28 - 08 - 2024, 04:38 PM | رقم المشاركة : ( 171741 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"النبرة القاسيّة أم المُغريّة!" بين كاتبّي سفر يشوع والإنجيل مُقدّمة نواجه في سلسلتنا الكتابيّة، بهذا المقال، موضوع حيويّ يتواصل مع علاقاتنا ويتواصل أيضًا مع أفكارنا. في بعض الأحيان قد نعتقد أنّ النبرة الّتي يتحاور بها الآخر العظيم وهو الله أم الآخرين، معنا تجعلنا نتألم بل ونُعاند بسبب الكلمات الموجهة إلينا لأن النبرة قد تحمل قسّوة وليس بها أي تجميل إغراء! هذا هو مضمون هذا المقال كما سنرى لاحقًا سواء حال بني إسرائيل أمام حزم يسوع القائد بحسب العهد الأوّل (24: 1-18)؛ حينما توجه بكلمات في الصميم ليجعل الشّعب يتخذ موقف أمام أعمال الله. وسنناقش أيضًا ردّ فعل التلاميذ الّذين عانوا أمام تعلّيم يسوع بحسب العهد الثاني (يو 6: 60-69) وعبّروا عن صعوبتهم بأنّ هناك نبرة تحمل القسّوة في كلمات يسوع. على ضوء هذين النصييّن، نهدف أنّ ينمو إيماننا من خلال التوقف لما نستمع إليه من تعاليم إلهيّة توجه حياتنا وتقودنا إلى عمق العلاقة مع الله والآخرين وفي ذات الوقت مدعويّن لعدم الإنسياق أمام الكلمات الّتي بها إغراءات مزيفة. 1. إلقاء نظرة للماضي (يش 24: 1-17) في أوّل سفر بالكتب التاريخيّة، وهو سفر يشوع، نسمع صوت يشوع القائد لبني إسرائيل بعد الخروج من مصر وهو في نهاية حياته (يش 24: 1- 17) حينما حمل كلمات الرّبّ، والّتي تحمل نبرة قاسيّة في آخر حوار له مع الشعب. وتميّز صوت يشوع بالقسّوة في خطابه الأخير إذّ في الآيات (1-13) يروي كيف عمل الله في حياة شعبه ولصالحهم منذ إختياره إبراهيم وإسحق ويعقوب. وكيف أتمّ تحرير الشعب بخروجه من مصر وحتّى يتمتع بحريّة كاملة دافع عنه أمام باقي الشعوب دون أنّ يحمل سلاحًا حتى إنّه بدأ يأكل من مزروعات لم يتعب في زرعها، يسكن في مُدن لم يفكر في سكناها ولم تبنيها يديه، ... إلخ. فكل هذا ما أتمه الرّبّ الأمين لكلمته والّذي يشير لأمانته للعهد الّذي قطعه مع إبراهيم (راج تك 15: 1ت). مدعوين أن نعود بنظرتنا للوراء ليس لتأنيب النفس بل لإدراك أعمال الله الّتي تغمرنا بماضينا وحاضرنا. أمّا بالآيات اللاحقة للنص المختار (24: 14- 17)، يحفز يشوع همّة الشعب ليتخذ قراره بالإنتماء للرّبّ أم لا، وفي ذات الوقت يعلن أمام الشّعب إتحاده بالرّبّ هو وأهل بيته. إقترح يشوع بهذا النص وفور دخوله أرض الموعد، على الشعب تجديد العهد مع الرّبّ مقدمًا. وهذا الأمر ليس سهلاً، لكنه يؤكد خطورة إختيار الشعب لخدمة الرّبّ بحرية أم لا. ويبدو أنّ يشوع يحفز الشعب على تواصل العهد. فهو، لا يحاول تجميّل ما ينطوي عليه إختيار الرّبّ مقارنة بأصنام الشعوب المجاورة الزائفة. إنّ الإلتزام بالله وبكلمته لهو أمر ضروري وله مسئولية ولكنه خطير للغاية وحاسم. مدعويّن للتفكير جيداً قبل أنّ نقول إننا نريد أنّ نتبع الرّبّ وليس الأصنام. نبرة صوت يشوع الّذي قاد بني إسرائيل لإتمام وعد الله الأخير لإبراهيم، وهو تملّك الأرض له من الأهميّة سواء إسمه أم دوره لإتمام مخطط الله لما فيه خير الشعب لذا بعد خبرته الحقّة بالرّبّ يعلن أمام الشعب قائلاً: «الآنَ اتَقوا الرَّبَّ واعبُدوه بِكمَالٍ ووَفاء [...] أَمَّا أَنا وبَيتي فنَعبُدُ الرَّبّ". فأَجابَ الشَّعْبُ وقال: "حاشَ لَنا أَن نَترُكَ الرَّبَّ ونَعبدَ آِلهَةً أُخْرى، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَنا هو الَّذي أَصعَدَنا، نَحنُ وآباءَنا، مِن أَرضِ مِصْر، مِن دارِ العُبودِيَّة، والَّذي صَنعَ أَمامَ عُيوننا تِلكَ الآياتِ العَظيمة، وحَفِظَنا في كُلِّ الطَّريقِ الَّذي سَلَكْناه» (يش 24: 14- 17). بهذه الكلمات الّتي بدت في المقدمة ذات نبرة قاسيّة وتهديديّة إلّا إنها دفعت الشعب للإعتراف بألوهيّة الرّبّ والتمسك به والسبب هو إدراك الشعب الدور الإلهي الجوهريّ في حياة الشعب الّذي إختار الرّبّ الإنتماء له. لذا يلي هذا النص تجديد العهد بشكيم وهو ذات المكان الّذي قطع فيه العهد يعقوب مع الرّبّ بالماضي. نحن اليّوم هذا الشعب، مدعوين لإدراك أهميّة الطّريق الّذي سلكه الرّبّ معنا. 2. مِن يشوع إلى يسوع! (يو 6: 60-69) ننتقل الآن من نبرة يشوع القاسيّة بالعهد الأوّل إلى نبرة يسوع بالعهد الثاني. نعلّم أنّ جذر إسم يسوع تنتمي لإسم يشوع. كليهما رجلين من أصل عبريّ. يحملا إسميّ يشوع ويسوع وكليهما ينتميان للصيغة اللغويّة الّتي تعني الإنتصار والخلاص. ويشتركا كليهما أيضًا على ضوء النص اليوحنّاويّ (6: 60- 69) في النبرة القاسيّة، لإعلان الكلمة الإلهيّة، في خطبة يسوع الطويلة بذات الإصحاح والّذي نتتبع قراءته في هذه الأسابيع المتتاليّة، نجد يسوع في المقطع الإنجيليّ يتبع نفس الإستراتيجية الّتي إتبعها يشوع، كما نوهنا بأعلاه. يعلن خطابه أمام كثيّرين من المغادريّن له، وبعد إنّ إستمعوا إلى كلامه، إذ لا يحاول إقناعهم بالبقاء وبدلاً من ذلك وجه لهم تساؤله: «أَفلا تُريدونَ أَن تَذهبَوا أَنتُم أَيضاً؟» (يو 6: 67). 3. نبرة يسوع الواضحة (يو 6: 60-66) وأصل نبرة يسوع القاسيّة بحسب اللّاهوت اليوحنّاويّ هو بعد إتمامه خطبته عن الخبز النازل من السماء معلنًا إنه هو بذاته هذا الخبز، إذ للوهلة الأوّلى عانده اليهود وجادلوه ثم سأله تلاميذه قائلين: «هذا كَلامٌ عَسير، مَن يُطيقُ سَماعَه؟ فعَلِمَ يسوعُ في نَفْسِه أَنَّ تَلاميذَه يَتذمّرونَ مِن ذلك، فقالَ لَهم: "أَهذا حَجَرُ عَثرَةٍ لكُم؟ [...] والكَلامُ الَّذي كلَّمتُكُم به رُوحٌ وحَياة، فارتدَّ عِندَئِذٍ كثيرٌ مِن تَلاميِذه وانقَطعوا عنِ السَّيرِ معَه» (يو 6: 66). هل كلمة يسوع واضحة أم قاسيّة؟ يمكننا القول أنّ هذا المضمون اليوحنّاويّ هو أحد المواضيع المشتركة بصفحات الكتب المقدسة. غالبًا ما نُقاد إلى تجميل وتلطيف الرسالة الإنجيلية، ومحاولة جعلها مُغريّة للمؤمنين كرجال وكنساء عصرنا. ومع ذلك، فإن التلاميذ، نحن اليّوم، الّذين نلتقي بيسوع، والّذين نستمع إلى كلمته، نشعر بدلاً من ذلك بأنّها عقاب ونصفها بكلمة قاسية. فهي ليست كلمة مغرية، بل واضحة. إن كلمة الله تجذبنا ليس لأنّها تنفذ إستراتيجيات، كالوعود البشريّة الباطلة، بل لأنّها تكشف أصالة الحياة البشريّة وحقيقتها، حتى من خلال قساوة الكلمة فهي غير مريحة أحيانًا، ولا تخشى الفشل وقبولها من أعداد قليلة. تدعونا كلمات يسوع اليّوم إلى التعلم بأنّ هناك فرق أساسيّ علينا فهمه وهو التميّيز بين ما هو مغري وما هو أصليّ حتى وإنّ به نبرة قاسيّة. ما هو مغري جميل في حد ذاته، حتى لو لم يكن من من السهل تحقيقه؛ ما هو أصيل وقاسيّ يميّز فبدلاً من تتبع إستراتيجية الإدانة، حتّى وإنّ كانت باطلة وكاذبة، فهي لا تجذب انتباه غير ضروري. اليّوم، الكلمة الـمُغريّة الّـتي لا تبني كثيرون يسيّرون ورائها أما الحقّة فيتركونها لأنها تُلزم! 4. تمييّز بطرس للنبرة (يو 6: 60- 69) إنّ كلمات يسوع الّتي أعلنها في خطابه عن خبز الحياة، بالتأكيد ذات نبرة تتميز بالقساوة. ليس من السهل قبول كلمة تكشف حقيقتنا لكي نعيش حقًا كرجال ونساء ذات إيمان وهويّة وتدعونا لتحمل المسئوليّة. من الضروري إستيعاب حياة أولئك الّذين لمّ يتمكنوا من تحمل مسئولية وجودهم بشكل منفصل عن الله أي كـملكية لذواتهم بل مدعويّن للتعرف على أنّ حياتهم هي بمثابة نعمة من الله يعيشوها بحسب إتحادهم به. مع ذلك، فإنّ طابع يسوع الخاص يرتكز في عدم محاولته لتُلطيف وتجميل كلماته بالزيّف. إنّه ليس مُغريًا بأنّ يُظهر لتلاميذه طّريق تبعيته كحياة جميلة وممتلئة بالورود. بلّ، منذ البدء، كشف بوضوح بأنّ طّريقه ليست هو الطّريق الّذي يؤدي إلى حياة سهلة. بناء على هذا الوضوح من قِبل يسوع، يأتي تميّيز بطرس لنبرة يسوع، الّذي يعلن إيمانه بحسب حقيقة ووضوح طّريق يسوع قائلاً: «يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟ ونَحنُ آمَنَّا وعَرَفنا أَنَّكَ قُدُّوسُ الله» (يو 6: 68- 69). بالرغم مما نعرفه عن بطرس من حماس وتهور إلّا إنّه يقرأ هويّة يسوع ويصغي بعمق لكلماته ويعطي إجابته الواضحة. وأنت ما هي إجابتك في عالم اليّوم الّذي يتلاشى فيه الحقيقي ويتمركز صاحب الكلمات الزائفة والمُغريّة؟ الخلّاصة بناء على نصي العهديّن ورسالتي يشوع (يش 24: 1- 18) ثم يسوع (يو 6: 60- 69)، نحن أيضًا مدعويّن اليّوم، في هذا المقال، أنّ نسمع نبرة كلمات يسوع، بالرغم من قساوتها فهي حقيقيّة وواضحة، إذّ يوجه تسأوله ليّ ولك اليّوم قائلاً: «أَفلا تُريدونَ أَن تَذهبَوا أَنتُم أَيضاً؟». إنّه لا يخدعنا من خلال طُّرق أو كلمات تشير للإغواء بتقديم طُرق مختصرة لنا؛ بل يقدم لنا يسوع مرة أخرى في الخبز المكسور وفي الكأس الّتي تحمل عصير الكرم، الطّريق الحقيقي لأولئك الّذين يخترون بحريتهم أنّ نخلّص حياتهم من خلال تقاسمها مع للآخرين، بل يقدمونها كعطيّة بالكامل. وحدها الحياة التي تُعاش بهذه الطريقة لها نكهة الخلود. ولهذا السبب، يمكننا نحن أيضًا، على مثال بطرس، أن نجيب اليوم: «يا رّبّ، إلى من نذهب؟ أنت وحدك تملك كلمة الحياة الأبدية!». دُمتم في تمتع بوضوح وحقيقة الكلمة وليس منساقين وراء كلمات الإغراء الكثيرة اليّوم. |
||||
28 - 08 - 2024, 04:40 PM | رقم المشاركة : ( 171742 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ي بعض الأحيان قد نعتقد أنّ النبرة الّتي يتحاور بها الآخر العظيم وهو الله أم الآخرين، معنا تجعلنا نتألم بل ونُعاند بسبب الكلمات الموجهة إلينا لأن النبرة قد تحمل قسّوة وليس بها أي تجميل إغراء! هذا هو مضمون هذا المقال كما سنرى لاحقًا سواء حال بني إسرائيل أمام حزم يسوع القائد بحسب العهد الأوّل (24: 1-18)؛ حينما توجه بكلمات في الصميم ليجعل الشّعب يتخذ موقف أمام أعمال الله. وسنناقش أيضًا ردّ فعل التلاميذ الّذين عانوا أمام تعلّيم يسوع بحسب العهد الثاني (يو 6: 60-69) وعبّروا عن صعوبتهم بأنّ هناك نبرة تحمل القسّوة في كلمات يسوع. على ضوء هذين النصييّن، نهدف أنّ ينمو إيماننا من خلال التوقف لما نستمع إليه من تعاليم إلهيّة توجه حياتنا وتقودنا إلى عمق العلاقة مع الله والآخرين وفي ذات الوقت مدعويّن لعدم الإنسياق أمام الكلمات الّتي بها إغراءات مزيفة. 1. إلقاء نظرة للماضي (يش 24: 1-17) في أوّل سفر بالكتب التاريخيّة، وهو سفر يشوع، نسمع صوت يشوع القائد لبني إسرائيل بعد الخروج من مصر وهو في نهاية حياته (يش 24: 1- 17) حينما حمل كلمات الرّبّ، والّتي تحمل نبرة قاسيّة في آخر حوار له مع الشعب. وتميّز صوت يشوع بالقسّوة في خطابه الأخير إذّ في الآيات (1-13) يروي كيف عمل الله في حياة شعبه ولصالحهم منذ إختياره إبراهيم وإسحق ويعقوب. وكيف أتمّ تحرير الشعب بخروجه من مصر وحتّى يتمتع بحريّة كاملة دافع عنه أمام باقي الشعوب دون أنّ يحمل سلاحًا حتى إنّه بدأ يأكل من مزروعات لم يتعب في زرعها، يسكن في مُدن لم يفكر في سكناها ولم تبنيها يديه، ... إلخ. فكل هذا ما أتمه الرّبّ الأمين لكلمته والّذي يشير لأمانته للعهد الّذي قطعه مع إبراهيم (راج تك 15: 1ت). مدعوين أن نعود بنظرتنا للوراء ليس لتأنيب النفس بل لإدراك أعمال الله الّتي تغمرنا بماضينا وحاضرنا. أمّا بالآيات اللاحقة للنص المختار (24: 14- 17)، يحفز يشوع همّة الشعب ليتخذ قراره بالإنتماء للرّبّ أم لا، وفي ذات الوقت يعلن أمام الشّعب إتحاده بالرّبّ هو وأهل بيته. إقترح يشوع بهذا النص وفور دخوله أرض الموعد، على الشعب تجديد العهد مع الرّبّ مقدمًا. وهذا الأمر ليس سهلاً، لكنه يؤكد خطورة إختيار الشعب لخدمة الرّبّ بحرية أم لا. ويبدو أنّ يشوع يحفز الشعب على تواصل العهد. فهو، لا يحاول تجميّل ما ينطوي عليه إختيار الرّبّ مقارنة بأصنام الشعوب المجاورة الزائفة. إنّ الإلتزام بالله وبكلمته لهو أمر ضروري وله مسئولية ولكنه خطير للغاية وحاسم. مدعويّن للتفكير جيداً قبل أنّ نقول إننا نريد أنّ نتبع الرّبّ وليس الأصنام. نبرة صوت يشوع الّذي قاد بني إسرائيل لإتمام وعد الله الأخير لإبراهيم، وهو تملّك الأرض له من الأهميّة سواء إسمه أم دوره لإتمام مخطط الله لما فيه خير الشعب لذا بعد خبرته الحقّة بالرّبّ يعلن أمام الشعب قائلاً: «الآنَ اتَقوا الرَّبَّ واعبُدوه بِكمَالٍ ووَفاء [...] أَمَّا أَنا وبَيتي فنَعبُدُ الرَّبّ". فأَجابَ الشَّعْبُ وقال: "حاشَ لَنا أَن نَترُكَ الرَّبَّ ونَعبدَ آِلهَةً أُخْرى، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَنا هو الَّذي أَصعَدَنا، نَحنُ وآباءَنا، مِن أَرضِ مِصْر، مِن دارِ العُبودِيَّة، والَّذي صَنعَ أَمامَ عُيوننا تِلكَ الآياتِ العَظيمة، وحَفِظَنا في كُلِّ الطَّريقِ الَّذي سَلَكْناه» (يش 24: 14- 17). بهذه الكلمات الّتي بدت في المقدمة ذات نبرة قاسيّة وتهديديّة إلّا إنها دفعت الشعب للإعتراف بألوهيّة الرّبّ والتمسك به والسبب هو إدراك الشعب الدور الإلهي الجوهريّ في حياة الشعب الّذي إختار الرّبّ الإنتماء له. لذا يلي هذا النص تجديد العهد بشكيم وهو ذات المكان الّذي قطع فيه العهد يعقوب مع الرّبّ بالماضي. نحن اليّوم هذا الشعب، مدعوين لإدراك أهميّة الطّريق الّذي سلكه الرّبّ معنا. |
||||
28 - 08 - 2024, 04:41 PM | رقم المشاركة : ( 171743 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مِن يشوع إلى يسوع! (يو 6: 60-69) ننتقل الآن من نبرة يشوع القاسيّة بالعهد الأوّل إلى نبرة يسوع بالعهد الثاني. نعلّم أنّ جذر إسم يسوع تنتمي لإسم يشوع. كليهما رجلين من أصل عبريّ. يحملا إسميّ يشوع ويسوع وكليهما ينتميان للصيغة اللغويّة الّتي تعني الإنتصار والخلاص. ويشتركا كليهما أيضًا على ضوء النص اليوحنّاويّ (6: 60- 69) في النبرة القاسيّة، لإعلان الكلمة الإلهيّة، في خطبة يسوع الطويلة بذات الإصحاح والّذي نتتبع قراءته في هذه الأسابيع المتتاليّة، نجد يسوع في المقطع الإنجيليّ يتبع نفس الإستراتيجية الّتي إتبعها يشوع، كما نوهنا بأعلاه. يعلن خطابه أمام كثيّرين من المغادريّن له، وبعد إنّ إستمعوا إلى كلامه، إذ لا يحاول إقناعهم بالبقاء وبدلاً من ذلك وجه لهم تساؤله: «أَفلا تُريدونَ أَن تَذهبَوا أَنتُم أَيضاً؟» (يو 6: 67). |
||||
28 - 08 - 2024, 04:42 PM | رقم المشاركة : ( 171744 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
نبرة يسوع الواضحة (يو 6: 60-66) وأصل نبرة يسوع القاسيّة بحسب اللّاهوت اليوحنّاويّ هو بعد إتمامه خطبته عن الخبز النازل من السماء معلنًا إنه هو بذاته هذا الخبز، إذ للوهلة الأوّلى عانده اليهود وجادلوه ثم سأله تلاميذه قائلين: «هذا كَلامٌ عَسير، مَن يُطيقُ سَماعَه؟ فعَلِمَ يسوعُ في نَفْسِه أَنَّ تَلاميذَه يَتذمّرونَ مِن ذلك، فقالَ لَهم: "أَهذا حَجَرُ عَثرَةٍ لكُم؟ [...] والكَلامُ الَّذي كلَّمتُكُم به رُوحٌ وحَياة، فارتدَّ عِندَئِذٍ كثيرٌ مِن تَلاميِذه وانقَطعوا عنِ السَّيرِ معَه» (يو 6: 66). هل كلمة يسوع واضحة أم قاسيّة؟ يمكننا القول أنّ هذا المضمون اليوحنّاويّ هو أحد المواضيع المشتركة بصفحات الكتب المقدسة. غالبًا ما نُقاد إلى تجميل وتلطيف الرسالة الإنجيلية، ومحاولة جعلها مُغريّة للمؤمنين كرجال وكنساء عصرنا. ومع ذلك، فإن التلاميذ، نحن اليّوم، الّذين نلتقي بيسوع، والّذين نستمع إلى كلمته، نشعر بدلاً من ذلك بأنّها عقاب ونصفها بكلمة قاسية. فهي ليست كلمة مغرية، بل واضحة. إن كلمة الله تجذبنا ليس لأنّها تنفذ إستراتيجيات، كالوعود البشريّة الباطلة، بل لأنّها تكشف أصالة الحياة البشريّة وحقيقتها، حتى من خلال قساوة الكلمة فهي غير مريحة أحيانًا، ولا تخشى الفشل وقبولها من أعداد قليلة. تدعونا كلمات يسوع اليّوم إلى التعلم بأنّ هناك فرق أساسيّ علينا فهمه وهو التميّيز بين ما هو مغري وما هو أصليّ حتى وإنّ به نبرة قاسيّة. ما هو مغري جميل في حد ذاته، حتى لو لم يكن من من السهل تحقيقه؛ ما هو أصيل وقاسيّ يميّز فبدلاً من تتبع إستراتيجية الإدانة، حتّى وإنّ كانت باطلة وكاذبة، فهي لا تجذب انتباه غير ضروري. اليّوم، الكلمة الـمُغريّة الّـتي لا تبني كثيرون يسيّرون ورائها أما الحقّة فيتركونها لأنها تُلزم! |
