![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 18701 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() كما أرسلني .. أرسلكم
![]() كما أرسلني .. أرسلكم لا زلنا نتأمل في أعظم معلم. الذي ليس مثله معلمًا. فهو متفرّد في تعليمه بشيئين: يُعلِّم ببيان، ويعلم بسلطان. فيعطي الدرس العملي أولاً على نفسه لا على أوانٍ في معمل. وعندما يشرحه نظريًا تكون كلماته مصحوبة بسلطان وقوة في داخلها لتنفيذها. فما أسعد التلميذ الذي يرى البيان ويسمع الكلام، ويقوم ويعيش ما تعلَّمه. * أصدقائي: تعالوا الآن لنرى البيان ونسمع الكلام. وبيان اليوم هو: كما أرسلني.. أرسلكم قالها الرب مرتان: الأولى للآب قبل الصليب : «كَمَا أَرْسَلْتَنِي إِلَى الْعَالَمِ أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَى الْعَالَمِ» (يوحنا17: 18)، والثانية للتلاميذ بعد الصليب : «كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا» (يوحنا20: 21). في الأولى بعد أن عاش حياة أعظم مُرسَل أكمل ما جاء لأجله. وفي الثانية قبل صعوده أرسل تلاميذه بعد أن ترك لهم مثالاً وزوَّدهم بما يلزمهم. والآن لنقف أولاً أمام المُرسل العظيم قبل أن نتكلم عمن أرسلهم. * -1- ميعاد الإرسالية: «وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوس» (غلاطية4: 4). فالمسيح قدَّم نفسه بروح أزلي، وانتظر ولم يتعجَّل الخروج، وعندما حان الموعد لم يتأخر. -2- تفرُّد المُرسَل: يكلمنا الكتاب عن مرسلين كثيرين. لكن ما أبعد الفارق بينهم وبين الرب يسوع ولنذكر منهم: • يوسف: أرسله أبيه يعقوب لينظر سلامة إخوته وسلامة الغنم؛ فأطاع قائلاً : «هأَنَذَا». ولكنه كان يجهل ما سيفعله به إخوته. وأُظن أنه لو علم ربما رفض الإرسالية : (تكوين37). أما المسيح فمكتوب عنه : «فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ» (يوحنا18: 4). • موسى: دعاه الرب ليرسله إلى فرعون ليخرج بني إسرائيل من مصر، فقدَّم خمسة اعتذارات وأدلة على عدم كفائته، أنهاها بالقول : «أَرْسِلْ بِيَدِ مَنْ تُرْسِلُ» (خروج4: 13). أما المسيح فخرج طائعًا مسرورًا لفعل مشيئة من أرسله. • إشعياء النبي: سمع السيد الرب يقول من أرسل، فقال هأنذا أرسلني. ولكن كان يحتاج أولاً أن ينتزع إثمه ويكفَّر عن خطيته : (إشعياء6). أما المسيح فهو القدوس بلا شر ولا دنس الذي لم تكن فيه خطية. * الغرض من الإرسالية: نذكر أولاً ما قاله الرب يسوع بنفسه، ثم ما كتبه الرسل بالروح. • في بداية خدمته، وبعد التجربة من إبليس، قال الرب يسوع لليهود في مجمع الناصرة: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ» (لوقا4: 18–19). وقد تمَّم في خدمته كل هذا. • كتب بولس: «فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ» (رومية8: 3). أي جاء في صورة إنسان ومات من أجل ما نحن عليه – دان طبيعتنا الخاطئة – وما ارتكبناه من خطايا. • وكتب يوحنا ثلاثة أغراض : «أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ.. بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا.. الآبَ قَدْ أَرْسَلَ الابْنَ مُخَلِّصًا لِلْعَالَمِ» (1يوحنا4: 9–14). فالإنسان ميت، ومذنب، وهالك؛ وجاء المسيح مرسلاً من الله ليُحي، ويكفِّر ويخلِّص. • المسيح كالمرسل صفاته وأهدافه: في إنجيل يوحنا نجد التركيز أكثر على المسيح باعتباره المُرسَل من الآب، ويذكر هذا الكثير من المرات . فيها نرى غرضه عندما قبل الارسالية من الآب وجاء إلى العالم. وإليك بعضها: -1- يتكلم ويعلم بكلام من أرسله: «لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمِ اللهِ... الآبَ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ أَعْطَانِي وَصِيَّةً: مَاذَا أَقُولُ وَبِمَاذَا أَتَكَلَّمُ... أَجَابَهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: “تَعْلِيمِي لَيْسَ لِي بَلْ لِلَّذِي أَرْسَلَنِي”» (يوحنا3: 34؛ 12: 49؛ 7: 16). -2- يعمل مشيئة الذي أرسله: «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ... لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي» (يوحنا4: 34؛ 5: 30). -3- يعمل ويكمل العمل المُرسل لأجله: «يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي» (يوحنا9: 4)، «لأَنَّ الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لأُكَمِّلَهَا، هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي» (يوحنا5: 36). فلم يكتفِ أبدًا أن يبدأ عمل أو يقطع فيه شوطًا ثم يتركه لأي سبب بل أكمل كل شيء. وقد ختم خدمته مخاطبًا من أرسله بالقول : «الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ» (يوحنا17: 4). -4- لم يأتِ من نفسه : «لأَنِّي خَرَجْتُ مِنْ قِبَلِ اللهِ وَأَتَيْتُ. لأَنِّي لَمْ آتِ مِنْ نَفْسِي، بَلْ ذَاكَ أَرْسَلَنِي» (يوحنا8: 42). -5- يطلب مجد الذي أرسله : «مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ يَطْلُبُ مَجْدَ نَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْ يَطْلُبُ مَجْدَ الَّذِي أَرْسَلَهُ فَهُوَ صَادِقٌ» (يوحنا7: 18). أخبره مرة تلاميذه أن الجموع تطلبه وتوقَّعوا أنه سيذهب لهم فورًا. لكن إرادة الله الذي أرسله تتغلب على طلب الجموع ونصيحة التلاميذ فقال : «لأَنِّي لِهذَا خَرَجْتُ» (مرقس1: 35–39). -6- صورة معبِّرة لمن أرسله: «وَالَّذِي يَرَانِي يَرَى الَّذِي أَرْسَلَنِي» (يوحنا12: 45). -7- علاقته بالروح القدس: كان الروح مصدر قوة كرازة وخدمة وإرسالية الرب يسوع (اقرأ لوقا4: 1، 18، 19). هذا هو أعظم مرسل. الذي نزل من السماء لهدف واحد، وهو عمل مشيئة الذي أرسله. فلم تكن له أجندة شخصية أو أهداف خاصة. لذا بعد كل عمل لم يلاحظ عليه أحد علامات التعب والإعياء. بل الشبع والفرح والانتعاش. هذا شيء قليل عن المسيح وقوله : «كَمَا أَرْسَلْتَنِي». فماذا عن المرسَلين منه وقوله لهم : «أُرْسِلُكُمْ أَنَا»؟ والحديث له بقية بمشيئة الرب. * * * أشكرك أحبك كثيراً... الرب يسوع يحبك ... بركة الرب لكل قارئ .. آمين . وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين يسوع يحبك ... |
||||
|
|||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18702 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ممارسه العاده السريه في الكتاب المقدس وثمار المسيحيه
النص محل البحث Gen 38:9 فَعَلِمَ اونَانُ انَّ النَّسْلَ لا يَكُونُ لَهُ. فَكَانَ اذْ دَخَلَ عَلَى امْرَاةِ اخِيهِ انَّهُ افْسَدَ عَلَى الارْضِ لِكَيْ لا يُعْطِيَ نَسْلا لاخِيهِ. قبل ان نبدأ في فهم النص بشكل صحيح . لا يوجد اى علاقه فيما كتبه احدهم بالتعاليم المسيحيه انا حقاً عقلي لا استطيع منطقته او عقلنته في فهم الافكار المتدنيه ربما يكون عيباً في ولكن علي الرغم من ذلك هذا لا يجعل الافكار المتدنيه افكار تستحق الاحترام . اريد ان اعلم حقاً ما علاقه ان سيده تتحدث ان زوجها يفعل masturbation علي الرغم من زواجهم والكتاب المقدس؟؟ ما علاقه هذا بذاك هل الكتاب المقدس يقول لنا من اول يوم زواج افعلوا هذا الفعل! هل يقول ان نفعل هذا الفعل اصلاً سواء بدون زواج او بزواج ؟ , هذه مغالطه منطقيه تُسمي بعدم الترابط Non Sequitur , وايضاً الغريب ان المقال المنقول ( بغض النظر عن مصدره ) لا يحتوى اي تلميح ان هذا من تعاليم الكتاب المقدس , وعجبي ! نبدأ بمعونه الرب بدايه وقبل ما نتكلم عن سبب الفعل هل ما فعله اونان بغرض الاستمناء , الحقيقه لا , يقول فيتكور هاميلتون انه من الواضح ان هذا قد يُشير لمنع الحمل بدل من الاشاره الي الاستمناء [1] وهنا للسؤال الاهم لماذا فعل هذا ؟ هذا لدافع الانانيه فيقول بروس والتك . ان عمله الحسي والانانى لا يعطى شقيقه امكانيه نوال بركه الارض من خلال نسل يُحسب له ( راجع الاعداد 17:6, 20; 28:3; 35:11 ) [2] فأذا كان لأخيه نسلاً هذا سيُقلل مما سيأخذه فهذا فعل اناني من اونانى لتصرف نحو زوجه اخيه المتوفي ولأخيه ايضاً , يقول ادوار انجلبريشت . اول ذريه من الذكور تنتمى الي الشقيق المتوفي وليس لأونان , وعباره " كلما كان " يُشير في العبري الي ان اونان فعل هذا مراراً وتكراراً وهذر السائل المنوى علي الارض [3] ويقول بوب ايتلي علي ما يبدو ان اونان كان اكثر قلقاً بشأن ان يكون ميراثه اكبر مما لعائله شقيقه [4] ويقول جوردن وينهام . علي اونان ان يُطيع امر ابيه ولكن علي غير استعداد لأعطاء " احفاد الي اخيه " ولذلك هو يُمارس قطع الجماع كلما اجتمعوا , تؤكد العبريه ان اونان فعل هذا في كل مناسبه جماع وليس مره واحده او مرتين فقط [5] ويؤكد علي هذا دريفر ان في العبريه تأتي بمعنى الاستمراريه [6] وايضاً هذا يُخبرنا به دكتور ديلمان انه يعني الاعتياديه فشيء معتاد انه يسكب المنى علي الارض [7] ( للعلم البعض قد فسر فعل اونان علي انه لهدف تحديد النسل ولكن هذا يرفضه جون كورسون ويقول انه فهم خاطيء [8] الملخص : الكتاب المقدس لا يُعلم هذا التعليم الفاسد ( ربما يوجد في احد العقائد الاخري ) وفكره سخيفه جداً الربط بين حدث ما ومفهوم خاطيء لأحد نصوص الكتاب المقدس ووضع عنوان ان هذا له علاقه بتأثير التعاليم المسيحيه هذه ليست الطريقه الصحيحه للوصول الي قناعات شخصيه بل مجرد . نص من الكتاب المقدس + استنتاج خاطيء = نتيجه خاطئه , هذه هي النظام المُتبع لأغلب الشبهات ان لم يكن كلها , حاولت الأيجاز بقدر المُستطاع اغفروا لي ان اخطأت او سهوت , لتكن البركه References [1] Hamilton, V. P. (1995). Book of Genesis, Chapters 50. New International Commentary on the Old Testament. Grand Rapids, MI: Wim. B. Erdmans Publishing Company,, It is clear that this refers to the withdrawal of contraception, rather than referring to masturbation. [2] Waltke, B. K., & Fredricks, C. J. (2001). Genesis: A commentary (510). Grand Rapids, MI: Zondervan,, semen on the ground. His sensual and selfish act denies his brother the possibility of blessing the earth through progeny reckoned as his (cf. 17:6, 20; 28:3; 35:11).. [3] Engelbrecht, E. A. (2009). The Lutheran Study Bible (75). St. Louis, MO: Concordia Publishing House,, 38:9 not be his. The first male offspring would belong to the line of the deceased brother, not to Onan. whenever. Hbr implies that Onan did this repeatedly. waste the semen on the ground. . [4] Utley, B. (2009). The Patriarchal Period: Genesis 12-50. Study Guide Commentary Series (259). Marshall, TX: Bible Lessons International,, 38:9 “Onan knew that the offspring would not be his” Apparently Onan was more concerned about a larger inheritance for himself than he was with his brother’s family. . [5] Wenham, G. J. (2002). Vol. 2: Word Biblical Commentary : Genesis 16-50. Word Biblical Commentary (367). Dallas: Word, Incorporated,, 9 Onan has to obey his father’s injunction but is unwilling to give “descendants to his brother,” so he practices coitus interruptus whenever they come together. The Hebrew emphasizes that Onan did this on every occasion of intercourse, not just once or twice. . [6] Driver, S. R. (1904). The Book of Genesis, with Introduction and Notes (328). New York; London: Edwin S. Gorham; Methuen & Co,, 9. when. Whenever: the tenses (which are exactly like those of Nu. 21:9, Jud. 6:3) being frequentative (G.