27 - 12 - 2024, 04:33 PM | رقم المشاركة : ( 182131 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
رَاعُوثُ الْمُوآبِيَّةُ «حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ وَحَيْثُمَا بِتِّ أَبِيتُ. شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلهُكِ إِلهِي. حَيْثُمَا مُتِّ أَمُوتُ وَهُنَاكَ أَنْدَفِنُ ... إِنَّمَا الْمَوْتُ يَفْصِلُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ» (راظ،: ظ،ظ¦، ظ،ظ§) هذه الكلمة - التي في صدر المقال - نطقت بها أرملة شابة تُدعى رَاعُوث. وهي كلمات تعبِّر عن الالتزام والمسؤولية. وإذا دققنا النظر فيها، نجدها تتضمن أمرين: (ظ،) الإيمان بشخص، أو مبدأ. (ظ¢) الأفعال الدالة على هذا الإيمان. لم ترتبك رَاعُوث بالعقبات التي تحول بينها وبين مغادرتها لوطنها الأم، أرض مُوآب، لتصحب حماتها رجوعًا إلى إسرائيل. لقد غمر الإيمان بإله إسرائيل نفسها. فلم تتوانَ ولم تبالِ بما قد يحدث. فهي مُوآبيَّة ـ أي من خلفية ملعونة. وهي أرملة شابة ترافق حماة مُرّة النفس. وسلفتها قد رجعت إلى أرضها وشعبها، ولكنها لم تعتبر شيئًا من هذه العقبات في سبيل الالتجاء إلى الرب إله إسرائيل، الذي جاءت تحتمي تحت ظل جناحيه. لم تكتفِ راعوث بالكلام عن مغادرة مُوآب، بل لقد هجرتها بالفعل. ولم تستطيع عقبة ما أن تمنعها، أو تؤخرها. لقد كان تصميمها استجابة لنعمة الله الغنية. والآن لاحظ هذه الاختيارات المتضمنة في كلماتها لنُعمي: (ظ،) اختارت طريقًا: «حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ»: لا تيهان بعد في دروب مُوآب لهذه الابنة المتبناة لإسرائيل. لقد عرفت قدماها طريق بيت لحم يهوذا؛ بيت الخبز والشبع. (ظ¢) اختارت مكانًا: «حَيْثُمَا بِتِّ أَبِيتُ»: لا يهم إن كان كوخًا أو في خيمة أو في قصر. لقد تحركت بإيمان سما فوق المنظور، فلم تعبأ بالمكان المادي والراحة الجسدية. (ظ£) اختارت شعبًا: « شَعْبُكِ شَعْبِي » لن تعود مُوآبية ملعونة. لقد صارت فردًا في شعب إسرائيل الله الحقيقي. |
||||
27 - 12 - 2024, 04:35 PM | رقم المشاركة : ( 182132 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
«حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ وَحَيْثُمَا بِتِّ أَبِيتُ. شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلهُكِ إِلهِي. حَيْثُمَا مُتِّ أَمُوتُ وَهُنَاكَ أَنْدَفِنُ ... إِنَّمَا الْمَوْتُ يَفْصِلُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ» (راظ،: ظ،ظ¦، ظ،ظ§) هذه الكلمة نطقت بها أرملة شابة تُدعى رَاعُوث. وهي كلمات تعبِّر عن الالتزام والمسؤولية. وإذا دققنا النظر فيها، نجدها تتضمن أمرين: (ظ،) الإيمان بشخص، أو مبدأ. (ظ¢) الأفعال الدالة على هذا الإيمان. لم ترتبك رَاعُوث بالعقبات التي تحول بينها وبين مغادرتها لوطنها الأم، أرض مُوآب، لتصحب حماتها رجوعًا إلى إسرائيل. لقد غمر الإيمان بإله إسرائيل نفسها. فلم تتوانَ ولم تبالِ بما قد يحدث. فهي مُوآبيَّة ـ أي من خلفية ملعونة. وهي أرملة شابة ترافق حماة مُرّة النفس. وسلفتها قد رجعت إلى أرضها وشعبها، ولكنها لم تعتبر شيئًا من هذه العقبات في سبيل الالتجاء إلى الرب إله إسرائيل، الذي جاءت تحتمي تحت ظل جناحيه. لم تكتفِ راعوث بالكلام عن مغادرة مُوآب، بل لقد هجرتها بالفعل. ولم تستطيع عقبة ما أن تمنعها، أو تؤخرها. لقد كان تصميمها استجابة لنعمة الله الغنية. |
||||
27 - 12 - 2024, 04:35 PM | رقم المشاركة : ( 182133 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الاختيارات المتضمنة في كلماتها لنُعمي: (ظ،) اختارت طريقًا: «حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ»: لا تيهان بعد في دروب مُوآب لهذه الابنة المتبناة لإسرائيل. لقد عرفت قدماها طريق بيت لحم يهوذا؛ بيت الخبز والشبع. (ظ¢) اختارت مكانًا: «حَيْثُمَا بِتِّ أَبِيتُ»: لا يهم إن كان كوخًا أو في خيمة أو في قصر. لقد تحركت بإيمان سما فوق المنظور، فلم تعبأ بالمكان المادي والراحة الجسدية. (ظ£) اختارت شعبًا: « شَعْبُكِ شَعْبِي » لن تعود مُوآبية ملعونة. لقد صارت فردًا في شعب إسرائيل الله الحقيقي. |
||||
