26 - 08 - 2024, 05:01 PM | رقم المشاركة : ( 171551 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عودي إلى راحة بالك يا نفسي فالله سيهتم بك (مز 116: 7) |
||||
26 - 08 - 2024, 05:04 PM | رقم المشاركة : ( 171552 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أين البيكولو؟ البيكولو piccolo هو آلة موسيقية صغيرة (كمعنى اسمه بالإيطالية) من آلات النفخ الخشبية، وهو كآلة الفلوت ولكن نصفها في الحجم، غير أنه متميز في الأصوات التي يصدرها فيُعرَف عنه أنه عندما يصاحب آلات الكمان أو باقي آلات النفخ، يضيف بريقًا وتألقًا للصوت العام. كان السير مايكل كوستا يُجري بروفة لمقطوعة هامة ستعزفها الأوركسترا الكبيرة التي كان يقودها. في منتصف الجلسة تقريبًا، مع دوي الأبواق، وقرع الطبول، وغناء الكمان لحنها البديع، تمتم عازف البيكولو لنفسه: “ما الفائدة مما أفعله؟ إذا لم أعزف لن يلاحظني أحد، فلا أحد يستطيع سماعي على أيِّة حال.” فأبقى الآلة على فمه، لكنه لم يصدر أي صوت. وفي الحال، صاح قائد الأوركسترا: “توقف! توقف! أين البيكولو؟” لقد لاحظ غيابه أذن أهم شخص على الإطلاق، واعتبر أن شيئًا هامًا قد نقص، حتى أنه أوقف الجميع بحثًا عنه. في أوقات معينة من الحياة قد نشعر بعدم الأهمية وعدم الفائدة، بصفة خاصة عندما نكون محاطين بأشخاص يتمتعون بإمكانات أكبر من إمكاناتنا. فنميل في لحظات ضعفنا إلى الانسحاب وترك آخر يقوم بالعمل، ونحن نعتقد أن ما لدينا لنقدمه لن يُحدث فَرْقًا كبيرًا على أيّة حال. وننسى يوم أن استخدام ربنا لخمسة أرغفة وسمكتين صغيرتين في يد غلام صغير لإطعام الجموع (يوحنا ظ،:ظ¦-ظ،ظ¤). كل واحد منا لديه شيء مهم ليقدِّمه في خدمته، سواء كانت موهبتنا كبيرة أو صغيرة، فإن الأداء لا يكتمل حتى نبذل قصارى جهدنا بما لدينا. يطلب الرب ما لديك لتقدِّمه، بِغَضّ النظر عما إذا كنت تعتقد أنه صغير، فهو يُسَرّ بأن يتمم عمله على الأرض من خلال أحبائه. لذا أعطه أفضل ما لديك، أعط كل ما لديك. واعلم أنه في نظر الله، هو أمر عظيم أن تفعل شيئًا صغيرًا بشكل جيد إذ تبذل كل طاقتك. |
||||
26 - 08 - 2024, 05:48 PM | رقم المشاركة : ( 171553 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سلطان سليمان وغناه وحكمته إذ تولَّى سليمان العرش بدأ عمله بالالتقاء مع الله ملك الملوك، الذي اختاره ملكًا على شعبه. وكأنَّه بالوكيل الذي يلجأ إلى موكِّله قبل أن يبدأ العمل، حتى يتمِّم إرادته. قدَّم سليمان محرقات وذبائح سلامة ليُعلن عن حبُّه لمن أقامه ويشكره، كما قدَّم صلوات طوال النهار يسأله فيها أن يهبه الحكمة السماويَّة، وإذ ترآى له الرب لم يطلب شيئًا سوى الحكمة. الآن يبدأ عمله بإقامة مجلسٍ يشبه مجلس الوزراء لكي يعمل من خلالهم. فقد اتَّسعت مملكة سليمان، وتحقَّقت الوعود الإلهيَّة المقدِّمة للآباء البطاركة، خاصة إبراهيم. وأعطاه الله نعمة في أعين الملوك المحيطين به. اتَّسم عهده بالسلام والخير الوفير. ودخل في مشروعات ضخمة، وصارت له شهرة بسبب حكمته وإنتاجه الأدبي، فقد كتب 3000 مثلًا، 1005 أغنية، وأعمالًا علميَّة عن النباتات والحيوانات (1 مل 4: 33) كما وضع بعض الأسفار المقدَّسة بإعلان الروح القدس، وبنى أيضًا الهيكل. 1. مجلس وزراء سليمان: 1 وَكَانَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مَلِكًا عَلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ. 2 وَهؤُلاَءِ هُمُ الرُّؤَسَاءُ الَّذِينَ لَهُ: عَزَرْيَاهُو بْنُ صَادُوقَ الْكَاهِنِ، 3 وَأَلِيحُورَفُ وَأَخِيَّا ابْنَا شِيشَا كَاتِبَانِ. وَيَهُوشَافَاطُ بْنُ أَخِيلُودَ الْمُسَجِّلُ، 4 وَبَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ عَلَى الْجَيْشِ، وَصَادُوقُ وَأَبِيَاثَارُ كَاهِنَانِ. 5 وَعَزَرْيَاهُو بْنُ نَاثَانَ عَلَى الْوُكَلاَءِ، وَزَابُودُ بْنُ نَاثَانَ كَاهِنٌ وَصَاحِبُ الْمَلِكِ. 6 وَأَخِيشَارُ عَلَى الْبَيْتِ، وَأَدُونِيرَامُ بْنُ عَبْدَا عَلَى التَّسْخِيرِ. 7 وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ اثْنَا عَشَرَ وَكِيلًا عَلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ يَمْتَارُونَ لِلْمَلِكِ وَبَيْتَهِ. كَانَ عَلَى الْوَاحِدِ أَنْ يَمْتَارَ شَهْرًا فِي السَّنَةِ. 8 وَهذِهِ أَسْمَاؤُهُمُ: ابْنُ حُورَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ. 9 ابْنُ دَقَرَ فِي مَاقَصَ وَشَعَلُبِّيمَ وَبَيْتِ شَمْسٍ وَأَيْلُونِ بَيْتِ حَانَانَ. 10 ابْنُ حَسَدَ فِي أَرُبُوتَ. كَانَتْ لَهُ سُوكُوهُ وَكُلُّ أَرْضِ حَافَرَ. 11 ابْنُ أَبِينَادَابَ فِي كُلِّ مُرْتَفَعَاتِ دُورٍ. كَانَتْ طَافَةُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ لَهُ امْرَأَةً. 12 بَعْنَا بْنُ أَخِيلُودَ فِي تَعْنَكَ وَمَجِدُّو وَكُلِّ بَيْتِ شَانٍ الَّتِي بِجَانِبِ صُرْتَانَ تَحْتَ يَزْرَعِيلَ، مِنْ بَيْتِ شَانَ إِلَى آبَلَ مَحُولَةَ، إِلَى مَعْبَرِ يَقْمَعَامَ. 13 ابْنُ جَابَرَ فِي رَامُوتِ جِلْعَادَ. لَهُ حَوُّوثُ يَائِيرَ ابْنِ مَنَسَّى الَّتِي فِي جِلْعَادَ، وَلَهُ كُورَةُ أَرْجُوبَ الَّتِي فِي بَاشَانَ. سِتُّونَ مَدِينَةً عَظِيمَةً بِأَسْوَارٍ وَعَوَارِضَ مِنْ نُحَاسٍ. 14 أَخِينَادَابُ بْنُ عُدُّو فِي مَحَنَايِمَ. 15 أَخِيمَعَصُ فِي نَفْتَالِي، وَهُوَ أَيْضًا أَخَذَ بَاسِمَةَ بِنْتَ سُلَيْمَانَ امْرَأَةً. 16 بَعْنَا بْنُ حُوشَايَ فِي أَشِيرَ وَبَعَلُوتَ. 17 يَهُوشَافَاطُ بْنُ فَارُوحَ فِي يَسَّاكَرَ. 18 شِمْعِي بْنُ أَيْلاَ فِي بَنْيَامِينَ. 19 جَابِرُ بْنُ أُورِي فِي أَرْضِ جِلْعَادَ، أَرْضِ سِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ وَعُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ. وَوَكِيلٌ وَاحِدٌ الَّذِي فِي الأَرْضِ. 20 وَكَانَ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلُ كَثِيرِينَ كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ. يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَفْرَحُونَ. أقام سليمان الحكيم أشبه بمجلس وزراء، إن صحَّ التعبير، يدير شئون الدولة تحت رعايته، ومعهم اثنا عشر وكيلًا على جميع إسرائيل [7]. تكوَّن مجلس وزراء سليمان من الآتي: * عزرياهو بن صادوق الكاهن رئيس لمجلس الوزراء. * اليحورف وأخيّا سكرتيريان لشئون الدولة. * يهوشافاط المسئول عن سجلات التاريخ الخاصة بالأحداث الملكيَّة. * بناياهو رئيس للجيش المسئول عن الدفاع عن الدولة. * صادوق وأبياثار كاهنان يشرفان على الأمور الدينيَّة وحفظ الشريعة. * عزرياهو الرئيس العام على الاثني عشر وكيلًا أو محافظًا. * زابود أمين سرّ الملك، ومشيره في أموره الخاصة. * أخيشار مدير القصر الملكي، يهتم باحتياجات الجناح الملكي. * أدونيرام مدير القوى العاملة. ظهرت حكمة سليمان في وضع نظامٍ دقيقٍ لتدبير أمور المملكة في كل جوانبها. ويلاحظ إنَّه لم يُعطِ الأولويَّة للعمل العسكري كما في أيَّام أبيه داود. "وكان الملك سليمان ملكًا على جميع إسرائيل" [1]. لم يكن مثل والده داود النبي الذي صار ملكًا على يهوذا وحدها لمدَّة سبع سنوات ونصف. "وهؤلاء هم الرؤساء الذين له: عزرياهو بن صادوق الكاهن" [2]. عزريا أو عزرياهو، اسم عبري معناه "من أعانه يهوه". وهو أخو أخيمعص. يرى البعض إنَّه لا يمكن أن يكون حفيدًا لصادوق رئيس الكهنة معضّد سليمان، وإنَّما صادوق هنا آخر غير رئيس الكهنة. كلمة "الكاهن hakoheen" هنا تعني كاهنًا، وأيضًا تعادل كلمة "أمير"، وجاءت ترجمتها في النسخة الكلدانيَّة Chaldee version "أمير". واضح إنَّه وُجد كهنة في مجلس الوزراء يمارسون عملهم الكهنوتي، وفي نفس الوقت يمارسون دورهم كأصدقاء ومشيرين للملك، كما كان يحدث مع بعض الأنبياء والكهنة في العصور المتأخرة. يرى البعض أن وضعه في رأس القائمة يُشير إلى اختياره رئيسًا لمجلس الوزراء، كما كان رئيسًا للكهنة (1 أي 6: 10)، وأن كلمة "الكاهن" في النص تُشير إلى عزريا لا صادوق. "واليحورف وأخيّا ابنا شيشا كاتبان، ويهوشافاط بن أخيلود المسجل" [3]. أليحورف اسم عبري ربَّما يعني "الله يُعطي الخريف المثمر". أخيّا اسم عبري معناه "أخ أو صديق يهوه". شيشا اسم أرامي ربَّما معناه "الشمس"، يدعى أيضًا شوشا (1 أي 18: 16)، وربَّما هو نفسه شيشا (1 مل 4: 3)، وسراريا (2 صم 8: 17)، وشيوا (2 صم 20: 25). أقيما كاتبين، أشبه بالسكرتيرين لشئون الدولة. ينشران قوانين الملك، ويكتبان رسائله، وربَّما يدبران شئونه الماليَّة (1 مل 12: 10)، يعتبران من أهم مشيريه، أصحاب نفوذ. في أيَّام داود الملك كان كاتب واحد. أمَّا وقد اتَّسعت شئون المملكة فصارت الحاجة إلى عدد أكبر لإقامة قسم خاص بالسكرتاريَّة العامة لشئون الدولة. يهوشافاط اسم عبري معناه "يهوه يقضي". يهوشافاط بن أخيلود المسجل، الذي عضّد داود (2 صم 8: 16؛ 20: 24). كان مسئولًا عن سجلاَّت التاريخ الخاصة بالأحداث الملكيَّة. خدم يهوشافاط المسجِّل داود وسليمان (2 صم 8: 16-18). عمله أن يذِّكر الملك بالأحداث السابقة، ويحتفظ بقرارات الملك والأحداث السابقة والأحداث المعاصرة كسجل للتاريخ تنتفع بها الأجيال المقبلة. وهو في هذا يشبه السكرتير العمومي في مجالس الحكومة والقضاة، والمؤرخ الرسمي. "وبناياهو بن يهوياداع على الجيش، وصادوق وأبياثار كاهنان" [4]. بناياهو اسم عبري معناه "مَن بناء يهوه". سند بناياهو بن يهوياداع سليمان في اعتلاء العرش (1 مل 1: 8). اشتهر بشجاعته وإقدامه مرارًا كثيرة (2 صم 23: 20-23). صار رئيسًا للجيش، احتلَّ مركز يوآب. وهو مسئول عن الدفاع عن الدولة. يهتم بالعدة الحربيَّة من مركبات وخيول، وتنظيم الجيش وتحرُّكاته، كما هو مسئول عن حماية القصر الملكي وملحقاته. صادوق وأبياثار كاهنان، يشرفان على الأمور الدينيَّة وحفظ الشريعة. صادوق اسم عبري معناه "صادق" أو "عادل" أو "بار". وهو ابن أخيطوب من نسل اليعازر ابن هرون (1 أي 24: 3). على الأرجح هو الغلام الذي جاء إلى داود في حبرون مع رؤساء بني إسرائيل ليحوِّلوا مملكة شاول إلى داود (1 أي 12: 23-28). كان مع أبياثار بن أخيمالك، هربا مع داود من أورشليم وهما يحملان تابوت العهد، لكن الملك رغب أن يعودا بالتابوت إلى العاصمة ويقيما فيها حتى ينتهي النزاع (2 صم 15: 24-29). وبعد موت إبشالوم أرسل داود إليهما طالبًا منهما أن يقنعا شيوخ يهوذا بإرجاعه إلى الحكم (2 صم 19: 11). كيف يرد اسم أبياثار كرئيس كهنة مع صادوق وقد استبعده سليمان إلى قرية عناثوث ليبقى في حقوله (1 مل 2: 27)؟ تفسير ذلك أن سليمان منعه من ممارسة العمل الكهنوتي لكنَّه لم يحرمه من كرامة الكهنوت ولقبه. يرى كثير من الدارسين أن سليمان ترك لأبياثار اللقب دون العمل. ويرى بعض اليهود أن صادوق كان رئيسًا للكهنة وأبياثار نائبًا عنه، كما كان حنانيا مع قيافا في أيَّام السيِّد المسيح. الرأي الساند هو أن شاول أقام صادوق رئيس كهنة وأبياثار أقامه داود، وأنَّه من الجانب السياسي استحسن وجود الاثنين معًا. أبياثار اسم عبري معناه "أبو الفضل" أو "أبو التفوق" أو "الأب الفاضل". أشار إليه السيِّد المسيح بقوله: "كيف دخل (داود) بيت الله في أيَّام أبياثار رئيس الكهنة وأكل خبز التقدمة الذي لا يحل أكله إلاَّ للكهنة وأعطى الذين كانوا معه أيضًا؟" (مر 2: 26). بقى أمينًا لداود أثناء عصيان ابنه إبشالوم عليه، لكنَّه اشترك مع يوآب وشمعي في تمرُّد أدونيَّا ومحاولته الاستيلاء على الحكم. "وعزرياهو بن ناثان على الوكلاء، وزابود بن ناثان كاهن وصاحب الملك" [5]. أقام سليمان عزرياهو وكيلًا عامًا ورئيسًا عامًا على الاثني عشر وكيلًا أو محافظًا [7]. وهو ابن ناثان، ولم يعرف على وجه التحديد هل هو ناثان النبي أحد معضِّدي سليمان، أم هو ابن داود. غير أن كلمة الوكيل الرئيسي هنا cohenأو kohen كان يحملها أبناء داود (2 صم 8: 18)، ممَّا يرجَّح أنَّه ابن لابن داود (2 صم 5: 14). أكثر من أن يكون ابنًا لناثان النبي. زابود بن ناثان، زابود اسم عبري معناه "موهوب". أمين سرّ الملك، مشير للملك في أموره الخاصة. "وأخيشار على البيت، وأدونيرام بن عبدًا على التسخير" [6]. أخيشار اسم عبري معناه "أخو الرجل المستقيم"، أو "أخو المرنِّم". كان مديرًا للقصر الملكي، يرعى شئون القصر ويهتم باحتياجات الجناح الملكي. تظهر أهميَّة هذا المركز ممَّا ورد في (2 مل 18: 18)، عندما أرسل ملك أشور جيشًا عظيمًا إلى أورشليم ودُعي الملك، فخرج إليهم ألياقيم الذي على البيت، وقد ورد اسمه قبل الكاتب والمسجِّل، وكأن الملك اعتبره مندوبه الأول الرسمي للحوار في الأمور الخطيرة التي تمس كيان الدولة. وأيضًا ممَّا ورد في إشعياء (إش 22: 15-25). أدونيرام أو أدورام (2صم 20: 24، 1 مل 12: 18) أو هدورام (2 أي 10: 18). وهو ابن عبدًا. مدير القوى العاملة، يدير شئون المشاريع الملكيَّة. بقى في مركزه إلى عصر رحبعام. أرسله رحبعام إلى العصاة الذين تمرَّدوا عليه، فرجموه بالحجارة ومات (1 مل 12: 18، 2 أي 10: 18). "وكان لسليمان اثنا عشر وكيلًا على جميع إسرائيل، يمتارون للملك وبيته، كان على الواحد أن يمتار شهرًا في السنة" [7]. استخدم سليمان الحكيم نظامًا أشبه بنظام المحافظات. فقسّم إسرائيل إلى اثنتي عشر محافظة، وأقام محافظًا أو وكيلًا على كل قسم. عمل المحافظ الرئيسي هو أن يمد القصر الملكي بالمواد الغذائية [27]، وأن يجمع الضرائب من أجل مشروعات سليمان [21-23]، وللإنفاق على الجيش الضخم [26، 28] وبناء الهيكل، وإن كان داود أبوه قد أعدَّ له الكثير من مواد البناء والإمكانيَّات للتنفيذ. كانت كل محافظة تُعرف بالمدينة الكبرى (العاصمة). ويُلاحظ إنَّه لم يُقم محافظًا على نصيب يهوذا، ربَّما كنوعٍ من الامتياز للسبط الملكي. لم يكن الاثنا عشر مسئولًا حكَّامًا تحت سلطان الملك "chamberlains"، ولا كانوا مدبِّرين لشئون المملكة، لكنَّهم كانوا قادة لجمع الضرائب، هذه الضريبة كانت جزءً من المحاصيل وليست مبلغًا من المال. كانت أبنية سليمان ونفقات قصره مع كثرة زائريه وسخائه العظيم وفخامة ملابسه وملابس رجال القصر على نفقة الشعب، وقد سبَّبت كثرة الضرائب نوعًا من التذمُّر. الأمر الذي حذّر منه صموئيل النبي الشعب عندما طلبوا ملكًا كسائر الأمم (1 صم 8: 12، 15، 17) تحقَّق الآن بواسطة سليمان نفسه. يقول المؤرِّخ يوسيفوس إنَّهم بحكم عملهم هذا كان لهم نوع من السلطة. "وهذه أسماؤهم ابن حور في جبل أفرايم" [8]. يليق بنا هنا أن نسجل لسليمان الملك مع حكمته وقدرته على النظام والتدبير إنَّه اتَّسم بروح التواضع. نلاحظ أن نسبة عالية من رجال دولته المختارين سبق فعينهم داود أبوه. إنَّه لم يحمل روح العجرفة أو التشامخ فيتجاهل حكمة والده ومعرفته بالأمور. كثير من الأبناء يظنون أن قوَّة شخصيَّتهم تتجلَّى في التغيير الشامل لما ورثوه عن والديهم أو ما تسلَّموه من رؤساء أو قادة سابقين له. فالقائد الناجح هو الذي يمزج حكمته بالتواضع، فلا يحتقر عمل السابقين. هذا وقد عيّن مجموعة ليست بقليلة من أبناء الكهنة والأنبياء. فقد ورث عن والده النبي والكاهن ثقته في رجال الله، وإيمانه ببركة الرب في تدبير كل الأمور. "ابن حور" لازال في بعض البلاد الصعيد وفي سوريا يشيرون إلى الشخص لا باسمه بل بأنَّه ابن (فلان). يرى البعض أن هؤلاء الوكلاء كانوا من الشباب، نالوا هذه المراكز إكرامًا لآبائهم. كانت مقاطعة ابن حور هي في جبل أفرايم، أي في بلاد أفرايم الممتدَّة من أورشليم شمالاَ إلى يزرعيل، وهي أرض مخصبة، سمِّيت السامرة في العهد الجديد. "ابن دقر في ماقص وشعلبيم وبيت شمس وأيلون بيت حانان" [9]. دقر اسم عبري معناه "طرف". شعليم اسم عبري معناه ربَّما "ثعالب". يُطلق على مقاطعة في إفرايم، اجتازها شاول الملك بعد أن ترك شليشة بحثًا عن الحمير التائهة (1 صم 9: 4). إيلون بيت حانان يرجَّح أنَّها كانت في دان. "ابن حسد في أربوت كانت له سوكوه وكل أرض حافر" [10]. حسد اسم عبري معناه "رحمة، نعمة". أربوت كلمة عبريَّة معناها "طاقات". يظن أن موضعها الآن "عرابة" بالقرب من دوثان وبلدة جنين الأردنيَّة. سوكوه أو سوكو كلمة عبريَّة معناها "أشواق". يدعى هذا المكان اليوم خربة الشويكة حيث ينحني وادي الشور إلى الغرب ويصير اسمه وادي السنط، على بعد تسعة أميال من بيت جبرين. حافر: اسم عبري معناه "حفرة" أو "بئر". وهي مدينة غرب الأردن (يش 12: 7، 17)، والاسم لمقاطعة بجوار سوكوة. يرى البعض إنَّها تل بيشار على وادي الحوارث في سهل شارون، وآخرون إنَّها المشهد الحاليَّة في يهوذا. "ابن أبيناداب في كل مرتفعات دور، كانت طافة بنت سليمان له امرأة" [11] أبيناداب: اسم عبري معناه "الأب كريم أو منتدب". من عادة بعض الحكام الشرقيِّين أن يقيموا علاقات أسريَّة قويَّة مع من ينالون مراكز رئيسيَّة في الدولة، بتقديم بعض الفتيات من الأسرة الملكيَّة زوجات لهم. هكذا تزوَّج أبيناداب طافة بنت سليمان، وهو غالبًا ابن عم الملك. ربَّما كان من سياسة الملك تكوين علاقات أسريَّة مع وزرائه. وكان ذلك بعد جلوسه ملكًا بزمانٍ، حيث أقيم ملكًا في العشرين من عمره. دور: اسم كنعاني معناه "مسكن". تبعد حوالي ثمانية أميال شمالي قيصريَّة، هزم يشوع ملكها (يش 12: 1، 23)، في نصيب أشير، ولكنَّها أُعطيت لمنسَّى (يش 17: 11). توجد بقايا دور في البرج شمال بلدة الطنطور بقليل. طافة: اسم عبري معناه "قطرة". "بعنا بن أخيلود في تعنك ومجدو، وكل بيت شأن التي بجانب صرتان تحت يزرعيل، من بيت شأن إلى آبل محولة إلى معبر يقمعام" [12]. بعنا [12]: اسم عبري معناه "ابن الضيق"، كان وكيلًا في المقاطعة الجنوبيَّة في سهل يزرعيل من مجدو إلى الأردن، ربَّما كان أخًا ليهوشافاط المسجِّل. تعنك:اسم كنعاني معناه "أرض رمليَّة". تقع