||||
28 - 08 - 2024, 04:43 PM | رقم المشاركة : ( 171745 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إنّ كلمات يسوع الّتي أعلنها في خطابه عن خبز الحياة، بالتأكيد ذات نبرة تتميز بالقساوة. ليس من السهل قبول كلمة تكشف حقيقتنا لكي نعيش حقًا كرجال ونساء ذات إيمان وهويّة وتدعونا لتحمل المسئوليّة. من الضروري إستيعاب حياة أولئك الّذين لمّ يتمكنوا من تحمل مسئولية وجودهم بشكل منفصل عن الله أي كـملكية لذواتهم بل مدعويّن للتعرف على أنّ حياتهم هي بمثابة نعمة من الله يعيشوها بحسب إتحادهم به. مع ذلك، فإنّ طابع يسوع الخاص يرتكز في عدم محاولته لتُلطيف وتجميل كلماته بالزيّف. إنّه ليس مُغريًا بأنّ يُظهر لتلاميذه طّريق تبعيته كحياة جميلة وممتلئة بالورود. بلّ، منذ البدء، كشف بوضوح بأنّ طّريقه ليست هو الطّريق الّذي يؤدي إلى حياة سهلة. بناء على هذا الوضوح من قِبل يسوع، يأتي تميّيز بطرس لنبرة يسوع، الّذي يعلن إيمانه بحسب حقيقة ووضوح طّريق يسوع قائلاً: «يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟ ونَحنُ آمَنَّا وعَرَفنا أَنَّكَ قُدُّوسُ الله» (يو 6: 68- 69). بالرغم مما نعرفه عن بطرس من حماس وتهور إلّا إنّه يقرأ هويّة يسوع ويصغي بعمق لكلماته ويعطي إجابته الواضحة. وأنت ما هي إجابتك في عالم اليّوم الّذي يتلاشى فيه الحقيقي ويتمركز صاحب الكلمات الزائفة والمُغريّة؟ الخلّاصة بناء على نصي العهديّن ورسالتي يشوع (يش 24: 1- 18) ثم يسوع (يو 6: 60- 69)، نحن أيضًا مدعويّن اليّوم، في هذا المقال، أنّ نسمع نبرة كلمات يسوع، بالرغم من قساوتها فهي حقيقيّة وواضحة، إذّ يوجه تسأوله ليّ ولك اليّوم قائلاً: «أَفلا تُريدونَ أَن تَذهبَوا أَنتُم أَيضاً؟». إنّه لا يخدعنا من خلال طُّرق أو كلمات تشير للإغواء بتقديم طُرق مختصرة لنا؛ بل يقدم لنا يسوع مرة أخرى في الخبز المكسور وفي الكأس الّتي تحمل عصير الكرم، الطّريق الحقيقي لأولئك الّذين يخترون بحريتهم أنّ نخلّص حياتهم من خلال تقاسمها مع للآخرين، بل يقدمونها كعطيّة بالكامل. وحدها الحياة التي تُعاش بهذه الطريقة لها نكهة الخلود. ولهذا السبب، يمكننا نحن أيضًا، على مثال بطرس، أن نجيب اليوم: «يا رّبّ، إلى من نذهب؟ أنت وحدك تملك كلمة الحياة الأبدية!». دُمتم في تمتع بوضوح وحقيقة الكلمة وليس منساقين وراء كلمات الإغراء الكثيرة اليّوم. |
||||
28 - 08 - 2024, 04:46 PM | رقم المشاركة : ( 171746 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"النبرة القاسيّة أم المُغريّة!" بين كاتبّي سفر يشوع والإنجيل "آاحيا أم أاكُلْ؟" بين كاتبّي سفر الأمثال والإنجيل الرابع مُقدّمة في سلسلتنا الكتابيّة فيما بين العهدين، نستمر في تحليل النصوص الكتابيّة الّتي يتناولها كاتب الإنجيل الرابع بالفصل السادس. وهذا يشير إلى عمق موضوع الخبز الّذي يتناوله الكاتب والّذي يكشف الكثير والجديد معًا على بسان يسوع في خطبته الطويلة عن الخبز. لذا سنتاول بعض الآيات بحسب الإنجيل اليوحنّاويّ (6: 41- 51) الّتي تهدف إلى. كثيراً ما نجد النّور الإلهي، بناء على كلمات الإنجيليّ، في نص العهد الأوّل لكاتب السفر الحكميّ وهو سفر الأمثال (9: 1-6). حيث يضعا كِلّا الكاتبين موضوع هام سواء لّاهوتيًا أم كتابيًا، وهو ما أعطيناه عنوان الـ "آاحيّا أم أاكل؟". نهدف بهذا المقال التعّرف على حقيقة جوهريّة تجاه الأكل. نحن لا نأكل لنعيش فقط، بل نجلس على المائدة لنعيش. إن تناول الطعام هو جزء عميق من حياتنا الإنسانية، الأكل هو مرتبط بالحياة وبإمكانية نموها وتطورها فيمَن يعيش ملء الحياة حقًا، لدرجة أنّ إستهلاك الطعام، في كلّ ثقافة إتخذ معنى يتجاوز مجرد حاجة المرء إلى إطعام نفسه مِن أجل أنّ يحيا. إنّ تناول الطعام، وخاصة تناول الطعام معًا، ليس مجرد واقع وظيفيّ، ينتمي فقط إلى نطاق ضرورة الأسرة او الأفراد الّذين يعيشون معًا أنّ يتناولوا الطعام، ولكنّ البقاء معًا على المائدة يضمن نطاق المجانيّة والفيض معًا. وبهذا المعنى يمكننا أنّ نشير إلى إننا لا نأكل لنعيش فقط، بل نجلس على المائدة لنعيش ليس بفضل ما نتناوله فقط بل بفضل مَن بجوارنا على المائدة. 1. وليمة الحكمة (أم 9: 1- 6) كاتب سفر الأمثال الحكميّ، يُشّبه بكلماته أنّ الحكمة بمثابة ربّة المنزل الّتي بعد أنّ أعدت المائدة، تسعى لتدعو آخرين للجلوس لتناول الطعام معها مناديّة، فئات خاصة، من خلال جواريها قائلة: «"مَن كانَ ساذِجًا فليَملْ إِلى هُنا" وتَقولُ لِكُلِّ فاقِدِ الرُّشْد: "هَلُمُّوا كُلوا من خبْزي واْشرَبوا من الخَمْرِ الَّتي مزَجتُ". اترُكوا السَّذاجَةَ فتَحيَوا اسلُكوا طَريقَ الفِطنَة» (أم 9: 4- 6). الحكمة هي بمثابة الأمّ الّتي تدعو بنيها، خاصة الـمُهملّين (السُذَّج، فاقدي الرُّشد). كلّا منا يحمل بداخله جزء يميل للسذاجة وغير طبيعي أي فاقد الرُّشد في جزء ما بداخله. إلّا أنّ البقاء معًا يطور مما هو ساذج بداخلنا، التمسك بالجلوس معًا في ذات الوقت لتناول الوجبات لهو فيه الكثير من النمو فالتعامل مع الآخرين هو أوّل خطوة في طريق الحكمة والنمو الفرديّ. لنّ يستطيع إنسان ما أنّ ينمو بمفرده، حتى الزاهدين والناسكين، من حين لآخر يعود لمعلم له أو لجماعته باحثًا عن إجابات لأسئلة ما لم يتوصل إليها بمفرده. مدعوين أن نسعى وبجد أنّ تكون حياتنا ذات علاقة حميمة بالآخر ولننظر مِن الآن وصاعداً أنّ الجلوس على المائدة لهو سرّ التطور والنمو الشخصي قبل أنّ يكون جوهر لبناء علاقات أُسريّة أم جماعيّة. هذا الوقت ضروري، فهو ميعاد للتعرف على ما يفقدنا الرُّشد ونقاط سذاجتنا لنُصلح ما بنا. 2. لغة يسوع (يو 6: 51- 58) بُناء على كلمات كاتب سفر الأمثال، نجد أنّ لغة يسوع تحملنا للجلوس معًا على مائدة سريّة وذات نوع خاص الطعام الموضوع عليها. تشير لغة يسوع لمصدر التغذية السلّيمة، إذّ يكشف في حديثه عن ذاته وعن علاقاته بتلاميذه أنّ الخبز الحقيقيّ والشّراب الحقيقيّ، ليس بالقدرة على إفراط الإنسان في التغذية أو بتناول القليل منه. إنّ هذا الطعام والشراب الـمُقدمين في وليمة السيدة الحكمة، من نص العهد الأوّل، هما على لسان يسوع طعام وشّراب محددين للغاية: «لأَنَّ جَسَدي طَعامٌ حَقّ وَدمي شَرابٌ حَقّ» (يو 6: 55). هناك إستعارتين هامتين يشير بهما يسوع من طعام وشّراب حقيقييّن، إلى المؤمن وهما: 2.1. الدم (يو 6: 54- 56) من خلال لغة يسوع في هذا الخطاب الشهير بحسب اللّاهوت اليوحنّاوي يستخدم لفظ «الدم». يشير هذا اللفظ في الكتب المقدسة إلى حياة المرء ذاتها، تلك الحقيقة الغير الملموسة الّتي تخص الله الخالق وحده منذ الخلق، إذ يبثّ الدم نعمة حياة الله في كل إنسان. هذه الحقيقة الغير ملموسة والغير مرئية معًا، لا يستطيع الإنسان التخلص منها. إنّ حقيقة دعوة يسوع لتلاميذه بقوله: «مَن أَكل جَسَدي وشرِبَ دَمي فلَه الحَياةُ الأَبدِيَّة وأَنا أُقيمُه في اليَومِ الأَخير [...] مَن أَكَلَ جَسدي وشَرِبَ دَمي ثَبَتَ فِيَّ وثَبَتُّ فيه» (يو 9: 54. 