَبَاهُمْ بَنُو يَهُوذَا،
وَأَتُوا بِهِمْ إِلَى رَأْسِ سَالِعَ،
وَطَرَحُوهُمْ عَنْ رَأْسِ سَالِعَ،
فَتَكَسَّرُوا أَجْمَعُونَ. [12]
رأس سالع: كانت بالقُرْبِ من أرض المعركة.
في وحشية أخذ أمصيا المسبيين، وأتى بهم إلى رأس سالع، وهناك طرحهم الجيش على منحدرات صعبة صخرية، فسقطوا وتكسَّر العشرة آلاف أجمعين. كانت هذه طبيعة الحروب بين الإسرائيليين والأدوميين.
وَأَمَّا الْغُزَاةُ الَّذِينَ أَرْجَعَهُمْ أَمَصْيَا عَنِ الذَّهَابِ مَعَهُ إِلَى الْقِتَالِ،
فَاقْتَحَمُوا مُدُنَ يَهُوذَا مِنَ السَّامِرَةِ إِلَى بَيْتِ حُورُونَ،
وَضَرَبُوا مِنْهُمْ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ،
وَنَهَبُوا نَهْبًا كَثِيرًا. [13]
استغلَّ هؤلاء الإسرائيليون رجال البأس انشغال أمصيا وجيشه في الحرب مع أدوم، واقتحموا بعض مدن يهوذا، وضربوا ثلاثة آلاف، ونهبوا الكثير، حاسبين هذا التصرُّف يرد لهم كرامتهم ويُعَوِّضهم عن عدم استيلائهم على غنائم من أدوم.
لقد أطاع أمصيا الله ورَدَّ الإسرائيليين إلى بلادهم، فلماذا سمح للإسرائيليين أن يقتحموا بعض مدن يهوذا ويقتلوا ويسلبوا؟ سمح الله بذلك لتأديب الساكنين في تلك المناطق القريبة من إسرائيل، لأنهم عبدوا الأوثان بإغراء الإسرائيليين لهم. هكذا يفعل إبليس، إذ يغري ويغوي بالشرور والشهوات، وفي نفس الوقت يُفسد ويُهلك.

4. عبادته لأصنام الأدوميين

14 ثُمَّ بَعْدَ مَجِيءِ أَمَصْيَا مِنْ ضَرْبِ الأَدُومِيِّينَ أَتَى بِآلِهَةِ بَنِي سَاعِيرَ وَأَقَامَهُمْ لَهُ آلِهَةً، وَسَجَدَ أَمَامَهُمْ وَأَوْقَدَ لَهُمْ. 15 فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى أَمَصْيَا وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ نَبِيًّا فَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا طَلَبْتَ آلِهَةَ الشَّعْبِ الَّذِينَ لَمْ يُنْقِذُوا شَعْبَهُمْ مِنْ يَدِكَ؟» 16 وَفِيمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ قَالَ لَهُ: «هَلْ جَعَلُوكَ مُشِيرًا لِلْمَلِكِ؟ كُفَّ! لِمَاذَا يَقْتُلُونَكَ؟» فَكَفَّ النَّبِيُّ وَقَالَ: «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللهَ قَدْ قَضَى بِهَلاَكِكَ لأَنَّكَ عَمِلْتَ هذَا وَلَمْ تَسْمَعْ لِمَشُورَتِي».

بدا كملكٍ صالحٍ، لكنه عبد آلهة الشعب الذي غلبه [14-16].
ثُمَّ بَعْدَ مَجِيءِ أَمَصْيَا مِنْ ضَرْبِ الأَدُومِيِّينَ أَتَى بِآلِهَةِ بَنِي سَاعِيرَ،
وَأَقَامَهُمْ لَهُ آلِهَةً،
وَسَجَدَ أَمَامَهُمْ، وَأَوْقَدَ لَهُمْ. [14]
آلهة بني ساعير: جاء في الترجوم: "أصنام بني جبال Gebal[8]".
وهب الرب النصرة لأمصيا على الأدوميين، فإذا به يقتلهم بطريقة وحشية، لكن إذ لم يكن قلبه كاملاً [2]، جذبته الأصنام والرجاسات، فحمل آلهة تلك المنطقة معه لا ليُحَطِّمها، بل ليسجد لها!
حمله آلهتهم كان دليلاً على سقوط أدوم تمامًا، فآخر شيء يُسَلِّمونه هو آلهتهم...
كان حمل صور الآلهة أو تماثيلها من الأمة المهزومة أو المدينة عادة شائعة في الشرق. وأحيانًا كان يمارسها الرومان، ليتعبَّدوا لها، خاصة إذا كانت الأمة الغالبة تعرف هذه الآلهة، وتتطلَّع إليها في شيء من القدسية[9].
يا لغباوة الإنسان الذي يجري وراء الشهوات! ماذا رأى أمصيا في أوثان بني ساعير سوى الضعف والجمود والموت والعار. لمس بنفسه الأمور التي حَلَّت على المُتعبِّدين لها، ومع هذا من أجل لذَّات وقتية باطلة كَرَّمها وسجد لها. ربما ظن أنه بالسجود لها لا تبالي هذه الآلهة بالدفاع عن الأدوميين.
كان يليق به عوض أن يلقي بالأسرى من رأس سالع أن يلقي بهذه الأوثان فتتحطَّم.
ليس من المنطق أن يعبد إنسان آلهة جامدة لأعداء له انتصر عليهم. لكن وحشيته في التعامُل مع الأسرى سلَّمته للجهالة والغباوة وعدم الحكمة.
فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى أَمَصْيَا،
وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ نَبِيًّا، فَقَالَ لَهُ:
لِمَاذَا طَلَبْتَ آلِهَةَ الشَّعْبِ الَّذِينَ لَمْ يُنْقِذُوا شَعْبَهُمْ مِنْ يَدِكَ؟ [15]
غضب الله ليس انتقامًا بالمفهوم البشري، بل لدعوته لشعبه بالتوبة والرجوع إلى الرب، وترك الشر. أرسل إليه نبيًا ليرده إلى صوابه، فيمنع هلاكه. تحدَّث معه النبي بلطفٍ.
وَفِيمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ، قَالَ لَهُ: هَلْ جَعَلُوكَ مُشِيرًا لِلْمَلِكِ؟
كُفَّ! لِمَاذَا يَقْتُلُونَكَ؟
فَكَفَّ النَّبِيُّ، وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الله قَدْ قَضَى بِهَلاَكِكَ،
لأَنَّكَ عَمِلْتَ هَذَا، وَلَمْ تَسْمَعْ لِمَشُورَتِي. [16]
لم يحتمل الملك أن يسمع صوت النبي، فعبادته للأصنام كشفت عن قسوة قلب الملك، وجعلت أذنيه لا تحتملان صوت الرب على لسان نبيِّه.
لم يكن لدى الملك ما يُبَرِّر به تصرُّفه الغبي، وعوض الدخول معه في حوارٍ، انفعل مُوَبِّخًا إيَّاه بسخرية، حاسبًا أن النبي بوقاحةٍ يُقِيم نفسه مشيرًا للملك، الأمر الذي لم يطلبه منه أحد. قام بتهديده بالقتل، ولعلّه أراد أن يُذَكِّره بما حدث لزكريا الكاهن من أبيه (2 أخ 24: 21).
كأنه في سخرية يقول له: "هل جعلوك مشيرًا للملك؟ فإن كان لم يُعَيِّنك أحد في هذا المنصب، فلماذا تتطوَّع بتقديم نصيحة للملك لا حاجة به إليها".
لم يخف النبي، بل حَذَّره بأنه سالك في طريق الهلاك لعصيانه للرب، وعدم قبول مشورة نبيِّه.
توقَّف النبي عن الحديث، لأنه رأى الملك متصلّبًا برأيه، مُستعبدًا لشهواته وعبادة الأصنام. يقول الرب بهوشع: "أفرايم موثق بالأصنام، اتركوه" (هو 4: 17).

5. تحدِّيه لملك إسرائيل

17 فَاسْتَشَارَ أَمَصْيَا مَلِكُ يَهُوذَا، وَأَرْسَلَ إِلَى يُوآشَ بْنِ يَهُوآحَازَ بْنِ يَاهُو مَلِكِ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: «هَلُمَّ نَتَرَاءَ مُواجَهَةً». 18 فَأَرْسَلَ يُوآشُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ إِلَى أَمَصْيَا مَلِكِ يَهُوذَا قَائِلًا: «الْعَوْسَجُ الَّذِي فِي لُبْنَانَ أَرْسَلَ إِلَى الأَرْزِ الَّذِي فِي لُبْنَانَ يَقُولُ: أَعْطِ ابْنَتَكَ لابْنِي امْرَأَةً. فَعَبَرَ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ كَانَ فِي لُبْنَانَ وَدَاسَ الْعَوْسَجَ. 19 تَقُولُ: هأَنَذَا قَدْ ضَرَبْتُ أَدُومَ، فَرَفَّعَكَ قَلْبُكَ لِلتَّمَجُّدِ! فَالآنَ أَقِمْ فِي بَيْتِكَ. لِمَاذَا تَهْجُمُ عَلَى الشَّرِّ فَتَسْقُطَ أَنْتَ وَيَهُوذَا مَعَكَ؟». 20 فَلَمْ يَسْمَعْ أَمَصْيَا لأَنَّهُ كَانَ مِنْ قِبَلِ اللهِ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ، لأَنَّهُمْ طَلَبُوا آلِهَةَ أَدُومَ. 21 وَصَعِدَ يُوآشُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ فَتَرَاءَيَا مُواجَهَةً، هُوَ وَأَمَصْيَا مَلِكُ يَهُوذَا، فِي بَيْتِ شَمْسٍ الَّتِي لِيَهُوذَا. 22 فَانْهَزَمَ يَهُوذَا أَمَامَ إِسْرَائِيلَ وَهَرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ. 23 وَأَمَّا أَمَصْيَا مَلِكُ يَهُوذَا ابْنُ يُوآشَ بْنِ يَهُوآحَازَ فَأَمْسَكَهُ يُوآشُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتِ شَمْسٍ وَجَاءَ بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَهَدَمَ سُورَ أُورُشَلِيمَ مِنْ بَابِ أَفْرَايِمَ إِلَى بَابِ الزَّاوِيَةِ، أَرْبَعَ مِئَةِ ذِرَاعٍ. 24 وَأَخَذَ كُلَّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكُلَّ الآنِيَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي بَيْتِ اللهِ مَعَ عُوبِيدَ أَدُومَ وَخَزَائِنِ بَيْتِ الْمَلِكِ وَالرُّهَنَاءَ وَرَجَعَ إِلَى السَّامِرَةِ.

فَاسْتَشَارَ أَمَصْيَا مَلِكُ يَهُوذَا،
وَأَرْسَلَ إِلَى يُوآشَ بْنِ يَهُوآحَازَ بْنِ يَاهُو مَلِكِ إِسْرَائِيلَ قَائِلاً:
هَلُمَّ نَتَرَاءَ مُواجَهَةً. [17]
وردت قصة دخول أمصيا في معركة مع ملك إسرائيل في (2 مل 14: 8-20). ونلاحظ أن أمصيا لم يستشر الله أو أنبياءه، بل استشار من هُم حوله.
لم يُذكَر في سفر الملوك أن أمصيا استشار أحدًا قبل أن يرسل إلى ملك إسرائيل، قائلاً: "هلم نتراءً مواجهة". لم يستشر النبي، إذ لم يكن من مشيري الملك، إنما استشار بعض رجال دولته الذين يداهنوه، والذين لا علاقة لهم بالله ولا بكلمته ولا بأناس الله. قَدَّموا له مشورة تُشبِع كبرياءه وغروره وتهوُّره.
فَأَرْسَلَ يُوآشُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ إِلَى أَمَصْيَا مَلِكِ يَهُوذَا قَائِلاً:
الْعَوْسَجُ الَّذِي فِي لُبْنَانَ أَرْسَلَ إِلَى الأَرْزِ الَّذِي فِي لُبْنَانَ، يَقُولُ:
أَعْطِ ابْنَتَكَ لاِبْنِي امْرَأَةً.
فَعَبَرَ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ كَانَ فِي لُبْنَانَ وَدَاسَ الْعَوْسَجَ. [18]
غالبًا ما فوجئ ملك إسرائيل بما طلبه منه أمصيا، حيث قال: "هَلُمَّ نَتَرَاءَ مُواجَهَةً". لقد طلب أمصيا عونًا من إسرائيل، واستأجر منه مئة ألف جبّار بأس بمئة وزنة من الفضة [6]. ثم عاد ولم يسمح لهم أن يشتركوا معه في المعركة"، بل رَدَّهم في خزيٍ شديدٍ. وها هم قد انتشروا في يهوذا وقتلوا ثلاثة آلاف، وعادوا إلى إسرائيل بغنائم أكثر مما كانوا سينالونها في المعركة. فبأي وجه يطلب أمصيا أن يتراءى مواجهة. إنه في ضعف العوسج الذي إن سار عليه حيوان برّي يسحقه؟ كيف يطلب مصاهرة الأرز بكل جماله وقوته؟!
تَقُولُ: هَئَنَذَا قَدْ ضَرَبْتُ أَدُومَ.
فَرَفَّعَكَ قَلْبُكَ لِلتَّمَجُّدِ! فَالآنَ أَقِمْ فِي بَيْتِكَ.
لِمَاذَا تَهْجُمُ عَلَى الشَّرِّ، فَتَسْقُطَ أَنْتَ وَيَهُوذَا مَعَكَ؟ [19]
فَلَمْ يَسْمَعْ أَمَصْيَا، لأَنَّهُ كَانَ مِنْ قِبَلِ الله أَنْ يُسَلِّمَهُمْ،
لأَنَّهُمْ طَلَبُوا آلِهَةَ أَدُومَ. [20]
وَصَعِدَ يُوآشُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ،
فَتَرَاءَيَا مُواجَهَةً هُوَ وَأَمَصْيَا مَلِكُ يَهُوذَا،
فِي بَيْتِ شَمْسٍ الَّتِي لِيَهُوذَا. [21]
فَانْهَزَمَ يَهُوذَا أَمَامَ إِسْرَائِيلَ،
وَهَرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ. [22]
وَأَمَّا أَمَصْيَا مَلِكُ يَهُوذَا، فَأَمْسَكَهُ يُوآشُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتِ شَمْسٍ،
وَجَاءَ بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ.
وَهَدَمَ سُورَ أُورُشَلِيمَ مِنْ بَابِ أَفْرَايِمَ إِلَى بَابِ الزَّاوِيَةِ أَرْبَعَ مِئَةِ ذِرَاعٍ. [23]
وَأَخَذَ كُلَّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكُلَّ الآنِيَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي بَيْتِ الله مَعَ عُوبِيدَ أَدُومَ،
وَخَزَائِنِ بَيْتِ الْمَلِكِ وَالرُّهَنَاءَ،
وَرَجَعَ إِلَى السَّامِرَةِ. [24]
جاء في (1 أي 26: 15) أن عوبيد أدوم ونسله كانوا يحفظون الكنوز الإلهية.