-K. §§ 159o, 112e). . Dillmann, A. (1897). Genesis Critically and Exegetically Expounded, Vol. 2 (W. B .[7] Stevenson, Trans.) (345). Edinburgh: T&T Clark והיה וג׳—consecutive perfect in the sense of the habitual imperfect;6 as often as7 he went in to her he let perish to the earth, allowed his seed to fall on the ground. [8] Courson, J. (2005). Jon Courson's application commentary : Volume one : Genesis-Job (173). Nashville, TN: Thomas Nelson,, This verse is often misused as a statement against birth control. The issue here, however, isn’t about family planning. It’s about family plotting—for in his actions, Onan is saying, “I’m going to despise the directive of my father and trample on the casket of my brother.” Thus, this scenario has nothing to do with God’s opinion about family planning—and everything to do with a man determined to manipulate the situation.. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18703 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() القديس البار يوسف النجار ![]() متى 18:1-25 "أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً. وَلَكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هَذِهِ الأُمُورِ إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ. وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ (ﭐلَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا). فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ. وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. وَدَعَا اسْمَهُ يَسُوعَ". عندما نتحدث في حياتنا اليومية عن شخصية أو صفات رجل أو امرأة معينة فإننا في الغالب نتحدث عن واحد من ثلاثة أشياء: * الحديث عن إنسان معيّن بأن له شخصية مميزة، يكون القصد هو أن هذا الشخص فريد من نوعه أو غريب الأطوار. * أيضاً الحديث عن شخصية معينة يعني الحديث عن رجل أو إمرأة له دور في قصة معينة أو فلم سينمائي. * كذلك فالحديث عن إنسان بأنه شخصية مميزة يعني ببساطة الحديث عن رجل أو إمرأة له سمات أو ميّزات نبيلة أو أخلاق حميدة. أي أن الحديث عن شخصية معينة هو في الواقع حديث عن إنسان فريد أو مميز، أو إنسان له دور في قصة أو حدث معيّن، أو الحديث عن إنسان نبيل ومحترم. وفي تأملنا في شخصية القديس يوسف النجار خطيب القديسة مريم العذراء، فإننا في الواقع نتحدث عن رجل اجتمعت في شخصيته الميزات الثلاث أعلاه: فهو إنسان مميز وفريد، وله دور في واحد من أعظم أحداث التاريخ، وهو حدث أو حقيقة تجسد شخص الرب يسوع المسيح، كما أن يوسف كان إنساناً نبيلاً ومحترماً، بل يجب عليّ هنا أن أستخدم الصفة التي ذكرها الإنجيل المقدس عن هذا الإنسان بأنه كان "باراً" (متى19:1). ![]() الشيء المؤسف، أنه في خِضَمِّ الحديث عن ميلاد رب المجد يسوع، يتحدث الناس كثيراً عن القديسة مريم العذراء، وعن الملائكة، وعن الرعاة، وعن المجوس، وعن الملك هيرودس، وحتى عن النجم الذي ظهر للمجوس، ولكن ينسون نجماً بشرياً استخدمه الله والملك هيرودس ليكون الزوج المحب للقديسة مريم العذراء، والمربي الفاضل لشخص الرب يسوع له المجد. عندما نتأمل في الآيات القليلة التي سجلها الوحي المقدس عن القدّيس يوسف، نكتشف مباشرة بأن الله قد اختاره لأنه كان مثالاً لرجل يحب الله، شخص امتاز بالبر والخضوع لإرادة الله، والعمل بحسب مشيئة الله وطاعته فيما أراد منه أن يعمل. ![]() اسم يوسف يعني لغوياً إضافة أو زيادة. ويرتبط ذكره ارتباطاً وثيقاً باسم القديسة مريم العذراء. فعندما ذكر اسم يوسف للمرة الأولى في الإنجيل المقدس قيل عنه "يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ" (متى 16:1). كذلك ينهي الإنجيل المقدس ذكر اسم يوسف بعد زيارته إلى اورشليم مع القديسة مريم عندما كان الرب يسوع إبن إثنتي عشرة سنة، ويتضح من الإنجيل أن علاقة القدّيس يوسف بالقدّيسة مريم العذراء قد اتسمت بالمحبة واللطف والرعاية، أي أنها كانت علاقة انسانية مثالية ورائعة. دعونا في البداية نتعرف على القدّيس يوسف، من هو هذا الإنسان: ![]() 1. يوسف من نسل داود من سبط يهوذا: يوجد في الإنجيل المقدس ثلاثة شواهد على نسب القديس يوسف من نسل الملك داود. فقد ورد اسم يوسف أولاً في سلسلة النسب الملوكي، أي سلسلة نسب الرب يسوع المسيح الأرضية. نقرأ في متى 15:1-16 قول الوحي المقدس "... وَمَتَّانُ وَلَدَ يَعْقُوبَ. وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ".ثم نقرأ عنه في الآية 20 قول ملاك الرب ليوسف: "يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ". كذلك نقرأ في لوقا 4:2 عن يوسف أنه "مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ". 2. يوسف هو الأب الأرضي الشرعي للرب يسوع المسيح: يعلن لنا الله في الإنجيل المقدس حقيقة حبل القديسة مريم العذراء بمعجزة سماوية، فقد حملت الطفل يسوع في أحشائها بدون زرع بشر، بل بقوة من الله. ومن أجل حماية القديسة مريم من الإشاعات والتهم الباطلة، أي من أجل صيانة اسمها الطاهر وسيرتها المقدسة، رتب الله بحكمته الفائقة للإدراك أن يتم حبلها بشخص الرب يسوع المسيح في الوقت الذي كانت فيه مخطوبة من القديس يوسف النجار. يشير لفظ "مخطوبة" في الكتاب المقدس إلى رباط شرعي بين الرجل والمرأة، أي أن الخطوبة هي علاقة زواج حقيقية بينهما ولا تفسخ تلك العلاقة إلا بالطلاق. والفرق بين الخطوبة والزواج الفعلي هو أنه لا تتم العشرة الزوجية أثناء فترة الخطوبة إلى حين انتقال المرأة إلى بيت خطيبها. أي أن يوسف كان من الناحية الشرعية زوج مريم (سفر التثنية 23:22-24). ![]() وهكذا عرف يوسف بأنه الأب الأرضي والشرعي للرب يسوع مع أنه لم يكن أبوه الطبيعي، لذلك دعي المسيح إبن داود. وبهذا الترتيب الإلهي. وهكذا تمت نبوات رجال الله في العهد القديم على أن المسيح سيأتي من نسل داود (صموئيل الثاني 12:7-16). لقد ولد الطفل يسوع في أسرة بشرية مقدسة تتكون من الأم مريم العذراء والأب يوسف النجار (متى 16:1، 20/ لوقا 24:2، 27، 48؛ 23:3؛ 22:4/ يوحنا 45:1؛ 42:6). 3. كان يوسف يعمل في النجارة: نقرأ في متى 55:13 أن يسوع عرف "بإبن النجار" ونقرأ في مرقس 3:6 قول أهل مدينة الناصرة عن المسيح بأنه "النجار ابن مريم". وهكذا شرّف الرب يسوع مهنة النجارة التي عمل بها أيضاً أبوه الشرعي القديس يوسف. ما هي أهم الأشياء التي يعلنها الكتاب عن القديس يوسف النجار: أولاً: كان يوسف رجلاً باراً: متى 18:1-19 ![]() نقرأ في الآية 19 أن "يُوسُفُ... كَانَ بَارّاً"، والواقع حتى لو أن الإنجيل لم يذكر لنا هذه الحقيقة، فإننا نستطيع استنتاج ذلك من خلال قراءتنا لما عمله يوسف مع القديسة مريم العذراء ومع الطفل يسوع. وصفة "البار" المستخدمة هنا تشير إلى أن أسلوب تفكير يوسف ومشاعره وأعماله كانت جميعها بحسب مشيئة الله. وجد يوسف نفسه في موقف حرج وصعب للغاية: فقد كان خطيباً لمريم، واكتشف فجأة أن خطيبته حبلى، فما العمل. موقف يوسف من حبل مريم العذراء يكشف لنا أنه كان رجلاً عظيماً ومباركاً. فهو لم يعلم بسر حبلها، وتفاجأ بها وهي تحمل جنينها في أحشائها. فلم يشتم ويلعن ويهدد ويضرب ويطالب بالإنتقام. بل تصرف بحب ورعاية عجيبة. فلم يخبر أي شخص بأن الجنين الذي كان في أحشاء مريم لم يكن منه، بل ترك الجميع يظنون أنه الأب الحقيقي للطفل. وأراد أن ينفصل عن مريم بهدوء. لقد كان باستطاعة يوسف أن يطالب بتطبيق شريعة الله ورجم مريم بالحجارة حتى الموت أو أن يطلقها (راجع سفر العدد 11:5-31، ولاويين 10:20) ولكنه لم يمارس حقه الشرعي. في نظر يوسف، كانت الرحمة والمحبة أعظم جداً من تطبيق حرف الناموس. حسب العادات التي سادت في أيام يوسف ومريم، كان الزواج يمر في مرحلتين: المرحلة الأولى هي مرحلة الخطوبة، ثم مرحلة الاحتفال بالزواج. وخلال مرحلة الخطوبة، يعمل أهل العروسين على ترتيب عقد الزواج الذي يتعهد فيه والد العريس بدفع مهر العروس الذي يمثل ضمانة أو مصدر أمن للعروس في حالة أراد العريس ترك خطيبته أو طلاقها. ومن الناحية القانونية، فإن الخطيبين يُعتبران زوجين منذ الإتفاق على عقد الزواج، ولكن لم تكن مراسم الزواج تتم عملياً إلا بعد سنة، حيث كانت فترة الخطبة للتحضير ولاختبار ولاء الخطيبين لبعضهما البعض. ![]() بدأت المشكلة عندما ظهر ليوسف أن خطيبته مريم قد خانت عهدها معه وأصبحت حاملا، أي أنها خيّبت آماله ووضعته في موقف محرج. فبحسب الشريعة كان يحق ليوسف أن يذل مريم أمام الناس بسبب خيانتها الظاهرة له، كما وكان من حقه أن يطالب برجمها بتهمة الزنا، وفي نفس الوقت كان يستطيع