56) . إذن دعوة يسوع لتلاميذه، نحن اليّوم، هي أنّ نشرب من دمه تشير إلى أنّ هذه النعمة هي عطيّة خالصة من الله وإنّها تتمثل في مشاركتنا في حياته، دون أي إستحقاق منّا فهي حياته الممنوحة للجميع بحبّ وبمجانيّة مُطلقة. 2.2. الجسد (يو 6: 51- 53) أما بالنسبة للجسد فهو لفط يشير معناه من اللغة اليونانيّة إلى sarxs، وفي اللغة العبريّة bessar وهو يشير حالة الإنسان الضعيفة والّتي تتميز بالوهن والفناء والزوال والّتي تتسم نهايتها بالموت. في الواقع أن لفظ الجسد لا يدل على حالة سلبية أو واقع الخطيئة، بل بحسب الإيمان المسيحي ما هو إلّا بداية تنتظر الإكتمال. فنحن قد لا نستطيع أنّ نفهم، بشكل مباشر، معنى ما يريد الإنجيلي قوله بإستخدام مُصطلح جسد، وما يعنيه أكل لحمه، إذا لم نأخذ بعين الإعتبار إعلان خاص بوجه يسوع، كشف عنه كثيراً الإنجيليّ وهو يُشكل أحد أجرأ وأقوى تعبيراته اللّاهوتيّة في الإنجيل الرابع. وأهم هذه التعبيرات قوله: «في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله [...] والكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا» (يو1: 1. 14). ولم يُقال إنّ الكلمة صار إنسانًا، بل إنّ الكلمة صار جسدًا. أي إنّه شارك بشكل كامل في بُعد المحدوديّة والفقر والموت الّذي يُميز الطبيعة البشريّة. لقد تولى البداية ليكملها في جسده، هذا هو إذن الواقع البشري الملموس والهش والمحدود الّذي تتخذه كلمة الله. بناء على سرّ تجسده الإلهي يكشف يسوع في خطابه ما يود أن يتركه للأبد كنعمة تعطي حياة أبديّة للمؤمنين به: «أَنا الخبزُ الحَيُّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء مَن يَأكُلْ مِن هذا الخُبزِ يَحيَ لِلأَبَد. والخُبزُ الَّذي سأُعْطيه أَنا هو جَسَدي أَبذِلُه لِيَحيا العالَم [...] إِذا لم تَأكُلوا جَسدَ ابنِ الإِنسانِ وتَشرَبوا دَمَه فلَن تَكونَ فيكُمُ الحَياة» (يو 6: 51- 53). إذن كلام يسوع وتقديمه ذاته واضح جداً ولنا من الحريّة أنّ نستمر في أنّ نحيا لنأكل أم نأكل فقط لنحيا! 3. أحيا أم أاكل؟ (أم 9: 1- 6؛ يو 6: 51- 58) لقد أشار كاتب الإنجيل الرابع كثيراً، بحسب اللّاهوت اليوحنّاويّ إلى أهميّة كلمات يسوع إلى تلاميذه بينما يتقاسمون الخبز. فهناك النص الّذي ينفرد به كاتب الإنجيل الرابع وهو غسل الأرجل (راج يو 13: 1- 13)، إذ يشير في هذا النص قائلاً: «فقامَ عنِ العَشاءِ فخَلَعَ ثِيابَه، وأَخَذَ مِنديلاً فَائتَزَرَ بِه» (يو 13: 4). بينما الجميع متكئين لتناول عشاء الفصح، يقوم يسوع ليؤسس سرّ الإفخارستيا مبتدأً بغسل أرجل تلاميذه، متخذاً صورة خادمهم. هذا هو قيمة البقاء معًا على المائدة. السعي لتناولنا الوجبات العاديّة تجعلنا نكشف عما بقلوبنا وعن حقيقتنا الضعيفة والّتي لا نقبلها. فكم بالأحرى البقاء معًا ككنيسة لتناول الطعام الجوهري وهو جسد ودم الرّبّ فهو مصدر الغذاء ويصير منبع لحياتنا. هذا هو نفس المنطق الّذي يدعونا إليه يسوع في قوله: «أَنا الخبزُ الحَيُّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء مَن يَأكُلْ مِن هذا الخُبزِ يَحيَ لِلأَبَد» (يو 6: 51). مدعوين أن نتسأل هل نعيش لنأكل أم نأكل لنعيش؟ نعم فهناك طعام ضروري، ليس الطعام الماديّ فقط، يساعدنا على أنّ نحيا ملء الحياة الّتي يسعى يسوع أنّ يعيدها إلينا وهي الحياة الّتي خُلقنا عليها بحسب فكر الله منذ الخلق. الخُلّاصة تطرقنا من خلال سفر الأمثال (9: 1- 6) للتعرف على قيمة البقاء على مائدة الحكمة الّتي كشف يسوع عن حقيقتها السريّة في خطابه عن الخبز بحسب الإنجيل الرابع (يو 6: 51- 58). مدعوين الجلوس على وليمة يسوع الّذي يدعونا بذاته إليها تاركًا أثمن ما لديه. نعم بقوله إنه الخبز الحيّ الّذي نزل من السماء، يؤكد يسوع ليّ ولك اليّوم، إنّه بحياته، في جسده، يكمن الجواب على الجوع، والتوقعات، والتساؤلات، والقلق الّذي يرافق قلوبنا كبشر. إنّ تناولنا اليّوم من جسد يسوع وشربنا من دمه، يعني أنّ إيماننا بأنّ حياته البشريّة، كما عاشها، تحمل إجابة كافية لبحثنا ولكل بحث يقوم به قلبنا البشري. لا يمكن أن تكون هناك لغة أكثر ملاءمة من لغة الوليمة، والأكل والشرب، للتعبير عن سرّ تقدمة يسوع لحياته وإتحاده بنا تصير إجابة على كل توقعاتنا للحياة الحقيقية، للحياة الأبدية. فهو قدم حياته ولم يعيش من أجل البقاء، بل من أجل الحياة بملئها إلى درجة بذل حياته من أجل الآخرين. في الواقع، مَن منا يرغب في أنّ يخلص حياته مدعو ليخسرها، ولا يخلصها إلا مَن يقدمها بحريّة. إذا قرأنا الأناجيل نكتشف أنّ هناك الحقائق المجانيّة وغير المجديّة عن يسوع هي فقط الّتي نتذكرها: صلاته، وتعاليمه، وشفاءاته الّتي قام بها دون أنّ يفعل أي شيء إستثنائي كالولائم الّتي تقاسمها مع الخطأة والمستبعدين، وأخيرًا نجح في تقديم حياته وفقدانها ليظل أمينًا لإعلانه الملكوت. اليّوم أكلنا جسد يسوع وشرب دمه، يعني أن نتقبل حياة يسوع ذاتها، ونتعلم منه المعنى الحقيقي لوجودنا البشري وهو يكمن في أنّ نبادله كما يحيا هو بتقدمة ذاته لحياتنا هكذا مدعوين لنعيش له ومثله. مدعوين أن نُركز في معنى الحياة الّتي نحياها كما قال بولس: «مِن أَجْلِهِم جَميعًا ماتَ [المسيحِ]، كَيلا يَحْيا الأَحياءُ مِن بَعدُ لأَنْفُسِهِم، بل لِلَّذي ماتَ وقامَ مِن أَجْلِهِم» (2كو 5: 15). دُمتم في التمتع بملء الحياة. |
||||
28 - 08 - 2024, 04:49 PM | رقم المشاركة : ( 171747 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
موضوع الخبز الّذي يتناوله الكاتب والّذي يكشف الكثير والجديد معًا على بسان يسوع في خطبته الطويلة عن الخبز. لذا سنتاول بعض الآيات بحسب الإنجيل اليوحنّاويّ (6: 41- 51) الّتي تهدف إلى. كثيراً ما نجد النّور الإلهي، بناء على كلمات الإنجيليّ، في نص العهد الأوّل لكاتب السفر الحكميّ وهو سفر الأمثال (9: 1-6). حيث يضعا كِلّا الكاتبين موضوع هام سواء لّاهوتيًا أم كتابيًا، وهو ما أعطيناه عنوان الـ "آاحيّا أم أاكل؟". نهدف بهذا المقال التعّرف على حقيقة جوهريّة تجاه الأكل. نحن لا نأكل لنعيش فقط، بل نجلس على المائدة لنعيش. إن تناول الطعام هو جزء عميق من حياتنا الإنسانية، الأكل هو مرتبط بالحياة وبإمكانية نموها وتطورها فيمَن يعيش ملء الحياة حقًا، لدرجة أنّ إستهلاك الطعام، في كلّ ثقافة إتخذ معنى يتجاوز مجرد حاجة المرء إلى إطعام نفسه مِن أجل أنّ يحيا. إنّ تناول الطعام، وخاصة تناول الطعام معًا، ليس مجرد واقع وظيفيّ، ينتمي فقط إلى نطاق ضرورة الأسرة او الأفراد الّذين يعيشون معًا أنّ يتناولوا الطعام، ولكنّ البقاء معًا على المائدة يضمن نطاق المجانيّة والفيض معًا. وبهذا المعنى يمكننا أنّ نشير إلى إننا لا نأكل لنعيش فقط، بل نجلس على المائدة لنعيش ليس بفضل ما نتناوله فقط بل بفضل مَن بجوارنا على المائدة. وليمة الحكمة (أم 9: 1- 6) كاتب سفر الأمثال الحكميّ، يُشّبه بكلماته أنّ الحكمة بمثابة ربّة المنزل الّتي بعد أنّ أعدت المائدة، تسعى لتدعو آخرين للجلوس لتناول الطعام معها مناديّة، فئات خاصة، من خلال جواريها قائلة: «"مَن كانَ ساذِجًا فليَملْ إِلى هُنا" وتَقولُ لِكُلِّ فاقِدِ الرُّشْد: "هَلُمُّوا كُلوا من خبْزي واْشرَبوا من الخَمْرِ الَّتي مزَجتُ". اترُكوا السَّذاجَةَ فتَحيَوا اسلُكوا طَريقَ الفِطنَة» (أم 9: 4- 6). الحكمة هي بمثابة الأمّ الّتي تدعو بنيها، خاصة الـمُهملّين (السُذَّج، فاقدي الرُّشد). كلّا منا يحمل بداخله جزء يميل للسذاجة وغير طبيعي أي فاقد الرُّشد في جزء ما بداخله. إلّا أنّ البقاء معًا يطور مما هو ساذج بداخلنا، التمسك بالجلوس معًا في ذات الوقت لتناول الوجبات لهو فيه الكثير من النمو فالتعامل مع الآخرين هو أوّل خطوة في طريق الحكمة والنمو الفرديّ. لنّ يستطيع إنسان ما أنّ ينمو بمفرده، حتى الزاهدين والناسكين، من حين لآخر يعود لمعلم له أو لجماعته باحثًا عن إجابات لأسئلة ما لم يتوصل إليها بمفرده. مدعوين أن نسعى وبجد أنّ تكون حياتنا ذات علاقة حميمة بالآخر ولننظر مِن الآن وصاعداً أنّ الجلوس على المائدة لهو سرّ التطور والنمو الشخصي قبل أنّ يكون جوهر لبناء علاقات أُسريّة أم جماعيّة. هذا الوقت ضروري، فهو ميعاد للتعرف على ما يفقدنا الرُّشد ونقاط سذاجتنا لنُصلح ما بنا. |
