منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22 - 01 - 2025, 05:37 PM   رقم المشاركة : ( 184671 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

* هكذا كما هو مكتوب: "الله صنع الإنسان مستقيمًا" [29]،
ومن ثم بإرادة صالحة، لأنه لو لم تكن له إرادة صالحة ما كان يُحسب مستقيمًا.
إذن الإرادة الصالحة هي من صنع الله لأن الله خلقه بها.
أما الإرادة الشريرة الأولى التي سبقت كل أعمال الإنسان الشريرة
فهي بالأحرى نوعًا من السقوط بعيدًا عن عمل الله...





القديس أغسطينوس
 
قديم 22 - 01 - 2025, 05:38 PM   رقم المشاركة : ( 184672 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

* خُلقنا صالحين بواسطة (الله) الصالح،
لأن "الله خلق الإنسان مستقيمًا" لكننا بإرادتنا الحرة صرنا أشرارًا.
كانت لنا قدرة أن نصير أشرارًا، وقد كنا صالحين،
وسوف تتوفر لنا القوة أن نصير صالحين ونحن أشرار.





القديس أغسطينوس
 
قديم 22 - 01 - 2025, 05:40 PM   رقم المشاركة : ( 184673 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

* يقول الحكيم سليمان: "الله صنع الإنسان مستقيمًا"،
أي ليتمتع بمعرفة الصلاح فقط، أما هم فطلبوا خيالات كثيرة"
أنهم - كما قيل - قد أرادوا معرفة الخير والشر".

الأب شيرمون
 
قديم 22 - 01 - 2025, 05:40 PM   رقم المشاركة : ( 184674 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

* لأننا نخطئ بإرادتنا الحرة يقول النبي بصراحة في موضع معين:
مع أنني زرعت لكم كرمة مثمرة... كيف تحولتم إلى المرارة
وصرتم كرمة غريبة؟ كان النبت صالحًا، أما الثمر الناتج عن الإرادة الشريرة.

لهذا لا يُلام الكرَّام إنما تُحرق الكرمة بالنار،
لأنها غُرست صالحة لكنها حملت ثمار الشر بإرادتها.



القديس كيرلس الأورشليمي
 
قديم 22 - 01 - 2025, 05:45 PM   رقم المشاركة : ( 184675 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

* يلزمنا ألا ننسب الانحراف في تيهان قلب إلى الطبيعة البشرية
أو خالقها. فإنه بالحق يقول الكتاب المقدس:
"الله صنع الإنسان مستقيمًا، أما هم فطلبوا اختراعات كثيرة"
فاختلاف الأفكار يتوقف علينا نحن، لأن الفكر الصالح يقترب
من الذين يعرفونه، والإنسان العاقل يجده (أم 19: 7).
فأي أمر يخضع لتمييزنا وعملنا يمكننا أن نصل إليه،
فإذا لم نبلغه يرجع هذا إلى كسلنا وإهمالنا لا إلى خطأ في طبيعتنا.





الأب سيرينيوس
 
قديم 22 - 01 - 2025, 06:13 PM   رقم المشاركة : ( 184676 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

السلوك الحكيم الهادف



يكمل الجامعة حديثه عن ضرورة السلوك الحكيم الهادف في هذه الحياة الزمنية المتغيرة، مهما تكن الظروف.

1. الحكمة في حياة الإنسان:

"مَنْ كَالْحَكِيمِ؟
وَمَنْ يَفْهَمُ تَفْسِيرَ أَمْرٍ؟
حِكْمَةُ الإِنْسَانِ تُنِيرُ وَجْهَهُ، وَصَلاَبَةُ وَجْهِهِ تَتَغَيَّرُ" [1].

كثيرون يصابون بنوع من الإحباط أو الاستهتار عندما يتأملون بطلان العالم وما يسوده من ظلم وقهر، خاصة ممن ائتمنوا على العدالة، سوى على المستوى الديني أو المدني، لهذا بدأ الجامعة يكشف عن أهمية الحكمة في حياة الإنسان، بغض النظر عما يدور حوله.
أ. الحكمة تجعل الإنسان متقدمًا على أقربائه، تُصيِّره أكثر امتيازًا منهم: "مَنْ كالحكيم؟" الحكمة السماوية كما سبق فرأينا بلا حدود، بعيدة كل البعد، أي مرتفعة كل الارتفاع، عميقة كل العمق (جا 7: 24)، ترفع الإنسان إلى الله لتهبه حياة الشركة والاتحاد معه. ليس من إنسان متعلم أو شريف أو ثرى يمكنه أن يقارن بذاك الذي ينعم بالحكمة الإلهية!
إذ تحدث سليمان الحكيم في سفر الأمثال عن الحكمة ككائن حيّ (أم 9: 1-6)، إنما يعني بها شخص السيِّد المسيح "حكمة الآب"، فالحكيم هو ذاك الذي يقبل السيِّد المسيح ساكنًا فيه، أو يقبله رأسًا له، ويكون هو عضوًا في الكنيسة، جسد المسيح.
اتحادنا مع السيِّد المسيح يُعطي القلب عذوبة واتساعًا ويرفع الفكر فوق كل المتاعب والصغائر ليسلك بروح المسيح في اتزان وحكمة علوية.
ب. الحكمة تجعل الإنسان نافعًا لإخوته، متفانٍ في خدمته لهم، فإنه من مثله "يفهم تفسير أمر"، أي يدرك ما وراء الأحداث ويُتابع مقاصد الأمور على مستوى فائق... مشورته لهم حكيمة وصائبة. فالحكمة تهبه تفسيرًا لمعاملات معه كما مع غيره، فيسلك ويرشد الغير حسب إرادة الله الصالحة.
ج.بالحكمة يتعرف الإنسان على خطة الله ويُدرك لماذا يُسمح بالفرج كما بالضيق، فيستنير وجهه بالفرح والرجاء تحت كل الظروف، بل ويبعث هذا الرجاء المفرح في حياة أصدقائه، فتظهر صورته جميلة وبهية في أعينهم. هكذا تجعل الحكمة وجهه منيرًا، كما حدث مع موسى النبي حينما نزل من أعلى الجبل. إنها تكرِّمه وتضفي إشراقًا على حديثه كله. تجعله جديرًا باهتمام الآخرين وتوقيرهم، محبوبًا لديهم، تغيِّر صلابة وجهه وحديثه وحزم ملامحه إلى ملامح مُشرقة باشَّة.
و. الحكمة (السيِّد المسيح) تُصلح من طبيعة الإنسان العنيفة إذ "صلابة وجهه تتغير"... تهبه استنارة وحنوًا!
* كلما اقترب قلب الإنسان من الحكمة نال من الله فرحًا أعظم. بهذا يستطيع المرء أن يُميز بين الحكمة الروحية والحكمة العالمية. ويوقن الإنسان في نفسه أن الحكمة الروحية تُسبب صمتًا يستقر في أعماقه، أما الحكمة العالمية فتُسبب فيضًا من الانزلاق في الخطأ.
حينما تكتشف الحكمة الروحية تمتلئ اتضاعًا ورِقَّةً وسلامًا يسود على أفكارنا، فتهدأ أعضاؤك ولا تزعجك الشهوات الرديئة والشَّره. أما إذا تملَّكتك الحكمة الأخرى، فيحوز عليك الفكر المتغطرس والأفكار المنحرفة التي لا يُنطق بها والذهن المشتت والحواس المخزية الملتهبة!
* ما أعذب المعرفة التي تُكتسب من الخبرة الواقعية والتداريب الدءوبة. وما أعظم القوة التي تمنحها للإنسان الذي يجدها داخله خلال الخبرات الكثيرة؛ نفس الأمر يشعر به من يتيقنوا منها ويذكرون مقدار ما توفره لهم من عون، فيعلمون ضعف طبيعتهم ويدركون مقدار المعونة الإلهية الممنوحة لهم التي قد يحجبها الله في البداية وهم في وسط التجارب.
* المعرفة الخاصة بالله هي ملكة كل الاشتياقات، ليس ما هو أعذب منها في كل الأرض بالنسبة للقلب الذي ينالها.
* متى يدرك الإنسان أنه نال حكمة من الروح؟ من المعرفة التي تُعلِّمه سبُل الاتضاع في أعماقه الخفية وفي حواسه، وتكشف له في ذهنه كيف يُنال الاتضاع.
مار إسحق السرياني
يقارن القدِّيس يوحنا ذهبي الفم بين الجمال الذي تعكسه الحكمة على ملامح المرأة والاهتمام بالزينة الخارجية، قائلًا: [إن كانت حكمة إنسان تنير وجهه، فكم بالأحرى فضيلة المرأة تُنير محيَّاها؟! وإن كنت تحسب هذه زينة عظيمة فاخبرني ما هو قيمة اللآلئ في ذلك اليوم (الأخير)؟].
2. الحكمة وطاعة الرؤساء:

2 أَنَا أَقُولُ: احْفَظْ أَمْرَ الْمَلِكِ، وَذَاكَ بِسَبَبِ يَمِينِ اللهِ. 3 لاَ تَعْجَلْ إِلَى الذَّهَابِ مِنْ وَجْهِهِ. لاَ تَقِفْ فِي أَمْرٍ شَاقّ، لأَنَّهُ يَفْعَلُ كُلَّ مَا شَاءَ. 4 حَيْثُ تَكُونُ كَلِمَةُ الْمَلِكِ فَهُنَاكَ سُلْطَانٌ. وَمَنْ يَقُولُ لَهُ: «مَاذَا تَفْعَلُ؟». 5 حَافِظُ الْوَصِيَّةِ لاَ يَشْعُرُ بِأَمْرٍ شَاقّ، وَقَلْبُ الْحَكِيمِ يَعْرِفُ الْوَقْتَ وَالْحُكْمَ.