تركها بهدوء وبدون أية فضائح، وفي جميع الحالات لم يعد باستطاعة يوسف إتمام مراسم الزواج لأنها، كما بدا له، قد خانت عهدها معه ومع الله. ومع ذلك فقد اختار يوسف أن "لا يشهرها"، أي أن لا يسبب لها فضيحة أخلاقية واجتماعية ودينية، بل أراد أن يفسخ عقد الخطوبة بينهما بصمت وهدوء، حيث كان يتم فسخ العقد بحضور شاهدين أو ثلاثة يمكن الثقة بهم. وهذا الاختيار يدل بلا شك على أن يوسف كان يخاف الله، وبحسب تعبير الكتاب المقدس، لقد كان "باراً"، ولم يهتم بالجرح والألم الذي أصابه، ولكنه كان حريصاً أن لا تنجرح خطيبته مريم وأن لا تتعرض لأي سوء من المجتمع القاسي الذي لا يرحم. وهذا دليل قاطع على أنه كان يحب خطيبته مريم، وبالرغم مما جرى، فإن حبه لم يتغير، والذي يحب لا يمكن أن يتسبب بأيّ أذى لمن يحبه. ![]() موقف يوسف من القديسة مريم يدفع الكثيرين منا إلى الخجل من أنفسنا. فنحن على استعداد أن نشهر بأي شخص ولو أساء إلينا بإساءة بسيطة جداً، وليس إساءة فظيعة مثل الزنا والحبل. نحن لا نرحم. نحقد، ونفرغ سموم حقدنا بالثرثرة وتشويه سمعة الناس وحتى الإساءة إليهم. يوسف لم يشأ أن يشهر خطيبته. اليوم إن خطب شاب فتاة، واكتشفت هي شيئاً عليه أو اكتشف هو شيئاً عليها، فإن جميع الناس يعرفون ما الذي يجري بينهم، وتنتشر الفضيحة بين الناس. المسيحي إنسان محب ولا يسئ للآخرين حتى ولو أساؤوا إليه. المسيحي المحب يحب أن يستر على أخطاء الآخرين، فالمحبة تستر كثرة من الخطايا... ومن منا لا يخطأ، ومن منا لا يحتاج إلى رحمة الله. ![]() أراد يوسف أن يعمل ما هو حق وصواب، وقلب يوسف يعكس رحمة الله وعدله في نفس الوقت. فنحن نعلم من الكتاب المقدس أن الله محب وعادل في نفس الوقت. فالله في عدله يكره الخطية ويعاقب من لا يتوب عن خطاياه، ولكنه أيضاً محب، ولذلك يظهر رحمته لمن لا يستحق الرحمة. نقرأ في مزمور 7:45 عن شخص الرب: "أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ". أجل إن الله يحب الخطاة حتى الموت، موت الصليب كما نقرأ في رومية 8:5 "وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا". يوسف، هذا الرجل الذي لم يسجِّل لنا الإنجيل أية عبارة نطق بها، أي الذي يمكن أن نطلق عليه لقب "الرجل الهادئ" أو "الرجل الصامت"، أحب خطيبته وأراد أن يظهر لها الرحمة لمن ظنّ أنها لا تستحق الرحمة بسبب خيانتها وحبلها قبل الزواج. تماماً كما يظهر الله لنا الرحمة بسبب خيانتنا له وعدم طاعتنا له وارتكابنا لأبشع الخطايا مثل الكذب والنفاق والحسد ومحبة المال وغيرها من الخطايا البشعة. ![]() كره يوسف الخطية الظاهرة له، ومع ذلك كان رحيماً ومحباً لمريم، علماً بأن مريم لم ترتكب خطية في حبلها، بل أن كل شيء قد تم بحسب مشيئة الله وبقوة الروح القدس. لقد انتصرت المحبة على الدينونة لمن لا يستحق الرحمة، وما قام به يوسف يجسد موقف الله منا نحن البشر الخطاة. أجل: كان يوسف باراً ومحباً ورحيماً. ثانياً: كان يوسف رجلاً مطيعاً: ![]() من خلال قراءتنا في متى 19:1 نستنتج أن القديسة مريم لم تخبر يوسف عن زيارة الملاك جبريل لها، وعن حبلها وهي عذراء بقوة الروح القدس. ويؤكد هذه الحقيقة ما جاء في الآية 20، حيث لم يقل الملاك ليوسف: "عليك أن تصدق ما قالته مريم"، بل قال له حقيقة الذي جرى بالضبط. وعندما اكتشف يوسف أن مريم كانت حاملا، لم تظهر منه علامات العصبية والتسرع والغضب. حتى بعدما أراد تخليتها سراً، بل بقي يفكر في الأمر حتى وهو في سرير نومه. نكتشف في استجابة يوسف لكلام ملاك الرب أنه كان مثالاً للرجل التقي الذي يخاف الله. ![]() في الآية 20-23 استمع يوسف بحرص إلى كلمات الله من خلال الملاك في حلم ليلي، وأخذ كلامه بشكل جدي. لم يعلق على ما سمعه في الحلم، بل استمع وآمن بكلمة الله وصدّق كل ما قيل له عن القديسة المباركة مريم العذراء وحبلها بشخص يسوع، ابن الله، عمانوئيل، الله معنا. لقد وثق القديس يوسف بأن كلمة الله صادقة بالرغم من أن ما حدث يفوق العقل البشري ويصعب تصديقه باستخدام لغة المنطق، ولكن بعقل وعيون الإنسان المؤمن، فإن يوسف صدّق ما قيل له من قبل ملاك الرب. لم يكن من الطبيعي أن يولد طفل بدون وجود أب بشري له، ولربما لو كان إنسان آخر بدل يوسف لما صدّق ما سمعه، ولكن يوسف صدق ما قيل له من قبل الرب. أي أن يوسف كان رجل إيمان، رجل وثق بالله، وآمن بما حدث مع القديسة مريم بالرغم من أن منطق العلم والعالم لا يقبل هذا الحق الإلهي. ![]() بعد أن استمع وصدق ما سمعه، أطاع القديس يوسف كلمة الله، وألغى فكرة ترك القديسة مريم، أي طلاقها، وقام رأساً بإتمام مراسم الزواج بها كما نقرأ في الآية 24 "فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ". أجل استمع يوسف لكلام الله وأطاعه وأخذ مريم امرأةً له خضوعاً لمشيئة الله. وهنا يظهر إيمان يوسف ومحبته لله بشكل عملي. فقد قبل أن يأخذ مريم زوجة له، وتنازل عن حقه الطبيعي والشرعي في ممارسة العشرة الزوجية معها، ووفر لها البيت والرعاية والحماية من ألسنة المجتمع القاتلة. وهكذا ظن الناس أن حبل القديسة مريم كان من يوسف رجلها، في حين أن هذا الحبل كان بقوة الله الفائقة للطبيعة. ![]() عندما يكلمنا الله من خلال الكتاب المقدس أو حتى من خلال إعلان معين بالروح القدس، فإن علينا أن نطيع، ولو كان ذلك مكلفاً لنا، كما كان بالتأكيد مكلفاً ليوسف. لقد استمع هذا الرجل البار لكلمة الله، وآمن بهذه الكلمة، وعمل طائعاً للكلمة. وهكذا فإن استماع يوسف وإيمانه وطاعته لكلمة الله تعطينا مثالاً عظيماً لما يجب عليه أن يكون المؤمن والمؤمنة في أيامنا هذه: كان يوسف مطيعاً لله، وليتنا جميعاً نجعل من طاعة الله أسلوباً في حياتنا اليومية. فهل نستمع لكلمة الله كما استمع يوسف؟ وهل نؤمن حقاً بكل كلمة نسمعها من الله كما آمن يوسف؟ وهل نطيع الله ونتصرف بحسب كلمته كما أطاع يوسف؟ ثالثاً: كان يوسف رجلاً مسئولاً ومصدر ثقة: أهم المميزات التي يتصف بها الأبرار هي الإستجابة بمسئولية لكلمة الله وذلك كما نقرأ في رسالة كورنثوس الأولى 2:4 "ثُمَّ يُسْأَلُ فِي الْوُكَلاَءِ لِكَيْ يُوجَدَ الإِنْسَانُ أَمِيناً". لقد أطاع القديس يوسف البار كلمة الله بكل إيمان، و "فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ". (آية 24). ثم عاد الرب وكلّم يوسف بعد زيارة المجوس للطفل يسوع كما نقرأ في متى 13:2-14 حين أمره الرب أن يأخذ مريم والطفل يسوع ويهرب إلى مصر حتى لا يُقْتَلْ على أيدي جيش هيرودس. وقد استجاب يوسف في الحال وبدون تردد، ونفذ الأمر بسرعة، وأخذ القديسة مريم وطفلها الرب يسوع، وسافر ليلاً دون انتظار نور الصباح، وذهب إلى مصر. فالأمر كان عاجلاً جداً، ولا مجال للتروّي. ![]() لم يفكر يوسف بتكاليف الإقامة في مصر، أو أين سيسكنون، وماذا سيفعلون هناك، وكيف أنهم سيصبحون لاجئين وغرباء في مصر. أطاع يوسف كلمة الله بإيمان وثقة بأن الله لن يتركهم في مصر، وسيوفر لهم كل احتياجاتهم. لقد حذّر الله القديس يوسف من خطة هيرودس الإجرامية، وأمّن الله لهم ما سيحتاجونه في وقت غربتهم في مصر عن طريق الهدايا التي استلموها من المجوس، أي بواسطة الذهب واللبان والمر. لم يعرف القديس يوسف لماذا أراد هيرودس قتل الطفل يسوع، ولكن ما عرفه هو أنه كان عليه واجب توفير الحماية للطفل وأمه، وهذا ما عمله بالضبط، غير عالمٍ أنه بعمله هذا قد تمم النبوة الواردة في هوشع 1:11 "مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي". لم يعلم يوسف أن الله قد اختاره ليتمم مقاصده والنبوات، ولكن علم بالتأكيد أن ما قام به كان من أجل سلامة أفراد أسرته. لقد كان مسئولاً أمام الله في طاعته له، وكان مسئولاً تجاه أسرته في توفير الحماية للقديسة مريم وللطفل يسوع. ![]() لا نعرف بالضبط المدة الزمنية التي مضت على يوسف ومريم والطفل يسوع في مصر. ولكن عندما كلّم ملاك الرب القديس يوسف للمرة الثالثة في متى 19:2-23، أطاع يوسف كلمة الله كعادته وبدون تردد، وعاد إلى وطنه. وبسبب حرصه على مريم وطفلها يسوع، لم يذهب يوسف إلى بيت لحم لقربها من القدس حيث أصبح أرخيلاوس ملكاً خلفاً لأبيه، بل توجه إلى الناصرة بعيداً عن الخطر حيث يستطيع أن يوفر الحماية للقديسة مريم وابنه بالتبني دون قلق. بعد ذلك لم يُذْكَر يوسف إلا مرة واحدة وأخيرة وهي مرافقته لمريم ويسوع في زيارة القدس، عندما كان عمر يسوع 12 عاماً. بعد ذلك ينتهي ذكر يوسف نهائياً، فقد أدى دوره بأمانة، وبعدها صمت الوحي المقدس عن ذكره نهائياً. ![]() في عالمنا المليء بالخطية، يكرّم الناس الأغنياء والمشهورين مع أن الكثيرين منهم يعيشون في الرذيلة ولا يقدمون شيئاً للبشرية، أما أشخاص بسطاء وفقراء مثل يوسف النجار فإنهم لا يلتفتون إليهم. ولكن مثل هؤلاء الرجال الأبرار والمطيعين هم الذين يعطيهم الله مسئوليات عظاما، مثل حماية إبنه الوحيد من القتل على يد الملك الطاغية هيرودس، وحماية أمه القديسة المباركة مريم العذراء وتوفير أسباب الراحة لها. يوسف النجار البسيط تلقى وحياً من السماء، ليس مرة واحدة فقط بل ثلاث مرات. يحتاج مجتمعنا اليوم مثل هؤلاء الرجال. صحيح أن التاريخ المسيحي والتاريخ العام للبشرية لم يذكر يوسف إلا في سطور قليلة في الإنجيل المقدس، ومع ذلك فهذه السطور خلّدت لنا ذكرى رجل أحب الله وأحب زوجته، وأطاع الله مصغياً لكلامه ومنفّذاً كل كلمة سمعها من الرب. هذا هو القدّيس يوسف: ![]() رجل خدوم: خدم القديسة مريم العذراء ورب المجد يسوع. رجل مضحي: ضحى من أجل القديسة مريم العذراء ورب المجد يسوع رجل مجتهد في عمله: عمل نجاراً ليوفر أسباب الحياة لأسرته المقدسة رجل مسئول: تحمل مسئولية القديسة مريم العذراء ورب المجد يسوع. رجل مفكر: فكر بأمر القدّيسة مريم العذراء قبل أن يتخذ أي خطوة، فلم يكن متسرعاً بل أعطى مكاناً للعقل إلى جانب عواطفه وأحاسيسه البشرية رجل مطيع: أطاع الله عندما أخذ القدّيسة مريم زوجة له أطاع الله عندما ذهب إلى مصر أطاع الله عندما عاد من مصر إلى الناصرة رجل بار: كل خطواته كانت متفقة مع مشيئة الله ورافق القدّيس يوسف القدّيسة مريم العذراء في أهم محطات حياتها: ![]() 1. عند السفر إلى بيت لحم لأنه من نسل داود ليتم إحصاؤهم حسب أوامر قيصر روما. 2. عند ولادة الطفل يسوع في بيت لحم. 3. عند تسمية الطفل باسم يسوع. 4. عند ختان الطفل في اليوم الثامن. 