||||
28 - 08 - 2024, 04:54 PM | رقم المشاركة : ( 171748 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لغة يسوع (يو 6: 51- 58) أنّ لغة يسوع تحملنا للجلوس معًا على مائدة سريّة وذات نوع خاص الطعام الموضوع عليها. تشير لغة يسوع لمصدر التغذية السلّيمة، إذّ يكشف في حديثه عن ذاته وعن علاقاته بتلاميذه أنّ الخبز الحقيقيّ والشّراب الحقيقيّ، ليس بالقدرة على إفراط الإنسان في التغذية أو بتناول القليل منه. إنّ هذا الطعام والشراب الـمُقدمين في وليمة السيدة الحكمة، من نص العهد الأوّل، هما على لسان يسوع طعام وشّراب محددين للغاية: «لأَنَّ جَسَدي طَعامٌ حَقّ وَدمي شَرابٌ حَقّ» (يو 6: 55). هناك إستعارتين هامتين يشير بهما يسوع من طعام وشّراب حقيقييّن، إلى المؤمن وهما: 2.1. الدم (يو 6: 54- 56) من خلال لغة يسوع في هذا الخطاب الشهير بحسب اللّاهوت اليوحنّاوي يستخدم لفظ «الدم». يشير هذا اللفظ في الكتب المقدسة إلى حياة المرء ذاتها، تلك الحقيقة الغير الملموسة الّتي تخص الله الخالق وحده منذ الخلق، إذ يبثّ الدم نعمة حياة الله في كل إنسان. هذه الحقيقة الغير ملموسة والغير مرئية معًا، لا يستطيع الإنسان التخلص منها. إنّ حقيقة دعوة يسوع لتلاميذه بقوله: «مَن أَكل جَسَدي وشرِبَ دَمي فلَه الحَياةُ الأَبدِيَّة وأَنا أُقيمُه في اليَومِ الأَخير [...] مَن أَكَلَ جَسدي وشَرِبَ دَمي ثَبَتَ فِيَّ وثَبَتُّ فيه» (يو 9: 54. 56) . إذن دعوة يسوع لتلاميذه، نحن اليّوم، هي أنّ نشرب من دمه تشير إلى أنّ هذه النعمة هي عطيّة خالصة من الله وإنّها تتمثل في مشاركتنا في حياته، دون أي إستحقاق منّا فهي حياته الممنوحة للجميع بحبّ وبمجانيّة مُطلقة. 2.2. الجسد (يو 6: 51- 53) أما بالنسبة للجسد فهو لفط يشير معناه من اللغة اليونانيّة إلى sarxs، وفي اللغة العبريّة bessar وهو يشير حالة الإنسان الضعيفة والّتي تتميز بالوهن والفناء والزوال والّتي تتسم نهايتها بالموت. في الواقع أن لفظ الجسد لا يدل على حالة سلبية أو واقع الخطيئة، بل بحسب الإيمان المسيحي ما هو إلّا بداية تنتظر الإكتمال. فنحن قد لا نستطيع أنّ نفهم، بشكل مباشر، معنى ما يريد الإنجيلي قوله بإستخدام مُصطلح جسد، وما يعنيه أكل لحمه، إذا لم نأخذ بعين الإعتبار إعلان خاص بوجه يسوع، كشف عنه كثيراً الإنجيليّ وهو يُشكل أحد أجرأ وأقوى تعبيراته اللّاهوتيّة في الإنجيل الرابع. وأهم هذه التعبيرات قوله: «في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله [...] والكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا» (يو1: 1. 14). ولم يُقال إنّ الكلمة صار إنسانًا، بل إنّ الكلمة صار جسدًا. أي إنّه شارك بشكل كامل في بُعد المحدوديّة والفقر والموت الّذي يُميز الطبيعة البشريّة. لقد تولى البداية ليكملها في جسده، هذا هو إذن الواقع البشري الملموس والهش والمحدود الّذي تتخذه كلمة الله. بناء على سرّ تجسده الإلهي يكشف يسوع في خطابه ما يود أن يتركه للأبد كنعمة تعطي حياة أبديّة للمؤمنين به: «أَنا الخبزُ الحَيُّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء مَن يَأكُلْ مِن هذا الخُبزِ يَحيَ لِلأَبَد. والخُبزُ الَّذي سأُعْطيه أَنا هو جَسَدي أَبذِلُه لِيَحيا العالَم [...] إِذا لم تَأكُلوا جَسدَ ابنِ الإِنسانِ وتَشرَبوا دَمَه فلَن تَكونَ فيكُمُ الحَياة» (يو 6: 51- 53). إذن كلام يسوع وتقديمه ذاته واضح جداً ولنا من الحريّة أنّ نستمر في أنّ نحيا لنأكل أم نأكل فقط لنحيا! |
||||
28 - 08 - 2024, 04:55 PM | رقم المشاركة : ( 171749 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لقد أشار كاتب الإنجيل الرابع كثيراً، بحسب اللّاهوت اليوحنّاويّ إلى أهميّة كلمات يسوع إلى تلاميذه بينما يتقاسمون الخبز. فهناك النص الّذي ينفرد به كاتب الإنجيل الرابع وهو غسل الأرجل (راج يو 13: 1- 13)، إذ يشير في هذا النص قائلاً: «فقامَ عنِ العَشاءِ فخَلَعَ ثِيابَه، وأَخَذَ مِنديلاً فَائتَزَرَ بِه» (يو 13: 4). بينما الجميع متكئين لتناول عشاء الفصح، يقوم يسوع ليؤسس سرّ الإفخارستيا مبتدأً بغسل أرجل تلاميذه، متخذاً صورة خادمهم. هذا هو قيمة البقاء معًا على المائدة. السعي لتناولنا الوجبات العاديّة تجعلنا نكشف عما بقلوبنا وعن حقيقتنا الضعيفة والّتي لا نقبلها. فكم بالأحرى البقاء معًا ككنيسة لتناول الطعام الجوهري وهو جسد ودم الرّبّ فهو مصدر الغذاء ويصير منبع لحياتنا. هذا هو نفس المنطق الّذي يدعونا إليه يسوع في قوله: «أَنا الخبزُ الحَيُّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء مَن يَأكُلْ مِن هذا الخُبزِ يَحيَ لِلأَبَد» (يو 6: 51). مدعوين أن نتسأل هل نعيش لنأكل أم نأكل لنعيش؟ نعم فهناك طعام ضروري، ليس الطعام الماديّ فقط، يساعدنا على أنّ نحيا ملء الحياة الّتي يسعى يسوع أنّ يعيدها إلينا وهي الحياة الّتي خُلقنا عليها بحسب فكر الله منذ الخلق. الخُلّاصة تطرقنا من خلال سفر الأمثال (9: 1- 6) للتعرف على قيمة البقاء على مائدة الحكمة الّتي كشف يسوع عن حقيقتها السريّة في خطابه عن الخبز بحسب الإنجيل الرابع (يو 6: 51- 58). مدعوين الجلوس على وليمة يسوع الّذي يدعونا بذاته إليها تاركًا أثمن ما لديه. نعم بقوله إنه الخبز الحيّ الّذي نزل من السماء، يؤكد يسوع ليّ ولك اليّوم، إنّه بحياته، في جسده، يكمن الجواب على الجوع، والتوقعات، والتساؤلات، والقلق الّذي يرافق قلوبنا كبشر. إنّ تناولنا اليّوم من جسد يسوع وشربنا من دمه، يعني أنّ إيماننا بأنّ حياته البشريّة، كما عاشها، تحمل إجابة كافية لبحثنا ولكل بحث يقوم به قلبنا البشري. لا يمكن أن تكون هناك لغة أكثر ملاءمة من لغة الوليمة، والأكل والشرب، للتعبير عن سرّ تقدمة يسوع لحياته وإتحاده بنا تصير إجابة على كل توقعاتنا للحياة الحقيقية، للحياة الأبدية. فهو قدم حياته ولم يعيش من أجل البقاء، بل من أجل الحياة بملئها إلى درجة بذل حياته من أجل الآخرين. في الواقع، مَن منا يرغب في أنّ يخلص حياته مدعو ليخسرها، ولا يخلصها إلا مَن يقدمها بحريّة. إذا قرأنا الأناجيل نكتشف أنّ هناك الحقائق المجانيّة وغير المجديّة عن يسوع هي فقط الّتي نتذكرها: صلاته، وتعاليمه، وشفاءاته الّتي قام بها دون أنّ يفعل أي شيء إستثنائي كالولائم الّتي تقاسمها مع الخطأة والمستبعدين، وأخيرًا نجح في تقديم حياته وفقدانها ليظل أمينًا لإعلانه الملكوت. اليّوم أكلنا جسد يسوع وشرب دمه، يعني أن نتقبل حياة يسوع ذاتها، ونتعلم منه المعنى الحقيقي لوجودنا البشري وهو يكمن في أنّ نبادله كما يحيا هو بتقدمة ذاته لحياتنا هكذا مدعوين لنعيش له ومثله. مدعوين أن نُركز في معنى الحياة الّتي نحياها كما قال بولس: «مِن أَجْلِهِم جَميعًا ماتَ [المسيحِ]، كَيلا يَحْيا الأَحياءُ مِن بَعدُ لأَنْفُسِهِم، بل لِلَّذي ماتَ وقامَ مِن أَجْلِهِم» (2كو 5: 15). دُمتم في التمتع بملء الحياة. |