ما دامت الحكمة هي التقاء مع الله نفسه، "الحكمة" الحقيقية، فيستنير وجه المؤمن، ويحمل في داخله عذوبة فائقة بروح الاتضاع... فإنه يجب ترجمة هذا الاتضاع الداخلي عمليًا في سلوكنا مع الجميع، خاصة بالخضوع للسلطات بروح الطاعة دون تذمر. يرى الكاتب أن الله ضابط الكل قد سمح بقيام أصحاب السلطة، حتى وإن كانوا ظالمين، فبحكمة نخضع لهم في الرب. يقوم هذا الخضوع على مبدأين: إيماننا بعناية الله الفائقة لنا، وتمتعنا بحياة هادئة سالمة.
أ. "أنا أقول احفظ أمر الملك وذاك بسبب يمين الله" [2].
هنا دعوة للخضوع للقوانين والالتزام باحترامها، أما حدود هذه الطاعة فهي "يمين (قَسَمْ) الرب"، أي دون مخالفتنا بالتزاماتنا نحو الله أو عهدنا معه، إذ هي فوق كل التزام. وكما يقول السيِّد المسيح: "أعطِ ما لقيصر لقيصر، وما لله لله".
بنفس الروح يقول القدِّيس بولس: "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة؛ لأنه ليس سلطان إلاَّ من الله، والسلاطين الكائنة هي مُرتبة من الله. حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة" (رو 3: 1-2).
ب. يلزم ألا نثور ضده أو نقاومه أو نرفض خدمته لأن تصرفاته لا يقبلها عقلنا أو تسيء إلينا. فبحكمة يلزمنا ألا نتسرع فنتركه ونخرج من أمامه، وذلك لأجل سلامنا، متجنبين غضبه وثورته. لننتظر، فإن الله لا يترك الظلم يسود بل يتدخل في الوقت المناسب. يقول الجامعة: "لا تعْجَل إلى الذهاب من وجهه" [3]. فقد تسرع الشعب عندما جاوبهم رحبعام بن سليمان بغلظة وفظاظة، وتعجلوا إلى الذهاب من وجهه، بل صرخوا في الحال: "إلى خيامك يا إسرائيل" (1 مل 12: 16)، وانقسمت المملكة إلى قرون طويلة!
ج. ينبغي ألا نُصرّ على الخطأ حينما نكتشفه: "لا تقف في أمر شاق (شرير)، لأنه يفعل كل ما شاء" [3]. متى فكرنا خطأ ضد صاحب سلطان، يلزمنا أن نتراجع ولا نمضي في الخطأ.
د. مادمنا نحفظ الوصية، ونسلك بروح الطاعة والحكمة لا نخف مما لكلمة أصحاب السلطة من سلطان...
"حيث تكون كلمة الملك فهناك سلطان.
ومن يقول له: ماذا تفعل؟
افظ الوصية لا يشعر بأمر شاق،
وقلب الحكيم يعرف الوقت والحكم" [4-5].
لا ينكر الجامعة ما لصاحب السلطة من إمكانية، فإنه لا يحتمل أن يرى أحدًا يعصي كلمته، وكما يقول الحكيم: "كزمجرة الأسد حنق الملك" (أم 19: 12)... ليس من يقول له: ماذا تفعل؟ ومع هذا فلا خطورة من ذلك، ما دامت قلوبنا نقية تحفظ القوانين وتطيعها برضى، وعقولنا مملوءة حكمة، تعرف كيف تتصرف في الوقت المناسب.
3. الحكمة في الظروف الطارئة:

6 لأَنَّ لِكُلِّ أَمْرٍ وَقْتًا وَحُكْمًا. لأَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ عَظِيمٌ عَلَيْهِ، 7 لأَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا سَيَكُونُ. لأَنَّهُ مَنْ يُخْبِرُهُ كَيْفَ يَكُونُ؟ 8 لَيْسَ لإِنْسَانٍ سُلْطَانٌ عَلَى الرُّوحِ لِيُمْسِكَ الرُّوحَ، وَلاَ سُلْطَانٌ عَلَى يَوْمِ الْمَوْتِ، وَلاَ تَخْلِيَةٌ فِي الْحَرْبِ، وَلاَ يُنَجِّي الشَّرُّ أَصْحَابَهُ.

ما دمنا نحفظ وصية الرب ونقبل كلمة الرؤساء في الرب يلزمنا ألا نخف السلطان، بل ولا نضطرب لما قد يحل غدًا، ولا حتى من مواجهة الموت، إنما نخاف شيئًا واحدًا وهو أن نخطئ، لأنه "لا يُنجي الشر أصحابه".
أ. "لأن لكل أمر وقتًا وحكمًا،
لأن شر الإنسان عظيم عليه".
يليق بالإنسان الحكيم أن يدرك أن لكل أمر لدى الله وقتًا مناسبًا، ليس شيء يحدث اعتباطًا، وإنما بحكمة الله ضابط الكل. كل شيء محسوب لدى الله ومقدَّر زمانه بخطة إلهية أو بسماح إلهي، لكن الإنسان في جهله لخطة الله وأحكامه وعدم ثقته الكاملة في عنايته الفائقة يسقط في شر عظيم.
يحتاج الإنسان إلى استنارة بصيرته الداخلية بروح الله فلا يظن أن حدثًا معينًا يحل به بلا هدف... إنما يتكئ على صدر خالقه، يشكره على الأحداث المفرحة، وينتفع من تأديباته، مدركًا أن كل الأمور تعمل معًا للخير للذين يحبونه (رو 8: 28). ما كان يمكن ليوسف أن يتسلم المجد في قصر فرعون ما لم يتدرب أولًا في مدرسة الحياة، مدركًا أن إخوته قد صنعوا به شرًا، لكن بسماح إلهي، محولًا شرهم إلى الخير (تك 50: 20).
شرنا العظيم يحل بنا لا بسبب الظروف التي تحيط بنا مهما بدت قاسية، وإنما بسبب الغشاوة التي على بصيرتنا الداخلية. عمل الروح القدس أن يهبنا الاستنارة، فندرك أننا أبناء الله موضوع حبه، يهتم حتى بعدد شعور رؤوسنا، يمسك بأيدينا وسط الأحداث في طريق الصليب الضيق ليدخل بنا إلى رحب القيامة وبهجتها.

ب. "لأنه لا يعلم ما سيكون،
لأنه من يخبره كيف يكون؟
ليس لإنسان سلطان على الروح ليمسك الروح،
ولا سلطان على يوم الموت،
ولا تخلية في الحرب،
ولا يُنجي الشر أصحابه" [7-8].
كلنا نجهل المستقبل بأحداثه وظروفه وأوقاته، فلا يستطيع أحد أن يُنبئنا بما سَيَحِل بنا لنستعد للطوارئ. لسنا نعرف الشر قبل حدوثه فنتجنبه أو نحترس منه... إنما نعرف شيئًا واحدًا به نواجه المستقبل بكل أحداثه ومفاجأته: "لاَ يُنَجِّي الشَّرُّ أَصْحَابَهُ" [8].
نحن نواجه أمورًا ثلاثة:
* مستقبل مجهول بأحداثه التي قد تبدو مفاجئة وغير متوقعة.
* عجز عن الإمساك بأرواحنا متى طُلبت، أي لا نقدر أن نؤجل ساعة رحيلنا من هذا العالم، حيث يُغلق باب التوبة إلى الأبد.
* لا نستطيع التخلي عن الحرب [8]، أي عن الدخول في المعركة التي تقوم بين الله وإبليس، سواء دخلنا تحت حماية الله أو قبلنا التبعية لعدو الخير.
هذه الأمور الثلاثة تتحول لخيرنا إن تسلمنا ببرِّ المسيح واهب السلام والنصرة والمجد؛ إن حسبنا أننا لا نقدر أن نعيش في عالم شرير ما لم نسلك بالدهاء والخبث والشر كحكمة بشرية وخبرة نقتنيها عبر الزمن، فإن الشر لن يُنجينا هنا على الأرض ولا في لقائنا مع الديان العادل في يوم الرب العظيم.
4. الحكمة والحكم القهري:

9 كُلُّ هذَا رَأَيْتُهُ إِذْ وَجَّهْتُ قَلْبِي لِكُلِّ عَمَل عُمِلَ تَحْتَ الشَّمْسِ، وَقْتَمَا يَتَسَلَّطُ إِنْسَانٌ عَلَى إِنْسَانٍ لِضَرَرِ نَفْسِهِ. 10 وَهكَذَا رَأَيْتُ أَشْرَارًا يُدْفَنُونَ وَضُمُّوا، وَالَّذِينَ عَمِلُوا بِالْحَقِّ ذَهَبُوا مِنْ مَكَانِ الْقُدْسِ وَنُسُوا فِي الْمَدِينَةِ. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ.

ربما يسأل إنسان: كيف أطيع أصحاب السلطة إن كانوا ظالمين ومحبين للتسلط؟ يقول الجامعة:
"كل هذا رأيته إذ وجهت قلبي لكل عمل تحت الشمس،
وفيما يتسلط إنسان على إنسان لضرر نفسه" [9].
حقًا يصعب على الإنسان أن يرى شخصًا طاغيًا محبًا للتسلط وقهر الآخرين، ومن المحزن أن يرى بعض القادة على المستوى الديني أو العالمي، عوض تحقيق العدالة يستغلون مراكزهم لمجدهم الذاتي أو لغناهم؛ لكن ليعلم هؤلاء أنهم بهذا يمارسون ما هو لضررهم.
إذ نرى طغاة لا ندينهم بل نشفق عليهم ونصلي لأجلهم كي يهبهم الله روح الحب الباذل والاتضاع فلا يُعثرون أحدًا ولا هم يهلكون.
هذا ويليق بالظالمين أن يدركوا أنهم وإن نالوا شيئًا بظلمهم سواء غنى أو كرامة فإنهم يُدفَنون ويُنسى ذكراهم. يقول الجامعة: "وهكذا رأيت أشرارًا يدفنون" [10]، أي تُلقى أجسادهم في التراب ومعهم كرامتهم. يُكمل الجامعة حديثه عنهم، قائلًا: "وضموا الذين يذهبون ويخرجون من مكان القدس وينالون كرامة ويُنسون في المدينة. هذا أيضًا باطل" (10 N IV وVulgate). حقًا كقادة يدخلون المقادس ويخرجون منها في عظمة، وقد دُعي مكان القضاء في العهد القديم "مقدسًا" لأن "القضاء لله" (تث 1: 17)، كما قيل إن الله "في وسط الآلهة يقضي" (مز 82: 1) إلخ...
تحت ستار هذه العظمة يرتكبون الجور ويستمرون فيه، لكن أجسادهم تصير ترابًا وذكراهم تُدفن معها... تنساهم المدينة المقدسة، ولا يكون لهم موضع في أورشليم العليا، التي لا يدخلها دنس أو نجس أو من يصنع كذبًا وجورًا.
في تهورهم يسرعون بالقضاء الظالم، والله في طول أناته يصبر عليهم ويتركهم في مراكزهم إلى حين لعلهم يتوبون، وإلاَّ دُفنت سيرتهم مع أجسادهم، وفقدوا الزمنيات والأبديات.
5. الحكمة ورفاهية الأشرار:

11 لأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْعَمَلِ الرَّدِيءِ لاَ يُجْرَى سَرِيعًا، فَلِذلِكَ قَدِ امْتَلأَ قَلْبُ بَنِي الْبَشَرِ فِيهِمْ لِفَعْلِ الشَّرِّ. 12 اَلْخَاطِئُ وَإِنْ عَمِلَ شَرًّا مِئَةَ مَرَّةٍ وَطَالَتْ أَيَّامُهُ، إِلاَّ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ يَكُونُ خَيْرٌ لِلْمُتَّقِينَ اللهَ الَّذِينَ يَخَافُونَ قُدَّامَهُ. 13 وَلاَ يَكُونُ خَيْرٌ لِلشِّرِّيرِ، وَكَالظِّلِّ لاَ يُطِيلُ أَيَّامَهُ لأَنَّهُ لاَ يَخْشَى قُدَّامَ اللهِ. 14 يُوجَدُ بَاطِلٌ يُجْرَى عَلَى الأَرْضِ: أَنْ يُوجَدَ صِدِّيقُونَ يُصِيبُهُمْ مِثْلَ عَمَلِ الأَشْرَارِ، وَيُوجَدُ أَشْرَارٌ يُصِيبُهُمْ مِثْلَ عَمَلِ الصِّدِّيقِينَ. فَقُلْتُ: إِنَّ هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ.

