05 - 11 - 2024, 02:03 PM | رقم المشاركة : ( 177621 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الدعوة «فَهَؤُلاَءِ دَعَاهُمْ أَيْضًا» كان يجب أن نُقرَّب إلى الله (1بط3: 8). وهذه هي مادة الدعوة؛ فصوت ابن الله يدعونا من الظلمة إلى نوره العجيب (1بط2: 9). وهذه الدعوة تُعطي الحياة (يو5: 24، 25)، والنصيب الذي إليه نُدعى هو الحياة الأبدية (1تى6: 12). لقد دعينا للحرية المسيحية (غل5: 8، 13)، والله دعانا إلى القداسة (1تس4: 7)، ودعينا للسلام في المسيح (كو3: 15)، والله دعانا لشركة ابنه يسوع المسيح (1كو1: 9)، وإلى مجده الأبدي في المسيح يسوع (1بط5: 10). إننا دُعينا لننال وعد الروح (أع2: 39)، ولاقتناء مجد ربنا يسوع المسيح (2تس2: 14)، لننال وعد الميراث الأبدي (عب9: 15)، ولكي نرث البركة (1بط3: 9). |
||||
05 - 11 - 2024, 02:05 PM | رقم المشاركة : ( 177622 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
التبرير «فَهَؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا» والتبرير يعني أن الخطاة المذنبين مُبرَّءون من تعدياتهم على أساس كفارة المسيح، وليس من أعمال الناموس بل بالإيمان بالمسيح (رو3: 20 - 4: 8). والتبرير هو تبرير الحياة الذي يعتمد على ارتباطنا بالمسيح المُقام من الأموات، كرأس جنس جديد، وبه جُعلنا أبرارًا (رو5: 18، 19). |
||||
05 - 11 - 2024, 02:06 PM | رقم المشاركة : ( 177623 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
التمجيد «فَهَؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا»: فنحن لنا مكان في المجد السماوي. وهذا ليس مجرد رجاء، لكنه شيء نمتلكه من الآن في المسيح، حتى إن الرسول يذكره في صيغة الماضي «هَؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا» (رو8: 30). والمسيح الممجَّد هو ضمان تمجيدنا. الله يرانا فيه، وفيه وُهبنا المجد الذي حصله كإنسان لحسابنا. سيُستعلن المفديون مع المسيح في المجد بعد أن يكونوا قد أُخذوا إلى مجده |
||||
05 - 11 - 2024, 02:08 PM | رقم المشاركة : ( 177624 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تغيَّر شكل جسد تواضعهم إلى صورة جسد مجده (في3: 21؛ كو3: 4)، حينئذ سيُرى مجده ويُتعجب منه فيهم (2تس1: 10)، وهذا المجد سوف تراه الخليقة «وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي ... لِيَعْلَمَ الْعَالَمُ» (يو17: 22، 23) لكن هناك المجد المخفي عن العالم، يستطيع أن يراه فقط الذين هم عائلة الله، أي أولاد الله. وهذا هو مجد بيت الآب. هناك سنرى ونعجب بمجد المسيح «أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ» (يو17: 24). وهناك، في بيت الآب، سينظر الآب بعين الرضا علينا لأننا نحمل صورة ابنه، ولأن مجد ابنه يسطع علينا. وغرض الرسول من كتابة هذه الكلمات أن نتعلم أن نرى كل شيء في نور خطة الله للخلاص، فنعلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين لهم مكان في تلك المشورات. |
||||
05 - 11 - 2024, 02:09 PM | رقم المشاركة : ( 177625 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حكمة الله للذين يحبونه أو ما الذي أعده الله لهم؟ «لَكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ بَيْنَ الْكَامِلِينَ، وَلَكِنْ بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الدَّهْرِ، وَلاَ مِنْ عُظَمَاءِ هَذَا الدَّهْرِ، الَّذِينَ يُبْطَلُونَ. بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ اللهِ فِي سِرٍّ: الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ، الَّتِي سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا، الَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هَذَا الدَّهْرِ، لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ. بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ. فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ» (1كو2: 6-10). يتكلم الرسول في هذه الأعداد عن خطط الله الأزلية وأفكاره، والتي هي في الحقيقة نتيجة حكمة الله، وتنبع من حكمة تفوق بكثير حكمة هذا العالم وعظمائه. إنها تنبع من قلبه المحب، إنها نابعة من محبة الله لأولاده. ونحن لنا هنا أعماق حكمة الله، أعمق أفكار قلبه، التي لا يمكن أن تُعرف إلا بالإعلان. وهذه الأعماق، مع أنها كانت موجودة قبل الدهور، لكنها كانت مكتومة في قلب الله، حتى أعلنها في وقته. ونحن نعلم أن الله سُرَّ أن يعلن للرسول بولس - بصفة خاصة - هذه الأسرار، أسرار حكمة الله التي أعلنها الله لأولاده وليس للعالم. وهناك مطلب عملي لأهل بيت الله لإدراك ما أعدَّه الله لأولاده وهو النضوج الروحي. كان الكورنثييون أطفالاً متأثرين بحكمة هذا العالم، لذلك لم يستطع الرسول بولس، كوكيل على كنوز الحكمة والعلم التي تملأ بيت الله، أن يكشف ذلك الغنى لهم. لقد تكلم بالحكمة بين الكاملين أي البالغين روحيًا. وحكمة الله هي لأولئك الذين يحبونه، وترجع بتاريخها إلى ما قبل الدهور، ولها مجد أبدى. وهى ترتبط بسبق التعيين (ع7)، وهدفها أن تقود أولئك الذين صاروا هدفًا لمحبة الله إلى المجد الذي سبق وعينه لهم. |
||||
05 - 11 - 2024, 02:11 PM | رقم المشاركة : ( 177626 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كيف نصبح شركاء الحكمة الإلهية التي تفوق التفكير البشرى؟ يقول الرسول هنا إن الله أعلن أسرار حكمته وأعماق قلبه بروحه، وأوصلها إلينا من خلال الإعلان الإلهي. وفى الأصحاح الأول (1كو1)، نرى حكمة الله مُعلَنة في المسيح، فهو المُرسَل من الله ليفدى الإنسان ويفتح عينيه على غنى حكمة الله. والحكمة الإلهية تُعرَف فيه وبواسطته. إنه قوة الله وحكمة الله، وصار لنا حكمة من الله، أما 1كورنثوس2 فهو يقدِّم لنا الروح القدس كالشخص الذي يُعرِّفنا أسرار هذه الحكمة، فكنوز حكمة الله التي أعدها للذين يحبونه مُعلَنة الآن بروح الله. وأمور الله وما أعدَّه للذين يحبونه، والأشياء الموهوبة لنا من الله يكشفها لنا روح الله. وحكمة الله وصلتنا بواسطة الكلمة التي أوحى بها الروح القدس؛ فقد أعلنها الروح لرسل العهد الجديد وأنبيائه، وأوحى بها بالروح عن طريق الكلمة المنطوقة والمكتوبة، والروح عينه ينير الأشخاص الروحيين ليقبلوها. وحيث إن المؤمن وُلد من الروح، فإنه يمتلك طبيعة جديدة هي روح (يو6:3)، ويسكن فيه الروح (رو8: 16)، ولذلك يستطيع أن يقدِّر أمور الله. |
||||
05 - 11 - 2024, 02:11 PM | رقم المشاركة : ( 177627 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حياة الله للذين يحبونه أو ما الذي يهبه الله لهم؟ «طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ» (يع12:1) للموت أشكال عديدة، ليس فقط الموت الطبيعي، بل الروحي أيضًا. والنتيجة النهائية للبُعد عن الله هي الموت الثاني حيث يُطرح غير المؤمنين في بحيرة النار بأجساد ونفوس، حيث ينفصل الشخص عن الله، مصدر الحياة، إلى الأبد. وهناك أيضًا صور مختلفة للحياة: فهناك الحياة الطبيعية، وهذه الحياة خاضعة للموت نتيجة للسقوط؛ فالجسد خاضع للموت الفيزيائي، والنفس والروح خاضعتان لموت الروح. وليس أحد غير الله يستطيع أن يُعطي الحياة