6. نهاية مخزية

25 وَعَاشَ أَمَصْيَا بْنُ يُوآشَ مَلِكُ يَهُوذَا بَعْدَ مَوْتِ يُوآشَ بْنِ يَهُوآحَازَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً. 26 وَبَقِيَّةُ أُمُورِ أَمَصْيَا الأُولَى وَالأَخِيرَةِ، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ مُلُوكِ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ.؟ 27 وَمِنْ حِينَ حَادَ أَمَصْيَا مِنْ وَرَاءِ الرَّبِّ فَتَنُوا عَلَيْهِ فِي أُورُشَلِيمَ، فَهَرَبَ إِلَى لَخِيشَ، فَأَرْسَلُوا وَرَاءَهُ إِلَى لَخِيشَ وَقَتَلُوهُ هُنَاكَ، 28 وَحَمَلُوهُ عَلَى الْخَيْلِ وَدَفَنُوهُ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ يَهُوذَا.

وَعَاشَ أَمَصْيَا بْنُ يَهُوآشَ مَلِكُ يَهُوذَا،
بَعْدَ مَوْتِ يُوآشَ بْنِ يَهُوآحَازَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً. [25]
وَبَقِيَّةُ أُمُورِ أَمَصْيَا الأُولَى وَالأَخِيرَةِ،
مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ مُلُوكِ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ. [26]
جاء في الترجوم: [(الأمور) الأولى عندما سار في مخافة الرب؛ والأخيرة عندما ترك الطريق المستقيم الذي أمام الرب، والتي لم تُكتب.]
وَمِنْ حِينَ حَادَ أَمَصْيَا مِنْ وَرَاءِ الرَّبِّ،
فَتَنُوا عَلَيْهِ فِي أُورُشَلِيمَ،
فَهَرَبَ إِلَى لَخِيشَ،
فَأَرْسَلُوا وَرَاءَهُ إِلَى لَخِيشَ وَقَتَلُوهُ هُنَاكَ [27]
يقصد الكاتب أن اغتيال أمصيا جاء تابعًا لارتداده عن الإيمان، ليس بعد الارتداد فورًا من جهة الزمن، إنما على الأقل جاء بعد خمسة عشر عامًا من ارتداده (2 أي 25:25). فقد أطال الرب أناته عليه، وإذ امتلأ كأس شرِّه تحققت فيه النبوة الواردة في (2 أي 25: 16).
إذ ابتعد قلبه عن الله، ابتعدت قلوب شعبه عنه. لقد فتنوا عليه، أي دَبَّروا له مؤامرة قتله، لأنهم شعروا أنه متهوِّر. تعجَّل في عبادته لآلهة أدوم، وتعجَّل في دخوله في حرب مع إسرائيل بغير داعٍ.
يبدو أن تدبير قتله لم يكن من شخصٍ أو اثنين، إنما بواسطة عدد كبير من الشعب...
لقد فقد شعبيته بعد أن خسر المعركة ضد الإسرائيليين، وفقدت أورشليم سورها، وسُلِبت الكنوز الملكية. لقد صارت أورشليم مدينة غير مُحَصّنة، لذلك هرب إلى لخيش يحتمي فيها.
وَحَمَلُوهُ عَلَى الْخَيْلِ،
وَدَفَنُوهُ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ يَهُوذَا. [28]

من وحي 2 أي 25

بداية مُفرِحة ونهاية مُخزِية!

v تبقى حياة أمصيا ملك يهوذا مثالاً خطيرًا.
بدأ حياته باستقامة حتى في عينيّ الرب.
لكن لم يكن قلبه كاملاً.
يحرص على اللقاء مع الله وطاعة وصيته،
أما أبواب قلبه فكانت مفتوحة لتتسلل الخطية تدريجيًا إليه.
حين انتقم لأبيه لم يقتل أبناء مغتاليه.
إنما التزم بالشريعة الإلهية، لا يحمل الابن جريمة أبيه.
v إذ أراد الدخول في معركة مع أدوم،
اهتم أن يجمع رجال حرب مختارين من كل يهوذا وبنيامين.
لكنه مع اهتمامه بشعبه،
لم يسأل الرب المعونة.
استأجر مئة ألف جبار بأس من إسرائيل المُنحرِفة عن الحق الإلهي.
ظَنَّ أنه بفضته يستأجر جبابرة بأس.
ولم يدرك أن النصرة في يد الرب.
وأن المعركة ليست ليهوذا بل للرب.
v أرسل له الله نبيًّا يُحَذِّره، فسمع وأطاع.
وهبه الله نصرة على بني أدوم.
أما هو فمن جانبه تعامل مع الأدوميين بوحشية غير لائقة.
وفي نفس الوقت حمل أصنامهم لا ليُحَطِّمها،
إنما ليسجد لها ويعبدها، ويُقَدِّم لها بخورًا.
يا لبؤسه، يكرّم الأصنام التي عجزت عن إنقاذ عابديها من يده!
v سمح الله بتأديبه، فقام جبابرة البأس الإسرائيليون بغزو الكثير من مدن يهوذا.
صار كالعوسج الذي تسحقه أقدام حيوان برّي.
وصار ملك إسرائيل كالأرز، ليس للعوسج أن يواجهه.
v في مذلةٍ اصطاده ملك إسرائيل،
وباستخفاف رَدَّه إلى أورشليم بعد أن أفسد سورها.
حمل ما في خزائن بيت الرب والقصر الملكي وأيضًا الرهناء!
v ترك الرب بإصرارٍ وعنادٍ، فتركه الرب.
فقد عرشه والمدينة المقدسة وهيكل الرب.
هرب إلى لخيش ليختفي فيها،
هناك اغتيل، ففقد مملكته وحياته وأبديته.
يا لها من نهاية مخزية أمام الجميع في هذا العالم وفي الحياة الأبدية.
v احفظني يا إلهي كي لا ينحرف قلبي.
بروحك القدوس هبه أن يشبع بك ويستريح فيك.
مع كل نسمةٍ من نسمات حياتي،
تنطلق بي نعمتك من مجدٍ إلى مجدٍ، ومن قوةٍ إلى قوةٍ.
تتهلل نفسي مترنمة مع إرميا النبي:
"مراحمك جديدة في كل صباح،
نصيبي هو الرب، قالت نفسي."
v لتكن نهاية حياتي أكثر بهجة من بدايتها.
أنت هو البداية والنهاية.
أنت هو الطريق، فلا أنحرف عنك يمينًا ولا يسارًا!
أنت فرحي وقوّتي ومجدي ونصيبي الأبدي!


عُزِّيا (عزريا) الملك


وردت محتويات هذا الأصحاح باختصار شديد في (2 مل 14: 21-22؛ 15: 1-7).
بدأ عُزِّيا مُلكَه بحياة مستقيمة في عينيّ الرب مع اهتمامه بالإنشاءات ونصراته. لكن إذ حاول اغتصاب العمل الكهنوتي، ضُرِبَ بالبرص حتى يوم موته.
ملك عُزِّيا على يهوذا لمدة 52 عامًا، وهي أطول مدة لمَلِك على يهوذا. في سنواته الأخيرة بسبب التزامه بالسُكنَى في بيت المرض، كان ابنه يوثام يشاركه الحكم.
بالرغم من هذه المدة الطويلة التي قضاها عُزِّيا في الحُكْمِ، وردت سيرته 2 مل 15: 1-7 في سبعة آيات فقط.
قَدَّم سفر أخبار الأيام الثاني تفاصيل كثيرة لم ترد في سفر الملوك. ميَّزه هنا بخمسة أمور[1]:
1. أشار إلى سلوكه تحت إرشاد الكاهن زكريا [5]، كما كان يوآش تحت إرشاد أبيه الروحي يهوياداع (2 أخ 24: 2).
2. أبرز هنا اهتمامه العسكري، وأعماله الجريئة [6-9؛ 11-15]. كشفت الحفريات عن كثير من المعسكرات الحربية الواردة هنا.
3. اتَّسم بغيرته على التَقَدُّم في الزراعة والإنتاج الحيواني [10].
4. أوضح السفر سبب إصابته بمرض البرص (2 مل 15: 5) كعقوبة لتعدِّيه بممارسة عمل كهنوتي بعجرفة (16-21)، وذلك كما فعل شاول الملك (1 صم 13: 8-14).
5. أشار السفر إلى أن بقية أعمال عُزِّيا سَجَّلها إشعياء النبي [22].
مع طول مدة مُلْكِه مات، وفي السنة التي مات فيها رأى إشعياء النبي الملك الحقيقي، ملك الملوك، جالسًا على العرش، وأذياله تملأ الهيكل (6: 1)!
1. سلوكه باستقامة في الرب

1 وَأَخَذَ كُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا عُزِّيَّا وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً وَمَلَّكُوهُ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ أَمَصْيَا. 2 هُوَ بَنَى أَيْلَةَ وَرَدَّهَا لِيَهُوذَا بَعْدَ اضْطِجَاعِ الْمَلِكِ مَعَ آبَائِهِ. 3 كَانَ عُزِّيَّا ابْنَ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ يَكُلْيَا مِنْ أُورُشَلِيمَ. 4 وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ أَمَصْيَا أَبُوهُ. 5 وَكَانَ يَطْلُبُ اللهَ فِي أَيَّامِ زكَرِيَّا الْفَاهِمِ بِمَنَاظِرِ اللهِ. وَفِي أَيَّامِ طَلَبِهِ الرَّبَّ أَنْجَحَهُ اللهُ.

وَأَخَذَ كُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا عُزِّيا وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً،
وَمَلَّكُوهُ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ أَمَصْيَا. [1]
هُوَ بَنَى أَيْلَةَ وَرَدَّهَا لِيَهُوذَا بَعْدَ اضْطِجَاعِ الْمَلِكِ مَعَ آبَائِهِ. [2]
قام عُزِّيا ببناء أيلة (إيلات)، وهي مدينة تقع بالقرب من عصيون جابر على الذراع الشرقي للبحر الأحمر. أخذها داود (2 صم 8: 20) ثم استرجعها الأدوميون. ارتبطت مرة بسليمان (2 أخ 8: 17)، ثم أصبحت في أيدي أدوم.
كَانَ عُزِّيا ابْنَ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ.
وَاسْمُ أُمِّهِ يَكُلْيَا مِنْ أُورُشَلِيمَ. [3]
وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ أَمَصْيَا أَبُوهُ. [4]
أقامت نعمة الله ملكًا جديدًا، وقَدَّمت له الفرص لكي ينمو ينجح، لكن دون أن تُلزِمَه بالسلوك باستقامة بغير إرادته، كما سبق ففعلت مع يوآش، وأيضًا مع أمصيا. فالأول بعد موت يهوياداع سار وراء مشورة الرؤساء مُحِبِّي الأصنام. والثاني بعد أن وهبه الله النصرة على بني أدوم سجد لأصنامهم. وها هي النعمة تعمل في عُزِّيا ليبدأ باستقامة، لكنه بعد ذلك بكبرياء قلبه حاول اغتصاب العمل الكهنوتي بتقديم البخور في بيت الرب.
"حسب كل ما عمل أمصيا أبوه": يذكره هنا من أجل أعماله الصالحة، ولا يذكر سقطاته.
وَكَانَ يَطْلُبُ الله فِي أَيَّامِ زَكَرِيَّا الْفَاهِمِ بِمَنَاظِرِ الله.
وَفِي أَيَّامِ طَلَبِهِ الرَّبَّ، أَنْجَحَهُ الله. [5]
كان على علاقة طيبة مع زكريا الفاهم فيما لله. يرى البعض أنه ابن زكريا الكاهن الذي رجمه جده يوآش (2 أخ 24: 21). يبدو أن زكريا هذا كان مُتبحِّرًا في النبوة، ورِعًا يطلب السماويات. بحسب الترجمة السبعينية كان له تأثيره عليه كمُعَلِّمٍ له، ربما كان يُفَسِّر له النبوات.
كان يطلب الله في أيام زكريا الفاهم بمناظر الله، فأنجحه الله، كما جعله فهيمًا يسمع لكلام الله على لسان زكريا. ليس من الضروري أن يوصف جميع الأنبياء بهذه الصفة، أي رائين. ولم يكن الكل قادرين على شرح مناظر الله، إنما هي موهبة تُعطَى لبعض رجال الله مثل يوسف ودانيال (دا 1: 7). لم يكتفِ عُزِّيا أن يعيد بناء ما دَمَّره العدو، بل سعى أن يجعله الله آمنًا من الهجوم. كان مُلتزِمًا بحماية القطيع من الأعداء الخارجيين والذين من الداخل.
التصاقه بزكريا وطلب مشورته جعله ناجحًا، إذ قيل: "وفي أيام طلبه الرب، أنجحه الله" [5].
الالتصاق بالله يهب المؤمن حياة ناجحة، ليس فقط في عبادته، وإنما في كل جوانب حياته. فالنجاح عطية من الله.