في حدود يسَّاكر، لكنَّها أُعطيت لمنسَّى (يش 17: 11، 1 أي 7: 29) ثم للآويِّين (يش 21: 25). وإذ لم يستطع منسَّى طرد الكنعانيِّين فرض عليهم ضريبة (قض 1: 27، 28). ربَّما هي عانير (1 أي 6: 70). وتل تعنك هو موضع المدينة القديمة، يقع بين التلال المنخفضة على الطرف الجنوبي من سهل يزرعيل خمسة أميال جنوب شرقيّ مجدو القديمة. مجدو أو مجدون: مدينة لمنسَّى ضمن تخوم يساكر. سُمِّيت هرمجدون (رؤ 16: 16) أي تل مجدون. مكانها الآن هو تل المتسلِّم، يبعد حوالي عشرين ميلًا جنوب شرقيّ حيفا في الطرف الجنوبي من سلسلة الجبال التي تنتهي بجبل الكرمل في الشمال. اكتُشفت نقوش تكشف عن ثقافة الكنعانيِّين ومدينتهم. كما كشف التنقيب عن سرداب شق في الطرف يصل إلى نبع ماء ممَّا يظهر مهارتهم الهندسيَّة. كما اكتشفت إسطبلات بها أربعمائة وخمسون مَعْلفًا ترجع إلى عصر سليمان أو آخاب. بيت شان: اسم عبري معناه "بيت السكون". مدينة تبعد حوالي خمسة أميال غرب نهر الأردن. بعد السبيّ صارت رئيسة المدن العشر، ودُعيت سكيثوبولس. مكانها حاليًا تل الحصن بالقرب من بيسان. بقايا آثارها تدل على عظمتها الأصليَّة. كبقايا هياكل وأروقة ومسارح وميادين لسباق الخيل. كما اكتشف فيها بعض آثار قدماء المصريِّين مثل نصب سيتي الأول ونصب رعمسيس الثاني. صرتان: قرية شرقي يزرعيل بين مدينتي بيت شان وادام (يش 3: 16) في أرض منسَّى. في أرض الخزف في غور الأردن بين سكوت. دعيت أيضًا صردة (قض 7: 22؛ 2 أي 4: 17). يرى البعض أن موقعها الآن قرن صرطبة، وآخرون تل سليخات، وفريق ثالث بأن مكانها تل السعيديَّة. آبل محولة: اسم عبري معناه "مرج الرقص"، يبدو أنَّه كان يقع في وادي الأردن. هناك أقام إليشع النبي (1 مل 19: 16). يرى القديس جيروم أنَّه على بعد عشرة أميال رومانيَّة جنوب بيسان. غالبًا ما كان يقع بالقرب من تل أبي سفري عند التقاء وادي المالح بوادي الحلوة. يقمعام: اسم عبري معناه "ليقم الشعب". وهو معبر للأردن قرب بيت شان. "ابن جابر في راموت جلعاد له حووت يائير، ابن منسَّى التي في جلعاد وله كورة أرجوب التي في باشان، ستُّون مدينة عظيمة بأسوار وعوارض من نحاس" [13]. جابَر: معناه "رجل" أو "بطل". راموت جلعاد: اسم عبري معناه "مرتفعات جلعاد". من أشهر مدن الجاديِّين، تقع شرقي الأردن. أُعطيت للآويِّين وعينت مدينة للملجأ (تث 4: 43؛ يش 20: 8). وتدعى أيضًا الرامة (2 أي 22: 6). يُرجَّح أنَّها تل راميت الحاليَّة. حووث يائير: اسم عبري معناه "قرى أو مخيَّمات أو معسكرات يائير". وهي مدن بدون أسوار، شمال غرب باشان، في منطقة الأرجوب. استولى عليها يائير من سبط منسَّى. تُذكر أحيانًا لتمثِّل البلاد الشرقيَّة للمسافر في وادي الأردن أو في كنعان غرب النهر. وأحيانًا تستخدم بتوسُّع للأرض المرتفعة كلُّها شرق النهر. كثيرًا ما يكون للاسم عدَّة دلالات متنوِّعة للأرض (عد 32: 40-41؛ 1 أي 2: 21-23). أرجوب: اسم عبري معناه "كتلة من الطين". تقع على حدود جشور ومعكة. كانت ضمن ممتلكات عوج أثناء دخول إسرائيل كنعان. هذا الإقليم يضم 60 مدينة حصينة في ذلك الحين. استولى عليه يائير الذي من سبط منسَّى، لذا دُعي حؤوت يائير (تث 3: 4، 13-14، يش 13: 30). باشان: اسم عبري معناه "أرض ممهَّدة"، تقع شرقي الأردن ما بين جبليّ حرمون وجلعاد (عد 21: 33). تشمل حوران والجولان واللجاء، كلُّها مؤلَّفة من صخور وأتربة بركانيَّة. تربتها خصبة للغاية، وماؤها غزير. يخترق جانبها الشرقي جبل الدروز، وهو جبل باشان القديم. ذكرت حوالي 60 مرة في الكتاب المقدَّس. "أخيناداب بن عدو في محنايم" [14]. أخيناداب: اسم عبري معناه "أخي نبيل أو كريم". محنايم: اسم عبري معناه "محلَّتان". وهي مدينة شرق الأردن أعطيت لجاد (يش 13: 30). ولنصف سبط منسَّى (يش 13: 29، 30). ربَّما كانت منقسمة إلى حيِّين، أحدهما لجاد والآخر لمنسَّى. قسم جاد أُعطي لبني مراري فصار مدينة ملجأ (يش 21: 38؛ 1 أي 6: 80). كانت شمال يبوق. كان لها شهرتها في أيَّام الملوك حيث سكن فيها أيشبوشث بن شاول (2 صم 2: 8، 12)، ولجأ إليها داود عند هروبه من إبشالوم (2 صم 17: 24؛ 1 مل 2: 8). ربَّما يُشار إليها في نشيد الأناشيد (نش 6: 13)، عندما ذكر "صفين" أي محنايم. حاليًا غالبًا هي خربة محنة شمال عجلون. "أخيمعص في نفتالي، وهو أيضًا أخذ باسمة بنت سليمان امرأة" [15]. أخيمعص: اسم عبري معناه "أخو الامتعاض أو الغضب". يظن البعض أنَّه هو نفسه أخيمعص ابن صادوق رئيس الكهنة. وقد بقى مع أبياثار في أورشليم أثناء عصيان إبشالوم (2 صم 15: 27؛ 17: 15-21). وهو أول من أخبر داود بهزيمة إبشالوم (2 صم 18: 19-30). باسمه أو "بسمة": اسم عبري معناه "رائحة ذكيَّة". "بعنا بن حوشاي في أشير وبعلوت" [16]. بعنا [16]: بن حوشاي، ربَّما كان هوشاي الصديق المخلص والمشير الحكيم لداود (2 صم 15: 32؛ 17: 5 إلخ.). أشير: اسم عبري معناه "سعيد" أو "مغبوط". بعلوت: جمع بعلة، وتعني "سيِّدة". وهي موضع من نصيب أشير. "ويهوشافاط بن فاروح في يساكر" [17]. يهوشافاط ابن فاروح: اسم عبري معناه "يهوه يقضي". "شمعي بن أيلا في بنيامين" [18]. شمعي ابن أيلا: اسم عبري معناه "يهوه يسمع". وهو بنياميني، كان من أبطال داود. "جابر بن أوري في أرض جلعاد أرض سيحون ملك الأموريِّين، وعوج ملك باشان، ووكيل واحد الذي في الأرض" [19]. جلعاد: اسم عبري معناه "صلب" أو "خشن". وهو قُطْر جبلي شرق الأردن، يمتد إلى بلاد العرب، يشمل البلقاء الحديثة. أرضه صخريَّة وعرة (تث 34: 1؛ 2 صم 2: 9). كان يخرج في جلعاد نوع من الشجر يخرج مادة حمضيَّة تُدعى بلسان جلعاد، ذات خواص طبيَّة (إر 8: 22، 46: 11). عصير البلسان يشبه الحليب اللزج يتجمَّد بسرعة، وكان يستخدم لعلاج الالتهابات. في أيَّام الإسكندر الأكبر كانت قيمته تعادل ضعفيّ وزنه فضَّة. جابِر بن أوري: ربَّما هو نفسه جابرَ الوارد في [13]. "وكان يهوذا وإسرائيل كثيرين كالرمل الذي على البحر في الكثرة، يأكلون ويشربون ويفرحون" [20]. 2. التدبير المادي للدولة: 21 وَكَانَ سُلَيْمَانُ مُتَسَلِّطًا عَلَى جَمِيعِ الْمَمَالِكِ مِنَ النَّهْرِ إِلَى أَرْضِ فِلِسْطِينَ، وَإِلَى تُخُومِ مِصْرَ. كَانُوا يُقَدِّمُونَ الْهَدَايَا وَيَخْدِمُونَ سُلَيْمَانَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ. 22 وَكَانَ طَعَامُ سُلَيْمَانَ لِلْيَوْمِ الْوَاحِدِ: ثَلاَثِينَ كُرَّ سَمِيذٍ، وَسِتِّينَ كُرَّ دَقِيق، 23 وَعَشَرَةَ ثِيرَانٍ مُسَمَّنَةٍ، وَعِشْرِينَ ثَوْرًا مِنَ الْمَرَاعِي، وَمِئَةَ خَرُوفٍ، مَا عَدَا الأَيَائِلَ وَالظِّبَاءَ وَالْيَحَامِيرَ وَالإِوَزَّ الْمُسَمَّنَ. 24 لأَنَّهُ كَانَ مُتَسَلِّطًا عَلَى كُلِّ مَا عَبْرَ النَّهْرِ مِنْ تَفْسَحَ إِلَى غَزَّةَ، عَلَى كُلِّ مُلُوكِ عَبْرِ النَّهْرِ، وَكَانَ لَهُ صُلْحٌ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ حَوَالَيْهِ. 25 وَسَكَنَ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلُ آمِنِينَ، كُلُّ وَاحِدٍ تَحْتَ كَرْمَتِهِ وَتَحْتَ تِينَتِهِ، مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ، كُلَّ أَيَّامِ سُلَيْمَانَ. 26 وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ مِذْوَدٍ لِخَيْلِ مَرْكَبَاتِهِ، وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ. 27 وَهؤُلاَءِ الْوُكَلاَءُ كَانُوا يَمْتَارُونَ لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ وَلِكُلِّ مَنْ تَقَدَّمَ إِلَى مَائِدَةِ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ، كُلُّ وَاحِدٍ فِي شَهْرِهِ. لَمْ يَكُونُوا يَحْتَاجُونَ إِلَى شَيْءٍ. 28 وَكَانُوا يَأْتُونَ بِشَعِيرٍ وَتِبْنٍ لِلْخَيْلِ وَالْجِيَادِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ قَضَائِهِ. "وكان سليمان متسلَّطًا على جميع الممالك من النهر إلى أرض فلسطين وإلى تخوم مصر، كانوا يقدِّمون الهدايا، ويخدمون سليمان كل أيَّام حياته" [21]. كانت إمبراطوريَّة سليمان كسائر إمبراطوريَّات آسيا في أيَّام فارس، تتكوَّن من جماعات من الممالك الصغيرة يحكمها ملوكهم، ويقدِّمون هدايا سنويَّة. من النهر: أي من نهر الفرات امتدَّت المملكة حيث تحقَّق الوعد الإلهي لإبراهيم وموسى النبي ويشوع ابن نون. كانت أهم الممالك هي سوريا وموآب وعمون هذه التي ما بين نهر الفرات وساحل البحر الأبيض المتوسِّط، شمال حدود مصر. كان تقديم الهدايا يُعادل تقديم جِزية كما جاء في (2 صم 8: 2 إلخ). كانت صور مدينة لها شهرتها التجاريَّة، ملاصقة للبحر، على حدود إسرائيل. يبدو أن سكانها كتجَّار كانوا يميلون إلى السِلم، فلم يدخلوا في عداوة مع إسرائيل. أمَّا ملكها حيرام فكان معجبًا بشخصيَّة داود النبي والملك، وكان محبًا له على الدوام. يرى البعض أنَّه قد تأثَّر به فعبد الله الحيّ ورذل الأوثان. إذ مات داود بعث بإرساليَّة من الأمراء وكبار رجال الدولة لتعزية سليمان، وتهنئته على تولّيه العرش، وتجديد العهد معه. لقد أراد أن يعيش في سِلم وحب مع ملك إسرائيل. "وكان طعام سليمان لليوم الواحد ثلاثين كرّ سميذ وستِّين كرّ دقيق" [22]. الكرّ: هو معيار مثل الحومر، يرى يوسيفوس إنَّه يعادل 86 جالونًا إنجليزيًا، وأمَّا حاخامات اليهود فيرون إنَّه يعادل 44. بعض الدارسين يروا إنَّه يعادل 67 جالونًا. الثلاثون كرًا تعادل حوالي 33 جوالًا من السميذ، والستُّون كرّ 66 جوالًا من الدقيق، هذه الكميَّة من الدقيق تحسب مؤونة حوالي 10 آلاف شخصًا في البيوت الملكيَّة، للملك وأهل بيته ورجاله العاملين معه وحرّاسه وزائريه إلخ. "وعشرة ثيران مسمَّنة وعشرين ثورًا من المراعي ومئة خروف، ما عدا الأيائل والظباء واليحامير والأوز المسمَّن". "لأنَّه كان متسلَّطا على كل ما عبر النهر من تفسح إلى غزة، على كل ملوك عبر النهر، وكان له صلح من جميع جوانبه حواليه" [23-24]. تفسح أو تفساح: اسم عبري תִּפְסַח معناه "مخاضة" أو "قمر". وهي مدينة كانت آخر حدود أملاك سليمان في اتجاه الفرات. هي ثبتكس الواقعة على الضفة الغربيَّة للفرات فوق مصب بليخ. وهي من أهم الممرات في المجرى الأوسط للفرات. تسمَّى الآن "دبس" Kal'at Dibse. "وسكن يهوذا وإسرائيل آمنين، كل واحد تحت كرمته وتحت تينته، من دان إلى بئر سبع كل أيَّام سليمان" [25]. لم يكونوا ملتزمين أن يسكنوا في مدن حصينة خشية هجوم الأعداء، بل انتشروا في كل موضع، يأكلون ثمر تعبهم دون أن يغتصبه عدو منهم. لازالت هذه العادة قائمة في كثير من قرى الشرق الأوسط حيث يجلس الشخص أو يستلقي تحت كرمة أو تينة ينعم بالظل مع الهواء النقي. هذا التعبير يشير إلى عدم الارتباك أثناء التمتُّع بإنتاج الأرض الغزير (2 مل 18: 31)، ولهذا يستخدمه الأنبياء كرمز يُشير إلى سعادة العصر المسياني (مي 4: 4؛ زك 3: 10). "وكان لسليمان أربعون ألف مذود لخيل مركباته، واثنا عشر ألف فارس" [26]. عادة كل ثلاثة خيول (أو كل اثنين) يأكلون من مذود واحد. كان الملوك اليهود ممنوعين من استخدام كثرة من الخيول (تث 17: 16). يرى البعض أن رقم 40000 حمل خطأ في النسخ وأن الرقم هو 4000 مذودًا. "وهؤلاء الوكلاء كانوا يمتارون للملك سليمان. ولكل من تقدَّم إلى مائدة الملك سليمان، كل واحد في شهره لم يكونوا يحتاجون إلى شيء". "وكانوا يأتون بشعير وتبن للخيل والجياد إلى الموضع الذي يكون فيه كل واحد حسب قضائه" [27-28]. لازال الشعير المخلوط بالتبن يعتبر الغذاء الرئيسي للخيول في منطقة الشرق الأوسط. 3. شهرة سليمان الفائقة: 29 وَأَعْطَى اللهُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةً وَفَهْمًا كَثِيرًا جِدًّا، وَرَحْبَةَ قَلْبٍ كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ. 30 وَفَاقَتْ حِكْمَةُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةَ جَمِيعِ بَنِي الْمَشْرِقِ وَكُلَّ حِكْمَةِ مِصْرَ. 31 وَكَانَ أَحْكَمَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ، مِنْ إِيثَانَ الأَزْرَاحِيِّ وَهَيْمَانَ وَكَلْكُولَ وَدَرْدَعَ بَنِي مَاحُولَ. وَكَانَ صِيتُهُ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ حَوَالَيْهِ. 32 وَتَكَلَّمَ بِثَلاَثَةِ آلاَفِ مَثَل، وَكَانَتْ نَشَائِدُهُ أَلْفًا وَخَمْسًا. 33 وَتَكَلَّمَ عَنِ الأَشْجَارِ، مِنَ الأَرْزِ الَّذِي فِي لُبْنَانَ إِلَى الزُّوفَا النَّابِتِ فِي الْحَائِطِ. وَتَكَلَّمَ عَنِ الْبَهَائِمِ وَعَنِ الطَّيْرِ وَعَنِ الدَّبِيبِ وَعَنِ السَّمَكِ. 34 وَكَانُوا يَأْتُونَ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ لِيَسْمَعُوا حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، مِنْ جَمِيعِ مُلُوكِ الأَرْضِ الَّذِينَ سَمِعُوا بِحِكْمَتِهِ. "وأعطى الله سليمان حكمة وفهمًا كثيرًا جدًا ورحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر" [29]. سرّ مجد سليمان هو في الحكمة التي تقبُّلها عطيَّة من الله، أكثر من الغنى. اختبرها سليمان كعطيَّة إلهيَّة إذ يقول: "لأن الرب يُعطي حكمة؛ من فمه المعرفة والفهم" (أم 2: 6). وجاء في سفر أيوب: "من وضع في الطخاء حكمة أو من أظهر في الشُهب فطنة؟" (أي 38: 36). يرى البعض أن رحبة القلب هنا تُشير إلى اتِّساع معرفته وعلومه، كما تُشير إلى اتِّساع قلبه وكأنَّه لا يحمل ضيقًا، بل في كل شيء يسلك بشجاعة وجُرأة دون تخوُّف أو قلقٍ. ولعلَّ رحبة القلب تُشير إلى اتِّساعه ليقبل من يديّ الله كل شيء بفرحٍ وسرورٍ، فلا يضيق قلبه أمام أي حدث أو من جهة أي إنسان. يقول المرتِّل: "في طريق وصاياك أجري، لأنَّك تُرحب قلبي" (مز 119: 32). يشبه رحبة قلبه برمل شاطئ البحر. فإن الرمل حجمه يضم بحرًا متَّسعًا للغاية، هكذا يضم ذهن سليمان متَّسعًا فائقًا من المعرفة والحكمة. * نعم ليس فقط كمال الفن بل وأيضًا حكمة الله ساعدت في هذا البناء. القديس يوحنا الذهبي الفم "وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بني المشرق وكل حكمة مصر" [30]. يُقْصَد بأبناء الشرق القبائل العربيَّة القاطنة في شرق كنعان المنتشرة حتى نهر الفرات (قض 6: 3؛ 7: 12؛ 8: 10؛ أي 1: 3؛ إش 11: 15)، وأيضًا الكلدانيُّون الذين كانوا يعتزُّون بمعرفتهم للفلك والتنجيم. كانت حكمة المصريِّين مضرب الأمثال(42) (إش 19: 11؛ 31: 2؛ أع 7: 22). فقد نبغوا في فروع كثيرة للمعرفة مثل العمارة والفلك والتنجيم والتحنيط والنحت بجانب شهرتهم بالأدوية النباتيَّة. "وكان أحكم من جميع الناس، من إيثان الأزراحي وهيمان وكلكول ودردع بني ماحول، وكان صيته في جميع الأمم حواليه" [31]. ربَّما كان هؤلاء الأشخاص معاصرين للملك سليمان، وقد اشتهروا بالحكمة. ربَّما كان الأربعة موسيقيِّين وواضعي أناشيد، وقد فاقهم سليمان في هذا المجال. إيثان الأرزاحي: إيثان اسم عبري معناه "ثابت" (1 أي 6: 44). يظهر من عنوان مزمور 89 أنَّه كاتب هذا المزمور. هيمان: اسم عبري معناه "أمين" (1 أي 15: 17-19). وهو ناظم المزمور 88. كلكول: اسم عبري معناه "قصير وسريع". دردع أو دارع:اسم عبري ربَّما كان معناه "شوك". ماحول: اسم عبري معناه "رقص"، وهو والد هؤلاء الثلاثة حكماء، من عشيرة زارح من سبط يهوذا. "وتكلم بثلاثة آلاف مثل وكانت نشائده ألفًا وخمسًا" [32]. من بين الأمثال لدينا ما ورد في سفر الأمثال، ومن بين الأناشيد لدينا مع سفر نشيد الأناشيد المزموران (72، 127). يرى القديس هيبوليتس الروماني أن سفر نشيد الأناشيد ليس أحد الكتب بين الخمسة آلاف أنشودة التي وضعها سليمان، بل هو أنشودة الأناشيد. لقد كتب سليمان في أمثاله وأناشيده عن النباتات والحيوانات والهواء والبحر وشفاء الأمراض. لكن الكنيسة بإعلان الروح القدس قبلت ما هو لشفاء النفس، ولم تضم ما يخص شفاء الجسد لئلاَّ ينشغل الشعب بشفاء أجسادهم ويهملون البحث عن شفائهم روحيًا من الرب. "وتكلَّم عن الأشجار من الأرز الذي في لبنان إلى الزوفا النابت في الحائط، وتكلَّم عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن السمك" [33]. تحدَّث عن كل النباتات من أرز لبنان المتشامخ إلى الزوفا وهو نبات ضعيف جدًا يتسلق على الجدران. كان الحكماء قديمًا يهتمُّون بالنباتات لمعرفة فوائدها الطبِّيَّة. يقسِّم اليهود مملكة الحيوانات إلى أربعة أصناف: الحيوانات، الطيور، الزواحف، والأسماك. جاء في كثير من الروايات أن سليمان كان يتحدَّث مع الحيوانات بلغتها. يَعتبر البعض سليمان الحكيم أول مؤرِّخ طبيعي أو عالم في الطبيعيَّات في العالم. لقد ضاعت أعماله الخاصة. أنَّها خسارة عظيمة. هكذا كان سليمان ملكًا، وقاضيًا عادلًا، وحكيمًا، شاعرًا، وموسيقارًا، وفيلسوفًا، وعالمًا في الطبيعيَّات، وكاتبًا. "وكانوا يأتون من جميع الشعوب ليسمعوا حكمة سليمان من جميع ملوك الأرض الذين سمعوا بحكمته" [34]. اتَّسم سليمان بالحكمة والفهم الموهوبين له من قِبل الله، ونجح في عمله السياسي حيث استقرت إمبراطوريَّته واتَّسم عصره بالسلام مع الدول المجاورة له. كما كان أديبًا موهوبًا وموسيقارًا، فكتب أمثالًا ووضع أناشيد قام بعزفها، فنال شهرة عالميَّة فائقة. كانت مملكة سليمان كما استعرضها هذا الأصحاح تُشير إلى مملكة السيِّد المسيح: * من جهة اتِّساعها، من النهر إلى البحر (مز 72: 8-11)، تُشير إلى مملكة المسيح من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها، حيث قبل الأمم ميراثًا له ويسجد له الملوك (إش 49: 6-7، 53: 12). * اتَّسمت المملكة بالخير الكثير مع السلام والأمان. * من يلتصق بالملك يشبع ويرتوي ويمرح [20]. مملكة مفرحة، تُشبع نفوس المؤمنين. * مملكة مجيدة، يطوّبها كل من حولها. * ينبوع كل حكمة ومصدر كمالها. * جاء في الأصحاح العاشر أن ملكة سبأ إحدى القادمات للاستماع لسليمان وربَّما أعظم القادمين. إنَّنا نعجب أن عظماء وعامة من كل الأمم المحيطة يقدِّمون إلى شخص اتَّسم بالحكمة ليسمعوا له، الأمر الذي لا نجده حتى في الدول المتقدِّمة وبين الأشخاص المتعلِّمين، وإن وُجد فليس بهذه الصورة العجيبة. واضح أن القادمين إليه جاءوا لا حُبًا في الاستطلاع بل رغبة في التمتُّع بحكمته لبنيانهم. * يظهر سليمان هنا كرمزٍ للسيِّد المسيح الذي تختفي فيه كل كنوز الحكمة والمعرفة، تختفي فيه لبنياننا، إذ يقول الرسول بولس: "صار لنا حكمة". هب لي روح التدبير والفهم! * لأقتنيك يا حكمة الله فأصير بك حكيمًا. هب لي مع سليمان روح التدبير، فأسلك بروحك، روح النظام لا التشويش. *بروحك أتمتَّع بانسجامٍ داخلي، انسجام بين النفس وكل طاقاتها وقدراتها. انسجام بين الفكر والعاطفة والإحساس. يقيم روحك لي قيادات داخليَّة مدبِّرة حسنًا. *وهبت سليمان حكمة وتدبيرًا حسنًا وموهبة الشعر. لتفتح فمي فأنطق بأمثال سماويَّة. وليضرب روحك القدُّوس على أوتار قلبي. فينشد مع سليمان ألفًا وخمسًا من الأناشيد. ينسجم سلوكي العملي مع كلماتي المقدَّسة فيك. وتنسجم كلماتي مع تهليل قلبي بك. أنت واهب الحكمة، أنت معطي التسبيح والفرح! |
