19 - 07 - 2017, 06:22 PM | رقم المشاركة : ( 18581 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تعليم في الناصرة
"وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوباً فِيهِ: "رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لِأَنَّهُ مَسَحَنِي لِأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لِأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لِأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالْإِطْلَاقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ". ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: "إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ". وَكَانَ الْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ، وَيَقُولُونَ: "أَلَيْسَ هذَا ابْنَ يُوسُفَ؟" فَقَالَ لَهُمْ: "عَلَى كُلِّ حَالٍ تَقُولُونَ لِي هذَا الْمَثَلَ: أَيُّهَا الطَّبِيبُ اشْفِ نَفْسَكَ. كَمْ سَمِعْنَا أَنَّهُ جَرَى فِي كَفْرِنَاحُومَ، فَافْعَلْ ذلِكَ هُنَا أَيْضاً فِي وَطَنِكَ، وَقَالَ: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ مَقْبُولاً فِي وَطَنِهِ. وَبِالْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ أَرَامِلَ كَثِيرَةً كُنَّ فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِ إِيلِيَّا حِينَ أُغْلِقَتِ السَّمَاءُ مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ، لَمَّا كَانَ جُوعٌ عَظِيمٌ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُرْسَلْ إِيلِيَّا إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا، إِلَّا إِلَى أَرْمَلَةٍ، إِلَى صِرْفَةِ صَيْدَاءَ. وَبُرْصٌ كَثِيرُونَ كَانُوا فِي إِسْرَائِيلَ فِي زَمَانِ أَلِيشَعَ النَّبِيِّ، وَلَمْ يُطَهَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلَّا نُعْمَانُ السُّرْيَانِيُّ". فَامْتَلَأَ غَضَباً جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ حِينَ سَمِعُوا هذَا، فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةَِ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلُ. أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى" (لوقا 4:16-30). عاد المسيح من قانا إلى الناصرة، بعد غيابه عنها نحو سنة وربع. وقد جرت خلال هذه الأشهر حوادث غيّرت هيئته وحركاته تغييراً ظاهراً، فرآه مواطنوه كأنه شخص جديد. ولأنهم قد سمعوا خبر معجزاته في بلاد أخرى، توقَّعوا أن يفعل مثلها، وأكثر منها في بلده وبين الأقرباء والأصدقاء. أما هو فما كان يهتم بالمعجزات بل بالتعليم، فقدّم عظته الأولى أمام جمهور في مجمعهم في يوم سبت. قال البشير إنه: "دخل المجمع حسب عادته". لأن زيارته في المجمع في بلده مدة نحو ثلاثين سنة تُعَدُّ بالألوف. ولما دخل المجمع رأى الهيئة المألوفة وسمع الصلاة القانونية. لكن لما جاء وقت القراءة من الأسفار النبوية، وقف إعلاناً لاستعداده أن يقرأ، إنْ سمح له رئيس المجمع. وقد كان، فأعطوه الدَّرْجَ المقدس الذي فيه سفر إشعياء النبي... نرجّح أن الجزء الذي فتحه وقرأه هو الذي كان معيّناً لذلك اليوم، وأن ملائمة هذا الجزء لمقصده كان من تدبير العناية الإلهية. دارت نبوَّة هذا الجزء عن غرض مجيء المسيح وعن طبيعة ملكوته الذي نادى باقترابه منهم. وأشار أولاً إلى المسحة التي تعطيه لقب المسيح، لأن الله مسحه نبياً وكاهناً وملكاً، فوظيفته كالمسيح هي أن يبشر المساكين ببشارة مضمونها شفاء منكسري القلوب، وإطلاق المأسورين، وتفتيح أعين العمي، وتحرير المنسحقين، والكرازة "بسنة الرب المقبولة". أما "سنة الرب المقبولة" فهي سنة اليوبيل التي تجيء مرة كل خمسين سنة، وربما اتّفق وقوعها في تلك السنة. وقد ظنَّ سامعوه أن إطلاق المأسورين وتحرير المنسحقين هو التخلُّص من النير الروماني والعبودية لملك وثني، أما عند المسيح فسنة الرب المقبولة ليست سنة واحدة من كل خمسين سنة، بل هي تشمل كل السنين. ولم يكن النير الذي أتى المسيح ليخلّص الناس منه نيراً سياسياً زمنياً، بل نير إبليس الذي بسببه وقع عليهم نير الرومان. لأن عبيد إبليس لا يمكن أن يَسْلموا من العبودية الجسدية، إذْ هي نتيجة العبودية الروحية لإبليس. فإنْ أنقذهم مسيحهم من نير جسدي يعرفونه، فلا بد أن يقعوا تحت نيرٍ آخر أكبر منه. وإذْ كان المسيح يعلم هذا جيداً فقد جاء ليخلّصهم من نير إبليس أولاً، فإنْ قبلوه يخلّصهم أيضاً من نير الرومان، ومن كل نير إلا نيره الهيّن، ومن كل حمل إلا حمله الخفيف. كانت العادة عند اليهود أن القارئ الذي يريد أن يشرح الجزء الذي قرأه يعلن ذلك بجلوسه أمام الجمهور، عند انتهائه من القراءة. فلما طوى المسيح السفر وسلّمه للخادم، جلس. فتحولت إليه أبصار الجمهور، لأنهم كانوا يعرفون ابن بلدتهم شخصياً. وقد زاد احترامهم له بسبب سماعهم عنه الأمور الكثيرة العظيمة مدة غيابه، فابتدأ وعظه بقوله: "اليوم قد تمَّ هذا المكتوب في مسامعكم". بهذا الكلام قدَّم ذاته لهم كمسيحهم، وفي الوقت ذاته لاشى كل آمالهم الزمنية إنْ قبلوه كمسيح. ثم تابع كلامه المؤثر. وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه، ويقولون: "أليس هذا ابن يوسف؟". من القول "كلمات النعمة" عرفنا نسق وعظه، فقد كان تعليمه كالماء البارد للظمآن، لأنه اهتم أن يعظ بالبشارة بملكوت جديد روحي جاء هو ليعلنه - وهو يعلم أن أفكار الجمهور لا تزال بعيدة عن أفكاره، وأن شهادتهم لكلمة النعمة من فمه شهادة سطحية، وأنهم يريدون الملكوت الزمني والمنافع المادية والمجد العالمي والاندهاش بمعجزاته، فأتاهم أولاً بمثليْن من الأمثال الدارجة بياناً لمعرفته أفكارهم، إذ قال: "على كل حال تقولون لي هذا المثل: أيها الطبيب اشْفِ نفسك". يعني أن وطنك الناصرة أحقُّ من قانا الجليل ومن كفر ناحوم، فلماذا لا يتمتع بمعجزاتك المدهشة والخير الناتج عنها؟ لكن إلى الآن لم نر منك معجزة. ثم أشار إلى المثل الثاني: "ليس نبيٌّ مقبولاً في وطنه". يعني خذ وعظك للذين يجهلون أصلك الحقير، ولا تنتظر منا خضوعاً لتعاليمك الجديدة. وغضب أهل الناصرة على المسيح، فأخذوه إلى حافة الجبل الذي بُنيت عليه مدينتهم ليطرحوه إلى أسفل، فترك مدينته الناصرة، واتّجه إلى كفر ناحوم. ولا بد أن المسيح حزن على أهل بلده، لأنهم لم يقبلوا بشارة النعمة ورفضوا مخلّصهم الوحيد. تُرى هل بكى على الناصرة وهو يتركها كما بكى على أورشليم؟ وكيف لا يحزن وهو يترك وطنه تركاً نهائياً، بعد كل أتعابه فيه، وبعد تأثير قدوته وكلامه بين قومه؟.. لم يأخذ تلميذاً واحداً من الناصرة، حتى ولا من إخوته. |
||||
19 - 07 - 2017, 06:24 PM | رقم المشاركة : ( 18582 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المسيح يخرج الشياطين
"وَانْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ، مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ، وَكَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي السُّبُوتِ. فَبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ، لِأَنَّ كَلَامَهُ كَانَ بِسُلْطَانٍ. وَكَانَ فِي الْمَجْمَعِ رَجُلٌ بِهِ رُوحُ شَيْطَانٍ نَجِسٍ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: "آهِ مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ! أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ اللّهِ". فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلاً: "اخْرَسْ وَاخْرُجْ مِنْهُ". فَصَرَعَهُ الشَّيْطَانُ فِي الْوَسَطِ وَخَرَجَ مِنْهُ وَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئاً. فَوَقَعَتْ دَهْشَةٌ عَلَى الْجَمِيعِ، وَكَانُوا يُخَاطِبُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً قَائِلِينَ: "مَا هذِهِ الْكَلِمَةُ! لِأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ يَأْمُرُ الْأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتَخْرُجُ". وَخَرَجَ صِيتٌ عَنْهُ إِلَى كُلِّ مَوْضِعٍ فِي الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ" (لوقا 4:31-37). عندما كان المسيح في كفر ناحوم ذهب إلى المجمع، وكان من جملة المجتمعين للعبادة في أحد أيام السبت شخص به روح نجس، كان مصاباً بالحلول الشيطاني فيه، جعله يصرخ بصوت عظيم قائلاً: "آه. ما لنا ولك يا يسوع الناصري. أتيت لتهلكنا. أنا أعرفك من أنت، قدوس الله". فظهر روح العداوة الشيطاني في قوله: "ما لنا ولك؟". ودلَّ استعمال صيغة الجمع على أن في المتكلم شخصاً آخر يتكلم فيه. وفي القول: "أتيتَ لتهلكنا" اعترافٌ بسطوة المسيح عليه وعلى الشيطان الحال فيه. والقول الآخر: "أعرفك من أنت؟" يدلُّ على معرفة عجيبة ليست لهذا الرجل البسيط، بل للشيطان الذي يفوق أكثر البشر في المعرفة العقلية. هجم إبليس على المسيح في انفراده في البرية، وهاجمه أيضاً في تهييجه أهالي الناصرة عليه، وبقي إبليس متخفياً. أما الآن فهجم على هذا المعلم الجديد هجومه الأول العلني. ولم يرْضَ أن يسكت بينما كان المسيح يُظهر الحقائق الروحية، ويشرح طريق الخلاص، وينادي بملكوت الله، ويُوضّح شروط الدخول فيه. علم إبليس أن المسيح قد جاء لكي يحاربه، وينقض أعماله ويدمّر ملكوته الفاسد ويسحق رأسه، فكيف يمكنه أن يسكت؟ لربما نستغرب شهادة إبليس الصريحة للمسيح بأنه "قدوس الله". لعلها كانت النتيجة الأولى من سطوة المسيح عليه ثم طرده من هذا الرجل. وبما أن لشهادة العدو قيمة مضاعفة، أراد المسيح أن يعترف الجمهور أن الشيطان أيضاً مضطرٌّ أن يشهد له. وهذه شهادة الشيطان الأولى للمسيح أمام الناس ولكنها ليست الأخيرة. حالما أدّى المصاب هذه الشهادة الواضحة، انتهر المسيح الشيطان قائلاً: "اخرس واخرج منه" فانتظر الجمهور كله ليرى ماذا يحدث. ففي الحال صرع الشيطان الرجل وصاح بصوت عظيم وخرج منه، ولم يضرّه شيئاً - فلا عجب إذ وقعت دهشة على الجميع وتحيّروا كلهم. وظهرت في ذلك المجمع اليهودي حركةٌ لم تحدث فيه قبلاً. وصاروا يتساءلون: من هو هذا الشخص المقتدر الذي أتى ليسكن بينهم؟ وما هو هذا التعليم الجديد المقرون بمعجزات كهذه؟ ومن أين حصل ابن النجار على سلطةٍ تمكّنه من أن يجعل الأرواح الشريرة تطيعه؟ أثبت المسيح في معجزته الأولى (وهي تحويل الماء إلى خمر) سلطته على النواميس الطبيعية، وفي معجزته الثانية (وهي شفاء ابن خادم الملك) أظهر سلطته على الأمراض الجسدية، في هذه المعجزة الثالثة أعلن سلطته على القوات الشيطانية. وهذه المعجزات الثلاث في بداءة خدمته برهنت أهليَّته لأن يكون مخلِّصاً للبشر بكل معاني الكلمة. تطاير سريعاً هذا الخبر عن أول واقعة علنية حدثت بين "رئيس بيت داود" و"رئيس هذا العالم" فيها ذلَّل المسيح إبليس وقهره. "فخرج صيت عنه للوقت في كل الكورة المحيطة بالجليل". في البرية دافع المسيح عن نفسه في محاربته إبليس، وفي كفر ناحوم دافع عن غيره وأبان لتلاميذه الجُدد، ولإبليس ذاته، ولسكان الجليل، ولكل أجيال البشر أنه قادر أن يقهر إبليس، ليس في صدره هو فقط، بل أيضاً في صدور الآخرين. لا يسعنا السكوت تجاه هذا الحادث الغريب، دون طلب توضيح أمر السكن الشيطاني الذي يُذكَر كثيراً في أيام المسيح وبعده، كأنه من أهم الأمور. والمرجَّح أن الشيطان بمناسبة مجيء المسيح مخلصاً إلى العالم ضاعف قوته، وتسلط على البشر فوق المعتاد. ولم يكن ذلك إلا بسماح من الله. لتكون غلبة المسيح عليه أبهج، ونتيجتها أعظم. لما كان الشيطان يعرف قيمة قوة العقل في الإنسان، كان الجنون رفيقاً لاستيلاء الشيطان على البشر. وكثيراً ما كان المصاب يُسمَّى مجنوناً فقط، فهل كان ما يسميه الإنجيل "الاحتلال الشيطاني" هو مجرد الاختلال العقلي الذي نسمِّيه الآن "جنوناً"؟ كان يجوز هذا التفسير لو كان المسيح من الذين ينقادون إلى الخرافات الجارية، أو لو كان من الذين يتساهلون في الأوهام الدينية، ويستخدمونها لأغراض يعتبرونها حسنة.. فعندما نسمعه يخاطب الشيطان كشخص غير الشخص الذي يقف أمامه، ويقول: "اُخرج منه أيها الروح النجس". "اِخرس واخرج منه" - نعلم أن المسيح العاقل المستقيم لا يمكن أن يقول ذلك لو كانت الإصابة هي مرض الجنون المعهود. ولو كان كلام الشخص الذي به شيطان كلام اختلال عقلي فقط، لَما كان ينطق بشهادات عجيبة في مواضيع لم يكن أحد يعرفها في ذلك الوقت، ولا يوجد في شفاء الجنون ما يشبه الصرع والآلام المرافقة لإخراج الشياطين. ويُلاحظ أيضاً أن إخراج الشياطين كان فرعاً خاصاً من أعمال المسيح ورسله، مستقلاً عن شفاء الأمراض. بناء على أسباب كهذه، نقول إن هذا النوع من الإصابات التي لا يسمّيها الإنجيل "شفاء" بل يسميها "إخراج شياطين" لا يجوز اعتباره مجرد مرض الجنون المألوف |
||||
19 - 07 - 2017, 06:26 PM | رقم المشاركة : ( 18583 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
طبيبنا اليوم
"يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَالْيَوْمَ وَإِلَى الْأَبَدِ" (عبرانيين 13:8). لذلك يهتم الآن بأمراض البشر، ويريد أن يخفّفها. وكما كان يشفي المرضى في أماكن لم يكن حاضراً فيها جسدياً، هكذا يفعل الآن. ويريد أن يأتيه كل مريض طالباً منه الشفاء، وأن يعتبر المريض طبيبه البشري مكلَّفاً من المسيح، والعلاج الذي يستعمله مرسلاًَ من اللّه. وأن يشكر اللّه على نَيْل الشفاء لأنه هو الطبيب الأصلي، ولأن الشفاء هبة منه. قال الرسول يعقوب: "أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَصَلَاةُ الْإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ" (يعقوب 5:14 و15). يحسب المؤمن أن المسيح هو الطبيب الماهر الشهير، وأن الطبيب البشري هو الممرّض الذي يأخذ تعليماته من الطبيب ويعامل العليل بموجبها. فمهما كان اتكالنا على الممرّض عظيماً، وشكرنا له عند النهوض من المرض وافراً، يكون الاتكال الأعظم والشكر الأوفر للطبيب الذي درّبه استجابة لاستغاثتنا به. |
||||
19 - 07 - 2017, 06:31 PM | رقم المشاركة : ( 18584 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المسيح وخلوته مع الآب
"وَلَمَّا صَارَ النَّهَارُ خَرَجَ وَذَهَبَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلَاءٍ، وَكَانَ الْجُمُوعُ يُفَتِّشُونَ عَلَيْهِ. فَجَاءُوا إِلَيْهِ وَأَمْسَكُوهُ لِئَلَّا يَذْهَبَ عَنْهُمْ. فَقَالَ لَهُمْ: "إِنَّهُ يَنْبَغِي لِي أَنْ أُبَشِّرَ الْمُدُنَ الْأُخَرَ أَيْضاً بِمَلَكُوتِ اللّهِ، لِأَنِّي لِهذَا قَدْ أُرْسِلْتُ". فَكَانَ يَكْرِزُ فِي مَجَامِعِ الْجَلِيلِ" (لوقا 4:42-44). رأينا المسيح محاطاً بالجماهير - إنما الازدحام الدائم لا يوافقه، فلا يستغني مطلقاً عن الاختلاء مع الآب السماوي. ولذلك "في الصبح باكراً جداً، لما صار النهار، قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك". كانت خدمته للناس تسوقه إلى الصلاة للّه، لأنه بواسطة الاختلاء مع الآب يتأهّل لعمله اليومي الخطير بين الناس. كانت صلاته للّه تقوده إلى خدمة الناس حباً للّه، فيعود من صلاته إلى أعماله بنشاط جديد وفرح مضاعف. الحياة التي كلها صلاة تعطل خدمة المصلي. والحياة التي كلها خدمة تجعل الذي يخدم يفقد ما يحتاج إليه من الفوائد الروحية، التي بها يقدر أن يخدم الآخرين الخدمة العظمى والأسمى. فمع طهارة المسيح التامة وقوته الفائقة وكل كمالاته، كانت طبيعته البشرية تحتاج إلى الصلاة، وكانت هذه لذته العظمى، لا بل تنفسه الروحي الضروري الدائم. فمن أهم فروع الاستفادة من المسيح الاقتداء به في صلاته الانفرادية. لكن لم يرْضَ الجمهور ولا تلاميذ المسيح الجدد، باختلائه هذا. فأخذ بطرس والذين معه يفتشون عنه، ولما وجدوه قالوا له: "إن الجميع يطلبونك". وأمسكوه لئلا يذهب عنهم أيضاً. أما هو فلم يسلّمْ لإِنسانٍ حقَّ الحكم في كيفية تحرُّكاته، بل كان يتبع دائماً هدى الروح الذي حلَّ عليه عند معموديته. فبينما يمتثل لطلب الناس تلطُّفاً، يستقلُّ عنهم ويخالف طلبهم، ولهذا قال: "ينبغي أن أبشر المدن الأخرى بملكوت اللّه. لنذهب إلى القرى المجاورة لأكرز هناك أيضاً، لأني لهذا قد أُرسلت". فشرع من ذلك الوقت بخطة جديدة مختلفة عن غيره من معلمي الدين، الذين يتبعون خطة المعمدان، إذ يتخذون مراكز يستقبلون الناس فيها. والذي لا يقصدهم لا يراهم ولا يسمعهم. أما خطة المسيح فكانت على قاعدة "ابْن الْإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ" (لوقا 19:10). وخصَّ مقاطعة الجليل وطنه أولاً في هذا. وقد أشار البشير إلى أنواع عمله الثلاثة: الكرازة ببشارة الملكوت، كما رأيناه يفعل في اليهودية. محاربة إبليس وتحرير الناس من سكنه فيهم، كما فعل في مجمع كفر ناحوم صباح ذلك السبت الشهير. شفاء كل مرض وكل ضعف في الشعب، كما فعل في مساء ذلك السبت عينه. وسنرى المسيح يقوم بهذه الخدمات الثلاث في الأجزاء الخمسة الباقية من كتابنا هذا |
||||
19 - 07 - 2017, 06:33 PM | رقم المشاركة : ( 18585 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
شفاء أبرص
"فَأَتَى إِلَيْهِ أَبْرَصُ يَطْلُبُ إِلَيْهِ جَاثِياً وَقَائِلاً لَهُ: "إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي!" فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ وَقَالَ لَهُ: "أُرِيدُ، فَاطْهُرْ". فَلِلْوَقْتِ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ ذَهَبَ عَنْهُ الْبَرَصُ وَطَهَرَ. فَانْتَهَرَهُ وَأَرْسَلَهُ لِلْوَقْتِ، وَقَالَ لَهُ: "انْظُرْ، لَا تَقُلْ لِأَحَدٍ شَيْئاً، بَلِ اذْهَبْ أَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى، شَهَادَةً لَهُمْ". وَأَمَّا هُوَ فَخَرَجَ وَابْتَدَأَ يُنَادِي كَثِيراً وَيُذِيعُ الْخَبَرَ، حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَدِينَةً ظَاهِراً، بَلْ كَانَ خَارِجاً فِي مَوَاضِعَ خَالِيَةٍ، وَكَانُوا يَأْتُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ" (مرقس 1:40-45). بين كل أنواع المرض التي شفَى المسيح منها، كان عدد الذين شفاهم من البرص - أي الجذام - أكبر من أي عدد آخر. وقد اعتُبر هذا المرض منذ القديم رمزاً للخطيئة ونجاستها، حتى سُمِّي الشفاء منه "تطهيراً". كما اعتبروه إعلان غضب اللّه على الخطاة. وبين كل ما ذُكر في كتب اليهود الطبية من أدوية ومعالجات للأمراض كافة، لا يُذكر علاجٌ لمرض البرص، لأنهم تأكدوا أنه عديم الشفاء إلا بمعجزة إلهية. وظهر اعتقادهم هذا جلياً في جواب الملك يهورام زمن النبي أليشع في قصة نعمان السرياني (2 ملوك 5:7). لذلك كان هذا المرض هو الوحيد الذي يفرضون على المُصاب به أن يعتزل عن جميع الناس، حتى عن أهل بيته، وإنْ دخل بلداً يُجازَى بأربعين جلدة. وكانوا يعتبرون الأبرص كأنه ميت، يتنجس من يلمسه. وكان الأبرص مجبوراً أن يمارس فروض الحداد من تمزيق ثيابه، والكشف عن رأسه، وتغطية فمه، وترك الاغتسال، وما أشبه، وأن يُحذِّر كل إنسان من الاقتراب منه بصراخه الدائم: "نجس! نجس!". والبرص هو المرض الوحيد الوراثي، الذي ينتقل من الوالدين إلى الأولاد. فإذا أُصيب إنسان بالبرص أو بما يُشتبه أنه برص، ثم تحققت سلامته منه فيما بعد، كان يتوجب عليه الحصول على شهادة كهنوتية بهذه السلامة. كان المسيح يوماً يزور إحدى المدن عندما أتاه رجل مصاب بهذا المرض، بالرغم من الموانع الشرعية التي كانت تحول دون مجيئه. ولا بد أن يشتت مجيئه هذا جمهور الحاضرين حذراً من التنجُّس. كانت هيئته كئيبة ورأسه محلوقاً مكشوفاً، وثيابه ممزقة، وصوته أجش من تأثير المرض في حنجرته، وهو يصرخ تحذيراً للجميع: "نجس! نجس!". وجهه بشع من اهتراء أنفه وأذنيه وشفتيه وجفنيه، لأنه كما يقول البشير: "مملوء برصاً". فلما رأى هذا الأبرص المسيح خرَّ على وجهه وسجد له. يا أيها التعيس في الظاهر، أنت بالحق سعيد، لأن روح اللّه ألهمك أن تسجد لهذا الرجل الذي دعوْتَه "يا سيد". لم يسبقك إلى هذا السجود، إلا المجوس الذين سجدوا له في مهده. أما بعدك فيقتدي بك ملايين البشر على اختلاف أجناسهم. ولكن كيف قبِلَ المسيحُ هذا السجود؟ لم يبرح بعد من آذاننا صوتُه الرهيب لما طرد إبليس من أمامه قائلاً: "مكتوب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد". ورسله حتى وملائكته يوقفون سجود الناس لهم، لأنه لا يجوز. فهل هم أصلح من المسيح، وأكثر غيرة منه على حقوق اللّه الذي وحده يحقُّ له السجود؟ ألا يضطرُّنا الأمر أن نرى في قبول المسيح لهذا السجود الذي قُدِّم له دليلاً كافياً أنه يعلم أن له حقوقاً إلهية؟ يدهشنا إيمان هذا الأبرص اليائس، ونحار في أمره - كيف تولَّد فيه هذا الإيمان؟.. كان لسان المصابين الذين لجأوا إلى المسيح: "إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ شَيْئاً فَتَحَنَّنْ عَلَيْنَا" (مرقس 9:22) مع أن عللهم لم تكن بعيدة عن الرجاء كعلة هذا الرجل الذي قال: "يا سيد، إن أردتَ تقدر أن تطهرني". في هذه الكلمات أعلن إيمانه بأن المسيح قادر على هذا العمل الذي لا يقدر عليه إلا اللّه، لكنه لتواضعه لم يجسر أن يحكم هل يشاء المسيح أن يشفيه أو لا يشاء. ومع شدة حاجته احترم حرية إرادة المسيح، فاستحق أن يكرمه المسيح على ذلك وأن يلتفت إليه. وبناءً على ما ظهر لم ير المسيحُ مُوجِباً لامتحانه بتأجيل الاستجابة إلى حين كما امتحن غيره، بل لاشى شكوكه حالاً بخصوص إرادته أن يشفيه، فالمسيح لا يؤجل دقيقة واحدة طلب من يريد الشفاء من خطاياه والخلاص بمغفرتها. يهمُّنا أن نلاحظ أن ما دفع المسيح لتطهير هذا الأبرص لم يكن لجاجته (لأنه لم يكن لجوجاً)، ولا حب الافتخار وطلب الشهرة، (لأن المسيح أوصاه أن يكتم خبر شفائه). لكن المسيح شفاه لأنه تحنن، وإظهاراً لحنانه "مدَّ يده ولمسه" تقرُّباً منه. نرى في لمس المسيح الأبرص أموراً هامة، فقد كافأه المسيح على إيمانه العجيب، إذْ طيَّب قلبه باقترابه ولمْسه، بعد سني نفيه واجتناب الجميع (حتى أهله) له، وبعد عذاباته المتنوعة من هذا المرض الشنيع. لقد اقترب المسيح من الأبرص ولمسه ليلخِّص عمله الفدائي، الذي استوجب أن يرسل اللّه ابنه في شبه جسد الخطيئة، ويجعل "الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لِأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللّهِ فِيهِ" (2 كورنثوس 5:21). وفي لَمْس المسيح للأبرص أعلن أن اللّه محبة، وأنه يضع المحبة قبل الطقوس، فقد قال: "إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لَا ذَبِيحَةً" (متى 12:7) فأبهج هذا الأبرصَ المسكين بلمسةٍ منه، ثم زاده ابتهاجاً وملأ قلبه وفمه شكراً لما أزال شكوكه بخصوص إرادته أن يشفيه بقوله: "أريد فاطهر". هاتان الكلمتان صيَّرتا الأبرص إنساناً جديداً في الخارج وفي الداخل. رأى المسيح أن في انتشار خبر شفاء الأبرص ضرراً، وأن الرجل متحمِّس ابتهاجاً وراغبٌ في نشره، فأوصاه: "لا تقلْ لأحدٍ شيئاً". لئلا يقول الناس إن المسيح قد تنجس بلمسه الأبرص، وهذا الخبر إنْ شاع يعطّل عمله كثيراً. والسبب الآخر هو قصد المسيح أن لا يزيد الازدحام الذي يقف في وجه عمله الأهم وهو الكرازة والتعليم. ويقول القديس يوحنا فم الذهب إن المسيح قصد أن يحضّ الذين شفاهم على التأمل بسكوت ووقار في مراحم الله الفائقة نحوهم، وأن يحميهم من الكبرياء إذا أدهشوا الكثيرين بما حدث لهم، وحصلوا بذلك على شهرة. من الواجب على هذا الرجل اليهودي أن يخضع دون تردُّد للنظام الموسوي. فألحَّ عليه المسيح أن يسرع بالذهاب إلى الكهنة في أورشليم، ليحصل على الشهادة التي تعلن براءته، وتعيد له كامل حقوقه بين شعبه. ومع أن هذا الأمر ليس سهلاً ولا بسيطاً فقد كان لا بد منه. وربما لم يرد المسيح من الرجل أن يعلن عن شفائه المعجزي لئلا يحرمه كهنة أورشليم من الحصول على وثيقة الشفاء، بسبب كرههم للمسيح فقال له: "اذهب أرِ نفسك للكاهن". وقد سبَّب عصيانُ هذا الأبرص لأمر المسيح انزعاجاً، لأنه سبَّب ازدياد الازدحام. قال البشير: "خرج وابتدأ ينادي كثيراً ويذيع الخبر. فاجتمع جموع كثيرة حتى لم يعد المسيح يقدر أن يدخل مدينة ظاهراً، بل كان خارجاً في مواضع خالية يعتزل في البراري ويصلي" (لوقا 5:16). لقد عصى هذا الرجل أمر المسيح له بالسكوت، بعد أن نال الشفاء، وكان الواجب أن يخضع. إن كنت قد نلت شفاءك من مرض الخطيئة بنعمة المسيح، فاعمل على أن تكون المؤمن الخاضع الممتثل لأمر المسيح |
||||
19 - 07 - 2017, 06:37 PM | رقم المشاركة : ( 18586 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
معجزة صيد السمك
"وَإِذْ كَانَ الْجَمْعُ يَزْدَحِمُ عَلَيْهِ لِيَسْمَعَ كَلِمَةَ اللّهِ، كَانَ وَاقِفاً عِنْدَ بُحَيْرَةِ جَنِّيسَارَتَ. فَرَأَى سَفِينَتَيْنِ وَاقِفَتَيْنِ عِنْدَ الْبُحَيْرَةِ، وَالصَّيَّادُونَ قَدْ خَرَجُوا مِنْهُمَا وَغَسَلُوا الشِّبَاكَ. فَدَخَلَ إِحْدَى السَّفِينَتَيْنِ الَّتِي كَانَتْ لِسِمْعَانَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُبْعِدَ قَلِيلاً عَنِ الْبَرِّ. ثُمَّ جَلَسَ وَصَارَ يُعَلِّمُ الْجُمُوعَ مِنَ السَّفِينَةِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلَامِ قَالَ لِسِمْعَانَ: "ابْعُدْ إِلَى الْعُمْقِ وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ". فَأَجَابَ سِمْعَانُ: "يَا مُعَلِّمُ، قَدْ تَعِبْنَا اللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئاً. وَلكِنْ عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي الشَّبَكَةَ". وَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ أَمْسَكُوا سَمَكاً كَثِيراً جِدّاً، فَصَارَتْ شَبَكَتُهُمْ تَتَخَرَّقُ. فَأَشَارُوا إِلَى شُرَكَائِهِمُِ الَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ الْأُخْرَى أَنْ يَأْتُوا وَيُسَاعِدُوهُمْ. فَأَتَوْا وَمَلَأُوا السَّفِينَتَيْنِ حَتَّى أَخَذَتَا فِي الْغَرَقِ. فَلَمَّا رَأَى سِمْعَانُ بُطْرُسُ ذلِكَ خَرَّ عِنْدَ رُكْبَتَيْ يَسُوعَ قَائِلاً: "اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَارَبُّ، لِأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ". إِذِ اعْتَرَتْهُ وَجمِيعَ الَّذِينَ مَعَهُ دَهْشَةٌ عَلَى صَيْدِ السَّمَكِ الَّذِي أَخَذُوهُ. وَكَذلِكَ أَيْضاً يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابْنَا زَبْدِي اللَّذَانِ كَانَا شَرِيكَيْ سِمْعَانَ. فَقَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ: "لَا تَخَفْ! مِنَ الْآنَ تَكُونُ تَصْطَادُ النَّاسَ!" وَلَمَّا جَاءُوا بِالسَّفِينَتَيْنِ إِلَى الْبَرِّ تَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعُوهُ" (لوقا 5:1-11). في إحدى الليالي التي قضاها بطرس ويعقوب ويوحنا، وربما أندراوس أيضاً في الصيد، لم ينالوا إلا الفشل، فرجعوا صباحاً إلى الشاطئ خائبين وأرسوا سفينتهم، ثم غسلوا الشباك حسب عادتهم، وما لبثوا إلا قليلاً حتى حصل ازدحام حول معلمهم عند الشاطئ، لأن جمهوراً من الناس جاءوا ليسمعوا كلمة الله. وبعد أن ألقى المسيح عظته، أمر تلميذه بطرس أن يبعد إلى العمق ويجدد الصيد. وكان هذا صعباً على بطرس، لأنه غسل الشباك وأعدَّها للصيد في الليلة التالية. فإن طرحها مرة أخرى دون أن يفلح، يتحمَّل تعباً لا فائدة منه. ثم بما أنه صياد ماهر، والمسيح نجار، فثقيلٌ على صياد أن يأخذ تعليمات للصيد من نجار، فالمعروف أن يكون الصيد ليلاً، وقلّما يُرجى خير من صيد النهار. وقد أكد اختبار بطرس في الليل الفائت أن الأسماك غير موجودة الآن في تلك البقعة. لذلك اعترض أولاً، ثم عاد فامتثل لأمر المسيح. فحصل حالاً على جزاء طاعته وتسليمه، فقد امتلأت سفينته وسفينة ابني زبدي بالسمك حتى أخذتا في الغرق. فاعترتهم دهشة لهذا الأمر العجيب. أما بطرس فلشدة انفعاله، سجد عند ركبتي سيده وقال: "اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ". نتصوره مدفوعاً إلى هذا الطلب الغريب لخجله بسبب اعتراضه أولاً، ومن ارتعابه لوجود شخص في سفينته قادر أن يعرف جميع سيئاته ويجازيه عليها، كما دفعه أيضاً التواضع ليحسب سفينته حقيرة عن أن تتشرف بشخص مثل المسيح. يرتعب الخاطئ دائماً من رؤية القدوس. فلما رأى بطرس شيئاً جديداً من أمجاد المسيح القدوس ارتعب. لكن المسيح لم يوبخه على طلبه الغريب هذا، لأن طلبه كان مشفوعاً بسبب شريف جداً، وهو الشعور بالخطأ. فلم يكن بطرس يعرف المسيح بعد كما هو، وظن أنه يريد الابتعاد عن الخطاة. وإبليس عادة يزرع مثل هذا الوهم في عقول الخطاة ليحرمهم من الإقبال على المسيح. لكن المسيح بحكمته ومحبته رفض طلب بطرس، وهذه خُطته دائماً عندما يطلب منه المؤمنون في صلاتهم أموراً ليست للخير. فاستجاب طلب بطرس بعكسه، لأن بطرس طلب أن يَبْعُد المسيح عنه، فاقترب المسيح منه أكثر، لأنه نظر إلى الصواب في قلب بطرس، لا إلى الخطأ في كلامه، وطمأنه حالاً بقوله: "لا تخف". وأكّد له تعيينه ليصيد الناس. وهذا شرف أعظم كثيراً من مهنته السابقة. وهذه هي المهنة التي يريدها المسيح لكل فرد من تابعيه حسب مقدرته واختلاف أحواله. ولما جاءوا بالسفينتين إلى البر، ترك التلاميذ الأربعة كل شيء وتبعوه. |
||||
19 - 07 - 2017, 06:37 PM | رقم المشاركة : ( 18587 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
معجزة شفاء مشلول