||||
28 - 08 - 2024, 05:06 PM | رقم المشاركة : ( 171750 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كان أمام سليمان الحكيم عمل غاية في الأهميَّة وهو بناء هيكل الرب. الأمر الذي اشتهاه والده ولم يُسمح له به، بل نال وعدًا إلهيًا أن يتمِّمه ابنه الخارج من صلبه. اتَّسم سليمان بالحكمة مع الغنى فتهيَّأ للعمل. وكان والده قد أعد له الكثير من الذهب والفضَّة كما هيأ المناخ السياسي للقيام بهذه المهمَّة. بقى أن يُحضر سليمان الخشب والحجارة والأيدي الفنيَّة العاملة، الأمر الذي استلزم أن يدخل في معاهدة مع حيرام ملك صور لتحقيقه. كان سليمان رمزًا للسيِّد المسيح الذي قيل عنه: "هوذا الرجل الغصن اسمه، ومن مكانه ينبت، ويبني هيكل الرب، فهو يبني هيكل الرب، وهو يحمل الجلال ويجلس ويتسلَّط على كرسيه، ويكون كاهنًا على كرسيه" (زك 6: 12-13). 1. تهنئة من ملك صور: 1 وَأَرْسَلَ حِيرَامُ مَلِكُ صُورَ عَبِيدَهُ إِلَى سُلَيْمَانَ، لأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّهُمْ مَسَحُوهُ مَلِكًا مَكَانَ أَبِيهِ، لأَنَّ حِيرَامَ كَانَ مُحِبًّا لِدَاوُدَ كُلَّ الأَيَّامِ. "وأرسل حيرام ملك صور عبيده إلى سليمان، لأنَّه سمع أنَّهم مسحوه ملكًا مكان أبيه، لأن حيرام كان محبًا لداود كل الأيام" [1]. يخبرنا المؤرِّخ يوسيفوس أن الرسائل المتبادلة بين حيرام وسليمان كانت محفوظة في أرشيف بمدينة صور حتى أيامه. كانت صور مدينة لها شهرتها التجاريَّة، ملاصقة للبحر، على حدود إسرائيل. يبدو أن سكَّانها كتجَّار كانوا يميلون إلى السلم، فلم يدخلوا في عداوة مع إسرائيل. أمَّا ملكها حيرام فكان معجبًا بشخصيَّة داود النبي الملك، وكان محبًا له على الدوام. يرى البعض أنَّه قد تأثَّر به فعبد الله الحيّ ورذل الأوثان. إذ مات داود بعث بإرساليَّة من الأمراء وكبار رجال الدولة لتعزية سليمان، وتهنئته على تولِّيه العرش، وتجديد العهد معه. لقد أراد أن يعيش في سلم وحب مع ملك إسرائيل. يرى البعض أن حيرام المذكور هنا هو ابن حيرام صديق داود النبي (2 صم 5: 11)، والذي أرسل إليه خشب الأرز ونجَّارين وبنَّائين وبنى له بيتًا، غالبًا في بداية مُلك داود. يقدِّم لنا سليمان العظيم في مملكته كيف يتعامل بكل حب وتقدير وحكمة مع من هو أقل منه. فلم يستغل مركزه في حواره مع ملك صور، ولا استخف به، بل حاوره بكل وقار كنِدٍّ لنِدٍّ، وبروح التواضع طلب مساندته كمن هو محتاج إليه وإلى خبرة شعبه. 2. حوار مع حيرام: 2 فَأَرْسَلَ سُلَيْمَانُ إِلَى حِيرَامَ يَقُولُ: 3 «أَنْتَ تَعْلَمُ دَاوُدَ أَبِي أَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَبْنِيَ بَيْتًا لاسْمِ الرَّبِّ إِلهِهِ بِسَبَبِ الْحُرُوبِ الَّتِي أَحَاطَتْ بِهِ، حَتَّى جَعَلَهُمُ الرَّبُّ تَحْتَ بَطْنِ قَدَمَيْهِ. 4 وَالآنَ فَقَدْ أَرَاحَنِيَ الرَّبُّ إِلهِي مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ فَلاَ يُوجَدُ خَصْمٌ وَلاَ حَادِثَةُ شَرّ. 5 وَهأَنَذَا قَائِلٌ عَلَى بِنَاءِ بَيْتٍ لاسْمِ الرَّبِّ إِلهِي كَمَا كَلَّمَ الرَّبُّ دَاوُدَ أَبِي قَائِلًا: إِنَّ ابْنَكَ الَّذِي أَجْعَلُهُ مَكَانَكَ عَلَى كُرْسِيِّكَ هُوَ يَبْنِي الْبَيْتَ لاسْمِي. 6 وَالآنَ فَأْمُرْ أَنْ يَقْطَعُوا لِي أَرْزًا مِنْ لُبْنَانَ، وَيَكُونُ عَبِيدِي مَعَ عَبِيدِكَ، وَأُجْرَةُ عَبِيدِكَ أُعْطِيكَ إِيَّاهَا حَسَبَ كُلِّ مَا تَقُولُ، لأَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَنَا أَحَدٌ يَعْرِفُ قَطْعَ الْخَشَبِ مِثْلَ الصِّيْدُونِيِّينَ». "فأرسل سليمان إلى حيرام يقول: أنت تعلم داود أبي أنَّه لم يستطع أن يبني بيتًا لاسم الرب إلهه بسبب الحروب التي أحاطت به، حتى جعلهم الرب تحت بطن قدميه" [2-3]. بقوله أنَّه يعلم بأن والده داود لم يقدر أن يبني الهيكل، واضح أن داود كان مشغولًا بهذا الأمر لفترة طويلة، وأنه ناقَش الأمر مقدَّمًا مع حيرام. هذا يتَّفق مع ما ورد في (2 صم 5: 11). واضح أن حيرام كان صديقًا حميمًا لداود الذي لم يخفِ عنه أنَّه كان يشتهي أن يبني بيتًا للرب إلهه. وأن داود قد أخبره بأن الله لم يسمح له بذلك، لأنَّه كان رجل حرب. مع أنَّه كان يحارب بسماحٍ من الرب ولحساب شعبه، لكنَّه لم يكن يصلح لبناء بيت الرب. فإن مثل هذا العمل يحتاج إلى تفرُّغٍ كاملٍ، فلم يكن لدى داود الوقت ولا تركيز الفكر للبناء، بينما لم تكن دولته قد استقرت بعد. "والآن فقد أراحني الرب إلهي من كل الجهات فلا يوجد خصم ولا حادثة شر" [4]. الكلمة العبريَّة المترجمة "خصم" هي saataan" أي "شيطان". وكأن الله قد أراحه من العدو الخارجي وأيضًا الداخلي حتى يتفرغ للبناء. حقًا جاء سليمان، رجل السلام، يتفرغ بوقته وإمكانياته وقدراته وحكمته لهذا العمل. ونحن أيضًا لا نكف عن أن نصلي بلا انقطاع لكي يهبنا الله السلام كفرصة لتكريس طاقاتنا لبناء بيت الرب في كل قلب. إن الصراع خاصة داخل الكنيسة يحرمنا من التفرغ للبناء الإيجابي. "وهانذا قائل على بناء بيت لاسم الرب إلهي، كما كلم الرب داود أبي قائلًا: إن ابنك الذي أجعله مكانك على كرسيك هو يبني البيت لاسمي" [5]. يرى العلامة أوريجينوس أن سليمان الذي معناه "سلام" رمز للسيِّد المسيح. فقد بنى الهيكل بعد أن انتهت الحروب وحلت فترة سلام. تحققت النبوة عن إنشاء الهيكل بالمسيح الذي يقول: [مع مبغضي السلام كنت صاحب سلام] (مز 120: 7). يقيم هيكله بالحجارة الحيَّة التي تقام عليه بكونه أساس الهيكل. لكل أحد منا له موضعه في الهيكل كبناء حي. * استخدم أثمن مواد البناء، استورد أغلبها، مثل الأرز من لبنان [6]؛ والحجارة المنحوتة المربعة الكبيرة لتأسيس البيت، نَحَتَهَا بَنَّاؤُو سُلَيْمَانَ، وَبَنَّاؤُو حِيرَامَ وَالْجِبْلِيُّونَ (1 مل 5: 18)، وخشب الزيتون (1 مل 6: 20-22)، وخشب السرو (1 مل 6: 34)، وذهب خالص (1 مل 6: 22)، والنحاس (1 مل 7: 13-47). * أرسل له حيرام ملك صور مواد للبناء ورجالًا للعمل (1 مل 5: 16؛ 9: 11)، وقدم له سليمان 20 مدينة (1 مل 9: 11). * كان العاملون في البناء 30000 عاملًا، 150000 عاملين في الحجارة، 3300 رئيسًا للعمال. * غشى البيت كله بالذهب (1 مل 6: 22). * جميع حيطان البيت رسمها نقشًا بنقرٍ كروبيم ونخيل وبراعم زهور من داخل ومن خارج (1 مل 6: 29). * بالنسبة للآنيَّة النحاسيَّة "ترك سليمان وزن جميع الآنيَّة لأنَّها كثيرة جدًا جدًا؛ لم يتحقق وزن النحاس" (1 مل 7: 47). * استمر العمل في البناء مدة سبع سنوات بغير توقف (1 مل 6: 37-38). أراد سليمان بلا شك أن يقدِّم أثمن ما لديه، وأجمل فن لمجد الله. غير أن الله أكَّد له أن ما يشغله هو بناء الهيكل الداخلي في النفس، بالطاعة للوصيَّة (1 مل 6: 11-12). إنَّه يريد لا أن يسكن في بيوت من صنع البشر بل أولًا أن يسكن في البشر أنفسهم فيقبل ما يقدِّمونه له (1 مل 8: 27؛ 1 كو 6: 19-20). "والآن فأمر أن يقطعوا لي أرزًا من لبنان، ويكون عبيدي مع عبيدك، وأجرة عبيدك أعطيك إياها حسب كل ما تقول، لأنك تعلم أنَّه ليس بيننا أحد يعرف قطع الخشب مثل الصيدونيين" [6]. كان لشجر الأرز أهميَّة خاصة لجمال خشبه ومرارته الشديدة التي تمنع الحشرات والديدان من أن تفسده بسرعة. الكلمة العبريَّة التي تترجم هنا "أرز" يبدو أنَّها تستخدم ليس فقط عن أشجار الأرز، بل وعن كل الأشجار التي يُستخدم خشبها للبناء مثل العرعر. يتحدث الكتاب المقدَّس عن أرز لبنان بصفة خاصة بكونه زرع الرب (مز 104: 16) لاستخدامه في بناء هيكله. لقد طلب سليمان من حيرام الانتفاع بمهارة شعبه وخبرتهم في قطع أشجار