||||
26 - 08 - 2024, 05:49 PM | رقم المشاركة : ( 171554 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سلطان سليمان وغناه وحكمته إذ تولَّى سليمان العرش بدأ عمله بالالتقاء مع الله ملك الملوك، الذي اختاره ملكًا على شعبه. وكأنَّه بالوكيل الذي يلجأ إلى موكِّله قبل أن يبدأ العمل، حتى يتمِّم إرادته. قدَّم سليمان محرقات وذبائح سلامة ليُعلن عن حبُّه لمن أقامه ويشكره، كما قدَّم صلوات طوال النهار يسأله فيها أن يهبه الحكمة السماويَّة، وإذ ترآى له الرب لم يطلب شيئًا سوى الحكمة. الآن يبدأ عمله بإقامة مجلسٍ يشبه مجلس الوزراء لكي يعمل من خلالهم. فقد اتَّسعت مملكة سليمان، وتحقَّقت الوعود الإلهيَّة المقدِّمة للآباء البطاركة، خاصة إبراهيم. وأعطاه الله نعمة في أعين الملوك المحيطين به. اتَّسم عهده بالسلام والخير الوفير. ودخل في مشروعات ضخمة، وصارت له شهرة بسبب حكمته وإنتاجه الأدبي، فقد كتب 3000 مثلًا، 1005 أغنية، وأعمالًا علميَّة عن النباتات والحيوانات (1 مل 4: 33) كما وضع بعض الأسفار المقدَّسة بإعلان الروح القدس، وبنى أيضًا الهيكل. |
||||
26 - 08 - 2024, 05:50 PM | رقم المشاركة : ( 171555 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مجلس وزراء سليمان: 1 وَكَانَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مَلِكًا عَلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ. 2 وَهؤُلاَءِ هُمُ الرُّؤَسَاءُ الَّذِينَ لَهُ: عَزَرْيَاهُو بْنُ صَادُوقَ الْكَاهِنِ، 3 وَأَلِيحُورَفُ وَأَخِيَّا ابْنَا شِيشَا كَاتِبَانِ. وَيَهُوشَافَاطُ بْنُ أَخِيلُودَ الْمُسَجِّلُ، 4 وَبَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ عَلَى الْجَيْشِ، وَصَادُوقُ وَأَبِيَاثَارُ كَاهِنَانِ. 5 وَعَزَرْيَاهُو بْنُ نَاثَانَ عَلَى الْوُكَلاَءِ، وَزَابُودُ بْنُ نَاثَانَ كَاهِنٌ وَصَاحِبُ الْمَلِكِ. 6 وَأَخِيشَارُ عَلَى الْبَيْتِ، وَأَدُونِيرَامُ بْنُ عَبْدَا عَلَى التَّسْخِيرِ. 7 وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ اثْنَا عَشَرَ وَكِيلًا عَلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ يَمْتَارُونَ لِلْمَلِكِ وَبَيْتَهِ. كَانَ عَلَى الْوَاحِدِ أَنْ يَمْتَارَ شَهْرًا فِي السَّنَةِ. 8 وَهذِهِ أَسْمَاؤُهُمُ: ابْنُ حُورَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ. 9 ابْنُ دَقَرَ فِي مَاقَصَ وَشَعَلُبِّيمَ وَبَيْتِ شَمْسٍ وَأَيْلُونِ بَيْتِ حَانَانَ. 10 ابْنُ حَسَدَ فِي أَرُبُوتَ. كَانَتْ لَهُ سُوكُوهُ وَكُلُّ أَرْضِ حَافَرَ. 11 ابْنُ أَبِينَادَابَ فِي كُلِّ مُرْتَفَعَاتِ دُورٍ. كَانَتْ طَافَةُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ لَهُ امْرَأَةً. 12 بَعْنَا بْنُ أَخِيلُودَ فِي تَعْنَكَ وَمَجِدُّو وَكُلِّ بَيْتِ شَانٍ الَّتِي بِجَانِبِ صُرْتَانَ تَحْتَ يَزْرَعِيلَ، مِنْ بَيْتِ شَانَ إِلَى آبَلَ مَحُولَةَ، إِلَى مَعْبَرِ يَقْمَعَامَ. 13 ابْنُ جَابَرَ فِي رَامُوتِ جِلْعَادَ. لَهُ حَوُّوثُ يَائِيرَ ابْنِ مَنَسَّى الَّتِي فِي جِلْعَادَ، وَلَهُ كُورَةُ أَرْجُوبَ الَّتِي فِي بَاشَانَ. سِتُّونَ مَدِينَةً عَظِيمَةً بِأَسْوَارٍ وَعَوَارِضَ مِنْ نُحَاسٍ. 14 أَخِينَادَابُ بْنُ عُدُّو فِي مَحَنَايِمَ. 15 أَخِيمَعَصُ فِي نَفْتَالِي، وَهُوَ أَيْضًا أَخَذَ بَاسِمَةَ بِنْتَ سُلَيْمَانَ امْرَأَةً. 16 بَعْنَا بْنُ حُوشَايَ فِي أَشِيرَ وَبَعَلُوتَ. 17 يَهُوشَافَاطُ بْنُ فَارُوحَ فِي يَسَّاكَرَ. 18 شِمْعِي بْنُ أَيْلاَ فِي بَنْيَامِينَ. 19 جَابِرُ بْنُ أُورِي فِي أَرْضِ جِلْعَادَ، أَرْضِ سِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ وَعُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ. وَوَكِيلٌ وَاحِدٌ الَّذِي فِي الأَرْضِ. 20 وَكَانَ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلُ كَثِيرِينَ كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ. يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَفْرَحُونَ. أقام سليمان الحكيم أشبه بمجلس وزراء، إن صحَّ التعبير، يدير شئون الدولة تحت رعايته، ومعهم اثنا عشر وكيلًا على جميع إسرائيل [7]. تكوَّن مجلس وزراء سليمان من الآتي: * عزرياهو بن صادوق الكاهن رئيس لمجلس الوزراء. * اليحورف وأخيّا سكرتيريان لشئون الدولة. * يهوشافاط المسئول عن سجلات التاريخ الخاصة بالأحداث الملكيَّة. * بناياهو رئيس للجيش المسئول عن الدفاع عن الدولة. * صادوق وأبياثار كاهنان يشرفان على الأمور الدينيَّة وحفظ الشريعة. * عزرياهو الرئيس العام على الاثني عشر وكيلًا أو محافظًا. * زابود أمين سرّ الملك، ومشيره في أموره الخاصة. * أخيشار مدير القصر الملكي، يهتم باحتياجات الجناح الملكي. * أدونيرام مدير القوى العاملة. ظهرت حكمة سليمان في وضع نظامٍ دقيقٍ لتدبير أمور المملكة في كل جوانبها. ويلاحظ إنَّه لم يُعطِ الأولويَّة للعمل العسكري كما في أيَّام أبيه داود. "وكان الملك سليمان ملكًا على جميع إسرائيل" [1]. لم يكن مثل والده داود النبي الذي صار ملكًا على يهوذا وحدها لمدَّة سبع سنوات ونصف. "وهؤلاء هم الرؤساء الذين له: عزرياهو بن صادوق الكاهن" [2]. عزريا أو عزرياهو، اسم عبري معناه "من أعانه يهوه". وهو أخو أخيمعص. يرى البعض إنَّه لا يمكن أن يكون حفيدًا لصادوق رئيس الكهنة معضّد سليمان، وإنَّما صادوق هنا آخر غير رئيس الكهنة. كلمة "الكاهن hakoheen" هنا تعني كاهنًا، وأيضًا تعادل كلمة "أمير"، وجاءت ترجمتها في النسخة الكلدانيَّة Chaldee version "أمير". واضح إنَّه وُجد كهنة في مجلس الوزراء يمارسون عملهم الكهنوتي، وفي نفس الوقت يمارسون دورهم كأصدقاء ومشيرين للملك، كما كان يحدث مع بعض الأنبياء والكهنة في العصور المتأخرة. يرى البعض أن وضعه في رأس القائمة يُشير إلى اختياره رئيسًا لمجلس الوزراء، كما كان رئيسًا للكهنة (1 أي 6: 10)، وأن كلمة "الكاهن" في النص تُشير إلى عزريا لا صادوق. "واليحورف وأخيّا ابنا شيشا كاتبان، ويهوشافاط بن أخيلود المسجل" [3]. أليحورف اسم عبري ربَّما يعني "الله يُعطي الخريف المثمر". أخيّا اسم عبري معناه "أخ أو صديق يهوه". شيشا اسم أرامي ربَّما معناه "الشمس"، يدعى أيضًا شوشا (1 أي 18: 16)، وربَّما هو نفسه شيشا (1 مل 4: 3)، وسراريا (2 صم 8: 17)، وشيوا (2 صم 20: 25). أقيما كاتبين، أشبه بالسكرتيرين لشئون الدولة. ينشران قوانين الملك، ويكتبان رسائله، وربَّما يدبران شئونه الماليَّة (1 مل 12: 10)، يعتبران من أهم مشيريه، أصحاب نفوذ. في أيَّام داود الملك كان كاتب واحد. أمَّا وقد اتَّسعت شئون المملكة فصارت الحاجة إلى عدد أكبر لإقامة قسم خاص بالسكرتاريَّة العامة لشئون الدولة. يهوشافاط اسم عبري معناه "يهوه يقضي". يهوشافاط بن أخيلود المسجل، الذي عضّد داود (2 صم 8: 16؛ 20: 24). كان مسئولًا عن سجلاَّت التاريخ الخاصة بالأحداث الملكيَّة. خدم يهوشافاط المسجِّل داود وسليمان (2 صم 8: 16-18). عمله أن يذِّكر الملك بالأحداث السابقة، ويحتفظ بقرارات الملك والأحداث السابقة والأحداث المعاصرة كسجل للتاريخ تنتفع بها الأجيال المقبلة. وهو في هذا يشبه السكرتير العمومي في مجالس الحكومة والقضاة، والمؤرخ الرسمي. "وبناياهو بن يهوياداع على الجيش، وصادوق وأبياثار كاهنان" [4]. بناياهو اسم عبري معناه "مَن بناء يهوه". سند بناياهو بن يهوياداع سليمان في اعتلاء العرش (1 مل 1: 8). اشتهر بشجاعته وإقدامه مرارًا كثيرة (2 صم 23: 20-23). صار رئيسًا للجيش، احتلَّ مركز يوآب. وهو مسئول عن الدفاع عن الدولة. يهتم بالعدة الحربيَّة من مركبات وخيول، وتنظيم الجيش وتحرُّكاته، كما هو مسئول عن حماية القصر الملكي وملحقاته. صادوق وأبياثار كاهنان، يشرفان على الأمور الدينيَّة وحفظ الشريعة. صادوق اسم عبري معناه "صادق" أو "عادل" أو "بار". وهو ابن أخيطوب من نسل اليعازر ابن هرون (1 أي 24: 3). على الأرجح هو الغلام الذي جاء إلى داود في حبرون مع رؤساء بني إسرائيل ليحوِّلوا مملكة شاول إلى داود (1 أي 12: 23-28). كان مع أبياثار بن أخيمالك، هربا مع داود من أورشليم وهما يحملان تابوت العهد، لكن الملك رغب أن يعودا بالتابوت إلى العاصمة ويقيما فيها حتى ينتهي النزاع (2 صم 15: 24-29). وبعد موت إبشالوم أرسل داود إليهما طالبًا منهما أن يقنعا شيوخ يهوذا بإرجاعه إلى الحكم (2 صم 19: 11). كيف يرد اسم أبياثار كرئيس كهنة مع صادوق وقد استبعده سليمان إلى قرية عناثوث ليبقى في حقوله (1 مل 2: 27)؟ تفسير ذلك أن سليمان منعه من ممارسة العمل الكهنوتي لكنَّه لم يحرمه من كرامة الكهنوت ولقبه. يرى كثير من الدارسين أن سليمان ترك لأبياثار اللقب دون العمل. ويرى بعض اليهود أن صادوق كان رئيسًا للكهنة وأبياثار نائبًا عنه، كما كان حنانيا مع قيافا في أيَّام السيِّد المسيح. الرأي الساند هو أن شاول أقام صادوق رئيس كهنة وأبياثار أقامه داود، وأنَّه من الجانب السياسي استحسن وجود الاثنين معًا. أبياثار اسم عبري معناه "أبو الفضل" أو "أبو التفوق" أو "الأب الفاضل". أشار إليه السيِّد المسيح بقوله: "كيف دخل (داود) بيت الله في أيَّام أبياثار رئيس الكهنة وأكل خبز التقدمة الذي لا يحل أكله إلاَّ للكهنة وأعطى الذين كانوا معه أيضًا؟" (مر 2: 26). بقى أمينًا لداود أثناء عصيان ابنه إبشالوم عليه، لكنَّه اشترك مع يوآب وشمعي في تمرُّد أدونيَّا ومحاولته الاستيلاء على الحكم. "وعزرياهو بن ناثان على الوكلاء، وزابود بن ناثان كاهن وصاحب الملك" [5]. أقام سليمان عزرياهو وكيلًا عامًا ورئيسًا عامًا على الاثني عشر وكيلًا أو محافظًا [7]. وهو ابن ناثان، ولم يعرف على وجه التحديد هل هو ناثان النبي أحد معضِّدي سليمان، أم هو ابن داود. غير أن كلمة الوكيل الرئيسي هنا cohenأو kohen كان يحملها أبناء داود (2 صم 8: 18)، ممَّا يرجَّح أنَّه ابن لابن داود (2 صم 5: 14). أكثر من أن يكون ابنًا لناثان النبي. زابود بن ناثان، زابود اسم عبري معناه "موهوب". أمين سرّ الملك، مشير للملك في أموره الخاصة. "وأخيشار على البيت، وأدونيرام بن عبدًا على التسخير" [6]. أخيشار اسم عبري معناه "أخو الرجل المستقيم"، أو "أخو المرنِّم". كان مديرًا للقصر الملكي، يرعى شئون القصر ويهتم باحتياجات الجناح الملكي. تظهر أهميَّة هذا المركز ممَّا ورد في (2 مل 18: 18)، عندما أرسل ملك أشور جيشًا عظيمًا إلى أورشليم ودُعي الملك، فخرج إليهم ألياقيم الذي على البيت، وقد ورد اسمه قبل الكاتب والمسجِّل، وكأن الملك اعتبره مندوبه الأول الرسمي للحوار في الأمور الخطيرة التي تمس كيان الدولة. وأيضًا ممَّا ورد في إشعياء (إش 22: 15-25). أدونيرام أو أدورام (2صم 20: 24، 1 مل 12: 18) أو هدورام (2 أي 10: 18). وهو ابن عبدًا. مدير القوى العاملة، يدير شئون المشاريع الملكيَّة. بقى في مركزه إلى عصر رحبعام. أرسله رحبعام إلى العصاة الذين تمرَّدوا عليه، فرجموه بالحجارة ومات (1 مل 12: 18، 2 أي 10: 18). "وكان لسليمان اثنا عشر وكيلًا على جميع إسرائيل، يمتارون للملك وبيته، كان على الواحد أن يمتار شهرًا في السنة" [7]. استخدم سليمان الحكيم نظامًا أشبه بنظام المحافظات. فقسّم إسرائيل إلى اثنتي عشر محافظة، وأقام محافظًا أو وكيلًا على كل قسم. عمل المحافظ الرئيسي هو أن يمد القصر الملكي بالمواد الغذائية [27]، وأن يجمع الضرائب من أجل مشروعات سليمان [21-23]، وللإنفاق على الجيش الضخم [26، 28] وبناء الهيكل، وإن كان داود أبوه قد أعدَّ له الكثير من مواد البناء والإمكانيَّات للتنفيذ. كانت كل محافظة تُعرف بالمدينة الكبرى (العاصمة). ويُلاحظ إنَّه لم يُقم محافظًا على نصيب يهوذا، ربَّما كنوعٍ من الامتياز للسبط الملكي. لم يكن الاثنا عشر مسئولًا حكَّامًا تحت سلطان الملك "chamberlains"، ولا كانوا مدبِّرين لشئون المملكة، لكنَّهم كانوا قادة لجمع الضرائب، هذه الضريبة كانت جزءً من المحاصيل وليست مبلغًا من المال. كانت أبنية سليمان ونفقات قصره مع كثرة زائريه وسخائه العظيم وفخامة ملابسه وملابس رجال القصر على نفقة الشعب، وقد سبَّبت كثرة الضرائب نوعًا من التذمُّر. الأمر الذي حذّر منه صموئيل النبي الشعب عندما طلبوا ملكًا كسائر الأمم (1 صم 8: 12، 15، 17) تحقَّق الآن بواسطة سليمان نفسه. يقول المؤرِّخ يوسيفوس إنَّهم بحكم عملهم هذا كان لهم نوع من السلطة. "وهذه أسماؤهم ابن حور في جبل أفرايم" [8]. يليق بنا هنا أن نسجل لسليمان الملك مع حكمته وقدرته على النظام والتدبير إنَّه اتَّسم بروح التواضع. نلاحظ أن نسبة عالية من رجال دولته المختارين سبق فعينهم داود أبوه. إنَّه لم يحمل روح العجرفة أو التشامخ فيتجاهل حكمة والده ومعرفته بالأمور. كثير من الأبناء يظنون أن قوَّة شخصيَّتهم تتجلَّى في التغيير الشامل لما ورثوه عن والديهم أو ما تسلَّموه من رؤساء أو قادة سابقين له. فالقائد الناجح هو الذي يمزج حكمته بالتواضع، فلا يحتقر عمل السابقين. هذا وقد عيّن مجموعة ليست بقليلة من أبناء الكهنة والأنبياء. فقد ورث عن والده النبي والكاهن ثقته في رجال الله، وإيمانه ببركة الرب في تدبير كل الأمور. "ابن حور" لازال في بعض البلاد الصعيد وفي سوريا يشيرون إلى الشخص لا باسمه بل بأنَّه ابن (فلان). يرى البعض أن هؤلاء الوكلاء كانوا من الشباب، نالوا هذه المراكز إكرامًا لآبائهم. كانت مقاطعة ابن حور هي في جبل أفرايم، أي في بلاد أفرايم الممتدَّة من أورشليم شمالاَ إلى يزرعيل، وهي أرض مخصبة، سمِّيت السامرة في العهد الجديد. "ابن دقر في ماقص وشعلبيم وبيت شمس وأيلون بيت حانان" [9]. دقر اسم عبري معناه "طرف". شعليم اسم عبري معناه ربَّما "ثعالب". يُطلق على مقاطعة في إفرايم، اجتازها شاول الملك بعد أن ترك شليشة بحثًا عن الحمير التائهة (1 صم 9: 4). إيلون بيت حانان يرجَّح أنَّها كانت في دان. "ابن حسد في أربوت كانت له سوكوه وكل أرض حافر" [10]. حسد اسم عبري معناه "رحمة، نعمة". أربوت كلمة عبريَّة معناها "طاقات". يظن أن موضعها الآن "عرابة" بالقرب من دوثان وبلدة جنين الأردنيَّة. سوكوه أو سوكو كلمة عبريَّة معناها "أشواق". يدعى هذا المكان اليوم خربة الشويكة حيث ينحني وادي الشور إلى الغرب ويصير اسمه وادي السنط، على بعد تسعة أميال من بيت جبرين. حافر: اسم عبري معناه "حفرة" أو "بئر". وهي مدينة غرب الأردن (يش 12: 7، 17)، والاسم لمقاطعة بجوار سوكوة. يرى البعض إنَّها تل بيشار على وادي الحوارث في سهل شارون، وآخرون إنَّها المشهد الحاليَّة في يهوذا. "ابن أبيناداب في كل مرتفعات دور، كانت طافة بنت سليمان له امرأة" [11] أبيناداب: اسم عبري معناه "الأب كريم أو منتدب". من عادة بعض الحكام الشرقيِّين أن يقيموا علاقات أسريَّة قويَّة مع من ينالون مراكز رئيسيَّة في الدولة، بتقديم بعض الفتيات من الأسرة الملكيَّة زوجات لهم. هكذا تزوَّج أبيناداب طافة بنت سليمان، وهو غالبًا ابن عم الملك. ربَّما كان من سياسة الملك تكوين علاقات أسريَّة مع وزرائه. وكان ذلك بعد جلوسه ملكًا بزمانٍ، حيث أقيم ملكًا في العشرين من عمره. دور: اسم كنعاني معناه "مسكن". تبعد حوالي ثمانية أميال شمالي قيصريَّة، هزم يشوع ملكها (يش 12: 1، 23)، في نصيب أشير، ولكنَّها أُعطيت لمنسَّى (يش 17: 11). توجد بقايا دور في البرج شمال بلدة الطنطور بقليل. طافة: اسم عبري معناه "قطرة". "بعنا بن أخيلود في تعنك ومجدو، وكل بيت شأن التي بجانب صرتان تحت يزرعيل، من بيت شأن إلى آبل محولة إلى معبر يقمعام" [12]. بعنا [12]: اسم عبري معناه "ابن الضيق"، كان وكيلًا في المقاطعة الجنوبيَّة في سهل يزرعيل من مجدو إلى الأردن، ربَّما كان أخًا ليهوشافاط المسجِّل. تعنك:اسم كنعاني معناه "أرض رمليَّة". تقع في حدود يسَّاكر، لكنَّها أُعطيت لمنسَّى (يش 17: 11، 1 أي 7: 29) ثم للآويِّين (يش 21: 25). وإذ لم يستطع منسَّى طرد الكنعانيِّين فرض عليهم ضريبة (قض 1: 27، 28). ربَّما هي عانير (1 أي 6: 70). وتل تعنك هو موضع المدينة القديمة، يقع بين التلال المنخفضة على الطرف الجنوبي من سهل يزرعيل خمسة أميال جنوب شرقيّ مجدو القديمة. مجدو أو مجدون: مدينة لمنسَّى ضمن تخوم يساكر. سُمِّيت هرمجدون (رؤ 16: 16) أي تل مجدون. مكانها الآن هو تل المتسلِّم، يبعد حوالي عشرين ميلًا جنوب شرقيّ حيفا في الطرف الجنوبي من سلسلة الجبال التي تنتهي بجبل الكرمل في الشمال. اكتُشفت نقوش تكشف عن ثقافة الكنعانيِّين ومدينتهم. كما كشف التنقيب عن سرداب شق في الطرف يصل إلى نبع ماء ممَّا يظهر مهارتهم