2. نصرته في الحروب

6 وَخَرَجَ وَحَارَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَهَدَمَ سُورَ جَتَّ وَسُورَ يَبْنَةَ وَسُورَ أَشْدُودَ، وَبَنَى مُدُنًا فِي أَرْضِ أَشْدُودَ وَالْفِلِسْطِينِيِّينَ. 7 وَسَاعَدَهُ اللهُ عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَعَلَى الْعَرَبِ السَّاكِنِينَ فِي جُورِ بَعْلَ وَالْمَعُونِيِّينَ. 8 وَأَعْطَى الْعَمُّونِيُّونَ عُزِّيَّا هَدَايَا، وَامْتَدَّ اسْمُهُ إِلَى مَدْخَلِ مِصْرَ لأَنَّهُ تَشَدَّدَ جِدًّا.

وَخَرَجَ وَحَارَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ،
وَهَدَمَ سُورَ جَتَّ وَسُورَ يَبْنَةَ وَسُورَ أَشْدُودَ،
وَبَنَى مُدُنًا فِي أَرْضِ أَشْدُودَ وَالْفِلِسْطِينِيِّينَ. [6]
كان بعضهم قد أتى بهدايا ليهوشافاط (2 أخ 17: 11)، وقاموا على يهورام ابنه (2 أخ 21: 16).
إذ التصق بالرب وهبه الله نصرة على الفلسطينيين الوثنيين، فحَطَّم حصونهم، وأقام مدنًا خاصة به في أراضيهم.
وَسَاعَدَهُ الله عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ،
وَعَلَى الْعَرَبِ السَّاكِنِينَ فِي جُورَبَعْلَ وَالْمَعُونِيِّينَ. [7]
ساعده كلمة الرب ضد الفلسطينيين وضد العرب الذين عاشوا في جيرار وسهول المعون Meun. جاء في الترجوم إنه يقصد بالعرب هنا أولئك الذين كانوا يُدعون Meuneons, Munites, Meonites.
وَأَعْطَى الْعَمُّونِيُّونَ عُزِّيا هَدَايَا،
وَامْتَدَّ اسْمُهُ إِلَى مَدْخَلِ مِصْرَ، لأَنَّهُ تَشَدَّدَ جِدًّا. [8]

3. إنشاءاته

9 وَبَنَى عُزِّيَّا أَبْرَاجًا فِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الزَّاوِيَةِ وَعِنْدَ بَابِ الْوَادِي وَعِنْدَ الزَّاوِيَةِ وَحَصَّنَهَا. 10 وَبَنَى أَبْرَاجًا فِي الْبَرِّيَّةِ، وَحَفَرَ آبَارًا كَثِيرَةً لأَنَّهُ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ كَثِيرَةٌ فِي السَّاحِلِ وَالسَّهْلِ، وَفَلاَّحُونَ وَكَرَّامُونَ فِي الْجِبَالِ وَفِي الْكَرْمَلِ، لأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْفِلاَحَةَ.

وَبَنَى عُزِّيا أَبْرَاجًا فِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الزَّاوِيَةِ،
وَعِنْدَ بَابِ الْوَادِي وَعِنْدَ الزَّاوِيَةِ وَحَصَّنَهَا. [9]
لم يكن عُزِّيا من الذين يبذلون طاقاتهم في الحروب مع الأمم على حساب بنيان بلده وشعبه.
وَبَنَى أَبْرَاجًا فِي الْبَرِّيَّةِ،
وَحَفَرَ آبَارًا كَثِيرَةً،
لأَنَّهُ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ كَثِيرَةٌ فِي السَّاحِلِ وَالسَّهْلِ،
وَفَلاَّحُونَ وَكَرَّامُونَ فِي الْجِبَالِ،
وَفِي الْكَرْمَلِ، لأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْفِلاَحَةَ. [10]
بنى أبراجًا لحماية المواشي من هجوم الأعداء، وهي للمراقبة والدفاع من الغزاة.
كان محبًا للفلاحة بجانب اهتمامه بالقطيع والمراعي والرعاة والمزارعين.
وكان محبًا للتعمير أيضًا كما للفلاحة. كان فخر للمزارعين أن يهتم أحد عظماء ملوك بيت داود بالفلاحة المنتجة، ولعل اهتمامه بالفلاحة أعطى لنفسه سلاحًا وسط المعارك والحروب، كما جعلته لا يمارس حياة الترف واللهو، كما يفعل كثير من الذين عُرفوا بالانتصارات في المعارك.
ماذا يقصد بالبرية والساحل والسهل؟
1. يقصد بالبرية المنطقة المرتفعة في الجنوب والجنوب الشرقي الممتدة من الشاطئ الغربي للبحر الميّت حتى قرب بئر سبع.
2. الساحل: السهل المجاور للبحر في الغرب بين تلال اليهودية والبحر.
3. السهل: الأرض الخصبة جدًا التي وراء الأردن في سهول جلعاد.
الكرمل: يرى كالميت Calmet أنه يوجد كرمل في سبط يهوذا حيث عاش نابال، وكرمل Carmel أخرى على شاطئ البحر الأبيض المتوسط بجوار Kishon، وكلاهما يمتازان بأراضيهما الخصبة لزراعة الكروم.
اهتم بحفر آبار كثيرة مثل الآباء البطاركة، وهي تشير إلى الاهتمام بعمل الروح القدس، الماء الحيّ.
يُعَلِّق العلامة أوريجينوس عن الآبار التي حفرها إبراهيم وطمّها الفلسطينيون وملأوها ترابًا (تك 26: 15). بعد موته عاد إسحق ونبشها، وأزال عنها التراب (تك 26: 18)، قائلاً: بأن ما فعله الفلسطينيون الوثنيون يشير إلى عمل الشياطين في النفس البشرية حيث يفسدون فيها صورة الله. وما فعله إسحق كان رمزًا لعمل المسيح الذي يُعِيد لنا الصورة الإلهية بعمل روحه القدوس.
أما عن نبش الآبار التي يردمها عدو الخير بالقاذورات، فيتحقق بدراسة الكتاب المقدس باجتهاد مع الصلاة. لذلك يوصينا بالصلاة. ففي كثير من الأحيان، نكون بجانب آبار الماء الجاري- الكتاب الإلهي- ولكننا نعجز عن التَعَرُّف عليه بمفردنا.
v كما أن إسحق آتى لينبش الآبار التي حفرها أبيه، فإن المسيح فقط، (ورمزه) إسحق، هو الذي يمكن أن يُزِيلَ من آبار أنفسنا القاذورات التي ملأتها خطايانا، حتى يمكن للمياه الحية أن تطفو مرة أخرى. ويؤكد دوام "بقاء الصورة" في الإنسان، بالرغم من أخطائه، من خلال نعمة المسيح، حيث يمكن التحوُّل من حالة إلى أخرى: ونفس الشيء بالنسبة لدوام سكنى الروح.
v لذلك، فإن الآبار التي حفرها إبراهيم، التي هي أسفار العهد القديم، قد امتلأت بالتراب بواسطة الفلسطينيين، أو بالمُعَلِّمين الأشرار، الكتبة والفريسيين، أو حتى القوى المعادية... حتى لا يعطوا مشروبًا للذين هم لإبراهيم. فهؤلاء الناس لم يشربوا من الأسفار المقدسة، بل عانوا "من عطش كلمة الرب"، حتى يأتي إسحق، ويفتح لهم الخدام كي يشربوا.
وإننا نُقَدِّم الشكر للمسيح، ابن إبراهيم حيث كُتِبَ:" كتاب أجيال يسوع المسيح، ابن داود بن إبراهيم (مت 1:1) الذي أتى وفتح الآبار لنا. فقد فتحها للذين قالوا: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا، إذ كان يُكَلِّمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب؟" (لو 24:32). لقد فتح هذه الآبار!
v فلنَعْلَم أننا أحيانًا نكون مُستَلْقين بجانب بئر "المياه الحية"، التي هي حول الكتب الإلهية، ونخطئ فيها. نأخذ الكتب ونقرأها، ولكننا لا نقترب من المعنى الروحي.
إذن، هناك ضرورة للبكاء والصلاة المستمرة التي بها يفتح الرب أعيننا، لأنه حتى أعين العميان الموجودين في أريحا، لم يكن ممكنًا إن تُفتَح إلا عندما يطلبون من الرب (مت 20:30).
وماذا أقول؟ إن أعيننا تُفتح، لأن المسيح أتى ليفتح أعين الذين لا يُبصِرون.
إذن، أعيننا انفتحت، ونُزِعَ حرف الناموس. ولكن أخشى أننا نغلقها مرة أخرى في سباتٍ عميقٍ، فلا نرى المعنى الروحي.
v كن مجتهدًا في قراءة الكتاب المقدس. نعم، كن مجتهدًا...
اقرع. فسيَفتح لك حارس الباب...
لا تكتفي بأن تقرع وتستقصي. فالصلاة هي أهم شيء لبلوغ الحقيقة الروحية.
لذلك، لم يقتصر مُخَلِّصنا على القول: "اقرعوا يُفتَح لكم" و"اطلبوا تجدوا"، بل قال أيضًا "اسألوا تعطوا".
فكل منا، الذي يخدم كلمة الله، يحفر آبارًا، ويطلب الماء الحي الذي بواسطته يُجَدِّد سامعيه.
v ما زال اليهود عند مارّة، مقيمين عند المياه المُرَّة، لأن الله لم يُرهم بعد الشجرة التي يصير بها الماء عذبًا.
v ألقى الرب بشجرة في المياه، فصارت عذبة. أما عندما تأتي شجرة (صليب) يسوع، ويسكن في داخلي تعليم مُخلِّصي، حينئذ يصير ناموس موسى "عذبًا"، ويصير مذاقه، لمن يقرأه ويفهمه، بالحقيقة حلوًا".
العلامة أوريجينوس

4. أعمال التنظيم

11 وَكَانَ لِعُزِّيَّا جَيْشٌ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ يَخْرُجُونَ لِلْحَرْبِ أَحْزَابًا حَسَبَ عَدَدِ إِحْصَائِهِمْ عَنْ يَدِ يَعِيئِيلَ الْكَاتِبِ وَمَعَسِيَا الْعَرِيفِ تَحْتَ يَدِ حَنَنْيَّا وَاحِدٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمَلِكِ. 12 كُلُّ عَدَدِ رُؤُوسِ الآبَاءِ مِنْ جَبَابِرَةِ الْبَأْسِ أَلْفَانِ وَسِتُّ مِئَةٍ. 13 وَتَحْتَ يَدِهِمْ جَيْشُ جُنُودٍ ثَلاَثُ مِئَةِ أَلْفٍ وَسَبْعَةُ آلاَفٍ وَخَمْسُ مِئَةٍ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ بِقُوَّةٍ شَدِيدَةٍ لِمُسَاعَدَةِ الْمَلِكِ عَلَى الْعَدُوِّ. 14 وَهَيَّأَ لَهُمْ عُزِّيَّا، لِكُلِّ الْجَيْشِ، أَتْرَاسًا وَرِمَاحًا وَخُوَذًا وَدُرُوعًا وَقِسِيًّا وَحِجَارَةَ مَقَالِيعَ. 15 وَعَمِلَ فِي أُورُشَلِيمَ مَنْجَنِيقَاتٍ اخْتِرَاعَ مُخْتَرِعِينَ لِتَكُونَ عَلَى الأَبْرَاجِ وَعَلَى الزَّوَايَا، لِتُرْمَى بِهَا السِّهَامُ وَالْحِجَارَةُ الْعَظِيمَةُ. وَامْتَدَّ اسْمُهُ إِلَى بَعِيدٍ إِذْ عَجِبَتْ مُسَاعَدَتُهُ حَتَّى تَشَدَّدَ.