"ثُمَّ دَخَلَ كَفْرَنَاحُومَ أَيْضاً بَعْدَ أَيَّامٍ، فَسُمِعَ أَنَّهُ فِي بَيْتٍ. وَلِلْوَقْتِ اجْتَمَعَ كَثِيرُونَ حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَسَعُ وَلَا مَا حَوْلَ الْبَابِ. فَكَانَ يُخَاطِبُهُمْ بِالْكَلِمَةِ. وَجَاءُوا إِلَيْهِ مُقَدِّمِينَ مَفْلُوجاً يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ. وَإِذْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِ الْجَمْعِ، كَشَفُوا السَّقْفَ حَيْثُ كَانَ. وَبَعْدَ مَا نَقَبُوهُ دَلَّوُا السَّرِيرَ الَّذِي كَانَ الْمَفْلُوجُ مُضْطَجِعاً عَلَيْهِ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ، قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: "يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ". وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ هُنَاكَ جَالِسِينَ يُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ: "لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هذَا هكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلَّا اللّهُ وَحْدَهُ؟" فَلِلْوَقْتِ شَعَرَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُمْ يُفَكِّرُونَ هكَذَا فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: "لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهذَا فِي قُلُوبِكُمْ؟ أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟ وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لِابْنِ الْإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى الْأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا" - قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: "لَكَ أَقُولُ قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ". فَقَامَ لِلْوَقْتِ وَحَمَلَ السَّرِيرَ وَخَرَجَ قُدَّامَ الْكُلِّ، حَتَّى بُهِتَ الْجَمِيعُ وَمَجَّدُوا اللّهَ قَائِلِينَ: "مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هذَا قَطُّ!" (مرقس 2:1-12). بعد هذا عاد المسيح من شاطئ البحر ودخل بيتاً وصار يعلّم، كما علّم سابقاً في الهيكل، وعلى البئر، وفي المجمع، وعلى ظهر السفينة، فكثر الازدحام حوله حتى لم يعد يسع ولا ما حول الباب، وكان يخاطبهم بالكلمة. وحضر بين هذا الجمع الغفير فريسيون ومعلمون للناموس من مدن وقرى عديدة في مقاطعتي اليهودية والجليل حتى ومن أورشليم، ليسمعوا كلامه ويروا معجزاته. فنتصورهم جالسين في مقام الإكرام بجانب المعلم الشهير الذي أتوا إليه، لأن قوة الرب كانت لشفائهم. ثم شعر الجمع بحركة غير اعتيادية أحدثها أربعة رجال يحملون مشلولاً على فراش يطلبون أن يصلوا إلى المسيح فلم يقدروا، لأن كثيرين كانوا قد أتوا قبلهم، ينتظرون فرصة ليصلوا إلى هذا الطبيب العجيب لينالوا الشفاء لهم أو لذويهم، فاستنبط حاملو المفلوج طريقة غريبة للوصول بمريضهم إلى المسيح، فقد استدلّوا على مكان جلوس المسيح في البيت، ونقبوا السقف فوق رأسه ودلُّوا الفراش من بين الأجُرّ إلى الوسط قدامه. فيا له من منظر مدهش يستلفت أبصار الجمع الغفير ويشغل أحاديثهم، ولا سيما هؤلاء الغرباء الأكابر! أمام المسيح وأمامهم الآن فراش نزل بينهم يحمل مشلولاً أخرسه الشلل دون أن يمسّ سمعه. لا صوت ولا حركة ولا مطالب إلى حالته المحزنة. انفرد المسيح عن سائر المعلمين في اهتمامه بأحوال الناس الداخلية قبل الخارجية. ولما كان يعلم الخفايا والأسرار، كان يمكنه أن يوفّق كلامه وأعماله لمقتضيات هذه الأحوال الداخلية، فابتدأ مع هذا العليل بالشفاء الداخلي. إذْ قال له: "ثق يا بنيَّ، مغفورة لك خطاياك" نستنتج من هذا أنه رأى في قلب هذا الشاب توبة عن خطايا كان يحسب مرضه بالشلل قصاصاً لها. فكان مهتماً غاية الاهتمام بغفرانها مع اهتمامه بالشفاء الجسدي. نتصوره من جملة الذين سمعوا تعليم المسيح سابقاً واستفادوا منه. فعند هذه المصيبة الكبيرة، تعلّق قلبه بهذا المعلم أملاً بخلاص روحي وجسدي معاً. وكان الإيمان القوي الذي أظهره حاملوه الأربعة سبباً عظيماً جعل المسيح يساعده، إذْ نابوا بذلك عن المفلوج الذي منعه خرسه عن إعلان ما في قلبه من التوبة والإيمان، فامتلأ المفلوج، وهو بعد تحت سلطة الشلل، تعزية وفرحاً روحياً حالما سمع كلمة المسيح أن خطاياه مغفورة. فكانت نتيجة مصيبته العظيمة أنها أتت به إلى المسيح الذي خلصه من المصيبة الأعظم جداً، أي حمل خطاياه. يؤيد صحة كلامنا هذا أن المسيح لا يعلن الغفران إلا لمن هو أهلٌ له بسبب شعوره الروحي. ولا بد أن هذا المفلوج رنَّم في قلبه مع داود النبي: "طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ. طُوبَى لِرَجُلٍ لَا يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً" (مزمور 32:1 و2). طوبى له لأن الله يرافق غفرانه بسائر بركاته، وليس كالذي تبرِّئه المحاكم الدينية، فإن الله يعطي مع غفرانه مواعيد لا تُقدَّر بثمن، ونعمةً فائضة، ثم المجد الأبدي. أثبت المسيح حقَّه في منح الغفران، فأثبت لنفسه مقاماً فوق سائر البشر. وقد أثَّر هذا كثيراً في الذين رأوا وسمعوا ما حدث، فلم ينْسَ بطرس فيما بعد عمل المسيح الغفراني، إذ نسمعه يصرّح أمام المجمع الكبير الذي اجتمع في أورشليم ليحاكمه بقوله: "هذَا رَفَّعَهُ اللّهُ بِيَمِينِهِ رَئِيساً وَمُخَلِّصاً، لِيُعْطِيَ إِسْرَائِيلَ التَّوْبَةَ وَغُفْرَانَ الْخَطَايَا" (أعمال 5:31). كان شفاء هذا الرجل جسدياً يشبه شفاءه الروحي، في أن حَمْل السرير لم يكن شرطاً سابقاً لنيْل الشفاء، بل نتيجة له. وليس الصلاح شرطاً سابقاً لنوال الغفران بل هو نتيجة للغفران المجاني وثمره. وكان يشبهه أيضاً في أن شفاء النفس مُنح حالاً. وليس غفران الخطايا وعداً بأمر مؤجل، يحصل عليه الخاطئ عند موته أو بعده، أو بعد أن يظهر استحقاقه، لأن الله يعطي الغفران حالاً عند الطلب المخلص القلبي الحار من إنسان يفهم ماذا يطلب. يستطيع المخلِّص أن يفعل ذلك حالاً لأنه يعلم نيّة الإنسان الداخلية، فلا يحتاج كما يحتاج البشر إلى وقت ليتأكد من استعداد الخاطئ للغفران. وكان يشبهه كذلك في أن المسيح لم يمنح المفلوج جزءاً فقط من الصحة، ثم يتركه ليسترجع العافية تدريجياً، ويطلب من الأربعة الذين أتوا به أن يحملوا له الفراش ليعود إلى بيته من حيث أتوا. لكنه أعطاه صحة كاملة، وأعطاه أيضاً غفراناً كاملاً لجميع خطاياه دفعة واحدة. فكل ما يفعله المسيح يعمله كاملاً. لو بقي أقل شيء من الخطيئة بدون غفران لهلكت نفس الرجل، كما لو بقيت الخطيئة كلها. تماماً كما لا يمكن لصاحب سفينة اخترقتها ثقوب عديدة أن يصلح بعضها ويترك ولو واحداً منها، لأن ثقباً واحداً يُغرق السفينة نظير المئة. ولذلك يغفر الله غفراناً كاملاً.. أما الرؤساء الزائرون الجالسون مع المسيح فلم يعترفوا له إلا بالحقوق التي لمعلم بشري، وليس بينها حق مغفرة الخطايا. فاعتبروا المسيح مجدفاً لأنه أخذ لنفسه حقوقاً إلهية، ولذلك حكموا في أفكارهم على المسيح أنه مجدف، وعليه يكون أشر الناس، ويستحق عقاب الرجم حسب شريعتهم. اهتم المسيح أن يقدم لهم براهين أنه أكثر من معلم بشري، وإذْ ذاك لا يكون منحه الغفران تجديفاً. وأول برهان قدمه على ذلك أنه أعلن لهم ما هي أفكارهم التي لم يظهروها لأحد. وبذلك أتمَّ نبوة إشعياء عنه "وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ... فَلَا يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلَا يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ" (إشعياء 11:2 و3). ثم أشار المسيح إلى برهان آخر تكلم عنه لكي يتأملوا فيه قبل أن يقدمه لهم فعلاً، أي القوة لشفاء هذا المفلوج، لأن الفالج متى رسخ وطال يكون غير قابل للشفاء. لكن إن شُفي وظهرت النتيجة حالاً، لا يقدر إنسان أن يتهم المسيح بالكذب. لذلك قال للمفلوج: "قم احمل سريرك وامش". أما القول: "مغفورة لك خطاياك" فمن السهل أن يقوله أي كذّاب شاء، لأنه لا توجد واسطة ظاهرة لتكذيبه، ولهذا السبب يكون القول: "مغفورة لك خطاياك" أسهل من القول: "قم احمل سريرك وامش". فالذي يأمر بالشفاء ويَصْدُق فيه، لا يمكن أن يقول بغفران الخطية إلا صدقاً. كان هذا دفاعَ المسيح عن نفسه، فأظهر لهم أن سلطانه على غفران الخطايا هو حقُه على الأرض كابن الإِنسان، لأنه ابن اللّه أيضاً. ثم ليثبت قوله بفعله قال للمفلوج: "قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك". وحالاً قام المفلوج صحيحاً، فالذين لم يفسحوا لحامليه الطريق في دخوله، تسابقوا الآن للتفسيح في خروجه. والسرير الذي حمله وهو داخل، وكان دليل سقمه، صار يحمله وهو خارج دليلَ شفائه التام. فما أقوى العبارة التي وُضعت لبيان شفائه: في الحال قام أمامهم، وحمل ما كان مضطجعاً عليه، وخرج قدام الكل، ومضى إلى بيته وهو يمجد اللّه |
||||
19 - 07 - 2017, 06:37 PM | رقم المشاركة : ( 18588 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
معجزة صيد السمك
"وَإِذْ كَانَ الْجَمْعُ يَزْدَحِمُ عَلَيْهِ لِيَسْمَعَ كَلِمَةَ اللّهِ، كَانَ وَاقِفاً عِنْدَ بُحَيْرَةِ جَنِّيسَارَتَ. فَرَأَى سَفِينَتَيْنِ وَاقِفَتَيْنِ عِنْدَ الْبُحَيْرَةِ، وَالصَّيَّادُونَ قَدْ خَرَجُوا مِنْهُمَا وَغَسَلُوا الشِّبَاكَ. فَدَخَلَ إِحْدَى السَّفِينَتَيْنِ الَّتِي كَانَتْ لِسِمْعَانَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُبْعِدَ قَلِيلاً عَنِ الْبَرِّ. ثُمَّ جَلَسَ وَصَارَ يُعَلِّمُ الْجُمُوعَ مِنَ السَّفِينَةِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلَامِ قَالَ لِسِمْعَانَ: "ابْعُدْ إِلَى الْعُمْقِ وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ". فَأَجَابَ سِمْعَانُ: "يَا مُعَلِّمُ، قَدْ تَعِبْنَا اللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئاً. وَلكِنْ عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي الشَّبَكَةَ". وَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ أَمْسَكُوا سَمَكاً كَثِيراً جِدّاً، فَصَارَتْ شَبَكَتُهُمْ تَتَخَرَّقُ. فَأَشَارُوا إِلَى شُرَكَائِهِمُِ الَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ الْأُخْرَى أَنْ يَأْتُوا وَيُسَاعِدُوهُمْ. فَأَتَوْا وَمَلَأُوا السَّفِينَتَيْنِ حَتَّى أَخَذَتَا فِي الْغَرَقِ. فَلَمَّا رَأَى سِمْعَانُ بُطْرُسُ ذلِكَ خَرَّ عِنْدَ رُكْبَتَيْ يَسُوعَ قَائِلاً: "اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَارَبُّ، لِأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ". إِذِ اعْتَرَتْهُ وَجمِيعَ الَّذِينَ مَعَهُ دَهْشَةٌ عَلَى صَيْدِ السَّمَكِ الَّذِي أَخَذُوهُ. وَكَذلِكَ أَيْضاً يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابْنَا زَبْدِي اللَّذَانِ كَانَا شَرِيكَيْ سِمْعَانَ. فَقَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ: "لَا تَخَفْ! مِنَ الْآنَ تَكُونُ تَصْطَادُ النَّاسَ!" وَلَمَّا جَاءُوا بِالسَّفِينَتَيْنِ إِلَى الْبَرِّ تَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعُوهُ" (لوقا 5:1-11). في إحدى الليالي التي قضاها بطرس ويعقوب ويوحنا، وربما أندراوس أيضاً في الصيد، لم ينالوا إلا الفشل، فرجعوا صباحاً إلى الشاطئ خائبين وأرسوا سفينتهم، ثم غسلوا الشباك حسب عادتهم، وما لبثوا إلا قليلاً حتى حصل ازدحام حول معلمهم عند الشاطئ، لأن جمهوراً من الناس جاءوا ليسمعوا كلمة الله. وبعد أن ألقى المسيح عظته، أمر تلميذه بطرس أن يبعد إلى العمق ويجدد الصيد. وكان هذا صعباً على بطرس، لأنه غسل الشباك وأعدَّها للصيد في الليلة التالية. فإن طرحها مرة أخرى دون أن يفلح، يتحمَّل تعباً لا فائدة منه. ثم بما أنه صياد ماهر، والمسيح نجار، فثقيلٌ على صياد أن يأخذ تعليمات للصيد من نجار، فالمعروف أن يكون الصيد ليلاً، وقلّما يُرجى خير من صيد النهار. وقد أكد اختبار بطرس في الليل الفائت أن الأسماك غير موجودة الآن في تلك البقعة. لذلك اعترض أولاً، ثم عاد فامتثل لأمر المسيح. فحصل حالاً على جزاء طاعته وتسليمه، فقد امتلأت سفينته وسفينة ابني زبدي بالسمك حتى أخذتا في الغرق. فاعترتهم دهشة لهذا الأمر العجيب. أما بطرس فلشدة انفعاله، سجد عند ركبتي سيده وقال: "اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ". نتصوره مدفوعاً إلى هذا الطلب الغريب لخجله بسبب اعتراضه أولاً، ومن ارتعابه لوجود شخص في سفينته قادر أن يعرف جميع سيئاته ويجازيه عليها، كما دفعه أيضاً التواضع ليحسب سفينته حقيرة عن أن تتشرف بشخص مثل المسيح. يرتعب الخاطئ دائماً من رؤية القدوس. فلما رأى بطرس شيئاً جديداً من أمجاد المسيح القدوس ارتعب. لكن المسيح لم يوبخه على طلبه الغريب هذا، لأن طلبه كان مشفوعاً بسبب شريف جداً، وهو الشعور بالخطأ. فلم يكن بطرس يعرف المسيح بعد كما هو، وظن أنه يريد الابتعاد عن الخطاة. وإبليس عادة يزرع مثل هذا الوهم في عقول الخطاة ليحرمهم من الإقبال على المسيح. لكن المسيح بحكمته ومحبته رفض طلب بطرس، وهذه خُطته دائماً عندما يطلب منه المؤمنون في صلاتهم أموراً ليست للخير. فاستجاب طلب بطرس بعكسه، لأن بطرس طلب أن يَبْعُد المسيح عنه، فاقترب المسيح منه أكثر، لأنه نظر إلى الصواب في قلب بطرس، لا إلى الخطأ في كلامه، وطمأنه حالاً بقوله: "لا تخف". وأكّد له تعيينه ليصيد الناس. وهذا شرف أعظم كثيراً من مهنته السابقة. وهذه هي المهنة التي يريدها المسيح لكل فرد من تابعيه حسب مقدرته واختلاف أحواله. ولما جاءوا بالسفينتين إلى البر، ترك التلاميذ الأربعة كل شيء وتبعوه. معجزة شفاء مشلول"ثُمَّ دَخَلَ كَفْرَنَاحُومَ أَيْضاً بَعْدَ أَيَّامٍ، فَسُمِعَ أَنَّهُ فِي بَيْتٍ. وَلِلْوَقْتِ اجْتَمَعَ كَثِيرُونَ حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَسَعُ وَلَا مَا حَوْلَ الْبَابِ. فَكَانَ يُخَاطِبُهُمْ بِالْكَلِمَةِ. وَجَاءُوا إِلَيْهِ مُقَدِّمِينَ مَفْلُوجاً يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ. وَإِذْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِ الْجَمْعِ، كَشَفُوا السَّقْفَ حَيْثُ كَانَ. وَبَعْدَ مَا نَقَبُوهُ دَلَّوُا السَّرِيرَ الَّذِي كَانَ الْمَفْلُوجُ مُضْطَجِعاً عَلَيْهِ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ، قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: "يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ". وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ هُنَاكَ جَالِسِينَ يُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ: "لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هذَا هكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلَّا اللّهُ وَحْدَهُ؟" فَلِلْوَقْتِ شَعَرَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُمْ يُفَكِّرُونَ هكَذَا فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: "لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهذَا فِي قُلُوبِكُمْ؟ أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟ وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لِابْنِ الْإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى الْأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا" - قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: "لَكَ أَقُولُ قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ". فَقَامَ لِلْوَقْتِ وَحَمَلَ السَّرِيرَ وَخَرَجَ قُدَّامَ الْكُلِّ، حَتَّى بُهِتَ الْجَمِيعُ وَمَجَّدُوا اللّهَ قَائِلِينَ: "مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هذَا قَطُّ!" (مرقس 2:1-12). بعد هذا عاد المسيح من شاطئ البحر ودخل بيتاً وصار يعلّم، كما علّم سابقاً في الهيكل، وعلى البئر، وفي المجمع، وعلى ظهر السفينة، فكثر الازدحام حوله حتى لم يعد يسع ولا ما حول الباب، وكان يخاطبهم بالكلمة. وحضر بين هذا الجمع الغفير فريسيون ومعلمون للناموس من مدن وقرى عديدة في مقاطعتي اليهودية والجليل حتى ومن أورشليم، ليسمعوا كلامه ويروا معجزاته. فنتصورهم جالسين في مقام الإكرام بجانب المعلم الشهير الذي أتوا إليه، لأن قوة الرب كانت لشفائهم. ثم شعر الجمع بحركة غير اعتيادية أحدثها أربعة رجال يحملون مشلولاً على فراش يطلبون أن يصلوا إلى المسيح فلم يقدروا، لأن كثيرين كانوا قد أتوا قبلهم، ينتظرون فرصة ليصلوا إلى هذا الطبيب العجيب لينالوا الشفاء لهم أو لذويهم، فاستنبط حاملو المفلوج طريقة غريبة للوصول بمريضهم إلى المسيح، فقد استدلّوا على مكان جلوس المسيح في البيت، ونقبوا السقف فوق رأسه ودلُّوا الفراش من بين الأجُرّ إلى الوسط قدامه. فيا له من منظر مدهش يستلفت أبصار الجمع الغفير ويشغل أحاديثهم، ولا سيما هؤلاء الغرباء الأكابر! أمام المسيح وأمامهم الآن فراش نزل بينهم يحمل مشلولاً أخرسه الشلل دون أن يمسّ سمعه. لا صوت ولا حركة ولا مطالب إلى حالته المحزنة. انفرد المسيح عن سائر المعلمين في اهتمامه بأحوال الناس الداخلية قبل الخارجية. ولما كان يعلم الخفايا والأسرار، كان يمكنه أن يوفّق كلامه وأعماله لمقتضيات هذه الأحوال الداخلية، فابتدأ مع هذا العليل بالشفاء الداخلي. إذْ قال له: "ثق يا بنيَّ، مغفورة لك خطاياك" نستنتج من هذا أنه رأى في قلب هذا الشاب توبة عن خطايا كان يحسب مرضه بالشلل قصاصاً لها. فكان مهتماً غاية الاهتمام بغفرانها مع اهتمامه بالشفاء الجسدي. نتصوره من جملة الذين سمعوا تعليم المسيح سابقاً واستفادوا منه. فعند هذه المصيبة الكبيرة، تعلّق قلبه بهذا المعلم أملاً بخلاص روحي وجسدي معاً. وكان الإيمان القوي الذي أظهره حاملوه الأربعة سبباً عظيماً جعل المسيح يساعده، إذْ نابوا بذلك عن المفلوج الذي منعه خرسه عن إعلان ما في قلبه من التوبة والإيمان، فامتلأ المفلوج، وهو بعد تحت سلطة الشلل، تعزية وفرحاً روحياً حالما سمع كلمة المسيح أن خطاياه مغفورة. فكانت نتيجة مصيبته العظيمة أنها أتت به إلى المسيح الذي خلصه من المصيبة الأعظم جداً، أي حمل خطاياه. يؤيد صحة كلامنا هذا أن المسيح لا يعلن الغفران إلا لمن هو أهلٌ له بسبب شعوره الروحي. ولا بد أن هذا المفلوج رنَّم في قلبه مع داود النبي: "طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ. طُوبَى لِرَجُلٍ لَا يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً" (مزمور 32:1 و2). طوبى له لأن الله يرافق غفرانه بسائر بركاته، وليس كالذي تبرِّئه المحاكم الدينية، فإن الله يعطي مع غفرانه مواعيد لا تُقدَّر بثمن، ونعمةً فائضة، ثم المجد الأبدي. أثبت المسيح حقَّه في منح الغفران، فأثبت لنفسه مقاماً فوق سائر البشر. وقد أثَّر هذا كثيراً في الذين رأوا وسمعوا ما حدث، فلم ينْسَ بطرس فيما بعد عمل المسيح الغفراني، إذ نسمعه يصرّح أمام المجمع الكبير الذي اجتمع في أورشليم ليحاكمه بقوله: "هذَا رَفَّعَهُ اللّهُ بِيَمِينِهِ رَئِيساً وَمُخَلِّصاً، لِيُعْطِيَ إِسْرَائِيلَ التَّوْبَةَ وَغُفْرَانَ الْخَطَايَا" (أعمال 5:31). كان شفاء هذا الرجل جسدياً يشبه شفاءه الروحي، في أن حَمْل السرير لم يكن شرطاً سابقاً لنيْل الشفاء، بل نتيجة له. وليس الصلاح شرطاً سابقاً لنوال الغفران بل هو نتيجة للغفران المجاني وثمره. وكان يشبهه أيضاً في أن شفاء النفس مُنح حالاً. وليس غفران الخطايا وعداً بأمر مؤجل، يحصل عليه الخاطئ عند موته أو بعده، أو بعد أن يظهر استحقاقه، لأن الله يعطي الغفران حالاً عند الطلب المخلص القلبي الحار من إنسان يفهم ماذا يطلب. يستطيع المخلِّص أن يفعل ذلك حالاً لأنه يعلم نيّة الإنسان الداخلية، فلا يحتاج كما يحتاج البشر إلى وقت ليتأكد من استعداد الخاطئ للغفران. وكان يشبهه كذلك في أن المسيح لم يمنح المفلوج جزءاً فقط من الصحة، ثم يتركه ليسترجع العافية تدريجياً، ويطلب من الأربعة الذين أتوا به أن يحملوا له الفراش ليعود إلى بيته من حيث أتوا. لكنه أعطاه صحة كاملة، وأعطاه أيضاً غفراناً كاملاً لجميع خطاياه دفعة واحدة. فكل ما يفعله المسيح يعمله كاملاً. لو بقي أقل شيء من الخطيئة بدون غفران لهلكت نفس الرجل، كما لو بقيت الخطيئة كلها. تماماً كما لا يمكن لصاحب سفينة اخترقتها ثقوب عديدة أن يصلح بعضها ويترك ولو واحداً منها، لأن ثقباً واحداً يُغرق السفينة نظير المئة. ولذلك يغفر الله غفراناً كاملاً.. أما الرؤساء الزائرون الجالسون مع المسيح فلم يعترفوا له إلا بالحقوق التي لمعلم بشري، وليس بينها حق مغفرة الخطايا. فاعتبروا المسيح مجدفاً لأنه أخذ لنفسه حقوقاً إلهية، ولذلك حكموا في أفكارهم على المسيح أنه مجدف، وعليه يكون أشر الناس، ويستحق عقاب الرجم حسب شريعتهم. اهتم المسيح أن يقدم لهم براهين أنه أكثر من معلم بشري، وإذْ ذاك لا يكون منحه الغفران تجديفاً. وأول برهان قدمه على ذلك أنه أعلن لهم ما هي أفكارهم التي لم يظهروها لأحد. وبذلك