27 - 12 - 2024, 04:39 PM | رقم المشاركة : ( 182134 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بقيت أنا وحدي لم تكن حالة نفسية طيبة تلك التي رفع فيها إيليا شكواه المُرّة ضد بني إسرائيل قائلاً: «قَدْ غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا» (ظ،ملظ،ظ©: ظ،ظ*). فأساسًا، يقدم لنا إيليا مثالاً مُتميّزًا للشهادة الأمينة لله في اليوم الشرير. ففي وسط حالة الضلال العامة وقف بشجاعة في صف الرب، ولم يهمه عدد من يساندونه في موقفه، سواء قليل أو كثير. ولا يشك أحد أن غيرته على اسم الرب، كانت غيرة صادقة، وأنه تمسك بها بكل قوته في وجه كل المقاومات. ولكن في الوقت الذي رفع فيه شكواه عند ”حوريب“، كان قد انشغل بشكل غير مقبول بنفسه وبشهادته، واعتبر نفسه المحارب الوحيد الذي انقلبت ضده كل الظروف. وفى ذلك الموقف وضع إيليا الله في مكان خطأ في رؤياه. فإيليا يبدو كأنه العامل العظيم الذي لا غنى عنه، وحياته في ذلك الوقت في خطر، فما هو مصير الشهادة إذًا؟ لقد كان يرى في فكره أن كل الشهادة الأمينة قد انتهت في إسرائيل، وأن الشيطان أصبح سيد الموقف. كم هو مؤلم أن تركز قلوبنا المُتعبة على توكيد الذات، وأفضل خدام الله وأكثرهم أمانة ليسوا مُحصنين ضد هذا الفخ. صحيح أن الله يستطيع أن يحفظ الإنسان الوحيد، وأن يجعله قوة للشهادة في المشهد المظلم، كما في حالة إبراهيم «لأَنِّي دَعَوْتُهُ وَهُوَ وَاحِدٌ وَبَارَكْتُهُ وَأَكْثَرْتُهُ» (إشظ¥ظ،: ظ¢). وصحيح أيضًا أنه يستطيع أن يقوي الضعيف ليصنع منه ”داود“ (زكظ،ظ¢: ظ¨)، ولكن لا يجوز أن يعتبر الشاهد نفسه، الوحيد الذي لا غنى عنه، وأن كارثة ستحل إذا اختفى من المشهد. والجماعات مُعرَّضة أن تقع في هذا الخطأ مثلها مثل الأفراد. فإذا سعت جماعة من المؤمنين، كبيرة أو صغيرة، إلى إعادة مبادئ الحق التي تناثرت، فإن غيرتهم وطاعتهم ستتحول بلا شك إلى شهادة أمينة، وسيستندون بلا شك على الله لكي يحفظهم ويباركهم. ولكن إذا تحول انشغالهم إلى أنفسهم كشهود، وأعطوا شهادتهم للآخرين أهمية في عيونهم عن حالتهم الروحية، فإن الله يسحب مساندته لهم، ويسلمهم للفشل والعار. أ ليست هذه الحقيقة واضحة بشكل مؤلم للكثير منا؟ لقد أدى انشغال إيليا بنفسه إلى امتلائه بمشاعر قاسية تجاه شعب الله الضال حوله. «أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ فِي إِيلِيَّا؟ كَيْفَ يَتَوَسَّلُ إِلَى اللهِ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ» (روظ،ظ،: ظ¢)؛ «يَتَوَسَّلُ ... ضِدَّ إِسْرَائِيلَ»! مادحًا نفسه، ومسيئًا إلى شعب الله! هل يليق هذا بشاهد أمين لله؟ وهل بكلماته هذه يعكس مشاعر قلب الله، وطول أناته على شعبه، وعدم رفضه لهم بالرغم من ضلالهم وخطاياهم؟ لقد تكلم موسى بطريقة مغايرة تمامًا، ولذلك من المشجع أن نستمع إلى توسله المؤثر إلى الله من أجل إسرائيل بعد عبادتهم للعجل الذهبي (خرظ£ظ¢، ظ£ظ£). ومع أنه كان يشعر بالجرم العظيم الذي ارتكبوه في حق الرب، لكن لم تخرج من فمه في حضرة الله كلمة ردية عنهم، بل على العكس، أصر على تذكير الرب أنهم شعبه، بالرغم من جرمهم الشنيع، وأن مجد اسمه مرتبط ببركتهم. وكان مُستعدًا أن يمحو الله اسمه من الكتاب الذي كتبه، بدلاً من أن يرفضهم. فلننتبه إلى هذا المبدأ جيدًا، لأننا أحوج ما نكون إليه اليوم. إن انتفاخ الذات، وانشغالنا بأمانتنا نحن في الشهادة، يُولد مشاعر خطيرة في قلوبنا تجاه شعب الله حولنا، وتجعلنا لا نصلح أن نتوسل إلى الله من أجلهم. وهل يدهشنا أيضًا، إذا أثمرت مشاعرنا غير اللائقة تعليقات الناس الساخرة: «صَحِيحٌ إِنَّكُمْ أَنْتُمْ شَعْبٌ (الشَعْب)، وَمَعَكُمْ تَمُوتُ الْحِكْمَةُ!» (أيظ،ظ¢: ظ¢)؟ وفى حالة إيليا كان لشكواه نتائج مختلفة تمامًا عما كان يتوقع. فلنمر سريعًا على الدروس التي تعلمها من الريح العظيمة والزلزلة، والنار، والصوت المنخفض الخفيف (اللطيف)، ونتأمل قليلاً في الكلمات التي قالها الرب له: «اذْهَبْ رَاجِعًا فِي طَرِيقِكَ إِلَى بَرِّيَّةِ دِمِشْقَ، وَادْخُلْ وَامْسَحْ حَزَائِيلَ مَلِكًا عَلَى أَرَامَ، وَامْسَحْ يَاهُوَ بْنَ نِمْشِي مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَامْسَحْ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ مِنْ آبَلَ مَحُولَةَ نَبِيًّا عِوَضًا عَنْكَ. فَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ حَزَائِيلَ يَقْتُلُهُ يَاهُو، وَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ يَاهُو يَقْتُلُهُ أَلِيشَعُ. وَقَدْ أَبْقَيْتُ فِي إِسْرَائِيلَ سَبْعَةَ آلاَفٍ، كُلَّ الرُّكَبِ الَّتِي لَمْ تَجْثُ لِلْبَعْلِ وَكُلَّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلْهُ» (ظ،ملظ،ظ©: ظ،ظ¥-ظ،ظ¨). هل كان إيليا يريد لشعب الله أن يَطهُر من خطاياه؟ كان عليه هو نفسه أن يمسح من سينفذون قضاء الله؛ وهو عمل مؤلم بالتأكيد لشخص أحب الشعب فعلاً. هل كان يعتبر نفسه الشاهد الذي لا غنى عنه؟ إذا يجب أن يذهب ويمسح من سيخلفه: ”أليشع بن شافاط”. هل اعتبر نفسه الشخص الأمين الوحيد الذي تبقى على الأرض؟ إذًا يجب أن يعرف خطأه، ويسمع إعلان الله المُذهل أنه أبقى لنفسه سبعة آلاف قلب مخلص له بين شعب إسرائيل! دروس خطيرة هذه، وما أسعدنا إذا تعلمناها بحق. فتعظيمنا لأهمية أنفسنا في الشهادة، يؤدي إلى الاستغناء عنا كشهود كلية، وأن يأخذ آخرون مكاننا. ألا نرى هذا يحدث للأسف؟ ألا نسمع البعض يقول نحن الشهود الأمناء، نحن كنيسة فيلادلفيا، كل ما عدانا تقريبًا هو في كنيسة لاودكية. والنتيجة المحزنة هي أننا عندما نبحث عن عمل روح الله الخاص، لا نجده في الذين يمدحون أنفسهم هكذا، بل بين الآخرين الذين لديهم معرفة أقل بكلمة الله كحروف. وهي نتيجة حتمية لسماحنا لأنفسنا للتعدي على مكانة الله في عقولنا وقلوبنا «وَأَمَّا: مَنِ افْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ. لأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ مَدَحَ نَفْسَهُ هُوَ الْمُزَكَّى، بَلْ مَنْ يَمْدَحُهُ الرَّبُّ» (ظ¢كوظ،ظ*: ظ،ظ§، ظ،ظ¨). وكم يُفرح القلب أنه حتى في أحلك الأوقات يحتفظ الله بسبعة آلاف قلب مُخلِص له. وحتى إذا لم يُظهروا بجرأة انفصالهم العلني عن الشر - كما كنا نتمنى - إلا أنه مِن المفرح لنا أن نعرف أنهم يئنون ويتألمون لخطايا عصرهم، ويسعون أن تظل محبتهم خالصة تجاه الله وتجاهنا «عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ، فَسَيَمْشُونَ مَعِي فِي ثِيَابٍ بِيضٍ لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ» (رؤظ£: ظ¤). |
||||
27 - 12 - 2024, 04:40 PM | رقم المشاركة : ( 182135 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يقدم لنا إيليا مثالاً مُتميّزًا للشهادة الأمينة لله في اليوم الشرير. ففي وسط حالة الضلال العامة وقف بشجاعة في صف الرب، ولم يهمه عدد من يساندونه في موقفه، سواء قليل أو كثير. ولا يشك أحد أن غيرته على اسم الرب، كانت غيرة صادقة، وأنه تمسك بها بكل قوته في وجه كل المقاومات. ولكن في الوقت الذي رفع فيه شكواه عند ”حوريب“، كان قد انشغل بشكل غير مقبول بنفسه وبشهادته، واعتبر نفسه المحارب الوحيد الذي انقلبت ضده كل الظروف. وفى ذلك الموقف وضع إيليا الله في مكان خطأ في رؤياه. فإيليا يبدو كأنه العامل العظيم الذي لا غنى عنه، وحياته في ذلك الوقت في خطر، فما هو مصير الشهادة إذًا؟ لقد كان يرى في فكره أن كل الشهادة الأمينة قد انتهت في إسرائيل، وأن الشيطان أصبح سيد الموقف. كم هو مؤلم أن تركز قلوبنا المُتعبة على توكيد الذات، وأفضل خدام الله وأكثرهم أمانة ليسوا مُحصنين ضد هذا الفخ. صحيح أن الله يستطيع أن يحفظ الإنسان الوحيد، وأن يجعله قوة للشهادة في المشهد المظلم، كما في حالة إبراهيم «لأَنِّي دَعَوْتُهُ وَهُوَ وَاحِدٌ وَبَارَكْتُهُ وَأَكْثَرْتُهُ» (إشظ¥ظ،: ظ¢). وصحيح أيضًا أنه يستطيع أن يقوي الضعيف ليصنع منه ”داود“ (زكظ،ظ¢: ظ¨)، ولكن لا يجوز أن يعتبر الشاهد نفسه، الوحيد الذي لا غنى عنه، وأن كارثة ستحل إذا اختفى من المشهد. والجماعات مُعرَّضة أن تقع في هذا الخطأ مثلها مثل الأفراد. فإذا سعت جماعة من المؤمنين، كبيرة أو صغيرة، إلى إعادة مبادئ الحق التي تناثرت، فإن غيرتهم وطاعتهم ستتحول بلا شك إلى شهادة أمينة، وسيستندون بلا شك على الله لكي يحفظهم ويباركهم. ولكن إذا تحول انشغالهم إلى أنفسهم كشهود، وأعطوا شهادتهم للآخرين أهمية في عيونهم عن حالتهم الروحية، فإن الله يسحب مساندته لهم، ويسلمهم للفشل والعار. أ ليست هذه الحقيقة واضحة بشكل مؤلم للكثير منا؟ |