وَكَانَ لِعُزِّيا جَيْشٌ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ،
يَخْرُجُونَ لِلْحَرْبِ أَحْزَابًا حَسَبَ عَدَدِ إِحْصَائِهِمْ،
عَنْ يَدِ يَعِيئِيلَ الْكَاتِبِ وَمَعْسِيَّا الْعَرِيفِ،
تَحْتَ يَدِ حَنَنْيَا وَاحِدٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمَلِكِ. [11]
اهتم أيضًا بجيشه، لاستكمال أسلحته الدفاعية.
يبدو أن عُزِّيا في أيام سلوكه باستقامة في عينيّ الرب اتَّسم بالتدبير الصالح والنظام، فأنشأ للجيش مؤسستين: جيش المقاتلين يخرجون للحرب أحزابًا، يستردون ما سبق أن فقدته المملكة. وجيش لحماية الحصون والبلاد، كانوا مستعدين للدفاع ضد أي هجوم من الخارج [12-13].
يبدو أن نظامه كان أفضل ممن سبقوه، لذلك أشار إليه يعيئيل الكاتب، الذي كان عمله أن يُسَجِّلَ أسماء الجنود أفرادًا حسب فرقهم (أحزابهم).
كُلُّ عَدَدِ رُؤُوسِ الآبَاءِ مِنْ جَبَابِرَةِ الْبَأْسِ أَلْفَانِ وَسِتُّ مِئَةٍ. [12]
يقصد برؤوس الآباء القادة في الجيش.
وَتَحْتَ يَدِهِمْ جَيْشُ جُنُودٍ،
ثَلاَثُ مِئَةِ أَلْفٍ وَسَبْعَةُ آلاَفٍ وَخَمْسُ مِئَةٍ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ،
بِقُوَّةٍ شَدِيدَةٍ لِمُسَاعَدَةِ الْمَلِكِ عَلَى الْعَدُوِّ. [13]
وَهَيَّأَ لَهُمْ عُزِّيا لِكُلِّ الْجَيْشِ،
أَتْرَاسًا وَرِمَاحًا وَخُوَذًا وَدُرُوعًا وَقِسِيًّا وَحِجَارَةَ مَقَالِيعَ. [14]
حجارة مقاليع: أَعدَّها لكي إذا ما حدث قتال يجدونها جاهزة.
وَعَمِلَ فِي أُورُشَلِيمَ مَنْجَنِيقَاتٍ اخْتِرَاعَ مُخْتَرِعِينَ لِتَكُونَ عَلَى الأَبْرَاجِ،
وَعَلَى الزَّوَايَا لِتُرْمَى بِهَا السِّهَامُ وَالْحِجَارَةُ الْعَظِيمَةُ.
وَامْتَدَّ اسْمُهُ إِلَى بَعِيدٍ،
إِذْ عَجِبَتْ مُسَاعَدَتُهُ حَتَّى تَشَدَّدَ. [15]
المنجنيقات: هي آلات لرمي الحجارة، بلغة العصر مدافع تقذف حجارة وليس قذائف. كان هذا السلاح موجودًا قبل عُزِّيا، لكنها تطورت، لتحمل كميات أكبر من الحجارة، أو تقذف على مدى مسافات أكبر.
كان عُزِّيا مهتمًا بالجانب العسكري، جاء في الترجوم: [صنع في أورشليم آلات رائعة: منجنيقات، وأبراجًا مجوّفة ثَبَّتها على الأبراج وعلى البستين (أجزاء ناتئة من الحصن) لكي تُصوَّب منها السهام والحجارة الضخمة.]
يرى البعض أن هذه المنجنيقات كانت متقدمة بالنسبة لعصرها، وأن مملكة يهوذا سبقت اليونانيين والرومان في استخدامها. لا نعجب إن كان ما قام به عُزِّيا أعطاه شهرة عالمية، وكان مصدر رعب لأعدائه.

5. تشامخه واقتحام الكهنوت

16 وَلَمَّا تَشَدَّدَ ارْتَفَعَ قَلْبُهُ إِلَى الْهَلاَكِ وَخَانَ الرَّبَّ إِلهَهُ، وَدَخَلَ هَيْكَلَ الرَّبِّ لِيُوقِدَ عَلَى مَذْبَحِ الْبَخُورِ. 17 وَدَخَلَ وَرَاءَهُ عَزَرْيَا الْكَاهِنُ وَمَعَهُ ثَمَانُونَ مِنْ كَهَنَةِ الرَّبِّ بَنِي الْبَأْسِ. 18 وَقَاوَمُوا عُزِّيَّا الْمَلِكَ وَقَالُوا لَهُ: «لَيْسَ لَكَ يَا عُزِّيَّا أَنْ تُوقِدَ لِلرَّبِّ، بَلْ لِلْكَهَنَةِ بَنِي هَارُونَ الْمُقَدَّسِينَ لِلإِيقَادِ. اُخْرُجْ مِنَ الْمَقْدِسِ لأَنَّكَ خُنْتَ وَلَيْسَ لَكَ مِنْ كَرَامَةٍ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ الإِلهِ».

وَلَمَّا تَشَدَّدَ ارْتَفَعَ قَلْبُهُ إِلَى الْهَلاَكِ،
وَخَانَ الرَّبَّ إِلَهَهُ،
وَدَخَلَ هَيْكَلَ الرَّبِّ لِيُوقِدَ عَلَى مَذْبَحِ الْبَخُورِ. [16]
جاء في الترجوم: [لقد أخطأ ضد كلمة الله إلهه.]
لعل نجاحه وشهرته على مستوى عالمي، ورُعْب الأعداء منه، دفعه إلى الكبرياء، فتسلل في قلبه وفكره العصيان على الشريعة الإلهية.
للأسف رغم كل هذا النجاح ارتفع قلبه إلى الهلاك [16]. تعالى، وحاول اغتصاب الحق، لإيقاد البخور على المذبح الذهبي الخاص بالكهنة وحدهم (عد 16: 40). ضُرِبَ الملك بالبرص لاحتقاره قداسة الله، فبادر بالخروج من حضرة الرب.
سقط بعض الملوك الذين من نسل داود في الزنا أو عبادة الأوثان أو الزواج من وثنيات أو القتل، غير أن عُزِّيا لم يُتَّهم بأية خطية من هذا النوع، إنما خان الرب إلهه بتعدِّيه على وظيفة الكهنوت. وهو في هذا لم يتَّعِظ بما سبق أن فعله شاول البنياميني أول ملك لإسرائيل.
لم نسمع أن أحدًا من الملوك الصالحين أو الأشرار فعل هذا، فلماذا تجاسر عُزِّيا الملك، ودخل الهيكل ليوقد بخورًا على المذبح، بالرغم من معرفته أن الناموس يمنعه من ذلك، وقد دخل وراءه رئيس الكهنة ومعه ثمانون كاهنًا يقاومونه، أما هو فغضب جدًا وحنق عليهم؟
1. ربما ظَنَّ أنه أكثر غيرة وحبًا للعبادة من الكهنة ومن الملوك السابقين، فتعدَّى حدوده، ومارس ما لا يجوز له فعله.
2. ربما توَّهم أن الكهنة لم يقوموا بوظيفتهم بورعٍ وتقوى كما يجب، وأنه بإمكانه أن يعمل ما هو أفضل منهم.
3. ربما كان ذلك في يوم عيدٍ مقدسٍ، أو مناسبة خاصة به أو بأسرته، فدخل يُقَدِّم بخور شكر لله أو يطلب مراحمه، لكن للأسف بروح التشامخ والتحدِّي للوصية الإلهية.
4. ربما لاحظ أن الملوك الذين انحرفوا في عبادة الأوثان أوقدوا بخورًا بأنفسهم للأصنام، فأبوه أوقد بخورًا لآلهة أدوم (2 أخ 25: 14). وأيضًا يربعام (1 مل 13: 1). فأراد أن يؤكد أنه ملتصق بمذبح الرب لا مذابح الأوثان.
5. إذ تعرَّف على الكثير من الأسرار الإلهية وشرح النبوات بتلمذته لزكريا الفاهم بمناظر الله، لم يسلك بما يليق بهذه المعرفة، إنما ظَنَّ أنه صاحب معرفة أكثر من غيره، فسقط في الغرور والكبرياء.
هذا كله لا يُبَرِّر ما فعله، إذ لم يكن قانعًا بالكرامات والعطايا والنصرات التي وهبه الله إيَّاها، فأراد اغتصاب الممنوعات كما فعل أبوانا الأولان.
v توجد أربع علامات بها يُعرَف كل نوعٍ من كبرياء المتعجرفين:
عندما يظنون أنهم يقتنون أية سمة صالحة من ذواتهم.
وإذا اعتقدوا أنها وُهِبَت لهم من فوق، ولكن من أجل استحقاقاتهم الذاتية.
أو دون تردد عندما يفتخرون بأن لديهم شيء وهو ليس لديهم،
أو عندما يستخفون بالآخرين، ويرغبون أن يظهروا أنهم الوحيدون الذين لديهم ما لهم.
يفتخر الشخص بأنه اقتنى سماته الصالحة من ذاته، مثل هذا يقول له الرسول: "أي شيء لك لم تأخذه؟ وإن كنت فد أخذت، فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟" (1 كو 4: 7)
مَرَّة أخرى، يُحَذِّرنا ذات الرسول ألا نظن أن أية عطية من النعمة تُوهَب لنا عن استحقاقات سابقة، بقوله: "لأنكم بالنعمة مُخَلَّصون بالإيمان، وذلك ليس منكم، هو عطية الله. ليس من أعمالٍ كيلا يفتخر أحد" (أف 2: 8-9). ويقول عن نفسه: "أنا الذي كنتُ قبلاً مُجَدِّفًا ومضطهدًا ومفتريًا، ولكنني رُحمت" (1 تي 1: 13). في هذه الكلمات يعلن بوضوحٍ أن النعمة لا تُعطَى لمستحقين، حين يُعَلِّمنا الأمرين، أي استحقاق له عن أفعاله الشريرة، وأن ما ناله هو بواسطة حنو الله.
لكن يفتخر البعض أن لديهم أمورًا بالحقيقة ليست لديهم، وذلك كما يتكلم الصوت الإلهي عن موآب بالنبي: "أنا عرفت كبرياءه وعجرفته، وأن فضيلته ليست حسب (استحقاقاته)" (راجع إر 48: 30). وقيل لملاك كنيسة لاودكية: "لأنك تقول إني أنا غني، وقد استغنيت، ولا حاجة لي إلى شيء، ولستَ تَعْلَم أنك أنت الشقي والبائس وفقير وأعمى وعريان" (رؤ 3: 17).
والبعض في استخفافهم بالغير، يرغبون في الظهور أنهم الوحيدون أصحاب سمات صالحة يتَّسمون بها. هكذا نزل الفريسي من الهيكل دون أن يتبرَّرَ، لأنه وصف نفسه كما لو كان في موقفٍ فريدٍ، مستحقًا للأعمال الصالحة، ومَيَّز نفسه عن العشار المتوسل.
يُحَذِّرنا الرسل القديسون من خطية الكبرياء هذه. فإنهم إذ رجعوا من كرازتهم، وقالوا في كبرياء: "يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك" (لو 10: 17)، فلكي يحفظهم من الفرح بهذه العطية الفريدة لعمل المعجزات... أجابهم الرب للحال، قائلاً: "رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء" (لو 10: 18).
البابا غريغوريوس (الكبير)
v يا لحُب السيطرة! يا لشهوة المجد الباطل، كيف تُسقِط وتُهلِك كل شيء، تجعل البشر يقفون ضد خلاصهم وخلاص الآخرين. تجعلهم بالحق عميان، وفي ظلمة، ويحتاجون إلى من يقودهم بيديه.
v كيف يمكننا أن نتخلَّص من المجد الباطل؟ فَكِّروا في أولئك الذين من أجل المجد أنفقوا أموالاً كثيرة، ولم ينالوا شيئًا منه.
فَكِّروا في الأموات، أي مجد قد نالوه، وكيف أن هذا المجد لا وجود له، بل يبدو أنه صار كلا شيء. لتفكروا أنه يحمل مُجَرَّد الاسم "المجد" ولا يحوي فيه شيئًا حقيقيًا...
لنهرب من هذه الهوة، ولنطلب أمرًا واحدًا: المجد الذي من الله، وأن نكون مقبولين لديه، وممدوحين من سيدنا جميعًا. فإذ نعبر حياتنا الحاضرة في الفضيلة، ننال البركات الموعود بها مع أولئك الذين يحبونه بنعمة ورحمة ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والقدرة والكرامة مع الآب والروح القدس إلى أبد الأبد وإلى انقضاء العالم.
v لنهرب من الكبرياء، لأنه أكثر الأوجاع خداعًا للنفس. فمنه تنبع الشهوة الرديئة ومحبة المال والكراهية والحروب والصراعات. لأن الذين يطمعون في نوال أكثر مما لديهم لن يستطيعوا أن يتوقَّفوا. شهوتهم لا تنبع إلاَّ من خلال حُبِّهم للمجد الباطل... إذا ما استطعنا أن نقطع الكبرياء، رأس كل شرٍ، يصاحب ذلك إمكانية إماتة كل أعضاء الشر الأخرى، ولا يوجد شيء يمنعنا عن أن نعيش على الأرض وكأنها سماء!...
إذا ما أردنا أن نقتني مجدًا، يلزمنا أن نهرب من مجد العالم، ونشتهي مجدًا من الله وحده. حينئذ نحقق الاثنين معًا (المجد في العالم ومن الله)، ونتمتَّع بهما بنعمة ربنا يسوع المسيح ومحبته الحانية.
v واضح أن الفخر المُبالغ فيه كان من سمات الرسل الكذب.
v كما أن الكبرياء هو ينبوع كل الشرور، هكذا التواضع هو أساس كل ضبط للنفس
القديس يوحنا الذهبي الفم
وَدَخَلَ وَرَاءَهُ عَزَرْيَا الْكَاهِنُ،
وَمَعَهُ ثَمَانُونَ مِنْ كَهَنَةِ الرَّبِّ بَنِي الْبَأْسِ. [17]
دخل الكهنة لكي يطلبوا منه الخروج من الهيكل، وكانوا يُعَلِّمون أن هذا يُكَلِّفهم حياتهم نفسها.
وَقَاوَمُوا عُزِّيا الْمَلِكَ، وَقَالُوا لَهُ:
لَيْسَ لَكَ يَا عُزِّيا أَنْ تُوقِدَ لِلرَّبِّ،
بَلْ لِلْكَهَنَةِ بَنِي هَارُونَ الْمُقَدَّسِينَ لِلإِيقَادِ.
اخْرُجْ مِنَ الْمَقْدِسِ لأَنَّكَ خُنْتَ،
وَلَيْسَ لَكَ مِنْ كَرَامَةٍ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ الإِلَهِ. [18]
إذ حاول إيقاد البخور بنفسه في بيت الرب على مذبح البخور الذهبي، عارضه رئيس الكهنة والكهنة المُرافِقون له، إذ كانوا مستعدين لإيقاد البخور لحسابه حسب قانون وظيفتهم. شرحوا له بوضوح أن ما يفعله، يكسر الناموس، ويُعَرِّضه للخطر. أوضحوا له الآتي:
1. "ليس لك يا عُزِّيا": إذ لا يجوز حسب الشريعة لأحد سوى الكهنة من بني هرون أن يفعل هذا (خر 30: 7؛ تث 33: 10: 1 أي 23: 13). فداود وسليمان ويهوشافاط صَلُّوا مع الكهنة، وباركوا الشعب ووعظوهم، لكنهم لم يُوقِدوا بخورًا. للملك دوره وللكاهن دوره. ولا يجوز لإنسانٍ ما أن يمارس العملين: الملوكي والكهنوتي. فالملوك من سبط يهوذا، والكهنة من سبط لاوي. المسيَّا المُخَلِّص هو وحده رئيس الكهنة السماوي، وفي نفس الوقت ملك الملوك.
طلبوا منه أن يكرم الرب لا بممارسة ما لا يجوز عمله، إنما بالتزامه بروح الإخلاص والأمانة مع الحُبِّ والتواضع بما وهبه الله.
2. "ليس لك من كرامة من عند الرب الإله". قَدَّموا له تحذيرًا بأسلوب هادئ وديع، لأن ما يعنونه هو: "ستحلُّ بك فضيحة أمام الشعب مع هلاك لنفسك، فتفقد حتى كرامتك كملكٍ".
حَذَّروه مما يحلُّ بالغرباء الذين يقتحمون العمل الكهنوتي (عد 3: 10؛ 28: 6). فقد سبق قورح وجماعته وهم من بين لاوي وليسوا كهنة من بين هرون أن تمرَّدوا بتقديمهم بخورًا لله فهلكوا (عد 16: 35).
يليق بنا كمؤمنين في شركة مع السيد المسيح، كهنة وشعبًا، أن نتطلَّع إلى رئيس الكهنة السماوي، القادر وحده أن يحملنا إلى حضن أبيه.