في الموت، وفي نعمته أعطى صورة جديدة للحياة بالولادة الجديدة بالروح القدس مستخدمًا ماء الكلمة. وكل ذلك يتم على أساس عمل الابن. والحياة الجديدة لم تُستعلن في ملئها وفيضها حتى أتى الابن وأكمل عمل الخلاص. والآن تنال خاصته الحياة في أغنى وأمجد صورة. إنه يعطيهم الحياة الأبدية. والحياة الأبدية تعنى أننا نشارك في الحياة الإلهية كما هي في الله ذاته، وأعلنت لنا في ابن الله في ناسوته. وهي ليست فقط مبدأ الحياة فينا، لكن أيضًا المجال الذي فيه يمكن التمتع بالحياة دون معطل. وإكليل الحياة يدل على الحياة في كل غناها وملئها بعد حياة التجارب هنا على الأرض، وهو ما ينتظر المؤمن في المجد. ونحن مطوَّبون حينما نحتمل التجارب، لأنها تقوّى إيماننا وتوجِّه أنظارنا إلى المستقبل الذي ينتظرنا. |
||||
05 - 11 - 2024, 02:13 PM | رقم المشاركة : ( 177628 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ملكوت الله لأولئك الذين يحبونه أو ما الذي وعدهم به؟ «اسْمَعُوا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، أَمَا اخْتَارَ اللَّهُ فُقَرَاءَ هَذَا الْعَالَمِ أَغْنِيَاءَ فِي الإِيمَانِ، وَوَرَثَةَ الْمَلَكُوتِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ؟» (يع 5:2) المسيح، كرب المجد والمالك الشرعي لكل الأشياء في السماء وعلى الأرض، هو المركز المجيد للملكوت الذي وعد به الله لخاصته. وحيث إنه الابن الأزلي فمن حقه أن يدعو كل الأشياء نصيبه الشرعي، لكن الآن جعلها الله له كالإنسان. والآن ما هي نتيجة ذلك لنا نحن الذين ارتبطنا برب المجد؟ لقد افتقر لنغتني نحن بفقره، ونرث غناه، وصار هذا الغنى من نصيبنا بالإيمان وقبول كلمة الله. وجعلنا الله الآن أغنياء في الإيمان، وفى يوم قادم سيُعطينا الغنى المنظور للملكوت. سوف يتسلم المسيح المُلك من يد الله، ومعه سوف يتسلم القديسون الوارثون معه لهذا الملك عينه. وسوف يتسلم الرب السيادة ليس فقط على شعبه إسرائيل، بل على كل الشعوب وكل الخليقة التي ستكون خاضعة له، ومعه ستملك خاصته. والآن في زمن غياب الملك نحن مرتبطون بالملكوت حيث نقدِّر سلطان المسيح، حتى لو كان مرفوضًا من العالم. والملكوت له صورة مستترة، وبركات الملكوت لها صفة روحية. لكن في المستقبل سيُستعلَن بصورة عامة، وستكون الكنيسة عروس الخروف، الدائرة السماوية للملكوت، بينما ستكون أورشليم المُسترجعة على الأرض هي مركز الدائرة الأرضية للملكوت، وسيكون هناك انسجام بين السماء والأرض. وإن كان الملكوت بركة مُعَدَّة منذ تأسيس العالم، والوعد به بعد بدء الزمان، لكن الحياة الأبدية وُعد بها قبل أزمنة الدهور. وبينما الملكوت هو هدف الله النهائي لمعاملاته التدبيرية مع هذه الخليقة، فإن الحياة الأبدية بركة ترتبط ببيت الآب، لذلك وعد الحياة أسمى من وعد الملكوت، وكلا الوعدين برهان على نعمة الله وصلاحه تجاه الذين يحبونه. |
||||
05 - 11 - 2024, 02:19 PM | رقم المشاركة : ( 177629 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هذه مواقفهم فماذا عنك؟ فتح الإنسان عينيه لأول مرة على الحياة، وقد ميَّزه الله للتوِّ بنفخة منه؛ فكان أول من عرف الإنسان هو الله، أوثق معرفة. فلقد خلقه لكي يعرفه، ويكون في قرب منه وألفة معه. وقد كان الأمر كذلك في الأيام الأولى من عمره، إلى أن حلَّت الكارثة وعصى الإنسان، فدخلت الخطية إلى المشهد، وبدخولها شوَّهت كل الأشياء، وعلى رأسها علاقة الإنسان بالله ونظرته إليه؛ فتبدلت الألفة وحل البُعد، وفقد الإنسان يقينية معرفه عن الله. وعلى مر التاريخ تعدَّدت فلسفات البشر تجاه الله