||||
27 - 12 - 2024, 04:40 PM | رقم المشاركة : ( 182136 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أدى انشغال إيليا بنفسه إلى امتلائه بمشاعر قاسية تجاه شعب الله الضال حوله. «أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ فِي إِيلِيَّا؟ كَيْفَ يَتَوَسَّلُ إِلَى اللهِ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ» (روظ،ظ،: ظ¢)؛ «يَتَوَسَّلُ ... ضِدَّ إِسْرَائِيلَ»! مادحًا نفسه، ومسيئًا إلى شعب الله! هل يليق هذا بشاهد أمين لله؟ وهل بكلماته هذه يعكس مشاعر قلب الله، وطول أناته على شعبه، وعدم رفضه لهم بالرغم من ضلالهم وخطاياهم؟ لقد تكلم موسى بطريقة مغايرة تمامًا، ولذلك من المشجع أن نستمع إلى توسله المؤثر إلى الله من أجل إسرائيل بعد عبادتهم للعجل الذهبي (خرظ£ظ¢، ظ£ظ£). ومع أنه كان يشعر بالجرم العظيم الذي ارتكبوه في حق الرب، لكن لم تخرج من فمه في حضرة الله كلمة ردية عنهم، بل على العكس، أصر على تذكير الرب أنهم شعبه، بالرغم من جرمهم الشنيع، وأن مجد اسمه مرتبط ببركتهم. وكان مُستعدًا أن يمحو الله اسمه من الكتاب الذي كتبه، بدلاً من أن يرفضهم. فلننتبه إلى هذا المبدأ جيدًا، لأننا أحوج ما نكون إليه اليوم. إن انتفاخ الذات، وانشغالنا بأمانتنا نحن في الشهادة، يُولد مشاعر خطيرة في قلوبنا تجاه شعب الله حولنا، وتجعلنا لا نصلح أن نتوسل إلى الله من أجلهم. وهل يدهشنا أيضًا، إذا أثمرت مشاعرنا غير اللائقة تعليقات الناس الساخرة: «صَحِيحٌ إِنَّكُمْ أَنْتُمْ شَعْبٌ (الشَعْب)، وَمَعَكُمْ تَمُوتُ الْحِكْمَةُ!» (أيظ،ظ¢: ظ¢)؟ |
||||
27 - 12 - 2024, 04:41 PM | رقم المشاركة : ( 182137 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حالة إيليا كان لشكواه نتائج مختلفة تمامًا عما كان يتوقع. فلنمر سريعًا على الدروس التي تعلمها من الريح العظيمة والزلزلة، والنار، والصوت المنخفض الخفيف (اللطيف)، ونتأمل قليلاً في الكلمات التي قالها الرب له: «اذْهَبْ رَاجِعًا فِي طَرِيقِكَ إِلَى بَرِّيَّةِ دِمِشْقَ، وَادْخُلْ وَامْسَحْ حَزَائِيلَ مَلِكًا عَلَى أَرَامَ، وَامْسَحْ يَاهُوَ بْنَ نِمْشِي مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَامْسَحْ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ مِنْ آبَلَ مَحُولَةَ نَبِيًّا عِوَضًا عَنْكَ. فَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ حَزَائِيلَ يَقْتُلُهُ يَاهُو، وَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ يَاهُو يَقْتُلُهُ أَلِيشَعُ. وَقَدْ أَبْقَيْتُ فِي إِسْرَائِيلَ سَبْعَةَ آلاَفٍ، كُلَّ الرُّكَبِ الَّتِي لَمْ تَجْثُ لِلْبَعْلِ وَكُلَّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلْهُ» (ظ،ملظ،ظ©: ظ،ظ¥-ظ،ظ¨). هل كان إيليا يريد لشعب الله أن يَطهُر من خطاياه؟ كان عليه هو نفسه أن يمسح من سينفذون قضاء الله؛ وهو عمل مؤلم بالتأكيد لشخص أحب الشعب فعلاً. هل كان يعتبر نفسه الشاهد الذي لا غنى عنه؟ إذا يجب أن يذهب ويمسح من سيخلفه: ”أليشع بن شافاط”. هل اعتبر نفسه الشخص الأمين الوحيد الذي تبقى على الأرض؟ إذًا يجب أن يعرف خطأه، ويسمع إعلان الله المُذهل أنه أبقى لنفسه سبعة آلاف قلب مخلص له بين شعب إسرائيل! دروس خطيرة هذه، وما أسعدنا إذا تعلمناها بحق. فتعظيمنا لأهمية أنفسنا في الشهادة، يؤدي إلى الاستغناء عنا كشهود كلية، وأن يأخذ آخرون مكاننا. ألا نرى هذا يحدث للأسف؟ ألا نسمع البعض يقول نحن الشهود الأمناء، نحن كنيسة فيلادلفيا، كل ما عدانا تقريبًا هو في كنيسة لاودكية. والنتيجة المحزنة هي أننا عندما نبحث عن عمل روح الله الخاص، لا نجده في الذين يمدحون أنفسهم هكذا، بل بين الآخرين الذين لديهم معرفة أقل بكلمة الله كحروف. وهي نتيجة حتمية لسماحنا لأنفسنا للتعدي على مكانة الله في عقولنا وقلوبنا «وَأَمَّا: مَنِ افْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ. لأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ مَدَحَ نَفْسَهُ هُوَ الْمُزَكَّى، بَلْ مَنْ يَمْدَحُهُ الرَّبُّ» (ظ¢كوظ،ظ*: ظ،ظ§، ظ،ظ¨). وكم يُفرح القلب أنه حتى في أحلك الأوقات يحتفظ الله بسبعة آلاف قلب مُخلِص له. وحتى إذا لم يُظهروا بجرأة انفصالهم العلني عن الشر - كما كنا نتمنى - إلا أنه مِن المفرح لنا أن نعرف أنهم يئنون ويتألمون لخطايا عصرهم، ويسعون أن تظل محبتهم خالصة تجاه الله وتجاهنا «عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ، فَسَيَمْشُونَ مَعِي فِي ثِيَابٍ بِيضٍ لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ» (رؤظ£: ظ¤). |