6. إصابته بالبرص

19 فَحَنِقَ عُزِّيَّا. وَكَانَ فِي يَدِهِ مِجْمَرَةٌ لِلإِيقَادِ. وَعِنْدَ حَنَقِهِ عَلَى الْكَهَنَةِ خَرَجَ بَرَصٌ فِي جَبْهَتِهِ أَمَامَ الْكَهَنَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ بِجَانِبِ مَذْبَحِ الْبَخُورِ. 20 فَالْتَفَتَ نَحْوَهُ عَزَرْيَاهُو الْكَاهِنُ الرَّأْسُ وَكُلُّ الْكَهَنَةِ وَإِذَا هُوَ أَبْرَصُ فِي جَبْهَتِهِ، فَطَرَدُوهُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى إِنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ بَادَرَ إِلَى الْخُرُوجِ لأَنَّ الرَّبَّ ضَرَبَهُ.

فَحَنِقَ عُزِّيا.
وَكَانَ فِي يَدِهِ مِجْمَرَةٌ لِلإِيقَادِ.
وَعِنْدَ حَنَقِهِ عَلَى الْكَهَنَةِ،
خَرَجَ بَرَصٌ فِي جَبْهَتِهِ أَمَامَ الْكَهَنَةِ،
فِي بَيْتِ الرَّبِّ بِجَانِبِ مَذْبَحِ الْبَخُورِ. [19]
حنق عُزِّيا على الكهنة الذين وَبَّخوه، وأَصرَّ على تنفيذ ما في فكره. تطلَّع عُزِّيا إلى نصيحة الكهنة كتدخُّلٍ في شئونه الخاصة، وإهدارٍ لكرامته، ودخولهم في عداوة معه. مع هذا يرى البعض أنه كان أفضل من أبيه، إذ لم يسقط في عبادة الأوثان حتى عند سقوطه في الكبرياء واقتحامه الكهنوت.
"البرص" في الطب الحديث هو مرض جلدي خطير يصل في بعض مراحله الخطيرة إلى تآكل بعض أطراف الجسم وتشويه شكل الإنسان، بجانب خطورته في انتقال العدوى سريعًا. ولعل ما ورد في العهد القديم تحت أسم "البرص" لا يعني مرضًا معينًا، إنما كل ما يمكن أن يُسَبِّب عدوى لا بين الناس فحسب، إنما حتى بين الأثاثات كانتقال العث من ثوب إلى ثوب، والسوس من خشب إلى خشب الخ.
قد يرى الإنسان في الحُكْمِ على الأبرص في ظل الشريعة الموسوية نوعًا من القسوة، مثل عزله بعيدًا عن الجماعة، وحسبانه نجسًا حتى يبرأ. لكننا نجد حتى في المجتمعات الحديثة بالرغم مما وصل إليه الطب من تَقَدُّمٍ فائقٍ في هذا القرن أن أصحاب الأمراض الجلدية يُعزَلون في مستشفيات أو مصحات بعيدة عن السكن، ويخشى حتى الأطباء على أنفسهم من انتقال العدوى إليهم.
ارتبط البرص في ذهن اليهود بالخطية، لخطورة المرض صحيًا، وتشويه جسم الإنسان، وسرعة نقل العدوى. لهذا استخدمه الرب أحيانًا للتأديب، كما فعل مع مريم أخت موسى بسبب كلامها ضد أخيها (عد 12: 10)، وما حدث مع جيحزي، حين مال قلبه وراء نعمان السرياني يطلب الفضة والذهب ويكذب على أليشع النبي (2 مل 5: 27)، وما أصاب عُزِّيا الملك لاعتدائه على وظيفة الكهنوت (2 أي 26: 16-21).
فَالْتَفَتَ نَحْوَهُ عَزَرْيَاهُو الْكَاهِنُ الرَّأْسُ وَكُلُّ الْكَهَنَةِ،
وَإِذَا هُوَ أَبْرَصُ فِي جَبْهَتِهِ،
فَطَرَدُوهُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى إِنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ بَادَرَ إِلَى الْخُرُوجِ،
لأَنَّ الرَّبَّ ضَرَبَهُ. [20]
إذ واجه الكهنة بعنفٍ وتحدٍّ للوصية الإلهية، ظهر البرص على جبهته، ليكشف المرض على ثمر العصيان للوصية، وأنه يلتزم بالخروج فورًا، لئلا يُصَاب بعقوبةٍ أقسى.
يخبرنا المؤرخ اليهودي يوسيفوس أن عُزِّيا هدَّد الكهنة بالقتل إن عارضوه، فتزلزلت الأرض، وانشق سقف الهيكل وسقطت أشعة الشمس على وجه الملك لتكشف عن حلول البرص على جبهته. ويرى البعض أن هذه الزلزلة هي التي وردت في عا 1:1؛ زك 14: 5.
هذه الضربة العلنية والتي شهدت لها الشمس، وعبَّرت الأرض عن غضبها، أنهت الشجار الذي حدث بين الملك والكهنة، فتشجَّعوا على طرده من الهيكل. بل بادر بنفسه بالخروج، من أجل ما حلَّ به من فضيحة.
لقد أدرك أن ما حلَّ به لا يمنعه فقط من تقديم البخور على المذبح، وإنما حتى من التعامل مع الناس، والاقتراب من مذبح الله.
لم يقتنع الملك بكلمات الكهنة، فأَقنعه الله بلغة المرض الذي يُفقِده كرامته وقدرته على الاقتراب حتى من المُقرَّبين له. أراد اغتصاب كرامة الكهنوت بجانب كرامة الملوكية، فتجرَّد من كل كرامة، حتى كرامة العامة من الشعب.
لقد أعطى الله مثالاً لما يحل بالمتكبّر، وكشف عن غيرته على نقاوة بيته، وطلب أن يعرف كل إنسانٍ مهما كان صالحًا وعظيمًا أن يلتزم بالوصية الإلهية.
يرى البعض أن الملك كان فاقدًا مخافة الرب، لذلك سمح الله له بالمرض، كي يعتزل المجتمع، ويتوقَّف عن الأعمال الملوكية ليُفَكِّر في علاقته بالله.
يرون أنه مع كونه ملكًا فاضلاً إلا إنه أخطأ بمحاولته اقتحام وظيفة الكهنوت، وهذه نقطة سوداء في حياته، وقد سمح الله بتأديبه. لقد ظن أنه يقترب من الله بالأكثر خلال تقديم البخور على مذبح البخور الذي لا يُقرِّبه سوى الكهنة. ولعله في فترة اعتزاله هذه رجع إلى نفسه، وأدرك خطأه وندم!
"لأن الرب ضربه". جاء في الترجوم: "لأن كلمة الرب جلب عليه الوباء".
v الشخص الذي لا يُعهَد إليه بهذه الوظيفة ويمارسها بذاته، يسقط تحت نفس عقوبة عُزِّيا.
الدسقولية

7. عزله وموته

21 وَكَانَ عُزِّيَّا الْمَلِكُ أَبْرَصَ إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ، وَأَقَامَ فِي بَيْتِ الْمَرَضِ أَبْرَصَ لأَنَّهُ قُطِعَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ، وَكَانَ يُوثَامُ ابْنُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَلِكِ يَحْكُمُ عَلَى شَعْبِ الأَرْضِ. 22 وَبَقِيَّةُ أُمُورِ عُزِّيَّا الأُولَى وَالأَخِيرَةُ كَتَبَهَا إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ النَّبِيُّ. 23 ثُمَّ اضْطَجَعَ عُزِّيَّا مَعَ آبَائِهِ وَدَفَنُوهُ مَعَ آبَائِهِ فِي حَقْلِ الْمِقْبَرَةِ الَّتِي لِلْمُلُوكِ، لأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّهُ أَبْرَصُ. وَمَلَكَ يُوثَامُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.

وَكَانَ عُزِّيا الْمَلِكُ أَبْرَصَ إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ،
وَأَقَامَ فِي بَيْتِ الْمَرَضِ أَبْرَصَ،
لأَنَّهُ قُطِعَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ،
وَكَانَ يُوثَامُ ابْنُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَلِكِ يَحْكُمُ عَلَى شَعْبِ الأَرْضِ. [21]
بابتلائه بالبرص اضطر أن يعتزل المجتمع كله، حتى من أسرته والقادة العسكريين والمدنيين ومن رجال الدين، لقد فقد إمكانية القيام بالعمل الملكي، واضطر أن يترك ابنه يوثام "على بيت الملك يحكم على شعب الأرض" [21].
كان يظن الملك أنه فوق كل قانونٍ وكل سلطانٍ، فإذ صار أبرص خضع للفحص والحُكْمِ عليه من الكهنة (تث 24: 8).
أقحم نفسه بالدخول إلى القدس، حيث لا يجوز لأحدٍ الدخول فيه سوى اللاويين، الآن ببرصه لا يجوز له الدخول حتى في الدار الخارجية.
صار حال الملك مثل مريم أخت موسى وهرون التي أصيبت بالبرص (عد 7: 14).
وَبَقِيَّةُ أُمُورِ عُزِّيا الأُولَى وَالأَخِيرَةُ كَتَبَهَا إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ النَّبِيُّ. [22]
لقد فقد هذا العمل تمامًا، إذ لم يصلنا من إشعياء عنه سوى ما ورد في (إش 1:1؛ 6: 1).
في سنة وفاة عُزِّيا رأى إشعياء رؤياه (إش 6)، ليُعلِنَ أن الملك الحقيقي هو رب الجنود، وأن نعمة الله تقوم على الذبيحة (إش 6: 7).
ثُمَّ اضْطَجَعَ عُزِّيا مَعَ آبَائِهِ،
وَدَفَنُوهُ مَعَ آبَائِهِ فِي حَقْلِ الْمَقْبَرَةِ الَّتِي لِلْمُلُوكِ،
لأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّهُ أَبْرَصُ.
وَمَلَكَ يُوثَامُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [23]
لم يُدفَن في مقبرة الملوك، لأن جثمانه يحمل آثار البرص، ويُحسَب ذلك نجاسة.