يصبر الله على الظالمين بل وعلى كل الأشرار، ولا يجري الحكم سريعًا... لكن كثيرين عوض التوبة يستهينون بطول أناة الله. وكما يقول الرسول بولس: "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة؛ ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة، الذي سيُجازي كل واحد حسب عمله" (رو 2: 4-6). هذا ما عبَّر عنه الجامعة، قائلًا:
"لأن القضاء على العمل الرديء لا يُجرى سريعًا،
فلذلك امتلأ قلب بني البشر فيهم لفعل الشر" [11].
الله يبطئ قليلًا في القصاص، لكنه حتمًا يتحقق وفي صرامة، خاصة وإن البعض يُسيء فهم طول أناة الله ويملئون كأس شرهم.
ربما يسأل أحد: وما ذنب المظلومين؟
يُجيب الجامعة: وإن تزايد الشر، فإنه يتحول إلى خير خائفي الرب.
"الخاطئ وإن عمل شرًا مئة مرة، وطالت أيامه،
إلاَّ إنيّ أعلم أنه يكونُ خيرُ للمتَّقين الله، الذين يخافون قدامه.
ولا يكون خير للشرير وكالظل لا يطيل أيامه لأنه لا يخشى قدام الله" [12-13].
قد يعترض البعض قائلًا إن طول أناة الله قد بلغت حدًا فوق ما ننتظره، وقد طالت أيام الشرير ليرتكب الشر لا مرة ولا مرتين ولا عشرة مرات بل مائة مرة؛ لكن ليدرك هؤلاء أن شعب الله أو خائفيه الحقيقيين وإن وقع عليهم القهر مئات المرات فهو شعب مغبوط. إنهم خائفوا الرب، لذا يُرافقهم في أحلك الظروف، لا يمكن لسعادتهم أن يهزها شيء، ولا لشركتهم مع الله أن يقطعها أمر ما، حتى في وسط متاعبهم يكونون مملوءين سلامًا داخليًا، لأنهم محفظون من الله أبيهم الذي ينقذهم من الضيق ويمجدهم.
أما الأشرار فعلى العكس وإن بدوا كالعشب يانعين لكنهم في أعماقهم مملئون بؤسًا، لا يجد الخير موضعًا فيهم، ولا يعرفهم التطويب. قد يعيشوا في رفاهية ردحًا من الزمن، لكن اللعنة كثمرة طبيعية لأفعالهم تحل بهم حتمًا ما لم يتوبوا ويرجعوا إلى الله في خوف ورعدة. وكما قيل: "قولوا للصدِّيق خير، لأنهم يأكلون ثمر أفعالهم. ويلٌ للشرير شر، لأن مجازاة يديه تُعمل به" (إش 3: 10-11).
مهما طالت أيام الشرير فهي كالظل، تنتهي بلا منفعة. قد نظن أنها طويلة، لكنها في عينيّ الله كالظل السريع الزوال.
الترمومتر الذي به يتعرف الحكيم على الأبرار والأشرار ويميز بينهم هو "مخافة الله" فيدعو الأبرار "مُتَّقيّ الله"، ويقول عن الأشرار أنهم "لا يخشون قدام الله". أما من جهة المظهر الخارجي أو البركات الزمنية أو الموت فقد يسقط الصديقون في ضيقات ومتاعب يستحقها الأشرار وقد يتمتع الأشرار ببركات زمنية يستحقها الأبرار. هذا ما يكشف عن بطلان العالم [14] دون اتهام الله بالظلم إذ ينتظر ليكافئ الكل ويجازيهم في الوقت المناسب.
6. التأمل في عمل الله وعطاياه:

15 فَمَدَحْتُ الْفَرَحَ، لأَنَّهُ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ خَيْرٌ تَحْتَ الشَّمْسِ، إِلاَّ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَفْرَحَ، وَهذَا يَبْقَى لَهُ فِي تَعَبِهِ مُدَّةَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ الَّتِي يُعْطِيهِ اللهُ إِيَّاهَا تَحْتَ الشَّمْسِ. 16 لَمَّا وَجَّهْتُ قَلْبِي لأَعْرِفَ الْحِكْمَةَ، وَأَنْظُرَ الْعَمَلَ الَّذِي عُمِلَ عَلَى الأَرْضِ، وَأَنَّهُ نَهَارًا وَلَيْلًا لاَ يَرَى النَّوْمَ بِعَيْنَيْهِ، 17 رَأَيْتُ كُلَّ عَمَلِ اللهِ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَجِدَ الْعَمَلَ الَّذِي عُمِلَ تَحْتَ الشَّمْسِ. مَهْمَا تَعِبَ الإِنْسَانُ فِي الطَّلَبِ فَلاَ يَجِدُهُ، وَالْحَكِيمُ أَيْضًا، وَإِنْ قَالَ بِمَعْرِفَتِهِ، لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَجِدَهُ.

ما يَحِل بالعالم من ظلم يكشف عن بطلان العالم، لكنه لا يفقد المؤمن فرحه الداخلي، بل يشكر الله تحت كل الظروف حاسبًا أكله وشربه وتعبه عطية الله المؤقتة [15]. هذا ما يكرره الحكيم في أكثر من موضع (جا 2: 24؛ 5: 18).
يُركز الحكيم على تمتع المؤمن بالفرح بكونه غذاء النفس: "فمدحتُ الفرح"، حاسبًا إيَّاه عطية إلهية... أما سرّ فرحه فهو تأمله في عمل الله على الأرض وتلامسه مع عجائبه التي نزعت عن عينيه النوم، ليبقى متهللًا نهارًا وليلًا بالله العامل في حياته وفي حياة الآخرين... وإن كانت حكمته الشخصية تحُول عن أن يتعرف على كل أسرار معاملات الله معه وعنايته الفائقة بأولاده.
يقول: "لما وجهت قلبي لأعرف الحكمة وأنظر العمل الذي عُمل على الأرض، وأنه نهارًا وليلًا لا يرى النوم بعينيه" [16].
قصد الحكيم نفسه أنه في بحثه في عناية الله لم يَرى النوم... لكنه كما يقول: "الحكيم أيضًا وإن قال بمعرفته لا يقدر أن يجده" [17]... تعجز حكمته عن أن تجد أو تكتشف خطة الله ومقاصده العجيبة الفائقة للعقل!
لنسلك بالحكمة الإلهية فتستنير أعين قلوبنا وتشرق نعمته على ملامحنا، وبفرحٍ نسلك بروح الطاعة والخضوع، وإن وُجد ظلم نؤمن بالله أبينا الذي يُخرج من الحفرة حياتنا، ويُحوّل المتاعب لخيرنا. هو يتمهل على الأشرار لعلهم يرجعون إليه وإلاَّ صارت حياتهم كظل بلا قيمة... ما أعجب عملك يا رب! هب ليّ فهمًا واستنارة لكي أدرك بروحك القدُّوس خطتك من جهتي!


الحكمة ووليمة العرس



إذ سبق فكشف عن فاعلية الحكمة في حياة الإنسان الداخلية، وسلوكه وفي مواجهة الأشرار بالثقة في معاملات الله وعنايته الفائقة، الآن يؤكد أن هذه الحكمة الإلهية هي هبة إلهية، يُقدمها لمؤمنيه المجاهدين، مهيئًا إيَّاهم لوليمة العرس الأبدي.
1. عجز الإنسان عن معرفة مقاصد الله:

1 لأَنَّ هذَا كُلَّهُ جَعَلْتُهُ فِي قَلْبِي، وَامْتَحَنْتُ هذَا كُلَّهُ: أَنَّ الصِّدِّيقِينَ وَالْحُكَمَاءَ وَأَعْمَالَهُمْ فِي يَدِ اللهِ. الإِنْسَانُ لاَ يَعْلَمُ حُبًّا وَلاَ بُغْضًا. الْكُلُّ أَمَامَهُمُ. 2 الْكُلُّ عَلَى مَا لِلْكُلِّ. حَادِثَةٌ وَاحِدَةٌ لِلصِّدِّيقِ وَلِلشِّرِّيرِ، لِلصَّالِحِ وَلِلطَّاهِرِ وَلِلنَّجِسِ، لِلذَّابحِ وَلِلَّذِي لاَ يَذْبَحُ، كَالصَّالِحِ الْخَاطِئُ. الْحَالِفُ كَالَّذِي يَخَافُ الْحَلْفَ. 3 هذَا أَشَرُّ كُلِّ مَا عُمِلَ تَحْتَ الشَّمْسِ: أَنَّ حَادِثَةً وَاحِدَةً لِلْجَمِيعِ. وَأَيْضًا قَلْبُ بَنِي الْبَشَرِ مَلآنُ مِنَ الشَّرِّ، وَالْحَمَاقَةُ فِي قَلْبِهِمْ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَبَعْدَ ذلِكَ يَذْهَبُونَ إِلَى الأَمْوَاتِ.