||||
27 - 12 - 2024, 04:44 PM | رقم المشاركة : ( 182138 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سفير الملك المُنكر لذاته فيما عدا الرب يسوع، ربما يكون يوحنا المعمدان هو الشخصية الوحيدة - في العهد الجديد - التي تنبأ عن خدمته نبيَّان من أنبياء العهد القديم: الأول هو إشعياء، والآخر هو ملاخي. وكان ملاخي آخر صوت نبوي قبل فترة من الصمت من جانب الله، امتدت زهاء ظ¤ظ*ظ* سنة من الصمت الإلهي وقد سبق وأشار ملاخي إلى يوحنا المعمدان، في كلماته الختامية في ملاخي ظ£: ظ،؛ ظ¤: ظ¥، ظ¦. وقد اقتبس الملاك جبرائيل كلمات من الفقرة الأخيرة المُشار إليها، ليُعلِم زكريا الكاهن بشأن ولادة ابنه المُرتقبة (لوظ،: ظ،ظ¥-ظ،ظ§). وزكريا نفسه وصف هذا الابن وخدمته، مُستخدما كلمات كل من ملاخي وإشعياء (لوظ،: ظ§ظ¦، ظ§ظ§؛ ملاظ£: ظ،؛ إشظ¤ظ*: ظ£). الولادة الفريدة: ليس فقط أن خدمة يوحنا سبق وأنبأ عنها العهد القديم، بل كان ميلاده أيضًا معجزيًا. نعم، لم يكن مولودًا من عذراء، فقد كانت أليصابات متزوجة من زكريا لسنوات عديدة، ولكن ولادته اتبعت نمط ولادات أخرى، غير معتادة وهامة: إسحاق، شمشون، صموئيل، جاءت متأخرة في زيجات بلا أطفال، بترتيب خاص من الله، لأغراض خاصة. زار جبرائيل زكريا أثناء خدمته في الهيكل، وفاجأه بالإعلان أنه سيرزق بابن. تذبذب إيمان زكريا، وتساءل متشككًا بشأن هذا الخبر، فضُرِبَ بالخرس إلى وقت ولادة يوحنا. وعندما تحققت هذه النبوة، كانت أولى كلمات زكريا عبارة عن كلام نبوي بشأن حياة وعمل يوحنا، فضلاً عن وصول المسيا الموعود به (لوظ،: ظ¥-ظ¢ظ¢، ظ¦ظ§-ظ§ظ©). بينما تتحدث الأناجيل الأربعة عن يوحنا المعمدان، تُستَهَل ثلاثة منها بذكره: خدمته كمُبشر بمجيء المسيا (مرظ،: ظ،-ظ¨) ، وعائلته وولادته المعجزية (لوظ،: ظ¥-ظ¢ظ¤) ، وشهادته كصوت صارخ في البرية: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!» (يوظ،: ظ،ظ©-ظ£ظ¤). النبي المتواضع: من نافلة القول إن يوحنا المعمدان كان مختلفًا عن بني عصره: كان يعيش في البرية، وكان «لِبَاسُهُ مِنْ وَبَرِ الإِبِلِ، وَعَلَى حَقْوَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ جِلْدٍ. وَكَانَ طَعَامُهُ جَرَادًا وَعَسَلاً بَرِّيًّا» (متظ£: ظ،-ظ¦). لقد كان - بعد كل شيء - نبيًا. وكان الأنبياء عادة أشخاصًا يعيشون حياة مُختلفة. وكان نمط حياتهم - بحسب ثقافة ذلك الزمان، وفي عيون معاصريهم - يتسم بغرابة الأطوار. وهذا أمر لائق بأصوات تدوي مُعلنة تحذيرًا صارمًا خطيرًا، لضمير مجتمعي متبلد روحيًا. كان يوحنا المعمدان على مثال إيليا النبي (يوظ،: ظ¢ظ،)، لكنه لم يكن تناسخًا أو إعادة تجسيد لنبي العهد القديم هذا. قال جبرائيل لزكريا إن يوحنا كان مُزمعًا أن يأتي «بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ» (لوظ،: ظ،ظ§)، أي روح الله وقوته؛ ذات الروح، وذات القوة، ولكن رسول جديد. ولقد أنكر يوحنا أنه كان إيليا (يوظ،: ظ¢ظ،). ولقد حيَّر ذلك السامعين، حيث أن الرب يسوع دعا يوحنا مرتين: «هذَا هُوَ إِيلِيَّا الْمُزْمِعُ أَنْ يَأْتِيَ» (متظ،ظ،: ظ،ظ¤؛ ظ،ظ§: ظ،ظ*-ظ،ظ£). ولكن كان هذا في تمام الموافقة مع شخصية المعمدان المتضعة، التي تأبى أن تلعب دورًا لافتًا للأنظار. كان مُدركًا للضجة التي سيُثيرها إذا ادعى أنه إيليا ، أحد أبرز وأشهر أنبياء شعب الرب. وقد لمع تواضع المعمدان في مواضع مختلفة. مثلاً في يوحنا ظ£: ظ¢ظ¥-ظ£ظ*، حيث رأى تلاميذه، وآخرون، أن ثمة منافسة عتيدة أن تقوم بين الرب يسوع ويوحنا، من جهة أن كليهما كان يُعمد تلاميذ. رفض يوحنا فكرة المقارنة أو المنافسة قائلاً قولته