ملحق أخبار الأيام الثاني 26
عُزِّيا الملك وإشعياء النبي

للقديس مار يعقوب السروجي

إذ قام إشعياء النبي بعمله النبوي في أيام عُزِّيا ويوثام وآحاز وحزقيا ملوك يهوذا (إش 1:1)، يربط القديس مار يعقوب السروجي في ميمره 163 بين تصرُّفات عُزِّيا الملك ورسالة إشعياء النبي. جاء ميمره بمقدمة طويلة عن الثالوث القدوس، لأن إشعياء في رؤياه في سنة وفاة عُزِّيا رأى السيد جالسًا على كرسي عالٍ وأذياله تملأ الهيكل، وشاهد السيرافيم كل واحدٍ ينادي الآخر مُسَبِّحًا الثالوث القدوس، بقوله: قدوس، قدوس، قدوس... (إش 3:6). كما رَكَّز على نبوات إشعياء عن السيد المسيح والقديسة مريم، ثم تحدَّث عن رفض ابنة إبراهيم (اليهود) لسرِّ الثالوث القدوس وتَعَبُّدها للأصنام.
بعد هذا تحدث عن اقتحام الملك عُزِّيا للعمل الكهنوتي.
كعادته في قصائده عن نصوص الكتاب المقدس وأحداثه، جاء مار يعقوب فريدًا في تفسيره لما حدث مع عُزِّيا الكاهن.
ابنة إبراهيم أفسدت ملوكها

يرى القديس مار يعقوب السروجي أن تصرُّف الملك عُزِّيا الذي بدأ ملكه بداية حسنة، إذ "عمل المستقيم في عيني الرب حسب كل ما عمل أمصيا أبوه" (2 أي 4:26)، لم ينحرف إلى اقتحام العمل الكهنوتي في كبرياءٍ وتشامخٍ وتحدٍ فجأة، إنما هو ثمرة تجاوبه مع الشعب الذي حتى في طاعته أحيانًا للملوك المُصلِحين كانت قلوبهم ملتهبة بالعبادة الوثنية والرجاسات. لقد عَلَّلَ ذلك بالآتي:
1. في بدء انطلاق الشعب من مصر، حين صعد موسى على جبل حوريب وتأخر، ألزموا هارون أن يصنع لهم عجلاً ذهبيًا يتعبَّدون له ويرقصون حوله.
2. كثيرا ما كان الشعب يقتدي بالأمم في ممارستهم للاحتفالات والمواسم بطريقة فاسدة ورجاسات.
3. كان الشعب يضغط على الملوك بممارسة العادات الوثنية علانية.
4. يبدو أن القديس مار يعقوب رأى في انحراف سليمان بزواجه نساء كثيرات والارتباط بالسراري كان بوازع من القادة الذين حوله، أو امتثالاً بالشعب المنحرف في هذا العمل بصورة أو أخرى. هكذا كان الملوك يتأثرون بالقادة الذين حولهم وبالشعب.
5. ذكر مار يعقوب أمثلة من الملوك الذين انحرفوا ولو إلى زمانٍ مُعَيَّن نحو العبادة الوثنية مثل رحبعام بن سليمان ويربعام الذي انشقَّ عن بيت داود وجمع حوله عشرة أسباط، وأخآب الذي تزوج إيزابل الشريرة وغيرهم، كان للشعب دوره في هذا الانحراف.
هكذا يرى القديس مار يعقوب مع مسئولية الملوك عن انحرافهم، غير أن الشعب كان مُعَلِّمًا لهم للفساد بطريقة أو أخرى. هذا لا يعفي الملوك من مسئوليتهم عن شرِّهم، إذ كانوا في انحرافهم يدفعون الشعب بالأكثر نحو الوثنية. هنا يظهر خطورة القائد والشعب أيضًا، حين يدفع كل منهما الآخر نحو الفساد أو التقوى.
v أَحَبَّت ابنة إبراهيم العجل (خر 32: 4)، وعَلَّمت ملوكها أيضًا أن يُحِبُّوا الأصنام.
أَحَبَّت جماعة الشعب العجل منذ طفولتها، وصاغت أصنامًا، وصنعت مواسم للأباطيل...
صار لها الملوك، وأبغضوا الرب كما أبغضته، واحتقر القضاة الله بِسَيْرِهم.
صارت مُعَلِّمة، ومنها تَعَلَّم الملوك الإثم، وأسكرتهم علنًا بالوثنية.
عرف الملوك بأنها تحب الأباطيل، وكل واحدٍ منهم كثَّر صنمًا ليُحسِنَ لديها.
رقد داود الملك العادل والإلهي، وقام سليمان الشاب الذي تربَّى مع الشريرات.
نصبت الجماعة له فخاخًا بفضل نساء كثيرات، وعَلَّمته أن يُصعِدَ الذبائح للآلهة (1 مل 11: 4).
أخذت رحبعام، وربَّته ليصير وثنيًا (1 مل 14: 23)، لأنها كانت تتوق أن تُكثِرَ الأصنام بكل الفرص.
كمل يربعام شهوتها الذي صاغ العجول (1 مل 12: 28-29)، وأراح نفسها أخآب وايزابل بأصنامهما (1 مل 16: 31).
الواحد أراحها، لأنه صنع صنمًا رباعي الوجوه، والآخر عزَّاها، إذ أجاز ابنه في النار، وصار وثنيًا (2 أي 33: 6-7).
القديس مار يعقوب السروجي
الملك عُزِّيا يخطف دور الكهنوت (2 أي 26)

بعد أن تحدث القديس مار يعقوب عن عُزِّيا الذي بدأ بالاستقامة، وانحرف نحو الوثنية وعاداتها في قلبه، وقد ساهم المحيطون به في ذلك، رأى ملوك الأمم المحيطة يُحسَبون رؤساء كهنة للأوثان، يَتمتَّعون بالسلطان الملوكي كما الكهنوتي. لهذا حسب نفسه في وضع مُهِين بين ملوك الأرض.
تجاسر ليمارس العمل الكهنوتي، وحين نصحه كاهن بخطئه، لم يبالِ بذلك، بل أهانه كمن قد وطأه تحت قدميه.
صوَّره القديس بأنه في وقاحةٍ خطف المجمرة من يد الكاهن قسرًا، ودخل إلى مذبح البخور ليُقَدِّمَ بخورًا أمام الله.
v عُزِّيا الذي حفظ نفسه من الوثنية جعلته (ابنة إبراهيم) يخطف مكان الكاهن بجسارة.
إن كان لا يمِل السامع من التعليم، فإن الميمر قد تَحَرَّك ليظهر خبر عُزِّيا.
خبر ذلك الوحي الذي (صار) عند إشعياء سببه موجود هنا لمن يسمع بتمييزٍ.
لبس عُزِّيا جسارة قلب ملوك الأرض وكبرياءهم، لكي يضع البخور أمام الله.
ظفر في الحرب، وعظمت نفسه في المملكة، وتَكَبَّر ليضع البخور في مكان الكاهن.
ولم يكفِهِ أنه لم يحسب حسابًا للكاهن الذي وطئه، بل تجاسر وخطف الكهنوت بإثم.
التاج الذي ناله من الله وجده صغيرًا في عينيه، فدخل ليخطف المجمرة بالإكراه من اللاوي.
لم يكفِهِ أنه قام في ولاية ملوك الشعب، فحسن لديه أن يخطف بجسارة درجة الكهنة.
وبكبرياءٍ مُهِينٍ للاهوت، خطف بإثم مجمرة الكاهن من يديه.
دخل بعنف الرئاسة إلى هيكل الرب، وضَلَّ بالسلطة، وسقط عن أداء الواجب.
نفخه كبرياء الرئاسة، ولم يفهم بأنه لا يجوز له وضع البخور أمام الله.
القديس مار يعقوب السروجي
سلطتان متكاملتان: الكهنوت يأمر الأرواح والملوكية تأمر الأجساد

يُقَدِّم لنا القديس مار يعقوب السروجي صورة حيَّة للعلاقة بين السلطان الزمني للدولة ورجالها والدور الفعَّال للكنيسة وقادتها. ليس من تنازع بين الدولة والكنيسة. فسلامة الواحدة فيها بنيان للاثنتين. تُعطَى لرئيس الدولة كرامته ويُعترَف بسلطانه، ويُكرَم قادة الكنيسة فيما يخص دورهم.
ليس من حق الدولة أن تلزم الكنيسة بما يتعارض مع إيمانها ودورها الروحي الفعَّال، ولا من حق رجل الدين التدخُّل في السياسة.
v أعطى الله للبشر سلطتين، الواحدة للمملكة، والأخرى معها للكهنوت.
الملك صاحب سلطان على الأراضي وعلى الولايات، والكاهن صاحب سلطان على النفوس وعلى الضمائر.
يأمر الملك الأجسام، وتسمع صوت أمره، ويأمر الكاهن الأرواح وتسمعه.
للملك سيف يقتل الجسد فقط، وللكاهن حق الحرمان الذي يقدر أن يقطع النفس.
الملك صاحب سلطان على المقتنيات وعلى المباني، والكاهن صاحب سلطان على الأرواح لينتهرها.
يقدر الملك أن يعطي الذهب لمن يحبه، ويقدر الكاهن أن يغفر للشعب الذي يطلب منه.
للملك تاج علني ورئاسة، وللكاهن كلمة خفية تحل العقد.
أعطى الناموس القوس للملك، والمجمرة للكاهن، ليقوم كل واحدٍ منهما بما يخصه حسب سلطته.
لا يليق السيف بالكاهن إن استله، ولا الملك أن يحمل المجمرة إذا اشتاق إليها.
الأمور الروحية هي للكاهن من قبل الله، وللملك أن يُدَبِّرَ الأمور الجسدية.
لا ذاك صاحب سلطان ليأمر الأمور العلنية، ولا ذاك يقدر أن يُدَبِّرَ الأمور الخفية.
الكاهن كاهن والملك ملك: إنهما سلطتان لينتظم العالم بالكهنوت وبالمملكة.
القديس مار يعقوب السروجي
الكاهن عَزَرْيّا يؤنب الملك عُزِّيا على فعله

تجاوز الملك عُزِّيا حدوده، فأراد أن يُقَدِّمَ بخورًا في هيكل الرب، فوبَّخه عزريا الكاهن، طالبًا منه ألا يقتحم هيكل الرب، ويمارس عملاً ليس من اختصاصه.
v تجاوز عُزِّيا الملك حدوده، وأسقط الكاهنَ، وبجسارته أخذ مكانه.
له القوس وله المجمرة، وكما ظن صارت له المملكة والكهنوت أيضًا.
أخذ ما هو للملوك، وفَتَّش عما هو للكهنة، ولو أمكن لخطف الرمح الخارجي والعطر الداخلي.
بكبرياءٍ تجاوز الواجب كل يومٍ، ودخل إلى الهيكل، وأخذ المجمرة بإثمٍ.
وألقى البخور ليدخل ويعطر أمام العظمة، فتحرَّك الكاهن بتوبيخٍ مملوءٍ نورًا.
بدأ ابن اللاويين يتكلم بدون خوفٍ ضد الملك بصوتٍ عالٍ وهو يقرعه.
الهيكل المقدس هو بيت في سلطة الكاهن، والكاهن لم يكن يخاف من توبيخه.
شرع الكاهن يقول للملك وهو يوبخه: اعلم أيها الملك بأن هذه الدرجة ليست درجتك.
لك سلطان في الخارج لتدبير الولايات، أما الرئاسة في بيت الغفران، فليست خاصة بك.
أنت ملك فقط لا كاهن، لا تضل! فالمجمرة ليست خاصة بك من قِبَل الله.
عليك أن تأمر بالحروب الخارجية، أما الذبائح الداخلية فعليَّ أنا أن أُصعِدَها.
ليس لي قوس، وليس لك عطر من قبل الله، خذ ما يخصك، ولا تتصرَّف بما لا يخصك.
يكفيك تاجك ورئاسة كل الشعب، فلا تخطف درجة أخرى ليست خاصة بك.
إنك ملك، لا سلطان لك على الكهنوت، فامكثْ فيما أنت فيه، ولا تشتهِ ما لا يخصك.
خذ السيف واخرج، وكن قويًا على الأراضي، وأعطني المجمرة لأضع البخور في بيت الغفران.
أعطاك العلي المملكة، وأعطاني الكهنوت! يا ملك الشعب، ماذا تتوخى من درجة الكهنوت؟
القديس مار يعقوب السروجي
غضب عُزِّيا من عَزَرْيّا الكاهن