"لأن هذا كله جعلته في قلبي، وامتحنت هذا كله أن الصديقين والحكماء وأعمالهم في يد الله.
الإنسان لا يعلم حبًا ولا بُغضًا. الكل أمامهم" [1].
* المعنى هو أنني قد سلمت قلبي للتأمل، مشتاقًا أن أعرف من يحبه الرب ومن يبغضه. ووجدت بالحقيقة أن أعمال الأبرار هي في يدّ الله، أما كونهم محبوبين أم مبغضين من الله فهم يتأرجحون غير موقنين من ذلك.
القديس جيروم
غموض النص يثير تساؤلات كثيرة، منها كيف لا يدرك المؤمن إن كان محبوبًا من الله أم لا؟ وهل يبغض الله أحدًا؟
إن ما يؤكده الجامعة هو أن جميع الصديقين والحكماء بكل أعمالهم هم في يدّ الله، سواء كانت أيامهم مملوءة فرحًا أم حزنًا ومتاعب... لا يليق بالمؤمن الحقيقي أن يشك في عناية الله به واهتمامه بكل أموره الصغيرة والكبيرة. لكن الإنسان في ضعفه يقف متذبذبًا، متسائلًا: هل الله يحبه أم يبغضه؟ وسط مرارة الضيق تعبر به أفكار لتحطمه أن الله ينتقم منه أو يبغضه أو أنه لا يشعر بضعفاته. لهذه كثيرًا ما يتساءل: لماذا يسمح الله ليّ بتجارب قاسية تكاد تحطم نفسيتي وتفقدني إيماني؟
لعله مما يشكك البعض، أنهم يرون أنه لا فارق بين ما يحلّ بالبار والشرير، الصالح والطالح، الطاهر والنجس، الذابح (يقدم ذبيحة لله) وغير الذابح، الذي يقسم (باطلًا) ومن يخشى الحلف... حتى أنهم في دهشتهم وارتباكهم يصيرون كمن هم في حالة جنون [2-3]، لا يعرفون تفسير الأحداث التي تحل بهم وبمن هم حولهم.
بالحقيقة وإن كانت حياة الأبرار وكل أعمالهم في يدّ الله، لكنه بالنسبة للإنسان الطبيعي يصعب عليه إدراك ذلك بسبب تشابه الظروف الخارجية بالنسبة للأبرار والأشرار، الحكماء والجهلاء، فإنه من الخطر أن نقيس حب الله لنا بالظروف الخارجية.
ليتنا لا ننشغل بالأحداث الخارجية بل نتطلع إلى أعماقنا لنرى يد الله العاملة لتقيم ملكوته فينا، ونراه يقيم أيقونة سمواته فينا فنتهلل ونفرح، ويتهلل هو أيضًا بنا إذ يرانا أطفاله المدركين حكمته والمتمتعين، كقول الإنجيلي: "تهلل يسوع بالروح وقال: أحمدك أيها الآب... لأنك أخفيت هذه عن الحكماء وأعلنتها للأطفال" (مت 11: 25). أنه يفرح بالأطفال الذين يتهيئون بإعلانه السماوي للعرس الأبدي وحكمته.
* يا للحسرة على وهن الطبيعة البشرية وزوالها؟، إلاَّ أن إيماننا بالمسيح يرفعنا إلى السماء ويعدنا بأبدية نفوسنا. أما بالنسبة للأحوال المادية في الحياة فهي ذاتها التي لنا وللبهائم أيضًا.
القديس جيروم
2. الله يقدم لنا فرص التوبة:

4 لأَنَّهُ مَنْ يُسْتَثْنَى؟ لِكُلِّ الأَحْيَاءِ يُوجَدُ رَجَاءٌ، فَإِنَّ الْكَلْبَ الْحَيَّ خَيْرٌ مِنَ الأَسَدِ الْمَيْتِ. 5 لأَنَّ الأَحْيَاءَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ سَيَمُوتُونَ، أَمَّا الْمَوْتَى فَلاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا، وَلَيْسَ لَهُمْ أَجْرٌ بَعْدُ لأَنَّ ذِكْرَهُمْ نُسِيَ. 6 وَمَحَبَّتُهُمْ وَبُغْضَتُهُمْ وَحَسَدُهُمْ هَلَكَتْ مُنْذُ زَمَانٍ، وَلاَ نَصِيبَ لَهُمْ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ، فِي كُلِّ مَا عُمِلَ تَحْتَ الشَّمْسِ.

مما يحزن قلب الجامعة أن الله يعطي للإنسان فرصًا للتوبة في هذه الحياة، لكي يرجع إلى نفسه ويتأمل في معاملات الله معه عوض الارتباك بالأحداث الخارجية التي تُحطم نفسيته، لكنه عوض الانتفاع بها يمتلئ قلبه شرًا وحماقة حتى يُباغته الموت.
يقارن سليمان الحكيم بين الأحياء والأموات، موضحًا الآتي:
أ. الإنسان الحيّ نترجى توبته:

أما الميت ففقد فرصة التوبة: "لأنه من يُستثنى؛ لكل الأحياء يوجد رجاء، فإن الكلب الحيّ خير من الأسد الميت" [4]. إذا بلغ الإنسان النجاسة حتى دُعي "كلبًا"، حيث كانت الكلاب في العهد القديم من الحيوانات الدنسة المكروهة لديهم جدًا، حتى دعوا الأمم الوثنية هكذا، فهو أفضل من أسدٍ ميت.
قد ينظر الإنسان إلى نفسه ككلب بسبب كثرة ضعفاته وسقطاته، لكنه بروح الاتضاع يقتني الحياة الجديدة ويصير أفضل ممن يعتد ببره الذاتي حاسبًا نفسه كأسد، لأنه بالكبرياء صار ميتًا!
* كثير من الأبرار سقطوا من برّهم، وحلّ خطاة كثيرون مكانهم، لذلك لا يليق بالبار أن يتشامخ، لأنه لا يزال في الجسد، كما لا يليق بالخاطي أن ييأس لأن الله قريب منه إن كان يطلبه، وهو مستعد أن يقبله إن غيّر طريقة حياته والتفت إلى (الرب).
مار إسحق السرياني
الإنسان قليل المواهب أن ظن في نفسه أن لا دور له في الحياة ولا سلطان له أو قوة أشبه بكلب مُحتقر (في نظر اليهود)، فإنه إذ يتحد بالمسيح الحيّ القائم من الأموات يصير أفضل ممن له مواهب كثيرة وإمكانيات، ومجد زمني ومهابة كالأسد، لكنه باعتزاله مخلصه يفقد حياته ويُحسب ميتًا! حياتنا في المسيح، وقيامتنا به أفضل من كل إمكانية أو عظمة!
ب. الحيّ الصادق مع نفسه يستعد ليوم رحيله:

"لأن الأحياء يعلمون أنهم سيموتون.
أما الموتى فلا يعلمون شيئًا،
وليس لهم أجر بعد لأن ذكرهم نُسي" [5].
كل بشر يدرك هذه الحقيقة أنه حتمًا سيموت... لكن الحيّ الحريص على خلاص نفسه والمهتم بأبديته يتمتع بالمعرفة الفعّالة، التي تدفعه إلى الاستعداد لذلك اليوم، أما من مات دون توبة فلم تعد بعد له معرفة، لأنه قد مات فعلًا ولا عودة له للحياة هنا كي يُجاهد فينال أجرًا، إنما صار هو وكل أعماله في حكم النسيان. أين ذهبت محبته للعالم؟ أين بغضه للآخرين وحسده لهم؟ هذا كله قد هلك معه، ولا نَصيب له ولا لأعماله في الحياة الأبدية [6].
3. لنعمل للعرس الأبدي:

7 اِذْهَبْ كُلْ خُبْزَكَ بِفَرَحٍ، وَاشْرَبْ خَمْرَكَ بِقَلْبٍ طَيِّبٍ، لأَنَّ اللهَ مُنْذُ زَمَانٍ قَدْ رَضِيَ عَمَلَكَ. 8 لِتَكُنْ ثِيَابُكَ فِي كُلِّ حِينٍ بَيْضَاءَ، وَلاَ يُعْوِزْ رَأْسَكَ الدُّهْنُ. 9 اِلْتَذَّ عَيْشًا مَعَ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَحْبَبْتَهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاةِ بَاطِلِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ إِيَّاهَا تَحْتَ الشَّمْسِ، كُلَّ أَيَّامِ بَاطِلِكَ، لأَنَّ ذلِكَ نَصِيبُكَ فِي الْحَيَاةِ وَفِي تَعَبِكَ الَّذِي تَتْعَبُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ. 10 كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ لِتَفْعَلَهُ فَافْعَلْهُ بِقُوَّتِكَ، لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَل وَلاَ اخْتِرَاعٍ وَلاَ مَعْرِفَةٍ وَلاَ حِكْمَةٍ فِي الْهَاوِيَةِ الَّتِي أَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَيْهَا.

إن كان الموت يغلق باب التوبة تمامًا، ويفقد الإنسان كل ما جمعه في هذه الحياة ما دام خارج دائرة الرب، لهذا يليق بنا أن نعمل مادمنا أحياء؛ نعمل بروح الحكمة الإلهية
لنتهيأ للعرس الأبدي. وقد قدم الجامعة النصائح التالية:
أ. لنمارس حياتنا بفرح، بقلب صالح:

"اِذهب كُل خبزك بفرح،
واِشرب خمرك بقلب طيب،
لأن الله منذ زمان قد رضيَ عن عملك" [7].
كثيرًا ما يكرر الجامعة التزامنا باستخدام عطايا الله حتى الزمنية بفرح روحي، وبروح الشكر لله... لنأكل ونشرب ونعمل بروح الاعتدال. "فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا فافعلوا كل شيء لمجد الله" (1 كو 10: 31).
حياة الفرح هنا وسط الآلام تهيئ النفس للفرح الأبدي حيث لا ضيق ولا ألم بل فرح دائم ووليمة عرس لا تنقطع.


