![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 18681 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() المسيح يروي مثلَيْن ![]() مثل الوكيل الظالم ![]() "وَقَالَ أَيْضاً لِتَلَامِيذِهِ: "كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ لَهُ وَكِيلٌ، فَوُشِيَ بِهِ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ يُبَذِّرُ أَمْوَالَهُ. فَدَعَاهُ وَقَالَ لَهُ: مَا هذَا الَّذِي أَسْمَعُ عَنْكَ؟ أَعْطِ حِسَابَ وَكَالَتِكَ لِأَنَّكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَكُونَ وَكِيلاً بَعْدُ. فَقَالَ الْوَكِيلُ فِي نَفْسِهِ: مَاذَا أَفْعَلُ؟ لِأَنَّ سَيِّدِي يَأْخُذُ مِنِّي الْوَكَالَةَ. لَسْتُ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُبَ وَأَسْتَحِي أَنْ أَسْتَعْطِيَ. قَدْ عَلِمْتُ مَاذَا أَفْعَلُ، حَتَّى إِذَا عُزِلْتُ عَنِ الْوَكَالَةِ يَقْبَلُونِي فِي بُيُوتِهِمْ. فَدَعَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ مَدْيُونِي سَيِّدِهِ، وَقَالَ لِلْأَوَّلِ: كَمْ عَلَيْكَ لِسَيِّدِي؟ فَقَالَ: مِئَةُ بَثِّ زَيْتٍ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ صَكَّكَ وَاجْلِسْ عَاجِلاً وَاكْتُبْ خَمْسِينَ. ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ: وَأَنْتَ كَمْ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: مِئَةُ كُرِّ قَمْحٍ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ صَكَّكَ وَاكْتُبْ ثَمَانِينَ. فَمَدَحَ السَّيِّدُ وَكِيلَ الظُّلْمِ إِذْ بِحِكْمَةٍ فَعَلَ، لِأَنَّ أَبْنَاءَ هذَا الدَّهْرِ أَحْكَمُ مِنْ أَبْنَاءِ النُّورِ فِي جِيلِهِمْ. وَأَنَا أَقُولُ لَكُمُ: اصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ الظُّلْمِ، حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي الْمَظَالِّ الْأَبَدِيَّةِ. اَلْأَمِينُ فِي الْقَلِيلِ أَمِينٌ أَيْضاً فِي الْكَثِيرِ، وَالظَّالِمُ فِي الْقَلِيلِ ظَالِمٌ أَيْضاً فِي الْكَثِيرِ. فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي مَالِ الظُّلْمِ، فَمَنْ يَأْتَمِنُكُمْ عَلَى الْحَقِّ؟ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي مَا هُوَ لِلْغَيْرِ، فَمَنْ يُعْطِيكُمْ مَا هُوَ لَكُمْ؟ لَا يَقْدِرُ خَادِمٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الْآخَرَ، أَوْ يُلَازِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الْآخَرَ. لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللّهَ وَالْمَالَ" (لوقا 16:13). روى المسيح مثلاً يصوّر غنياً دعا إليه وكيله، ومدير أملاكه، وطلب منه الحساب، وأعلن له عزْلَه بسبب شكوى أتته بأنه يبذّر أمواله. وطلب منه في المحاسبة أن يقدّم صكوكاً يوقع عليها المزارعون، ويصدّق عليها هو باعتبار أنه الوكيل، تُبيِّن ما للمالك عند كل مزارع من حاصلات أملاكه. ولكن الوكيل الخائن لم يعترف بخيانته ويستغفر ويتعهد بالإصلاح، بل أخذ يفتكر في حيلة تنفعه بعد طرده من الوكالة. فالسلطة الشيطانية التي تجعل الآثام تولّد آثاماً أخرى، جعلته يخترع خيانة جديدة أردأ من الأولى، لأنه دعا المزارعين إلى الغش معه. والذي يقود غيره إلى الخطأ تكون دينونته مضاعفة. وأراد الوكيل الخائن أن يشتري لنفسه أصدقاء يعولونه في ضيقه بمال سيده، لقاء الأرباح التي تأتيهم بواسطته. فطلب من المزارعين أن يكتبوا صكوكاً بكميات أقل من الحق، ليصدّق عليها ويقدّمها للمالك. وقدَّم لضميره هذا العذر: "ماذا أفعل؟ لست أستطيع أن أنقب. وأستحي أن أستعطي". وكان أولى أن يقول: "لستُ أستطيع أن أختلس". فلما اطَّلع مولاه على هذه الخيانة الجديدة دُهش لجسارته وفطنته. وحسب المثل السائر "أعط الشيطان حقه" مدحه على ما سمَّاه "حكمة" في ما فعل. لم يمدح السيد الوكيلَ على الخيانة في عمله، لأنه أطلق عليه لقب "وكيل الظلم". ولو أنه مدحه على الخيانة لأرجعه إلى وكالته. ثم ختم المسيح هذا المثل بقوله إن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم. وقدَّم نصيحة لسامعيه أن يستعملوا ما لديهم من مال الظلم في خدمة الآخرين، ولا سيما في خدمة مصالحهم الروحية الأبدية. ليس في هذا المثل تقديم أعذار لمن يجمع مالاً بالظلم أو بالخداع لينفقه كله أو بعضه في سبيل الخير والإحسان - فإن أفضل بابٍ للتخلص سريعاً من مال الظلم، متى وُجد، هو بذله في سبيل الخير. ولا سيما ما يمهّد للذي يأخذه طريقه إلى السماء. لقد استخدم الوكيل في المثل مال الظلم ليربح له أصدقاء يقبلونه عندما يجيء عليه الضيق، فكم يجب أن يسعى الذي يريد أن يتخلص من مال الظلم الموجود بين يديه، ليربح بواسطته أصدقاء يستقبلونه في الديار الأبدية؟ وإن كان وكيل الظلم اجتهد بالحرام ليحقّق مستقبله الزمني، فكم يجب أن يجتهد كل حكيم ليحقق مستقبله الأبدي؟ والذي تظهر أمانته في الأمور الأرضية التي تُعَدُ زهيدة، هذا يختاره الله ليرزقه الكنوز الأثمن كثيراً - أي السماوية. مثل الغني ولعازر ![]() "كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ وَكَانَ يَلْبَسُ الْأَرْجُوانَ وَالْبَزَّ وَهُوَ يَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ مُتَرَفِّهاً. وَكَانَ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لِعَازَرُ، الَّذِي طُرِحَ عِنْدَ بَابِهِ مَضْرُوباً بِالْقُرُوحِ، وَيَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الْفُتَاتِ السَّاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الْغَنِيِّ، بَلْ كَانَتِ الْكِلَابُ تَأْتِي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ. فَمَاتَ الْمِسْكِينُ وَحَمَلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَمَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضاً وَدُفِنَ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي الْهَاوِيَةِ وَهُوَ فِي الْعَذَابِ، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ، فَنَادَى: يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ ارْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَِعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي، لِأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هذَا اللَّهِيبِ. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا ابْنِي اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَكَذلِكَ لِعَازَرُ الْبَلَايَا. وَالْآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ. وَفَوْقَ هذَا كُلِّهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ أُثْبِتَتْ، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْعُبُورَ مِنْ ههُنَا إِلَيْكُمْ لَا يَقْدِرُونَ، وَلَا الَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَجْتَازُونَ إِلَيْنَا. فَقَالَ: أَسْأَلُكَ إِذاً يَا أَبَتِ أَنْ تُرْسِلَهُ إِلَى بَيْتِ أَبِي، لِأَنَّ لِي خَمْسَةَ إِخْوَةٍ، حَتَّى يَشْهَدَ لَهُمْ لِكَيْلَا يَأْتُوا هُمْ أَيْضاً إِلَى مَوْضِعِ الْعَذَابِ هذَا. قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: عِنْدَهُمْ مُوسَى وَالْأَنْبِيَاءُ. لِيَسْمَعُوا مِنْهُمْ. فَقَالَ: لَا يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ. بَلْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنَ الْأَمْوَاتِ يَتُوبُونَ. فَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَالْأَنْبِيَاءِ، وَلَا إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الْأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ" (لوقا 16:19-31). ثم روى المسيح مثلاً آخر عن غنيّ يتنعَّم كل يوم مترفّهاً، وكان عند بابه رجل اسمه لعازر، مضروباً بالقروح ومطروحاً عند مدخل قصره ليلتقط طعامه من الفتات الساقط من مائدة الغني. وكان الدواء الوحيد لتنظيف قروحه هو ألسنة الكلاب عند الباب التي كانت تسابقه في التقاط الفُتات. وأخيراً مات الرجلان، وأُكرما في موتهما إكراماً متخالفاً. فالغني دُفن بمزيد الاحتفاء البشري وحُرم النصيب السماوي. أما لعازر فلم يجد من يكرمه في دفنه، لكن الملائكة التي تحلُّ حول خائفي الله حملتْهُ إلى حضن إبراهيم. وفي الهاوية التي ذهبت روح الغني إليها، لعدم استعداده للسماء، رفع عينيه إلى النعيم ورأى سعادة لعازر هناك. فلم يجسر أن يطلب التخلُّص تماماً من عذابه في الجحيم، لكنه توهَّم أن تلطيف آلامه ممكن. وعلم أن الاسترحام من العزة الإلهية عَبَث بعد أن أهمل ربَّه كل مدة حياته، فاستنجد بإبراهيم زعيم مذهبه الأقدم، أب الأمة اليهودية وأب الآباء. كان قد تعوَّد في حياته أن يحتقر لعازر، والآن يتوهم أن يستخدمه لتخفيف عذابه، فطلب من إبراهيم: "يا أبي إبراهيم، ارحمني وأرسل لعازر ليبِلّ طرف أصبعه بماء ويبرّد لساني، لأني معذَّب في هذا اللهيب". اشتهى الغني قطرة ماء من أصبع لعازر، الذي كان يشتهي على الأرض أن يجد فُتات مائدة الغني. فأجابه إبراهيم أن الذي يستوفي ملذاته في الحياة الدنيا، غير مبالٍ بالأبدية، لا بد أن يأتيه يومٌ يعرف مقدار خسارته الجسيمة. فالذي يتمّم شروط نيل السعادة الأبدية لا يهمُّه ما يصيبه في حياته الدنيا من الذل والعذاب لأن ساعة واحدة في حضن إبراهيم تعوّض كل ذلك، وتجعله ينساه. إن بين النعيم والجحيم هوَّة عظيمة مثبَتة يستحيل اجتيازها. فلا يمكن أن يسقط إلى الجحيم من قد نال النعيم، ولا أن يرتقي إلى النعيم من ذهب إلى الجحيم. ولما تأكد الغني أن تلطيف عذابه مستحيل، تحوَّل فكره إلى إخوته الخمسة الذين تركهم في الدنيا، فطلب من إبراهيم أن يرسل لعازر إليهم ليخبرهم بما أصابه من العذاب، ويحذرهم من الانضمام إليه. فأجابه إبراهيم بما معناه أن حاجة إخوته العظمى ليست إلى زيادة البراهين العقلية، فإن الذين لا تكفيهم براهين الكتاب المقدس للإيمان لا يؤمنون مهما زيد لهم من البيِّنات العجيبة. عدم الإيمان عمى روحي لا تزيله البراهين الجديدة. كما أنه لا فرق عند الضرير بين درجات النور. فمهما زادت الشمس ضياء فلن يستنير بذلك. ظن هذا الغبي أن إخوته الذين عرفوا لعازر في تعاسته على الأرض ينتبهون إذا رأوه آتياً من السماء ممجَّداً، ليبلغهم تحذير أخيهم المعذَّب، فيتوبون ويطلبون الخلاص. لكن جواب إبراهيم فنَّد زعمه هذا. نرى في هذا المثل إشارة إلى الارتباط الكلّي بين قسمي حياة الإنسان، وأن أحواله في الآخرة تتبع أحواله الروحية في الدنيا، وأن باب السماء لا يبقى مفتوحاً لغير التائبين بعد موتهم، وأن استنجاد الإنسان في حياته بالقديسين في السماء لا فائدة منه على الإطلاق. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18682 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() المسيح يُقيم لعازر من الموت
![]() "وَكَانَ إِنْسَانٌ مَرِيضاً وَهُوَ لِعَازَرُ، مِنْ بَيْتِ عَنْيَا مِنْ قَرْيَةِ مَرْيَمَ وَمَرْثَا أُخْتِهَا. وَكَانَتْ مَرْيَمُ، الَّتِي كَانَ لِعَازَرُ أَخُوهَا مَرِيضاً، هِيَ الَّتِي دَهَنَتِ الرَّبَّ بِطِيبٍ، وَمَسَحَتْ رِجْلَيْهِ بِشَعْرِهَا. فَأَرْسَلَتِ الْأُخْتَانِ إِلَيْهِ قَائِلَتَيْنِ: "يَا سَيِّدُ، هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ". فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ، قَالَ: "هذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لِأَجْلِ مَجْدِ اللّهِ، لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللّهِ بِهِ". وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ. فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ" (يوحنا 11:1-6). جاء إلى المسيح رسول من بيت عنيا، من عند مرثا ومريم، ليبلغه أن لعازر أخاهم الذي يحبه مريض. لم تكن محبة أخيهما للمسيح هي الدافع على هذا الطلب، بل محبة المسيح لأخيهما، وهذه على الدوام لغة التقوى الحقيقية التي تعترف أن أساس السرور والرجاء والخلاص ليس في محبة الخاطئ للمخلِّص، بل في محبة المخلِّص للخاطئ. كانت مرثا ومريم تعلمان الخطر الذي يهدّد حياة المسيح وحياة تابعيه إن اقترب من أورشليم بعد سفره منها، فلم تدعواه ليأتي إليهما. ولربما تذكَّرا أنه كان أحياناً يشفي من بعيد، فيكفي أن يعرف خبر مرض أخيهما ليأمر من حيث هو لأخيهما بالشفاء. كان جواب المسيح على هذه الرسالة وجيزاً، دون تقديم عذر لعدم ذهابه مع الرسول. قال: "هذا المرض ليس للموت، بل لأجل الله، ليتمجد ابن الله به". وعاد الرسول إلى بيت عنيا ليجد أن لعازر قد مات. ماذا كانت أفكار ذلك الرسول؟ لعله قال إن المسيح كاذب لأنه قال إن هذا المرض ليس للموت؟ تُرى ماذا قالت مريم ومرثا عن تأخير المسيح عنهما؟ هل أصابهما الشك في محبته لهما؟ وفي اليوم الثالث طالب المسيح تلاميذه أن يستعدوا للذهاب إلى اليهودية، فعارضوه أولاً بقولهم: "يا معلم، الآن كان اليهود يطلبون أن يرجموك، وتذهب أيضاً إلى هناك؟". احتاروا في هذا الأمر الجديد، لأنه لو كان ذهابه ضرورياً لشفاء لعازر، فلماذا لم يذهب حالاً؟ وإن كان غير ضروري فلماذا يخاطر بنفسه وبهم؟ واستخدم المسيح اعتراض التلاميذ ليعلّمهم أن لا خوف على الذي يسير بإرشاد إلهي، لأن هذا هو النور، وعدمه الظلام. وقال لهم إنه يقصد بالذهاب إلى اليهودية أن يوقظ لعازر من النوم. ومن تسمية لعازر "حبيبنا" عرفنا لعازر شاباً ممتازاً في صفاته، يليق أن يكون صديقاً خصوصياً للمسيح وتلاميذه. فكان جواب التلاميذ أن نوم لعازر علامة جيدة تدلّ على أنه يشرف على الشفاء. فلما رأى المسيح أنهم لم يفهموا كلامه أوضح الأمر بقوله: "لعازر مات". لقد أطلق المسيح على الموت "نوماً" لأن موت المؤمن وقتي، تعقبه يقظة القيامة والسعادة الأبدية. أظهر المسيح لتلاميذه أن عدم وجوده في بيت عنيا ليشفي لعازر كان خيراً لهم، لأنه سيقوي إيمانهم تقوية عظيمة. لقد امتنع عن تقديم بركة الشفاء ليهب بركة أعظم جداً هي إقامة المريض بعد موته. وكثيراً ما يتعامل الله على هذا المنوال مع خائفيه. ويظهر أن التلاميذ تردَّدوا في أمر الطاعة، لكن توما تحمَّس أخيراً وقال: "لنذهب نحن أيضاً لكي نموت معه". فأظهر شدة حبه للمسيح واستعداده لأن يموت لأجله. هكذا بدأ سفر المسيح وتلاميذه إلى بيت عنيا. "فَلَمَّا أَتَى يَسُوعُ وَجَدَ أَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فِي الْقَبْرِ. وَكَانَتْ بَيْتُ عَنْيَا قَرِيبَةً مِنْ أُورُشَلِيمَ نَحْوَ خَمْسَ عَشْرَةَ غَلْوَةً. وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَرْثَا وَمَرْيَمَ لِيُعَزُّوهُمَا عَنْ أَخِيهِمَا. فَلَمَّا سَمِعَتْ مَرْثَا أَنَّ يَسُوعَ آتٍ لَاقَتْهُ، وَأَمَّا مَرْيَمُ فَاسْتَمَرَّتْ جَالِسَةً فِي الْبَيْتِ. فَقَالَتْ مَرْثَا لِيَسُوعَ: "يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي. لكِنِّي الْآنَ أَيْضاً أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ اللّهِ يُعْطِيكَ اللّهُ إِيَّاهُ". قَالَ لَهَا يَسُوعُ: "سَيَقُومُ أَخُوكِ". قَالَتْ لَهُ مَرْثَا: "أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي الْقِيَامَةِ، فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ". قَالَ لَهَا يَسُوعُ: "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الْأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهذَا؟" قَالَتْ لَهُ: "نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ، الْآتِي إِلَى الْعَالَمِ" (يوحنا 11:17-27). قبل أن يصل المسيح وتلاميذه بيت عنيا سمعت مرثا بقدومهم، فأسرعت لملاقاة المسيح، تاركة أختها مريم تقوم بواجب المعزين الجالسين في البيت. ونستنتج من هذا أن بيت لعازر كان بيت غنى وسخاء. وما أن وصلت مرثا للمسيح حتى قالت له: "يا سيد، لو كنت ههنا لم يمت أخي. لكني الآن أيضاً أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه". كان إيمانها بالمسيح قوياً، لكن غير كامل، لأنه لما قال لها: "سيقوم أخوك" لم تتوقع أنه سيُقيمه فوراً، بل أنه سيقوم مع سائر المؤمنين في اليوم الأخير. فأكرم المسيح إيمانها رغم ضعفه كما يفعل على الدوام، وذلك بإعلانٍ فائق إذ قال لها: "أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا. وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد". لكن من غير الله ينسب إلى نفسه صدقاً أن الموت والحياة يتوقّفان على الإيمان به، وأنه هو الحياة وهو القيامة؟ ومن يستطيع أن يصف أو يدرك مقدار التعزية التي حصلت للمؤمنين من هذا الكلام منذ قاله المسيح إلى هذا اليوم؟ وستحصل التعزية نفسها في المستقبل إلى أن يجيء بمجيئه الثاني العتيد المجيد، ويقيم بصوته جميع الذين في القبور. لما سأل مرثا: "أتؤمنين بهذا؟" أجابت: "نعم يا سيد، أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم". فكان كلامها الأول زهر الإيمان، وهذا الثاني ثمره الذي نضج سريعاً. "وَلَمَّا قَالَتْ هذَا مَضَتْ وَدَعَتْ مَرْيَمَ أُخْتَهَا سِرّاً، قَائِلَةً: "الْمُعَلِّمُ قَدْ حَضَرَ، وَهُوَ يَدْعُوكِ". أَمَّا تِلْكَ فَلَمَّا سَمِعَتْ قَامَتْ سَرِيعاً وَجَاءَتْ إِلَيْهِ. وَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ قَدْ جَاءَ إِلَى الْقَرْيَةِ، بَلْ كَانَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَاقَتْهُ فِيهِ مَرْثَا. ثُمَّ إِنَّ الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا فِي الْبَيْتِ يُعَزُّونَهَا، لَمَّا رَأَوْا مَرْيَمَ قَامَتْ عَاجِلاً وَخَرَجَتْ، تَبِعُوهَا قَائِلِينَ: "إِنَّهَا تَذْهَبُ إِلَى الْقَبْرِ لِتَبْكِيَ هُنَاكَ". فَمَرْيَمُ لَمَّا أَتَتْ إِلَى حَيْثُ كَانَ يَسُوعُ وَرَأَتْهُ، خَرَّتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَائِلَةً لَهُ: "يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي". فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَالْيَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ، وَقَالَ: "أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟" قَالُوا لَهُ: "يَا سَيِّدُ، تَعَالَ وَانْظُرْ". بَكَى يَسُوعُ. فَقَالَ الْيَهُودُ: "انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ". وَقَالَ بَعْضٌ مِنْهُمْ: "أَلَمْ يَقْدِرْ هذَا الَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ الْأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هذَا أَيْضاً لَا يَمُوتُ؟" (يوحنا 11:28-37). عند ذلك طلب المسيح من مرثا أن يرى أختها أيضاً. وانتظر حيث كان، بينما أسرعت مرثا إلى البيت وأخبرت مريم سراً بطلب المسيح. فلما قامت حالاً وخرجت، تبعها المعزون لأنهم ظنوا أنها تحتاج إلى من يلطِّف حزنها ويوقف بكاءها عند قبر أخيها. فكان لعملهم هذا فائدة عظمى، إذ رأى خصوم المسيح على غير قصدٍ منهم أعجب معجزاته كافة. وبعد أن رأوا إقامة لعازر من قبره يستحيل عليهم الشك أو الإنكار. نتخيل هذا الموكب الوقور سائراً بسرعة من البيت إلى المقبرة تتقدمه الأختان الحزينتان. ثم ارتباك هؤلاء اليهود، لما فوجئوا برؤية المسيح الذي يبغضونه ويطلبون موته، ورأوا المرأة التي يتبعونها تسجد عند قدميه، وتصرخ كما صرخت أختها قبلها: "يا سيد، لو كنت ههنا لم يمت أخي". هو كلامٌ كانتا بلا شك تردّدانه كثيراً في الأربعة الأيام الأخيرة. ليس في كلامهما تلويم للمسيح على تأخيره في المجيء، لأن أخاهما مات يوم ذهاب رسولهما، فلم تقولا: "لو جئت" بل "لو كنت ههنا". تكلمت مريم ثم انفجرت ومعها الجميع بكاءً وعويلاً. تحركت عواطف المسيح الرقيقة "وانزعج بالروح واضطرب". والمعنى الأصلي للكلمة اليونانية "انزعج" هو "اغتاظ". اغتاظ المسيح وهو يرى أمامه عدوَّه إبليس في هذه الساعة، كما كان يفعل كثيراً، لأنه يعلم أن إبليس هو السبب الأعظم للشقاء والبكاء والموت في العالم. ثم سأل عن مكان الدفن. فأجابوه: "يا سيد، تعال وانظر" فمشى معهم ودموعه تتساقط بهدوء حتى قال اليهود: "انظروا كيف كان يحبه". ربما نتعجب كيف بكى مع أنه كان ذاهباً ليقيمه من قبره ويردَّه إلى بيته. فلماذا لم يكن مبتهجاً؟ لا يبتهج وأحباؤه مكتئبين، فهو يقدّم للعالم قدوة المواساة اللطيفة الصادقة، فبكى مع الباكين كما فرح مع الفرحين، بكى لأنه رأى في هؤلاء الباكين مثالاً لبكاء البشر جميعاً. بكى لشعوره مع البشر في مصائبهم التي لا تُحصى. فتعجب الرؤساء الحاضرون كيف لم يستعمل هذا الباكي قدرته المعهودة في شفاء شخص يحبه بهذا المقدار. وكان قد شفى أمام أعينهم من مدة قصيرة إنساناً غريباً في أورشليم ولد أعمى. فكيف لم يشْفِ حبيبه لعازر ويمنع عنه الموت؟ "فَانْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضاً فِي نَفْسِهِ وَجَاءَ إِلَى الْقَبْرِ، وَكَانَ مَغَارَةً وَقَدْ وُضِعَ عَلَيْهِ حَجَرٌ. قَالَ يَسُوعُ: "ارْفَعُوا الْحَجَرَ". قَالَتْ لَهُ مَرْثَا، أُخْتُ الْمَيْتِ: "يَا سَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لِأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ". قَالَ لَهَا يَسُوعُ: "أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللّهِ؟". فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعاً، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ: "أَيُّهَا الْآبُ، أَشْكُرُكَ لِأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلكِنْ لِأَجْلِ هذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي". وَلَمَّا قَالَ هذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجاً" فَخَرَجَ الْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيلٍ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: "حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ" (يوحنا 11:38-44). لما أتوا إلى القبر تجدد انفعال المسيح ثانية بانزعاج الغيظ، لأنه زاد اقتراباً عند القبر من خصمه الروحي إبليس، ومن المصارعة القوية معه لخطف فريسة الموت من قبضته، لأنه يقابله الآن عند القبر الذي هو أمنع معاقله. كان على باب المدفن حجر كبير يجب رفعه. وبما أن الواقفين يقدرون أن يرفعوه لم يرفعه المسيح بمعجزة. وفي هذا نموذج للخلاص. لا يجوز أن يتوقف الخاطئ عن العمل المطلوب منه، بحجة أنه ينتظر العمل الإلهي العجيب، بل كما يشترط المسيح لإقامة الميت أن يدحرج الناس الحجر، يشترط على الخاطئ أن يتوب ويؤمن قبل أن يخلصه من خطيته. أما مرثا صاحبة الكلمة في أمر الفقيد، فاعترضت على رفع الحجر عن باب القبر بدافع الشك والاحترام، لأنها لم تشأ أن ترى جسد أخيها بعد أن بدأ فيه الفساد والفناء، وقالت: "يا سيد قد أنتن، لأن له أربعة ايام". فقابلها المسيح بتوبيخ لطيف في جوابه: "ألم أقُل لك إن آمنت ترين مجد الله؟". ولما فتحوا باب القبر كان عمل المسيح الأول تحويل أفكار الحاضرين إلى أبيه الجالس على عرش الكون. الذي هو مرتبط معه ارتباطاً خوّله حقَّ القول في وقت آخر: "أَنَا وَالْآبُ وَاحِدٌ" (يوحنا 10:30) لقد أراد أن يعرِّف كل الحاضرين أنه لا يعمل عملاً مستقلاً عن الآب، ليُظهر اشتراك الآب معه في كل ما يعمله، فرفع عينيه إلى فوق وقال: "أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي". ثم لكي لا نتصور أنه يصلي كأحد الأنبياء الذين ينالون أحياناً ما يطلبونه، وأحياناً لا ينالونه، قال في صلاته: "أنا علمت أنك في كل حين تسمع لي". ولكي لا يظنوا أن صلاته كانت لاحتياج فيه، كأنه عاجز في ذاته، وقال: "ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت، ليؤمنوا أنك أرسلتني" والقاعدة لكل من يريد أن يخاطب موتى الذنوب والخطايا أن يخاطب الله أولاً في الصلاة لأجلهم، كما فعل المسيح في هذه الساعة. ثم عند نهاية صلاته صرخ بصوت عظيم قائلاً: "لعازر، هلم خارجاً". وقد أشعر الصوت العظيم الحاضرين بعظمة العمل وصعوبته، وذكّرهم أن النفس غير موجودة في هذا القبر، وأنه يناديها عن بُعد من وراء القبر. فعند هذا الصراخ السلطاني خرج الميت من قبره لابساً أكفانه التي قيَّدت حركته. فأمرهم المسيح: "حلُّوه ودعوه يذهب". فصحَّت الآن النبوَّة التي نطق بها: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الْآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الْأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللّهِ، وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ" (يوحنا 5:25). "فَكَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى مَرْيَمَ، وَنَظَرُوا مَا فَعَلَ يَسُوعُ، آمَنُوا بِهِ. وَأَمَّا قَوْمٌ مِنْهُمْ فَمَضَوْا إِلَى الْفَرِّيسِيِّينَ وَقَالُوا لَهُمْ عَمَّا فَعَلَ يَسُوعُ. فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعاً وَقَالُوا: "مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هذَا الْإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً. إِنْ تَرَكْنَاهُ هكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا". فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَيَافَا، كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ: "أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئاً، وَلَا تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلَا تَهْلِكَ الْأُمَّةُ كُلُّهَا". وَلَمْ يَقُلْ هذَا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الْأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَنِ الْأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللّهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ. فَمِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ" (يوحنا 11:45-52). كانت هذه المعجزة برهان صحة إرسالية المسيح السماوية وصدق تعليمه، وأقنعت كل من عنده قابلية ليقتنع بالحق. ومع ذلك لم يؤمن أغلب الموجودين بل ازدادوا قساوة وبغضاً، بتأثير رؤيتهم هذا البرهان القاطع. وقصدوا أن يكذّبوا قول المسيح إنه القيامة ومانح الحياة، بقضائهم عليه بالإعدام. فعقدوا جلسة خصوصية لمجمعهم الكبير للنظر في الظروف الجديدة التي أوجدتها إقامة لعازر من قبره، فاعترفوا أنه كان يعمل آيات كثيرة. فإن تركوه، يؤمن به الجميع بتأثير شخصه وتعليمه وآياته، فتحدث فتنة سياسية ضد الحكم الروماني، تحرِّك غضب الحكام وتجعلهم يُهلكون الأمة أو يبدّدونها بالسبي. وكانت هذه الجلسة توفيقاً عظيماً للدعوة المسيحية، لأنها أتت بشهادة جلية من خصوم المسيح. في غضون الجلسة تكلم رئيسها قيافا (رئيس الكهنة) كلاماً نبوياً، أنطقه به الروح الإلهي على غير فهم منه. قال: "أنتم لستم تعرفون شيئاً، ولا تفكرون أنه خيرٌ لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها". قصد قيافا في كلامه نصيحة أن يقتلوا المسيح لئلا تهلك الأمة بسببه، وقصد الروح القدس الذي تكلم بواسطته أن يبيّن أن موت المسيح كان كفارة عن الأمة، وليس عن الأمة فقط بل "ليجمع أبناء الله المتفرِّقين إلى واحد". كان قيافا، وأكثر رؤساء الكهنة، من طائفة الصدوقيين الذين ينكرون القيامة وعالم الأرواح، لذلك كانت إقامة لعازر من الموت ضربة مؤلمة عليهم، لأنها أعلنت للجميع فساد تعليمهم، الأمر الذي جعلهم يتّحدون مع خصومهم الفريسيين ليُهلكوا المسيح. ولا غرابة أن هذه القيامة مهدت الطريق كثيراً لتصديق قيامة المسيح الذي أقام لعازر، والتي حدثت بعد شهرين. ولا سيما أن المسيح لم يرقد في قبره المدة التي رقدها لعازر في قبره. لم يصبر مجمع السنهدريم إلى جلسة أخرى، بل أصدر قراراً رسمياً بقتل المسيح، وهو أمر حاولوه مراراً من قبل لكن على غير جدوى، ولكنهم أخذوا يسعون من الآن أن ينفذوه بموجب مستند رسمي مصدَّق من مجمع السنهدريم، الذي لا يُستأنَف حكمه. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18683 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() مَثَل عن ضرورة الصلاة المتواضعة