5. عند تكريس الطفل في الهيكل وصلاة سمعان الشيخ. 6. عند السفر إلى مصر ثم العودة إلى الناصرة. 7. وعند السفر إلى هيكل الله في أوروشليم لمّا كان عمر الرب يسوع اثنتي عشرة سنة. دعونا نصلي في ذكرى عيد ميلاد الرب يسوع أن يقيم الله في وسطنا رجالاً ونساءً أتقياء مثل القدّيس البار يوسف النجّار. أشخاصاً يحبون الله، ويستمعون لصوت الله، ويعملون بحسب مشيئة الله. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18704 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() رقاد والدة الاله ![]() رقاد والدة الاله . إن ما تسلّمته الكنيسة من الأخبار المتداولة من الآباء من قديم الزمان عن رقاد والدة الإله هو ما يأتي:وهو أنه لمّا حان الزمن الذي سرّ فيه مخلصنا أن ينقل إليه والدته, أرسل إليها ملاكاً قبل ذلك بثلاثة أيام, ليخبرها بقرب انتقالها من هذه الحياة الزائلة إلى الحياة الأبدية المغبوطة. فلمّا سمعت هي بذلك, صعدت بسرعة إلى جبل الزيتون الذي كانت تذهب إليه كثيراً للصلاة وأدّت الشكر لله, ثم عادت راجعةً إلى بيتها. وأخذت تهيّئ ما يقتضي للدفن, وفيما هي على هذه الحال, اختطفت الرسلَ سحبٌ من أقاصي الأرض, كلّاً منهم من حيث كان يكرز بالبشارة, وأحضرتهم إلى بيت والدة الإله, فأخبرتهم بسبب جمعهم بغتة, وعزّتهم بمثابة أم عن الحزن الذي اعتراهم لا محالة. ثم رفعت يديها إلى السماء, وتضرّعت من أجل سلامة العالم وباركت الرسل. وأخيراً اضطجعت على سريرها, وجعلت جسدَها على الهيئة التي شاءت, وهكذا أسلمت روحها الفائقة القداسة في يدي ابنها وإلهها. أما الرسل فرفعوا السرير الذي كان عليه جسدُها المتقبّل الإله بورعٍ عظيم, ومصابيحَ كثيرة, مرتّلين نشائد التجنيز. وحملوه إلى القبر, وكانت الملائكة ترتّل معهم من السماء مشيّعين من هي أعلى من الشيروبيم. وإذ تجاسرَ أحدُ اليهود حسداً أن يمدّ يديه على ذلك السرير بوقاحةٍ, نالهُ في الحال من لدنِ القضاء الإلهي ما كانت تستوجبه وقاحته من القصاص, فإن يديه الجريئتين قطعتا بضربةٍ لم تُرَ. ولمّا وصلوا إلى القرية التي تُدعى الجسمانية, دفنوا هناك ذلك الجسد الفائق الطهارة, ينبوع الحياة بوقارٍ عظيم. وفي اليوم الثالثِ من دفنها صنعوا تعزيةً, وبعدما نهضوا عن الأكل, رفعوا جزء الرب (قطعة الخبز) كعادتهم, فحينما قالوا: عظيمٌ اسم (يا له من عجبٍ مستغرب) ظهرت لهم العذراء بجسمها الطاهر ملتحفةً بسحابة بهجة. وملائكة منيرون ظهروا محيطين بها في الجوّ. فقالت: "السلام لكم, افرحوا معي مدى الأيام". فاندهش التلاميذ وعلّوا الصراخَ قائلين: يا والدة الإله الكليّة القداسة أعينينا. ثم تقدموا إلى القبر, وإذ لم يجدوا جسدَها الكلّي قدسه, تيقنوا حقيقةً أنها قامت من بين الأموات حية بجسدها نظير ابنها. وانتقلت منطلقةً إلى السموات. متملّكة مع المسيح إلى دهر الداهرين.آمين. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18705 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() المسيح الملك يدخل أورشليم ![]() "وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ فَاجِي عِنْدَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، حِينَئِذٍ أَرْسَلَ يَسُوعُ تِلْمِيذَيْنِ قَائِلاً لَهُمَا: "اِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، فَلِلْوَقْتِ تَجِدَانِ أَتَاناً مَرْبُوطَةً وَجَحْشاً مَعَهَا، فَحُلَّاهُمَا وَأْتِيَانِي بِهِمَا. وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ شَيْئاً فَقُولَا: الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِمَا. فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُمَا". فَكَانَ هذَا كُلُّهُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ: "قُولُوا لِابْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعاً، رَاكِباً عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ". فَذَهَبَ التِّلْمِيذَانِ وَفَعَلَا كَمَا أَمَرَهُمَا يَسُوعُ، وَأَتَيَا بِالْأَتَانِ وَالْجَحْشِ، وَوَضَعَا عَلَيْهِمَا ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِمَا. وَالْجَمْعُ الْأَكْثَرُ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَاناً مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ. وَالْجُمُوعُ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرَخُونَ: "أُوصَنَّا لِابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الْآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الْأَعَالِي!". وَلَمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا قَائِلَةً: "مَنْ هذَا؟" فَقَالَتِ الْجُمُوعُ: "هذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ" (متى 21:1-11). خرج المسيح صباح يوم الأحد مع تلاميذه والجمهور التابع له من بيت عنيا قاصداً الهيكل، وسار جمهور المستقبلين من المدينة ليلاقوه، ثم أرسل أمامه تلميذين إلى قرية قريبة، حيث يجدان فيها جحشاً لم يُروَّض بعد، مربوطاً بجانب أمه، أمام أحد البيوت. فعليهما أن يحلاهما ويأتيا بهما إليه. فإذا اعترض صاحبهما على هذا العمل من شخصين غريبين، يجيبانه: "الرب محتاج إليهما". فحالاً يسمح بهما. فتمَّت نبوة المسيح لهما حرفياً. في هذا الحادث تثبيتٌ لعظمة المسيح بعلمه الغيب والمستقبل. فإذا عرفنا أن صاحب البهيمتين ليس من تلاميذه ولا محبيه تزيد عظمته، لسلطانه على أفكار هذا الرجل وإرادته. وهنا نتساءل: ترى لماذا اختار المسيح هذا الموعد بالذات ليدخل أورشليم هذا الدخول الانتصاري؟ الإجابة: "إن اليهود كانوا يفرزون خروف الفصح - الذي يرمز للمسيح - في اليوم العاشر من شهر نيسان القمري، ويعِدُّونه للذبْح ليأكلوه بعد خمسة أيام، فليس عبثاً أن نرى المسيح (حمل اللّه الذي يرفع خطية العالم) ُيفرَزُ علانية في اليوم ذاته، مع الأغنام الكثيرة التي كانت ترمز إليه، ثم يُذبح على الصليب وقت ذبحها في الهيكل بعد خمسة ايام. وتثبيتاً لأهمية موته وما يتعلق به، نرى أن البشائر الأربع تخصص سدس أخبار 12400 يوماً، التي روت لنا أخبارها من حياة المسيح، ليوم واحد منها هو يوم موته وأخبار هذا اليوم، والسبعة الأيام التي قبله وبعده (التي نسميها أسبوع الآلام) تشغل أكثر من رُبع أخبار السنين الأربع والثلاثين التي تتضمنها سيرة المسيح المقدسة. ركب المسيح الجحش بعد أن وضع بعضُ تابعيه ثيابهم عليه. ولما التقى جمهور الخارجين من المدينة بجمهور الداخلين إليها اشتدت الحماسة وتسابقوا في إكرام المسيح وهم ينشدون بمعجزته لما أقام لعازر من الموت في بيت عنيا. وفعلوا ما يفعلونه عادة في أيام عيد المظال عندما يطوفون حول المذبح حاملين سعف النخل، شارات النصر، صارخين "أوصنا" (ومعناها: خلِّصنا). وقطعوا أغصاناً من الشجر فرشوها في الطريق، كما فرشوا فيه ثيابهم. أضفى الشعب على هذا الاحتفاء صبغة دينية، فصاروا يفرحون ويسبحون الله لأجل جميع المعجزات التي أجراها المسيح. وفي ابتهاجهم كانوا يصرخون: "أوصنا لابن داود. مبارك الآتي باسم الرب. مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب. سلام في السماء، ومجد في الأعالي. أوصنا في الأعالي". وهذه الهتافات مقتبسة من المزمور المئة والثامن عشر، لأن الشعب كان يعتقد أن يسوع هذا هو المخلِّص المنتظر، وابن داود الآتي ليعيد أمجاد مملكة داود السياسية، دون أن يفهموا معنى خلاصه الروحي من عبودية الخطية. ولذلك فإن هذا الذي يهتف له شعبه الآن كملك، سيرى عكس هذا الاحتفاء. سيتوّجونه في هذا الأسبوع (الذي نسمّيه أسبوع الآلام) لكن بإكليل من شوك استهزاءً، ويُلبسونه حلَّةً ملوكية، لكن سخرية، ثم ينزعونها عنه، ويضعون قصبةً كصولجان في يمينه، ثم يخطفونها من يده ويضربونه بها. سيسجدون أمامه ويحيُّونه كملك، لكن مكراً ووقاحة وإهانة. سيُجلسونه مرفوعاً على عرش، لكنه الصليب. سيقتله الذين اختلسوا مُلكه ويبدلون الصراخ: "أوصنا لابن داود ملك إسرائيل" بالصراخ: "اصلبه. اصلبه. ليس لنا ملك إلا قيصر". ولم يكن ممكناً أن يتغاضى الفريسيون عن تجمهر كهذا، فانضمُّوا إلى الجمهور ليروا ماذا يحدث، وقالوا بعضهم لبعض: "انظروا. إنكم لا تنفعون شيئاً. هوذا العالم قد ذهب وراءه". لقد ضايقهم غاية الضيق عدم تنفيذ أوامرهم المشددة، وقراراتهم الرسمية. لقد ضاعت سطوتهم النافذة على الشعب فاجتمع فيهم الحسد الجديد مع البغض القديم، وخافوا لئلا يظن الوالي الروماني أن هذه المناداة بملكٍ جديد لإسرائيل هي باتفاق الشعب ورؤسائه، فيحسبها مكيدة سياسية، ويعاقب لأجلها الرؤساء أولاً. وكان الوالي قد حضر من عاصمته قيصرية ليراقب ما قد يحدث أثناء العيد ضد حكومته من الفِتن السياسية ليخمدها ويعاقب المسؤولين. لذلك تقدم بعض الفريسيين إلى المسيح وقالوا له: "يا معلم، انتهر تلاميذك". لكن المقاصد الإلهية التي لا يعملها إلا هو تقضي بهذا الاحتفاء في هذا الوقت، حتى أنه لو تأخر البشر عن إتمامها لاضطرت الحجارة الصماء أن تقوم بها. ولذلك رفض المسيح طلب رؤساء اليهود، ومضى في موكبه وسط هتافات الجمهور له. وكان لا بد أن يدخل المسيح أورشليم هذا الدخول الانتصاري، سبق النبي زكريا أن قال في التوراة: "اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ" (زكريا 9:9). وزكريا نبيٌّ من جملة الذين قادهم روح المسيح في النبوة. فأعلن المسيح سلطته العجيبة لما جعل الجمهور يشترك معه في إتمام هذه النبوة حرفياً، برغم مكائد الرؤساء. ففي بدء الاستعداد لهذا العيد العظيم دخل أورشليم بموكب عظيم، راكباً على جحش، بعد أن كان في كل سفراته يمشي على الأقدام. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18706 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() المسيح يبكي على أورشليم ![]() "وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا قَائِلاً: "إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضاً حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا مَا هُوَ لِسَلَامِكِ. وَلكِنِ الْآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلَا يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ، لِأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ" (لوقا 19:41-44). ولما وصل هذا الموكب إلى أول مكان يرون منه المدينة المقدسة، وقع نظر المسيح عليها، أبرقت في بصيرته النبوية صورتها الساحرة للأبصار. صورة سوف يراها بعض هؤلاء المحتفلين به، فطار عنه كل ما ولَّده هذا الاحتفال الحبي البهيج من الفرح، ورفع صوته بالرثاء والبكاء المسموع. بكى على قبر لعازر بهدوء. أما الآن فيبكي بشدة على أورشليم التي ستُخرب، وهذا يعلّمنا أن نحب الوطن، وأن نحب الخطاة، ونبكي على مصيرهم الأليم. وما كان أشد دهشة هذا الجمهور عندما سمعوا بكاءه دون أن يروا سبباً لذلك. إن كل آلامه الفائقة الوصف، حتى تعليق على الصليب، لم تُنزل له دمعة ولا أَسمعَتْ له أَنَّة لكن حبه لهذه المدينة وشعبها العاصي أبكاه. أذابت خطاياهم والويلات التي تترصَّدهم قلبه الحنون، فبكى عليهم. لقد رأى بعلمه الفائق أورشليم بعد أربعين سنة وقد حاصرها الجيش الروماني والعذابات الهائلة التي ستحلّ بها، ثم الخراب التام للمدينة ولهيكل الله العظيم. رأى أسوارها تُهدم وتُطرح إلى الحضيض وتُحرق بالنار. رأى لوعة المجاعة التي جعلت الأمهات يبعن أولادهن للذبح، ويأكل بعضهن أولادهن في جنون الجوع. رأى الأمة تتشتَّت تشتُّتاً دائماً وتزول فرائضها المقدسة. وسيكون عذابهم وهلاك مدينتهم على يد القيصر الذي فضَّلوه عليه، وتباهوا بأنه ليس ملك إلا هو. رأى المسيح الرومان بعد أربعين سنة ينصبون متاريسهم في ذات المكان الذي يبكي فيه الآن، وهم يقذفون منه على أسوار المدينة آلاتهم المدمرة. وهناك يحفرون خنادق الحصار، فيتمّ بذلك القول النبوي القديم: "إِنَّ صِهْيَوْنَ تُفْلَحُ كَحَقْلٍ وَتَصِيرُ أُورُشَلِيمُ خِرَباً وَجَبَلُ الْبَيْتِ شَوَامِخَ وَعْرٍ" (إرميا 26:18). وقد حدث ما رآه المسيح فعلاً. وفي هذا الحصار ذاق اليهود تلك الأهوال التي جعلت المؤرخين يقولون إنها أشد من كل ما ورد في تاريخ العالم، حتى قيل إن القائد الروماني تيطس ذاته لما دخل المدينة، ورأى الجثث مكدسة في الأزقة، رفع يديه نحو السماء، واستشهد آلهته أنه ليس هو المسؤول عن هذا الخراب، ولكن الذين اضطروه إليه هم المسؤولون عنه. كانت هذه الحوادث المؤلمة كلها مكشوفة لبصيرة المسيح. في هذه الساعة تحركت في صدره الرحب الصفوح عواطف حب الوطن والإنسانية، وشعور الإشفاق والغفران على الذين أرادوا أن يقتلوه، فتحوَّل فكره من احتفاء القوم به وسرور تلاميذه، إلى ذَرْف الدموع السخينة، ورثاء هذه المدينة، وبكائه عليها، وعلى شعبها المحبوب المتمرد، فقال مخاطباً أورشليم: "لو علمتِ أنت أيضاً حتى في يومك هذا ما هو لسلامك. لكن الآن قد أُخفي عن عينيك. فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة، ويحاصرونك من كل جهة، ويهدمونك وبنيك فيك، ولا يتركون فيك حجراً على حجر، لأنك لم تعرفي زمان افتقادك". دخل هذا الموكب أورشليم من الباب الشرقي العظيم، بجانب الهيكل، فعرفت المدينة كلها من الهتاف المتواصل ورَفْعِ سعف النخل أن حادثاً خطيراً وقع في وسطهم. فتساءل المارَّة وسكان البيوت والتجار في حوانيتهم: "من هذا؟" وكان الجواب: "هذا يسوع النبي، الذي من ناصرة الجليل". عندما وصل هذا الجمع إلى الهيكل كان النهار قد مال، فاكتفى المسيح بأن نظر حوله إلى ما يجري في الهيكل، ورأى أنه يستدعي عملاً هاماً وخطيراً يُطلب منه. وهذا لا يفعله إلا في اليوم التالي، لأن أبواب الهيكل تُغلق في المساء قبل أن يمكنه إتمامه. وهو لا يريد أن يبيت في المدينة لئلا يعرِّض نفسه لمكائد الرؤساء فيقضون عليه قبل أن تأتي ساعته. لذلك عاد مع تلاميذه إلى بيت عنيا. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18707 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() المسيح الملك يدخل أورشليم
![]() "وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ فَاجِي عِنْدَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، حِينَئِذٍ أَرْسَلَ يَسُوعُ تِلْمِيذَيْنِ قَائِلاً لَهُمَا: "اِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، فَلِلْوَقْتِ تَجِدَانِ أَتَاناً مَرْبُوطَةً وَجَحْشاً مَعَهَا، فَحُلَّاهُمَا وَأْتِيَانِي بِهِمَا. وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ شَيْئاً فَقُولَا: الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِمَا. فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُمَا". فَكَانَ هذَا كُلُّهُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ: "قُولُوا لِابْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعاً، رَاكِباً عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ". فَذَهَبَ التِّلْمِيذَانِ وَفَعَلَا كَمَا أَمَرَهُمَا يَسُوعُ، وَأَتَيَا بِالْأَتَانِ وَالْجَحْشِ، وَوَضَعَا عَلَيْهِمَا ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِمَا. وَالْجَمْعُ الْأَكْثَرُ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَاناً مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ. وَالْجُمُوعُ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرَخُونَ: "أُوصَنَّا لِابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الْآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الْأَعَالِي!". وَلَمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا قَائِلَةً: "مَنْ هذَا؟" فَقَالَتِ الْجُمُوعُ: "هذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ" (متى 21:1-11). خرج المسيح صباح يوم الأحد مع تلاميذه والجمهور التابع له من بيت عنيا قاصداً الهيكل، وسار جمهور المستقبلين من المدينة ليلاقوه، ثم أرسل أمامه تلميذين إلى قرية قريبة، حيث يجدان فيها جحشاً لم يُروَّض بعد، مربوطاً بجانب أمه، أمام أحد البيوت. فعليهما أن يحلاهما ويأتيا بهما إليه. فإذا اعترض صاحبهما على هذا العمل من شخصين غريبين، يجيبانه: "الرب محتاج إليهما". فحالاً يسمح بهما. فتمَّت نبوة المسيح لهما حرفياً. في هذا الحادث تثبيتٌ لعظمة المسيح بعلمه الغيب والمستقبل. فإذا عرفنا أن صاحب البهيمتين ليس من تلاميذه ولا محبيه تزيد عظمته، لسلطانه على أفكار هذا الرجل وإرادته. وهنا نتساءل: ترى لماذا اختار المسيح هذا الموعد بالذات ليدخل أورشليم هذا الدخول الانتصاري؟ الإجابة: "إن اليهود كانوا يفرزون خروف الفصح - الذي يرمز للمسيح - في اليوم العاشر من شهر نيسان القمري، ويعِدُّونه للذبْح ليأكلوه بعد خمسة أيام، فليس عبثاً أن نرى المسيح (حمل اللّه الذي يرفع خطية العالم) ُيفرَزُ علانية في اليوم ذاته، مع الأغنام الكثيرة التي كانت ترمز إليه، ثم يُذبح على الصليب وقت ذبحها في الهيكل بعد خمسة ايام. وتثبيتاً لأهمية موته وما يتعلق به، نرى أن البشائر الأربع تخصص سدس أخبار 12400 يوماً، التي روت لنا أخبارها من حياة المسيح، ليوم واحد منها هو يوم موته وأخبار هذا اليوم، والسبعة الأيام التي قبله وبعده (التي نسميها أسبوع الآلام) تشغل أكثر من رُبع أخبار السنين الأربع والثلاثين التي تتضمنها سيرة المسيح المقدسة. ركب المسيح الجحش بعد أن وضع بعضُ تابعيه ثيابهم عليه. ولما التقى جمهور الخارجين من المدينة بجمهور الداخلين إليها اشتدت الحماسة وتسابقوا في إكرام المسيح وهم ينشدون بمعجزته لما أقام لعازر من الموت في بيت عنيا. وفعلوا ما يفعلونه عادة في أيام عيد المظال عندما يطوفون حول المذبح حاملين سعف النخل، شارات النصر، صارخين "أوصنا" (ومعناها: خلِّصنا). وقطعوا أغصاناً من الشجر فرشوها في الطريق، كما فرشوا فيه ثيابهم. أضفى الشعب على هذا الاحتفاء صبغة دينية، فصاروا يفرحون ويسبحون الله لأجل جميع المعجزات التي أجراها المسيح. وفي ابتهاجهم كانوا يصرخون: "أوصنا لابن داود. مبارك الآتي باسم الرب. مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب. سلام في السماء، ومجد في الأعالي. أوصنا في الأعالي". وهذه الهتافات مقتبسة من المزمور المئة والثامن عشر، لأن الشعب كان يعتقد أن يسوع هذا هو المخلِّص المنتظر، وابن داود الآتي ليعيد أمجاد مملكة داود السياسية، دون أن يفهموا معنى خلاصه الروحي من عبودية الخطية. ولذلك فإن هذا الذي يهتف له شعبه الآن كملك، سيرى عكس هذا الاحتفاء. سيتوّجونه في هذا الأسبوع (الذي نسمّيه أسبوع الآلام) لكن بإكليل من شوك استهزاءً، ويُلبسونه حلَّةً ملوكية، لكن سخرية، ثم ينزعونها عنه، ويضعون قصبةً كصولجان في يمينه، ثم يخطفونها من يده ويضربونه بها. سيسجدون أمامه ويحيُّونه كملك، لكن مكراً ووقاحة وإهانة. سيُجلسونه مرفوعاً على عرش، لكنه الصليب. سيقتله الذين اختلسوا مُلكه ويبدلون الصراخ: "أوصنا لابن داود ملك إسرائيل" بالصراخ: "اصلبه. اصلبه. ليس لنا ملك إلا قيصر". ولم يكن ممكناً أن يتغاضى الفريسيون عن تجمهر كهذا، فانضمُّوا إلى الجمهور ليروا ماذا يحدث، وقالوا بعضهم لبعض: "انظروا. إنكم لا تنفعون شيئاً. هوذا العالم قد ذهب وراءه". لقد ضايقهم غاية الضيق عدم تنفيذ أوامرهم المشددة، وقراراتهم الرسمية. لقد ضاعت سطوتهم النافذة على الشعب فاجتمع فيهم الحسد الجديد مع البغض القديم، وخافوا لئلا يظن الوالي الروماني أن هذه المناداة بملكٍ جديد لإسرائيل هي باتفاق الشعب ورؤسائه، فيحسبها مكيدة سياسية، ويعاقب لأجلها الرؤساء أولاً. وكان الوالي قد حضر من عاصمته قيصرية ليراقب ما قد يحدث أثناء العيد ضد حكومته من الفِتن السياسية ليخمدها ويعاقب المسؤولين. لذلك تقدم بعض الفريسيين إلى المسيح وقالوا له: "يا معلم، انتهر تلاميذك". لكن المقاصد الإلهية التي لا يعملها إلا هو تقضي بهذا الاحتفاء في هذا الوقت، حتى أنه لو تأخر البشر عن إتمامها لاضطرت الحجارة الصماء أن تقوم بها. ولذلك رفض المسيح طلب رؤساء اليهود، ومضى في موكبه وسط هتافات الجمهور له. وكان لا بد أن يدخل المسيح أورشليم هذا الدخول الانتصاري، سبق النبي زكريا أن قال في التوراة: "اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ" (زكريا 9:9). وزكريا نبيٌّ من جملة الذين قادهم روح المسيح في النبوة. فأعلن المسيح سلطته