ب. لننعم بالوليمة السماوية:

يقدم لنا العريس جسده خبزًا يفرح النفس ودمه خمرًا يبهجها... وخلال هذا السرِّ العجيب يثبت فينا ونحن فيه فنُحسب موضع سرور الآب، ويرضى عن كل أعمالنا.
* يقول سليمان مشيرًا إلى تلك النعمة، في سفر الجامعة: "تعال كُل خبزك بفرح"، بالطبع الخبز الروحي "تعال" هي دعوة مفرحة إلى الخلاص والبركة.
"واشرب خمرك بقلب طيب (بنفس مسرورة)"، أي الخمر الروحية.
"واسكب الدهن على رأسك". ها أنت ترى كيف يُشير إلى المسحة السرية.
"ولتكن ثيابك بيضاء في كل حين، لأن الله قد رضيَ عن أعمالك" [7-8]. أما الآن، وقد خلعت ثيابك القديمة ولبست البياض الروحي، يجب عليك أن تظل دائمًا ثيابك بيضاء. لا أُريد القول أنه يجب أن تلبس دائمًا ثيابًا بيضاء، بل يجب أن تكون مرتديًا النقاوة الحقة والبهاء الروحي. لكي يمكنك القول مع الطوباوي إشعياء: "تبتهج نفسي بإلهي، لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص، كساني رداء البهجة" (إش 61: 10).
القديس كيرلس الأورشليمي
والعجيب إذ يقدم لنا السيِّد المسيح جسده ودمه المبذولين طعامًا مفرحًا يهيئنا للعرس الأبدي باتحادنا معه يدعوهما "خبزك" و"خمرك". لقد صار في ملكيتنا، فيُحسبان
خبزنا وخمرنا، بل وفي علاقة شخصية حميمة بكونه خبزي وخمري أنا!
كلما تمتعنا بخدمة الأفخارستيا (القداس الإلهي) ندرك أننا إنما ننال عربون العرس الأبدي والوليمة السماوية، نشعر بتهليل قلبي داخلي وشوق الله ورضاه عنا في المسيح يسوع عريس نفوسنا. نلبس مسيحنا كثوب برّ ينزع عُرينا ويزيل تقصيرنا، وننعم ببهائه علينا.
لنهتم أن نرتدي ثوب العرس هنا فلا نُحرم من وليمة العرس والاتحاد مع عريسنا.
* كثيرًا ما امتدحت العذارى والأرامل والمتزوجات اللواتي حفظن ثيابهن دائمًا بيضاء، اللواتي يتبعن الحمل أينما ذهب.
* أُخبرنا أن العريس يأكل وسط السوسن، أي بين الذين لم يلطخوا ثيابهم، لأنهم بقوا عذارى (روحيًا)، واصغوا إلى قول الجامعة: "لتكن ثيابك في كل حين بيضاء".
* الذي ليس عليه ثوب العُرس ولم يحفظ تلك الوصية: "لتكن ثيابك في كل حين بيضاء" هو مغلول اليدين والقدمين، فلا يعرف كيف يتكئ عند المائدة أو يجلس على عرشٍ أو يقف على يمين الله، بل يُطرح في جهنم حيث العويل وصرير الأسنان.
القديس جيروم
ج. الدفء العائلي عربون الحب السماوي:

الإنسان الروحي يرى في حياته العائلية المقدسة صورة حيَّة للعائلة السماوية، ما يمارسه من حب عائلي يمتد في السماء كحب أبدي...
"اِلتَذّ عيشًا مع المرأة التي أحببتها كل أيام حياة باطلك التي أعطاك إيَّاها تحت الشمس كل أيام باطلك،
لأن ذلك نصيبك في الحياة وفي تعبك الذي تتعبه تحت الشمس" [9].
يليق بالمؤمن المتزوج أن يمارس حياته الزوجية بحب مخلص، حاسبًا زواجه عطية إلهية...

حقًا إن الحياة التي يعيشها قليلة وزائلة حتى أن الذين يتزوجون كأنهم لا يتزوجون، لكنها عطية الله يعيشها الإنسان ليسمع الصوت القائل: "كنت أمينًا في القليل فأقيمك على الكثير" (مت 25: 21، 23؛ لو 19: 17)... حياته القصيرة هي نصيبه من عند الرب، تحمل متاعب كثيرة لأنها حياة "تحت الشمس"، لكن أمانته فيها ترفعه إلى حياة عُرس دائم فوق الشمس، لا يجد فيها تعبًا.
د. العمل بجدية في غير رخاوة:

"كلّ ما تجده يدك لتفعله فافعله بقوتك، لأنه ليس من عمل ولا اختراع ولا معرفة ولا حكمة في الهاوية التي أنت ذاهب إليها" [10].
مادمنا لم نرحل بعد إلى القبر (ربما قصد بالهاوية القبر) يليق بنا أن نجاهد بجدية بكل قوتنا لكي ننعم بالمعرفة الروحية والحكمة السماوية، ونتأهل للعرس السماوي. لنحمل الصليب هنا فننعم بوليمة القيامة الدائمة.
* طريق الرب صليب يومي، ما من أحد يصعد إلى السماء في يُسرٍ (راحة)، لأننا نعلم إلى أين يقود طريق الراحة وإلى أين ينتهي.
مار إسحق السرياني
* النعمة دائمًا مستعدة! إنها تطلب الذين يقبلونها بكل ترحيب. هكذا إذ يرى سيِّدنا نفسًا ساهرة وملتهبة حبًا، يسكب عليها غناه بفيض وغزارة فوق كل طلبته.
* تأكد أنه يستحيل أن يبذل إنسان كل جهده ليخلص، ويفعل كل ما في قدرته، ويتركه الله.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* إن كنت تحزن (مجاهدًا) في طلبه فإنك ستبتهج بوجوده!
* من ينشط ويطلب يجد، ومن يكسل يثبت في العمى، في الظلمة الخارجية مع أهل الشمال أمثاله.
* اعمل باجتهاد وأنت ترى شجرة الحياة قد أينعت في وسط فردوسك.
القديس يوحنا سابا
4. لا نفع للعمل بدون النعمة:

11 فَعُدْتُ وَرَأَيْتُ تَحْتَ الشَّمْسِ: أَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ لِلْخَفِيفِ، وَلاَ الْحَرْبَ لِلأَقْوِيَاءِ، وَلاَ الْخُبْزَ لِلْحُكَمَاءِ، وَلاَ الْغِنَى لِلْفُهَمَاءِ، وَلاَ النِّعْمَةَ لِذَوِي الْمَعْرِفَةِ، لأَنَهُ الْوَقْتُ وَالْعَرَضُ يُلاَقِيَانِهِمْ كَافَّةً.

إذ يدعونا الجامعة للجهاد اليومي للتهيئة للعرس الأبدي يؤكد أنه لا نفع لجهادنا ما لم يعمل الله فينا.
"فعدت ورأيت تحت الشمس أن السعي ليس للخفيف، ولا الحرب للأقوياء، ولا الخبز للحكماء، ولا الغنى للفهماء، ولا النعمة لذوي المعرفة، لأنه الوقت والعرَض يلقيانهم كافة" [11].
هكذا إن نال إنسان نجاحًا في ركوضه يتكل على الله لا على خفة جسده، وفي صراعه ضد الخطية يعتمد على نعمة الله لا على قوته وبره، وفي نجاحه في حياته العملية لا ينال خبزه بحكمته البشرية بل بعناية الله به، وما يتمتع به من غنى لا يستند على فهمه الخاص بل على بركة الرب، وما لديه من نعمة في أعين الناس لا يرجع إلى معرفته وعلمه... فقد هرب جيش بأكمله أمام يوناثان وغلامه (1صم 14: 12-15). كما قيل: "رجل واحد منكم يطرد ألفًا لأن الرب إلهكم هو المحارب عنكم" (يش 23: 10). الله هو سرّ نجاحنا وغلبتنا وشبعنا وغنانا وحكمتنا.
* مهما سارعتم في الركض، ومهما أكثرتم من الصراع، فإنكم تحتاجون إلى من يهبكم الإكليل. وإن لم يبنِ الرب البيت فباطلًا يتعب البناؤون، وإن لم يحرس الرب المدينة فباطلًا يسهر حراسها. وهو يقول إنني أعلم أن السباق ليس لرشيق الحركة، ولا المعركة للقوي، ولا النصرة للمقاتلين، ولا مواني الأمان للجنود الباسلين، بل لله النصرة، وله بلوغ بر الأمان.
القديس غريغوريوس النزينزي
* الإنسان الذي يرتاب أن الله معينة في العمل الصالح يكون كَمَنْ يهرب من ظله، وهو يُكابد في زمن الرفاهية والغنى ويُجرب في وقت الراحة، ويحل به الضيق! أما مَنْ يضع ثقته في الله فهو ثابت القلب، ويُعلن استحقاقه لكل البشر، ويصير مدحه أمام وجه أعدائه.
* لا يستطيع إنسان أن ينال معرفة روحية ما لم يتغير ويصير كطفل صغير.
مار إسحق السرياني
* لا نقدر أن نجري في طريق الله ما لم نُحمل على أجنحة الروح.
* ليس أقوى من الذي يتمتع بالعون السماوي، كما أنه ليس أضعف من الذي يُحرم منه.
القديس يوحنا الذهبي الفم
إذ يدعونا الجامعة إلى الجهاد المتكئ على نعمة الله المجانية، يؤكد لنا ضرورة استعدادنا في أية لحظة، لأننا لا نعرف الأوقات والأزمنة، إذ يقول: "الوقت والعرَض يلقيانهم كافة" أو "الآونة والأحداث تفاجئهم بغتة" [11].


5. كن مستعدًا بالحكمة:

12 لأَنَّ الإِنْسَانَ أَيْضًا لاَ يَعْرِفُ وَقْتَهُ. كَالأَسْمَاكِ الَّتِي تُؤْخَذُ بِشَبَكَةٍ مُهْلِكَةٍ، وَكَالْعَصَافِيرِ الَّتِي تُؤْخَذُ بِالشَّرَكِ، كَذلِكَ تُقْتَنَصُ بَنُو الْبَشَرِ فِي وَقْتِ شَرّ، إِذْ يَقَعُ عَلَيْهِمْ بَغْتَةً. 13 هذِهِ الْحِكْمَةُ رَأَيْتُهَا أَيْضًا تَحْتَ الشَّمْسِ، وَهِيَ عَظِيمَةٌ عِنْدِي: 14 مَدِينَةٌ صَغِيرَةٌ فِيهَا أُنَاسٌ قَلِيلُونَ، فَجَاءَ عَلَيْهَا مَلِكٌ عَظِيمٌ وَحَاصَرَهَا وَبَنَى عَلَيْهَا أَبْرَاجًا عَظِيمَةً. 15 وَوُجِدَ فِيهَا رَجُلٌ مِسْكِينٌ حَكِيمٌ، فَنَجَّى هُوَ الْمَدِينَةَ بِحِكْمَتِهِ. وَمَا أَحَدٌ ذَكَرَ ذلِكَ الرَّجُلَ الْمِسْكِينَ! 16 فَقُلْتُ: «الْحِكْمَةُ خَيْرٌ مِنَ الْقُوَّةِ». أَمَّا حِكْمَةُ الْمِسْكِينِ فَمُحْتَقَرَةٌ، وَكَلاَمُهُ لاَ يُسْمَعُ. 17 كَلِمَاتُ الْحُكَمَاءِ تُسْمَعُ فِي الْهُدُوءِ، أَكْثَرَ مِنْ صُرَاخِ الْمُتَسَلِّطِ بَيْنَ الْجُهَّالِ. 18 اَلْحِكْمَةُ خَيْرٌ مِنْ أَدَوَاتِ الْحَرْبِ. أَمَّا خَاطِئٌ وَاحِدٌ فَيُفْسِدُ خَيْرًا جَزِيلًا.

لا يعرف الإنسان ما قد يفاجئه به الزمن، فإنه كالسمكة التي قد تفرح بطعام يُقدم لها فتجد نفسها في شبكة، وكالعصفور الذي يجد نفسه مُقتنصًا في فخ [12]. إننا لا نعرف ما ينتظرنا من متاعب وما يقدمه لنا اليوم... قد تُطلب نفوسنا، وقد تحمل تجربة ما، وقد ننعم بالفرج!
سلاحنا أمام الزمن بكل ما يحمله من مسرات ومتاعب هو الحكمة الحقيقية: "هذه الحكمة رأيتها أيضًا تحت الشمس وهي عظيمة عندي" [13]. يقصد هنا الحكمة التي تُمكّن إنسانًا محبًا لوطنه وللبشرية - على حساب راحته الشخصية - فيُنجي مدينته من خطر داهم، من جيش يُحاصرها... وفي هذا لا يطلب كلمة مديح!
"مدينة صغيرة فيها الناس قليلون، فجاء عليها ملك عظيم وحاصرها وبنى عليها أبراجًا عظيمة.
ووُجد فيها رجل مسكين حكيم، فنجى هو المدينة بحكمته.
وما أحد ذكر ذلك الرجل المسكين" [14-15].
ما هذه المدينة إلاَّ الإنسان الذي يحمل طاقات وإمكانيات للنفس والجسد، من عواطف وأحاسيس وعقل ومواهب إلخ... أنه أشبه بمدينة صغيرة فيها الناس قليلون، وإبليس هو أشبه بملك عظيم يُحاصرها، فمع ما لإبليس من إمكانيات جبَّارة لكنه يطمع في الإنسان، يريد أن يغتصبه من يدّ الله ليضمه إلى مملكته، ويُسخّره لحسابه، يهينه ويعذبه كمن ينتقم منه. يبني عليه أبراجًا لتخريبه، إذ يود أن يؤسس مملكته فيه، ويجعل منه أرض معركة ضد الخير... أمام هذا الجبروت يخاف الإنسان ويرتجف، تارة من أجل مكسب مادي، وأخرى لأجل الكبرياء، وثالثة كنوع من الاستسلام إلخ... أما الرجل المسكين الحكيم الذي يُنجي المدينة بحكمته فهو السيِّد المسيح الذي أخلى ذاته وحمل طبيعتنا، وقدَّم لنا صليبه حتى يُعلن أن ضعفه أقوى من القوة، وفقره أغنى من كل غنى‍! ومع هذا ليس من يذكي هذا الرجل، إذ تخلى الكل عنه عند الصليب... صار في عار الصليب خارج المحلة! جاء إلى خاصته، وخاصته لم تقبله.
إذن لنقتن مسيحنا "الحكمة" الحقيقية، إذ قيل: "فقلت الحكمة خير من القوة". إبليس قوي، والخطية خاطئة جدًا، لكن حكمة المسيح تغلبهما. غير أنه يجب أن نميز بين الحكمة السماوية البنّاءة وبين الارتباك بفلسفات العالم إن تعارضت مع الحياة الإيمانية
يقول القديس باسيليوس الكبير:
[لقد أضعت وقتًا وافرًا في الباطل، وقضيت معظم صباي في العمل الفارغ الذي عكفت عليه أتلقّن تعليم حكمة حمَّقها الله (1 كو 1: 20) إلى أن آتي يوم، وكأنيّ أفقت فيه من سبات عميق، فنظرت إلى نور الحقيقة الساطع في الإنجيل ورأيت بطلان حكمة عظماء هذا الدهر، الآيلين إلى الزوال (1 كو 2: 6). ومن ثم بكيتُ حياتي التعسة].
إن كان إبليس بأعمال شره وبالموت هو أشبه بصرخات شخص قوي متسلط بين الجهال لكن هدوء المسيح الحكيم أعظم... جاء لا يصيح ولا يسمع أحد صوته، فإذا به يُحطم صرخات العدو العنيفة، واهبًا إيَّانا ذات روحه لكي نغلب بالحكمة الهادئة.
"كلمات الحكماء تُسمع في الهدوء أكثر من صراخ المتسلط بين الجهال، الحكمة خير من أدوات الحرب" [17-18].
لنتحد بالسيِّد المسيح واهب النصرة ضد إبليس المتسلط، ولنخفف أيضًا من صداقة الأشرار لئلاَّ يُفسدوا شركتنا مع السيِّد المسيح. "أمَّا خاطئ واحد فيُفسد خيرًا جزيلًا" [18].

الحذر حتى من الصغائر

في الأصحاح التاسع يحدثنا الجامعة عن غنى عمل الله في حياتنا، ويدعونا إلى الارتباط بالحكمة الإلهية التي هي أعظم من القوة، وفي نفس الوقت يحذرنا من الصداقات الشريرة، لئلاَّ نفقد الحكمة الحقيقية، فتتسلل إلينا الخطية ونخسر كل عمل روحي، فإن إنسانًا واحدًا يفسد خيرًا جزيلًا (جا 9: 19). وفي الأصحاح العاشر يُحذرنا حتى من الصغائر:

1. تحذير من الجهالة القليلة:

1 اَلذُّبَابُ الْمَيِّتُ يُنَتِّنُ وَيُخَمِّرُ طِيبَ الْعَطَّارِ. جَهَالَةٌ قَلِيلَةٌ أَثْقَلُ مِنَ الْحِكْمَةِ وَمِنَ الْكَرَامَةِ. 2 قَلْبُ الْحَكِيمِ عَنْ يَمِينِهِ، وَقَلْبُ الْجَاهِلِ عَنْ يَسَارِهِ. 3 أَيْضًا إِذَا مَشَى الْجَاهِلُ فِي الطَّرِيقِ يَنْقُصُ فَهْمُهُ، وَيَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ: إِنَّهُ جَاهِلٌ.

"الذباب الميت ينتن ويخمّر طيب العطار.
جهالة قليلة أثقل من الحكمة ومن الكرامة" [1].
يبذل العطار كل الجهد ليقدم طيبًا ثمينًا، لكن إن سقط فيه ذباب صغير ينتن ويختمر ويفسد كل التعب والمواد التي استخدمها، هكذا كل تهاون مع الجهالة مهما بدت تافهة يُحطم ما ناله الإنسان الروحي من حكمة وكرامة روحية خلال جهاد شاق.
* إذ يضطرب البائس بسبب الذباب يصير هو نفسه ذبابة، ملكًا للشيطان. قيل إن "بعلزبوب" في الحقيقة تعني "أمير الذباب" أو "ملك الذباب" [من يتعبد له يصير ذبابة].
القديس أغسطينوس
* أحذرْ توافه الأمور لئلا تقع في عظائمها. لا تتكاسل في عملك، لئلا تخزى حينما تتواجد وسط رفقائك.
مار إسحق السرياني
الحياة في المسيح يسوع ربنا، أو الحياة الروحية الحكيمة هي عطر يفيح ليملأ البيت كله برائحة المسيح الذكية، غير أن الاستهانة بما نظنه صغائر تافهة يفسد حياتنا، ويجعلنا أشبه بالذباب، لهذا يكشف لنا الجامعة عن خط دفاع روحي، قائلًا:
"قلب الحكيم عن يمينه،
وقلب الجاهل عن يساره" [2].
الأول يضع قلبه في الصلاح أو في ملكوت الله لينعم بيمين الله، أما الثاني فتُمتص كل طاقاته في الشر، في ملكوت الظلمة، فيكون نصيبه من أهل اليسار. بمعنى آخر يُقصد باليمين الاهتمام بالسماويات بينما يُقصد باليسار الارتباك بالزمنيات.
"أيضًا إذا مشى الجاهل في الطريق ينقص فهمه،
ويقول لكل واحدٍ إنه جاهل" [3].
يمارس الجاهل جهله عمليًا طول الطريق، وفي كل فرصة، وأينما وُجد، دون رادع... وبغير مناسبة "يقول لكل واحدٍ إنه جاهل"، معلنًا جهله دون خجل أو حياء... كأن الجهل يصير طبيعته التي لا يقدر أن يخفيها.
الجاهل بلا حكمة سماوية، لا تزيده الأيام حكمة بل يفقد مع الزمن حتى الفهم الطبيعي، "لأن كل من له يُعطى فيزداد، ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه" (مت 25: 29).
2. تحذير من مواجهة الظلم بالعنف:

4 إِنْ صَعِدَتْ عَلَيْكَ رُوحُ الْمُتَسَلِّطِ، فَلاَ تَتْرُكْ مَكَانَكَ، لأَنَّ الْهُدُوءَ يُسَكِّنُ خَطَايَا عَظِيمَةً. 5 يُوجَدُ شَرٌّ رَأَيْتُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ، كَسَهْوٍ صَادِرٍ مِنْ قِبَلِ الْمُتَسَلِّطِ: 6 الْجَهَالَةُ جُعِلَتْ فِي مَعَالِيَ كَثِيرَةٍ، وَالأَغْنِيَاءُ يَجْلِسُونَ فِي السَّافِلِ. 7 قَدْ رَأَيْتُ عَبِيدًا عَلَى الْخَيْلِ، وَرُؤَسَاءَ مَاشِينَ عَلَى الأَرْضِ كَالْعَبِيدِ. 8 مَنْ يَحْفُرْ هُوَّةً يَقَعُ فِيهَا، وَمَنْ يَنْقُضْ جِدَارًا تَلْدَغْهُ حَيَّةٌ. 9 مَنْ يَقْلَعْ حِجَارَةً يُوجَعْ بِهَا. مَنْ يُشَقِّقُ حَطَبًا يَكُونُ فِي خَطَرٍ مِنْهُ. 10 إِنْ كَلَّ الْحَدِيدُ وَلَمْ يُسَنِّنْ هُوَ حَدَّهُ، فَلْيَزِدِ الْقُوَّةَ. أَمَّا الْحِكْمَةُ فَنَافِعَةٌ لِلإِنْجَاحِ.