حتى فاق حصرها، على أن الأمر في النهاية يتلخص في أن موقف الإنسان تجاه الله هو واحد من اثنين: “مع” أو “ضد”. “ضد” الله بالطبيعة الساقطة، أو “مع الله” بالفداء الذي بيسوع المسيح. وسنحاول استعراض بعض الفلسفات التي يفكِّر بها الإنسان تجاه الله، نظرًا لأن الطريقة التي يرى بها الإنسان الله تحدِّد إلى أبعد مدى أسلوب حياته بكل تفاصيلها. ومن الضرورة، قبل أن نشرع في ذلك، إيضاح أنه مع أننا نتكلم عن هذه الفلسفات بصفتها المطلقة (أي أن هذا هو المنهج العام لصاحبها) إلا أن علينا أن ننظر إليها أيضًا في صورها النسبية (ما يتسلل إلى حياتنا منها بنسبة ما) الأمر الذي سنوضحه في منتصف المقال. ليس إله “رفض وجود إله” فكر ارتبط في الأذهان بعصور النهضة العلمية والحداثة وما بعدها، إلا أنه أقدم من ذلك بكثير، فنقرأ في مزموري 14، 53: «قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: لَيْسَ إِلهٌ». وإذا أخذنا في الاعتبار أن «مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ، لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ» (رو1: 19، 20)؛ فلا بد أن يُعَدّ جهلاً القول بأن “لا إله”. فإن كنا لا نقبل مطلقًا فكرة عدم وجود صانع لكل جهاز دقيق أو أداة مفيدة نستعملها في حياتنا اليومية، فكم بالأحرى لا تُقبل فكرة عدم وجود خالق وراء هذا الكون الكبير الذي تتعاقب عليه القرون وهو في دقة متناهية من أصغر ذراته لأكبر أجرامه السماوية، كل في مداره، يؤدي دوره في تتناغم بديع. إن دقة أجهزة جسم إنسان، وإبهار عمل كائن وحيد الخلية، وروعة توازن الطبيعة؛ كلها تعلن خالقًا خلفها. وألوان ريش طائر، وجمال زهرة صغيرة، وبهاء منظر شروق شمس أو غروبها؛ كلها تُظهر مُبدعًا عظيمًا من ورائها. على أن المزمور يفضح السر وراء رفض الإنسان لوجود الله، إذ يستدرك «فَسَدُوا وَرَجِسُوا رَجَاسَةً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا». فلأن وجود الله يجعل هناك الصواب وهناك الخطأ، ويعلن أن هناك الأعلى الذي من حقِّه وحده أن يضع المعايير، ومن سلطته أن يقيِّم ويحاسب. والإنسان، في تشامخ قلبه وطبيعته المتمردة، يرفض وجود سلطة تحكمه، كما أن إيقان وجود الله أمر يزعج ضمير الراغب في شروره والغارق في شهواته ونزواته. لذا لجأ الإنسان، بحماقة، إلى فكرة إنكار الله؛ فإن لم يكن إله يحدِّد الخير من الشر، فكل أمر هو نسبي، فما اعتبرته أنت صوابًا هكذا يكون، وما اعتبرته خطأً فهو كذلك. وإن لم يكن إله يحاسب، فافعل ما شئت حتى إن كنت تعتقد أنه خطأ؛ فمن يطالب (ارجع إلى مزمور 10 خاصة ع4، 11، 13). وإذا لم يكن إله فليس هناك مُطلق، ولا لانهائي، ولا أبدية، فالحياة حدودها هنا؛ إذًا «لِنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ (ونفعل ما شئنا)، لأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ» (إش22: 13؛ 1كو15: 32). خارج التفكير نقرأ في رومية 1 «لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ... لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ» . هنا نجد أناسًا لم يستطيعوا أن يهربوا من شهادة الطبيعة خارجهم وإلحاح “شيء ما” بداخلهم يخبرهم؛ فعرفوا أن الله موجود. إلا أن وجود الله بالنسبة لهم غير مُستحب، وتمجيده بإعطائه المكان اللائق في الحياة هو أمر غير مرغوب. ولأنهم لم يستطيعوا أن يهربوا من واقع وجود الله حاولوا “إبداله” بآلهة من صنعهم، تُرضي هذا “الشيء”، أو الإحساس الذي بداخلهم وتحقِّق لهم كل ما يشتهون في الوقت نفسه. في القرينة نراهم «أَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى، وَالطُّيُورِ، وَالدَّوَابِّ، وَالزَّحَّافَاتِ... وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ، الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ». وإلى الآن والوضع على ما هو عليه، وإن اختلفت الصورة والمسمّيات والآلهة، فأصبحوا: المال، الشهرة، السلطة، المتعة، التدين، الأسرة، ... ، والقائمة تطول باستمرار، كما قيل ليهوذا «...