العجيبة لما جعل الجمهور يشترك معه في إتمام هذه النبوة حرفياً، برغم مكائد الرؤساء. ففي بدء الاستعداد لهذا العيد العظيم دخل أورشليم بموكب عظيم، راكباً على جحش، بعد أن كان في كل سفراته يمشي على الأقدام. المسيح يبكي على أورشليم ![]() "وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا قَائِلاً: "إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضاً حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا مَا هُوَ لِسَلَامِكِ. وَلكِنِ الْآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلَا يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ، لِأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ" (لوقا 19:41-44). ولما وصل هذا الموكب إلى أول مكان يرون منه المدينة المقدسة، وقع نظر المسيح عليها، أبرقت في بصيرته النبوية صورتها الساحرة للأبصار. صورة سوف يراها بعض هؤلاء المحتفلين به، فطار عنه كل ما ولَّده هذا الاحتفال الحبي البهيج من الفرح، ورفع صوته بالرثاء والبكاء المسموع. بكى على قبر لعازر بهدوء. أما الآن فيبكي بشدة على أورشليم التي ستُخرب، وهذا يعلّمنا أن نحب الوطن، وأن نحب الخطاة، ونبكي على مصيرهم الأليم. وما كان أشد دهشة هذا الجمهور عندما سمعوا بكاءه دون أن يروا سبباً لذلك. إن كل آلامه الفائقة الوصف، حتى تعليق على الصليب، لم تُنزل له دمعة ولا أَسمعَتْ له أَنَّة لكن حبه لهذه المدينة وشعبها العاصي أبكاه. أذابت خطاياهم والويلات التي تترصَّدهم قلبه الحنون، فبكى عليهم. لقد رأى بعلمه الفائق أورشليم بعد أربعين سنة وقد حاصرها الجيش الروماني والعذابات الهائلة التي ستحلّ بها، ثم الخراب التام للمدينة ولهيكل الله العظيم. رأى أسوارها تُهدم وتُطرح إلى الحضيض وتُحرق بالنار. رأى لوعة المجاعة التي جعلت الأمهات يبعن أولادهن للذبح، ويأكل بعضهن أولادهن في جنون الجوع. رأى الأمة تتشتَّت تشتُّتاً دائماً وتزول فرائضها المقدسة. وسيكون عذابهم وهلاك مدينتهم على يد القيصر الذي فضَّلوه عليه، وتباهوا بأنه ليس ملك إلا هو. رأى المسيح الرومان بعد أربعين سنة ينصبون متاريسهم في ذات المكان الذي يبكي فيه الآن، وهم يقذفون منه على أسوار المدينة آلاتهم المدمرة. وهناك يحفرون خنادق الحصار، فيتمّ بذلك القول النبوي القديم: "إِنَّ صِهْيَوْنَ تُفْلَحُ كَحَقْلٍ وَتَصِيرُ أُورُشَلِيمُ خِرَباً وَجَبَلُ الْبَيْتِ شَوَامِخَ وَعْرٍ" (إرميا 26:18). وقد حدث ما رآه المسيح فعلاً. وفي هذا الحصار ذاق اليهود تلك الأهوال التي جعلت المؤرخين يقولون إنها أشد من كل ما ورد في تاريخ العالم، حتى قيل إن القائد الروماني تيطس ذاته لما دخل المدينة، ورأى الجثث مكدسة في الأزقة، رفع يديه نحو السماء، واستشهد آلهته أنه ليس هو المسؤول عن هذا الخراب، ولكن الذين اضطروه إليه هم المسؤولون عنه. كانت هذه الحوادث المؤلمة كلها مكشوفة لبصيرة المسيح. في هذه الساعة تحركت في صدره الرحب الصفوح عواطف حب الوطن والإنسانية، وشعور الإشفاق والغفران على الذين أرادوا أن يقتلوه، فتحوَّل فكره من احتفاء القوم به وسرور تلاميذه، إلى ذَرْف الدموع السخينة، ورثاء هذه المدينة، وبكائه عليها، وعلى شعبها المحبوب المتمرد، فقال مخاطباً أورشليم: "لو علمتِ أنت أيضاً حتى في يومك هذا ما هو لسلامك. لكن الآن قد أُخفي عن عينيك. فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة، ويحاصرونك من كل جهة، ويهدمونك وبنيك فيك، ولا يتركون فيك حجراً على حجر، لأنك لم تعرفي زمان افتقادك". دخل هذا الموكب أورشليم من الباب الشرقي العظيم، بجانب الهيكل، فعرفت المدينة كلها من الهتاف المتواصل ورَفْعِ سعف النخل أن حادثاً خطيراً وقع في وسطهم. فتساءل المارَّة وسكان البيوت والتجار في حوانيتهم: "من هذا؟" وكان الجواب: "هذا يسوع النبي، الذي من ناصرة الجليل". عندما وصل هذا الجمع إلى الهيكل كان النهار قد مال، فاكتفى المسيح بأن نظر حوله إلى ما يجري في الهيكل، ورأى أنه يستدعي عملاً هاماً وخطيراً يُطلب منه. وهذا لا يفعله إلا في اليوم التالي، لأن أبواب الهيكل تُغلق في المساء قبل أن يمكنه إتمامه. وهو لا يريد أن يبيت في المدينة لئلا يعرِّض نفسه لمكائد الرؤساء فيقضون عليه قبل أن تأتي ساعته. لذلك عاد مع تلاميذه إلى بيت عنيا. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18708 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() المسيح يطهر الهيكل
![]() ![]() "وَفِي الْغَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْيَا جَاعَ، فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئاً. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئاً إِلَّا وَرَقاً، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ التِّينِ. فَقَالَ يَسُوعُ لَهَا: "لَا يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَراً بَعْدُ إِلَى الْأَبَدِ". وَكَانَ تَلَامِيذُهُ يَسْمَعُونَ. ‚وَفِي الصَّبَاحِ إِذْ كَانُوا مُجْتَازِينَ رَأَوُا التِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ مِنَ الْأُصُولِ، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: "يَا سَيِّدِي انْظُرْ، اَلتِّينَةُ الَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ!" فَأَجَابَ يَسُوعُ: "لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِاللّهِ. لِأَنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ قَالَ لِهذَا الْجَبَلِ، انْتَقِلْ وَانْطَرِحْ فِي الْبَحْرِ، وَلَا يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ، فَمَهْمَا قَالَ يَكُونُ لَهُ. لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ. وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ فَاغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ زَلَّاتِكُمْ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا أَنْتُمْ لَا يَغْفِرْ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَيْضاً زَلَّاتِكُمْ" (مرقس 11:12-14، 20-26). دخل المسيح إلى أورشليم، وكان ذلك اليوم يوم الأحد. وفي صباح الإثنين ترك بيت عنيا وعاد إلى أورشليم. ويظهر أنه لم يتناول طعاماً فجاع. وكان جوعه مهماً لأنه من البراهين القاطعة على ناسوته، وأدى إلى تعليم رمزي مهم جداً، ضد النفاق، رسخ في أذهان تلاميذه وذاكرتهم بشهادة العين، والأذن أيضاً. لم يعاقب أحداً من البشر المرائين الذين وبَّخهم لأنه "لم يأتِ ليدين العالم، بل ليخلُص به العالم". لكنه فعل بالشجرة معجزة من باب الغضب - هي الوحيدة في بابها. إنها ليست بشراً، بل فقط شجرة تمثّل المرائين المتظاهرين بصلاح ليس في قلوبهم، فهي خضراء مورقة، لكنها لا تحمل ثمراً. وقد أيَّدت هذه المعجزة قول المعمدان في زمانه إن "قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لَا تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ" (متى 3:10). رأى المسيح من بعيد شجرة تينٍ عليها علامات الإِثمار (وإنْ لم يكن وقت التين). لذلك استلفتت نظره، فقصدها لعله يجد فيها ثمراً. كانت بعض أشجار التين تحمل باكورة الثمر، وهي ثمار صغيرة الحجم، لكنها كثيرة الحلاوة. ولما كانت هذه الشجرة مورقة، فقد توقع المسيح منها باكورة التين، فلم يجد سوى الورق. فصارت تلك الشجرة مثال الخطية الإيجابية التي ارتكبوها وهي الرياء، والخطية السلبية وهي إهمال الصلاح، أي عدم الإِثمار، فلعنها بقوله: "لا يأكل أحد منك ثمراً بعد إلى الأبد". قال ذلك بغاية سامية ليعلّم تلاميذه وليعلمنا ضرورة الإتيان بالثمر. ولم يلعن التينة عن حمقٍ أو طيش، لأن ذلك لا ينطبق على صفاته وتاريخه. المسيح يطهر هيكله![]() "وَجَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ الْهَيْكَلَ ابْتَدَأَ يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَّبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ. وَلَمْ يَدَعْ أَحَداً يَجْتَازُ الْهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ. وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلاً لَهُمْ: "أَلَيْسَ مَكْتُوباً: بَيْتِي بَيْتَ صَلَاةٍ يُدْعَى لِجَمِيعِ الْأُمَمِ؟ وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ". وَسَمِعَ الْكَتَبَةُ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ فَطَلَبُوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ، لِأَنَّهُمْ خَافُوهُ، إِذْ بُهِتَ الْجَمْعُ كُلُّهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ خَرَجَ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ" (مرقس 11:15-19). في صباح يوم الإثنين عاد المسيح وتلاميذه إلى الهيكل، ليباشر العمل الإصلاحي الذي رأى الحاجة ماسةً إليه، لأن تأثير تطهيره الهيكل منذ ثلاث سنين كان قد اضمحل، وعادت العادات الذميمة إلى مجراها القديم، واستخدم اليهود دار الأمم للمرور العادي في الأشغال من جهة إلى جهة بين شوارع المدينة، ونصبوا فيها حوانيت التجارة. كان هذا الهيكل يرمز إلى المسيح كوسيطٍ بين اللّه والناس، لأن به يتقدم الجميع إلى اللّه. وقد قال المسيح: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الْآبِ إِلَّا بِي" (يوحنا 14:6) فكان يجب أن يطهر الهيكل مرة أخرى. ولما كان سيسلِّم ذاته بإرادته في هذا الأسبوع لسلطان أعدائه، فقد جدد برهان سلطانه الذي سيتنازل عنه لإتمام عمل الفداء - برهنه من جديد عندما طرد الباعة من الهيكل وأوقف التجارة فيه. وفي التطهير الثاني للهيكل لم يدَع المسيحُ أحداً يجتاز فيه بمتاع. واستعمل كلاماً أقوى مما قاله في التطهير الأول للهيكل. في التطهير الأول قال: "لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة". أما في هذه المرة فقال: "بيتي بيت صلاة يُدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص". لأنه رأى نفاق التجار في فسحاته. ورأى معظم الأمة، بما فيها الرؤساء، يسلبون حقوق اللّه. وصفت النبوة المسيح بأنه عادل ومنصور (زكريا 9:9) ففي طرده الباعة أظهر عدله، وفي عجز الرؤساء عن منعه ظهر منصوراً. بعد تطهيره الأول