الهندسيَّة. كما اكتشفت إسطبلات بها أربعمائة وخمسون مَعْلفًا ترجع إلى عصر سليمان أو آخاب. بيت شان: اسم عبري معناه "بيت السكون". مدينة تبعد حوالي خمسة أميال غرب نهر الأردن. بعد السبيّ صارت رئيسة المدن العشر، ودُعيت سكيثوبولس. مكانها حاليًا تل الحصن بالقرب من بيسان. بقايا آثارها تدل على عظمتها الأصليَّة. كبقايا هياكل وأروقة ومسارح وميادين لسباق الخيل. كما اكتشف فيها بعض آثار قدماء المصريِّين مثل نصب سيتي الأول ونصب رعمسيس الثاني. صرتان: قرية شرقي يزرعيل بين مدينتي بيت شان وادام (يش 3: 16) في أرض منسَّى. في أرض الخزف في غور الأردن بين سكوت. دعيت أيضًا صردة (قض 7: 22؛ 2 أي 4: 17). يرى البعض أن موقعها الآن قرن صرطبة، وآخرون تل سليخات، وفريق ثالث بأن مكانها تل السعيديَّة. آبل محولة: اسم عبري معناه "مرج الرقص"، يبدو أنَّه كان يقع في وادي الأردن. هناك أقام إليشع النبي (1 مل 19: 16). يرى القديس جيروم أنَّه على بعد عشرة أميال رومانيَّة جنوب بيسان. غالبًا ما كان يقع بالقرب من تل أبي سفري عند التقاء وادي المالح بوادي الحلوة. يقمعام: اسم عبري معناه "ليقم الشعب". وهو معبر للأردن قرب بيت شان. "ابن جابر في راموت جلعاد له حووت يائير، ابن منسَّى التي في جلعاد وله كورة أرجوب التي في باشان، ستُّون مدينة عظيمة بأسوار وعوارض من نحاس" [13]. جابَر: معناه "رجل" أو "بطل". راموت جلعاد: اسم عبري معناه "مرتفعات جلعاد". من أشهر مدن الجاديِّين، تقع شرقي الأردن. أُعطيت للآويِّين وعينت مدينة للملجأ (تث 4: 43؛ يش 20: 8). وتدعى أيضًا الرامة (2 أي 22: 6). يُرجَّح أنَّها تل راميت الحاليَّة. حووث يائير: اسم عبري معناه "قرى أو مخيَّمات أو معسكرات يائير". وهي مدن بدون أسوار، شمال غرب باشان، في منطقة الأرجوب. استولى عليها يائير من سبط منسَّى. تُذكر أحيانًا لتمثِّل البلاد الشرقيَّة للمسافر في وادي الأردن أو في كنعان غرب النهر. وأحيانًا تستخدم بتوسُّع للأرض المرتفعة كلُّها شرق النهر. كثيرًا ما يكون للاسم عدَّة دلالات متنوِّعة للأرض (عد 32: 40-41؛ 1 أي 2: 21-23). أرجوب: اسم عبري معناه "كتلة من الطين". تقع على حدود جشور ومعكة. كانت ضمن ممتلكات عوج أثناء دخول إسرائيل كنعان. هذا الإقليم يضم 60 مدينة حصينة في ذلك الحين. استولى عليه يائير الذي من سبط منسَّى، لذا دُعي حؤوت يائير (تث 3: 4، 13-14، يش 13: 30). باشان: اسم عبري معناه "أرض ممهَّدة"، تقع شرقي الأردن ما بين جبليّ حرمون وجلعاد (عد 21: 33). تشمل حوران والجولان واللجاء، كلُّها مؤلَّفة من صخور وأتربة بركانيَّة. تربتها خصبة للغاية، وماؤها غزير. يخترق جانبها الشرقي جبل الدروز، وهو جبل باشان القديم. ذكرت حوالي 60 مرة في الكتاب المقدَّس. "أخيناداب بن عدو في محنايم" [14]. أخيناداب: اسم عبري معناه "أخي نبيل أو كريم". محنايم: اسم عبري معناه "محلَّتان". وهي مدينة شرق الأردن أعطيت لجاد (يش 13: 30). ولنصف سبط منسَّى (يش 13: 29، 30). ربَّما كانت منقسمة إلى حيِّين، أحدهما لجاد والآخر لمنسَّى. قسم جاد أُعطي لبني مراري فصار مدينة ملجأ (يش 21: 38؛ 1 أي 6: 80). كانت شمال يبوق. كان لها شهرتها في أيَّام الملوك حيث سكن فيها أيشبوشث بن شاول (2 صم 2: 8، 12)، ولجأ إليها داود عند هروبه من إبشالوم (2 صم 17: 24؛ 1 مل 2: 8). ربَّما يُشار إليها في نشيد الأناشيد (نش 6: 13)، عندما ذكر "صفين" أي محنايم. حاليًا غالبًا هي خربة محنة شمال عجلون. "أخيمعص في نفتالي، وهو أيضًا أخذ باسمة بنت سليمان امرأة" [15]. أخيمعص: اسم عبري معناه "أخو الامتعاض أو الغضب". يظن البعض أنَّه هو نفسه أخيمعص ابن صادوق رئيس الكهنة. وقد بقى مع أبياثار في أورشليم أثناء عصيان إبشالوم (2 صم 15: 27؛ 17: 15-21). وهو أول من أخبر داود بهزيمة إبشالوم (2 صم 18: 19-30). باسمه أو "بسمة": اسم عبري معناه "رائحة ذكيَّة". "بعنا بن حوشاي في أشير وبعلوت" [16]. بعنا [16]: بن حوشاي، ربَّما كان هوشاي الصديق المخلص والمشير الحكيم لداود (2 صم 15: 32؛ 17: 5 إلخ.). أشير: اسم عبري معناه "سعيد" أو "مغبوط". بعلوت: جمع بعلة، وتعني "سيِّدة". وهي موضع من نصيب أشير. "ويهوشافاط بن فاروح في يساكر" [17]. يهوشافاط ابن فاروح: اسم عبري معناه "يهوه يقضي". "شمعي بن أيلا في بنيامين" [18]. شمعي ابن أيلا: اسم عبري معناه "يهوه يسمع". وهو بنياميني، كان من أبطال داود. "جابر بن أوري في أرض جلعاد أرض سيحون ملك الأموريِّين، وعوج ملك باشان، ووكيل واحد الذي في الأرض" [19]. جلعاد: اسم عبري معناه "صلب" أو "خشن". وهو قُطْر جبلي شرق الأردن، يمتد إلى بلاد العرب، يشمل البلقاء الحديثة. أرضه صخريَّة وعرة (تث 34: 1؛ 2 صم 2: 9). كان يخرج في جلعاد نوع من الشجر يخرج مادة حمضيَّة تُدعى بلسان جلعاد، ذات خواص طبيَّة (إر 8: 22، 46: 11). عصير البلسان يشبه الحليب اللزج يتجمَّد بسرعة، وكان يستخدم لعلاج الالتهابات. في أيَّام الإسكندر الأكبر كانت قيمته تعادل ضعفيّ وزنه فضَّة. جابِر بن أوري: ربَّما هو نفسه جابرَ الوارد في [13]. "وكان يهوذا وإسرائيل كثيرين كالرمل الذي على البحر في الكثرة، يأكلون ويشربون ويفرحون" [20]. |
||||
26 - 08 - 2024, 05:52 PM | رقم المشاركة : ( 171556 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
التدبير المادي للدولة: 21 وَكَانَ سُلَيْمَانُ مُتَسَلِّطًا عَلَى جَمِيعِ الْمَمَالِكِ مِنَ النَّهْرِ إِلَى أَرْضِ فِلِسْطِينَ، وَإِلَى تُخُومِ مِصْرَ. كَانُوا يُقَدِّمُونَ الْهَدَايَا وَيَخْدِمُونَ سُلَيْمَانَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ. 22 وَكَانَ طَعَامُ سُلَيْمَانَ لِلْيَوْمِ الْوَاحِدِ: ثَلاَثِينَ كُرَّ سَمِيذٍ، وَسِتِّينَ كُرَّ دَقِيق، 23 وَعَشَرَةَ ثِيرَانٍ مُسَمَّنَةٍ، وَعِشْرِينَ ثَوْرًا مِنَ الْمَرَاعِي، وَمِئَةَ خَرُوفٍ، مَا عَدَا الأَيَائِلَ وَالظِّبَاءَ وَالْيَحَامِيرَ وَالإِوَزَّ الْمُسَمَّنَ. 24 لأَنَّهُ كَانَ مُتَسَلِّطًا عَلَى كُلِّ مَا عَبْرَ النَّهْرِ مِنْ تَفْسَحَ إِلَى غَزَّةَ، عَلَى كُلِّ مُلُوكِ عَبْرِ النَّهْرِ، وَكَانَ لَهُ صُلْحٌ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ حَوَالَيْهِ. 25 وَسَكَنَ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلُ آمِنِينَ، كُلُّ وَاحِدٍ تَحْتَ كَرْمَتِهِ وَتَحْتَ تِينَتِهِ، مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ، كُلَّ أَيَّامِ سُلَيْمَانَ. 26 وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ مِذْوَدٍ لِخَيْلِ مَرْكَبَاتِهِ، وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ. 27 وَهؤُلاَءِ الْوُكَلاَءُ كَانُوا يَمْتَارُونَ لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ وَلِكُلِّ مَنْ تَقَدَّمَ إِلَى مَائِدَةِ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ، كُلُّ وَاحِدٍ فِي شَهْرِهِ. لَمْ يَكُونُوا يَحْتَاجُونَ إِلَى شَيْءٍ. 28 وَكَانُوا يَأْتُونَ بِشَعِيرٍ وَتِبْنٍ لِلْخَيْلِ وَالْجِيَادِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ قَضَائِهِ. "وكان سليمان متسلَّطًا على جميع الممالك من النهر إلى أرض فلسطين وإلى تخوم مصر، كانوا يقدِّمون الهدايا، ويخدمون سليمان كل أيَّام حياته" [21]. كانت إمبراطوريَّة سليمان كسائر إمبراطوريَّات آسيا في أيَّام فارس، تتكوَّن من جماعات من الممالك الصغيرة يحكمها ملوكهم، ويقدِّمون هدايا سنويَّة. من النهر: أي من نهر الفرات امتدَّت المملكة حيث تحقَّق الوعد الإلهي لإبراهيم وموسى النبي ويشوع ابن نون. كانت أهم الممالك هي سوريا وموآب وعمون هذه التي ما بين نهر الفرات وساحل البحر الأبيض المتوسِّط، شمال حدود مصر. كان تقديم الهدايا يُعادل تقديم جِزية كما جاء في (2 صم 8: 2 إلخ). كانت صور مدينة لها شهرتها التجاريَّة، ملاصقة للبحر، على حدود إسرائيل. يبدو أن سكانها كتجَّار كانوا يميلون إلى السِلم، فلم يدخلوا في عداوة مع إسرائيل. أمَّا ملكها حيرام فكان معجبًا بشخصيَّة داود النبي والملك، وكان محبًا له على الدوام. يرى البعض أنَّه قد تأثَّر به فعبد الله الحيّ ورذل الأوثان. إذ مات داود بعث بإرساليَّة من الأمراء وكبار رجال الدولة لتعزية سليمان، وتهنئته على تولّيه العرش، وتجديد العهد معه. لقد أراد أن يعيش في سِلم وحب مع ملك إسرائيل. "وكان طعام سليمان لليوم الواحد ثلاثين كرّ سميذ وستِّين كرّ دقيق" [22]. الكرّ: هو معيار مثل الحومر، يرى يوسيفوس إنَّه يعادل 86 جالونًا إنجليزيًا، وأمَّا حاخامات اليهود فيرون إنَّه يعادل 44. بعض الدارسين يروا إنَّه يعادل 67 جالونًا. الثلاثون كرًا تعادل حوالي 33 جوالًا من السميذ، والستُّون كرّ 66 جوالًا من الدقيق، هذه الكميَّة من الدقيق تحسب مؤونة حوالي 10 آلاف شخصًا في البيوت الملكيَّة، للملك وأهل بيته ورجاله العاملين معه وحرّاسه وزائريه إلخ. "وعشرة ثيران مسمَّنة وعشرين ثورًا من المراعي ومئة خروف، ما عدا الأيائل والظباء واليحامير والأوز المسمَّن". "لأنَّه كان متسلَّطا على كل ما عبر النهر من تفسح إلى غزة، على كل ملوك عبر النهر، وكان له صلح من جميع جوانبه حواليه" [23-24]. تفسح أو تفساح: اسم عبري ×ھض´ض¼×¤ض°×،ض·×— معناه "مخاضة" أو "قمر". وهي مدينة كانت آخر حدود أملاك سليمان في اتجاه الفرات. هي ثبتكس الواقعة على الضفة الغربيَّة للفرات فوق مصب بليخ. وهي من أهم الممرات في المجرى الأوسط للفرات. تسمَّى الآن "دبس" Kal'at Dibse. "وسكن يهوذا وإسرائيل آمنين، كل واحد تحت كرمته وتحت تينته، من دان إلى بئر سبع كل أيَّام سليمان" [25]. لم يكونوا ملتزمين أن يسكنوا في مدن حصينة خشية هجوم الأعداء، بل انتشروا في كل موضع، يأكلون ثمر تعبهم دون أن يغتصبه عدو منهم. لازالت هذه العادة قائمة في كثير من قرى الشرق الأوسط حيث يجلس الشخص أو يستلقي تحت كرمة أو تينة ينعم بالظل مع الهواء النقي. هذا التعبير يشير إلى عدم الارتباك أثناء التمتُّع بإنتاج الأرض الغزير (2 مل 18: 31)، ولهذا يستخدمه الأنبياء كرمز يُشير إلى سعادة العصر المسياني (مي 4: 4؛ زك 3: 10). "وكان لسليمان أربعون ألف مذود لخيل مركباته، واثنا عشر ألف فارس" [26]. عادة كل ثلاثة خيول (أو كل اثنين) يأكلون من مذود واحد. كان الملوك اليهود ممنوعين من استخدام كثرة من الخيول (تث 17: 16). يرى البعض أن رقم 40000 حمل خطأ في النسخ وأن الرقم هو 4000 مذودًا. "وهؤلاء الوكلاء كانوا يمتارون للملك سليمان. ولكل من تقدَّم إلى مائدة الملك سليمان، كل واحد في شهره لم يكونوا يحتاجون إلى شيء". "وكانوا يأتون بشعير وتبن للخيل والجياد إلى الموضع الذي يكون فيه كل واحد حسب قضائه" [27-28]. لازال الشعير المخلوط بالتبن يعتبر الغذاء الرئيسي للخيول في منطقة الشرق الأوسط. |
||||
26 - 08 - 2024, 05:52 PM | رقم المشاركة : ( 171557 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
شهرة سليمان الفائقة: 29 وَأَعْطَى اللهُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةً وَفَهْمًا كَثِيرًا جِدًّا، وَرَحْبَةَ قَلْبٍ كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ. 30 وَفَاقَتْ حِكْمَةُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةَ جَمِيعِ بَنِي الْمَشْرِقِ وَكُلَّ حِكْمَةِ مِصْرَ. 31 وَكَانَ أَحْكَمَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ، مِنْ إِيثَانَ الأَزْرَاحِيِّ وَهَيْمَانَ وَكَلْكُولَ وَدَرْدَعَ بَنِي مَاحُولَ. وَكَانَ صِيتُهُ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ حَوَالَيْهِ. 32 وَتَكَلَّمَ بِثَلاَثَةِ آلاَفِ مَثَل، وَكَانَتْ نَشَائِدُهُ أَلْفًا وَخَمْسًا. 33 وَتَكَلَّمَ عَنِ الأَشْجَارِ، مِنَ الأَرْزِ الَّذِي فِي لُبْنَانَ إِلَى الزُّوفَا النَّابِتِ فِي الْحَائِطِ. وَتَكَلَّمَ عَنِ الْبَهَائِمِ وَعَنِ الطَّيْرِ وَعَنِ الدَّبِيبِ وَعَنِ السَّمَكِ. 34 وَكَانُوا يَأْتُونَ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ لِيَسْمَعُوا حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، مِنْ جَمِيعِ مُلُوكِ الأَرْضِ الَّذِينَ سَمِعُوا بِحِكْمَتِهِ. "وأعطى الله سليمان حكمة وفهمًا كثيرًا جدًا ورحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر" [29]. سرّ مجد سليمان هو في الحكمة التي تقبُّلها عطيَّة من الله، أكثر من الغنى. اختبرها سليمان كعطيَّة إلهيَّة إذ يقول: "لأن الرب يُعطي حكمة؛ من فمه المعرفة والفهم" (أم 2: 6). وجاء في سفر أيوب: "من وضع في الطخاء حكمة أو من أظهر في الشُهب فطنة؟" (أي 38: 36). يرى البعض أن رحبة القلب هنا تُشير إلى اتِّساع معرفته وعلومه، كما تُشير إلى اتِّساع قلبه وكأنَّه لا يحمل ضيقًا، بل في كل شيء يسلك بشجاعة وجُرأة دون تخوُّف أو قلقٍ. ولعلَّ رحبة القلب تُشير إلى اتِّساعه ليقبل من يديّ الله كل شيء بفرحٍ وسرورٍ، فلا يضيق قلبه أمام أي حدث أو من جهة أي إنسان. يقول المرتِّل: "في طريق وصاياك أجري، لأنَّك تُرحب قلبي" (مز 119: 32). يشبه رحبة قلبه برمل شاطئ البحر. فإن الرمل حجمه يضم بحرًا متَّسعًا للغاية، هكذا يضم ذهن سليمان متَّسعًا فائقًا من المعرفة والحكمة. * نعم ليس فقط كمال الفن بل وأيضًا حكمة الله ساعدت في هذا البناء. القديس يوحنا الذهبي الفم "وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بني المشرق وكل حكمة مصر" [30]. يُقْصَد بأبناء الشرق القبائل العربيَّة القاطنة في شرق كنعان المنتشرة حتى نهر الفرات (قض 6: 3؛ 7: 12؛ 8: 10؛ أي 1: 3؛ إش 11: 15)، وأيضًا الكلدانيُّون الذين كانوا يعتزُّون بمعرفتهم للفلك والتنجيم. كانت حكمة المصريِّين مضرب الأمثال(42) (إش 19: 11؛ 31: 2؛ أع 7: 22). فقد نبغوا في فروع كثيرة للمعرفة مثل العمارة والفلك والتنجيم والتحنيط والنحت بجانب شهرتهم بالأدوية النباتيَّة. "وكان أحكم من جميع الناس، من إيثان الأزراحي وهيمان وكلكول ودردع بني ماحول، وكان صيته في جميع الأمم حواليه" [31]. ربَّما كان هؤلاء الأشخاص معاصرين للملك سليمان، وقد اشتهروا بالحكمة. ربَّما كان الأربعة موسيقيِّين وواضعي أناشيد، وقد فاقهم سليمان في هذا المجال. إيثان الأرزاحي: إيثان اسم عبري معناه "ثابت" (1 أي 6: 44). يظهر من عنوان مزمور 89 أنَّه كاتب هذا المزمور. هيمان: اسم عبري معناه "أمين" (1 أي 15: 17-19). وهو ناظم المزمور 88. كلكول: اسم عبري معناه "قصير وسريع". دردع أو دارع:اسم عبري ربَّما كان معناه "شوك". ماحول: اسم عبري معناه "رقص"، وهو والد هؤلاء الثلاثة حكماء، من عشيرة زارح من سبط يهوذا. "وتكلم بثلاثة آلاف مثل وكانت نشائده ألفًا وخمسًا" [32]. من بين الأمثال لدينا ما ورد في سفر الأمثال، ومن بين الأناشيد لدينا مع سفر نشيد الأناشيد المزموران (72، 127). يرى القديس هيبوليتس الروماني أن سفر نشيد الأناشيد ليس أحد الكتب بين الخمسة آلاف أنشودة التي وضعها سليمان، بل هو أنشودة الأناشيد. لقد كتب سليمان في أمثاله وأناشيده عن النباتات والحيوانات والهواء والبحر وشفاء الأمراض. لكن الكنيسة بإعلان الروح القدس قبلت ما هو لشفاء النفس، ولم تضم ما يخص شفاء الجسد لئلاَّ ينشغل الشعب بشفاء أجسادهم ويهملون البحث عن شفائهم روحيًا من الرب. "وتكلَّم عن الأشجار من الأرز الذي في لبنان إلى الزوفا النابت في الحائط، وتكلَّم عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن السمك" [33]. تحدَّث عن كل النباتات من أرز لبنان المتشامخ إلى الزوفا وهو نبات ضعيف جدًا يتسلق على الجدران. كان الحكماء قديمًا يهتمُّون بالنباتات لمعرفة فوائدها الطبِّيَّة. يقسِّم اليهود مملكة الحيوانات إلى أربعة أصناف: الحيوانات، الطيور، الزواحف، والأسماك. جاء في كثير من الروايات أن سليمان كان يتحدَّث مع الحيوانات بلغتها. يَعتبر البعض سليمان الحكيم أول مؤرِّخ طبيعي أو عالم في الطبيعيَّات في العالم. لقد ضاعت أعماله الخاصة. أنَّها خسارة عظيمة. هكذا كان سليمان ملكًا، وقاضيًا عادلًا، وحكيمًا، شاعرًا، وموسيقارًا، وفيلسوفًا، وعالمًا في الطبيعيَّات، وكاتبًا. "وكانوا يأتون من جميع الشعوب ليسمعوا حكمة سليمان من جميع ملوك الأرض الذين سمعوا بحكمته" [34]. اتَّسم سليمان بالحكمة والفهم الموهوبين له من قِبل الله، ونجح في عمله السياسي حيث استقرت إمبراطوريَّته واتَّسم عصره بالسلام مع الدول المجاورة له. كما كان أديبًا موهوبًا وموسيقارًا، فكتب أمثالًا ووضع أناشيد قام بعزفها، فنال شهرة عالميَّة فائقة. كانت مملكة سليمان كما استعرضها هذا الأصحاح تُشير إلى مملكة السيِّد المسيح: * من جهة اتِّساعها، من النهر إلى البحر (مز 72: 8-11)، تُشير إلى مملكة المسيح من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها، حيث قبل الأمم ميراثًا له ويسجد له الملوك (إش 49: 6-7، 53: 12). * اتَّسمت المملكة بالخير الكثير مع السلام والأمان. * من يلتصق بالملك يشبع ويرتوي ويمرح [20]. مملكة مفرحة، تُشبع نفوس المؤمنين. * مملكة مجيدة، يطوّبها كل من حولها. * ينبوع كل حكمة ومصدر كمالها. * جاء في الأصحاح العاشر أن ملكة سبأ إحدى القادمات للاستماع لسليمان وربَّما أعظم القادمين. إنَّنا نعجب أن عظماء وعامة من كل الأمم المحيطة يقدِّمون إلى شخص اتَّسم بالحكمة ليسمعوا له، الأمر الذي لا نجده حتى في الدول المتقدِّمة وبين الأشخاص المتعلِّمين، وإن وُجد فليس بهذه الصورة العجيبة. واضح أن القادمين إليه جاءوا لا حُبًا في الاستطلاع بل رغبة في التمتُّع بحكمته لبنيانهم. * يظهر سليمان هنا كرمزٍ للسيِّد المسيح الذي تختفي فيه كل كنوز الحكمة والمعرفة، تختفي فيه لبنياننا، إذ يقول الرسول بولس: "صار لنا حكمة". |
||||