ما كان يشغل قلب عزريا الكاهن ليس أن الملك سَلَبَه سلطانه، وإنما أقحم نفسه في عملٍ خاصٍ بسبط اللاويين، كاسرًا الشريعة.
في جسارةٍ أخذ الملك المجمرة، ودخل ليُقَدِّمَ بخورًا، مُتشبِّها بملوك الأمم الوثنية. لذا أسرع الكاهن يُحَذِّره حتى لا يُدِينه الله على تهاونه مع الملك. شعر الملك أن الكاهن أهانه، واستخفَّ به أمام حاشيته الملكية وأمام الكهنة، فحقد عليه، وفَكَّر كيف ينتقم منه.
v تكلم الكاهن بطهارةٍ القلب ضد الملك لئلا يسكت ويصير مُلامًا من قِبَل الله.
لم يتذمَّر لأن الملك خطف درجته، لكنه تذمَّر بسبب عنف جسارته.
كان الكاهن متضايقًا، لأن النظام اضطرب هناك، فاغتاظ لاوي وأبناؤه الأحبار من عُزِّيا.
أخذ الرجل المجمرة ليدخل (ويعطر) ولم يكن لاويًا، وقد وُطئ وأُبطل ناموس بيت الله.
تَسَلَّح الكاهن البهي بالتوبيخ ضد هذا التصرُّف، واحتقر الملكَ بسبب الإثم الذي ارتكبه.
وإذ صدر التوبيخ على عُزِّيا، صار مُحتقَرًا ومُهمَلاً أمام جنوده.
رماه الكاهن بكلمات الحق، كما لو كان بسهامٍ، وطُعِنَ الملك، وتصاعد غضبه كالدخان.
تضايق وغضب، وصار أضحوكة أمام حاشيته، وصار يُهَدِّد الكاهن، مُفَكِّرًا بما يصنعه به.
وقف الكاهن وفمه مملوء توبيخًا، يقرع الملك مثل صبي مُلام قد أَذْنَبَ.
كان الملك مملوءًا حقدًا وغضبًا وقسوة قلب، وفكر في الضربة التي يضرب بها الكاهن.
القديس مار يعقوب السروجي
عُزِّيا يلبس قميص البرص

إذ ارتدى الملك الجسارة على المقدسات الإلهية، حلَّ بجبهته البرص كلباسٍ ارتداه لا يستطيع الخلاص منه. عوض البخور برائحته الطيبة، صدر عن المجمرة التي في يد الملك رائحة الكبرياء والعجرفة والتشامخ، رائحة لا يطيقها رب السماء!
صار الملك كمن دخل وليمة السماء بثيابٍ دنسةٍ، فاستحق الطرد. حَلَّ به البرص علامة التزامه بمفارقة الهيكل فورًا. صار الملك العنيف في خزيٍ وعارٍ، أما الكاهن المُفترَى عليه فرأى السماء تتحرَّك لتدافع عن قدسية الهيكل. يبدو أن الملك – في نظر القديس مار يعقوب السروجي- أراد أن يغتصب لباس المجد الكهنوتي، فارتدى البرص البغيض.
v أظهر الرب ما يخصه في بيت الغفران، فصدر البرص، وقبض على الملك، وجعله مُدَنَّسًا.
لبس عُزِّيا قميصًا من مائدة اللاهوت، لأنه كان قد لبس الجسارة.
فحصت العين الخفية، وتطلعت إلى مجمرته، ورأت بأنه وضع بخورًا بكبرياء لا بعدلٍ.
رأت أنه احتقر الكاهن القائم في بيت الغفران، ولم يسمح له بوضع البخور لله.
وأراد أن يدوس ذلك الكاهن الفقير والبهي، فأخذ مجمرته ليُدخِلَها هو أمام الله.
حسب الملك وقوفَه وراء الكاهن إهانة له، وأيضًا عودة الرئاسة في الهيكل المقدس إلى الكهنة.
بكبريائه لم يتنازل حتى يُغفر له بالبخور الذي يُدخِله ابن اللاويين لأجل الكثيرين.
ولهذا صعد من مجمرته عطر نتن، وفاحت رائحة كريهة إلى العدالة، وتصاعد غضبها.
وعندما تَدَنَّس بحرمانه وبالعطر الذي قَرَّبه، ألبسته ثوبًا مدنسًا على أعضائه.
أُصيب الملك بالبرص، لأنه اشتهى سلطةً ليست خاصة به، ولبس الكاهن بهجة الوجه أمام الكثيرين.
من البيت المقدس خرج البرص لعُزِّيا، لئلا يخطف لباس الكاه، ويعطر البخور.
صار البرص شاهدًا للكاهن، ووبَّخ الملك، وصار في خزيٍ له، لأنه كان يسيء التصرُّف.
أراد أن يتجاوز على الأفود لباس الكهنة، فلبس بدل الأفود البرص البغيض.
القديس مار يعقوب السروجي
القلب النقي والأفكار الطاهرة هي بخورٍ مُقَدَّس يتصاعد أمام الله

يَشْتَمُّ الله القدوس قداسة القلب والفكر وأعماق النفس رائحة بخور طيبة.
قد يكون الإنسان طاهر الجسد، أي أن جسده نظيف، إلا أن دنس القلب يسكب دنسًا حتى على أعضاء الجسم. وهبنا الله الإرادة الحُرَّة، لكي نُقَدِّمَ اشتياقنا للخلاص ومحبتنا لله عطرًا زكيًا، فيهبنا المغفرة.
دخل عزيا الملك الهيكل بإرادته الحُرَّة، يحمل كبرياء قلبه، فعوض تقديم بخور عطر، قَدَّم رائحة دنسة، لهذا خرج مرتديًا البرص على جبهته علامة غضب الرب عليه.
v القلب النقي هو مُحرَقة أمام الله، الذي يحب الأفكار الطاهرة كالعطور.
مَحَبَّة (خلاص) النفس هي مجمرة مملوءة حياة، ومحبة الرب هي سكيب يصعد أمام العظمة.
طلب الرب من أبناء لاوي أن يُدخِلُوا أمامه أفكارهم مع مباخرهم.
بحجة المجمرة نَقَّى النفس التي تحملها، لتكون رائحتها طيبة كالعطور.
نار المجمرة مُشَبَّهة كلها بمحبة الرب، والعقاقير بالحركات الصادرة من الفكر.
وعندما تصدر الأفكار الصالحة من الإرادة الحُرَّة، تقبلها محبة الرب بحرارةٍ.
يتصاعد عطر زكيّ الرائحة إلى الله، ويصدر غفران من العظمة للمقرب.
لم يُقَرِّب عُزِّيا عطر النفس، بل خُطِفَ بإثم مجمرة الكاهن.
وبعدلٍ صدر عليه البرص من البيت المقدس: أجرة بغيضة للمجمرة المُقَرَّبة ببغضٍ.
كان قلبه دنسًا وجسده طاهرًا، ولهذا بسط دنسَ نفسه على أعضائه.
عندما دخل عُزِّيا إلى الهيكل المقدس، كان متكبرًا بالمملكة والعجرفة والسلطة.
وعندما خرج كان تاجه مطأطأ، وروحه هابطة، ولابسًا البرص، وقد صار سخرية للبلدان.
جرى كل هذا لأنه تكبَّر، وتجاسر ليدخل ويعطر البخور أمام العظمة.
وإذ أخذ المجمرة من الكاهن ابن اللاويين، لبس البرص، وأُهين أمام المشاهدين.
تجاوز عُزِّيا حدوده، وأثم بخلاف نظامه، فصار غريبًا عن المملكة، لأنه أخذ المجمرة.
القديس مار يعقوب السروجي
جاءت رؤيا إشعياء في سنة وفاة عُزِّيا الملك (إش 1:6)، وجاء قول الرب لهوشع في أيام عُزِّيا ويوثام (هو 1: 1). استنتج القديس مار يعقوب من هذين النصين أن إشعياء عاصر حادثة اقتحام عُزِّيا العمل الكهنوتي والتزم الصمت، ربما لأنه كما قال في رؤياه: "ويل لي، لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين" (). إذ صمت ولم يُوَبخ الملك على ما فعله، فقد إشعياء روح النبوة إلى حين، وحَلَّ على هوشع ليُوَبِّخَ الملك. يرى القديس يعقوب أنه كان يليق بإشعياء أن يُوَبِّخَ الملك كما فعل عزريا الكاهن. سمح الله لإشعياء بالصمت كتأديب له فترة برص عُزِّيا حتى يوم موته. وعندئذ إذ قَدَّم إشعياء توبة صادقة، فكان مُرّ النفس على ما حَلَّ بالشعب، اعترف أنه نجس الشفتين، وأن الشعب نجس الشفتين. إذ تمتَّع إشعياء النبي بهذه الرؤيا السماوية، أدرك سرَّ الابن الوحيد. ارتعب قدام القدوس، وتذكَّر أنه لم يُوَبِّخ عُزِّيا الملك على حماقته وعجرفته ومحاولته اغتصاب السلطان الكهنوتي بالعنف. اعترف إشعياء النبي بخطئه، حاسبًا نفسه أنه نَجِسُ الشفتين، وساكن بين شعب نجس الشفتين.
هذا رأي شخصي لم يرد في كتابات الآباء على ما أظن، لذلك لم أقتبس كلماته في هذا الشأن في تفسيرنا هذا الأصحاح، إنما أكتفي بما تمتع به إشعياء عند رؤيته للشاروبيم وسماعه تسبحتهم لله.
السيرافيم يؤمنون بسرِّ الثالوث الذي عَلَّموه لإشعياء

أروع ما ناله إشعياء النبي أنه تعرَّف على سرّ الثالوث القدوس، إله واحد مُثَلَّث الأقانيم. هذه المعرفة ترتبط بالجو السماوي الفريد في التهليل والتسبيح كما بنغمات نارية جميلة!
v سيرافيم النار صنعوا ميمر الإيمان، وكانوا يُكَرِّرونه أمام إشعياء ليتعلَّمَ أيضًا.
كانوا يُسَبِّحون بالمزمار خبر الإيمان المهوب بكنارة مؤهلة ومُصاغة من اللهيب.
وكان العلويين يشكرون الابن مع أبيه بنغمات اللهيب الجميلة.
لو كان اللاهوت أقنومًا واحدًا فقط لكان التقديس واحدًا لا ثلاثة كما نُطِقَ.
وما دام للسيرافيم ثلاثة تقديسات، فقد تعلَّم العالم بأن الله ثلاثة أقانيم.
الابن الكامل معروف ومساوِ مع أبيه، كما يشهد الميمر المؤلَّف من قِبَل السماويين.
قيل: قدوس، قدوس، قدوس الرب: تقديسات ثلاث...
لا يُقَال أرباب في اللاهوت، لأن الرب واحد والتقديسات الثلاثة خاصة به.
القديس مار يعقوب السروجي
الثلاثة تقديسات تعني مساواة الأقانيم في الثالوث

جاءت تسبحة السيرافيم في سفر إشعياء (أصحاح 6) تكشف عن سرِّ الثالوث القدوس.
1. لا يُمكِن أن يُقَال قدوس الأولى للآب والثانية للابن والثالثة للروح القدس، كأنهم منفصلون ومنعزلون عن بعضهم البعض.
2. ليست "قدوس" منهم تختلف عن الاثنين الآخرين، لأن ليس في الأقانيم أكبر أو أقل.
3. تكشف الثلاثة تقديسات عن وجود ثلاثة أقانيم، لكن التسبحة ككلٍ موجهة للثلاثة أقانيم كما لكل أقنوم.
4. لم يقل قدوس، قدوس، قدوس أرباب، بل "رب"، لأنه رب واحد، إله واحد.
5. هذه التسبحة يُسَبِّحها السيرافيم من قَبْل أن توجد المسكونة وقبل خلقة الإنسان.
v التقديسات التي نُطِقَت لا تُقَسِّم الأقانيم ليُخصص أي (تقديس) هو الآب، وأي هو (تقديس) الابن.
الصوت الأول ليس (صوت) الآب، والثاني (صوت) الابن، والثالث (صوت) الروح فقط.
لا يوجد لكل واحدٍ منهم تقديس مُعَيِّن، لكن (توجد) ثلاثة (تقديسات) غير مجزأة لثلاثتهم.
لا توجد درجة واحدة عالية وواحدة وسطى وواحدة سفلى، ليصير عمقٌ في اللاهوت.
لا يقبل الآب صوتًا واحدًا هو الصوت الأول، والصوت الآخر الذي في الوسط هو للابن.
في فمنا الأصوات مصفوفة الواحد بعد الآخر، في اللاهوت لا توجد صفوف وأجزاء.
ثلاثة أصوات تقديسات لثلاثتهم، لأن كل الأصوات هي عامة بالقداسة.
ثلاثة أصوات ليتضح الثالوث: الرب واحد، لأن اللاهوت لا ينقسم.
واحد هو القدوس، ولأنه ثلاثة (أقانيم) تُرسَل إليه سريًا ثلاثة تقديسات من قبل الملائكة.
جَمْعُ النار تَحرَّك ليقول أمام إشعياء: قدوس الرب، وليس قدوس الأرباب.
ثلاثة تقديسات، لأن الأقانيم هم ثلاثة، أما الرب فهو واحد، لأن الله لا يتجزأ.
عندما يُقَدَّس ثلاثيًا يُنطق واحد، وعندما يُعترَف به إلهًا واحدًا فهو ثالوث.
لا تنقسم الأصوات لتصبح أجزاء: (جزء) الروح (وجزء) الابن (وجزء) الآب.
كلها هي (أصوات) الآب، وكلها هي (أصوات) الابن بدون انقسام، وكلها هي (أصوات) الروح القدس، لأن اللاهوت واحد.
في النبوة وفي تسبيح السماويين الواحد هو ثلاثة والثلاثة هم واحد بوضوح.
ومنذ البداية كان الثالوث يُقَدَّس بحركة أبناء النور النارية الحية.
القديس مار يعقوب السروجي
لا يؤمن اليهود بأن للآب ابنًا كشفه لبني سرّه