أتمَّ نبوة إشعياء عنه "وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ... فَلَا يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلَا يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ" (إشعياء 11:2 و3). ثم أشار المسيح إلى برهان آخر تكلم عنه لكي يتأملوا فيه قبل أن يقدمه لهم فعلاً، أي القوة لشفاء هذا المفلوج، لأن الفالج متى رسخ وطال يكون غير قابل للشفاء. لكن إن شُفي وظهرت النتيجة حالاً، لا يقدر إنسان أن يتهم المسيح بالكذب. لذلك قال للمفلوج: "قم احمل سريرك وامش". أما القول: "مغفورة لك خطاياك" فمن السهل أن يقوله أي كذّاب شاء، لأنه لا توجد واسطة ظاهرة لتكذيبه، ولهذا السبب يكون القول: "مغفورة لك خطاياك" أسهل من القول: "قم احمل سريرك وامش". فالذي يأمر بالشفاء ويَصْدُق فيه، لا يمكن أن يقول بغفران الخطية إلا صدقاً. كان هذا دفاعَ المسيح عن نفسه، فأظهر لهم أن سلطانه على غفران الخطايا هو حقُه على الأرض كابن الإِنسان، لأنه ابن اللّه أيضاً. ثم ليثبت قوله بفعله قال للمفلوج: "قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك". وحالاً قام المفلوج صحيحاً، فالذين لم يفسحوا لحامليه الطريق في دخوله، تسابقوا الآن للتفسيح في خروجه. والسرير الذي حمله وهو داخل، وكان دليل سقمه، صار يحمله وهو خارج دليلَ شفائه التام. فما أقوى العبارة التي وُضعت لبيان شفائه: في الحال قام أمامهم، وحمل ما كان مضطجعاً عليه، وخرج قدام الكل، ومضى إلى بيته وهو يمجد اللّه |
||||
19 - 07 - 2017, 06:40 PM | رقم المشاركة : ( 18589 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المسيح يدعو متى
"ثُمَّ خَرَجَ أَيْضاً إِلَى الْبَحْرِ، وَأَتَى إِلَيْهِ كُلُّ الْجَمْعِ فَعَلَّمَهُمْ. وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى لَاوِيَ بْنَ حَلْفَى جَالِساً عِنْدَ مَكَانِ الْجِبَايَةِ، فَقَالَ لَهُ: "اتْبَعْنِي". فَقَامَ وَتَبِعَهُ. وَفِيمَا هُوَ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِهِ كَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ يَتَّكِئُونَ مَعَ يَسُوعَ وَتَلَامِيذِهِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا كَثِيرِينَ وَتَبِعُوهُ. وَأَمَّا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ فَلَمَّا رَأَوْهُ يَأْكُلُ مَعَ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ، قَالُوا لِتَلَامِيذِهِ: "مَا بَالُهُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ؟" فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ لَهُمْ: "لَا يَحْتَاجُ الْأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لِأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ" (مرقس 2:13-17). يوجه إليك السيد المسيح الآن دعوة لتتبعه.. تماماً كما سبق أن وجَّه الدعوة لأحد جُباة الضرائب واسمه "متى". لما وصل المسيح إلى محل الجباية حيث يحصّل مأمور الحكومة الرومانية الضرائب على البضاعة المنقولة من بلاد إلى بلاد، وقف مقابل أحد هؤلاء الرجال، وبعد السلام ناداه: "اتبعني". لم يكن باطن هذا الأمر بسيطاً كظاهره، لأنه كان في ظروف هذا المدعو الجديد ما ينفّر منه جميع الذين مع المسيح. ومع أنه ابن بلدهم كفر ناحوم، واسمه متى أي "عطية اللّه". واسمه العبراني لاوي يعلن أنه من العائلة الكهنوتية الشريفة. ومع أنه من أصحاب المعارف، ومن أهل اليُسْر المالي، لكنه كان من جباة الضرائب المرذولين المحتقرين. وهذا يكفي لاشمئزاز كل محب، ولشماتة كل مبغضي المسيح، إنْ لبَّى متى العشار دعوة المسيح وانضم إلى تلاميذه. لنا في دعوة المسيح لمتى شاهد جديد على عظمة المسيح المبنيَّة على استقلاله عن الآراء السائدة عند الجميع في أيامه. وهذا الشاهد يتفق اتفاقاً جميلاً مع القول بلاهوته، لأن البشر يُجَارون المجتمع في أفكارهم. ألم يقل الرب لشعبه: "أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلَا طُرُقُكُمْ طُرُقِي يَقُولُ الرَّبُّ"؟ (إشعياء 55:8). فمخالفة أفكار المسيح ومبادئه لأفكار معاصريه ومبادئهم، دليل على أنه ليس من الأرض، فقد كان الرؤساء والمتقدمون بين اليهود يكرهون جابي الضرائب ويحرمونه من الحقوق المدنية، ولا يقبلون شهادته في المحاكم، وكانوا يعتبرونه من المرابين والمقامرين واللصوص والقتلة والزناة والوثنيين، فلا يطلبون منه إحساناً، ولا يخالطونه خصوصاً وقت الطعام، وكانوا يشبّهون العشارين بين سكان المدن بالوحوش الضارية بين الحيوانات. فنتيجة لهذا حدث أن الذين لدناءتهم كانوا يقبلون هذه الوظيفة ازدادوا بفعلها دناءةً شيئاً فشيئاً، حتى صار تحقيرهم حكماً عادلاً إلا في ما ندر. كيف إذاً يدعو المسيح عشاراً ليكون تلميذاً ملازماً ثم رسولاً عنده؟ لم يكن ممكناً أن يكون المسيح مثل الرؤساء والمتدينين في إغضائهم عن العدد الكبير من اليهود الذين دخلوا بالاختيار وبالتسلسل في صفّ العشارين. لا بل إن روح المروءة جعلت المسيح يمنح هؤلاء المحتقرين التفاتاً خاصاً.. وهذا ما فعله لما دعا متى العشار ليتبعه. رأى المسيح زلات معلمي الدين تفوق كثيراً زلات العشارين في الجسامة وفي استحقاقها الدينونة، فصرَّح مراراً وجهاراً بهذا الحكم العادل. ولو أدرك الفريسيون هذا، لسلِموا من دينونته المخيفة، فإن الخطاة الذين يشعرون بخطاياهم ويعترفون بها له، هم أقرب إلى ملكوت اللّه من المتظاهرين رياءً بالتديُّن، لذلك تنسَّم المسيح الخير الأعظم من العشارين المرفوضين. أدرك المسيح شخصاً من الطبقة السفلى، لما بشّر السامرية وقادها إلى التوبة والإِيمان، وها هو يدعو متى ليُدخِله إلى ملكوته الروحي. فأوضح أن رداءة العشارين هي حُجَّتهم لينالوا منه التفاتاً ممتازاً، لأنه كطبيب لا يطلب الأصحاء بل المرضى. ومخلص الفريسيين هو أيضاً مخلص العشارين، حتى أنه قال مرة لرؤساء الكهنة وشيوخ الشعب: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ الْعَشَّارِينَ وَالزَّوَانِيَ يَسْبِقُونَكُمْ إِلَى مَلَكُوتِ اللّهِ، لِأَنَّ يُوحَنَّا جَاءَكُمْ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ فَلَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ، وَأَمَّا الْعَشَّارُونَ وَالزَّوَانِي فَآمَنُوا بِهِ" (متى 21:31 ، 32). بهذا الكلام أظهر المسيح أن نصيب المعمدان كان نصيبه هو أيضاً، إذْ رفضه الرؤساء غير التائبين، بينما تمسك به الأشرار التائبون. لا نظن أن هذه بداءة معرفة متى بن حلفى للمسيح. نرجِّح أنه كان قد سمع وعظه تكراراً ومال إلى تعاليمه، وأنه رأى معجزاته وآمن به إيماناً بسيطاً نظير كثيرين غيره. ونعتقد أنه ابتدأ يكره وظيفته الدنيئة ويشتهي أن يتركها. وأن المسيح نظر إلى هذا الاستعداد السابق، فعرف متى أهلاً لهذه الدعوة، فدعاه حتى ترك كل شيء وقام وتبعه حتى الآن، وظهر عمل النعمة فيه، فتحوَّلت ميوله عن حب المال إلى حب التضحية بالمال بل وبكل شيء، لأجل المسيح. لم يكتف متى بترك وظيفته وأرباحها لأجل المسيح، بل أضاف على ذلك أنه صنع ضيافةً في بيته للمسيح، دعا إليها معه زملاءه العشارين والخطاة، لأن غيرهم لا يلبّون دعوة عشار. لا بد أنه قصد بذلك أن يفتح الباب لهم ليستنيروا كما استنار هو، وهذا دأْبُ كل مستنير. ومتى هو الوحيد بين الرسل الذي ذُكر له عمل كهذا، أظهر به امتنانه الزائد للمسيح الذي تنازل ودعاه ليكون تلميذاً ملازماً له بعد أن خلّصه من ورطة الآثام. قدّر متى هذه الدعوة حقَّ قدرها، فإن الخسارة التي تحمّلها في تركه كل شيء، لا تُقاس بما ربحه عوضاً عن تلك الخسارة. فضلاً عن الكرامة التي منحها الله له على مرّ السنين، إذ صارت بشارته فاتحة الإنجيل وخُلِّد اسمه فوق أسماء معاصريه من ملوك وعلماء وأغنياء، وربح بواسطة إنجيله نفوساً بلا عدد، كان هو هاديهم إلى الملكوت السماوي. هذا وكل من يترك منكرات هذا العالم، حتى وخيراته وملذاته، لأجل اتّباع هذا المعلم السماوي وخدمته، لا بد أن ينال ربحاً جزيلاً. أظهر متى صدق تقواه الجديدة في أنه بدأ يفكر في ماذا يعطي، لا ماذا يأخذ. نرى البعض يميلون إلى اعتبار ذواتهم متفضّلين على الكنيسة في انضمامهم إليها، ويطلبون مقابل ذلك منافع زمنية، يماثلون بطرس الذي في إحدى سقطاته الكثيرة سأل المسيح: "هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ. فَمَاذَا يَكُونُ لَنَا؟" (متى 19:27). بينما يجب أن يعتبروا الكنيسة مفضَّلة عليهم بقبولها لهم، ويقدمون للكنيسة قسماً مهماً من خيراتهم الزمنية إظهاراً لشكرهم. يذكر متى في بشارته دعوة المسيح له، لكنه أظهر تواضعه بعدم ذكره أنه ترك كل شيء وتبعه، وأنه صنع ضيافة كبيرة له. لوقا فقط يخبر بذلك. ثم بينما مرقس في قائمة الرسل، ولوقا في قائمته، يتحفّظان ولا يسمّيانه "متى العشار"، يطلق هو قائمته هذا اللقب على نفسه، فيعطي نفسه الاسم المحتقر، كأنه يتعمَّد أن ينسب الفخر للمسيح الذي تنازل وضمَّ عشاراً إلى رسله. يقول المثل الدارج في كل لغات الشرق والغرب "إن الطيور على أشكالها تقع". وقد نظر الفريسون إلى المسيح بعين الاحتقار، لاختياره مخالطة الأدنياء ومجالسهم ومؤاكلتهم. لكن هذا المثل يصحُّ فقط في من يتلذذ بمعاشرة الأشرار، لارتباطه معهم في المبادئ. ومثل هذا لا حقَّ له أن يتستّر وراء قدوة المسيح الذي عاشر الخطاة المختلفين عن ميوله ومبادئه، ليغيّرهم ويهديهم إلى النور السماوي. قبل المسيح دعوة متى للضيافة في بيته، وبذلك هدم جداراً فاصلاً بين رتب الناس وطبقاتهم، وأعلن بأن الله لا يفضل أحداً على أحد "بَلْ فِي كُلِّ أُمَّةٍ الَّذِي يَتَّقِيهِ وَيَصْنَعُ الْبِرَّ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ" (أعمال 10:35). وكان مبدأ المساواة في الحقوق والكرامة عند الله بين غني وفقير، وعالم وبسيط وملك وعبد، غير معروف في ذلك الزمان، بل صرّح به المسيح أولاً، وأورثه للعالم أثمن كنز. من يمعن النظر في هذا الاجتماع الغريب يرى طرفي النقيض في بيت متى. على الجانب الواحد نرى المسيح الذي سُميّ "القدوس" (مرقس 1:24). وهو الكامل الذي يكره حتى أقل درجات الدنس والشر والخطيئة على أنواعها كَرْهاً لا يوصف. ثم الجانب الآخر نرى زمرة العشارين والخطاة. فكيف يمتزج الفريقان؟ لنا الجواب في كلام المسيح الذي قاله بمناسبة هذه الضيافة، فإنه قد جاء ليدعو الخطاة للتوبة. تذمر الكتبة والفريسون لأن المسيح قبل دعوة متى واشترك في وليمته. لا مانع عندهم من أن يجلس عشارون على مائدة عشار، لكنهم عيَّروا المسيح على ذلك واشمأزوا من امتزاجه مع هذا الجمهور المحتقر. لما شفى المسيح المفلوج في بيت آخر في هذه المدينة، بكّتهم المسيح وأبكمهم على اعتراضهم الفكري، لذلك لم يجسروا أن يعلنوا أفكارهم ويهاجموه باعتراضاتهم الآن، خوفاً من ردِّه عليهم رداً أقوى من الرد الأول، فصوَّبوا هجومهم ضد التلاميذ وقالوا لهم: "ما بال معلمكم يأكل ويشرب مع العشارين والخطاة؟". ثم "لماذا أنتم تأكلون وتشربون مع العشارين والخطاة؟". لم يصبر المسيح على تلاميذه ليجاوبوا، بل أسرع هو بالجواب، فلم يكن التلاميذ مستعدين بعد ليقدموا جواباً كافياً في أمر عظيم الأهمية كهذا، لأنه يتعلق بقصد المسيح الرئيسي في تركه السماء وظهوره متأنساً في العالم. ففي جوابه أعلن وظيفته الروحية التي كانت أعماله الظاهرة رمزاً وإيضاحاً لها. كان يشفي الأجسام ليوضح للناس أنه طبيب الأنفس. فكما أنهم رأوا اهتمامه بالسُّقماء في معجزات الشفاء، وَجَبَ أن يعرفوا اهتمامه بالخطاة لأجل شفاء أنفسهم من الخطيئة. في هذا الكلام يعلن لأول مرة أنه هو طبيب الأرواح. فكما يعلمون أن الطبيب لا يقدم خدمته للأصحاء بل للمرضى، يجب أن يعلموا أيضاً أن المخلِّص يقدم خدمته للخطاة وليس للأبرار. لا يعالج طبيب سقيماً يدَّعي السلامة من المرض، وكذلك لا يخلِّص المخلّص خاطئاً يدَّعي السلامة من الخطيئة. وهذا ما كان يدَّعيه هؤلاء المتدينون ظاهراً، والمفتخرون بأنهم معلّمو الدين. لو كانوا حقاً أبراراً كما يدَّعون، لفرحوا بأن يروا من المسيح اهتماماً بالضالين ليهديهم إلى الصراط المستقيم، ولكانوا يدركون أن امتزاج الطبيب مع السقماء فخر له لا عيب، وليس فيه دليل على أن الطبيب مثل مريضه، أو شريكه في السقام. أظهر المسيح بقوله: "لم آتِ لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة" أهمية التوبة. وما هي هذه التوبة التي يدعو إليها؟ أولاً: هي شعور الإنسان بفظاعة الخطيئة وبأنه خاطئ. ثانياً: الأسف الشديد على ما مضى من خطاياه. ثالثاً: العزم الحقيقي بتركها في المستقبل. رابعاً: الالتجاء إلى مانح الغفران الإلهي في روح التوبة، والاستعانة بنعمته للثبات فيها |
||||
19 - 07 - 2017, 06:43 PM | رقم المشاركة : ( 18590 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
شفاء مريض بركة بيت حسدا
"وَبَعْدَ هذَا كَانَ عِيدٌ لِلْيَهُودِ، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ "بَيْتُ حِسْدَا" لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ. فِي هذِهِ كَانَ مُضْطَجِعاً جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ. لِأَنَّ مَلَاكاً كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَاناً فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلاً بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ. وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعاً، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَاناً كَثِيراً، فَقَالَ لَهُ: "أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟" أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: "يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ". قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ". فَحَالاً بَرِئَ الْإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ" (يوحنا 5:1-9). يروي البشير يوحنا في الأصحاح الخامس من بشارته قصة شفاء رجل مريض منذ 38 سنة، كان يقيم عند بركة اسمها بركة بيت حسدا، فيها نبعٌ فوَّار بجوار المدينة المقدسة، يفور فينسب الناس إلى مياهه الفائرة فاعلية شفائية. وقد تردَّد الناس على هذه البركة بكثرة لينالوا الشفاء، مما دعا إلى بناء خمسة أروقة (عنابر) حول هذه البركة ليأوي إليها الذين يطلبون الاستفادة من هذه المياه عند فورانها. جاء المسيح في يوم سبت إلى هذه الأروقة ورأى فيها جمهوراً كثيراً من مرضى وعمي وعُرج وعُسم مضطجعين يتوقّعون تحريك الماء. من بين هذا الجمهور التعيس المحزن اختار المسيح شخصاً واحداً متقدماً في السن ليشفيه، فيتبارك السبت المقدس بفعل الرحمة فيه. فلماذا اختار المسيح هذا المريض بالذات ليشفيه؟ هل لصعوبة أمره لكبر سنِّه، ولمرور ثمان وثلاثين سنة على مرضه؟ لا شك أنه كان أطول المرضى إقامة عند البركة. نستنتج أيضاً أن المسيح رآه مناسباً ليمنحه الشفاء، لأنه علم أن مرضه هذا أتاه نتيجة آثام كان قد ارتكبها، فيسهل منحه شفاء روحياً أيضاً مع شفائه الجسدي. كما رأى فيه الشرط ليمدَّ له يد المساعدة، وهو اليأس. إنْ لم ييأس الإنسان من أمره، وعلى الأخص من أمر خلاص نفسه، بدون المسيح، لا يمكن أن يمدَّ له المسيح يد المساعدة أو يخلصه. وقف المسيح عند هذا الرجل على فراشه، وتفرَّس فيه، وسأله سؤالاً ظاهره بسيط، يبيّن اهتمام هذا المعلم الغريب القادم من الجليل بخبر هذا العليل الذي يجهله. قال له: "أتريد أن تبرأ؟" كان يمكن أن يستخفَّ هذا الرجل بهذا السؤال الفضولي من غريب، لكنه احترم المسيح وكشف له أمره. لا بد أنه تأثر من هيئة المسيح، كما تأثر من صوته، فاحترمه وأجابه: "يا سيد، ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء، بل بينما أنا آتٍ، ينزل قدامي آخر". علَّق المسيح أمر الشفاء على إرادة هذا العليل. والمسيح يوقف دائماً وأبداً أمر خلاص النفس على إرادة الخاطئ.. يسأله: "أتريد أن تَخْلُص؟" لقد أعلن الله صريحاً أنه هو يريد خلاص الجميع، ومع ذلك يبقى على الخاطئ أن يريد، وإلا فالخلاص لا يتم. من جواب المقعد على سؤال المسيح نرى أن مرضه ثقيل لدرجة أنه في هذه السنين كلها لم يمكنه أن يسبق الآخرين في النزول من الرواق إلى البركة عند تحريك الماء. كما نرى أيضاً أنه وحيد، ليس له معين يقدّم له هذه الخدمة الضرورية. لو عرف هذا المسكين أن المسيح قصده لأنه ليس إنسان، وأن افتقاره هذا هو حُجَّته عند المخلص، لتغيَّرت لهجته من اليأس إلى الرجاء. ولا يزال هذا المخلص يطلب ويخلّص من يشعر ويعترف أنْ ليس له إنسان آخر، كما قال صاحب المزامير: "لَا تَتَّكِلُوا عَلَى ابْنِ آدَمَ، حَيْثُ لَا خَلَاصَ عِنْدَهُ" (مزمور 146:3). لكن وجود هذا المريض عند البركة في بيت حسدا يدلّلُ على أنه يطلب الشفاء. فلماذا يسأله المسيح "أتريد؟" والإجابة: كانت إرادة المريض قد صارت سقيمة كجسمه بسبب تكرار الفشل ومرور السنين. وكان لا بد من إنهاض قوة الإرادة لتشترك مع قوة المسيح الشافي، فينفض المريض من خموله المعتاد. ويصدق هذا أيضاً على الخاطئ الذي يلازم فروض الدين الخارجية، فيُظهر بذلك أنه من طالبي الخلاص من الخطيئة. لكنه يخشى أن يتكرر فشله في مقاومته للخطيئة بسبب سلطتها عليه، سنوات طويلة بدون تغيير فيصيب الخمول إرادته، ويفتر في طلب الخلاص من الخطيئة. لذلك سأله المسيح: "أتريد؟". سؤال المسيح هذا في محلّه أيضاً، نظراً لكثرة الذين لا يريدون هذا الخلاص. وهو لا يمكن أن يمنحه إلا لمن يريد من كل قلبه هذه الهبة التي لا تُثمَّن. كان هذا الرجل قد حدَّد لنفسه كيفية الشفاء الذي يطلبه، فأتاه الشفاء على صورة تخالف تصوُّراته المتعلِّقة بالشفاء. ومنه نتعلم أن نأخذ المعرفة اللازمة للخلاص من تعاليم المسيح، وليس من تصوُّراتنا السابقة ولا من غيرنا من البشر. لما كان الشفاء من الأمراض رمزاً للخلاص من الخطيئة، لم يؤجل المسيح شفاء هذا الرجل مع أن ذلك اليوم كان سبتاً. فالخلاص أيضاً لا يؤجل. واليوم المقدس هو أفضل يومٍ لإتمامه. وفي قول المسيح للرجل: "قم" يقول: "اِفعل ما تستطيع أن تفعله، وإلا فلا شفاء لك". وهو يقول مثل ذلك للخاطئ: "تيقَّن أن الذي يأمرك أن تأتي إليه يعطيك القوة الكافية لذلك. أنت تستطيع أن تدرس الكتاب الإلهي، وتستطيع أن تجثو مصلياً. تستطيع أن تواظب على الاجتماعات في المعبد. تستطيع أن تسترشد من الذين تعتبرهم مرشدين. فقُم. تحرَّكْ روحياً". أحيا المسيح بروحه رجاءً في هذا اليائس، فشعر المريض بنشاط جديد في عضلاته عندما تحرك، وحالاً برئ وحمل سريره ومشى. وعندما أمر المسيح الرجل أن يحمل سريره أوجب عليه أن يبرهن شفاءه السريع المجاني الكامل بعملٍ ظاهر يمجّد شافيه، فأمره أن يهجر مرقده الذي ألفه هذه السنين الطوال، ولا يترك باباً مفتوحاً للعودة إليه، كأنه يشكُّ في حقيقة شفائه ودوامه. وكأن المسيح يأمره أن يخرج ليمارس الأعمال المفيدة له ولغيره. وهذا ما يقوله المخلص دائماً للخاطئ: "امْحُ ما تستطيع من آثار خطاياك بعد نيلك الغفران الحالي المجاني الكامل، واخرج بعد حصولك على الخلاص لتمارس الأعمال الروحية المفيدة لك ولغيرك. بدلاً من أن يحملوك احمل. بدلاً من يخدموك اخدم. قدِّم بعملك برهان خلاصك. اعلن عزمك التام أن لا تعود إلى حياتك القديمة الأثيمة". ومن قول المسيح للرجل: "امشِ" يبيّن له أنه لا يكفي مجرد الشفاء، بل عليه أن يترك صُحبه السقماء، ويقصد صحبة الأصحاء وأعمالهم، عليه أن يخرج بين الناس ويُريهم ما عمل به المسيح. على الخاطئ الذي يخلّصه المسيح أن يترك عشرته القديمة الفاسدة أولاً، ويطلب عشرة الأتقياء ليتقوى في الإيمان. عليه أيضاً أن يُظهر للجميع بكلامه وأفعاله التغيُّر المهم الذي حصل فيه، ويمجد بذلك مخلصه. لقد حوَّل صوت المسيح محل صلاة التوبة إلى محل الخلاص. "فَقَالَ الْيَهُودُ لِلَّذِي شُفِيَ: "إِنَّهُ سَبْتٌ! لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَحْمِلَ سَرِيرَكَ". أَجَابَهُمْ: "إِنَّ الَّذِي أَبْرَأَنِي هُوَ قَالَ لِي احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ". فَسَأَلُوهُ: "مَنْ هُوَ الْإِنْسَانُ الَّذِي قَالَ لَكَ احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟". أَمَّا