26 - 08 - 2024, 05:53 PM | رقم المشاركة : ( 171558 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هب لي روح التدبير والفهم! * لأقتنيك يا حكمة الله فأصير بك حكيمًا. هب لي مع سليمان روح التدبير، فأسلك بروحك، روح النظام لا التشويش. *بروحك أتمتَّع بانسجامٍ داخلي، انسجام بين النفس وكل طاقاتها وقدراتها. انسجام بين الفكر والعاطفة والإحساس. يقيم روحك لي قيادات داخليَّة مدبِّرة حسنًا. *وهبت سليمان حكمة وتدبيرًا حسنًا وموهبة الشعر. لتفتح فمي فأنطق بأمثال سماويَّة. وليضرب روحك القدُّوس على أوتار قلبي. فينشد مع سليمان ألفًا وخمسًا من الأناشيد. ينسجم سلوكي العملي مع كلماتي المقدَّسة فيك. وتنسجم كلماتي مع تهليل قلبي بك. أنت واهب الحكمة، أنت معطي التسبيح والفرح! |
||||
26 - 08 - 2024, 06:11 PM | رقم المشاركة : ( 171559 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كشف الرب عن عمله في الكنيسة التي أقامها من حالة الترمل إلى العرس الأبدي، ومن الخراب إلى مدينة الله الثمينة فائقة الجمال، والآن يفتح الرب أبوابها للجميع كي يأتوا إلى ينبوع المياه الحية ويشربوا ويرتووا ويجدوا طعامًا لائقًا يُناسب احتياجات الكل، ويدخلوا في عهد جديد أبدي. أمام هذه الدعوة يليق بالعطاش أن يُعلنوا عن تجاوبهم عمليًا بطلب الرب ورفض الشر مع التسليم الكامل بين يدي المخلص بفرح وتهليل قلب. 1. دعوة للخلاص: 1 «أَيُّهَا الْعِطَاشُ جَمِيعًا هَلُمُّوا إِلَى الْمِيَاهِ، وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ فِضَّةٌ تَعَالَوْا اشْتَرُوا وَكُلُوا. هَلُمُّوا اشْتَرُوا بِلاَ فِضَّةٍ وَبِلاَ ثَمَنٍ خَمْرًا وَلَبَنًا. 2 لِمَاذَا تَزِنُونَ فِضَّةً لِغَيْرِ خُبْزٍ، وَتَعَبَكُمْ لِغَيْرِ شَبَعٍ؟ اسْتَمِعُوا لِي اسْتِمَاعًا وَكُلُوا الطَّيِّبَ، وَلْتَتَلَذَّذْ بِالدَّسَمِ أَنْفُسُكُمْ. 3 أَمِيلُوا آذَانَكُمْ وَهَلُمُّوا إِلَيَّ. اسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ. وَأَقْطَعَ لَكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا، مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصَّادِقَةَ. 4 هُوَذَا قَدْ جَعَلْتُهُ شَارِعًا لِلشُّعُوبِ، رَئِيسًا وَمُوصِيًا لِلشُّعُوبِ. 5 هَا أُمَّةٌ لاَ تَعْرِفُهَا تَدْعُوهَا، وَأُمَّةٌ لَمْ تَعْرِفْكَ تَرْكُضُ إِلَيْكَ، مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ إِلهِكَ وَقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ قَدْ مَجَّدَكَ». جاءت الدعوة الإلهية للتمتع بخلاص الرب المجاني تحمل البنود التالية: أ. دعوة عامة للعطاش: "أيها العطاش جميعًا هلموا إلى المياه، والذي ليس له فضة تعالوا اشتروا وكلوا هلموا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن خمرًا ولبنًا" [1]. إنها دعوة عامة للجميع، أبواب الكنيسة مفتوحة أمام الكل، ينصت إليها من يشعر بالاحتياج أي "العطاش". وكما قال الرب "طوبى للجياع والعطاش إلى البر فإنهم يشبعون" (مت 5: 6). كما سبق فكررنا أن المياه في الكتاب المقدس تُشير أحيانًا إلى الروح القدس الذي يعمل في مياه المعمودية؛ وكأن الدعوة هنا موجهة إلى الجميع للتمتع بالعماد مجانًا. يتحدث القديس غريغوريوس النزينزيعن عطية العماد قائلًا: [لا تتردد مهما كانت الرحلة طويلة، إن كانت بالبحر أو بالبر ما دامت العطية مُقدمة لك، مهما كانت العوائق كثيرة أو قليلة فإن إشعياء يدعوك: "أيها العِطاش جميعًا هلموا..." يا لسرعة مراحم الله، يا لسهولة العهد! إنك تنال هذه البركة بمجرد أن تُريدها. أنه يقبل رغبتك ذاتها كثمن عظيم. أنه يتعطّش إلى عطشك، ويروي كل الراغبين في السرّ. يقدم لطفًا لكل السائلين لطفًا. إنه مستعد للعطاء بسخاء، يفرح بالعطاء أكثر من فرح نائليه]. ب. عطاء مشبع للكل، هذه العطية المجانية التي لا تُشترى بفضة ولا بثمن تقدم لكل إنسان احتياجاته؛ فيجد الكبار خمرًا يفرحهم والصغار لبنًا يسندهم. الخمر الروحي الذي يتمتع به الكبار يُشير إلى حالة الفرح التي يتمتع بها البالغون في القامة الروحية، فتتلذذ نفوسهم بدسم الرب [2]. وكما يقول الشيخ الروحاني: [طوبى للحامل في قلبه ذكرك في كل وقت، لأن نفسه تسكر دائمًا بحلاوتك]. اللبن الروحي المقدم للصغار يُشير إلى ترفق الله بالمبتدئين، فيُقدم لهم ما يناسب معدتهم الروحية حتى ينموا وينضجوا؛ يعرف كيف يُقدم لكل واحد ما هو لبنيانه وسلامه وشبعه وإروائه. هكذا لا يشعر أحد بالحرمان بل كما قيل: "كلوا الطيب ولتتلذذ بالدسم أنفسكم" [2]. * أما تريدون الشبع؟ وكيف يكون ذلك؟ يشتاق الجسد إلى الشبع، لكن يعود إليه الجوع مرة أخرى بعد الهضم، لذلك يقول السيد المسيح: "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا" (لو 4: 13)... إذن ليتنا نجوع ونعطش إلى البر، لكي ما نشبع منه.. ليت إنساننا الداخلي يجوع ويعطش حتى يكون له الطعام والشراب المناسبين له. لقد قال (الرب): "أنا هو الخبز الذي نزل من السماء" (يو 6: 41). هذا هو خبز الجياع. ليتنا نشتاق أيضًا إلى الشرب كالظمأى، "لأن عندك ينبوع الحياة" (مز 36: 9). * طوبى لمن نسى حديث العالم بحديثه معك، لأن منك تكتمل كل احتياجاته. أنت هو أكله وشربه...! أنت أعطيت روح ابنك في قلبه، والروح أعطاه دالة أن يطلب منك كل ما لك، مثلما يطلب الابن من أبيه! معك حديثه في كل حين، لأنه لا يعلم له أبًا غيرك!. الشيخ الروحاني من يمتلكك تشبع كل رغباته! لكن يا لبشاعة بؤسي! ويحي يا إلهي، فإن قلبي يميل إلى الهروب منك؛ الهروب منك أنت أيها الغني الحقيقي والفرح الحقيقي، لكي يتبع العالم الذي ليس فيه إلاَّ الحزن والألم. القديس أغسطينوس "اطلبوا الرب" أيها المحتاجون والجياع والعطاش، فانه هو الخبز الحيّ النازل من السماء (يو 6: 33، 51). "اطلبوا الرب فتحيون". أنتم تطلبون الخبز لكي يعيش جسدكم، والرب يطلبكم لكي تحيا نفوسكم. القديس أغسطينوس عيناه حمراوان بالخمر، هاتان هما شعبه الروحي الذي يسكر بكأسه؛ وأسنانه بيضاء أكثر من البن الذي هو الكلمات التي يرضعها الأطفال الذين لم يتأهلوا للطعام القوي كقول الرسول (1 كو 3: 2؛ 1 بط 2: 2). القديس أغسطينوس القديس أغسطينوس ج. دخول في عهد أبدي لإقامة مملكة داود الساقطة حسب الوعد الإلهي الصادق؛ "وأقطع لكم عهدًا أبديًا، مراحم داود الصادقة" [3]. خلال هذا العهد نصير ملوكًا (رؤ 5: 10) منتسبين لملك الملوك الذي قيل عنه "هوذا قد جعلته شارعًا للشعوب، رئيسًا وموصيًا للشعوب" [4]. هو الملك واضع شريعة العهد الجديد والوصية الجديدة لا لشعب معين بل لكل الشعوب. د. قبول الأمم الوثنية الراجعة إلى الله بالإيمان: "ها أمة لا تعرفها تدعوها وأمة لم تعرفك تركض إليك من أجل الرب إلهك وقدوس إسرائيل لأنه قد مجدك" [5]. لم يكن هذا الأمر مقبولًا لدى الشعب القديم، بل وحتى بعد انفتاح الباب أمام الأمم بقيت الكنيسة في العالم كله إلى قرون في دهشة أمام حب الله للبشرية كلها، يجتذبهم من الوثنية ورجاساتها ليعلنوا مجد الله. في عجب يقول القديس أغسطينوس: [كيف دخلتالأمم إلى الإيمان هكذا سريعًا...؟! نسألهم: ماذا تريدون؟ يجيبون: "معرفة مجد الله"]. 2. تجاوب الإنسان: 6 اُطْلُبُوا الرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ادْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ. 7 لِيَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ، وَرَجُلُ الإِثْمِ أَفْكَارَهُ، وَلْيَتُبْ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ، وَإِلَى إِلهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ الْغُفْرَانَ. 8 «لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ الرَّبُّ. 9 لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ، هكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ. 10 لأَنَّهُ كَمَا يَنْزِلُ الْمَطَرُ وَالثَّلْجُ مِنَ السَّمَاءِ وَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ يُرْوِيَانِ الأَرْضَ وَيَجْعَلاَنِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعًا لِلزَّارِعِ وَخُبْزًا لِلآكِلِ، 11 هكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ. 12 لأَنَّكُمْ بِفَرَحٍ تَخْرُجُونَ وَبِسَلاَمٍ تُحْضَرُونَ. الْجِبَالُ وَالآكَامُ تُشِيدُ أَمَامَكُمْ تَرَنُّمًا، وَكُلُّ شَجَرِ الْحَقْلِ تُصَفِّقُ بِالأَيَادِي. 13 عِوَضًا عَنِ الشَّوْكِ يَنْبُتُ سَرْوٌ، وَعِوَضًا عَنِ الْقَرِيسِ يَطْلَعُ آسٌ. وَيَكُونُ لِلرَّبِّ اسْمًا، عَلاَمَةً أَبَدِيَّةً لاَ تَنْقَطِعُ». أمام هذه الدعوة العامة المجانية المقدسة للعطاش يليق بالإنسان أن يعلن تجاوبه معها وقبوله لها عمليًا بالوسائط التالية: أ. الصلاة أو طلب الله للالتقاء معه: "اطلبوا الرب ما دام يوجد ادعوه وهو قريب" [6]. إن كان الله قد أحبنا أولًا، نزل إلينا ليعلن أنه ليس ببعيد عنا إنما على أبواب قلوبنا يقرعها لنفتح له ويدخل فيها (رؤ 3: 20)، فإنه يليق بنا أن نطلبه سائلين إياه أن يتسلم مفاتيح قلوبنا لكي يفتح فيدخل ويغلق فلا يشاركه أحد في قلوبنا، بكونه "يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح". إعلان قبولنا لحب الله خلال الصلاة هو تجاوب الحب بالحب، وإعلان النفس عن رغبتها في عريسها الفريد الذي يطلب يدها أبديًا. ب. التوبة: "ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران" [7]. ماذا تعني التوبة إلاَّ الإعلان عن قبول النور دون الظلمة، والمسيح دون بليعال (2 كو 6: 14)؟! التوبة هي الطريق الذي مهد به القديس يوحنا المعمدان للسيد المسيح، والذي كرز به التلاميذ لتهيئة البشرية لقبول ملكوته في داخلهم! ج. الاتكال على حكمة الله والثقة في خطته وتدابيره نحونا، إذ يقول: "لأن أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب، لأنه كما علت السموات عن الأرض هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم" [8]. إيماننا بالعريس السماوي يستلزم الاتكال عليه بثقة في إمكانياته كقدير كُلّي الحكمة والحب، يعرف كيف يخطط لعروسه، لبنيانها وخلاصها، حتى إن بدت خطته قاسية وتدابيره مُرّة. د. الارتواء بكلمة الرب واهبة الثمر: "لأنه كما ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجعان إلى هناك بل يرويان الأرض ويجعلانها تلد وتنبت وتعطي زرعًا للزارع وخبزًا للآكل هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي، لا ترجع فارغة، بل تعمل ما سررت به وتنجح في ما أرسلتها له" [10-11]. لقد نزل كلمة الله متجسدًا ليروي الطبيعة البشرية بدمه كمطر فريد قادر أن يُعيد خلقتها ويُجددها، محولًا إياها من برية قاحلة تسكنها الوحوش العنيفة إلى فردوس مثمر يسكنه الثالوث القدوس ويتهلل به السمائيون وأيضًا الأرضيون. هكذا يليق بنا أيضًا أن نقبل كلمة الله المكتوبة لا للدراسة العقلانية البحتة وإنما كحياة مُعاشة تُعطي ثمرًا إلهيًا. ه. التسبيح الدائم علامة قبول العريس قلبيًا والتجاوب معه داخليًا؛ "لأنكم بفرح تخرجون وبسلام تُحضرون، الجبال والآكام تشيد أمامكم ترنمًا وكل شجر الحقل تصفق بالأيادي" [12]. الخروج بفرح إنما يعني خروج النفس من "الأنا"، واتساعها بالحب لحساب عريسها وكل أحبائه، اتساعها للسمائيين والأرضيين... تخرج لكي تعود بالكل في سلام ومصالحة مع الله والملائكة والبشر. هذا الحب المتسع يخلق جوًا من الفرح خلاله تترنم الجبال والتلال أي جماعة المؤمنين المحيطين بك، إذ يرون عُرسًا أبديًا قائمًا في داخلك. أما شجر الحقل الذي يُصفق بالأيادي فيعني أن الفرح لا يكون باللسان فحسب وإنما يُعلن بالعمل (بالأيادي)... و. ثمر إيجابي متكاثر، فلا يكفي انتزاع الشوك والقريس وإنما يلزم ظهور السرو والآس علامة ختمنا باسم الرب واهب الثمر الروحي. بمعنى آخر قبولنا لدعوته لا يعني تركنا للشر فحسب وإنما صنعنا برّ المسيح وممارستنا حياته القدسية المثمرة بعمل روحه القدوس فينا. بيت الصلاة لكل الشعوب قدم الله دعوة جماعية للتمتع بالخلاص المجاني معلنًا التزام الإنسان بالتجاوب مع الدعوة عمليًا، والآن يقدم الله كنيسته بيت الله المفتوح لكل الشعوب. لا يظن أحد في نفسه أنه "ابن الغريب" أي من نسل عابدي الأوثان بل يُحسب نفسه مُفرزا لخدمة الرب والتعبد له، ولا يُحسب إنسان أنه خصي أو شجرة يابسة بل هو عمود في بيت الرب. ليس عند الله محاباة؛ يفتح بيته للجميع، يأتيه الغرباء قابلو الإيمان، ويُحرم منه الذين نالوا الشريعة والنبوات لكنهم جحدوه. 1. بيت الصلاة لكل الشعوب: 1 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «احْفَظُوا الْحَقَّ وَأَجْرُوا الْعَدْلَ. لأَنَّهُ قَرِيبٌ مَجِيءُ خَلاَصِي وَاسْتِعْلاَنُ بِرِّي. 2 طُوبَى لِلإِنْسَانِ الَّذِي يَعْمَلُ هذَا، وَلابْنِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَتَمَسَّكُ بِهِ، الْحَافِظِ السَّبْتَ لِئَلاَّ يُنَجِّسَهُ، وَالْحَافِظِ يَدَهُ مِنْ كُلِّ عَمَلِ شَرّ». 3 فَلاَ يَتَكَلَّمِ ابْنُ الْغَرِيبِ الَّذِي اقْتَرَنَ بِالرَّبِّ قَائِلًا: «إِفْرَازًا أَفْرَزَنِي الرَّبُّ مِنْ شَعْبِهِ». وَلاَ يَقُلِ الْخَصِيُّ: «هَا أَنَا شَجَرَةٌ يَابِسَةٌ». 4 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِلْخِصْيَانِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ سُبُوتِي، وَيَخْتَارُونَ مَا يَسُرُّنِي، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي: 5 «إِنِّي أُعْطِيهِمْ فِي بَيْتِي وَفِي أَسْوَارِي نُصُبًا وَاسْمًا أَفْضَلَ مِنَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ. أُعْطِيهِمِ اسْمًا أَبَدِيًّا لاَ يَنْقَطِعُ. 6 وَأَبْنَاءُ الْغَرِيبِ الَّذِينَ يَقْتَرِنُونَ بِالرَّبِّ لِيَخْدِمُوهُ وَلِيُحِبُّوا اسْمَ الرَّبِّ لِيَكُونُوا لَهُ عَبِيدًا، كُلُّ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ السَّبْتَ لِئَلاَّ يُنَجِّسُوهُ، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي، 7 آتِي بِهِمْ إِلَى جَبَلِ قُدْسِي، وَأُفَرِّحُهُمْ فِي بَيْتِ صَلاَتِي، وَتَكُونُ مُحْرَقَاتُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي، لأَنَّ بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى لِكُلِّ الشُّعُوبِ». 8 يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ جَامِعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ: «أَجْمَعُ بَعْدُ إِلَيْهِ، إِلَى مَجْمُوعِيهِ». في الأصحاح السابق كانت الدعوة لجميع العطاش (إش 55: 1)؛ لليهود والأمم، للعطاش والجياع، للعمي والصم إلخ... لكي ينهلوا من ينابيع إنجيل الخلاص المجاني وعطية الروح المقدمة لكنيسة العهد الجديد. الآن إذ خشى أن يتراجع أحد عن العطية حاسبًا نفسه غريبًا ابن غريب لأنه ولد من عائلة وثنية جاحدة للإيمان، أو لأنه عقيم بالطبيعة لكونه خصيًا أو شجرة يابسة، لهذا أخذ يُشجع الكل للدخول من أبواب مراحم الله المتسعة: أ. خلاص الرب ليس ببعيد، "لأنه قريب مجيء خلاصي واستعلان بري" [1]. فمن جهة الزمن لم يكن باقيًا سوى سبعة قرون لمجيء السيد المسيح مخلص العالم، أي حوالي 700 سنة، وألف سنة عند الرب كيوم واحد (مز 90: 4). أما ما هو أهم فإن خلاص الرب قريب من كل أحد، لأن الكلمة في داخل القلب، وصليب الرب ممكن إعلانه في كل نفس. وكما قال القديس أغسطينوس: [لغباوتي كنت أبحث عنك خارجًا... وكنت أنت في داخلي عميقًا أعمق من عمقي وعاليًا أعلى من علوي]. طريق خلاصنا في أعماقنا لأنه وهب لنا روح الله القدس وعضويتنا في جسد واحد السيد المسيح خلال المعمودية... فصرنا مسكنًا لله وهيكلًا له، لهذا يقول الرسول: "الكلمة قريبة منك، في فمك وفي قلبك" (رو 10: 8). عندما يتحدث مار افرام السرياني عن ميلاد رب المجد يسوع يوجه أنظارنا إلى داخلنا حيث اقترب الرب إلينا وجاء ليحل بالإيمان في قلوبنا (أف 3: 17). * ليزين كل إنسان أبواب قلبه في هذا العيد، فإن الروح القدس يشتاق أن يدخل ويسكن في القلب ويقدسه. إنه يطوف على كل الأبواب لكي يرى أين يدخل! لتبتهج أبواب القلب في هذا العيد مع أبواب الكنائس، حتى يفرح الإله القدوس في الهيكل المقدس، وتتهلل أفواه الأطفال بالتسبيح، ويبتهج المسيح في عيده كجبار. مار إفرام السرياني الفضيلة عند القديس يوحنا كاسيان [هي التي خلالها نُقدم ملكوت القلب للمسيح]. إننا نسلمه القلب لكي يعمل فيه فيحولنا إلى شبهه ومثاله. يقول العلامة أوريجانوس: [إننا خُلقنا على صورة المسيح، لهذا فالفضائل في نظره هي أن نصير واحدًا معه، هو نفسه الفضائل التي نقتنيها]. [هو العدل والحكمة والحق في ذات الوقت. لذلك فمن يُمارس هذه الفضائل بحق يكون شريكًا حقيقيًا في الطبيعة الإلهية)]. يقول القديس غريغوريوس النزينزي: [يُدعى الله حبًا وسلامًا، بهذه الأسماء يحثنا أن نتشكل حسب هذه الفضائل التي هي سماته]. الفضيلة هي عمل الله في مؤمنيه قابلي دعوته والمتجاوبين مع محبته: * ألا نلاحظ أنه ليس شيء ما نفعله بدون المسيح. * لا نقدر أن نجري في طريق الله إلاَّ محمولين على أجنحة الروح. * ليس أقوى من الذي يتمتع بالعون السماوي، كما أنه ليس أضعف من الذي يُحرم منه. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس أغسطينوس سبتنا الحقيقي هو ربنا يسوع الذبيح القائم من الأموات، فيه يجد الآب راحته (سبته) من جهتنا إذ نتبرر فيه ونحسب أولادًا له؛ وفيه نجد راحتنا إذ نجد فيه موضعًا في حضن الآب. * نصير نحن أنفسنا اليوم السابع (سبتًا) عندما نمتلئ ببركات الله وتقديسه ونُفعم بها. القديس أغسطينوس ماذا يعني قبول الغرباء كأبناء بيت الرب والتمسك بالعهد الإلهي؟ أنه تمتع بالاتحاد مع السيد المسيح، للدخول إلى المقادس السماوية بلا عائق، كأبناء مقدسين فيه وكأعضاء جسده، لهم حق الاتحاد مع الآب بالروح القدس خلال دم العهد، دم السيد المسيح الكفاري. انفتاح باب الخلاص أمام الغرباء لكي يصيروا أبناء الله، لهم حق العبادة، كما الخدمة يُعطي رجاء للجميع وكما يقول القديس هيبوليتس: [يظهر "الكلمة" حنوه مع عدم محاباته للوجوه... يحب أن يُعلّم الجاهل، وأن يرد المخطئ إلى الطريق الحقيقي. بسهولة يجده الذين يعيشون في الإيمان، والذين لهم العين الطاهرة والقلب المقدس، الذين يرغبون أن يقرعوا الباب؛ فانه يفتح الباب سريعًا. انه لا يطرد أحدًا من خدامه كمن هو غير مستحق للأسرار الإلهية. لا يكرم الغني أكثر من الفقير، ولا يحتقر الفقير بسبب فقره. لا يزدري بالبربري ولا يرفض الخَصِىّ كمن هو ليس برجل [3-4]. لا يبغض الإناث بسبب عصيان المرأة في البداية (حواء)، ولا يرفض الذكور بسبب عصيان الرجل. إنه يطلب الجميع، ويرغب في خلاص الكل، مشتاقًا أن يجعل الكل أبناء الله، داعيًا كل القديسين كرجل واحد كامل]. ه. يهب الخصيان أبناء: "ولا يقل الخَصِيّ: ها أنا شجرة يابسة" [3]. لم يكن يُسمح للخصيان جسديًا أن يُضموا إلى الكهنوت (لا 21: 20) ولا أن يشتركوا مع الشعب في المحافل... (تث 23: 1). الآن إذ انفتحت أبواب مراحم الله لا يوجد في كنيسة الله خصي روحي، إذ ليس بينهم عقيم بل الكل مُتئم (نش 4: 2)... الكل يشهد لله ويأتي بأبناء له. كأن التقاءنا بالرب لا يقف عند حقنا في دخول بيته والتمتع بعهده إنما يهبنا قوة الشهادة له والإثمار. لقد وعد الله شعبه إن أطاع "مباركًا تكون فوق جميع الشعوب. لا يكن عقيم ولا عاقر فيك ولا في بهائمك" (تث 7: 14). و. يقيم المؤمنين أبطالًا وتبقى ذكراهم خالدة أبديًا حتى في السماء. "إني أعطيهم في بيتي وفي أسواري نُصبا واسمًا أفضل من البنين والبنات، وأعطيهم اسمًا أبديًا لا ينقطع" [5]. يا للعجب فقد جاء الرب إلينا متجسدًا لكي يموت في أرضنا ويقوم ليرفعنا إلى بيته السماوي خالدين لا يقدر الموت أن يُحطمنا، بل تصير أسماؤنا منقوشة في كتاب الله وعلى كفه أبديًا. سرّ خلود اسمنا في البيت الإلهي السماوي هو اتحادنا بالسيد المسيح، بكوننا الحجارة الحية القائمة على حجر الزاوية. "مبنيين كحجارة حية، بيتًا روحيًا، كهنوتًا مقدسًا لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح، لذلك يتضمن أيضًا في الكتاب هأنذا أضع في صهيون حجر زاوية مختارًا كريمًا، والذي يؤمن به لن يخزى" (1 بط 2: 5-6). ز. التمتع بعبادة مفرحة لنا وموضع سرور الآب: "وآتى بهم إلى جبل قدسي وأفرحهم في بيت صلاتي، وتكون محرقاتهم وذبائحهم مقبولة على مذبحي لأن بيتي بيت الصلاة يُدعى لكل الشعوب" [7]. ماذا يعني هذا إلاَّ تمتعنا بالعبادة لا كواجب نلتزم به أو شكليات وإنما كارتفاع مفرح على جبل الرب المقدس وابتهاج ببيت الرب السماوي، كبيت صلاة نقدم حياتنا محرقة حب وذبيحة مقدسة ملتحمة بذبيحة المسيح القدوس، نتهلل نحن ويقبلها الآب بكونها حاملة رائحة المسيح الذكية، موضع سروره. يقول العلامة ترتليان: [تخرج هذه الذبيحة من كل قلب، وتتغذى على الإيمان، وتراعي الحق. تدخل في براءة ونقاوة، في عفة، وتتزين بالحب. يلزمنا أن نحرسها بعظمة الأعمال الصالحة، مقدمين مزامير وتسابيح على مذبح الله لننال كل الأشياء منه]. ح. انفتاح بيت الرب أمام كل الشعوب من بينهم منفيو إسرائيل. ربما قصد بالمنفيين هنا عودة الساقطين أيضًا من المسيحيين (إسرائيل الجديد)، فإن أبواب بيت الرب مفتوحة للكل حتى بالنسبة للمؤمنين الذين سقطوا أو انحرفوا، إذ رفضت بعض الهراطقة قبولهم. وقد كتب القديس كبريانوسرائعين في هذا الأمر تحت عنوان التوبة. هكذا يُقدم لنا هذا الأصحاح صورة حية عن كنيسة العهد الجديد، سماتها: إنها بيت صلاة أي موضع التقاء الله مع الناس حيث ننعم بشركة حيَّة مع الله القريب منا، الذي يُقيم مسكنه فينا [1]. هي مسكن الحق والعدل، مادمنا نتحد بمسيحنا البار والقادر أن يُبرر الفجّار، مقدمًا لهم نفسه حقًا وعدلًا وبرًا وحبًا [1]. سمة هذا البيت تقديس الإرادة الحرة: أبوابه مفتوحة للجميع بلا استثناء لكن دون قهر أو إلزام [2-3]، من يدخله يُنزع عنه التغرب عن الله ويصير من أهل بيت الله، أما من يرغب في البقاء خارجًا فليس من يلزمه بالدخول. داخل هذا البيت يصير الكل كأشجار مثمرة لا تعرف اليبوسة [3]، لأنه بيت الرب وفردوسه المثمر. من يسكنه يحيا مع مخلصه في أمجاده إلى الأبد فيُنقش اسمه في السماء ويُقام له نصب تذكاري لا يتحطم [5]. في الداخل فرح أبدي لا ينقطع وعبادة مقدسة علوية ملائكية (إش 57: 7). أخيرًا فانه بيت الرحمة، من خرج منه لا تُغلق الأبواب في وجهه بل تبقى أحضان الرب تنتظر عودته. 9 يَا جَمِيعَ وُحُوشِ الْبَرِّ تَعَالَيْ لِلأَكْلِ. يَا جَمِيعَ الْوُحُوشِ الَّتِي فِي الْوَعْرِ. 10 مُرَاقِبُوهُ عُمْيٌ كُلُّهُمْ. لاَ يَعْرِفُونَ. كُلُّهُمْ كِلاَبٌ بُكْمٌ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَنْبَحَ. حَالِمُونَ مُضْطَجِعُونَ، مُحِبُّو النَّوْمِ. 11 وَالْكِلاَبُ شَرِهَةٌ لاَ تَعْرِفُ الشَّبَعَ. وَهُمْ رُعَاةٌ لاَ يَعْرِفُونَ الْفَهْمَ. الْتَفَتُوا جَمِيعًا إِلَى طُرُقِهِمْ، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى الرِّبْحِ عَنْ أَقْصَى. 12 «هَلُمُّوا آخُذُ خَمْرًا وَلْنَشْتَفَّ مُسْكِرًا، وَيَكُونُ الْغَدُ كَهذَا الْيَوْمِ عَظِيمًا بَلْ أَزْيَدَ جِدًّا». إن كان بيت الرب مفتوحًا للجميع حتى بالنسبة للمؤمنين الساقطين، أيا كان سقوطهم، لكن الدخول إليه هو خلال "التوبة". من يبقى في جحوده إنما يبقى خارج بيت الرب، ليس تحت رعاية، يتعرض حتمًا للوحوش المفترسة وسط الوعر الخارجي الذي اختاره. يتطلع النبي إلى رافضي الإيمان ليرى مراقبيهم عُمْيًا كلهم بلا معرفة روحية [10] إذ لا ينعمون بعطية الروح القدس واهب الاستنارة؛ صاروا ككلاب عاجزة عن النبح، لا تقدر أن تنطق حتى بكلمة للبنيان لخلاص القطيع، متهاونون ومتراخون: "حالمون مضطجعون محبو النوم" [10]. رُعاتهم ككلاب تأكل ولا تنبح، تهتم بالربح القبيح لا بنفع الشعب، أي طماعون لا يفهمون الحب الرعوي الباذل [11]. يسكرون ويلهون، بل ويدعون الآخرين ليشاركوهم سكرهم وترفهم، حاسبين أن حياة اللهو والترف تدوم إلى الغد بل ويتوقعون ترفًا أكثر مما هم عليه. هذه هي صورة الرعاية الفاقدة للحب الإلهي الحق. بينما في بداية هذا الأصحاح يفتح الرب بيته الروحي لكل الشعوب بلا تمييز، داعيًا الغرباء للتمتع بالاقتراب منه والاتحاد معه لنوال شركة أمجاده الأبدية، يطلب حتى الساقطين أن يرجعوا إليه لينعموا بحبه، إذ به يقابل ذلك بأنانية بعض الرعاة الذين تقوقعوا حول "الأنا ego"، ليغلقوا أبواب مراحم الله في وجوه الناس، يطلبون ما هو للذتهم الوقتية على حساب خلاص الآخرين. الرجاسات كعائق للخلاص بعدما تحدث عن دعوة الله المجانية لكل العطاش كي يشربوا من ينابيع الخلاص، وانفتاح بيت الرب للعبادة السماوية المفرحة حتى لا يشعر أحد أنه غريب أو عقيم يقدم لنا في الأصحاحات (57-59) عوائق التمتع بعمل الله الخلاصي والدخول إلى بيت الرب. في هذا الأصحاح يركز على الرجاسات أو الزنا الروحي كعائق، فاتحًا أبواب الرجاء أمام الراجعين إليه. 1. موت الصديق: "بَادَ الصِّدِّيقُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ ذلِكَ فِي قَلْبِهِ. وَرِجَالُ الإِحْسَانِ يُضَمُّونَ، وَلَيْسَ مَنْ يَفْطَنُ بِأَنَّهُ مِنْ وَجْهِ الشَّرِّ يُضَمُّ الصِّدِّيقُ. يَدْخُلُ السَّلاَمَ. يَسْتَرِيحُونَ فِي مَضَاجِعِهِمِ. السَّالِكُ بِالاسْتِقَامَةِ." [1-2]. هنا يتحدث النبي عما يحل بأولاد الله عبر الأجيال إذ يسقطون تحت ضيقات كثيرة بلا سبب، مجروحين كمخلصهم حتى في بيوت أحبائهم (زك 13: 6)، يجدون عداوة حتى من أهل بيتهم (مت 10: 36). لكن النبي يتحدث هنا بالأكثر عن عصر منسى الملك الذي سفك دماء بريئة كثيرة (2 مل 21، 2 أي 33) حتى اشتهى الأبرار الموت وحسبوه راحة مما رأوه بأعينهم. وينطبق ذلك بأكثر وضوحًا في أيام الدجال أو ضد المسيح حيث يملك إنسان الخطية في هيكل الرب ويضطهد الكنيسة (2 تس 2: 4 إلخ.)، حتى يُقال: "من هو مثل الوحش؟! من يستطيع أن يحاربه؟!" (رؤ 13: 4)، "وأُعطى أن يصنع حربًا مع القديسين ويغلبهم وأُعطى سلطانًا على كل قبيلة ولسان وأمة... هنا صبر القديسين وإيمانهم" (رؤ 13: 7، 10). أمام هذا المرّ يُقال: "من وجه الشر يُضم الصِّدّيق" [2]. إذ يُباد الصّديقون أو يُضطهدون ويقتلون لا يفكر أحد في ذلك، إذ يعيش الأشرار في لهو كأطفال صغار بلا فهم يموت والدوهم والمحبون الذين يخدمونهم وهم لا يدرون، أما الصديقون فيفرحون بالموت حاسبين ذلك إفراجًا عن نفوسهم من الجو القاتل للنفس، جو الشر البغيض. * "في رسالته إلى أرملة شابة". حقا لو أنه هلك بالكلية أو انتهى أمره تمامًا، لكان ذلك كارثة عظمى، وكان الأمر محزنًا. لكن إن كان كل ما في الأمر أنه أبحر إلى ميناء هادئ وقام برحلة إلى الله الذي هو بالحق ملكه، لهذا يلزمنا ألا نحزن بل نفرح. فإن هذا الموت ليس موتًا، إنما هو نوع من الهجرة والانتقال من سيئ إلى أحسن، من الأرض إلى السماء، من وسط البشر إلى الملائكة ورؤساء الملائكة بل ويكون مع الله رب الملائكة ورؤساء الملائكة... الآن هو في أمان وهدوء عظيم. * لو كان زوجك سالكًا مثل أولئك الذين يعيشون في حياة مخجلة لا ترضي الله كان بالأولى لك أن تنوحي وتبكي، ليس فقط عند انتقاله، بل حتى أثناء وجوده حيًا هنا. ولكن بقدر ما هو من أصدقاء الله يلزمنا أن نُسر به، ليس فقط وهو حيّ هنا بل وعندما يرقد مستريحًا أيضًا... استمعي إلى ما يقوله الرسول: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدًا" (في 1: 23). القديس يوحنا الذهبي الفم إذ حزن التلاميذ عندما أعلن لهم المسيح معلم خلاصنا ومعلم أعمالنا الصالحة أنه سينطلق قال لهم: "لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلى الآب" (يو 14: 28)؛ معلمًا إيانا أن نفرح عند رحيل أحد أحبائنا من هذا العالم ولا نحزن، متذكرين حقًا قول الرسول الطوباوي بولس: "لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح" (في 1: 21)؛ حاسبين في الموت أعظم ربح... فبالموت نترك الأتعاب المؤلمة ونتخلص من أنياب الشيطان السامة لنذهب إلى دعوة المسيح لنا، متهللين بالخلاص الأبدي. الشهيد كبريانوس * بالموت يهرب الأولاد من الضيقات التي تفوق طاقتهم، نائلين سعادة جزاء صبرهم وبراءتهم. الشهيد كبريانوس 2. إدانة الأشرار: 3 «أَمَّا أَنْتُمْ فَتَقَدَّمُوا إِلَى هُنَا يَا بَنِي السَّاحِرَةِ، نَسْلَ الْفَاسِقِ وَالزَّانِيَةِ. 4 بِمَنْ تَسْخَرُونَ، وَعَلَى مَنْ تَفْغَرُونَ الْفَمَ وَتَدْلَعُونَ اللِّسَانَ؟ أَمَا أَنْتُمْ أَوْلاَدُ الْمَعْصِيَةِ، نَسْلُ الْكَذِبِ؟ 5 الْمُتَوَقِّدُونَ إِلَى الأَصْنَامِ تَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ، الْقَاتِلُونَ الأَوْلاَدَ فِي الأَوْدِيَةِ تَحْتَ شُقُوقِ الْمَعَاقِلِ. 6 فِي حِجَارَةِ الْوَادِي الْمُلْسِ نَصِيبُكِ. تِلْكَ هِيَ قُرْعَتُكِ. لِتِلْكَ سَكَبْتِ سَكِيبًا وَأَصْعَدْتِ تَقْدِمَةً. أَعَنْ هذِهِ أَتَعَزَّى؟ 7 عَلَى جَبَل عَال وَمُرْتَفِعٍ وَضَعْتِ مَضْجَعَكِ، وَإِلَى هُنَاكَ صَعِدْتِ لِتَذْبَحِي ذَبِيحَةً. 8 وَرَاءَ الْبَابِ وَالْقَائِمَةِ وَضَعْتِ تَذْكَارَكِ، لأَنَّكِ لِغَيْرِي كَشَفْتِ وَصَعِدْتِ. أَوْسَعْتِ مَضْجَعَكِ وَقَطَعْتِ لِنَفْسِكِ عَهْدًا مَعَهُمْ. أَحْبَبْتِ مَضْجَعَهُمْ. نَظَرْتِ فُرْصَةً. 9 وَسِرْتِ إِلَى الْمَلِكِ بِالدُّهْنِ، وَأَكْثَرْتِ أَطْيَابَكِ، وَأَرْسَلْتِ رُسُلَكِ إِلَى بُعْدٍ وَنَزَلْتِ حَتَّى إِلَى الْهَاوِيَةِ. 10 بِطُولِ أَسْفَارِكِ أَعْيَيْتِ، وَلَمْ تَقُولِي: يَئِسْتُ. شَهْوَتَكِ وَجَدْتِ، لِذلِكَ لَمْ تَضْعُفِي. 11 وَمِمَّنْ خَشِيتِ وَخِفْتِ حَتَّى خُنْتِ، وَإِيَّايَ لَمْ تَذْكُرِي، وَلاَ وَضَعْتِ فِي قَلْبِكِ؟ أَمَّا أَنَا سَاكِتٌ، وَذلِكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ، فَإِيَّايَ لَمْ تَخَافِي. 12 أَنَا أُخْبِرُ بِبِرِّكِ وَبِأَعْمَالِكِ فَلاَ تُفِيدُكِ. 13 إِذْ تَصْرُخِينَ فَلْيُنْقِذْكِ جُمُوعُكِ. وَلكِنِ الرِّيحُ تَحْمِلُهُمْ كُلَّهُمْ. تَأْخُذُهُمْ نَفَخَةٌ. أَمَّا الْمُتَوَكِّلُ عَلَيَّ فَيَمْلِكُ الأَرْضَ وَيَرِثُ جَبَلَ قُدْسِي». يُعاني الصديقون من الأشرار، لكن ماذا يقدر الأشرار أن يفعلوا بهم؟ فإنه حتى الموت يحسبه الأبرار عطية إلهية خلالها يعبرون من الجو القاتم لينعموا باللقاء مع عريس نفوسهم المفرح. أما الأشرار فيستدعيهم الرب للمحاكمة، خلالها يتم الآتي: أ. يحمل الأشرار عدة ألقاب من بينها: * أبناء الساحرة: لقد رفضت الأمة كلها كلمات الأنبياء الصادقة والتجأت إلى السحر والعِرَافة للتعرف على المستقبل وطلب المشورة؛ هذا يُحسب رفضًا للانتساب لله وقبول البنوة لإبليس وأعماله الشريرة، فحُسب الأشرار بني الساحرة الساخرة بالله [4]. * نسل الفاسق والزانية [3]: لا علاقة لهم بالحياة البارة لا من جهة الأب ولا من جهة الأم، الأب فاسق والأم زانية؛ هكذا حلّ الفساد بالكل: الرجال والنساء. لقد افتخروا بأن الله أبوهم وصهيون أمهم، لكن رجاساتهم كشفت عن حقيقتهم أنهم تركوا الانتساب إلى الله وكنيسته لينتسبوا للشرير ومملكته. يقول الإنجيلي: "قالوا له: إننا لم نولد من زنى، لنا أب واحد وهو الله؛ فقال لهم يسوع: لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني لأني خرجت من قبل الله وأتيت... أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا، ذاك كان قتّالًا للناس من البدء... كذاب وأبو الكذاب" (يو 8: 41-44). * أولاد المعصية [4]، لأنهم رفضوا الطاعة لله والاستجابة لإعلاناته النبوية ووصاياه. * نسل الكذب [5]؛ يعالجون أخطاءهم بالكذب والخداع، عوض الصراحة والوضوح. ب. انغماسهم في عبادة الأصنامباندفاع شديد ليقيموا أصنامًا ويوقدوا تحت كل شجرة خضراء ويقدموا أطفالهم ذبائح بشرية يحرقونهم لحساب البعل والعشتاروت [5]. هذه الصورة البشعة التي فيها أعلن البشر جحودهم لله ولأطفالهم لا زالت قائمة بصورة أو أخرى حتى اليوم، فعوض أن نشكره من أجل عطاياه (الشجر الأخضر) نقدم أحيانًا قلوبنا ملتهبة شرًا لحساب إبليس ومملكته كوقائد نجسة مقامة في القلوب، وعوض رعايتنا لحياتنا الداخلية لننعم بثمار روحية للنفس والجسد، أي ننجب أولادًا وبنات في قلوبنا تسبح الله نقدم طاقات النفس والجسد كذبائح بشرية لحساب عدو الخير. ج. ممارستهم الشر في الوديان [6] كما على الجبال العالية [7] وفي البيوت [8]... كأن الشر غير مرتبط بالمكان ولا بالظروف وإنما بالقلب الذي انحرف عن خالقه وأراد الاستقلال عنه. لعله أراد أيضًا تأكيد أن الأشرار في عدم حيائهم يصنعون الشر علانية وخفية، في الأماكن العامة كما داخل البيوت. د. يشبه الأشرار بامرأة زانية لا تشبع من الشر بل توسع مضطجعها [8] لتقبل الدخول في عهد مع كل أحد، وتتحد مع أي إنسان، عوض اتحادها مع الله كعريس وحيد لنفسها تقيم معه عهدًا أبديًا. لقد أحبت الأشرار لا لأشخاصهم، إنما لأجل الاضطجاع معها كفرصة لإشباع شهوات الجسد [8]. ه. قدمت تذكارات -رسومات أو تماثيل- لمن ترتكب معهم الشر؛ عوض التوبة تفتخر بالشر. ربما عَنَى بالتذكارات إقامة التماثيل الوثنية كزنا روحي، والارتباط بآلهة غريبة عوض الله بعلها، أو لأن الزنا التحم بالوثنية في حياتها. و. تجملت ودهنت نفسها بالأطياب وبعثت رُسلا إلى الملك ليرتكب معها الشر فتنحدر إلى الهاوية [9]. ربما عَنَى بالملك هنا فرعون الذي أرسلوا إليه لكي ينقذهم من آشور، فحسب الله هذا العمل زنًا روحيًا، بكونه اتكالًا على الذراع البشري عوض الثقة بالله. إرسالها للملك يُشير إلى التحامها بالسلطة، كما سيحدث في أيام الدجال حيث يلتحم العمل الديني المنحرف بالسلطة الزمنية، فتصير مقاومة الكنيسة خلال التجديف مع استخدام العنف ضدها. ز. تسعى نحو الشر باجتهاد في أسفار كثيرة حتى يحل بها العياء دون أن تيأس، فبسبب شهوة الشر لا تضعف ولا تمل [10]. ح. ترتكب الشر دون خوف الله رجلها؛ فإنها لم تستجب لا لتهديداته، إذ لم تحمل مخافة الرب [11]، ولا أيضًا لتشجيعه إياها بإبراز أعمالها الصالحة [12]. ط. اتكالها على محبيها وعاشقيها كجموع معجبة بها، فإذا بهم جميعًا يُحملون معها كما بريح أو يطيرون بنفخة فلا يوجدون. ربما عَنَى بمحبيها الآلهة الوثنية إذ صارت تصرخ إليها دون أن تجد تجاوبًا منهم، لأنهم عاجزون عن تقديم الخلاص؛ يُبددها الرب معهم كريح وكنفخة سريعة. 3. بركات الرجوع إلى الله: 14 وَيَقُولُ: «أَعِدُّوا، أَعِدُّوا. هَيِّئُوا الطَّرِيقَ. ارْفَعُوا الْمَعْثَرَةَ مِنْ طَرِيقِ شَعْبِي». 15 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الْعَلِيُّ الْمُرْتَفِعُ، سَاكِنُ الأَبَدِ، الْقُدُّوسُ اسْمُهُ: «فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ الْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ الْمُنْسَحِقِ وَالْمُتَوَاضِعِ الرُّوحِ، لأُحْيِيَ رُوحَ الْمُتَوَاضِعِينَ، وَلأُحْيِيَ قَلْبَ الْمُنْسَحِقِينَ. 16 لأَنِّي لاَ أُخَاصِمُ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ أَغْضَبُ إِلَى الدَّهْرِ. لأَنَّ الرُّوحَ يُغْشَى عَلَيْهَا أَمَامِي، وَالنَّسَمَاتُ الَّتِي صَنَعْتُهَا. 17 مِنْ أَجْلِ إِثْمِ مَكْسَبِهِ غَضِبْتُ وَضَرَبْتُهُ. اَسْتَتَرْتُ وَغَضِبْتُ، فَذَهَبَ عَاصِيًا فِي طَرِيقِ قَلْبِهِ. 18 رَأَيْتُ طُرُقَهُ وَسَأَشْفِيهِ وَأَقُودُهُ، وَأَرُدُّ تَعْزِيَاتٍ لَهُ وَلِنَائِحِيهِ 19 خَالِقًا ثَمَرَ الشَّفَتَيْنِ. سَلاَمٌ سَلاَمٌ لِلْبَعِيدِ وَلِلْقَرِيبِ، قَالَ الرَّبُّ، وَسَأَشْفِيهِ. 