كان يليق بالشعب اليهودي أن يؤمنوا بالثالوث القدوس، إذ أعطيت لهم فرص كثيرة للتعرُّف على سرِّه، خاصة خلال النبوات التي بين أيديهم.
إن كان السيرافيم كطغمةٍ سماويةٍ عظيمةٍ تعرَّفوا على السرِّ بالطبيعة بكونهم في السماء، فإنهم بدورهم صاروا مُعَلِّمين لليهود عنه.
v أظهر الآب في كل مناسبةٍ أن له ابنًا، وكان يكشف لبني سرِّه عن وحيده.
وكان ينتظر بألا يُفضَح أمام اليهود، ويلومونه ويفصلونه عن أبيه.
كان سيرافيم النار يعرفون السرَّ الخفي، وكانوا يتحرَّكون إلهيًا لتسبيحه.
كانوا يتحرَّكون بالابن ذاته على الكلام، لأنهم به يوجدون ويُؤمَرون على خدمته.
سبقوا وتعلموا بالإحساس الذي أعطاه لطبيعتهم أن يُسَبِّحوا بالمزمار ثلاثيًا للاهوت.
لأنهم رأوا الابن حالاّ في حضن أبيه، وكان يُترجَم بفمهم مع الروح القدس.
عرفوا ثلاثيًا بأن الرب هو واحد، وقد سَبَّح العلويون بالمزمار: قدوس، قدوس، قدوس الرب.
لم يسمع اليهودي السرّ العظيم كما نُطِقَ، لأنه أراد أن يثقل أذنيه.
ولا يرى صورة الابن المصورة في الكتب كالنيّر، لأنه أراد أن يصير أعمى.
لماذا استعمل السيرافيم ثلاثة تقديسات، إلا ليتعلم العالم بأن الثالوث موجود؟
ولو نظر الشعب الذي شاء أن يصير أعمى، لرأى صورة الابن في القراءات.
القديس مار يعقوب السروجي
جمرة إشعياء ترمز إلى سرِّ جسد ابن الله (إش 6: 6-7)

إن كان بتسبيح السيرافيم تَعَرَّف إشعياء النبي على سرِّ الله الواحد مُثَلَّث الأقانيم، فإنه خلال الجمرة التي لمست شفتيه أدرك سرَّ جسد الرب واهب المغفرة. يا لعظمة جسد الرب المُقَدَّم للخطاة لأجل تطهيرهم!
لم يكن ممكنًا للساروف أن يمسك بيده الجمرة التي ترمز إلى جسد المسيح، بل استخدم ملقطًا حتى لا يحترق!
الآن أُعطي للكاهن في سرِّ الإفخارستيا أن يناول الخطاة السالكين في طريق التوبة جسد الرب ودمه لينالوا مغفرة الخطايا، ويتمتَّعوا بالحياة الأبدية.
v حالاً قَرَّب الساروف له جمرة في ملقطٍ وهي سرُّ جسد ابن الله.
ظهر له النمط المُزمع أن يصير على الأرض: كيف تشرق المراحم لتغفر لجميع الخطاة.
قال له: ها قد مسَّت هذه فمك ليزول إثمك، وتُغفَر لك خطاياك.
باللؤلؤة الموضوعة هنا على المائدة تصوَّر الجمرة التي أعطاها الساروف لإشعياء.
أمسك ملقط اللهيب بيد نارية، وبها أخذ جمرة السرّ من المائدة.
ورأى النبي صورة كل أمور المستقبل: كيف وبماذا يُغفَر للعالم إثمه؟
لم يمسكها الساروف بيده لئلا يحترق، ولم يأخذها النبي بفمه لئلا يضمحل...
أسرار رؤية النبوة هذه، تُخدَم هنا كل يومٍ في بيت الغفران.
وبما أن الجمرة ظهرت جسديًا، فها هي تؤكل من المائدة الإلهية.
هوذا الكاهن يمسكها بأصابعه، ويُقَرِّبها إلى الخاطي ليأكل منها وبها يتطهَّر.
ها إنها تؤكل وتُشرَب بالخبز والخمر، وهوذا جميع الخطاة يوزعونها بأياديهم.
سُرِدَ سرّ النار الغافرة بحركة الجناح وببهاء السماويين.
وتَعَلَّم النبي منذ ذلك الحين سرّ الكنيسة، وفي نبوته جلب إلى العالم صورة الجمال.
القديس مار يعقوب السروجي
الطبيعة والكتاب يبرهنان على الابن وعلى الثالوث

يقف القديس مار يعقوب السروجي في دهشة لعدم إنصات اليهود للنبوات التي بين أيديهم. لقد قبلوا عبر العصور العبادة الوثنية، أي السجود لأصنام الآلهة والإلاهات الباطلة، بينما يرفضون ابن الله الذي شهد له أنبياؤهم.
v لا الأنبياء بإيحاءاتهم، ولا رؤى الحقائق تُقنِع اليهودي.
بجنونه يعرف أن يفتري فقط، وينقض ويرذل كل أسرار الوحيد.
ظهر له بأن لله ابنًا في الخفاء، ولأنه صار وثنيًا احتقر ووطئ النبوة.
أغمض عينيه بإرادته، وأثقل أذنيه، ولا يريد أبدًا أن يرى ولا أن يسمع.
يسهل عليه أن يقول: يوجد آلهة وآلهات، ولا يتنازل ليقول إن لله ابنًا
القديس مار يعقوب السروجي
براهين للابن: الشمس وضوءها والشجرة وثمرتها والنفس وكلمتها

تشهد الطبيعة نفسها لابن الله، فالشمس يتولَّد منها الضوء، وبدونه ما كانت تُحسَب شمسًا. والأشجار تتولد منها ثمار نتمتع بها، فلماذا يرفضون ولادة كلمة الله من الآب؟!
v لا يعترف إذًا أن للشمس ضوءًا، ولا للهيب حرارة.
ولا للشجرة ثمرة وهي منها، ولا للنفس كلمة وهي مستترة فيها.
ولا يريد أن يصدق الطبيعة التي يراها ولا يشاء أن يسمع الكتاب وهو يقرأ فيه.
ولا إشعياء الذي رأى مجد الوحيد وتكلم عنه، ولم يعطِ أذنه لسماع الحق.
القديس مار يعقوب السروجي
إشعياء يكرز بالثالوث

إذ تجاوب مع سؤال الله طالبًا أن يرسله، كرز بالثالوث القدوس: فالآب أُعلِنَ عنه، والابن كُرِزَ به، والروح القدس هو الذي أرسله.
v وعد النبي فخرج ليُبَشِّر، وشرع يُظهِر للعالم السرَّ الذي كان مخفيًا.
ورفع صوته ليُظهِرَ الابن للأرضيين، ويكرز بمجده في جمع السماويين العظيم.
سمع ترتيل السيرافيم المملوء عجبًا، وبوحيه خلط صوته ليزمر (ليسبِّح) هو أيضًا.
فهم بأنهم رَتَّلوا الخبر ثلاثيًا، ومن كلمتهم تَعرَّف على كل الثالوث.
وتأكد أن للاهوت أقانيم، فأظهر للأرض الأسرار التي كانت مستترة.
وصف الآبَ وسماه في نبوته: "أُظهِرَ"، وكرز بالابنَ، وقال: أُعطِي لنا "ابن".
وعندما أراد أن يُظهِرَ أقنوم الروح قال: الرب "وروحه" أرسلني، وكشف كل السرِّ.
اسم الآب والابن والروح بأقانيمهم مزركش وجلي في النبوة بدون نقاش.
القديس مار يعقوب السروجي
طوبى للكنيسة التي تؤمن بالثالوث

v لكِ الطوبى أيتها الكنيسة رفيقة أسرار النبوة، فجمالكِ انتصر بكل كنوز مصاف الرسل.
هوذا الكنوز وكل الأشياء الجديدة والعتيقة مخزونة في خزينتكِ، ليغتني العالم من خيراتكِ.
هوذا الثالوث يُكرَز بفم أبنائك، كما سبق السيرافيم وأظهروا لإشعياء.
اعترفتِ بالآب ولم تبدليه بالأباطيل، وآمنتِ بالابن ولم تفصليه عن أبيه.
وصدَّقتِ بالروح ولم تجعليه غريبًا عن الجوهر، وإيمانكِ عالٍ ونقيٍ بكل الأصوات...
هوذا الأصوات تختلط فيكِ بالأصوات بقداسة، ليكثر التسبيح من قبل العلويين ومن قبل السفليين.
هوذا إشعياء يفرح بك بنبوته، لأنك عرفتِ إيحاءاته كما نُطِقَت.
رجاؤكِ في الآب، وحقيقتكِ في الابن، وافتخاركِ في الروح ، مبارك مَنْ بمحبته أعطاكِ جسدَه لتُخَلَّصي به.
القديس مار يعقوب السروجي

من وحي 2 أي 26

هَبْ لي روح التواضع، فأتشبَّه بك يا ملك الملوك!

v بروح التواضع، خضع يوآش الملك ليهوياداع،
فعاش في استقامة قلب، يعمل لمجد اسمك القدوس.
وها هو حفيده عُزِّيا يتتلمذ على يديّ زكريا الكاهن والنبي،
فكان يطلبك، وكنت أنت سرُّ نجاحه.
v وهبه الله النصرة على الفلسطينيين الوثنيين.
هدم أسوار بعض مدنهم، وبني لنفسه مدنًا في أرضهم.
ذاع صيته في بلاد كثيرة، فتشدَّد جدًا.
اهتم بالأعمال العسكرية، واستخدم آلات حديثة.
صار موضع رُعْبِ الأعداء.
إذ خاف الرب، وهبه أن يكون مخوفًا ومُكرَّمًا.
قام بتنظيم جيشه وتقويته.
v انحدر هذا الجبار الناجح في هوة الكبرياء.
ظن أنه أعظم من الجميع، فإذا به يصير أسير الذات.
التحف بثوب إبليس، وفي خيلاء اقتحم ما ليس في سلطانه.
تطلَّع إلى الملوك حوله وهم يمارسون العمل الكهنوتي في عبادة الأصنام.
في كبرياء أراد أن يُقَدِّم بخورًا في الهيكل غير مبالٍ بالشريعة.
حين حذَّره رئيس الكهنة ضاقت نفسه فيه.
وحسب تحذيرهم إهانة له.
اقتحم الهيكل، وأمسك بالمجمرة يُقَدِّم بخورًا.
صعد من المجمرة رائحة عصيانه وكبريائه وفساد قلبه.
عوض تقديم بخور لنوال مراحم الله،
حلَّ عليه التأديب من قبل الساكن في السماوات.
أصابه وباء البرص على جبهته، حتى لا يقدر أن يخفيه.
خشي الكل أن يلمسوه لئلا يتنجَّسوا.
فاضطر أن يسرع بالخروج بسبب الفضيحة العلنية.
فقد شِرْكَته مع أسرته، واللقاء مع الجماعة، والحديث مع القادة المدنيين والعسكريين.
انقطع حواره مع الكهنة، وأغلق على نفسه في بيت المرض.
عوض نوال سلطان الكهنوت بجانب سلطانه الملكي،
فقد ما كان لديه ولم ينل شيئًا.
ليس من طريق نقتني به البركات مثل الحب والتواضع.
ليس من طريق للنجاح والكرامة سوى الطاعة لله.
أقحم نفسه أن يدخل إلى القدس،
فطَرَد نفسه بنفسه من قصره الملكي،
حتى في موته لم يُدفَن في مقبرة الملوك، إنما في حقلها!
v هَبْ لي يا رب أن ألتصق بك، وأَتمثَّل بوداعتك.
هَبْ لي أن أصير بروحك القدوس شريكًا لك في التواضع.
وأنت خالق السماء والأرض، دُفِنْتَ في مقبرةٍ بين الأموات.
لكي أَتمتَّع بقوة قيامتك،
أقوم معك وأَتمتَّع بعربون سماواتك!
بالكبرياء يفقد الإنسان صورتك فيه!
وبنعمتك تهبني التواضع، فتتجلَّى صورتك فيَّ يومًا فيومًا.
إني أَترقَّب يوم مجيئك على السحاب مع ملائكتك.
نعمتك تُقيمني وترفعني إليك، وأختبئ في أحضانك!


 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 08:51 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025