آلِهَتُكَ الَّتِي صَنَعْتَ لِنَفْسِكَ... عَلَى عَدَدِ مُدُنِكَ صَارَتْ آلِهَتُكَ» (إر 2: 27، 28). ومرة ثانية السبب عينه: «شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ... مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ ...» (تابع باقي القائمة المؤسفة في رومية 1: 19-32). فهم لم يستحسنوا إبقاء الله الخالق العظيم في حسبانهم، ليس لأن وجوده غير مقنع، ولا لأنهم وجدوا فيه جورًا أو ظلمًا - حاشا - بل لأنهم «سَارُوا فِي مَشُورَاتِ (رغبات وشهوات) وَعِنَادِ قَلْبِهِمِ الشِّرِّيرِ، وَأَعْطَوْا (لله) الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ ... وَقَدْ حَوَّلُوا لِي الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ... (لأنهم) لَمْ يَسْمَعُوا لِيَقْبَلُوا أَدَبًا (فهم لا يريدوا أن يكونوا على مقاييس الله)» (إر 7: 24؛ 32: 33). الإله المجهول تطوَّر الأمر وزاد ابتعاد الإنسان عن خالقة، فتارة ينكر وجوده وأخرى يستبعده من حساباته، حتى بات الإنسان في غُربة عن الله وصار بالنسبة له إلهًا مجهولاً (اقرأ أعمال 17: 23-31). وتساءل الإنسان: من هو الله؟ أين هو الله؟ «مَنْ يُعْطِينِي أَنْ أَجِدَهُ، فَآتِيَ إِلَى كُرْسِيِّهِ» (أي 23: 3)؟ لقد أصبح الله غامضًا جدًا بالنسبة للإنسان. من المستغرب أن يصل الأمر إلى هذا الحد «مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيدًا. لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ»، بل إن هذا الأمر مُعلن في دواخل الإنسان، مما حدا بشعراء وثنيين أن يقولوا: «لأَنَّنَا أَيْضًا ذُرِّيَّتُهُ». على أن المدهش أن جهل الإنسان هذا بالله لا يمنعه عنه، فذلك «الإِلهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ... يُعْطِي الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْسًا وَكُلَّ شَيْءٍ» رغبة قلبه هي أن الناس «يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ»، ووعده «وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ» (إر29: 13)، وما أكثر من طلبوه فوجدوه من كل البقاع وشتى الخلفيات. وليتم هذا الأمر «فَاللهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا»، وهنا يظهر مرة أخرى ما يفصل الإنسان عن الله: الخطية. والعجيب أن سامعي خطاب بولس استمعوا بتجاوب كبير إلى النقطة التي وصل فيها إلى حل الله: التوبة والإيمان بيسوع المُقام من الأموات، وعندها تفرق الجمع دون عودة حقيقية إلى الله. وما زال الحال هكذا، فالإنسان لديه الاستعداد أن يسمع كثيرًا عن الله إلى أن يأتي الأمر لدوره بنبذ خطاياه والعودة إلى الله بالتوبة! تحييز الله على أن البعض لجأ إلى هذا المنطق الغريب الذي لا يقل فسادًا عن سابقيه، ألا وهو اعتبار أن الله يمكن أن يحيَّز (يحدَّد أو يحجَّم) بمكان أو بزمان. لام الله على شعبه يومًا بالقول «أَلَعَلِّي إِلهٌ مِنْ قَرِيبٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَلَسْتُ إِلهًا مِنْ بَعِيدٍ؟» وفي جهل قال بعضهم عن الإله الحي إنه «آلِهَةُ جِبَال» (1مل 20: 23). حتى يونان نبيه يومًا «قَامَ ... لِيَهْرُبَ ... مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ ... لِيَذْهَبَ مَعَهُمْ إِلَى تَرْشِيشَ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ»، وإمعانًا في الاختباء نزل إلى بطن السفينة. كيف يا يونان وأنت عالم أنه «إِلهِ السَّمَاءِ الَّذِي صَنَعَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ»؟ (يون 1). يرد الله على هذ بالقول: «إِذَا اخْتَبَأَ إِنْسَانٌ فِي أَمَاكِنَ مُسْتَتِرَةٍ أَفَمَا أَرَاهُ أَنَا، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَمَا أَمْلأُ أَنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟» (إر 23: 23، 24). ويتجاوب من فهم الأمور على حقيقتها قائلاً «مِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟ إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ... فِي الْهَاوِيَةِ... فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ... الظُّلْمَةُ» (مز 139: 7-11)، ومن عرف ذلك يهرب إلى الله، لا منه. الاقتراب الشكلي «قَالَ السَّيِّدُ: أَنَّ هذَا الشَّعْبَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ بِفَمِهِ وَأَكْرَمَنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَأَبْعَدَهُ عَنِّي» (إش29: 13)، وما أوسع انتشار هذه الفلسفة في يومنا هذا، المليارات يتبعونها. فالله بالنسبة لهؤلاء يمكن إرضاؤه بأداء بضعة مطاليب شكلية. البعض يسهِّل من هذه المطاليب والبعض الآخر يصعِّبها ويسعى في منالها الطريق الطويل. القاسم المشترك في هؤلاء أن “القلب بعيد”. في ظنهم أن لله بعض “طلبات” يريدها، فليأخذها ويتركنا لشأننا نعيش على هوانا. أما القلب، واعتبار الله في السر والعلن فلا وجود حقيقي لها، فـ«الشِّرِّيرِ... لَيْسَ خَوْفُ اللهِ أَمَامَ عَيْنَيْهِ» (مز36: 1؛ رو3: 18)، وكثر من«لاَ يَخَافُ اللهَ» (لو18: 2). لمثل هؤلاء يقول الرب في مزمور 50 «اِسْمَعْ يَا شَعْبِي فَأَتَكَلَّمَ... لاَ عَلَى ذَبَائِحِكَ أُوَبِّخُكَ، فَإِنَّ مُحْرَقَاتِكَ هِيَ دَائِمًا قُدَّامِي (لم يكفوا عن تقديمها وإلى الآن)... إِنْ جُعْتُ فَلاَ أَقُولُ لَكَ، لأَنَّ لِي الْمَسْكُونَةَ وَمِلأَهَا. هَلْ آكُلُ لَحْمَ الثِّيرَانِ، أَوْ أَشْرَبُ دَمَ التُّيُوسِ (ولنلاحظ ضخامة الحيوانين هنا عن الخراف والحمام المستخدمة أيضًا في الذبائح)؟ اِذْبَحْ للهِ حَمْدًا (يخرج من القلب)... مَا لَكَ تُحَدِّثُ بِفَرَائِضِي وَتَحْمِلُ عَهْدِي عَلَى فَمِكَ (ظاهريًا)؟ وَأَنْتَ قَدْ أَبْغَضْتَ التَّأْدِيبَ وَأَلْقَيْتَ كَلاَمِي خَلْفَكَ (داخليًا). إِذَا رَأَيْتَ سَارِقًا وَافَقْتَهُ ... (أكمل القائمة المزرية). افْهَمُوا هذَا يَا أَيُّهَا النَّاسُونَ اللهَ (مع أنهم شكليًا يقدِّمون ذبائح إلا أن الله يراهم ناسينه)، لِئَلاَّ أَفْتَرِسَكُمْ وَلاَ مُنْقِذَ. ذَابحُ الْحَمْدِ يُمَجِّدُنِي، وَالْمُقَوِّمُ طَرِيقَهُ (كنتيجة عملية للقلب المستقيم) أُرِيهِ خَلاَصَ اللهِ». معاداة الله وصل الأمر إلى ذروته. لقد أنكر الإنسان وجود الله، وحاول اسقاطه من تفكيره، أو تجهيله، أو تحجيمه، أو إرضاؤه شكليًا؛ إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل لأنه «لَمْ يَتْرُكْ نَفْسَهُ بِلاَ شَاهِدٍ» (أع 14: 17)، في الطبيعة وفي الضمير وفي كل مكان وزمان. ولأن الإنسان بطبيعته لا يطيق مقاييس الله ويريد أن ينفض عنه نيره بأي شكل؛ فقد وصل الأمر بالبعض أن «يَقُولُونَ ِللهِ: ابْعُدْ عَنَّا، وَبِمَعْرِفَةِ طُرُقِكَ لاَ نُسَرُّ. مَنْ هُوَ الْقَدِيرُ حَتَّى نَعْبُدَهُ؟ وَمَاذَا نَنْتَفِعُ إِنِ الْتَمَسْنَاهُ؟» (أي21: 14). لقد وصل الأمر إلى العداء السافر. فكأن صاحب هذه الفلسفة يقول لله: أعرف أنك موجود وتملأ الوجود، أعرف الكثير عنك وعن صفاتك، ولن أُسقطك من حساباتي بل سأحسبك عدوًا! والعداء لله على الأرض يتزايد يومًا بعد يوم، وسيصل إلى ذروته قريبًا، حتى يضع الله حدًّا لكل شيء. لنقف هنا قليلاً كما قلنا في البداية، فما سبق من نظرات سلبية من الناس لله ليس بالضرورة بهذه الصورة المطلقة الصريحة، بل كثيرًا ما نتورط فيها جزئيًا أو نسبيًا: فمن لا يعمل لله حسابًا في السر والعلن ويتصرف وكأنه نسى أن هناك من يطالب وأن الأعلى هو فوق الكل، أليس ضمنيًا يتصرف كما لو كان “ليس إله”؟! ومن لا يستشيره في أمور حياته، ولا يفكر في أن يطيعه ويأتمر بأمره، ولا بحث عن مشيئته، ألم يضعه “خارج التفكير”؟! ومن لا يرى الله ظاهرًا في كل صغيرة وكبيرة، ولا يفرق معه أن يميّز تعاملات الله وأموره، ألا يُعتبر الله بالنسبة له “الإله المجهول”؟! ومن يعتبر أن لله جزءًا محدَّدًا في الحياه، قد يسميها “الحياة الروحية”، دون أن يعطيه حقه في الحياة بجملتها، أو أن الله فقط في “الاجتماعات” ألم يقم بـ“تحييز الله”؟! أما عن “الاقتراب الشكلي”، فحدِّث ولا حرج، وكل منا يعرف ضربة قلبه في هذا الصدد، فكم من المرات قالت شفاهنا لله أحلى الكلمات والترنيمات مما لم نكنَّه في قلوبنا بل وعشنا عكسه؟! أما عن “معاداة الله” فهي أمر تمنعنا ثقافتنا الشرقية من أن نُجاهر به، وقد نعتقد أننا أبعد ما نكون عنه بحكم أمور كثيرة، لكن ماذا نقول أمام القول الصريح «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَحَبَّةَ الْعَالَمِ عَدَاوَةٌ ِللهِ؟ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لِلْعَالَمِ، فَقَدْ صَارَ عَدُوًّا ِللهِ» (يع4: 4)؟! فلنفحص أنفسنا إذن! الله يقترب رأينا أن كل فلسفات الإنسان، وبسبب شره وعناد قلبه وكبريائه، صبَّت كلها في طريق البُعد عن الله. وأصبح التقرير نافذ على الجميع «هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ؟ ... لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ». على أن الله، لأن لذته في الإنسان، وقلبه لا يرضى بأقل من أن يكون في علاقة حبية مع هذا المخلوق المميَّز المحبوب لقلبه؛ كان يحب أن يتدخل هو. وفي هذا الصدد أكتفي بهذه الآيات البليغة المُبهرة الخالدة التي تغني عن أي إضافة: «لأَنَّ الْمَسِيحَ، إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ (لا يمكننا فعل أي شيء يقربنا منه)، مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ (في كثير من الترجمات بمعنى “بلا إله”)... وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا... وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ» (رو5: 6-10). عودة إلى الأحضان وإذ تدخَّل الله بنعمته صار لأناس أن يُقال عنهم «عَرَفْتُمُ اللهَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ عُرِفْتُمْ مِنَ اللهِ» (غل4: 9). وما أرفع معرفته لنا!! وما أسمى ما عرَّفنا به عن شخصه! عرفنا أنه محبة، وأن هذه المحبة متجهة للإنسان لتخلِّصه، وأنه وهو القدوس العادل قد دبَّر الفداء اللازم ليعيد الإنسان إليه، دافعًا الثمن ابنه الحبيب، مقدِّمًا بالنعمة الحل والعلاج لكل من يؤمن. عرفنا فيه الرفيق الرقيق، والصديق الودود، والراعي القدير. ولن نكف إلى الأبد عن اكتشاف كمال وجمال هذا الشخص الكريم، الذي في محبته وصلاحه ونعمته ارتضى أن يعرِّف نفسه للإنسان المخلوق من الطين!! نتيجة هذه المعرفة تم في كثيرين القول: «رَجَعْتُمْ إِلَى اللهِ مِنَ الأَوْثَانِ، لِتَعْبُدُوا اللهَ الْحَيَّ الْحَقِيقِيَّ» (1تس1: 9). وبعد أن ضلَّت نفوسهم طويلاً بعيدًا عنه، متخبّطين كالعصفور التائه عن عشه، عادوا إلى الحضن الكريم، عادوا ليعيشوا بالقرب منه، في خوفه، ولتمجيده. نتيجة حتمية أولئك الذين رجعوا إليه، وعرفوه كما يعلن هو ذاته لهم، كلما عرفوه واقتربوا منه فاختبروه وأعلن لهم عن ذاته وعرفوا مقاصده، كلما استمتعوا أكثر بوصفهم «الَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ» (رو8: 28). وكيف لا تُحَبّ يا إلهي الكريم؟! كيف لا أحبك وقد ميَّزتني في خلقي، واحتملتني في بُعدي، وصبرت على جهلي، وفديت نفسي، وغفرت ذنبي، وسرت بقربي، واهتممت بأمري، وكفكفت دمعي، وأنقذت من الزلل رجلي، وملأت قلبي، فملكته. قد أفهم سيدي لماذا أنا احبك، لكن هل تتفضل عليَّ بروح الحكمة والإعلان لتفهمني: كيف، ولماذا، وإلى أي حدٍّ أنت تحبني؟! أعرف أنه فخر لي، ولكل قديسيك، أنك “إلهنا”، فهل تتكرم وتُدخل لعقلي الصغير كيف: «لاَ يَسْتَحِي بِهِمِ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلهَهُمْ» (عب 11: 16)؟ فكيف لا أحبك وقد ربطتني بشخصط فأسرت قلبي؟! فاعطني أن أحيا أحبك، أقدِّر شخصك، أُخلص لك، أسعى كل يوم أكثر لأعرفك. وما أكفاك لي!! |
||||
05 - 11 - 2024, 02:20 PM | رقم المشاركة : ( 177630 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ليس إله “رفض وجود إله” فكر ارتبط في الأذهان بعصور النهضة العلمية والحداثة وما بعدها، إلا أنه أقدم من ذلك بكثير، فنقرأ في مزموري 14، 53: «قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: لَيْسَ إِلهٌ». وإذا أخذنا في الاعتبار أن «مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ، لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ» (رو1: 19، 20)؛ فلا بد أن يُعَدّ جهلاً القول بأن “لا إله”. فإن كنا لا نقبل مطلقًا فكرة عدم وجود صانع لكل جهاز دقيق أو أداة مفيدة نستعملها في حياتنا اليومية، فكم بالأحرى لا تُقبل فكرة عدم وجود خالق وراء هذا الكون الكبير الذي تتعاقب عليه القرون وهو في دقة متناهية من أصغر ذراته لأكبر أجرامه السماوية، كل في مداره، يؤدي دوره في تتناغم بديع. إن دقة أجهزة جسم إنسان، وإبهار عمل كائن وحيد الخلية، وروعة توازن الطبيعة؛ كلها تعلن خالقًا خلفها. وألوان ريش طائر، وجمال زهرة صغيرة، وبهاء منظر شروق شمس أو غروبها؛ كلها تُظهر مُبدعًا عظيمًا من ورائها. على أن المزمور يفضح السر وراء رفض الإنسان لوجود الله، إذ يستدرك «فَسَدُوا وَرَجِسُوا رَجَاسَةً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا». فلأن وجود الله يجعل هناك الصواب وهناك الخطأ، ويعلن أن هناك الأعلى الذي من حقِّه وحده أن يضع المعايير، ومن سلطته أن يقيِّم ويحاسب. والإنسان، في تشامخ قلبه وطبيعته المتمردة، يرفض وجود سلطة تحكمه، كما أن إيقان وجود الله أمر يزعج ضمير الراغب في شروره والغارق في شهواته ونزواته. لذا لجأ الإنسان، بحماقة، إلى فكرة إنكار الله؛ فإن لم يكن إله يحدِّد الخير من الشر، فكل أمر هو نسبي، فما اعتبرته أنت صوابًا هكذا يكون، وما اعتبرته خطأً فهو كذلك. وإن لم يكن إله يحاسب، فافعل ما شئت حتى إن كنت تعتقد أنه خطأ؛ فمن يطالب (ارجع إلى مزمور 10 خاصة ع4، 11، 13). وإذا لم يكن إله فليس هناك مُطلق، ولا لانهائي، ولا أبدية، فالحياة حدودها هنا؛ إذًا «لِنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ (ونفعل ما شئنا)، لأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ» (إش22: 13؛ 1كو15: 32). |
||||