20 أَمَّا الأَشْرَارُ فَكَالْبَحْرِ الْمُضْطَرِبِ لأَنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْدَأَ، وَتَقْذِفُ مِيَاهُهُ حَمْأَةً وَطِينًا. 21 لَيْسَ سَلاَمٌ، قَالَ إِلهِي، لِلأَشْرَارِ. مع ما ارتكبوه من فساد وزنا روحي فإن الله ينتظر رجوعهم إليه بالتوبة ليهبهم البركات التالية: أ. يرثون الأرض كطريق يعبرون به إلى الميراث الأبدي. وكما يقول الرب: "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض" (مت 5: 5)، وجاء في المزمور "لأن عاملي الشر يقطعون، والذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض" (مز 37: 9). "أما المتوكل عليّ فيملك الأرض ويرث جبل قدسي. ويقول: اعدوا اعدوا، هيئوا الطريق" [13-14]. إن كانت الأرض هنا تُشير إلى كنعان وجبل قدس الرب تُشير إلى صهيون، فان التوبة تهب الإنسان تمتعًا بالبركات الإلهية في هذا العالم كعربون لأورشليم السماوية. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن الله وعدنا بمهر سماوي: "ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان" (1 كو 2: 9) [لقد عين هذه كمهر وهي: الخلود، تسبيح الملائكة، التخلص من الموت، التحرر من الخطية، ميراث الملكوت الذي ثروته عظيمة هكذا، البر، التقديس، الخلاص من الشرور الحاضرة، اكتشاف البركات المستقبلة. عظيم هو مهري...! هدايا الخطبة هي البركات الحاضرة التي تشوّقنا إلى البركات المقبلة، أما المهر بكماله فيُعْطَى في الحياة الأخرى]. إن كانت "الأرض" تُشير إلى الجسد فان العربون الذي نناله هنا هو أن نملك الجسد أي نحمل سلطانًا عليه لنحيا مقدسين في الجسد بروح الله الساكن فينا. بقوله "اعدوا، اعدوا، هيئوا الطريق" [14]، إنما يعني قبولنا المسيح مخلصنا بكونه "الطريق"، به وفيه ننعم بالميراث الأبدي. ب. نزع العثرة، إذ يُقال: "ارفعوا المعثرة من طريق شعبي" [14]. ج. سكنى الله في وسطهم إذ يُحسبون جبل الله المرتفع المقدس [15]. بقدر ما يتضعون في أعين أنفسهم يرفعهم الله ويحسبهم أهلًا لسكناه، إذ يُقال: "اسكن... مع المنسحق والمتواضع الروح لأحييّ روح المتواضعين ولأحييّ قلب المنسحقين" [15]. * إنه بعيد عن المتكبر، قريب من المتواضع؛ "لأن الرب عالٍ ويرى المتواضع" (مز 138: 6). لا يظن المتكبرون في أنفسهم أنهم غير منظورين، "أما المتكبر فيعرفه من بعيد" (مز 138: 6). لقد رأى الفريسي من بعيد، إذ افتخر بذاته، أما العشار فكان قريبًا منه ليعينه لأنه اعترف (بخطاياه) (لو 18: 9-14). القديس أغسطينوس القديس يوحنا الذهبي الفم "لأني لا أخاصم إلى الأبد ولا أغضب إلى الدهر" [16]. وكما يقول القديس أغسطينوسأن ما نُعانيه من متاعب هنا هو بسبب غضب الله (على خطايانا) حتى نتوب. يكمل الحديث هكذا: "لأن الروح يُغشى عليها أمامي والنسمات التي صنعتها" [16]... الله الذي خلق النفوس البشرية لن يتركها بل يشتاق ويعمل لخلاصها. "من أجل أثم مكسبه غضبت وضربته، استترت وغضبت فذهب عاصيًا في طريق قلبه، رأيت طرقه وسأشفيه أقوده وارد تعزيات له ولنائحيه" [17-18]. ما يحل به من ضربات هو غضب إلهي، فان الله في محبته يستتر ويغضب ليضرب أولاده إلى حين. ربما عَنَى بالاستتار هنا أنه لا يحتمل أن يرى أولاده تحت الألم والضيق لذا يكون كمن يضرب ويستتر إلى لحيظة حتى يجتذب بالتعب أولاده. لذا يؤكد أنه وإن بدا كمن استتر لكن عينيه على طرق المودِّبين بواسطته حتى يشفيهم ويقودهم بنفسه ويعوض نوحهم بتعزيات إلهية. حب إلهي أبوي فائق! * إن عانيت من شر فاحتملته بلطف تُنزع عنك كل الشرور. *هكذا هو حب الله المترفق. أنه لن ينزع وجهه عن التوبة الصادقة، فإنه حتى وإن كان الإنسان قد اندفع إلى الشر حتى النهاية عينها إذ يختار الرجوع إلى الحياة الفاضلة يقبله الله ويرحب به ويعمل كل ما هو لإصلاحه ويرده إلى حالته الأولى. القديس يوحنا الذهبي الفم يدعو البعيدين (غير المؤمنين) والقريبين (المؤمنين الساقطين) لكي يأتوا بالتوبة إليه لينالوا سلامًا مضاعفًا. وكما يقول القديس أغسطينوس: [وعد الرب بالتعزية الحقيقية في كلمات إشعياء: "أعطيه تعزية حقيقية، سلامًا فوق سلام" [17] (LXX). بدون هذه التعزية يجد الناس أنفسهم وسط بهجة أرضية هي انحلال أكثر منها راحة]. وأيضًا: [ما يدعوه الشرير فرحًا ليس بفرح]. الصّوم المرفوض بعدما تحدث عن الزنا المرتبط برفض الله والتعبد للأوثان كعائق عن التمتع بخلاص الله والسكنى في بيت الله ينتقل إلى شكلية العبادة كعائق آخر، خاصة في الصوم وحفظ السبت. 1. عبادة الرياء: 1 «نَادِ بِصَوْتٍ عَال. لاَ تُمْسِكْ. اِرْفَعْ صَوْتَكَ كَبُوق وَأَخْبِرْ شَعْبِي بِتَعَدِّيهِمْ، وَبَيْتَ يَعْقُوبَ بِخَطَايَاهُمْ. 2 وَإِيَّايَ يَطْلُبُونَ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَيُسَرُّونَ بِمَعْرِفَةِ طُرُقِي كَأُمَّةٍ عَمِلَتْ بِرًّا، وَلَمْ تَتْرُكْ قَضَاءَ إِلهِهَا. يَسْأَلُونَنِي عَنْ أَحْكَامِ الْبِرِّ. يُسَرُّونَ بِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ. إن كان الالتصاق بعبدة الأوثان أثار روح الفساد والعصيان في حياة الشعب، فأقاموا عبادة الأصنام تحت كل شجرة خضراء وفي كل وادٍ وعلى الجبال والتلال علانية وارتكبوا الزنا ومارسوا الرجاسات وقدموا أطفالهم ذبائح بشرية، لكن ما هو أخطر أنهم خلطوا هذا الشر العظيم بعبادة الله الحيّ إرضاء لضمائرهم. هذا هو أخطر عدو يواجه المتدينين ويُعثر الناس في معرفة الله: الرياء أو التستر على الشر والفساد بشكليات العبادة دون التوبة الصادقة. الآن يطلب الله من النبي أن يتكلم علانية وبصوت عالٍ كبوق يفضح ضعفاتهم ويعلن عن تعدياتهم وخطاياهم، أي يكشف جراحاتهم حتى لا تهدأ ضمائرهم خلال عبادة مملوءة رياء. وكأنه بالطبيب الذي يكشف عن الجراحات أو الأمراض الخفية لعلاجها في أعماقها. يقول الرب: "نادِ بصوت عالٍ. لا تمسك. ارفع صوتك كبوق وأخبر شعبي بتعديهم وبيت يعقوب بخطاياهم" [1]. في العهد الجديد أرسل لنا ربنا يسوع روحه القدوس "يُبكت العالم على خطية" (يو 16: 8)، أي يكشف للنفس في أعماقها جراحاتها الخفية ويثيرها للتوبة عوض التستر على الجراحات فتفسد الجسد وتهلكه. كشف الخطية أو فضحها لا يعني رفض الله لشعبه أو تخليه عنهم بل على العكس علامة حب لهم لهذا يقول: "أخبر شعبي... وبيت يعقوب" [1]، دون تملق من جانبك نحوهم، بل نادِ بصوت عالٍ ولا تتوقف. عندما تحدث عن عبادة الأوثان أو الزنا أو إجازة أولادهم النار كذبائح بشرية لم يطلب الله من النبي أن يُنادي بصوت عالٍ كما ببوق لأنها خطايا واضحة لكنه إذ يتحدث عن الرياء يطلب ذلك، لأنها خطية خفية تتسلل إلى نفوس المتعبدين، يصعب على الإنسان اكتشافها. لهذا عندما وبخ الرب الزناة أو العشارين كان غالبًا ما يتحدث معهم فرادى دون جرح لمشاعرهم، أما مع القيادات المرائية فكانت كلماته حازمة وأحاديثه علانية. لقد تستر الشعب بالمظاهر الخارجية مثل: أ. الصلاة الظاهرة والمستمرة: "وإياي يطلبون يوماُ فيومًا" [2]. ب. الابتهاج بالمعرفة الروحية العقلانية: "ويُسرّون بمعرفة طرقي كأمة علمت برًا ولم تترك قضاء إلهها" [2]؛ أي يواظبون على دراسة الكتاب وحضور الاجتماعات كما لقوم عادة، أو كما ابتهج هيرودس بسماعه يوحنا المعمدان. ج. يُظهرون غيرة نحو ممارسة العدل والتقوى [2]. د. "يُسرون بالتقرب إلى الله" [2]، أي التظاهر بأنهم قريبون من الله، يتعبدون له ويعرفون أحكامه وقضاءه. 2. الصوم المرفوض: 3 يَقُولُونَ: لِمَاذَا صُمْنَا وَلَمْ تَنْظُرْ، ذَلَّلْنَا أَنْفُسَنَا وَلَمْ تُلاَحِظْ؟ هَا إِنَّكُمْ فِي يَوْمِ صَوْمِكُمْ تُوجِدُونَ مَسَرَّةً، وَبِكُلِّ أَشْغَالِكُمْ تُسَخِّرُونَ. 4 هَا إِنَّكُمْ لِلْخُصُومَةِ وَالنِّزَاعِ تَصُومُونَ، وَلِتَضْرِبُوا بِلَكْمَةِ الشَّرِّ. لَسْتُمْ تَصُومُونَ كَمَا الْيَوْمَ لِتَسْمِيعِ صَوْتِكُمْ فِي الْعَلاَءِ. 5 أَمِثْلُ هذَا يَكُونُ صَوْمٌ أَخْتَارُهُ؟ يَوْمًا يُذَلِّلُ الإِنْسَانُ فِيهِ نَفْسَهُ، يُحْنِي كَالأَسَلَةِ رَأْسَهُ، وَيْفْرُشُ تَحْتَهُ مِسْحًا وَرَمَادًا. هَلْ تُسَمِّي هذَا صَوْمًا وَيَوْمًا مَقْبُولًا لِلرَّبِّ؟ "يقولون: لماذا صمنا ولم تنظر؟ ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ؟" [3]. ويُجيب على هذا بالآتي: أ. "ها إنكم في يوم صومكم تُوجدون مسرة وبكل أشغالكم تُسخِّرون" [3]. لقد ظن الفريسي أن الله يُسر به لأنه يصوم يومين في الأسبوع (لو 18: 12)، وهؤلاء أيضًا يمارسون الصوم لكنهم يصنعون كل ما يسرهم لا ما يسر الله، علامة ذلك أنهم على خلاف الناموس لا يعطون فرصة للعاملين عندهم للراحة ومشاركتهم أصوامهم وعبادتهم بل يسخرونهم من أجل الطمع ومحبة الاقتناء والغنى. الله لا يُريد صومنا عن الطعام مجردًا، إنما يرافقه صوم النفس عن محبة العالم والطمع، الأمر الذي يظهر جليًا في معاملاتنا مع الغير. بمعنى آخر يليق بنا أن نضبط نفوسنا مع ضبط بطوننا. ربما عَنَى "بالمسرة" هنا ليس فقط النفع المادي وإنما إشباع الملذات الجسدية عوض العفة. ب. "ها انكم للخصومة والنزاع تصومون، ولتضربوا بتكْمة الشر. لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء" [4]. عوض أن يُدين الإنسان نفسه ويلومها يوم صومه، يدخل في خصومة مع الغير ويدينه، لهذا لا يقبل الله صومه ولا يسمع صوته في العلاء. هذا ما حدث عندما أراد آخاب ملك إسرائيل وإيزابل أن يسلبنا حقل نابوت اليزرعيلي، إذ خططت إيزابل لقتله ظلمًا وطلبت من الشيوخ والأشراف أن ينادوا بصوم (1 مل 21: 9، 12). في الوقت الذي فيه يمارسون الصوم يجمع الإنسان يده ليلكم أخيه ظلمًا عوض تقديم أعمال المحبة لذلك يقول الأنبا يوساب الأبح: [لا تصم بالخبز والملح وأنت تأكل لحوم الناس بالدينونة والمذمة. لا تقل إني صائم صومًا "نظيفًا" وأنت متسخ بكل الذنوب]. ج. "أَمِثْل هذا يكون صوم اختاره؟! يومًا يذلل الإنسان فيه نفسه، يحني كالأسلة رأسه ويفرش تحته مسحًا ورمادًا؟! هل تسمي هذا صومًا ويومًا مقبولًا للرب؟!" [5]. حسن للإنسان أن يربط الصوم بالتذلل والنسك، لكنه إن توقف عند المظهر الخارجي فقد جوهره. كان يليق بالصائم أن يتذلل تائبًا عن خطاياه، شاعرًا بضعفاته، فيمارس الاتضاع في قلبه جنبًا إلى جنب مع تذلله، لا أن يحمل الصورة الفريسية، كقول الرب: "ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فأنهم يُغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم" (مت 6: 16). 3. الصوم المقبول: 6 أَلَيْسَ هذَا صَوْمًا أَخْتَارُهُ: حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإِطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا، وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ. 7 أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ. أ. تقديم أعمال المحبة عوض طلب المسرة الذاتية [3] وتسخير الغير لحسابنا. الصوم هو بذل "الأنا" وصلبها لكي يحيا المسيح "الحب" فينا، فنحمل سمات محبته ونمارس عمله كأعضاء جسده. هذا هو الصوم في مفهومه الإيجابي. "أليس هذا صومًا اختاره: حل قيود الشر؛ فك عقد النير، وإطلاق المسحوقين أحرارًا وقطع كل نير؟! أليس أن تكسر للجائع خبزك، وأن تُدخل المساكين التائهين إلى بيتك؟! إذا رأيت عريانًا أن تكسوه، وأن لا تتغاضى عن لحمك؟!" [6-7]. ما أجمل القول "لا تتغاضى عن لحمك"، وكأن الصائم إذ يُصلب مع المسيح يدرك أن لحم الآخرين هو لحمه، حين يحل القيود إنما يحل قيود نفسه، حاسبًا نفسه مقيدًا مع المقيدين (عب 13: 3)، مسجونًا مع كل سجين، جائعًا ومسكينًا وتائهًا وعريانًا مع من يعانون من هذه الأمور. بالصوم يحب الآخرين كنفسه، بكونهم أعضاء بعضهم لبعض، أو أعضاء تعمل معًا في جسد واحد للرأس الواحد ربنا يسوع. * لا يُحسب الصوم صالحًا بطبيعته الذاتية، إنما يصير صالحًا ومسرًا للرب بالأعمال الأخرى. مرة أخرى، يمكن أن يُعتبر الصوم -خلال الظروف المحيطة- ليس باطلًا فحسب بل ومكروهًا بالحق كقول الرب: "عندما تصومون لا أسمع لصلواتكم". الأب ثيوناس القديس غريغوريوس النزينزي يضبط الصوم نفسك لكنه لا ينعش الآخرين. ضيقك لنفسك ينفعك إن كان فيه تعزية للغير. ها أنت تجحد نفسك؛ انظر من الذي أعطيته ما قد حرمت نفسك عنه...؟! كم فقير شبع من الإفطار الذي حرمت نفسك عنه؟! القديس أغسطينوس 8 «حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ، وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ، وَمَجْدُ الرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ. 9 حِينَئِذٍ تَدْعُو فَيُجِيبُ الرَّبُّ. تَسْتَغِيثُ فَيَقُولُ: هأَنَذَا. إِنْ نَزَعْتَ مِنْ وَسَطِكَ النِّيرَ وَالإِيمَاءَ بِالأصْبُعِ وَكَلاَمَ الإِثْمِ 10 وَأَنْفَقْتَ نَفْسَكَ لِلْجَائِعِ، وَأَشْبَعْتَ النَّفْسَ الذَّلِيلَةَ، يُشْرِقُ فِي الظُّلْمَةِ نُورُكَ، وَيَكُونُ ظَلاَمُكَ الدَّامِسُ مِثْلَ الظُّهْرِ. 11 وَيَقُودُكَ الرَّبُّ عَلَى الدَّوَامِ، وَيُشْبعُ فِي الْجَدُوبِ نَفْسَكَ، وَيُنَشِّطُ عِظَامَكَ فَتَصِيرُ كَجَنَّةٍ رَيَّا وَكَنَبْعِ مِيَاهٍ لاَ تَنْقَطِعُ مِيَاهُهُ. 12 وَمِنْكَ تُبْنَى الْخِرَبُ الْقَدِيمَةُ. تُقِيمُ أَسَاسَاتِ دَوْرٍ فَدَوْرٍ، فَيُسَمُّونَكَ: مُرَمِّمَ الثُّغْرَةِ، مُرْجِعَ الْمَسَالِكِ لِلسُّكْنَى. أ. التمتع بالنور الإلهي: "حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك" [8]. إذ يمارس الإنسان الصوم بصورته الإيجابية إنما يتمتع بالاتحاد مع الآب خلال ابنه الوحيد بروحه القدوس، فيصير الله "النور الحقيقي" مشرقًا فيه كنوره الخاص به. "يشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر" [10]. صورة رائعة للصوم المرتبط بالعطاء والبذل لحساب الغير خلال اتحادنا بالله محب البشر. إن كان المساكين والمتألمون يشعرون وسط مرارتهم كمن هم في ظلمة فإن عمل المحبة النابع عن قلب متسع يكون كإشراقة الشمس التي تُبدد الظلمة. هذا النور لا ينبع عن مظهر العطاء الخارجي إنما عن تجلي رب المجد في القلب المحب. وكما يقول رب المجد: "أنتم نور العالم... فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 14، 16). الصوم المرتبط بالحب النابع من القلب حيث مملكة المسيح قائمة والمترجم بالسلوك العملي يلتحم مع صوم السيد المسيح فيتقدس ويُقبل لدى الآب. ب. التمتع بصحة الروح والنفس والجسد، "وتنبت صحتك سريعًا" [8]؛ "وينشط عظامك فتصير كجنة ريا وكنبع مياه لا تنقطع مياهه" [8، 11]. ما هي العظام التي تنشط إلاَّ صحة النفس التي تتمتع بعظام الإيمان الذي يسند حياة الإنسان كلها؟! كأن الصوم المقدس يعين الجسد، وقد ثبت علميًا أن الصوم بفترة الانقطاع مع الامتناع عن الدسم مفيد صحيًا؛ كما هو مفيد للنفس التي بالصوم تخضع في اتضاع لله ليُثبتها وينميها في الإيمان ليقيم منها فردوسه الذي لا تجف مياه أنهاره وينابيعه. ج. التمتع بالله كقائد للنفس وكمصدر مجدها الداخلي وبّرها: "ويسير برك أمامك ومجد الرب يجمع ساقتك" [8]؛ "يقودك الرب على الدوام" [11]. د. استجابة الصلاة: "حينئذ تدعو فيجيب الرب، تستغيث فيقول هأنذا" [9]. مادمنا في أصوامنا نتطلع لا إلى الشكل الخارجي إنما إلى انفتاح القلب لله خلال قدسية الحياة واتساعه بالحب نحو البشر، لهذا يفرح الله بمثل هذا الصوم، معلنًا ذلك خلال استجابته للصلاة. * أتُريد أن ترفع صلاتك إلى الله؟ ليكن لها جناحًا العطاء والصوم! القديس أغسطينوس القديس أغسطينوس ه. حالة شبع داخلي: "ويشبع في الجدوب (القفار) نفسك" [11]. بذواتنا نحن قفار وجدوب، لكننا إذ بالحب نٌشبع الجياع يشبعنا الله من عندياته بالرغم من العجز التام لإمكانياتنا. و. بناء الآخرين: "ومنك تبني الخرب القديمة. تقيم أساسات دور فدور فيسمونك مرمم الثغرة مرجع السالك للسكنى" [12]. حينما تمتد أيدينا إلى العمل بالله في الأمور الصغيرة كالعطاء المادي أو تعزية الحزانى إلخ... يهبنا ما هو أعظم أن نكون علة بناء حياة الغير الداخلية كمسكن مقدس للرب. 5. حفظ السبت: 13 «إِنْ رَدَدْتَ عَنِ السَّبْتِ رِجْلَكَ، عَنْ عَمَلِ مَسَرَّتِكَ يَوْمَ قُدْسِي، وَدَعَوْتَ السَّبْتَ لَذَّةً، وَمُقَدَّسَ الرَّبِّ مُكَرَّمًا، وَأَكْرَمْتَهُ عَنْ عَمَلِ طُرُقِكَ وَعَنْ إِيجَادِ مَسَرَّتِكَ وَالتَّكَلُّمِ بِكَلاَمِكَ، 14 فَإِنَّكَ حِينَئِذٍ تَتَلَذَّذُ بِالرَّبِّ، وَأُرَكِّبُكَ عَلَى مُرْتَفَعَاتِ الأَرْضِ، وَأُطْعِمُكَ مِيرَاثَ يَعْقُوبَ أَبِيكَ، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ». بعدما قدم صورة حيَّة عن الصوم المقبول كشف لنا عن حفظ السبت بالمفهوم الروحي الحق بكونه راحة روحية في الرب، مطالبًا إيانا بالآتي: أ. "رددت عن السبت رجلك عن عمل مسرتك يوم قدسي" [13]. إن كان السبت هو يوم الرب المقدس لذا يليق فيه الكف عن إشباع المسرات أو الملذات الجسدية لنمارس الحياة القدسية. ب. التمتع باللذة والسرور في الرب يكرّم صاحب السبت ويمجده [13]... وكأن السبت ليس حرمانًا بل شبع داخلي وفرح، خلاله يحملنا الرب كما على مرتفعات الأرض لنحلق في السمويات ويطعمنا مِن مَنِّ الميراث الأبدي [14]. عصياننا يحجب الخلاص عنا في الأصحاح 57 يتحدث عن الزنا الملتحم بالوثنية كعائق للتمتع بعمل الله الخلاصي المجاني، وفي الأصحاح 58 يتحدث عن الرياء كداء خطير يصيب المتدينين، والآن في هذا الأصحاح يتحدث عن العصيان لله كعائق. 1. الخطايا الحاجبة وجه الرب: 1 هَا إِنَّ يَدَ الرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ، وَلَمْ تَثْقَلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَعَ. 2 بَلْ آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ. 3 لأَنَّ أَيْدِيَكُمْ قَدْ تَنَجَّسَتْ بِالدَّمِ، وَأَصَابِعَكُمْ بِالإِثْمِ. شِفَاهُكُمْ تَكَلَّمَتْ بِالْكَذِبِ، وَلِسَانُكُمْ يَلْهَجُ بِالشَّرِّ. 