![]() "وَقَالَ لِقَوْمٍ وَاثِقِينَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ، وَيَحْتَقِرُونَ الْآخَرِينَ هذَا الْمَثَلَ: "إِنْسَانَانِ صَعِدَا إِلَى الْهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا، وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ وَالْآخَرُ عَشَّارٌ. أَمَّا الْفَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ هكَذَا: اَللّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ، وَلَا مِثْلَ هذَا الْعَشَّارِ. أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الْأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ. وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لَا يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي أَنَا الْخَاطِئَ. أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّراً دُونَ ذَاكَ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ" (لوقا 18:9-14). جدَّد المسيح كلامه للفريسيين ليُريهم صورتهم في مَثَلٍ متعلِّق بالصلاة، فضرب مثلاً عن فريسي معتدّ بنفسه، يصلي ويشكر الله في الهيكل لامتيازه في الفضائل. وعن عشار يصلي في ذات الوقت والمكان، متواضعاً عند مدخل الهيكل، ورأسه المنحني يدلُّ على خشوعه، وقَرْعُه على صدره يبيّن حزنه على آثامه، وكلامُه يكشف عن إيمانه بقوله: "اللهم ارحمني أنا الخاطئ". ألم يقل الكتاب إن "ذبائح الله هي الروح المنكسرة. القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره" (مزمور 51:17)؟ فنزل العشار إلى بيته مبرِّراً دون الفريسي. "لأن كل من يرفع نفسه يتضع، ومن يضع نفسه يرتفع". |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18684 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() سؤال عن الملكوت ![]() "وَلَمَّا سَأَلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ: "مَتَى يَأْتِي مَلَكُوتُ اللّهِ؟" أَجَابَهُمْ: "لَا يَأْتِي مَلَكُوتُ اللّهِ بِمُرَاقَبَةٍ، وَلَا يَقُولُونَ: هُوَذَا ههُنَا أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ، لِأَنْ هَا مَلَكُوتُ اللّهِ دَاخِلَكُمْ". وَقَالَ لِلتَّلَامِيذِ: "سَتَأْتِي أَيَّامٌ فِيهَا تَشْتَهُونَ أَنْ تَرَوْا يَوْماً وَاحِداً مِنْ أَيَّامِ ابْنِ الْإِنْسَانِ وَلَا تَرَوْنَ. وَيَقُولُونَ لَكُمْ:هُوَذَا ههُنَا أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ. لَا تَذْهَبُوا وَلَا تَتْبَعُوا، لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ الَّذِي يَبْرُقُ مِنْ نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ يُضِيءُ إِلَى نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ، كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضاً ابْنُ الْإِنْسَانِ فِي يَوْمِهِ. وَلكِنْ يَنْبَغِي أَوَّلاً أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيراً وَيُرْفَضَ مِنْ هذَا الْجِيلِ. وَكَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضاً فِي أَيَّامِ ابْنِ الْإِنْسَانِ. كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيُزَوِّجُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ نُوحٌ الْفُلْكَ، وَجَاءَ الطُّوفَانُ وَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ" (لوقا 17:20-27). بعد هذا سأل الفريسيون المسيح: "متى يأتي ملكوت الله؟" فأجابهم بحقيقة أساسية متعلِّقة بملكوته، أنه لا يُقال عنه في مكان أو زمان معيَّن، أو أن هيئة أو طائفة أو كنيسة خصوصية هي ملكوت الله، بل "ها ملكوت الله داخلكم". أي أن القلوب التي حلَّ هو فيها، ويحكم عليها، هي التي تؤلِّف ملكوته. ثم وجَّه المسيح كلامه إلى تلاميذه الذين يحلمون بالملكوت الزمني، وأشار مرة أخرى إلى ما أمامه من الآلام الكثيرة والرَّفض. وتكلَّم عن مخاوف اليوم الذي فيه يظهر ابن الإنسان، لأن ذلك اليوم يذكِّر العالم بأهوال الطوفان العظيم، وتدمير سدوم وعمورة بالنار والكبريت، حيث تصبح الأمة اليهودية جثة بالية تنقضُّ عليها النسور الرومانية وتقتنصها. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18685 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() شفاء عشرة بُرص
![]() "وَفِي ذَهَابِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ اجْتَازَ فِي وَسَطِ السَّامِرَةِ وَالْجَلِيلِ. وَفِيمَا هُوَ دَاخِلٌ إِلَى قَرْيَةٍ اسْتَقْبَلَهُ عَشَرَةُ رِجَالٍ بُرْصٍ، فَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ وَصَرَخُوا: "يَا يَسُوعُ يَا مُعَلِّمُ، ارْحَمْنَا". فَنَظَرَ وَقَالَ لَهُمُ: "اذْهَبُوا وَأَرُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْكَهَنَةِ". وَفِيمَا هُمْ مُنْطَلِقُونَ طَهَرُوا. فَوَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ شُفِيَ، رَجَعَ يُمَجِّدُ اللّهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ شَاكِراً لَهُ. وَكَانَ سَامِرِيّاً. فَقَالَ يَسُوعُ: "أَلَيْسَ الْعَشَرَةُ قَدْ طَهَرُوا؟ فَأَيْنَ التِّسْعَةُ؟ أَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْجِعُ لِيُعْطِيَ مَجْداً لِلّهِ غَيْرُ هذَا الْغَرِيبِ الْجِنْسِ؟" ثُمَّ قَالَ لَهُ: "قُمْ وَامْضِ. إِيمَانُكَ خَلَّصَكَ" (لوقا 17:11-19). رجع المسيح إلى أورشليم لأن عيد الفصح - ميعاد تقديمه الذبيحة الكفارية - صار قريباً، واثناء دخوله إحدى القرى لاقاه عشرة رجال مرضى بالبرص. ولا يخفَى أن المصائب تجمع حتى الأعداء. وهكذا اجتمع أولئك المرضى معاً. ولكن مراعاةً للقانون واللياقة وقفوا بعيداً وصرخوا: "يا يسوع، يا معلم، ارحمنا". في بداءة خدمة المسيح كان يلمس البُرص الذين طهَّرهم، لأنه بذلك أظهر حنانه وتفضيله الرحمة على الفرائض الخارجية، أما الآن وقد اشتهر بكل ذلك. فلا حاجة إلى هذا اللمس. فأمر هؤلاء العشرة أن يُرُوا نفوسهم للكهنة في أورشليم، برهاناً على أنهم طهروا، فأطاعوا حالاً قبل أن يروا من التطهير شيئاً، لذلك أكرم المسيح إيمانهم الذي أثمر طاعة. وفيما هم سائرون طهروا. أما التسعة اليهود فلم يبالوا بالذي قدم لهم الرحمة، فتابعوا سيرهم نحو أورشليم ناسين واجب الشكر للطبيب الشافي. لكن السامري الغريب تأثر من إحسان لم يتوقعه، فرجع وهو يمجد الله بصوت عظيم ليقدم الشكر أولاً للذي أنقذه من العار والخطر وحرمان الحقوق الدينية، وجثا عند قدمي المسيح. فنال جزاءه تلك الكلمة الثمينة: "إيمانك خلَّصك". ألاَ يمثِّل هذا الحادث أكثر ما يحدث في التاريخ البشري؟ وهل يؤدي أكثر من واحد في العشرة شكراً لله على مراحمه الوافرة؟ |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18686 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() سؤال عن الطلاق ![]() "وَجَاءَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ قَائِلِينَ لَهُ: "هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟" فَأَجَابَ: "أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَراً وَأُنْثَى؟" وَقَالَ: "مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الِاثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. إِذاً لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللّهُ لَا يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ". فَسَأَلُوهُ: "فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلَاقٍ فَتُطَلَّقُ؟" قَالَ لَهُمْ: "إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هكَذَا. وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلَّا بِسَبَبِ الّزِنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي". قَالَ لَهُ تَلَامِيذُهُ: "إِنْ كَانَ هكَذَا أَمْرُ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ فَلَا يُوافِقُ أَنْ يَتَزَوَّجَ!" فَقَالَ لَهُمْ: "لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هذَا الْكَلَامَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم، لِأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ النَّاسُ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لِأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ" (متى 19:3-12). وجَّه الفريسيون للمسيح سؤالاً عدائياً في أمر الطلاق. ومع أن عندهم شريعة موسى، تظاهروا أنهم يكرمون المسيح ويعطونه الحق ليثبت أو يلغي تلك الشريعة، فأعاد المسيح الحكم للشريعة. ولما قالوا له إن الشريعة تُجيز الطلاق بشرط أن يتم رسمياً ويثبت بصك قانوني، أجابهم أن هذا كان تساهلاً من موسى بسبب قساوة قلوبهم، وأن الله أعطاهم أولاً شريعةً اقتصرت على ما يحتملونه ليحررهم من فساد عادات الأمم حولهم، وليقودهم تدريجياً إلى الوضع الإلهي الأصلي الذي قضى أن تكون امرأة واحدة لرجل واحد. لكن نظام ملكوته الجديد لا يُجيز الطلاق إلا لعلة الزنا. ومتى أُجري الطلاق على القانون اليهودي لا يجوز أن يتزوج المطلَّق فيما بعد، لأن زواجه الأول قائم أمام الله، ولا يوقفه إلا الموت أو الزنى. فلما سمع تلاميذه هذا القانون الضيق بالنسبة إلى ما تعوَّدوه قالوا: "إن كان هذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج". فأظهر لهم أن الامتناع الحسن عن الزواج هو الذي يكون لأجل ملكوت الله. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18687 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() رأيٌ في الأطفال
![]() "حِينَئِذٍ قُدِّمَ إِلَيْهِ أَوْلَادٌ لِكَيْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَيُصَلِّيَ، فَانْتَهَرَهُمُ التَّلَامِيذُ. أَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ: "دَعُوا الْأَوْلَادَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلَا تَمْنَعُوهُمْ لِأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلَاءِ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ". فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ. وَمَضَى مِنْ هُنَاكَ" (متى 19:13-15). على أثر الكلام في العلاقة العائلية، تحدث المسيح بكلام جميل يختص بالأطفال، لأن احتقار الصغار ساد كثيراً في كل بلاد العالم. ولما كان هو مخلِّص الجميع، فلا بد أن يهتم بهذا القسم العظيم من البشر. وكان تكريمه للأطفال من أهم امتيازاته. جاءه في هذا الوقت أناسٌ يقدّمون أطفالهم ليضع عليهم يديه ويصلي، لأنهم اشتهوا لأطفالهم بركة من المسيح كليّ الطهارة والمقدرة، فأراد التلاميذ أن يبعدوا عن سيدهم هذا الإزعاج، فانتهروهم ليذهبوا عنه، وقالوا لهم إن مهمَّة المسيح أعظم من أن تسمح له بأن ينظر إلى أمر طفيف كهذا. ولم يقبل المسيح هذه المعاملة الخشنة التي تدلُّ على الفرق العظيم بين تفكيره هو وتفكير تلاميذه ومعاصريهم، وخطَّأهم في ذلك. وفي غيظه كما في رضاه تبرق جواهر الحكمة الإلهية، لأنه بكَّت تلاميذه بكلمات مؤثرة يتعلَّمها كل ولد مسيحي، وكم كان تأثيرها مباركاً في العالم منذ ذلك الوقت، وهي: "دعوا الأولاد يأتون إليَّ ولا تمنعوهم، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات". وصرح بأنه لا يدخل أحدٌ ملكوت السماوات إن لم يرجع ويصير مثل ولد. إننا نوقن بأن فداء المسيح يعمُّ جميع الأطفال الذين يموتون في الطفولية في كل الأجيال، على اختلاف أحوال أهلهم الدينية والمدنية. وبناءً على هذا، ما أكثر الجمهور البشري الذي ينضمُّ إلى الجيش السماوي، مقابل العدد الغفير من البالغين الذين يموتون في خطاياهم. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18688 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() حديث مع شاب غني ![]() "وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ: "أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلَاحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ؟" فَقَالَ لَهُ: "لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحاً؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ اللّهُ. وَلكِنْ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ فَاحْفَظِ الْوَصَايَا". قَالَ لَهُ: "أَيَّةَ الْوَصَايَا؟" فَقَالَ يَسُوعُ: "لَا تَقْتُلْ. لَا تَزْنِ. لَا تَسْرِقْ. لَا تَشْهَدْ بِالزُّورِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَأَحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ". قَالَ لَهُ الشَّابُّ: "هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي. فَمَاذَا يُعْوِزُنِي