المشهورة: «يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ (الرب يسوع) يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ» (يو ظ£، ظ¢ظ¢، ظ£ظ*). ولكن يوحنا قبِل بملء السرور أن يضطلع بالدور الذي رسمته له نبوة إشعياء، مُستخدمًا كلمات إشعياء، فأجاب المُرسَلين إليه من قِبَل قادة اليهود: «أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: قَوِّمُوا طَرِيقَ الرَّبِّ» (يوظ،: ظ¢ظ£؛ إشظ¤ظ*: ظ£). كان صوتًا له غرض وحيد: أن يُعلن صاحب المجد الحقيقي، المسيا الموعود. بل إنه أعلن على الملأ أنه ليس مُستحقًا حتى لأدنى خدمة للشخص الذي يتكلَّم عنه، فقال: «هُوَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي، الَّذِي صَارَ قُدَّامِي، الَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ» (يوظ،: ظ¢ظ§؛ لوظ£: ظ،ظ¦). لا يخشى المواجهة: على النقيض من تواضعه، كان أسلوب يوحنا في المواجهة ذا طابع تصادمي، ولم يكن لمنافس مهما بلغت شهرته أن يقهره! وهذا لم يكن من أجل كسب الشهرة أو الشعبية! وها حياته البسيطة تُعبِّر عن دعوته ورسالته. هوذا يدعو الفريسيين والصدوقيين الذين أتوا إلى معموديته ”يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي“ (متظ£: ظ§). وكانت تلك إهانة لاذعة، ولكنها مُرتبطة بالتحدي التالي الذي كان ينتظر يوحنا؛ فقوله لهم: ”يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي“، متصل بتحذيره: «مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَب الآتِي؟»؛ فالأفاعي تفر من جحورها قبل نشوب الحرائق في الْمُرُوج (متظ£: ظ§؛ لوظ£: ظ§). بيد أن المُخلِصين من الشعب، أتوا إلى المعمدان، مُتجاوبين مع حق لله في إرسالية يوحنا. فسلوكه المُتضع زكَّاه لديهم، تمامًا كما كان الحال مع الرب يسوع في بساطته وتواضعه وقُربه من كل مَن يطلبه بإخلاص. ولا يمكننا أن نكون شهودًا ورسلاً أفضل مما كنا عليه عندما نقتدي بيسوع. ويقول يوحنا البشير بشأن يوحنا المعمدان: «هذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ، لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ» (يوظ،: ظ§). يا له من سجل مُحزن عن حالة شعب الله الذي جاء يوحنا. كان ظلامهم الروحي حالكًا، حتى إنهم احتاجوا أن يأتي شاهد ليُشير لهم إلى النور! في عالم الطبيعة، لا يُمكن تصوّر أن نورًا ساطعًا في الظلام، بحاجة لأن يلفت أحد الانتباه إليه. إرسالية هادفة مُركزة: بلغت أيام يوحنا ذروتها حين تمّم دعوته بالإعلان: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!». بيد أنه في اليوم التالي، ارتقى إلى ذروة أعلى، عندما أشار مُجدَّدًا إلى ”حَمَل اللهِ“. فتركه اثنان من تلاميذه ليتبعا الرب يسوع (يوظ،: ظ¢ظ©، ظ£ظ¥-ظ£ظ§). وهنا برزت مناسبة جديدة، تستدعي روح المنافسة أو الغيرة: لقد تركه اثنان من تلاميذه ليتبعا الرب يسوع. ولكن يوحنا لم يأبه، ولم يعترض، بل تمَّم إرساليته في حمل الشَّهادة للنُّورِ «لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ» (يوظ،: ظ§). وهكذا قال: «مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ، وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذًا فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ» (يوظ£: ظ¢ظ©). كان انتباه يوحنا، وطاقاته، مُركزة بلا تردد على إرساليته لِلشَّهَادَةِ لِلنُّورِ، فارتفع فوق كل حيرة وارتباك. كان فرحه - باعتباره ”أَعْظَم الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ“ (لوظ§: ظ¢ظ¨) - هو أن يشهد لمجد ورفعة ربه؛ العريس، ويلفت انتباه كل أحد إليه. لم يكن لديه وقت لأجندة شخصية تخدم مصالحه الذاتية. ويا له من درس لنا! ويبدو أن يوحنا لم يكن يعرف أن قريبه، يسوع، حتى جاء إليه ليعتمد. كان يوحنا قد بقى إلى تلك اللحظة أمينًا لدعوته، واستمر يُبشر ويُعمِد، بصبر وانتظار. ولم يُدرك حقيقة هوية يسوع، إلا عند معموديته، ورؤية الروح القدس نازلاً ومُستقرًا عليه، وهذه كانت العلامة المُعطاة له. واسمعه يقول لسائليه: «أَنَا أُعَمِّدُ بِمَاءٍ، وَلكِنْ فِي وَسْطِكُمْ قَائِمٌ الَّذِي لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ. هُوَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي، الَّذِي