الأرز ونقلها بحرًا، فهم كأصحاب أسطول بحري تمتعوا بهذه الخبرة. كان لشعب إسرائيل خبرته فيما يخص العبادة والحياة المقدَّسة في الرب، أمَّا الصيدونيون فأصحاب خبرة في الخشب والنقل البحري. لم يتجاهل سليمان هذه الخبرة، بل بحكمة عرف كيف يوجهها لتعمل في تناسق مع خبرة شعبه الروحيَّة. فإن القائد الناجح يعرف كيف يوجه كل الطاقات والمواهب، ليس فقط الروحيَّة بل والأمور الزمنيَّة، ليعمل الكل معًا في تناسق ولحساب ملكوت الله. "وأجرة عبيدك أعطيك إياها حسب ما تقول"، فإنَّه لا يُبني هيكل الرب بروح الظلم. لا يقبل أن يُبني ما هو للرب بغير فكر الرب المهتم بالأجراء المحتاجين. كم يتعثّر كثيرون حينما يستغل بعض قادة الكنيسة الآخرين، حتى وإن كان للعمل لحساب الكنيسة. يحل اسم الرب على الهيكل ويسكن فيه، وكأن "اسم" الرب هنا يعني "الإعلان عن طبيعته بطريقة منظورة تعبر عن حضرته الإلهيَّة". "الصيدونيون" يعني بهم الفينيقيين بوجه عام، حيث أن صيدا كانت أقوى من صور، والمنطقة التي بها أرز في لبنان كانت تابعة لصيدا. كان سكَّان صيدا مهرة في البناء والفنون. يبدو أنَّه كان للصيدونيين ملكهم، تحت رئاسة صور. لعل استخدام الصيدونيين، أبناء الغرباء، في تهيئة الخشب والحجارة لبناء الهيكل كان رمزًا لقيام قادة كنسيين من الأمميين لبناء بيت الرب الروحي الأبدي. كان العمل أكبر من أن يقوم به العمال الفينيقيّون وحدهم، لذلك كانت هناك حاجة إلى تقسيم العمل بين الفينيقيين والإسرائيليين. يقول المؤرِّخ يوسيفوس اليهودي: [أنتم تعرفون أنَّه لا يوجد بيننا من له مهارة في قطع الخشب مثل الصيدونيي]. قطع الأشجار وتهيئة الأخشاب لاستخدامها في البناء يحتاج إلى خبرات خاصة لم يكن الإسرائيليون قد عرفوها أو تدربوا عليها. من هذه الخبرات: * اختيار الوقت المناسب للقطع، حيث كان يُفضل القطع في الخريف أو الشتاء، حيث لا يكون الساق به نسبة عاليَّة من الرطوبة كما في الربيع والصيف. * لا تُقطع الأشجار دفعة واحدة، بل يقطع حول الساق وتترك قليلًا حتى تجف، بعد ذلك تقطع بالكامل. * تُتْرَك ثلاثة سنوات قبل استخدامها في الأرضيات والأبواب والنوافذ. هكذا كان يليق بهم وهم يعدّون الخشب لبناء هيكل الرب، مع أهميَّة العمل العظيم، ألَّا يتسرعوا، فإنَّه غالبًا إذ نمارسه بعجلة لا ينفع شيئًا. يشهد المؤرِّخون القدامى عن مهارة الصيدونيين. يقول هوميروس: [بإن الكؤوس الكبيرة التي كان اليونانيين يشربون بها الخمر هي من صناعة صيدا. كما يقول بأن نساء صيدا كن يصنعن الثياب المطرزة الجميلة التي كانت السيِّدات اليونانيات يفتخرن بها]. وقال هيرودوت Herodotus: [إن أهل صور وصيدا كانوا الأولين في علم سير السفن]. ويقول سترابو: [إن الصيدونيين امتازوا بالرياضيات والفلك والفلسفة والصنائع]. 3. معاهدة مع حيرام: 7 فَلَمَّا سَمِعَ حِيرَامُ كَلاَمَ سُلَيْمَانَ، فَرِحَ جِدًّا وَقَالَ: «مُبَارَكٌ الْيَوْمَ الرَّبُّ الَّذِي أَعْطَى دَاوُدَ ابْنًا حَكِيمًا عَلَى هذَا الشَّعْبِ الْكَثِيرِ». 8 وَأَرْسَلَ حِيرَامُ إِلَى سُلَيْمَانَ قَائِلًا: «قَدْ سَمِعْتُ مَا أَرْسَلْتَ بِهِ إِلَيَّ. أَنَا أَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِكَ فِي خَشَبِ الأَرْزِ وَخَشَبِ السَّرْوِ. 9 عَبِيدِي يُنْزِلُونَ ذلِكَ مِنْ لُبْنَانَ إِلَى الْبَحْرِ، وَأَنَا أَجْعَلُهُ أَرْمَاثًا فِي الْبَحْرِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تُعَرِّفُنِي عَنْهُ وَأَنْقُضُهُ هُنَاكَ، وَأَنْتَ تَحْمِلُهُ، وَأَنْتَ تَعْمَلُ مَرْضَاتِي بِإِعْطَائِكَ طَعَامًا لِبَيْتِي». "فلما سمع حيرام كلام سليمان فرح جدًا وقال: مبارك اليوم الرب الذي أعطى داود ابنًا حكيمًا على هذا الشعب الكثير" [7] فرح حيرام كرجل متدين باقتراح سليمان أنَّه يساهم في هذا العمل بطريق أو آخر. فرح أن يرى لصديقه الحميم داود مثل هذا الابن الصالح الحكيم (ملا 2: 15)، فبالحب لم يدخل الحسد أو الغيرة إلى قلبه، وإنما على العكس فرح بنجاح أخيه. كان من صالح حيرام وجود علاقات طيبة مع إسرائيل لأجل السلام ومن أجل التجارة، إذ كان الفينيقيون تجارًا. واضح من سلوك حيرام أنَّه يتعبد لله الحقيقي. يرى البعض أن تمجيد حيرام لله إله إسرائيل لا يعني عدم عبادته للأوثان، وإنما هو اعتراف بأنه إله حقيقي مثل سائر آلهته. في (2 أي 2: 11) اعترف حيرام بأن يهوه هو خالق السماء والأرض، لكن هذا لا يعني دخوله في علاقات شخصيَّة معه. فقد كان من عادة الوثنيين أنَّهم يؤمنون بأن لكل بلدٍ إلهه، وأنه يليق أن يحترم كل شخص إله البلاد الأخرى. "وأرسل حيرام إلى سليمان قائلًا: قد سمعت ما أرسلت به إليّ. أنا أفعل كل مسرتك في خشب الأرز وخشب السرو" [8]. غابات لبنان بالقرب من البحر كانت في أيام سليمان تبع الفينيقيين، غير أن البعض يرون بأن أشجار الأرز المذكورة هنا كانت في أرض إسرائيل، وكان سليمان في حاجة إلى الأيدي العاملة ذات الخبرة. "عبيدي ينزلون ذلك من لبنان إلى البحر، وأنا أجعله أرماثا في البحر إلى الموضع الذي تعرفني عنه، وَأَنْقُضُهُ هناك، وأنت تحمله، وأنت تعمل مرضاتي بإعطائك طعامًا لبيتي" [9]. لا يقوم رجال حيرام فقط بقطع الأشجار بطريقة فنيَّة، وإنما بخبرتهم يلقون به على المياه ويبعثون به إلى يافا Joppa مقابل أورشليم على بعد حوالي 25 ميلًا. 4. سير العمل: 10 فَكَانَ حِيرَامُ يُعْطِي سُلَيْمَانَ خَشَبَ أَرْزٍ وَخَشَبَ سَرْوٍ حَسَبَ كُلِّ مَسَرَّتِهِ. 11 وَأَعْطَى سُلَيْمَانُ حِيرَامَ عِشْرِينَ أَلْفَ كُرِّ حِنْطَةٍ طَعَامًا لِبَيْتِهِ، وَعِشْرِينَ كُرَّ زَيْتِ رَضٍّ. هكَذَا كَانَ سُلَيْمَانُ يُعْطِي حِيرَامَ سَنَةً فَسَنَةً. 12 وَالرَّبُّ أَعْطَى سُلَيْمَانَ حِكْمَةً كَمَا كَلَّمَهُ. وَكَانَ صُلْحٌ بَيْنَ حِيرَامَ وَسُلَيْمَانَ، وَقَطَعَا كِلاَهُمَا عَهْدًا. 13 وَسَخَّرَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مِنْ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ، وَكَانَتِ السُّخَرُ ثَلاَثِينَ أَلْفَ رَجُل. 14 فَأَرْسَلَهُمْ إِلَى لُبْنَانَ عَشْرَةَ آلاَفٍ فِي الشَّهْرِ بِالنَّوْبَةِ. يَكُونُونَ شَهْرًا فِي لُبْنَانَ وَشَهْرَيْنِ فِي بُيُوتِهِمْ. وَكَانَ أَدُونِيرَامُ عَلَى التَّسْخِيرِ. 15 وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا يَحْمِلُونَ أَحْمَالًا، وَثَمَانُونَ أَلْفًا يَقْطَعُونَ فِي الْجَبَلِ، 16 مَا عَدَا رُؤَسَاءَ الْوُكَلاَءِ لِسُلَيْمَانَ الَّذِينَ عَلَى الْعَمَلِ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَثَلاَثَ مِئَةٍ، الْمُتَسَلِّطِينَ عَلَى الشَّعْبِ الْعَامِلِينَ الْعَمَلَ. 17 وَأَمَرَ الْمَلِكُ أَنْ يَقْلَعُوا حِجَارَةً كَبِيرَةً، حِجَارَةً كَرِيمَةً لِتَأْسِيسِ الْبَيْتِ، حِجَارَة مُرَبَّعَةً. 