يرى البعض أن سليمان الحكيم هنا يرشد الرعية للسلوك بروح الخضوع لأصحاب السلطة، ربما لأن بعض الأغنياء قد ثاروا عليه بسبب تزايد الضرائب لكثرة مشروعاته، وقد هددوا بالعصيان والتمرد.
أ. لا يليق التشاحن مع الرؤساء:

"إن صعدت عليك روح المتسلط فلا تترك مكانك،
لأن الهدوء يُسكَن خطايا كثيرة" [4].
إن غضب عليك الوالي أو الملك بسبب وشاية بلغته لا تترك مكانك، أي لا تتخلى عن دورك الوطني. كن هادئًا. ولا تثر ضده بل انتظر في هدوء، تمارس العمل الإيجابي فتكسبه لك ولغيرك!
يعتبر سليمان الحكيم أنه أمر شديد يحدث تحت الشمس أن يحتل الأردياء بعض المراكز القيادية بينما يُترك الحكماء والفهماء والمخلصون في الخلف. يحتل بعض الجهال المراكز العليا والمناصب الرفيعة بينما يُترك الحكماء في مراكز وضيعة. رأى عبيدًا يركبون الخيل ورؤساء يسيرون على الأقدام كالعبيد [7]، بمعنى أن عديمي العلم والخبرة احتلوا مراكز قيادية، يسيرون في مظاهر العظمة والأُبهة، بينما ذوو الكفاءات النادرة محتقرين.
هذا كله رآه سليمان الحكيم "تحت الشمس" [5]، حيث كثيرًا ما يسود الظلم والفوضى حياة البشر عبر العصور، أما في الحياة الأخرى حيث لا حاجة للشمس (رؤ 21: 23) فيسود العدل والحب والقداسة!
يرى القديس جيرومأن روح المتسلط هنا [4] تُشير إلى إبليس الذي لا يكف عن مهاجمة أولاد الله، هؤلاء الذين بروح السيِّد المسيح الهادئ يحطمون خططه وشباكه، ويغلقون أبواب قلوبهم في وجهه، محطمين تسلطه وعنفه.
* لماذا توصد أبواب قلبك في وجه العريس؟ افتحها للمسيح واغلقها أمام الشيطان كالقول: "إذا ثار عليك روح المتسلط فلا تترك مكانك".
القديس جيروم
كما يتحدث عن روح المتسلط كرمز للخطية التي يجب مواجهتها بروح المسيح الهادئ.
* لنعد أولًا إلى النص المُقتبس: "إذا ثار عليك روح المتسلط فلا تترك مكانك". هذه العبارة يليها الكلمات التالية: "فإن هدوءك يهدئ من خطايا عظيمة، بمعنى إذا وجدَت الحيَّة طريقها إلى أفكارك يلزمك أن تحفظ قلبك بكل اجتهاد، مرنمًا مع داود: "من الخطايا المستترة طهرني، احفظ عبدك من الآثام المُسلَّم بارتكابها"، وهكذا لا تنزلق إلى التعدي الشديد أي السقوط في الخطية بالفعل.
القديس جيروم
ب. لا تخف من الظلم:

يقدم سليمان الحكيم نصيحة مشتركة للظالمين من أصحاب السلطان وللرعية، مطالبًا الظالم أن يكف عن ظلمه لأن ما يمارسونه ضد الغير إنما يحل به، ويُهدئ من روع المظلومين الذين يجب أن يلتزموا حدودهم ليس استسلامًا وضعفًا، وإنما إيمانًا بعدل الله الذي يسمح لمن يملأ كأسًا لإخوته يشرب هو منها: "من يحفر هُوّة يقع فيها؛ ومن ينقض جدارًا تلدغه حيَّة" [8].
أعدَّ هامان صليبًا لمردخاي فصُلب هو عليه (أس 7: 10)، واخترع Guillotine "المقصلة" التي حملت اسمه فأُعدم بها... أما ما هو أعظم، فإن الصليب الذي ظن به إبليس أنه يُحطم السيِّد المسيح ويمحو اسمه، إذا به يُحطِّم قوى الشيطان ويبدد سلطانه على المؤمنين.
من ينقض جدارًا يحتمي به مؤمن، يُلدغ بحية مختفية فيه، إذ غالبًا ما تأوي الحيات في الخِرَبْ القديمة أو شق قديم. بمعنى آخر من يهتم بهدم أسوار الآخرين عوض العمل البنّاء في حياته أو في حياة الغير، تلدغه حيَّة الحسد والبغضة فيموت ويهلك أبديًا.
* من يبدد أمان الآخرين يسقط بلدغة الحيَّة.
القدِّيس غريغوريوس الصانع العجائب
يُكمل الجامعة حديثه قائلًا:
"من يقلع حجارة يُوجع بها،
من يشقق حطبًا يكون في خطر منه.
إن كَلَّ الحديد ولم يُسنن هو حدَّه فليزد القوة" [9-10].
من يقلع حجارة بقصد إسقاط مبنى يسقط حجرًا على رأسه ويتألم، عندئذ يندم على ما فعله، متمنيًا لو أنه ترك الحجارة في المبنى دون خَلْعِها من المبنى.
لعله بهذا يقصد أن الذي يقاوم أصحاب السلطة بقصد الإصلاح وذلك بالنقد اللاذع، فإنه وهو يزعزع الآخرين يخسر هو الكثير.
وأيضًا من يُشقق حطبًا بآلة حديدية غير حادة، فإنه يضطر إلى الضرب بقوة فيتعرَّض لأن تطير رأس الآلة وتصيبه.
في كل الأمثلة السابقة يؤكد الجامعة أن إصلاح الرؤساء لا يتحقق بالعنف والنقد اللاذع وإنما بروح الوداعة والحب مع الاتكال على عمل الله والإيمان بعدالته... هذه هي الحكمة التي يقول عنها: "أما الحكمة فنافعة للإنجاح" [10]، أي بالحكمة الهادئة ينجح إرشادنا لأصحاب السلطة ولحياتنا نحن. تُحطم الحكمة كبرياء الظالم وتهب ممارسيها إمكانية العمل بروح الطاعة المخلصة.
3. تحذير من اللسان الخبيث:

11 إِنْ لَدَغَتِ الْحَيَّةُ بِلاَ رُقْيَةٍ، فَلاَ مَنْفَعَةَ لِلرَّاقِي. 12 كَلِمَاتُ فَمِ الْحَكِيمِ نِعْمَةٌ، وَشَفَتَا الْجَاهِلِ تَبْتَلِعَانِهِ. 13 اِبْتِدَاءُ كَلاَمِ فَمِهِ جَهَالَةٌ، وَآخِرُ فَمِهِ جُنُونٌ رَدِيءٌ. 14 وَالْجَاهِلُ يُكَثِّرُ الْكَلاَمَ. لاَ يَعْلَمُ إِنْسَانٌ مَا يَكُونُ. وَ مَاذَا يَصِيرُ بَعْدَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ؟ 15 تَعَبُ الْجُهَلاَءِ يُعْيِيهِمْ، لأَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ كَيْفَ يَذْهَبُ إِلَى الْمَدِينَةِ.

إذ طالب أصحاب السلطة والمرؤوسين بروح الحكمة الهادئة التي تعطي نجاحًا للطرفين، يُترجم الجامعة هذه الحكمة عمليًا بالتحذير من اللسان الخبيث كما من لدغات الحيَّة القاتلة، مطالبًا إيَّانا أن تكون لشفاهنا مِسْحة النعمة حتى لا ننطق بجهالة.
"إن لدغت الحيَّة بلا رِقية فلا منفعة للراقي (فذو اللسان الخبيث لا يفعل خيرًا منها)" [11].
إن كان الثائر كالحيَّة يلدغ فلنَرْقِه بالوداعة والحب الحكيم قبل أن يلدغنا، كما فعل يعقوب حين قدم بروح الاتضاع هدية لعيسو (تك 32: 13-21)، وكما فعلت أبيجايل مع داود في ثورته ضد نابال رجلها (1 صم 25: 18-35).
يواجه الحكيم ثورة الآخرين بروح الوداعة والنعمة، أما الجاهل فيدفعه فمه إلى الجهالة والجنون... يكثر الكلام دون إدراك لعواقب الأمور [14] فيسقط في الإعياء، أي تخور قوته، ويفقد قدرته على معرفة الطريق الذي يدخل به إلى المدينة. بمعنى آخر الكلمات العنيفة تفقد الإنسان الحكمة حتى الطبيعية والقوة والمعرفة، ويبقى كمن هو خارج مدينة الله!
إلى يومنا هذا اعتاد بعض سكان القرى أن يدعو أحد المتخصصين في إخراج الحيَّات من جحورها، فإنهم إذا ما رأوا حيَّة تدخل جحرًا يستدعونه، فيُغنى ويضرب على المزمار أو الطبلة حتى تخرج الحيَّة وترقص على نغمات الغناء ثم يقوم بخلع أسنانها... عندئذ تعجز عن أن تلدغ طفلًا صغيرًا (مز 58: 4-5). هكذا إن رَقَيْتَ العنيف بكل الحكمة المملوءة عذوبة، بروح الخضوع الصادق في الرب، تُحطم أنياب شرّه قبلما يقتلك. أما إن تركته يلدغك فلا ينفع الرقي بعد أن يسري سمه في جسمك.
يرى الأب موسى في مناظراته مع القديس يوحنا كاسيان أن الرقي هنا هو الاعتراف بالخطايا وكشفها، فإنه يحطم قوة إبليس الحيَّة وينزع عنا سم الخطية القاتل. يقول: [إن لدغة الحيَّة بدون وجود راقٍ خطيرة، أي أن الخطورة في ألا يُكشف أي اقتراح أو تفكير نابع عن الشيطان أمام الراقي بالاعتراف. إنني أقصد بالراقي جماعة الروحانيين الذين يعرفون كيف يعالجون الجراحات بكلمات الكتاب المقدس، ويجذبون سم الأفعى المميت من القلب].
* إذا لدغت الحيَّة -الشيطان- إنسانًا ما سرًا فإنها تصيب ذلك الشخص بسُم الخطية. وإذا ظل المُصاب صامتًا ولم يتب ولم يرد أن يعترف بجرحه لأخيه ولسيِّده، فإن أخاه وسيِّده اللذين لديهما علاجه لا يقدران أن يساعداه جيدًا، لأنه إن كان المريض يخجل من الاعتراف بجرحه للطبيب فإن الدواء لا يبرئه...
القديس جيروم