للهيكل طلب منه اليهود آية، أما في التطهير الثاني فسألوه: "بأي سلطانٍ تفعل هذا؟" وطلبوا أن يهلكوه. لكنه بقي في المدينة وجوارها ثلاثة أيام. طهَّر الهيكل وهو ربه ليستعمل بيته في خدمته المزدوجة. ابتدأ حسب عادته بآيات الشفاء وأردفها بآيات التعليم. فعلَّم العالم أن أعمال الرحمة تُعدُّ من خدمة الله وتليق ببيته كما بيومه أيضاً. فبانتصاره على الرؤساء، ثم على الأمراض، ثم على الجهل، زاد تعلُّق الشعب به، وعدد المؤمنين ايضاً. فقيل إن "الشعب كله كان متعلقاً به يسمع منه". ولما صار المساء خرج المسيح إلى خارج المدينة كعادته، ثم عاد صباح الثلاثاء ليودع الهيكل الذي قد تحوَّل من بيت الله إلى مغارة لصوص، لأن تطهيره الثاني للهيكل لم يكن إلا مؤقتاً كالأول. وهو لا يرجع إليه بعد هذا اليوم. فلما وصلوا في طريقهم إلى حيث كانت التينة التي لعنها بالأمس، نبَّه بطرس سيده أنها يبست من الأصول. فرأى المسيح احتياجهم إلى درس جديد في الإيمان، وفي النتائج العظيمة العجيبة التي تتبع كل صلاة تُقدَّم بإيمان تام، فأعاد لهم الشرط الأساسي لاستجابة كل صلاة، وهو أن يغفر المصلي من كل قلبه لمن اساء إليه. سؤال عن سلطان المسيح![]() "وَجَاءُوا أَيْضاً إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَفِيمَا هُوَ يَمْشِي فِي الْهَيْكَلِ أَقْبَلَ إِلَيْهِ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَالشُّيُوخُ، وَقَالُوا لَهُ: "بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هذَا، وَمَنْ أَعْطَاكَ هذَا السُّلْطَانَ حَتَّى تَفْعَلَ هذَا؟" فَأَجَابَ يَسُوعُ: "وَأَنَا أَيْضاً أَسْأَلُكُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً. أَجِيبُونِي، فَأَقُولَ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هذَا: مَعْمُودِيَّةُ يُوحَنَّا: مِنَ السَّمَاءِ كَانَتْ أَمْ مِنَ النَّاسِ؟ أَجِيبُونِي". فَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ قَائِلِينَ: "إِنْ قُلْنَا مِنَ السَّمَاءِ، يَقُولُ: فَلِمَاذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ؟ وَإِنْ قُلْنَا مِنَ النَّاسِ". فَخَافُوا الشَّعْبَ. لِأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ عِنْدَ الْجَمِيعِ أَنَّهُ بِالْحَقِيقَةِ نَبِيٌّ. فَأَجَابُوا: "لَا نَعْلَمُ". فَقَالَ يَسُوعُ: "وَلَا أَنَا أَقُولُ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هذَا" (مرقس 11:27-33). بعد أن طهر المسيح الهيكل، اجتمع رؤساء اليهود ليقرروا الخطة التي يتخذونها لتنفيذ غايتهم في صلب المسيح. ولم يروا وسيلة لإسقاطه إلا فصل قلوب الشعب عنه أولاً بواسطة أسئلة يجعلونها أشراكاً يصيدونه بها. وهم يرجون أن يجيب عنها بما يجعل الشعب ينفر منه، حتى إذا حاولوا أن يقبضوا عليه لا يعارضهم الشعب. فبينما كان المسيح يتمشَّى في الهيكل، سألوه عن مصدر سلطانه الذي استعمله في تطهير الهيكل، لأنهم هم وكلاؤه ورؤساؤه، وقد تسلموا سلطانهم على الهيكل قانونياً من أسلافهم بالمَسْح والرسامة مع تصديق الحكومة. أما هو فمِن أين سلطانه؟ قد نسوا السلطة النبوية في تاريخهم. لأنه منذ مئات السنين لم يظهر نبي إلا المعمدان، الذي لم يؤمن به الرؤساء - والسلطة النبوية في كل الأزمان، تأتي رأساً من الله الذي يُقيم الأنبياء دون استشارة أو استئذان، ودون تقيُّد بالتسلسل. ذكَّر المسيح الذين سألوه بسلطان المعمدان، آخر الأنبياء وأعظمهم، وبشهادة المعمدان له أنه ابن الله، وطلب منهم أن يقرروا أولاً مصدر سلطان المعمدان. فإن اعترفوا أنه أخذه من مصدر سماوي يدينون نفوسهم لأنهم لم يقبلوا رسالة المعمدان. وإن أنكروا يخشون أن يرجمهم الشعب الذي كان يعتبر المعمدان نبياً حقيقياً، فلجأوا في حيرتهم إلى الكذب وقالوا: "لا نعلم" فأنزل جوابهم الكاذب على رؤوسهم احتقار الشعب لهم. ورفض المسيح أن يقول لهم بأي سلطان يتصرف، لأنه عرف خفايا قلوبهم الرافضة. مثل الابنين![]() "مَاذَا تَظُنُّونَ؟ كَانَ لِإِنْسَانٍ ابْنَانِ، فَجَاءَ إِلَى الْأَوَّلِ وَقَالَ: يَا ابْنِي، اذْهَبِ الْيَوْمَ اعْمَلْ فِي كَرْمِي. فَأَجَابَ: مَا أُرِيدُ. وَلكِنَّهُ نَدِمَ أَخِيراً وَمَضَى. وَجَاءَ إِلَى الثَّانِي وَقَالَ كَذلِكَ. فَأَجَابَ: هَا أَنَا يَا سَيِّدُ. وَلَمْ يَمْضِ. فَأَيُّ الِاثْنَيْنِ عَمِلَ إِرَادَةَ الْأَبِ؟" قَالُوا لَهُ: "الْأَوَّلُ". قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ الْعَشَّارِينَ وَالّزَوَانِيَ يَسْبِقُونَكُمْ إِلَى مَلَكُوتِ اللّهِ، لِأَنَّ يُوحَنَّا جَاءَكُمْ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ فَلَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ، وَأَمَّا الْعَشَّارُونَ وَالزَّوَانِي فَآمَنُوا بِهِ. وَأَنْتُمْ إِذْ رَأَيْتُمْ لَمْ تَنْدَمُوا أَخِيراً لِتُؤْمِنُوا بِهِ" (متى 21:28-32). سكت رؤساء اليهود، لكن المسيح لم يسكت، بل ضرب لهم مثلاً بابنين أمرهما أبوهما ليعملا في كرمه، فرفض الابن الأول أمر أبيه، ثم ندم وأطاع. أما الابن الثاني فوعد بالقيام بالعمل لكنه لم ينفِّذ. أخطأ الابن الأول في قوله وأصاب في فعله. أما الابن الثاني فخطيته كانت التقصير بالفعل، الذي هو أعظم كثيراً من التقصير بالقول. وقصد المسيح بذلك أن الرؤساء المعترضين عليه يعلّمون الشريعة، فأقوالهم حسنة. لكنهم يخالفونها فلا يعملون مشيئة الله. بينما غيرهم لا يتظاهرون بالتديُّن كثيراً، لكنهم يحفظون الشريعة الإلهية أكثر من الرؤساء. ثم لما سألهم: "أي الابنين عمل إرادة أبيه؟" أجابوه: الأول. فأوضح لهم أن قصة المعمدان قد برهنت أن العشارين والزواني يشبهون الابن الأول، لأنهم تابوا عن شرورهم لما سمعوا وعظ المعمدان واعتمدوا منه. بينما الفريسيون يشبهون الابن الثاني المذموم، لأنهم يدَّعون التقوى بأقوالهم ويخالفونها بأفعالهم، فجوابهم يثبت أفضلية العشارين والزواني عليهم. مَثَل الكرامين الأردياء![]() "اِسْمَعُوا مَثَلاً آخَرَ: كَانَ إِنْسَانٌ رَبُّ بَيْتٍ غَرَسَ كَرْماً، وَأَحَاطَهُ بِسِيَاجٍ، وَحَفَرَ فِيهِ مَعْصَرَةً، وَبَنَى بُرْجاً، وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ. وَلَمَّا قَرُبَ وَقْتُ الْأَثْمَارِ أَرْسَلَ عَبِيدَهُ إِلَى الْكَرَّامِينَ لِيَأْخُذَ أَثْمَارَهُ. فَأَخَذَ الْكَرَّامُونَ عَبِيدَهُ وَجَلَدُوا بَعْضاً وَقَتَلُوا بَعْضاً وَرَجَمُوا بَعْضاً. ثُمَّ أَرْسَلَ أَيْضاً عَبِيداً آخَرِينَ أَكْثَرَ مِنَ الْأَوَّلِينَ، فَفَعَلُوا بِهِمْ كَذلِكَ. فَأَخِيراً أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَهُ قَائِلاً: يَهَابُونَ ابْنِي! وَأَمَّا الْكَرَّامُونَ فَلَمَّا رَأَوْا الِابْنَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: هذَا هُوَ الْوَارِثُ. هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ وَنَأْخُذْ مِيرَاثَهُ! فَأَخَذُوهُ وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْكَرْمِ وَقَتَلُوهُ. فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُ الْكَرْمِ، مَاذَا يَفْعَلُ بِأُولَئِكَ الْكَرَّامِينَ؟" قَالُوا لَهُ: "أُولئِكَ الْأَرْدِيَاءُ يُهْلِكُهُمْ هَلَاكاً رَدِيّاً، وَيُسَلِّمُ الْكَرْمَ إِلَى كَرَّامِينَ آخَرِينَ يُعْطُونَهُ الْأَثْمَارَ فِي أَوْقَاتِهَا". قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: "أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا؟ لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللّهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لِأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ. وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هذَا الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ، وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ". وَلَمَّا سَمِعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ أَمْثَالَهُ عَرَفُوا أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَيْهِمْ. وَإِذْ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يُمْسِكُوهُ خَافُوا مِنَ الْجُمُوعِ، لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِثْلَ نَبِيٍّ" (متى 21:33-46). ثم قدم المسيح مثلاً يسمَّى "الكرامين الأردياء" كشف فيه عن خطية رؤساء الشعب في ما ينوونه عليه وما سيتمّمونه في هذا الأسبوع. هؤلاء الكرامون بعدما أهانوا وقتلوا الرسل الذين أرسلهم المالك ليأخذوا حقَّه من الأثمار، قتلوا أخيراً ابنه الوحيد ليثبتوا استبدادهم في الكرم. ولما سألهم المسيح: "ماذا يفعل صاحب الكرم بهؤلاء الأشرار؟" أجابه البسطاء منهم: "أولئك الأردياء يهلكهم هلاكاً ردياً، ويسلّم الكرم إلى كرامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها". أما الذين أدركوا حقيقة المثل فأجابوا: "حاشا". فصدَّق المسيح على جوابهم بقوله: "إن ملكوت الله يُنزع منكم، ويُعطى لأمةٍ تعمل أثماره". وذكرهم بقول نبيهم داود أن"الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ" (مزمور 118:22). فالذين يقاومونه يترضضون، أما الذين يقاومهم هو فيُسحَقون. فحفظ الرسول بطرس هذا القول وأعاده لما اضطهده هؤلاء الرؤساء بعد صعود المسيح، وسجله بعد ذلك في رسالته الأولى (أعمال 4:11 ، 1 بطرس 2:7). مَثَل عرس ابن الملك![]() "يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَاناً مَلِكاً صَنَعَ عُرْساً لِابْنِهِ، وَأَرْسَلَ عَبِيدَهُ لِيَدْعُوا الْمَدْعُوِّينَ إِلَى الْعُرْسِ، فَلَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَأْتُوا. فَأَرْسَلَ أَيْضاً عَبِيداً آخَرِينَ قَائِلاً: قُولُوا لِلْمَدْعُوِّينَ: هُوَذَا غَدَائِي أَعْدَدْتُهُ. ثِيرَانِي وَمُسَمَّنَاتِي قَدْ ذُبِحَتْ، وَكُلُّ شَيْءٍ مُعَدٌّ. تَعَالَوْا إِلَى الْعُرْسِ! وَلكِنَّهُمْ تَهَاوَنُوا وَمَضَوْا، وَاحِدٌ إِلَى حَقْلِهِ، وَآخَرُ إِلَى تِجَارَتِهِ، وَالْبَاقُونَ أَمْسَكُوا عَبِيدَهُ وَشَتَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ. فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ غَضِبَ، وَأَرْسَلَ جُنُودَهُ وَأَهْلَكَ أُولئِكَ الْقَاتِلِينَ وَأَحْرَقَ مَدِينَتَهُمْ. ثُمَّ قَالَ لِعَبِيدِهِ: أَمَّا الْعُرْسُ فَمُسْتَعَدٌّ، وَأَمَّا الْمَدْعُوُّونَ فَلَمْ يَكُونُوا مُسْتَحِقِّينَ. فَاذْهَبُوا إِلَى مَفَارِقِ الطُّرُقِ، وَكُلُّ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ فَادْعُوهُ إِلَى الْعُرْسِ. فَخَرَجَ أُولئِكَ الْعَبِيدُ إِلَى الطُّرُقِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الَّذِينَ وَجَدُوهُمْ أَشْرَاراً وَصَالِحِينَ. فَامْتَلَأَ الْعُرْسُ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ. فَلَمَّا دَخَلَ الْمَلِكُ لِيَنْظُرَ الْمُتَّكِئِينَ، رَأَى هُنَاكَ إِنْسَاناً لَمْ يَكُنْ لَابِساً لِبَاسَ الْعُرْسِ. فَقَالَ لَهُ: يَا صَاحِبُ، كَيْفَ دَخَلْتَ إِلَى هُنَا وَلَيْسَ عَلَيْكَ لِبَاسُ الْعُرْسِ؟ فَسَكَتَ. حِينَئِذٍ قَالَ الْمَلِكُ لِلْخُدَّامِ: ارْبُطُوا رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ، وَخُذُوهُ وَاطْرَحُوهُ فِي الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الْأَسْنَانِ. لِأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ" (متى 22:2-14). أغاظ مثل الكرامين الأردياء الرؤساء، لأن المسيح قاله لدينونتهم، فجددوا السعي لإلقاء القبض عليه. ولكن خوفهم من الشعب قيَّد أيديهم، فتركوه ومضوا. لكن المسيح لم يمض، لأنه لم يكن قد أكمل بعد تعليمه الوداعي في الهيكل، فزاد مثلاً ثالثاً يسمَّى مثل عرس ابن الملك. قال إن الملك صنع عرساً لابنه، وأعطى كل واحد من المدعوين حُلة ملكية. ولما دخل الملك ليرحب بالمتّكئين الذين امتلأ العرس منهم، رأى إنساناً لم يكن لابساً لباس العرس، بل اكتفى بثوبه الذي أتى به، لأنه كان يعجبه أكثر من الثوب الذي أهداه الملك لجميع المدعوين. كان يفتخر بثوبه هو. ورفض أن يماثل الآخرين. كما لم يرد أن يكون تحت فضل الملك في أمر كسوته. ولما سأله الملك عن سبب مخالفته نظام العرس، سكت. وكان سكوته برهاناً كافياً لذنبه، فنال جزاءه. لأن نظام الملوك إعدام كل من يخالف أوامرهم. فقال الملك لرجاله: "اربطوا رجليه ويديه وخذوه واطرحوه في الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان". ولم يكن طرده من حضرة الملك لشرٍّ فعله، بل لخير أهمله. فمهما كان الإنسان صالحاً في عيني نفسه وأعين الآخرين، فإن الله يعاقبه على اكتفائه ببره، وإهماله ارتداء ثوب البر الذي يقدّمه له الله. في هذه الأمثال الثلاثة المتوالية: "مثل الابنين، ومَثَل الكرّامين الأردياء، ومثل عرس ابن الملك" صرَّح المسيح بأن رفض الرؤساء له يقابله قبول العشارين له. وأن رفض الأمة له يقابله قبول الأمم الأخرى له في ما بعد. أما قول المسيح في آخر المثل إن "كثيرين يُدعون وقليلين يُنتخَبون" فلا نرى أنه يشمل الأزمنة كافة، بل أنه يشير خصوصاً إلى زمانه، ولا سيما إلى الأمة اليهودية. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18709 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() المسيح يطهر هيكله
![]() "وَجَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ الْهَيْكَلَ ابْتَدَأَ يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَّبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ. وَلَمْ يَدَعْ أَحَداً يَجْتَازُ الْهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ. وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلاً لَهُمْ: "أَلَيْسَ مَكْتُوباً: بَيْتِي بَيْتَ صَلَاةٍ يُدْعَى لِجَمِيعِ الْأُمَمِ؟ وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ". وَسَمِعَ الْكَتَبَةُ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ فَطَلَبُوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ، لِأَنَّهُمْ خَافُوهُ، إِذْ بُهِتَ الْجَمْعُ كُلُّهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ خَرَجَ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ" (مرقس 11:15-19). في صباح يوم الإثنين عاد المسيح وتلاميذه إلى الهيكل، ليباشر العمل الإصلاحي الذي رأى الحاجة ماسةً إليه، لأن تأثير تطهيره الهيكل منذ ثلاث سنين كان قد اضمحل، وعادت العادات الذميمة إلى مجراها القديم، واستخدم اليهود دار الأمم للمرور العادي في الأشغال من جهة إلى جهة بين شوارع المدينة، ونصبوا فيها حوانيت التجارة. كان هذا الهيكل يرمز إلى المسيح كوسيطٍ بين اللّه والناس، لأن به يتقدم الجميع إلى اللّه. وقد قال المسيح: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الْآبِ إِلَّا بِي" (يوحنا 14:6) فكان يجب أن يطهر الهيكل مرة أخرى. ولما كان سيسلِّم ذاته بإرادته في هذا الأسبوع لسلطان أعدائه، فقد جدد برهان سلطانه الذي سيتنازل عنه لإتمام عمل الفداء - برهنه من جديد عندما طرد الباعة من الهيكل وأوقف التجارة فيه. وفي التطهير الثاني للهيكل لم يدَع المسيحُ أحداً يجتاز فيه بمتاع. واستعمل كلاماً أقوى مما قاله في التطهير الأول للهيكل. في التطهير الأول قال: "لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة". أما في هذه المرة فقال: "بيتي بيت صلاة يُدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص". لأنه رأى نفاق التجار في فسحاته. ورأى معظم الأمة، بما فيها الرؤساء، يسلبون حقوق اللّه. وصفت النبوة المسيح بأنه عادل ومنصور (زكريا 9:9) ففي طرده الباعة أظهر عدله، وفي عجز الرؤساء عن منعه ظهر منصوراً. بعد تطهيره الأول للهيكل طلب منه اليهود آية، أما في التطهير الثاني فسألوه: "بأي سلطانٍ تفعل هذا؟" وطلبوا أن يهلكوه. لكنه بقي في المدينة وجوارها ثلاثة أيام. طهَّر الهيكل وهو ربه ليستعمل بيته في خدمته المزدوجة. ابتدأ حسب عادته بآيات الشفاء وأردفها بآيات التعليم. فعلَّم العالم أن أعمال الرحمة تُعدُّ من خدمة الله وتليق ببيته كما بيومه أيضاً. فبانتصاره على الرؤساء، ثم على الأمراض، ثم على الجهل، زاد تعلُّق الشعب به، وعدد المؤمنين ايضاً. فقيل إن "الشعب كله كان متعلقاً به يسمع منه". ولما صار المساء خرج المسيح إلى خارج المدينة كعادته، ثم عاد صباح الثلاثاء ليودع الهيكل الذي قد تحوَّل من بيت الله إلى مغارة لصوص، لأن تطهيره الثاني للهيكل لم يكن إلا مؤقتاً كالأول. وهو لا يرجع إليه بعد هذا اليوم. فلما وصلوا في طريقهم إلى حيث كانت التينة التي لعنها بالأمس، نبَّه بطرس سيده أنها يبست من الأصول. فرأى المسيح احتياجهم إلى درس جديد في الإيمان، وفي النتائج العظيمة العجيبة التي تتبع كل صلاة تُقدَّم بإيمان تام، فأعاد لهم الشرط الأساسي لاستجابة كل صلاة، وهو أن يغفر المصلي من كل قلبه لمن اساء إليه. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18710 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() المسيح يلعن التينة غير المثمرة ![]() "وَفِي الْغَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْيَا جَاعَ، فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئاً. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئاً إِلَّا وَرَقاً، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ التِّينِ. فَقَالَ يَسُوعُ لَهَا: "لَا يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَراً بَعْدُ إِلَى الْأَبَدِ". وَكَانَ تَلَامِيذُهُ يَسْمَعُونَ. ‚وَفِي الصَّبَاحِ إِذْ كَانُوا مُجْتَازِينَ رَأَوُا التِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ مِنَ الْأُصُولِ، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: "يَا سَيِّدِي انْظُرْ، اَلتِّينَةُ الَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ!" فَأَجَابَ يَسُوعُ: "لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِاللّهِ. لِأَنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ قَالَ لِهذَا الْجَبَلِ، انْتَقِلْ وَانْطَرِحْ فِي الْبَحْرِ، وَلَا يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ، فَمَهْمَا قَالَ يَكُونُ لَهُ. لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ. وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ فَاغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ زَلَّاتِكُمْ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا أَنْتُمْ لَا يَغْفِرْ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَيْضاً زَلَّاتِكُمْ" (مرقس 11:12-14، 20-26). دخل المسيح إلى أورشليم، وكان ذلك اليوم يوم الأحد. وفي صباح الإثنين ترك بيت عنيا وعاد إلى أورشليم. ويظهر أنه لم يتناول طعاماً فجاع. وكان جوعه مهماً لأنه من البراهين القاطعة على ناسوته، وأدى إلى تعليم رمزي مهم جداً، ضد النفاق، رسخ في أذهان تلاميذه وذاكرتهم بشهادة العين، والأذن أيضاً. لم يعاقب أحداً من البشر المرائين الذين وبَّخهم لأنه "لم يأتِ ليدين العالم، بل ليخلُص به العالم". لكنه فعل بالشجرة معجزة من باب الغضب - هي الوحيدة في بابها. إنها ليست بشراً، بل فقط شجرة تمثّل المرائين المتظاهرين بصلاح ليس في قلوبهم، فهي خضراء مورقة، لكنها لا تحمل ثمراً. وقد أيَّدت هذه المعجزة قول المعمدان في زمانه إن "قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لَا تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ" (متى 3:10). رأى المسيح من بعيد شجرة تينٍ عليها علامات الإِثمار (وإنْ لم يكن وقت التين). لذلك استلفتت نظره، فقصدها لعله يجد فيها ثمراً. كانت بعض أشجار التين تحمل باكورة الثمر، وهي ثمار صغيرة الحجم، لكنها كثيرة الحلاوة. ولما كانت هذه الشجرة مورقة، فقد توقع المسيح منها باكورة التين، فلم يجد سوى الورق. فصارت تلك الشجرة مثال الخطية الإيجابية التي ارتكبوها وهي الرياء، والخطية السلبية وهي إهمال الصلاح، أي عدم الإِثمار، فلعنها بقوله: "لا يأكل أحد منك ثمراً بعد إلى الأبد". قال ذلك بغاية سامية ليعلّم تلاميذه وليعلمنا ضرورة الإتيان بالثمر. ولم يلعن التينة عن حمقٍ أو طيش، لأن ذلك لا ينطبق على صفاته وتاريخه. |
||||