18 فَنَحَتَهَا بَنَّاؤُو سُلَيْمَانَ، وَبَنَّاؤُو حِيرَامَ وَالْجِبْلِيُّونَ، وَهَيَّأُوا الأَخْشَابَ وَالْحِجَارَةَ لِبِنَاءِ الْبَيْتِ. "فكان حيرام يعطي سليمان خشب أرز وخشب سرو حسب كل مسرته. وأعطى سليمان حيرام عشرين ألف كر حنطة طعامًا لبيته وعشرين كر زيت رض، هكذا كان سليمان يعطي حيرام سنة فسنة" [10-11]. كان الإسرائيليون محتاجين إلى مهارة الصيدونيين، وكان الصيدونيون محتاجين إلى غلال الإسرائيليين وزيتهم (2 أي 2: 3؛ حز 27: 17). لا يوجد إنسان مكتفٍ بذاته، إذ كل شخص محتاج إلى أخيه. وكل دولة في حاجة إلى الدول الأخرى. زيت الرض يُستخرج من الزيتون بالرض ليكون نقيًّا خالصًا من الشوائب لا كالزيت الذي يُستخرج بالطحن، لأن ذلك لا يخلو من الأدران. هنا نجد تنفيذ الاتفاقيَّة المبرمة بين الملكين سليمان وحيرام، كل منهما قام بدوره على خير وجه. * سلم حيرام الملك سليمان الخشب مقايضة. غالبًا ما كانت الأشجار ملك سليمان، لكن مرتبات الأيدي الفنيَّة العاملة كانت أكثر تكلفة من ثمن الأشجار. * بعث سليمان قمحًا وزيتًا إلى حيرام حسب وعده له [11] لبيت الملك، أمَّا العمال فكانوا يأكلون في مواقع العمل. "والرب أعطى سليمان حكمة كما كلمه، وكان صلح بين حيرام وسليمان وقطعا كلاهما عهدًا" [12]. أعطى الرب سليمان حكمة ونعمة ليُقيم صداقة مع حيرام، فأحب حيرام سليمان، فتشجع الاثنان على حفظ علاقات الود المتبادلة ألاَّ يفسدها شيء. هكذا ارتبط الاثنان معًا خلال التصرفات العادلة وعدم الاستغلال مع إبراز جوانب الصداقة والحب خلال تدخل الله الذي وهب سليمان الحكمة. يقول يوسيفوس المؤرَّخ إن الاتفاقيَّة بين سليمان وحيرام وُجدت في أرشيف كل من إسرائيل وصور. لم يذكر شيء عما إذا كان هذا الاتفاق قد تُرجم. فإن الرأي السائد أن الكنعانيين والصوريين وأيضًا سكَّان قرطاجنة كانوا يجيدون اللسان العبراني أو على الأقل لغة مشتقة من العبريَّة. أظهر سليمان حكمته ليس فقط في معاملاته مع الخارج بل وفي استخدام طاقات شعبه للعمل. "وسخر الملك سليمان من جميع إسرائيل، وكانت السُّخَرُ ثلاثين ألف رجل. فأرسلهم إلى لبنان عشرة آلاف في الشهر بالنوبة، يكونون شهرًا في لبنان وشهرين في بيوتهم، وكان أدونيرام على التسخير" [13-14]. يميز بين الجزية التي يلتزم بها الكنعانيون كعبيد (1 مل 5: 15؛ 9: 20) وبين التزام العمال الإسرائيليين بالعمل، فإن الإسرائيليين يعملون 4 أشهر فقط في السنة. يعملون شهرًا ويعودون إلى منازلهم لمدة شهرين. مع أن قلب سليمان كان ملتهبًا بالغيرة لسرعة بناء الهيكل، لكنَّه حرص في البداية ألا يثقل على العمال حتى لا يفقدوا سلامهم الداخلي وراحتهم الجسديَّة. يرى البعض أن سليمان كان حريصًا على وحدة الأسرة والحفاظ على سلامتها، لهذا لم يكن يسمح للعامل أن يغيب عن أسرته أكثر من شهرين. بعد الشهر يلتزم العامل بالعودة إلى بيته ليعيش لمدة شهرين مع أسرته، فلا تشعر الزوجة والأولاد بالفراغ. قام سليمان بتشغيل ثلاثين ألفًا من الإسرائيليين، بحيث يعمل كل شخص منهم لمدة شهر يليها شهران في راحة. لم يُحسب هذا تسخيرًا، ولا عبوديَّة. فقد كان ما يشغل قلب سليمان هو أن يعيش شعبه بروح الحريَّة فخرج منهم رجال قتال وأمراء، وقادة مدنيون وعسكريون. عندما عاد سيزوستريس ملك مصر Sesostris من حروبه بَنَى معابد كثيرة في كل مدن مصر، لم يستخدم في بنائها مصريًا واحدًا، بل قام بالبناء أسرى الحرب. وقد نقش على كل هيكل: "لم يعمل أحد من المواطنين في هذه المباني". يبدو أن سليمان وضع نقشًا مشابهًا على منشآته. تحققت نبوة ناثان النبي (2 صم 7: 13) بقيام سليمان ببناء الهيكل. بدأ البناء بالتعاون بين المملكتين: إسرائيل وفينيقيَّة، وقد حافظت المملكتان على العهد أو الاتفاقيَّة التي أُبرِمت بينهما. يرى بعض الدارسين أن الإرهاق الشديد في الإنشاءات التي حققها سليمان من الجانب المادي والقوة العُماليَّة (استخدام السخرة) أدى إلى وجود اتجاه مضاد لدى بعض الأسباط ضد سبط يهوذا وربَّما ضد الهيكل نفسه، مما شجع يربعام فيما بعد على إقامة معبدين في بيت إيل ودان. اضطر سليمان إلى استخدام نظام السخرة لبناء الهيكل، أمَّا مسيحنا فيدعو العبيد للتمتع بالحريَّة ليقيم منهم هيكله السماوي. يقول العلامة أوريجينوس: * إن كنت منتميًا للكنيسة لا يشغلني مدى صغر شأني، فملاكي يتطلع معاينًا وجه الآب في كمال الحريَّة. في حين إن كنت خارجها، لن يجرؤ على ذلك. * أمَّا الرسول فيقول عن أورشليم السماوية "هي أمنا جميعًا... هي حرة" (غلا 4: 26). لذلك أبوك هو الله الذي أنجب روحك، والذي يقول: "ربيت بنين ونشَّأتهم" (إش 1: 2). أمَّا بولس فيقول أيضًا: "أفلا نخضع بالأولى جدًا لأبي الأرواح فنحيا؟! (عب 12: 9)(47). العلامة أوريجينوس "وكان لسليمان سبعون ألفا يحملون أحمالًا وثمانون ألفًا يقطعون في الجبل" [15]. خصص سليمان لرجاله العمل السهل كقطع الأخشاب وذلك بمعاونة الفنيين من صور وصيدا. أمَّا حمل الأحمال وقطع الحجارة في الجبل فترك ذلك للأسرى من الأمم الأخرى (1 مل 9: 20، 2 أي 8: 7-9). يقدر عدد أسرى الحرب في أيام داود ب 153600. لم نسمع أن هؤلاء سُمح لهم بالراحة شهرين بعد العمل لمدة شهر كالإسرائيليين، لأن هؤلاء كانوا عبيدًا. يرى بعض الآباء مثل القديس جيرومفي العاملين في بناء الهيكلصورة رمزية للعمل في كنيسة الله الحيَّة. * 70000 يحملون الحجارة، يشيرون إلى كل رجال العهد القديم وقد اتَّسموا بالفكر السماوي. رقم 7 يشير للزمن (أسبوع)، 10 يشير إلى الكمال الزمني، 1000 للفكر الروحي أو السماوي. * 80000 يقطعون في الجبل، يشيرون إلى كل رجال العهد الجديد وقد اتَّسموا بالفكر السماوي. رقم 8 يشير إلى ما وراء الزمن (ما بعد الأسبوع)، 10 يشير إلى الكمال الزمني، 1000 للفكر الروحي أو السماوي. * 3000 الوكلاء على العمل، يشيرون إلى كل المؤمنين بعمل الثالوث القدوس في حياتهم (3) ، 1000 للفكر الروحي أو السماوي. فهيكل الرب الحقيقي يمتد في العهدين كثمرة عمل الثالوث القدوس في حياة المؤمنين. * البناءون الذين كانوا يقطعون الحجارة ويعدون أساسات البناء، الذين يحملون الحجارة من الأرض لبناء هيكل الرب يحصون برقم 7 في الأنبياء والآباء (البطاركة) فإنَّهم إذ يبدون أنَّهم يسحبون الجنس البشري من الأرض كانوا يعدون هيكل الرب. الآخرون الثمانيَّة آلاف يرمزون للكرازة الرسوليَّة والأناجيل، هؤلاء الذين مع الرب المخلص وسليمان نفسه يحملون حمل الأمم الثقيل. هذا بالتأكيد هو علو السرّ، لكن استمع إلى أسرار أعمق. فإن النظار على العمل والهيكل كانوا ثلاثة آلاف. فإنَّهم لا يستطيع النظار المسئولون على العمل ما لم يعلنوا التثليث. القديس جيروم "ما عدا رؤساء الوكلاء لسليمان الذين على العمل ثلاثة آلاف وثلاث مئة المتسلَّطين على الشعب العاملين العمل. وأمر الملك أن يقلعوا حجارة كبيرة، حجارة كريمة، لتأسيس البيت حجارة مربعة" [16، 17]. الحجارة الكبيرة: من حيث أبعادها، فهي ضخمة الحجم. الحجارة الثمينة: من حيث تكلفتها من جهة العمل والوقت الطويل اللازم لقطعها من الصخور. الحجارة المنحوتة: وهي حجارة مربعة قاموا بتهيئتها لتكون ناعمة. كان الإسرائيليون مع الصوريين يعملون معًا في تهيئة الحجارة. "فنحتها بناؤو سليمان وبناؤو حيرام والجبليون، وهيأوا الأخشاب والحجارة لبناء البيت" [18]. جاء في حزقيال (حز 27: 9) أن الجبليين كانوا ذوي خبرة في بناء السفن، وبالتالي كانت لهم خبرة في البناء بوجه عام. الجبليون هم أهل جبيل، وهي على شط البحر على بعد نحو 25 ميلًا من بيروت على طريق طرابلس (يش 13: 5؛ حز 27: 9). حين كان داود وسليمان يسلكان بروح التقوى كانت معاشرتهما لأهل صور نافعة للغاية، لكن إذ انحرف سليمان عن التقوى تحولت هذه المعاشرة للضرر، وقد بلغت القمة في أيام أخآب الذي اتخذ إيزابل بنت أثبعل ملك صور زوجة (1 مل 16: 31). لأُسَخِّر كل الطاقات لبناء بيتك! * ضع في قلبي أن ابني لك بيتًا مع سليمان الحكيم. نجح سليمان في تشغيل عمال حيرام ملك صور لحساب بيتك. هل لي أن أكرس طاقاتي وطاقات كل من ألتقي بهم، فيعمل العالم كله لبناء هيكلك الحق! فرح قلب كل إنسان ببنيان ملكوتك، كما فرح قلب حيرام بمشاركته سليمان في بناء هيكلك. * سخر سليمان ثلاثين ألفًا من إسرائيل للعمل، عمل الإسرائيليون مع بني صور وأيضًا مع المسبيين. كل منهم كان له دوره في بناء هيكلك. متى أرى العالم كله خادمًا لحساب ملكوتك؟ متى تتكرس كل الطاقات بروحك القدوس؟ |
||||