الَّذِي شُفِيَ فَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَنْ هُوَ، لِأَنَّ يَسُوعَ اعْتَزَلَ، إِذْ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ جَمْعٌ. بَعْدَ ذلِكَ وَجَدَهُ يَسُوعُ فِي الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: "هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلَا تُخْطِئْ أَيْضاً، لِئَلَّا يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ". فَمَضَى الْإِنْسَانُ وَأَخْبَرَ الْيَهُودَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الَّذِي أَبْرَأَهُ. وَلِهذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْرُدُونَ يَسُوعَ، وَيَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لِأَنَّهُ عَمِلَ هذَا فِي سَبْتٍ. فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: "أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الْآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ". فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ اللّهَ أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِاللّهِ" (يوحنا 5:10-18). أطاع المريض أمر المسيح الذي شفاه، فحمل فراشه وسار وسط الناس، وكان ذلك يوم سبت، فانتقده رؤساء الدين اليهود. ولما سألوه عن الذي أمره أن يحمل فراشه لم يعرف. وكم من أشخاص يكتفون بما عمله المسيح لأجلهم، ولا يهتمون بمعرفة شخصه ليقدّموا له الشكر الواجب على خلاصهم. كان التعصُّب الأعمى قد ملأ نفوس شيوخ اليهود، فأرادوا أن يهلكوا المسيح لأنه أمر المريض أن يحمل فراشه في يوم سبت. لم يهتموا أن يسألوا الرجل: من هو الإنسان الذي شفاك، بل فقط: "من هو الإنسان الذي قال لك احمل سريرك وامشِ؟". ولما لم يحصلوا على جواب منه لجهله من هو الذي شفاه، تركوه. لكن المسيح لم يتركه، فقد وجده في الهيكل وقال له: "ها أنت قد برئت، فلا تخطئ أيضاً لئلا يكون لك أشرّ". إن كل العذاب الذي يجوز فيه الإنسان لا يجلب التوبة ولا يطفئ فيه الميول الشريرة، فعذاب هذا الرجل كل هذه السنين لا يضمن أنه سيبتعد عن الخطيئة فيما بعد. ولذلك نصحه المسيح أن يتحذَّر من الرجوع إلى الخطية. وما أن عرف الرجل اسم شافيه حتى أخبر رؤساء اليهود، فأرادوا أن يقتلوا المسيح. فقال لهم: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل". وفي هذا القول نلاحظ إفرازة ذاته في قوله "أبي" بصيغة المفرد، معلناً جليّاً أنه ابن الله الوحيد. ويعلِّق البشير على هذا بقوله: "من أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه، لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضاً إن الله أبوه معادلاً نفسه بالله". وردت تكراراً تسميه البشر أبناء الله، ولكن لم ترد مطلقاً على صورة تتطلّب معادلتهم بالله، لذلك اعتبر شيوخ اليهود كلام المسيح تجديفاً وفكروا في إعدامه كمجدف. نحن مدينون لهذه المقاومة مع أنها عدائية، لأنها جعلت المسيح يُلقي خطاباً من أهم خطبه، أعلن فيه جهاراً لأول مرة أمام الجمهور، حقيقة طبيعته الإلهية وعلاقته مع الآب. "فَقَالَ يَسُوعُ لَهُمُ: "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَا يَقْدِرُ الِابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلَّا مَا يَنْظُرُ الْآبَ يَعْمَلُ. لِأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا يَعْمَلُهُ الِابْنُ كَذلِكَ. لِأَنَّ الْآبَ يُحِبُّ الِابْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ، وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ. لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْآبَ يُقِيمُ الْأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الِابْنُ أَيْضاً يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ. لِأَنَّ الْآبَ لَا يَدِينُ أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلِابْنِ، لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الِابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الْآبَ. مَنْ لَا يُكْرِمُ الِابْنَ لَا يُكْرِمُ الْآبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ. "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلَامِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلَا يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الْآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الْأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللّهِ، وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ. لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الِابْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً، لِأَنَّهُ ابْنُ الْإِنْسَانِ. لَا تَتَعَجَّبُوا مِنْ هذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ. أَنَا لَا أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ، وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ، لِأَنِّي لَا أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الْآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي" (يوحنا 5:19-30). لم يرفض المسيح تهمة أن الله أبوه، وأنه معادل لله، بل أنه لم يرض السكوت عنها، لئلا يعتبر سكوته تسليماً وتصديقاً على اعتراضهم. بالعكس، لقد أيَّد التهمة ولم ينكرها، وزاد كثيراً على كلامه بهذا الخصوص، فقال: "لأن مهما عمل الآب يعمله الابن كذلك. لأن الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعلمه. وكما أن الآب يقيم الأموات ويحيي، كذلك يحب الابن أيضاً يحيي من يشاء. لأن الآب قد أعطى كل الدينونة للابن، لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب. من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله. وكما أن الآب له حياة في ذاته، كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته، وأعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً". "إِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي لَيْسَتْ حَقّاً. الَّذِي يَشْهَدُ لِي هُوَ آخَرُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ الَّتِي يَشْهَدُهَا لِي هِيَ حَقٌّ. أَنْتُمْ أَرْسَلْتُمْ إِلَى يُوحَنَّا فَشَهِدَ لِلْحَقِّ. وَأَنَا لَا أَقْبَلُ شَهَادَةً مِنْ إِنْسَانٍ، وَلكِنِّي أَقُولُ هذَا لِتَخْلُصُوا أَنْتُمْ. كَانَ هُوَ السِّرَاجَ الْمُوقَدَ الْمُنِيرَ، وَأَنْتُمْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَبْتَهِجُوا بِنُورِهِ سَاعَةً. وَأَمَّا أَنَا فَلِي شَهَادَةٌ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا، لِأَنَّ الْأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الْآبُ لِأُكَمِّلَهَا، هذِهِ الْأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الْآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي. وَالْآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي. لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ قَطُّ، وَلَا أَبْصَرْتُمْ هَيْئَتَهُ، وَلَيْسَتْ لَكُمْ كَلِمَتُهُ ثَابِتَةً فِيكُمْ، لِأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ هُوَ لَسْتُمْ أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِهِ. فَتِّشُوا الْكُتُبَ لِأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي. وَلَا تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ. "مَجْداً مِنَ النَّاسِ لَسْتُ أَقْبَلُ، وَلكِنِّي قَدْ عَرَفْتُكُمْ أَنْ لَيْسَتْ لَكُمْ مَحَبَّةُ اللّهِ فِي أَنْفُسِكُمْ. أَنَا قَدْ أَتَيْتُ بِاسْمِ أَبِي وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَنِي. إِنْ أَتَى آخَرُ بِاسْمِ نَفْسِهِ فَذلِكَ تَقْبَلُونَهُ. كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْداً بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ؟ وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الْإِلهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟ "لَا تَظُنُّوا أَنِّي أَشْكُوكُمْ إِلَى الْآبِ. يُوجَدُ الَّذِي يَشْكُوكُمْ وَهُوَ مُوسَى، الَّذِي عَلَيْهِ رَجَاؤُكُمْ. لِأَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ مُوسَى لَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي، لِأَنَّهُ هُوَ كَتَبَ عَنِّي. فَإِنْ كُنْتُمْ لَسْتُمْ تُصَدِّقُونَ كُتْبَ ذَاكَ، فَكَيْفَ تُصَدِّقُونَ كَلَامِي" (يوحنا 5:31-47). يستشهد المسيح بخمسة شهود على أنه ابن الله الوحيد: يستشهد بالمعمدان الذي يرجح أنهم كانوا قد سمعوا شهادته أن يسوع ابن الله، لأنهم لا يستطيعون الشك بصدق شهادته، ولا الرد على كلامه، فذكرها تسهيلاً لإيمانهم. استشهد بأعماله. ثم استشهد بمن لا تُقابَل عظمته مع عظمة غيره، وهو الآب ذاته. فهُمْ لتوغُّلهم في الشرور لم يسمعوا صوته، ولا أبصروا هيئته، كما سمع المسيح وأبصر. ثم أتاهم بشاهدٍ رابع هو كتبهم المقدسة قال: "فتّشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية، وهي التي تشهد لي". ثم أتاهم بشاهد خامس هو زعيمهم موسى، قال: "لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني. لستم تصدقون موسى فكيف تصدقون كلامي؟". وفي هذا الخطاب ذكر المسيح عمله المزدوج الموكول إليه من قبل الآب: أي الإحياء والإهلاك، فصرَّح بأن الهلاك نتيجة إرادة الإنسان "لا تريدون أن تأتوا إليّ لتكون لكم حياة". لكن لئلا يظن سامعوه أنه يدّعي بالطبيعة الإلهية فقط (كما كان يفعل لو كان خادعاً ومخدوعاً) فهو يعلن ناسوته أيضاً في قوله: "أعطاه الآب سلطاناً أن يدين أيضاً لأنه ابن الإنسان". وفي آخر خطابه يبكتهم المسيح على عدم اكتراثهم للمجد الذي يأتي من الله للمستحقين ذلك، وعلى اهتمامهم بالمجد العالي الذي يأتيهم من الناس دون نظرٍ إلى الاستحقاق. |
||||