يقارن سليمان الحكيم بين كلمات الحكيم وكلمات الجاهل هكذا:
أ. كلمات الحكيم تكشف عمَّا في قلبه من نعمة الحب والهدوء والحكمة، أما كلمات الجاهل فتكشف عن فساد قلبه، لذا تعرضه للهزء والسخرية بل والهلاك: "كلمات فم الحكيم نعمة، وشفتا الجاهل تبتلعانه" [12]. يقول السيِّد المسيح: "لأنك بكلامك تتبرر وبكلامك تُدان" (مت 12: 37)، ويقول المرتل: "ويُوقعون ألسنتهم على أنفسهم" (مز 64: 8). وكما قال سليمان عن أدونيا الذي طلب امرأة أبيه زوجة له: "قد تكلم أدونيا بهذا الكلام ضد نفسه" (1 مل 2: 32).
ب. يبدأ الجاهل كلماته بالكشف عن جهالة قلبه بكونه ينبوعه الشرير، وكنزه الفاسد الذي يُخْرِجُ حماقة، يتفجر هذا الينبوع تدريجيًا خلال تهور الجاهل في كلماته حتى يخرج مقذوفات نارية وتحوله إلى حالة تقترب من الجنون، فلا يقدر أحد أن يضبط لسانه أو يسيطر على كلماته: "ابتداء كلام فمه جهالة، وآخر فمه جنون رديء" [13].
ج. يُكرر الجاهل كلماته البطالة، ويظن أنه بهذا يغلب، لكنه في الواقع يخسر الموقعة أثناء حياته وحتى بعد مماته، إذ تبقى آثار كلماته الشريرة تلاحقه حتى بعد الموت. "والجاهل يكثر الكلام؛ لا يعلم إنسان ما يكون، وماذا يصير بعده ومن يخبره" [14].
د. إذ يتكلم الجاهل بثورة ودون توقف لا يخسر المعركة فقط -أي يفقد حقه- وإنما يسقط في الإعياء بسبب تعبه النفسي وشعوره بالفشل والظلم: "تعب الجهلاء يعيبهم" [15].
ه. يختم الجامعة حديثه هنا بقوله عن الجاهل المتكبر في حماقته: "لأنه لا يعلم كيف يذهب إلى المدينة" [15]، أي يفقد قدرته حتى عن إدراك كيف يدخل المدينة، وهو أمر لا يجهله إنسان.
ويقول الأب إبراهيم في مناظرته مع القديس يوحنا كاسيان: [وهكذا إذ يضلون الطريق السماوي الملكي، يعجزون عن الوصول إلى المدينة التي وُجهت إليها نظراتنا. وقد عبر عنها سفر الجامعة بصورة رمزية قائلًا عنها أنها أورشليم... بمعنى أنها أورشليم العليا التي هيأمنا جميعًا (غلا 4: 26).
4. تحذير من عدم النضوج:

"وَيْلٌ لَكِ أَيَّتُهَا الأَرْضُ إِذَا كَانَ مَلِكُكِ وَلَدًا، وَرُؤَسَاؤُكِ يَأْكُلُونَ فِي الصَّبَاحِ.
طُوبَى لَكِ أَيَّتُهَا الأَرْضُ إِذَا كَانَ مَلِكُكِ ابْنَ شُرَفَاءَ،
وَرُؤَسَاؤُكِ يَأْكُلُونَ فِي الْوَقْتِ لِلْقُوَّةِ لاَ لِلسُّكْرِ" [16-17].

لنحذر لئلا يكون ملكنا "إنساننا الداخلي" ولدًا، أي غير ناضج في الحكمة السماوية، ويهتم بالملذات الزمنية كالأكل في الصباح عوض العمل الجاد، وينسى أنه شريف (ابن لله وهيكل للروح القدس)، وأن يستخدم العالم للعمل بقوة لا للذة والسكر بالزمنيات.
ما هي هذه الأرض إلاَّ جسدنا الذي يسقط تحت الويل واللعنة إن سكنته نفس غير حكيمة ولا ناضجة، تطلب حياة اللهو والتسيب، فينبت لنا جسدنا شوك الخطية وحسك الدنس، ولا يصلح لشيء... يُريد أن يأكل ويشرب ويلهو بلا نظام أو هدف. وهو بعينه إن تقدس مع النفس التي تتمتع بكرامة المسيح، وتُحسب ملكة (رؤ 1: 6)، تعرف كيف تُجاهد، تحول الجسد إلى جنة الله الحاملة ثمر الروح.
يرى القديس أغسطينوس أن الأرض الأولى تُشير إلى مدينة إبليس والأخرى مدينة الله، إذ يقول:
[أظن أن الأجْدَر بنا اقتباس ما في هذا السفر مما له علاقة بالمدينتين، واحدة للشيطان والأخرى مدينة المسيح، وما يخص ملكيهما: "الشيطان والمسيح".]
يقول الجامعة: "ويل لكِ أيتها الأرض إذا كان ملكك ولدًا، ورؤساؤك يأكلون في الصباح"، "طوبى لكِ أيتها الأرض إذا كان ملكك ابن شرفاء، ورؤساؤك يأكلون في الوقت لنوال القوة لا للسكر (الفوضى)".
يدعو الشيطان ولدًا بسبب حماقته وكبريائه واندفاعه وغياب حنكته في التدبير وباقي الرذائل التي يشتهر بها هذا السن؛ لكن المسيح هو ابن الشرفاء - الأحرار - أي البطاركة (الآباء) القدِّيسين الذين ينتمون إلى المدينة الحرة، إذ وُلد منهم حسب الجسد. يأكل رؤساء المدن الأخرى في الصباح، أي قبل الموعد المناسب، لأنهم لا يتوقعون السرور الذي يحل في موعده الحقيقي وحده، أي في الدهر الآتي، مشتهين أن يصيروا سعداء بسرعة وذلك بصَيْت هذا العالم الحاضر، أما رؤساء مدينة المسيح فبصبر ينتظرون زمان البركة التي لا تضمحل.
القديس أغسطينوس
5. تحذير من الكسل:

"بِالْكَسَلِ الْكَثِيرِ يَهْبِطُ (يتفكك) السَّقْفُ، وَبِتَدَلِّي الْيَدَيْنِ يَكِفُ الْبَيْتُ. لِلْضَّحِكِ يَعْمَلُونَ وَلِيمَةً،
وَالْخَمْرُ تُفَرِّحُ الْعَيْشَ (الأحياء)،
أَمَّا الْفِضَّةُ فَتُحَصِّلُ الْكُلَّ." [18-19].

بالكسل والإهمال يميل الإنسان إلى الراحة غير مهتم حتى بعناية بيته، فقد يحل الاتلاف بالسقف وينخر السوس أخشابه، ويبقى الإنسان في كسله حتى يهبط السقف ولا يجد له مأوى. ويُشير السقف إلى البناء الروحي الحيّ، إذ صعد بطرس على السطح يُصلي فرأي رؤيا سماوية (أع 10: 9-16). بالكسل ننحدر من السطح حيث الرؤيا السماوية إلى الانشغال بالتراب.
يحثنا مار إسحق السرياني على ترك الكسل والجهاد في السهر، قائلًا: [النفس التي تمارس أعمال السهر وتتفوق فيها لها في إرادتها عينا الشاروبيم، بهما ترى في كل الأوقات الرؤى السماوية وتدنو إليها].
بالكسل تفقد اليدان قدرتهما على العمل فتتدليا في رخاوة.
بالكسل يكف البيت أي يتشقق وينهار... إنه منظر مؤلم أن يرى الإنسان سقف بيته ينهار فيقف مكتوف الأيدي، لا يتحرك لإصلاحه، حتى ينهار البيت كله!
بالمفهوم الروحي بالكسل يفقد الإنسان الرؤيا الروحية السماوية لأن سقف نفسه يتفكك، وتعجز يداه عن العمل الروحي، وينهار إنسانه الداخلي.
بينما يُفقد الكسل الإنسان قدرته على العمل الجاد البنّاء، وحتى ليشعر أن كل ما فيه منهار، وأنه في حالة عجز تام، إذا به في حياة اللهو نشيط للغاية. يُقم ولائم للضحك ويقضي حياته في السكر، قائلًا بأن لديه فضة كثيرة، يستطيع أن يحصل بها على كل ما يشتهيه. بهذا لا يستطيع أن يختبر كلمات معلمنا بطرس الرسول: "سيروا زمان غربتكم بخوف، عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تُفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح" (1 بط 1: 18-19).
6. تحذير من سبّ الآخرين:

"لاَ تَسُبَّ الْمَلِكَ وَلاَ فِي فِكْرِكَ،
وَلاَ تَسُبَّ الْغَنِيَّ فِي مَضْجَعِكَ،
لأَنَّ طَيْرَ السَّمَاءِ يَنْقُلُ الصَّوْتَ، وَذُو الْجَنَاحِ يُخْبِرُ بِالأَمْرِ." [20].

كل خطية تبدأ في الفكر، لذا يلزم مطاردتها في البداية... فلا يليق بنا كمخلصين لله أن نسبّ أحدًا، خاصة أصحاب السلطة... ولندرك أن ما نفعله خفية يفتضح علانية. ربما عني بطير السماء الجواسيس والواشين! لنكن أمناء في أعماقنا فلا نخاف أحدًا. وكما يقول الرسول بولس: "أفتُريد أن لا تخاف السلطان؟ افعل الصلاح فيكون لك مدح منه" (رو 13: 3).
ليكن داخلنا مثل خارجنا نقيًا، لا يهين أحدًا، فنمتلئ من سلام الله الفائق.
بهذا إذ يدعونا سليمان الحكيم للحكمة الصادقة يُحذرنا من الجانب السلبي من السقوط فيما ندعوه صغائر أو خطايا تافهة، ويحثنا ألا نواجه ظلم المسئولين بالعنف واثقين في عمل الله معنا ومعهم ورعايته واهتمامه بنا، كما حذرنا من اللسان الخبيث كما من الجنون، وطالبنا ألا نعيش كملوك أولاد بل كملوك أشراف وحكماء في الرب، ويسألنا ألاَّ نسلك في رخاوة وكسل، وأخيرًا ألا نسب أحدًا حتى في قلوبنا الخفية.



 
قديم 23 - 01 - 2025, 02:19 PM   رقم المشاركة : ( 184677 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






يا ايها الاب القدير والابن والروح دع الكنيسة تنير بالحق تلوح
حتى يسود المفتدي كل الورى للابد من اجل ذا يا سيدي ها انا ارسلني

بنار روحك العلي ليلتهب قلبي كي انشر النور الجلي بشارة الحب
لوكلهم خافوا الخصيم او دفع ثمن جسيم فالموت لي ربح عظيم ها انا ارسلني

يا ايها الرب الحبيب املا حياتي الان كي اعكس الحب العجيب على مدى الزمان
مرددا ترنيمتي ربي محا خطيتي قال لدى الجلجثة ها انا ارسلني





 
قديم 23 - 01 - 2025, 02:19 PM   رقم المشاركة : ( 184678 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






يا ايها الرب الحبيب املا حياتي الان كي اعكس الحب العجيب على مدى الزمان
 
قديم 23 - 01 - 2025, 02:20 PM   رقم المشاركة : ( 184679 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






بنار روحك العلي ليلتهب قلبي كي انشر النور الجلي بشارة الحب
 
قديم 23 - 01 - 2025, 02:21 PM   رقم المشاركة : ( 184680 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






مرددا ترنيمتي ربي محا خطيتي
قال لدى الجلجثة ها انا ارسلني
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 09:08 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025