4 لَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِالْعَدْلِ، وَلَيْسَ مَنْ يُحَاكِمُ بِالْحَقِّ. يَتَّكِلُونَ عَلَى الْبَاطِلِ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِالْكَذِبِ. قَدْ حَبِلُوا بِتَعَبٍ، وَوَلَدُوا إِثْمًا. 5 فَقَسُوا بَيْضَ أَفْعَى، وَنَسَجُوا خُيُوطَ الْعَنْكَبُوتِ. الآكِلُ مِنْ بَيْضِهِمْ يَمُوتُ، وَالَّتِي تُكْسَرُ تُخْرِجُ أَفْعَى. 6 خُيُوطُهُمْ لاَ تَصِيرُ ثَوْبًا، وَلاَ يَكْتَسُونَ بِأَعْمَالِهِمْ. أَعْمَالُهُمْ أَعْمَالُ إِثْمٍ، وَفَعْلُ الظُّلْمِ فِي أَيْدِيهِمْ. 7 أَرْجُلُهُمْ إِلَى الشَّرِّ تَجْرِي، وَتُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ الزَّكِيِّ. أَفْكَارُهُمْ أَفْكَارُ إِثْمٍ. فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسَحْقٌ. 8 طَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ، وَلَيْسَ فِي مَسَالِكِهِمْ عَدْلٌ. جَعَلُوا لأَنْفُسِهِمْ سُبُلًا مُعْوَجَّةً. كُلُّ مَنْ يَسِيرُ فِيهَا لاَ يَعْرِفُ سَلاَمًا. "ها أن يد الرب لم تُقصر عن أن تُخلص، ولم تثقل أذنه عن أن تسمع؛ بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع" [1-2]. من جهة الرب فهو القدير لا تقصر يده عن أن تخلص وهو الآب المحب لا تثقل أذنه عن سماع صوت أولاده، إنما العيب كله في الإنسان الذي صارت آثامه -عصيانه للرب- حجابًا يفصل بين الله والإنسان، أفسدت عيني الإنسان فلم يعد يرى وجه الله، وأفسدت صوته فلم يعد لائقًا كي يسمعه الرب. الله يُريد أن يُخلِص وقادر على ذلك لكنه لا يلزمنا قسرًا، فتقف معاصينا وشرورنا عائقًا عن التمتع به وبخلاصه. * ما دام هذا هو السبب الذي يجعلنا بعيدين عن الله، فلننزع هذا الحاجز البغيض الذي يُحرمنا من الاقتراب منه. القديس يوحنا الذهبي الفم الأب ثيوفان الناسك بمعنى آخر، خطايانا وآثامنا ليست فقط مجرد تصرفات معينة وإنما هي مؤشر عن حالة النفس الداخلية ومركزها بالنسبة لله... إذ تظن أن في الالتصاق معه نوعًا من العبودية والحرمان، فتُريد الخلاص منه والتحرر من وصاياه، معبرة عن ذلك بوسيلة أو أخرى. لهذا يصوّر لنا الكتاب المقدس الخطية أحيانًا ككائن مقاوم لله، فيقول الرسول: "دخلت الخطية إلى العالم" (رو 5: 12). عمل الخطية -دستور مملكة إبليس- انتزاع البشرية عن مملكة الله وحرمانهم من الالتقاء بأبيهم والتمتع بانعكاس صورته عليهم والشركة في الطبيعة الإلهية، أما برّ المسيح فعمله سحب النفوس المخدوعة إلى ملكوت الله لتستر صلاحها وتتمثل بابن الله وتشاركه سماته ومجده. إن كانت الخطية هي "حالة النفس" ومركزها لكنها تُترجم بتصرفات داخلية في القلب والفكر والأحاسيس كما بتصرفات خارجية بالكلمات والعمل. يقول القديس كبريانوس: [لقد قُدمت حقيقة الأمر بفم النبي بروح إلهي... أن الله يستطيع أن يمنع الأشياء المقاومة لكن استحقاقات الخطاة الشريرة تمنع تقديمه العون... لتُحصى خطاياكم ومعاصيكم، لتؤخذ في الاعتبار جراحات ضمائركم، ليكف كل واحد منكم عن التذمر على الله وعلينا، إن حسب نفسه مستحقًا ما يُعاني منه]. يعدد النبي هنا مجموعة من الخطايا سبق أن ارتكبها الشعب، ولا يزال يسقط فيها كثير من البشر: أ. القتل أو العنف: "لأن أيديكم قد تنجست بالدم وأصابعكم بالإثم" [3]. إن كان "الله محبة"، دستوره الحنو والترفق والرأفة، فإن الخطية دستورها البغضة والعنف والقتل ظلمًا. لهذا إذ أراد الرب أن يقتلع مملكة الخطية من جذورها قال: "قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل... وأما أنا فأقول لكم أن كل من يغضب على أخيه باطلًا يكون مستوجب الحكم، ومن قال لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع، ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (مت 5: 21-22). ب. الكذب: "شفاهكم تكلمت بالكذب ولسانكم يلهج بالشر" [3]. إذ رفضوا الله وانتسبوا لمملكة إبليس حملوا سماتها وهي العنف ومعه الكذب والتضليل، فقد دُعِيَ عدو الخير "كذاب وأبو الكذاب" (يو8: 44)، "المضلّ". فإن كان السيد المسيح هو "الحق" فعدو الخير هو "الكذاب" و"البطلان". الكذب هو دستور مملكة إبليس لهذا يُحذرنا منه الكتاب المقدس: "كراهة الرب شفتا كذب، أما العاملون بالصدق فرضاه" (أم 12: 22). "كل كذب ليس من الحق" (1 يو 2: 21). "الفم الذي يكذب يقتل النفس" (حك 1: 11). * كل إنسان متكبر مخادع، وكل مخادع كذاب. يعاني البشر من نطقهم بالخداع، مع أنه يمكنهم أن ينطقوا بالحق بسهولة تامة. القديس أغسطينوس التشبيه الثاني أنهم صاروا كأفعى تقدم بيضًا لكنه يفقس ما يميت لا ما يشبع ويسند [5]. التشبيه الثالث أنهم كالعنكبوت الذي ينسج خيوطًا لا تستر بل تصطاد الحشرات [5-6]. في التشبيهات الثلاثة السابقة يوجد عنصر مشترك هو "الخداع"، الأول تظهر المرأة حاملًا يُنتظر أن تُنجب طفلًا فتلد إثمًا، والثاني يظهر البيض ليأكل الإنسان ويشبع فيفقس أفعى قاتلة، والثالث يرى الإنسان نسيجًا دقيقًا رائعًا لكنه من صنع العنكبوت لا يستر العُرى إنما يصطاد حشرات ليقتلها. هذه هي التشبيهات التي يُقدمها عمن يحكمون بالظلم تحت اسم العادلة. د. أما ما هو أخطر، أن ما يرتكبونه من آثام مذكورة هنا أو غير واردة لا يسقطون فيها عن ضعف لا إراديًا إنما يجرون إليها بأنفسهم، ويسرعون نحو ارتكابها كمن يبتهج بها [7]. 2. أثر الخطايا: 9 مِنْ أَجْلِ ذلِكَ ابْتَعَدَ الْحَقُّ عَنَّا، وَلَمْ يُدْرِكْنَا الْعَدْلُ. نَنْتَظِرُ نُورًا فَإِذَا ظَلاَمٌ. ضِيَاءً فَنَسِيرُ فِي ظَلاَمٍ دَامِسٍ. 10 نَتَلَمَّسُ الْحَائِطَ كَعُمْيٍ، وَكَالَّذِي بِلاَ أَعْيُنٍ نَتَجَسَّسُ. قَدْ عَثَرْنَا فِي الظُّهْرِ كَمَا فِي الْعَتَمَةِ، فِي الضَّبَابِ كَمَوْتَى. 11 نَزْأَرُ كُلُّنَا كَدُبَّةٍ، وَكَحَمَامٍ هَدْرًا نَهْدِرُ. نَنْتَظِرُ عَدْلًا وَلَيْسَ هُوَ، وَخَلاَصًا فَيَبْتَعِدُ عَنَّا. 12 لأَنَّ مَعَاصِيَنَا كَثُرَتْ أَمَامَكَ، وَخَطَايَانَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا، لأَنَّ مَعَاصِيَنَا مَعَنَا، وَآثَامَنَا نَعْرِفُهَا. 13 تَعَدَّيْنَا وَكَذِبْنَا عَلَى الرَّبِّ، وَحِدْنَا مِنْ وَرَاءِ إِلهِنَا. تَكَلَّمْنَا بِالظُّلْمِ وَالْمَعْصِيَةِ. حَبِلْنَا وَلَهَجْنَا مِنَ الْقَلْبِ بِكَلاَمِ الْكَذِبِ. 14 وَقَدِ ارْتَدَّ الْحَقُّ إِلَى الْوَرَاءِ، وَالْعَدْلُ يَقِفُ بَعِيدًا. لأَنَّ الصِّدْقَ سَقَطَ فِي الشَّارِعِ، وَالاسْتِقَامَةَ لاَ تَسْتَطِيعُ الدُّخُولَ. 15 وَصَارَ الصِّدْقُ مَعْدُومًا، وَالْحَائِدُ عَنِ الشَّرِّ يُسْلَبُ. فَرَأَى الرَّبُّ وَسَاءَ فِي عَيْنَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَدْلٌ. أ. الحرمان من الاقتراب نحو الله "الحق": "من أجل ذلك ابتعد الحق عنا ولم يدركنا العدل" [5]. قبول الخطية قبول للبطلان ورفض الحق، أي دخول في مملكة إبليس وتعدي على مملكة الله. * يا لشقائي... لقد انتابتني حماقات جمة، ومع أنك أنت هو الحق غير أنني لم أطلب منك المشورة. * عندما انفصلت عنك يا إلهي لم أعد بعد موجودًا، صرت كلا شيء.... القديس أغسطينوس * يا لشقائي... لقد داست عليّ الظلمة، ومع أنك أنت النور، إلاَّ أنني حجبت وجهي عنك!. * أنت هو النور لأولاد النور! نهارك لا يعرف الغروب! نهارك يُضيء لأولادك حتى لا يتعثروا! أما الذين هم خارج عنك، فإنهم يسلكون في الظلام ويعيشون فيه...؟ كل من يبتعد عنك أيها النور الحقيقي يتوغل في ظلام الخطية، وإذ تُحيط به الظلمة لا يقدر أن يميز الفخاخ المنصوبة له على طول الطريق!. القديس أغسطينوس د. صراخ بلا نفع؛ يُصلي الكبار بصوت عالٍ فيزأرون، والصغار يهدرون كالحمام، فلا يوجد لهم خلاص [11]؛ ليس لسبب آخر غير تمسكهم بالعصيان المستمر والمتزايد، فصار رفيقًا للإنسان، يرتكبه عن معرفة [12]. بمعنى آخر لا يكفون عن الصلاة، لكن بلا جدوى لأنها لا تنبع عن قلب مخلص في اشتياقه نحو الله، وفي إيمانه بعمل الله في حياته، وفي سلوكه الروحي. إن كان الله في محبته يشتاق أن يستجيب لصلوات الإنسان وطلباته قبلما يُعِبّر عنها الإنسان بلسانه لكن الإنسان بشره وعدم إيمانه يفقد التمتع بهذه العطية الإلهية. * قد تأكد تمامًا أن صلاته لن تُستجاب! من هو هذا البائس؟ ذاك الذي يُصلي ولا يؤمن أنه سيحصل على جواب. القديس يوحنا كاسيان 3. الحاجة إلى الله المخلص: 16 فَرَأَى أَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانٌ، وَتَحَيَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ شَفِيعٌ. فَخَلَّصَتْ ذِرَاعُهُ لِنَفْسِهِ، وَبِرُّهُ هُوَ عَضَدَهُ. 17 فَلَبِسَ الْبِرَّ كَدِرْعٍ، وَخُوذَةَ الْخَلاَصِ عَلَى رَأْسِهِ. وَلَبِسَ ثِيَابَ الانْتِقَامِ كَلِبَاسٍ، وَاكْتَسَى بِالْغَيْرَةِ كَرِدَاءٍ. 18 حَسَبَ الأَعْمَالِ هكَذَا يُجَازِي مُبْغِضِيهِ سَخَطًا، وَأَعْدَاءَهُ عِقَابًا. جَزَاءً يُجَازِي الْجَزَائِرَ. 19 فَيَخَافُونَ مِنَ الْمَغْرِبِ اسْمَ الرَّبِّ، وَمِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ مَجْدَهُ. عِنْدَمَا يَأْتِي الْعَدُوُّ كَنَهْرٍ فَنَفْخَةُ الرَّبِّ تَدْفَعُهُ. 20 «وَيَأْتِي الْفَادِي إِلَى صِهْيَوْنَ وَإِلَى التَّائِبِينَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فِي يَعْقُوبَ، يَقُولُ الرَّبُّ. 21 أَمَّا أَنَا فَهذَا عَهْدِي مَعَهُمْ، قَالَ الرَّبُّ: رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ، وَكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ فَمِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِ نَسْلِكَ، قَالَ الرَّبُّ، مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ.ساء الأمر جدًا، لكن الله خالق الإنسان المهتم به ومحبوبه لا يقف متفرجًا. "فرأى الرب وساء في عينيه أنه ليس عدل. فرأى أنه ليس إنسان وتحير من أنه ليس شفيع، فخلَّصت ذراعه لنفسه وبرّه هو عَضَدَه" [15-16]. * بسبب هذا الانفصال أُرسل الشفيع لكي ينزع الخطية عن العالم التي بها انفصلنا عنه كأعداء، وذلك لكي نتصالح معه ونتحول من أعداء إلى أبناء. القديس أغسطينوس وكما يقول القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس: [لا ملاك ولا رئيس ملائكة ولا نبيًا ائتمنته على خلاصنا بل أنت وحدك تجسدت وتأنست وأشبهتنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها...]. ماذا فعل الشفيع الكفاري بنا؟ أ. تقدم المعركة كقائد لنا ونائب عن البشرية، يهبها النصرة والغلبة ببره وسلطانه: "فلبس البرّ كدرع وخوذة الخلاص على رأسه؛ ولبس ثياب الانتقام كلباس، واكتسى بالغيرة كرداء، حسب الأعمال هكذا يُجازي مبغضيه..." [17-18]. عوض الخطية التي ارتبطنا بها فحطمتنا لبس بره الإلهي درعًا لنا، وعوض الهلاك الذي حل بنا ارتدى الخلاص خوذة على رأسه، وعوض الضعف أو الانهيار الذي سقطنا فيه قام ينتقم من إبليس وكل ملائكته، يرد عليهم شرهم فيفقدون سلطانهم على الأمم في المغرب أو المشرق. يتمجد المخلص في الشعوب والأمم إذ يهبهم نصرة حتى على العدو الذي يفيض كنهر جارف لكن الرب كما بنفخة روحه القدوس يوقف فيضه [19]. ب. أقام كنيسته، صهيون الجديدة كمركز للتوبة [20]، أقامها مستشفى للمرضى وليس محكمة للقضاء والإدانة، إذ يقول: "ويأتي الفادي إلى صهيون، وإلى التائبين عن المعصية في يعقوب يقول الرب" [20]. * اللطف (بالضعفاء والخطاة) هو الفضيلة الوحيدة التي تسعى نحو نمو الكنيسة، الأمر الذي يطلبه الرب ثمنًا لدمه. اللطف هو اقتداء بحنان السماء نحو البشر، يهدف نحو خلاص الجميع. *ليتنا لا نضحك على خطية أحد بل نحزن، لأنه مكتوب: "لا تشمتي بيّ يا عدوتي، إذ سقطت أقوم، إذا جلست في الظلمة فالرب نور..." (مى 7: 8-9). لم يقل هذا بلا جدوى، لأن من يشمت بالساقطين إنما يكون قد أبتهج بنصرة الشيطان. لذلك بالحري يلزمنا أن نحزن عندما نسمع عن هلاك شخص مات المسيح لأجله. الشهيد كبريانوس |
||||
26 - 08 - 2024, 06:12 PM | رقم المشاركة : ( 171560 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
دعوة للخلاص: 1 «أَيُّهَا الْعِطَاشُ جَمِيعًا هَلُمُّوا إِلَى الْمِيَاهِ، وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ فِضَّةٌ تَعَالَوْا اشْتَرُوا وَكُلُوا. هَلُمُّوا اشْتَرُوا بِلاَ فِضَّةٍ وَبِلاَ ثَمَنٍ خَمْرًا وَلَبَنًا. 2 لِمَاذَا تَزِنُونَ فِضَّةً لِغَيْرِ خُبْزٍ، وَتَعَبَكُمْ لِغَيْرِ شَبَعٍ؟ اسْتَمِعُوا لِي اسْتِمَاعًا وَكُلُوا الطَّيِّبَ، وَلْتَتَلَذَّذْ بِالدَّسَمِ أَنْفُسُكُمْ. 3 أَمِيلُوا آذَانَكُمْ وَهَلُمُّوا إِلَيَّ. اسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ. وَأَقْطَعَ لَكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا، مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصَّادِقَةَ. 4 هُوَذَا قَدْ جَعَلْتُهُ شَارِعًا لِلشُّعُوبِ، رَئِيسًا وَمُوصِيًا لِلشُّعُوبِ. 5 هَا أُمَّةٌ لاَ تَعْرِفُهَا تَدْعُوهَا، وَأُمَّةٌ لَمْ تَعْرِفْكَ تَرْكُضُ إِلَيْكَ، مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ إِلهِكَ وَقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ قَدْ مَجَّدَكَ». جاءت الدعوة الإلهية للتمتع بخلاص الرب المجاني تحمل البنود التالية: أ. دعوة عامة للعطاش: "أيها العطاش جميعًا هلموا إلى المياه، والذي ليس له فضة تعالوا اشتروا وكلوا هلموا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن خمرًا ولبنًا" [1]. إنها دعوة عامة للجميع، أبواب الكنيسة مفتوحة أمام الكل، ينصت إليها من يشعر بالاحتياج أي "العطاش". وكما قال الرب "طوبى للجياع والعطاش إلى البر فإنهم يشبعون" (مت 5: 6). كما سبق فكررنا أن المياه في الكتاب المقدس تُشير أحيانًا إلى الروح القدس الذي يعمل في مياه المعمودية؛ وكأن الدعوة هنا موجهة إلى الجميع للتمتع بالعماد مجانًا. يتحدث القديس غريغوريوس النزينزيعن عطية العماد قائلًا: [لا تتردد مهما كانت الرحلة طويلة، إن كانت بالبحر أو بالبر ما دامت العطية مُقدمة لك، مهما كانت العوائق كثيرة أو قليلة فإن إشعياء يدعوك: "أيها العِطاش جميعًا هلموا..." يا لسرعة مراحم الله، يا لسهولة العهد! إنك تنال هذه البركة بمجرد أن تُريدها. أنه يقبل رغبتك ذاتها كثمن عظيم. أنه يتعطّش إلى عطشك، ويروي كل الراغبين في السرّ. يقدم لطفًا لكل السائلين لطفًا. إنه مستعد للعطاء بسخاء، يفرح بالعطاء أكثر من فرح نائليه]. ب. عطاء مشبع للكل، هذه العطية المجانية التي لا تُشترى بفضة ولا بثمن تقدم لكل إنسان احتياجاته؛ فيجد الكبار خمرًا يفرحهم والصغار لبنًا يسندهم. الخمر الروحي الذي يتمتع به الكبار يُشير إلى حالة الفرح التي يتمتع بها البالغون في القامة الروحية، فتتلذذ نفوسهم بدسم الرب [2]. وكما يقول الشيخ الروحاني: [طوبى للحامل في قلبه ذكرك في كل وقت، لأن نفسه تسكر دائمًا بحلاوتك]. اللبن الروحي المقدم للصغار يُشير إلى ترفق الله بالمبتدئين، فيُقدم لهم ما يناسب معدتهم الروحية حتى ينموا وينضجوا؛ يعرف كيف يُقدم لكل واحد ما هو لبنيانه وسلامه وشبعه وإروائه. هكذا لا يشعر أحد بالحرمان بل كما قيل: "كلوا الطيب ولتتلذذ بالدسم أنفسكم" [2]. * أما تريدون الشبع؟ وكيف يكون ذلك؟ يشتاق الجسد إلى الشبع، لكن يعود إليه الجوع مرة أخرى بعد الهضم، لذلك يقول السيد المسيح: "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا" (لو 4: 13)... إذن ليتنا نجوع ونعطش إلى البر، لكي ما نشبع منه.. ليت إنساننا الداخلي يجوع ويعطش حتى يكون له الطعام والشراب المناسبين له. لقد قال (الرب): "أنا هو الخبز الذي نزل من السماء" (يو 6: 41). هذا هو خبز الجياع. ليتنا نشتاق أيضًا إلى الشرب كالظمأى، "لأن عندك ينبوع الحياة" (مز 36: 9). * طوبى لمن نسى حديث العالم بحديثه معك، لأن منك تكتمل كل احتياجاته. أنت هو أكله وشربه...! أنت أعطيت روح ابنك في قلبه، والروح أعطاه دالة أن يطلب منك كل ما لك، مثلما يطلب الابن من أبيه! معك حديثه في كل حين، لأنه لا يعلم له أبًا غيرك!. الشيخ الروحاني من يمتلكك تشبع كل رغباته! لكن يا لبشاعة بؤسي! ويحي يا إلهي، فإن قلبي يميل إلى الهروب منك؛ الهروب منك أنت أيها الغني الحقيقي والفرح الحقيقي، لكي يتبع العالم الذي ليس فيه إلاَّ الحزن والألم. القديس أغسطينوس "اطلبوا الرب" أيها المحتاجون والجياع والعطاش، فانه هو الخبز الحيّ النازل من السماء (يو 6: 33، 51). "اطلبوا الرب فتحيون". أنتم تطلبون الخبز لكي يعيش جسدكم، والرب يطلبكم لكي تحيا نفوسكم. القديس أغسطينوس عيناه حمراوان بالخمر، هاتان هما شعبه الروحي الذي يسكر بكأسه؛ وأسنانه بيضاء أكثر من البن الذي هو الكلمات التي يرضعها الأطفال الذين لم يتأهلوا للطعام القوي كقول الرسول (1 كو 3: 2؛ 1 بط 2: 2). القديس أغسطينوس القديس أغسطينوس ج. دخول في عهد أبدي لإقامة مملكة داود الساقطة حسب الوعد الإلهي الصادق؛ "وأقطع لكم عهدًا أبديًا، مراحم داود الصادقة" [3]. خلال هذا العهد نصير ملوكًا (رؤ 5: 10) منتسبين لملك الملوك الذي قيل عنه "هوذا قد جعلته شارعًا للشعوب، رئيسًا وموصيًا للشعوب" [4]. هو الملك واضع شريعة العهد الجديد والوصية الجديدة لا لشعب معين بل لكل الشعوب. د. قبول الأمم الوثنية الراجعة إلى الله بالإيمان: "ها أمة لا تعرفها تدعوها وأمة لم تعرفك تركض إليك من أجل الرب إلهك وقدوس إسرائيل لأنه قد مجدك" [5]. لم يكن هذا الأمر مقبولًا لدى الشعب القديم، بل وحتى بعد انفتاح الباب أمام الأمم بقيت الكنيسة في العالم كله إلى قرون في دهشة أمام حب الله للبشرية كلها، يجتذبهم من الوثنية ورجاساتها ليعلنوا مجد الله. في عجب يقول القديس أغسطينوس: [كيف دخلتالأمم إلى الإيمان هكذا سريعًا...؟! نسألهم: ماذا تريدون؟ يجيبون: "معرفة مجد الله"]. |
||||