صَارَ قُدَّامِي، الَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ ... وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ: هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ! هذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: يَأْتِي بَعْدِي، رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ. لكِنْ لِيُظْهَرَ لإِسْرَائِيلَ لِذلِكَ جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالْمَاءِ. وَشَهِدَ يُوحَنَّا قَائلاً: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ، ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرًّا عَلَيْهِ، فَهذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللهِ» (يوظ،: ظ¢ظ¦-ظ£ظ¤). قريب يسوع: ربما يكون يوحنا عرف الرب يسوع باعتباره أحد أقربائه. أُماهما كانتا ابنتي عمومة، قريبتين من بعضهما. إذًا يُحتمل أن يكون الصبيان تعارفا خلال فترة النشأة. إلا أن الرب يسوع تربى في الناصرة، بينما يوحنا - وهو ابن كاهن خادم في الهيكل - نشأ في اليهودية. وهكذا لم يكونا لصيقين أو جارين. وواضح من الآيات عالية، أن يوحنا لم يكن يعرف أن يسوع هو المسيا، إلى حين لحظة المعمودية. ولكن يبدو أنه كان لديه بعض المعرف، بواسطة الروح القدس، بحقيقة هوية يسوع الحقيقية. وقد بدا ذلك في قوله للرب: «أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ!» (متظ£: ظ،ظ¤). لقد كانت معرفته بيسوع كافية لأن يُدرك أنه إنسان قدُّوسٌ، لا يحتاج إلى توبة. كما أدرك تفوق يسوع الروحي، كما يُفهم من قوله: : «أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ». وعندما أجاب يسوع وقال: «اسْمَحِ الآنَ، لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ»، خضع يوحنا وعمَّده «فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً:« هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (متظ£: ظ،ظ£-ظ،ظ§). سواء كان ليوحنا لمحة مُسبقة أن يسوع هو المسيا، أو لا، إلا أنه انتظر ظهور العلامة المُعطاة له كاملة، للتعرف على ابن الله. وفي هذا درس مفيد لنا. قد يكون لدينا بعض الفهم لقيادة الله، ولكن علينا الانتظار لتأكيد الله، ودعمه من خلال كلمته. نحن كثيرًا ما ننساق وراء أول إشارة، دون الانتظار الأحرى للإعلان الواضح. لقد بقي المعمدان أمينًا لدعوته الأولى: أن يُعِّمد بالماء (يوظ،: ظ£ظ£)، رغم أنه - على الأرجح - لم يكن يعرف أن من خلال هذه المعمودية، سيُستَعلَن المسيا. لقد ظل يقظًا منتظرًا ظهور العلامة المُعطاة له، وعندما لاحت، أمسك بها. مات شهيدًا: انتهى مسار خدمة يوحنا عندما أثار غضب هيرودس، بتحديه وتوبيخه إزاء علاقته النجسة بزوجة أخيه. وباعتباره ملك على اليهود، كان ينبغي أن هيرودس يلتزم بناموس موسى الأدبي والأخلاقي. لكنه وضع يوحنا في السجن، وبذلك أنهى خدمته العلانية. هيرودس نفسه يمثل دراسة مثيرة للاهتمام: لقد أراد أن يقتل يوحنا، ولكنه «خَافَ مِنَ الشَّعْبِ، لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِثْلَ نَبِيٍّ» (متظ،ظ¤: ظ¥). وفي إنجيل مرقس يقول: «لأَنَّ هِيرُودُسَ كَانَ يَهَابُ يُوحَنَّا عَالِمًا أَنَّهُ رَجُلٌ بَارٌّ وَقِدِّيسٌ، وَكَانَ يَحْفَظُهُ» - ضد رغبة هيروديا التي كانت تطلب رأس يوحنا - «وَإِذْ سَمِعَهُ، فَعَلَ كَثِيرًا، وَسَمِعَهُ بِسُرُورٍ» (مرظ¦: ظ¢ظ*). كان لدى هيرودس القدرة على قتل أي شخص يريد، لكنه كان رجلا مضطربًا موَّسوسًا ومُهدَّدًا وغير آمن، ومُمزَّقا باستمرار بين خوفه من رد فعل الشعب، وبين غضب المرأة التي يُحبها بشكل غير شرعي، ومُطالبتها برأس يوحنا، وانتقادات أقرانه الحاضرين حفلته، إذا تراجع عن وعده بإعطاء الفتاة الراقصة ما تشاء (متظ،ظ¤: ظ¦-ظ،ظ¢؛ مرظ¦: ظ¢ظ،-ظ¢ظ©). ولكن احترامه على مضض ليوحنا، كان شهادة على قوة يوحنا الأدبية. وإذ أُلقي يوحنا في السجن، ابتدأ يشك. لقد كان دائمًا شجاعًا وأمينًا في إعلانه يسوع باعتباره المسيا. لكن أن يلعب دورًا محوريًا في التاريخ، ثم يُنسى في غياهب السجن، أمر زعزع ثقته. وهكذا أرسل يوحنا اثنين من تلاميذه ليسألا الرب: «أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟» (متظ،ظ،: ظ£). قال الرب يسوع للمُرسَلين: «اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ: اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ» (متظ،ظ،: ظ¢- ظ¦؛ لوظ§: ظ،ظ¨-ظ¢ظ£). إذًا فكل العلامات المسيانية قد تحققت. كان يوحنا «إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا» (يوظ¥: ظ،ظ§)، وكان لديه الكثير ليُعلمنا إياه نحن معشر البَشَر. وما أن غادر المُرسَلان، حتة أخذ الرب يسوع يمدح يوحنا، قائلاً إنه «أَفْضَلَ مِنْ نَبِيٍّ»، وأيضًا: «لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ» (متظ،ظ،: ظ§-ظ،ظ¥). إن ما يعنينا حقًا هو تقييم وتقدير الرب يسوع لدورنا، ومُصادقته علينا. ولقد نَعِم المعمدان بهذا، وفي هذا كل الكفاية. لم ينقضِ وقت طويل حتى استشهد يوحنا على يد هيرودس، النجس الشرس، الذي حاول أن يسترضي زوجته غير الشرعية، التي تلاعبت به (متظ،ظ¤: ظ،- ظ،ظ¢؛ مرظ¦: ظ،ظ¤-ظ¢ظ©؛ لوظ©: ظ§-ظ©). ولكنهم لقوا جزاءهم الأبدي جراء شرهم، في حين قَبِلَ يوحنا مكافأته الأبدية لقاء أمانته لإرساليته، ولِرَّبِه. إتمام الإرسالية: نجد في يوحنا ظ،ظ*: ظ¤ظ*-ظ¤ظ¢، تذييلاً مؤثرًا لخدمة يوحنا الناجحة: «وَمَضَى (يَسُوعُ) أَيْضًا إِلَى عَبْرِ الأُرْدُنِّ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ فِيهِ أَوَّلاً وَمَكَثَ هُنَاكَ. فَأَتَى إِلَيْهِ كَثِيرُونَ وَقَالُوا: إِنَّ يُوحَنَّا لَمْ يَفْعَلْ آيَةً وَاحِدَةً، وَلكِنْ كُلُّ مَا قَالَهُ يُوحَنَّا عَنْ هذَا كَانَ حَقًّا. فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِهِ هُنَاكَ». كان المعمدان الصوت الصارخ الذي رسم بشهادته صورة كلامية حيَّة وواضحة وجلية، بخصوص المسيا الآتي، حتى أنه عندما ظهر الرب يسوع بشخصه، كان من السهل على الجموع أن تتعرف عليه، على الفور. والآن، بعد فترة طويلة من إحباط يوحنا وموته، كان الشعب لا يزال يُقبِل إلى الرب يسوع، لأنهم رأوا فيه بالفعل التجسيد الواضح الدقيق، لكل ما سبق يوحنا، وبشَّر به. نعم، كان يوحنا شاهدًا أمينًا وفعالاً ويا ليتنا جميعًا هكذا! |
||||
27 - 12 - 2024, 04:44 PM | رقم المشاركة : ( 182139 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يوحنا المعمدان هو الشخصية الوحيدة - في العهد الجديد - التي تنبأ عن خدمته نبيَّان من أنبياء العهد القديم: الأول هو إشعياء، والآخر هو ملاخي. وكان ملاخي آخر صوت نبوي قبل فترة من الصمت من جانب الله، امتدت زهاء ظ¤ظ*ظ* سنة من الصمت الإلهي وقد سبق وأشار ملاخي إلى يوحنا المعمدان، في كلماته الختامية في ملاخي ظ£: ظ،؛ ظ¤: ظ¥، ظ¦. وقد اقتبس الملاك جبرائيل كلمات من الفقرة الأخيرة المُشار إليها، ليُعلِم زكريا الكاهن بشأن ولادة ابنه المُرتقبة (لوظ،: ظ،ظ¥-ظ،ظ§). وزكريا نفسه وصف هذا الابن وخدمته، مُستخدما كلمات كل من ملاخي وإشعياء (لوظ،: ظ§ظ¦، ظ§ظ§؛ ملاظ£: ظ،؛ إشظ¤ظ*: ظ£). |
||||
27 - 12 - 2024, 04:45 PM | رقم المشاركة : ( 182140 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الولادة الفريدة: ليس فقط أن خدمة يوحنا سبق وأنبأ عنها العهد القديم، بل كان ميلاده أيضًا معجزيًا. نعم، لم يكن مولودًا من عذراء، فقد كانت أليصابات متزوجة من زكريا لسنوات عديدة، ولكن ولادته اتبعت نمط ولادات أخرى، غير معتادة وهامة: إسحاق، شمشون، صموئيل، جاءت متأخرة في زيجات بلا أطفال، بترتيب خاص من الله، لأغراض خاصة. زار جبرائيل زكريا أثناء خدمته في الهيكل، وفاجأه بالإعلان أنه سيرزق بابن. تذبذب إيمان زكريا، وتساءل متشككًا بشأن هذا الخبر، فضُرِبَ بالخرس إلى وقت ولادة يوحنا. وعندما تحققت هذه النبوة، كانت أولى كلمات زكريا عبارة عن كلام نبوي بشأن حياة وعمل يوحنا، فضلاً عن وصول المسيا الموعود به (لوظ،: ظ¥-ظ¢ظ¢، ظ¦ظ§-ظ§ظ©). بينما تتحدث الأناجيل الأربعة عن يوحنا المعمدان، تُستَهَل ثلاثة منها بذكره: خدمته كمُبشر بمجيء المسيا (مرظ،: ظ،-ظ¨) ، وعائلته وولادته المعجزية (لوظ،: ظ¥-ظ¢ظ¤) ، وشهادته كصوت صارخ في البرية: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!» (يوظ،: ظ،ظ©-ظ£ظ¤). |
||||