بَعْدُ؟" قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبِعْ أَمْلَاكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ وَتَعَالَ اتْبَعْنِي". فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ الْكَلِمَةَ مَضَى حَزِيناً، لِأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ. فَقَالَ يَسُوعُ لِتَلَامِيذِهِ: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَعْسُرُ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ" (متى 19:16-23). فيما المسيح خارج إلى الطريق، جاء رئيس يهودي غني جداً. وجثا له دلالة على أنه أتى بإخلاص ليستفهم منه عن طريق الخلاص، وأكرمه بقوله: "أيها المعلم الصالح، أيَّ صلاحٍ أعمل لأرث الحياة الأبدية؟" فأجابه المسيح بأن كل الناس حتى أصلحهم خالون من الصلاح الكامل، وأنه لا يجوز أن ننسب الصلاح إلا للّه وحده. إمَّا أن يكون المسيح صالحاً فعلاً، فيكون هو الله الذي ظهر في الجسد، أو يكون الشاب الغني مخطئاً. لم يكن المسيح يقبل تحيةً في غير مكانها، وكان دوماً يريد أن يوضّح أن كماله وصلاحه ناتجان عن كونه "الله الذي ظهر في الجسد" - فليس بين البشر إنسان كامل الصلاح. سأل الشاب الغني عن أي إصلاح يعمله ليرث الحياة الأبدية، فأفاده المسيح أن الصلاح الذي يؤدي إلى الحياة الأبدية هو الصلاح الكامل فقط. وهذا معقول، لأن شهادة النجاح التي بها رسوب درس واحد تعني الرسوب كله، كما قال الرسول يعقوب: "مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِماً فِي الْكُلِّ" (يعقوب 2:10) ولما ادَّعى الرئيس أنه حفظ الناموس كله منذ حداثته، نظر إليه المسيح وأحبه لإخلاصه واجتهاده، وأراد أن يكشف له أن حفظ الناموس المقبول عند الله هو الحفظ الروحي لا الحرفي، فقال له: "يعوزك أيضاً شيء واحد. إن أردت أن تكون كاملاً، فاذهب وبعْ كل أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني حاملاً الصليب". يلخّص المسيح الوصايا بمحبة الله فوق كل شيء، ومحبة القريب كالنفس. فإن كان هذا الشاب قد حفظ الوصايا كلها، فلا يصعب عليه أن يطيع ما أمره المسيح به. لكنه أثبت على نفسه بطلان ادّعائه، لأنه اغتمَّ من هذا القول ومضى حزيناً لأنه كان ذا أموالٍ كثيرة. وبهذا أثبت أنه يحب ماله أكثر من الله، وأن المال هو ربُه الحقيقي. أحب المسيح هذا الشاب وأسف جداً عليه لأنه فضَّل المال على ملكوت السماوات. الدخول إلى ملكوت الله يبدأ هنا في هذه الحياة. والذين يدخلونه يدركون أن كل مقتنياتهم مكرَّسة للملك، فمتى طلب منها يقدِّمونه برغبة وسرور، فيزول بذلك كل تذمُّر يسبِّبه عن الفقر أو الخسارة المادية. والذي يتعلق قلبه بأمور الدنيا لا يجد في السماء ما يلذُّ له، وليس له كنز هناك، فذهابه إلى السماء يكون عبثاً، فضلاً عن كونه مستحيلاً. "فَقَالَ يَسُوعُ لِتَلَامِيذِهِ: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَعْسُرُ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضاً: إِنَّ مُرُورَ جَمَلٍ مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللّهِ". فَلَمَّا سَمِعَ تَلَامِيذُهُ بُهِتُوا جِدّاً قَائِلِينَ: "إِذاً مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟" فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ: "هذَا عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلكِنْ عِنْدَ اللّهِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ" (متى 19:23-26). بمناسبة هذا قال المسيح لتلاميذه: "ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله". ليبيّن أنه ليس فقط عسراً، قال إن دخول جمل من ثقب الإبرة أيسر من ذلك. ولما اعترض التلاميذ بقولهم: "إذاً من يستطيع أن يخلُص؟" أفهمهم أن ترْكَ الدنيا مستحيل على الطمع البشري، إنما كل شيء مستطاع عند الله. فمتى غيَّر الروح الإلهي قلب محبي المال، يستطيعون أن يدخلوا الملكوت الروحي، لأن قلبهم الجديد سيحبُّ الله أكثر من حبهم للمال. "فَأَجَابَ بُطْرُسُ حِينَئِذٍ: "هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ. فَمَاذَا يَكُونُ لَنَا؟" فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي فِي التَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ابْنُ الْإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيّاً تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الِاثْنَيْ عَشَرَ. وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتاً أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَباً أَوْ أُمّاً أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلَاداً أَوْ حُقُولاً مِنْ أَجْلِ اسْمِي، يَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ وَيَرِثُ الْحَيَاةَ الْأَبَدِيَّةَ. وَلكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ وَآخِرُونَ أَوَّلِينَ" (متى 19:27-30). حرَّك ذِكْرُ المال بطرس ليسأل: "ها قد تركنا كل شيء وتبعناك. فماذا لنا؟" فأجابه المسيح بما يفيد أنهم ينالون التفاتاً خاصاً من العناية الإلهية في هذه الدنيا، مع اضطهادات لامتحان إيمانهم وزيادة ثوابهم. ثم في الدهر الآتي يرثون الحياة الأبدية. وفي هذه القرينة أعاد ما قاله سابقاً وسيقوله ثالثة بعد حين: "كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَالْآخِرُونَ أَوَّلِينَ" (مرقس 10:31). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18689 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() مَثَل فعلة الكرم ![]() "فَإِنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلاً رَبَّ بَيْتٍ خَرَجَ مَعَ الصُّبْحِ لِيَسْتَأْجِرَ فَعَلَةً لِكَرْمِهِ، فَاتَّفَقَ مَعَ الْفَعَلَةِ عَلَى دِينَارٍ فِي الْيَوْمِ، وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى كَرْمِهِ. ثُمَّ خَرَجَ نَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ وَرَأَى آخَرِينَ قِيَاماً فِي السُّوقِ بَطَّالِينَ، فَقَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضاً إِلَى الْكَرْمِ فَأُعْطِيَكُمْ مَا يَحِقُّ لَكُمْ. فَمَضَوْا. وَخَرَجَ أَيْضاً نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَفَعَلَ كَذلِكَ. ثُمَّ نَحْوَ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ خَرَجَ وَوَجَدَ آخَرِينَ قِيَاماً بَطَّالِينَ، فَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا وَقَفْتُمْ ههُنَا كُلَّ النَّهَارِ بَطَّالِينَ؟ قَالُوا لَهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْنَا أَحَدٌ. قَالَ لَهُمُ:اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضاً إِلَى الْكَرْمِ فَتَأْخُذُوا مَا يَحِقُّ لَكُمْ. فَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ قَالَ صَاحِبُ الْكَرْمِ لِوَكِيلِهِ: ادْعُ الْفَعَلَةَ وَأَعْطِهِمُِ الْأُجْرَةَ مُبْتَدِئاً مِنَ الْآخِرِينَ إِلَى الْأَوَّلِينَ. فَجَاءَ أَصْحَابُ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَأَخَذُوا دِينَاراً دِينَاراً. فَلَمَّا جَاءَ الْأَوَّلُونَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَكْثَرَ. فَأَخَذُوا هُمْ أَيْضاً دِينَاراً دِينَاراً. وَفِيمَا هُمْ يَأْخُذُونَ تَذَمَّرُوا عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ قَائِلِينَ: هؤُلَاءِ الْآخِرُونَ عَمِلُوا سَاعَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ سَاوَيْتَهُمْ بِنَا نَحْنُ الَّذِينَ احْتَمَلْنَا ثِقَلَ النَّهَارِ وَالْحَرَّ! فَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: يَا صَاحِبُ، مَا ظَلَمْتُكَ! أَمَا اتَّفَقْتَ مَعِي عَلَى دِينَارٍ؟ فَخُذِ الَّذِي لَكَ وَاذْهَبْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَ هذَا الْأَخِيرَ مِثْلَكَ. أَوَ مَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَفْعَلَ مَا أُرِيدُ بِمَالِي؟ أَمْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةٌ لِأَنِّي أَنَا صَالِحٌ؟ هكَذَا يَكُونُ الْآخِرُونَ أَوَّلِينَ وَالْأَوَّلُونَ آخِرِينَ، لِأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ" (متى 20:1-16). وجواباً على سؤال بطرس: "ماذا يكون لنا؟" روى المسيح مَثَل فعلة الكرم، فقال إن صاحب كرم استأجر فعلة ليعملوا في كرمه في ساعات مختلفة من النهار، بحيث ذهب الأخيرون قبل نهاية النهار بساعة واحدة. واتفق مع الذين ابتدأوا في أول النهار على أجرة دينار واحد. أما للأخيرين فقال: "أعطيكم ما يحقُّ لكم". وعند المحاسبة في آخر النهار ساوى بين الفعلة في الأجر، وأمر وكيله أن يحاسب الآخِرين أولاً ويعطيهم أجرة نهار كامل. فولَّد هذا الكرم آمالاً فارغة في الأوَّلين الذين ظنّوا أنهم يأخذون أجرة أكثر، لأنهم اشتغلوا ساعات أكثر. فلما أعطى كلاً منهم ديناراً واحداً حسب الشرط، تذمروا. فوبخهم صاحبُ الكرم، وذكّرهم أنه لا يحقُّ لهم أن يحكموا عليه كيف يتصرف بماله، كما أنه لا حقّ للذي يأخذ كامل حقوقه أن يحسد من يأخذ أكثر من حقوقه. في هذا المَثَل درس دائم على خطأ الذين يتذمّرون بسبب نجاح الآخرين أكثر منهم، وخطأ الذين يحتجُّون على عدم المساواة في المعاملة الإلهية. وكل عاقل يعلم أن أتعس الناس في العالم، عنده من الخيرات الزمنية والرحمة الإلهية فوق ما يستحق، وأنه بالنظر إلى المعاملة الإلهية لا يوجد في كل المسكونة مظلوم واحد. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 18690 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() إعلان جديد عن الصليب ![]() "وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ صَاعِداً إِلَى أُورُشَلِيمَ أَخَذَ الِاثْنَيْ عَشَرَ تِلْمِيذاً عَلَى انْفِرَادٍ فِي الطَّرِيقِ وَقَالَ لَهُمْ: "هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الْإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الْأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ". حِينَئِذٍ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ أُمُّ ابْنَيْ زَبْدِي مَعَ ابْنَيْهَا، وَسَجَدَتْ وَطَلَبَتْ مِنْهُ شَيْئاً. فَقَالَ لَهَا: "مَاذَا تُرِيدِينَ؟" قَالَتْ لَهُ: "قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالْآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ". فَأَجَابَ يَسُوعُ: "لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي سَوْفَ أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا؟" قَالَا لَهُ: "نَسْتَطِيعُ". فَقَالَ لَهُمَا: "أَمَّا كَأْسِي فَتَشْرَبَانِهَا، وَبِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ. وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلَّا لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ أَبِي". فَلَمَّا سَمِعَ الْعَشَرَةُ اغْتَاظُوا مِنْ أَجْلِ الْأَخَوَيْنِ. فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: "أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلَا يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيماً فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِماً، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْداً، كَمَا أَنَّ ابْنَ الْإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ" (متى 20:17-28). وفي سير المسيح نحو أورشليم في مقدمة تلاميذه، زاد شبح الصليب وضوحاً أمامه، وزاد شعوره بثقل خطايا العالم التي أتى ليكفِّر عنها، فانفرد بتلاميذه وأنبأهم ثالثة بآلامه وموته بأكثر تفصيل من قبل. وبما أنهم سيكونون معه متى داهمته تلك الحوادث المخيفة، فهو لا يريد أن يرافقوه إلا باختيارهم، مع علمهم بما سيكون. فأوضح لهم أنه يُسلَّم أولاً لرؤساء الكهنة وللكتبة، فيحكمون عليه بالموت، ثم يسلِّمونه للأمم خلافاً لنظامهم الملي. ويكون نصيبه الاستهزاء والجلد والشتيمة والبصق عليه. وفي النهاية يموت صلباً، ثم يقوم في اليوم الثالث. ومع كل هذا الإيضاح ظهر أن التلاميذ لم يفهموا كلامه، إذ تقدم إليه التلميذان الممتازان، يعقوب ويوحنا مع والدتهما التي سجدت له احتراماً، كأنها تريد أن تطلب شيئاً. ولما سألها ماذا تريد، طلبت أن يكون لابنَيْها المقام الأول عندما يجلس المسيح على عرشه في ملكوته، فيجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره. وكانت سالومة واثقة بأنها ستنال طلبها من ابن أختها، سيَّما وأنها تركت بيتها وتبعته مع تلاميذه في أسفارهم، وخدمتهم من مالها، ولأنها لاحظت امتياز ابنيها في بيت يايرس وعلى جبل التجلي. لم تعلم سالومة، ولا علم يعقوب ويوحنا أن الإنسان لا ينال الإكرام بمجرد الطلب، بل بالأهلية له، فالتضحية وإنكار الذات هما باب الإكرام الإلهي، لا الطمع ولا الطموح، لذلك قال المسيح لتلميذيه: "لستما تعلمان ما تطلبان. فهل أنتما مستعدان أن تشربا مثلي كأس الآلام، والاصطباغ بالموت المهين؟" فلما أجابا دون تروٍّ: "نستطيع" أكد لهما أنهما يقدران على ذلك، أما الامتياز في ملكوته فمحفوظٌ فقط للذين أعدَّه الآب لهم، وليس له كابن الإنسان أن يهبه. وتضايق باقي التلاميذ من كلام يعقوب ويوحنا، فوبّخهم المسيح على الغيظ الذي تحرك في قلوبهم، وقال لهم: "من أراد أن يصير فيكم أولاً فليكن للجميع عبداً". وعندما يتّخذ كل رئيس صفة الخادم وعمله، طاعةً للسيد المسيح، نرى سريعاً انتشار الخير الروحي والصلاح في العالم. |
||||